153 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
153_ قال الإمام أبوعبدالله بن ماجه رحمه الله ج1ص602: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ قَالَ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ.
…………………..
ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة عن عائشة ، وسئل الدارقطني عن حديث عبد الله بن بريدة، عن عائشة قالت امرأة: يا رسول الله إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع خسيسته ولم يستأمرني، فهل في نفسي من أمر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم قالت: ما كنت أرد على أبي شيئا صنعه، ولكني أحببت أن يعلم النساء ألهن في أنفسهن أمر أم لا؟.
فقال: يرويه كهمس بن الحسن، واختلف عنه؛
فرواه جعفر بن سليمان الضبعي، وعلي بن غراب، ووكيع، عن كهمس، عن ابن بريدة، عن عائشة.
وخالفهم عبد الله بن إدريس، ويزيد بن هارون، وعون بن كهمس، رووه عن كهمس، عن ابن بريدة؛ أن فتاة أتت عائشة، فقالت: إن أبي زوجني، ولم يستأمرني، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له … ، فيكون مرسلا في رواية هؤلاء الثلاثة، وهو أشبه بالصواب. العلل (15/89)
وراجع أحاديث معلة 483 للشيخ مقبل رحمه الله
وقال الشيخ الألباني في نقد نصوص حديثية : الحديث ضعيف الإسناد، لأنه من رواية كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عائشة.
قال الدارقطني والبيهقي عقبه:
«وهذا مرسل، ابن بريدة لم يسمع من عائشة رضي الله عنها».
وكل الرواة عن كهمس قالوا: عن عبد الله بن بريدة عن عائشة، سوى وكيع فقال: عن ابن بريدة عن أبيه قال: فذكره.
أخرجه ابن ماجه قال: حدثنا هناد بن السري ثنا وكيع به.
وهذا خطأ من هناد فقد قال الإمام أحمد: ثنا وكيع ثنا كهمس عن عبد الله بن بريدة عن عائشة.
وهذا هو الصواب: أن الحديث عن عائشة لموافقة هذه الرواية عن وكيع لرواية الجماعة عن كهمس.اهـ
والشيخ الألباني يثبت الاتصال بين عبد الله بن بريدة وعائشة انظر الصحيحة 3337 وقال : وقد أعل بما لا يقدح، فقال الدارقطني في “سننه ” (3/233)- وتبعه البيهقي (7/118)- في حديث آخر لعبدالله بن بريدة :
“لم يسمع من عائشة شيئاً “!
كذا قالا! وقد كنت تبعتهما برهة من الدهر في إعلال الحديث المشار بالانقطاع، في رسالتي “نقد نصوص حديثية” (ص 45)، والآن؛ فقد رجعت عنه؛ لأني تبينت أن النفي المذكور لا يوجد ما يؤيده، بل هو مخالف لما استقر عليه الأمر في علم المصطلح أن المعاصرة كافية لإثبات الاتصال بشرط السلامة من
التدليس، كما حققته مبسطاً في تخريج بعض الأحاديث، وعبدالله بن بريدة لم يرم بشيء من التدليس، وقد صح سماعه من أبيه كما حققته في الحديث المتقدم ( 2904) وغيره، وتوفي أبوه سنة (63)، بل ثبت أنه دخل مع أبيه على معاوية في “مسند أحمد” (5/347)، ومعاوية مات سنة (60)، وعائشة ماتت سنة (57)، فقد عاصرها يقيناً، ولذلك أخرج له الشيخان روايته عن بعض الصحابة ممن شاركها في سنة وفاتها أو قاربها، مثل عبدالله بن مغفل، وقريب منه سمرة بن جندب مات سنة (58). بل وذكروه فيمن روى عن عبدالله بن مسعود المتوفى سنة (32)، ولم يعلوها بالانقطاع، ولعله- لما ذكرت- لم يعرج الحافظ المزي على ذكر القول المذكور، إشارة إلى توهينه، وكذلك الحافظ الذهبي في “تاريخه “، ونحا نحوهما الحافظ العلائي في “جامع التحصيل ” (252/338)، فلم يذكره بالإرسال إلا بروايته عن عمر، وهذا ظاهر جدّاً؛ لأنه ولد لثلاث خلون من خلافة عمر.
وقال محققو سنن ابن ماجه : إسناده صحيح، لكن قوله فيه: عن بريدة شاذ، تفرد به هناد بن السري، والصواب أنه من حديث ابن بريدة عن عائشة.
وأخرجه أحمد (25043) عن وكيع، عن كهمس، عن عبد الله بن بريدة، عن عائشة.
وتابع وكيعا علي بن غراب، فأخرجه النسائي 6/ 86 من طريقه، عن كهمس، عن ابن بريدة، عن عائشة على الصواب. وانظر تمام تخريجه في “المسند”.
ويشهد له حديث خنساء بنت خِذَام السالف. اهـ
وروى الحديث أحمد بن عبيد الصفار، عن ابن أبي قماش، عن أبي ظفر عبد السلام ابن مطهر فيما أخرجه البيهقي في “معرفة السنن والآثار” (13592) عن جعفر بن سليمان، عن كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن عائشة، فذكره. بزيادة يحيى بن يعمر في الإسناد، وقال البيهقي: هكذا وجدت هذا الحديث في مسند أحمد بن عبيد الصفار موصولا بذكر يحيى بن يعمر في إسناده.
ثم ساق من رواه مرسلا، وقال: وفي إجماع هؤلاء على إرسال الحديث دليل على خطأ رواية من وصله . اهـ
قال الإتيوبي : حديث عائشة – رضي اللَّه تعالى عنها – هذا صحيح، وقد أشار المصنّف -رَحِمَهُ الله تَعَالَى- في “الكبرى” إلى تقويته، حيث قال: “قال أبو عبد الرحمن: هذا الحديث يوثّقونه” انتهى .
[فإن قلت]: كيف يكون صحيحًا، وفيه انقطاع؛ لأن عبد اللَّه بن بُريدة لم يسمع من عائشة – رضي اللَّه تعالى عنها -، كما قال الدارقطنيّ؟.
[قلت]: إنما صحّ لأمور:
(أحدها): أنه متّصل على طريقة الإمام مسلم -رحمه اللَّه تعالى-، وهي أن المعاصرة تكفي في الاتصال، حيث إن عبد اللَّه بن بُريدة عاصر عائشة – رضي اللَّه تعالى عنها – مدّة طويلة، فإنه وُلد سنة (15) من الهجرة، وماتت هي سنة (57) وقيل: بعدها.
(الثاني): أن له شواهد:
(فمنها): حديث أبي هريرة – رضي اللَّه عنه – الآتي بعد هذا، وهو حديث حسنٌ، كما سيأتي، وهو الذي يظهر من صنيع المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، حيث أورده بعده تقوية له. واللَّه تعالى أعلم.
(ومنها): حديث ابن عبّاس – رضي اللَّه تعالى عنهما -: “أن جارية بكرًا، أنكحها أبوها، وهي كارهة، فخيّرها رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم -“، وفي رواية: “ففرّق النبيّ – صلى اللَّه عليه وسلم – بينهما”. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والدارقطنيّ.
وقد صححه الحافظ أبو الحسن ابن القطّان، وغاية ما عُلّل به الإرسال، قال البيهقيّ: أخطأ فيه جرير بن حازم على أيوب السختيانيّ، والمحفوظ عن أيوب، عن عكرمة، عن النبيّ – صلى اللَّه عليه وسلم – مرسلًا. وقد رواه أبو داود عن محمد بن عُبيد، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة مرسلًا. وقد رواه ابن ماجه أيضًا من حديث زيد بن حبّان، عن أيوب موصولًا، وزيد مختلف في توثيقه، قال أبو حاتم في “علله”: سألت أبي عن حديث حسين، فقال: هو خطأ إنما هو كما رواه الثقات حماد بن زيد، وابن عليّة، عن أيوب، عن عكرمة، عن النبيّ – صلى اللَّه عليه وسلم – مرسلًا، وهو الصحيح، فقلت له: الوهم ممن؟ فقال: ينبغي أن يكون من حسين، فإنه لم يروه عن جرير بن حازم غيره. قال في “التنقيح”: قال الخطيب البغداديّ: قد رواه سليمان بن حرب، عن جرير بن حازم أيضًا كما رواه حسين، فبرأت عهدته، ثم رواه بإسناده، قال: ورواه أيوب بن سُويد هكذا عن الثوريّ، عن أيوب موصولًا، وكذلك رواه معمر بن سليمان، عن زيد بن حِبّان، عن أيوب انتهى.
وقال أبو الحسن ابن القطّان في كتابه “بيان الوهم والإيهام”: حديث ابن عباس صحيح، ولا يضرّه أن يُرسله بعض رواته، إذا أسنده من هو ثقة انتهى.
(ومنها): ما أخرجه أحمد، والدارقطنيّ، من حديث ابن عمر – رضي اللَّه تعالى – عنهما بإسناد رجاله ثقات، ولفظ أحمد من طريق عمر بن حسين بن عبد اللَّه، مولى آل حاطب، عن نافع، مولى عبد اللَّه بن عمر، عن عبد اللَّه بن عمر، قال: توفي عثمان بن مظعون، وترك ابنة له من خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص، قال: وأوصى إلى أخيه، قُدامة بن مظعون، قال: عبد اللَّه: وهما خالاي، قال: فمضيت إلى قدامة بن مظعون، أخطب ابنة عثمان بن مظعون، فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة- يعني إلى أمها- فأرغبها في المال، فحطت إليه، وحطت الجارية إلى هوى أمها، فأبيا، حتى ارتفع أمرهما إلى رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم -، فقال قدامة بن مظعون: يا رسول اللَّه، ابنة أخي أوصى بها إلي، فزوجتها ابن عمتها، عبد اللَّه بن عمر، فلم أُقَصِّر بها في الصلاح، ولا في الكفاءة، ولكنها امرأة، وإنما حطت إلى هوى أمها، قال: فقال رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم -: “هي يتيمة، ولا تُنكَح إلا بإذنها”، قال: فانتُزِعَت -واللَّه- مني بعد أن ملكتها، فزوجوها المغيرة بن شعبة.( ذخيرة العقبى ) .
دلّ حديث الباب على أن البكر البالغة إذا زُوّجت بغير إذنها لم يصحّ العقد عليها، وإليه ذهب الأوزاعيّ، والثوريّ، والحنفيّة، وحكاه الترمذيّ عن أكثر أهل العلم. وخالف في ذلك مالك، والشافعيّ، والليث، وابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، فقالوا: يجوز للأب أن يزوّجها بغير استئذان، ويردّ عليهم ما تقدم من الأحاديث .
تنبيه: قال الترمذي في العلل الكبير :
٢٦٨ – حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنا عَمِّي، حَدَّثَنا أبِي، عَنِ ابْنِ إسْحاقَ، قالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حُسَيْنٍ، مِن آلِ حاطِبٍ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ فِي اليَتِيمَةِ: «لا تُنْكَحُ إلّا بِإذْنِها». وفِي الحَدِيثِ قِصَّةٌ. سَألْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذا الحَدِيثِ فَقالَ: لا أعْرِفُ هَذا الحَدِيثَ إلّا مِن حَدِيثِ ابْنِ إسْحاقَ
قال ابن أبي حاتم:
١٢٤٤ – وسألتُ أبِي عَنْ حديثٍ رَواهُ الوليدُ بنُ مُسْلِم ، عَنِ ابْن أبِي ذِئْب ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أنّ رَجُلا زوَّج ابنتَهُ بِكْرًا، فكَرِهَتْ ذَلِكَ، فأتتِ النبيَّ (صلى الله عليه وسلم)، فردَّ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) نِكاحَها؟
قالَ أبِي: يَدْخُلُ بَيْنَ ابنِ أبِي ذِئْبٍ ونافعٍ رجلٌ يُسمّى: عمر بن حسين .
قال الدارقطني في العلل ٢٩٦٢:
– وسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أن رجل زوج ابنته بكرا، ولم يستأمرها، ففرق رسول الله ﷺ بينهما.
فقال: يرويه صدقة بن عبد الله، والوليد بن مسلم، عَنِ ابْنِ أبِي ذِئْبٍ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابن عمر مختصرا.
وخالفهم ابن أبي فديك، فرواه عن ابن أبي ذئب، عن عمر بن حسين، عن نافع، عن ابن عمر بلفظ آخر، وبين فيه أن ابن أبي ذئب لم يسمعه من نافع، وأتى به بطوله، على الصواب.
وكذلك رواه محمد بن إسحاق، وعبد العزيز بن المطلب، عن عمر بن حسين، عن نافع، عن ابن عمر.
فمن قال فيه: عمر بن علي بن حسين، فقد وهم.
ورواه يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إسْحاقَ، عَنْ نافع.
والصحيح: عن ابن إسحاق، عن عمر بن حسين، عن نافع.
وفي هذه الأحاديث بيان أن التزويج كان من قدامة بن مظعون
أخي عثمان بن مظعون لأبيه، وهو عمها، وهو أصح من قول من قال: زوجها أبوها، لأن ابن عمر كان إنما تزوجها بعد وفاة أبيها عثمان بن مظعون، وهو خال ابن عمر.
قوله: (ليرفع بي) أي ليزيل عنه بإنكاحي إياه (خسيسته) دناءته أي أنه خسيس فأراد أن يجعله بي عزيزا والخسيس الدنيء والخسة والخساسة الحالة التي يكون عليها الخسيس يقال رفع خسيسته إذا فعل به فعلا يكون فيه رفعة (فجعل الأمر إليها) يفيد أن النكاح منعقد إلا أنه يعاد إلى أمرها . ( السندي )
ليرفع بي خسيسته أي فقره وحقارته والخسيس الدني الحقير يقال رفعت من خسيسته إذا فعلت به فعلا يكون به رفعته كذا في القاموس هذا الكلام يحتمل أن يكون راجعا الى أبي أي يريد أبي أن يزيل حقارة نفسه ودنائته بسبب تزويجي بابن أخيه الغني فعلى هذا يكون الأب فقيرا وابن أخيه غنيا موسرا ويحتمل أن يكون راجعا إلى بن أخيه فعلى هذا يكون فقيرا محتاجا وكانت المراة أو أبوها من أهل اليسار وهذا أقرب والله أعلم ( إنجاح ) / شرح السيوطي وآخرين \
وقد جمع بعض الباحثين مسألة :
” إكراه المرأة على الزواج بمن لا ترغب ”
: وقال وهذه المسألة قد حصل فيها خلاف قديم ، وقد قسم العلماء النساء إلى أقسام:
القسم الأول : البكر الصغيرة ، وهي التي لم تبلغ ولها أب .
قال ابن قدامة في المغني [ 9/398 ] ” قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز ، إذا زوجها من كفء ، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها ” .
ثم استدل ابن قدامة بآية { .. فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } [ الطلاق 4 ] وقال ” فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق ، ولا إذن لها فيعتبر ” .
ثم استدل ابن قدامة أيضاً بقصة عائشة رضي الله عنها ونكاحها وهي بنت ست سنين ، ثم قـــال ” ومعلوم أنها لم تكن في تلك الحال ممن يعتبر إذنها ” .
واستدل كذلك بزواج قدامة بن مظعون بابنة الزبير وهي طفلة ، وبزواج عمر بن الخطاب بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وهي صغيرة .
وقال ابن عبد البر: ” أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها ، لتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين ، إلا أن العراقيين قالوا : لها الخيار إذا بلغت ، وأبى ذلك أهل الحجاز ، ولا حجة مع من جعل لها الخيار – عندي – والله أعلم .
قال أبو قرة : سألت مالكاً عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( والبكر تستأذن في نفسها ) ، أيصيب هذا القول الأب ؟ قال لا ، لم يُعن الأب بهذا ، إنما عني به غير الأب ، وإنكاح الأب جائز على الصغار من ولده ، ذكراً كان أو أنثى ” اهـ . انظر التمهيد [ 19/98] .
ونقل ابن عبد البر في التمهيد [ 19/84] قول إسماعيل بن إسحق ” والأب له أن يزوج الصغيرة بإجماع من المسلمين ثم يلزمها ذلك ، ولا يكون لها في نفسها خيار إذا بلغت ” اهـ .
وقال ابن حجر في الفتح [ 9/123 ] ” قال ابن بطال : يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً ، ولو كانت في المهد ، لكن لا يمكّن منها حتى تصلح للوطء ” اهـ .
وقال ابن حزم في المحلى [ 9/458] ” وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر مالم تبلغ بغير إذنها ، ولا خيار لها إذا بلغت .. ” ثم قال ” قال ابن شبرمة : لا يجوز إنكاح الأب ابنته الصغيرة إلا حتى تبلغ وتأذن ، ورأى أمر عائشة رضي الله عنها خصوصاً للنبي صلى الله عليه وسلم ” .
ثم قال ابن حزم ” الحجة في إجازة إنكاح الأب ابنته الصغيرة البكر ، إنكاح أبي بكر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين ، وهذا أمر مشهور غنينا عن إيراد الإسناد فيه ، فمن ادعى أنه خصوص لم يلتفت لقوله ، لقول الله عز وجل ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) .
فكل ما فعلــه عليه الصــلاة والســلام فلنا أن نتأســى به فيه ، إلا أن يأتي نــص بأنه له خصــوص ” اهـ .
قلت : فالإجماع منعقد على جواز إجبار الأب ابنته الصغيرة البكر ، كما قال ابن المنذر وغيره ، وانظر أيضاٌ مجموع فتاوى ابن تيمية [ 32/22] وفقه السنة لسيد سابق [2/130] .
لكن هذا الحكم مقيد بشروط / أهمها : الكفاءة ، كما نص عليه ابن المنذر وغيره ، وسيأتي الكلام عن معنى الكفاءة المعتبرة في النكاح في المسألة التالية ، إن شاء الله تعالى .
تنبيه
فرّق بعض أهل العلم بين من بلغت تسع سنين ، ومن هي دون التسع ، فرأى إلحاق بنت التسع بالبالغة في حكم الإجبار .
قال ابن قدامة في المغني [9/404] ” وإذا بلغت الجارية تسع سنين ففيها روايتان ، إحداهما : أنها كمن لم تبلغ تسعاً . نصّ عليه في رواية الأثرم . وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وسائر الفقهاء ، قالوا : حكم بنت تسع سنين حكم بنت ثمان ، لأنها غير بالغة ، ولأن إذنها لا يعتبر في سائر التصرفات ، فكذلك في النكاح .
والرواية الثانية : حكمها حكم البالغة . نص عليه في رواية منصور” ثم استدل ابن قدامة بمفهوم قوله تعالى { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى … } .
فتحمل اليتيمة هنا على من بلغت تسع سنين لكنها لم تبلغ سن الحلم ، واستدل أيضا بالأحاديث التي نصت على استئذان اليتيمة ، لأن من دون التسع لا إذن لها ، فيحمل الإذن على من بلغت تسع سنين . واستدل بأثر عائشة رضي الله عنها ” إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة ” ، قال ابن قدامة : معناه : في حكم المرأة .
قلت : لكن البيهقي قال : ” تعني ، والله أعلم ، فحاضت ، فهي امرأة ” . انظر سنن البيهقي [1/320] .
القسم الثاني : البكر اليتيمة .
وقد اختلفوا في حكم إجبارها . قال ابن قدامة في المغني [9/402] ” ليس لغير الأب إجبار كبيرة ولا تزويج صغيرة ، جَدَّاً كان أو غيره . وبهذا قال مــالك وأبو عبيد والثوري وابن أبي ليلى . وبه قال الشافعي ، إلا في الجدِّ ، فإنه جعله كالأب … ” .
ثم ذكر قول أبي حنيفة أن لغير الأب تزويج الصغيرة ، ولها الخيار إذا بلغت ، واستدل عليه بقوله تعالى { فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى … } الآية .
قال ” فمفهومه أنه إذا لم يخف فله تزويج اليتيمة ، واليتيم من لم يبلغ … ولأنه ولي في النكاح ، فملك التزويج كالأب ” .
ثم رجح ابن قدامة القول الأول ، وهو منع تزويج الصغيرة اليتيمة بدون إذنها ، واستدل عليه بحديـــــث ( تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها ) ، رواه أبو داوود وغيره ، أنظر جامع الأصول [11/461].
وبالحديث الآخر ( إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها ) رواه أحمد [2/130] وغيره . قال ابن قـدامة ” واليتيمة : الصغيرة التي مات أبوها . ولأن غير الأب قاصر الشفقة ، فلا يلي نكاح صغيرة ، كالأجنبي ” ا هـ .
وذكر ابن عبدالبر في التمهيد [19/98] عن مالك أنه قال ” ولا ينكح الجارية الصغيرة أحد من الأولياء غير الأب ” ا هـ .
وقال ابن حزم في المحلى [9/459] ” وأما الصغيرة التي لا أب لها ، فليس لأحد أن ينكحها ، لا من ضرورة ولا من غير ضرورة حتى تبلغ ” .
قلت : ذهب بعض أهل العلم ، ومنهم الحنفية ، إلى جواز إجبار اليتيمة ، إذا زوجها وليــها بالكفء ، واستدلوا على ذلك بأدلة ، منها :
1- آية سورة النساء { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى … } .
2- آية سورة الطلاق { واللائي لم يحضن … } .
3- نكاح قدامة بن مظعون بابنة الزبير يوم ولدت .
وأجابوا عن الحديثين السابقين في استئمار اليتيمة ،بأن المراد باليتيمة في الحديث : اليتيمة البالغة مجازاً ، باعتبار ما كان.
لكنهم قالوا : إن إجبار الصغيرة اليتيمة يختلف عن إجبار الصغيرة التي لها أب أو جد ، في أن للفتاة اليتيمة الخيار إذا بلغت ، ولا خيار لمن لها أب أو جد إذا زوجها ، لأن الأب والجد كاملا الرأي وافرا الشفقة .
انظر فتح القدير [3/173-175] وفقه السنة لسيد سابق [2/137].
وقد سئل ابن تيمية عن بنت يتيمة عمرها عشر سنوات ، هل يجوز أن تزوج ؟.
فأجاب ” هذه يجوز تزويجها بكفؤ لها عند أكثر السلف والفقهاء ، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه ، وغيرهما . وقد دل على ذلك الكتاب والسنة … ” ثم استدل بقوله تعالى { وما يتلى عليكم في يتامى النساء .. } مجموع الفتاوى [32/43] .
وسئل أيضا عن اليتيمة التي لم تبلغ ، هل يزوّّّّّجها الحاكم ؟ فأجاب ” إذا بلغت تسع سنين فإنه يزوجها الأولياء من العصبات والحاكم ونائبه ، في ظاهر مذهب أحمد ، وهو مذهب أبي حنيفة وغيرهما ، كما دل على ذلك الكتاب والسنة …” .
إلى أن قال ” ثم الجمهور الذين جوزوا نكاحها لهم قولان ، أحدهما ، وهو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين : أنها تزوج بدون إذنها ، ولها الخيار إذا بلغت .
والثاني ، وهو المشــهور في مذهب أحمد وغيره : أنها لا تزوج إلا بإذنها ، ولا خيار لها إذا بلغت .
وهذا هو الصحيح الذي دلت عليه السنة ، كما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تستأذن اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها ” فهذه السنة نص في القول الثالث الذي هو أعدل الأقوال ، أنها تزوج ، خلافاً لمن قال : إنها لا تزوج حتى تبلغ فلا تصير يتيمة .
والكتاب والسنة صريح في دخول اليتيمة قبل البلوغ في ذلك ، إذ البالغة التي لها أمر في مالها يجوز لها أن ترضى بدون صداق المثل ، ولأن ذلك مدلول اللفظ وحقيقته ، ولأن ما بعد البلوغ ، وإن سمي صاحبه يتيماً مجازاً ، فغايته أن يكون داخلاً في العموم . وأما أن يكــون الــمراد باليتيمة : البالغة ، دون التي لم تبلغ ، فهذا لا يسـوغ حـمل الـلفظ عليه بحال ، والله أعلم ” اهـ باختصار من مجموع الفتاوى [ 32/44- 46 ] .
قلت : الذي يظهر لي ، والله تعالى أعلم ، أن اليتيمة البكر تزوج ، كما نصت عليه الآيات ، وكما في حديث ” إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها ” وحديث ” تستأمر اليتيمة في نفسها ” .
لكن هل تجبر على النكاح ؟
الصواب أنها لاتجبر لهذين الحديثين ، ولعموم الأحاديث الأخرى في استئذان البكر واستئمار الثيب ، وليس في الآيات ما يدل على أنها تجبر ، ولا إجماع على ذلك ، فنقول : لا تجبر على النكاح .
لكن كيف يصح أن تستأذن أو تستأمر وهي لا تعقل ؟
نقول : إذا بلغت سناً تعقل فيه وتستأذن فيه ، ويكون لها فيه رأي وقول ، فإنها حينئذ تزوج بإذنها ، وقد تقدم قول ابن قدامة أنها إذا بلغت تسعاً ، وكلام ابن تيمية يشير إلى ذلك ، بخلاف الصغيرة التي لها أب ، فإنها تزوج ولو كانت في المهد ، لكن ذلك متوقف على وجود الغبطة والمصلحة للصغيرة ، وكون الزوج كفؤاً لها غير معيب . والله أعلم .
القسم الثالث : الثيب الصغيرة . التي لم تبلغ ولها أب .
ذكر ابن قدامة في المغني [ 9/407 ] في حكم تزويج الثيب الصغيرة وجهين ، أحدهما : لا يجوز تزويجها ، وهو مذهب الشافعي ، لعموم الأخبار ، ومنها ” الثيــب أحق بنفسها من وليها ” و ” لا تنكح الأيم حتى تستأمر ” . ولحديث الخنساء بنت خدام الأنصارية : أن أباها زوجها وهي ثيب ، فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه ” رواه البخاري وغيره . انظر جامع الأصول [ 11/463 ] .
” ولأن الإجبار يختلف بالبكارة والثيوبة ، لا بالصغر والكبر ، وهذه ثيب ، ولأن في تأخيرها فائدة ، وهو أن تبلغ فتختار لنفسها ويعتبر إذنها ، فوجب التأخير ، بخلاف البكر ” كذا قال ابن قدامة .
ثم ذكر الوجه الثاني : أن لأبيها تزويجها ولا يستأمرها ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة ، لأنها صغيرة ، فجاز إجبارها كالبكر الصغيرة ، وتحمل الأحاديث المتقدمة على الثيب الكبيرة .
قلت : من نظر إلى أن مناط الإجبار ( أي الوصــف الذي علق به جواز الإجبار ) هو الصــغر ، كما هو مذهب الحنفية والمالكية ، لم يفرق بين الثيب والبكر ، سواء زوجها أبوها أو غيره . ومن جعل مناط الإجبار هو : البكارة والصغر معاً ، فرّق بين البكر الصغيرة والثيب الصغيرة ، فأجاز إجبار الأولى دون الثانية .
والصواب في هذا عندي أن ينظر في عموم النصوص الدالة على منع تزويج الثيب إلا بأمرها ، وهل لهذا العموم مخصِّص ؟ .
الذي يظهر لي أنه لا مخصِّص له من نص أو إجماع ، فإن من حكى الإجماع كابن المنذر إنما حكاه عن البكر الصغيرة ، لا الثيب .
وأما ابن عبدالبر فإنه حكى الإجماع ، وأطلق الصغيرة دون تخصيص البكر ، لكن سياق كلامه بعد ذلك يدل على أن المقصود البكر لا الثيب . والله أعلم .
وعلى هذا نقول : إن الصغيرة الثيب لا يجبرها أبوها على النكاح . والله أعلم .
القسم الرابع : الثيب الصغيرة اليتيمة
قلت : وهذه أولى في المنع من إجبارها من الثيب الصغيرة التي لها أب ، لعموم حديث ” الثيب أحق بنفسها ” ولم يخص الصغيرة .
واليتيمة ورد فيها أحاديث تخصها ، كمــا تقــدم ، وهي ” إنــها يتيمــة ولا تنــكح إلا بإذنــها ” و ” تستأمر اليتيمة في نفسها ” . والله تعالى أعلم .
القسم الخامس : البكر البالغ
وهذه قد اختلف في حكم إجبارها اختلافاً كبيراً ، فممن رأى إجبارها إذا زوّجها أبوها : الإمام أحمد في رواية ، والشافعي ومالك .
وممن منع ذلك : الإمام أحمد في رواية أخرى ، والأحناف والظاهرية . انظر المغني [ 9/399 ] والمحلى [ 9/460 ] وفقه السنة [ 3/130 ] .
وقد بوب البخاري في صحيحه [ 12/318 ] بقوله ” باب لا يجوز نكاح المكره ” ثم استدل بحديث الخنساء بنت خدام ، وحديث استئذان البكر .
وقال ابن عبدالبر ” واختلفوا في الأب : هل يجبر ابنته الكبيرة البكر على النكاح أم لا ؟ .
فقال مالك والشافعي وابن أبي ليلى : إذا كانت المرأة بكراً ، كان لأبيها أن يجبرها على النكاح ، مالم يكن ضرراً بيِّنـاً ، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة ، وبه قال أحمد وإسحق وجماعة .
وحجتهم : أنه لما كان له أن يزوجها وهي صغيرة ، كان له أن يزوجها وهي كبيرة ، إذا كانت بكراً ، لأن العلة البكورة ، ولأن الأب ليس كسائر الأولياء ، بدليل تصرفه في مالها ونظره لها وأنه غير متهم عليها …”
إلى أن قال ” ومن حجتهم أيضاً : قوله صلى الله عليه وسلم ” لا تنكح اليتيمة إلا بإذنها ” . لأن فيه دليلاً على أن غير اليتيمة تنكح بغير إذنها ، وهي البكر ذات الأب .
وكذلك قوله ” الثيب أحق بنفسها ” ، فيه دليل على أن البكر وليها أحق منها ، وهو الأب ” .
إلى أن قال ” وقال أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو ثور وأبو عبيد : لا يجوز للأب أن يزوج البالغ من بناته ، بكراً كانت أو ثيباً ، إلا بإذنها .
ومن حجتهم : قوله صلى الله عليه وسلم ” الأيم أحق بنفسها ” ، قالوا : والأيم هي التي لا بعل لها ، وقد تكون ثيباً وبكراً ، فكل أيم على هذا ، إلا ما خصته السنة ، ولم تخص من ذلك إلا الصغيرة وحدها ، يزوجها أبوها بغير إذنها ، لأنه لا إذن لمثلها .. ”
إلى أن قال ” واحتجوا أيضاً : بقوله صلى الله عليه وسلم ” لا تنكح البكر حتى تستأذن ” ، قالوا : فهذا على عمومه في كل بكر ، إلا الصغيرة ذات الأب ، بدليل قصة عائشة وإجماعهم على أن ذلك صحيح عنه صلى الله عليه وسلم .. ” اهـ باختصار . انظر التمهيد [ 19/ 98 – 100 ] .
قلت : وممن اختار القول بمنع إجبار البكر البالغ ، ابن تيمية ، وقد ذكر القولين في المسألة ، ثم رجح القول الثاني وهو أن البكر البالغ لا تجبر على النكاح ، واستدل عليه بالأحاديث السابقة ، ثم قال : ” وأيضاً فإن الأب ليس له أن يتصرف في مالها إذا كانت رشيدة إلا بإذنها ، وبضعها أعظم من مالها ، فكيف يجوز أن يتصرف في بضعها مع كراهتها ورشدها .
وأيضاً : فإن الصغر سبب الحجر بالنص والإجماع ، وأما جعل البكارة موجبة للحجر فهذا مخالف لأصول الإسلام ..” إلى أن قال ” وأما تزويجها مع كراهتها للنكاح ، فهذا مخالف للأصول والعقول ، والله لم يسوغ لوليها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها ، ولا على طعام أو شراب أو لباس لا تريده ، فكيف يكرهها على مباضعة ومعاشرة من تكره مباضعته ومعاشرة من تكره معاشرته ؟ والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة ، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له ونفورها عنه ، فأي مودة ورحمة في ذلك ؟ ” . اهـ . انظر مجموع الفتاوى [ 32/22-25 ] .
وقال ابن تيمية في موضع آخر ” ليس للولي أن يجبرها على نكاح من لا ترضاه ، ولا يعضلها عن نكاح من ترضاه ، إذا كان كفؤاً لها باتفاق الأئمة ، وإنما يجبرها ويعضلها أهل الجاهلية والظلمة الذين يزوجون نساءهم لمن يختارونه لغرض ، لا لمصلحة المرأة ، ويكرهونها على ذلك ، أو يخجلونها حتى تفعل ، ويعضلونها عن نكاح من يكون كفؤاً لها لعداوة أو غرض ، وهذا كله من عمل الجاهلية والظلم والعدوان ، وهو مما حرمه الله ورسوله ، واتفق المسلمون على تحريمه ، وأوجب الله على أولياء النســاء أن ينظروا في مصلحة المرأة ، لا في أهوائهم .. ” انظر مجموع الفتاوى [ 32/52 ] .
واختار المنع من إجبارها كذاك ابن القيم ، واستدل عليه بالأحاديث ، وقال ” وموجب هذا الحكم أنه لا تجبر البكر البالغ على النكاح ، ولا تزوج إلا برضاها ، وهذا قول جمهور السلف ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، وهو القول الذي ندين الله به ولا نعتقد سواه ، وهو الموافق لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته ..” ثم أطال رحمه الله في تقرير المسألة والاحتجاج على هذا القول بنحو ما تقدم عن شيخه ابن تيمية ، رحمهما الله تعالى . انظر زاد المعاد [ 5/88-91 ] .
وممن اختار هذا القول أيضاً من المتأخرين ، الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي المملكة السعودية ورئيس القضاة فيها . انظر مجموع فتاوى الشيخ محمد [ 10/74 – 83 ] .
ومما أجاب به الشيخ محمد بن إبراهيم عن مسألة تحجير الرجل ابنة عمه ( أي منعها ) عن أن تتزوج من شاءت ، لرغبته هو أو أحد قرابته بالاستئثار بها ، قال ” نفيد أن هذا التحجير أمر لا يجوز ، ولا يجيزه الشرع ، والإسلام بريء منه ، والسنة النبوية مستفيضة بالنهي عن ذلك ، والنكاح على هذا الوجه غير صحيح ولا يعترف به ، إذ التحجير من أكبر أنواع الظلم والجور ، ومن يصر على تحجير الأنثى الضعيفة ويريد أن يقهرها ويتزوجها وهي غير راضية به ، هو بحاجة للرادع السلطاني إذا لم يرتدع بالوازع القرآني ” ا هـ . [ 10/83 ] .
قلت : وللشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله كلام نفيس في حكم إجبار البكر البالغة ، حيث ذهب إلى عدم جوازه ، بل حتى البكر الصغيرة ، وهذا نص كلامه أسوقه باختصار من كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع [ 12 / 54 – 60 ] . قال رحمه الله ” … فإذا قال لها أبوها : أنا أريد أن أزوجك فلاناً ، فقالت : لا ، أنا ما أريد فلاناً صراحة ، يقول : أزوجك ولا أبالي ، ويغصبها غصباً ، ولو كانت لاتريده ، لأنها بكر ولو كانت بالغة عاقلة ذكية ، تعرف ما ينفعها وما يضرها ، وعقلها أكبر من عقل أبيها ألف مرة ، ودليلهم أن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما زوجها أبوها النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست ، وبنى بها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي بنت تسع سنين .
فنقول لهم : هذا دليل صحيح ثابت ، لكن استدلالكم به غير صحيح ، فهل علمتم أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن عائشة رضي الله عنها وأبت ؟
الجواب : ما علمنا ذلك ، بل إننا نعلم علم اليقين أن عائشة رضي الله عنها لو استأذنها أبوها لم تمتنع ..” إلى أن قال ” ثم نقول : نحن نوافقكم إذا جئتم بمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل عائشة رضي الله عنها ، وهل يمكن أن يأتوا بذلك ؟ لا يمكن .
إذن نقول : سبحان الله العظيم ، كيف نأخذ بهذا الدليل الذي ليس بدليل ؟ وعندنا دليل من القرآن قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } [ النساء 19 ] .
وكانوا في الجاهلية إذا مات الرجل عن امرأة ، تزوجها ابن عمه غصباً عليها ، ودليل صريح صحيح من السنة ، وهو عموم قوله عليه الصلاة والسلام ” لا تنكح البكر حتى تستأذن ” ، وخصوص قوله ” والبكر يستأذنها أبوها ” .
فإذا قلنا لأبيها أن يجبرها ، صار الاستئذان لا فائدة منه … ” .
إلى أن قال ” وأما النظر : فإذا كان الأب لا يملك أن يبيع خاتماً من حديد لابنته بغير رضاها ، فكيف يجبرها أن تبيع خاتم نفسها ؟ هذا من باب أولى …” .
ثم تطرق لتزويج الصغيرة ، فقال ” أي فائدة للصغيرة في النكاح ؟ وهل هذا إلا تصرف في بضعها على وجه لا تدري ما معناه ؟ لننتظر حتى تعرف مصالح النكاح وتعرف المراد بالنكاح ثم بعد ذلك نزوجها ، فالمصلحة مصلحتها .
إذاً القول الراجح : أن البكر المكلفة لابد من رضاها ، وأما غير المكلفة وهي التي تم لها تسع سنين ، فهل يشترط رضاها أو لا ؟ الصحيح أيضاً : أنه يشترط رضاها ، لأن بنت تسع سنين بدأت تتحرك شهوتها وتحس بالنكاح ، فلابد من إذنها ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الحق .
وأما من دون تسع سنين ، فهل يعتبر إذنها ؟ يقولون : من دون تسع سنين ليس لها إذن معتبر ، لأنها ما تعرف عن النكاح شيئاً ، وقد تأذن وهي تدري ، أو لا تأذن ، لأنها لا تدري ، فليس لها إذن معتبر ، ولكن هل يجوز لأبيها أن يزوجها في هذه الحال ؟ نقول : الأصل عدم الجواز ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام ” لا تنكح البكر حتى تستأذن ” . وهذه بكر فلا نزوجها حتى تبلغ السن الذي تكون فيه أهلاً للاستئذان ، ثم تستأذن .
لكن ذكر بعض العلماء الإجماع على أن له أن يزوجها ، مســتدلين بحديث عائشــة رضي الله عنها ، وقد ذكرنا الفرق .
وقال ابن شبرمة من الفقهاء المعروفين : لا يجوز أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أبداً ، لأننا إن قلنا بشرط الرضا ، فرضاها غير معتبر ، ولا نقول بالإجبار في البالغة ، فهذه من باب أولى .
وهذا القول هو الصواب ، أن الأب لا يــزوج بنته حتى تبــلغ ، وإذا بلغت فلا يزوجها حتى ترضى ….” .
ثم قال ” لكن هاهنا مسألة ، وهي أن المرأة إذا عيّنت من ليس بكفء ، فإن الأب لا يطيعها ، ولا إثم عليه ، ويقول : أنا لا أزوجك مثل هذا الرجل أبداً ، ولــكن إذا عينت كــفؤاً ، فعلى العين والرأس ” ا هـ . باختصار .
قلت : كلام الشيخ العثيمين في منع إجبار البكر البالغ , موافق لعموم الأدلة , وهو اختيار أهل التحقيق , كما تقدم , لكن قوله في منع تزويج البكر الصغيرة غير صواب , فقد تقدم كلام الأئمة في جواز ذلك , وحكاية الإجماع عليه , وقد دلت عليه أيضا نصوص الكتاب والسنة .
أما نصوص الكتاب , فقد ذكرنا آيتي سورة النساء , في حكم تزويج اليتيمة , وهي الصغيرة التي لم تبلغ , وما جاء في سبب نزولها , وهي صريحة في بيان المقصود .
فإذا صح تزويج اليتيمة , كان تزويج الصغيرة التي لها أب من باب أولى .
وكذلك آية سورة الطلاق في عدة المطلقة التي لم تحض بعد , وهي الصغيرة المدخول بها , وعدتها ثلاثة أشهر .
وأما نصوص السنة , فمنها حديث عائشة في تزويجها وعمرها ست سنين . وكذلك الأحاديث الواردة في استئذان اليتيمة .
وقد صح عن جمع من الصحابة أنهم تزوجوا بصغيرات السن , كما تقدم .
تنبيـــــــه
لكننا نقول بعد ذلك : إن الصغيرة , يتيمة كانت أو غير يتيمة , لا يحل أن تزوج إلا إذا كان في زواجها غبطة لها ومصلحة , وأما تزويجها لمصلحة الولي , أباً كان أو غيره , فهذا لا دليل عليه , والأدلة تعارض مثل هذا النكاح , ومنها ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ) , فإذا كان قد منع من تزويج اليتيمة إذا لم يقسط لها في المهر , فلأن يمنع من تزويجها بما هو أهم من ذلك من باب أولى . ولا ريب , أن تزويجها بمن لا يصلح لها من الرجال , إما لكونه طاعنا في السن هرماً , لا يقدر على أن يقوم بحقها , أو أن يكون معيباً , أو نحو ذلك , ممن لا يرجى نكاحه , وممن لا يرضاه العاقل المنصف لموليته , لا ريب أن منعها من مثل هذا أولى , فليس هناك غبطة ولا مصلحة للصغيرة ترجى من مثل هذا النكاح .
وليس كبر سن الرجل عيباً على إطلاقه , بل قد يكون كبيراً في السن , لكنه لم يصل إلى درجة الهرم أو الخرف , وقد يكون وافر العقل طيب القلب سمح النفس كريماً جواداً رحيماً , أفضل لها بألف مرة من شاب غليظ الطبع ثقيل الظل قليل المال , ناقص الدين والعقل .
ومن الأدلة أيضاً قوله تعالى { يا أيــها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النســاء كرهــــــــــــــاً } [ النساء 19 ] , وقوله تعالى أيضاً { ولا تضاروهن } [ الطلاق 6 ] , مع قوله صلى الله عليه وسلم ” لا ضرر ولا ضرار ” انظر جامع الأصول ( 6/644 ) وهو من قواعد الدين وأصوله .
ولهذا فإن ابن عبدالبر قال في التمهيد [ 19/98 ] (( قال مالك والشافعي وابن أبي ليلى : إذا كانت المرأة بكراً , كان لأبيها أن يجبرها على النكاح , ما لم يكن ضرراً بيناً )) اهـ . وقال في موضع آخر [ 19/101 ] في تخيير من أكرهت على النكاح ” يحتمل أن يكون ورد في من زوجها أبوها من غير كفء ومن يضربها ” .
هذا وقد جاءت الشريعة بحفظ الضرورات الخمس ، ومنها : النفس . ولا ريب أن هذه الصغيرة لا يؤمن عليها عند من لا يخاف الله فيها ولا يرعاها ، وهي أسيرة عند زوجها كما جاء في الحديث ” استوصوا بالنساء خيراً ، فإنما هن عوان عندكم ” رواه الترمذي [ 3087 ] من حديث عمرو بن الأحوص .
والعواني : جمع عانية ، وهي الأسيرة .
فالصغيرة إذا كان في تزويجها مصلحة لها وغبطة ، فإن لوليها أن يزوجها ، وليس ذلك من التعدي على حقوقها ، كما يقال في تصرف الوصي في مال اليتيم ، فإنه يجوز له أن يشتري له ويبيع دون أخذ إذنه إن كان في ذلك غبطة له ، ولا يحل له أن يتصرف في ماله فيما يعود عليه بالضرر ، وكذلك يقال في تزويج الصغيرة . لكن إذا كانت يتيمة فإنها لا تزوج إلا إذا بلغت سناً يصلح فيه أن تستأذن وتستأمر .
القسم السادس : الثيب البالغ
وهذه لا ينبغي أن يختلف في حكمها ، وأنها لا تزوج إلا بأمرها ، ولا إجبار عليها ، لا من أب ولا من غيره .
قال ابن قدامة في المغني [ 9/406 ] ” الثيب تنقسم قسمين ، كبيرة وصغيرة ، فأما الكبيرة فلا يجوز للأب ولا لغيره تزويجها إلا بإذنها في قول عامة أهل العلم ، إلا الحسن قال : له تزويجها وإن كرهت .
والنخعي قال : يزوج بنته إذا كانت في عياله ، فإن كانت بائنة في بيتها مع عيالها استأمرها .
قال إسماعيل بن إسحق : لا أعلم أحداً قال في البنت بقول الحسن ، وهو قول شاذ ، خالف فيه أهل العلم والسنة الثابتة ، فإن الخنساء ابنة خدام الأنصارية روت أن أباها زوجها وهي ثيب ، فكرهت ذلك ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فردّ نكاحه . رواه البخاري والأئمة كلهم .
قال ابن عبدالبر : هذا الحديث مجمع على صحته والقول به ، لا نعلم مخالفاً له إلا الحسن “. اهـ .
قلت : كلام ابن عبدالبر عن حديث الخنساء ، في التمهيد [ 19/318 ] . ولا حاجة بنا إلى التطويل في حكم هذا القسم من النساء ، فإننا قد نقلنا في القسم السابق كلام الأئمة في منع إجبار البكر البالغ ، فالثيب البالغ أولى بأن يمنع إجبارها .
قال المهلب : اتفق العلماء على وجوب استئذان الثيب ، والأصل فيه قوله تعالى { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا } فدل على أن النكاح يتوقف على الرضا من الزوجين . وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستئذان الثيب ، وردّ نكاح من زوجت وهي كارهة .. ” اهـ . باختصار من فتح الباري [ 12/ 341 ] .
الخلاصـــة
لخص ابن حجر أقسام النساء في حكم الإجبار ، فقال ” فالثيب البالغ لا يزوجها الأب ولا غيره إلا برضاها اتفاقاً ، إلا من شذ ، والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقاً إلا من شذ ، والثيب غير البالغ اختلف فيها : فقال مالك وأبو حنيفة : يزوجها أبوها كما يزوج البكر ، وقال الشافعي وأبويوسف ومحمد : لا يزوجها إذا زالت البكارة بالوطء لا بغيره ، والبكر البالغ يزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء ، واختلف في استئمارها ، والحديث دال على أنه لا إجبار للأب عليها إذا امتنعت ، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم .
وقد ألحق الشافعي الجد بالأب . وقال أبوحنيفة والأوزاعي في الثيب الصغيرة يزوجها كل ولي ، فإذا بلغت ثبت الخيار .. ” اهـ . باختصار من فتح الباري [ 9/191 ] .
مســألة : الفرق بين الاستئمار والاستئذان
ورد في الأحاديث السابقة أن الثيب تستأمر ، والبكر تستأذن ، فما الفرق بينهما ؟
قال ابن الأثير ” إنما قال في حق الأيم ” تســتأمر ” وفي حق البكر ” تســتأذن ” ، لأن الاستئمار طلب الأمر من قبلها ، وأمرها لا يكون إلا بنطق ، وأما الاستئذان فهو طلب الإذن ، وقد يُعلم إذنها بسكوتها ، لأن السكوت من أمارات الرضا ” اهـ انظر جامع الأصول [ 11/461 ] .
قلت : ورد في بعض ألفاظ الأحاديث السابقة أن البكر تستأمر ، كما ورد أن الثيب تستأذن .
ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت ” قلت يا رســول الله ، تســتأمر النساء في أبضاعهن ؟ قال : : سكاتها إذنها ” رواه البخاري ومسلم . انظر جامع الأصول [ 11/461 ] .
وفي حديث ابن عباس ” الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها ” رواه مسلم ومالك وغيرهما . انظر جامع الأصول [ 11/460 ] .
لكن ورد في لفظ آخر في هذا الحديث ” والبكر تستأمر …” .
قال ابن عبدالبر ” كذا قال ” تستأمر ” لفظ مطرِّف ، وعامة رواة الموطأ يقولون : تستأذن ” انظر التمهيد [ 19/75 ] .
وقد جاء في الموطأ [ ص 525 ] أن الإمام مالكاً بلغه أن القاسم بن محمد ، وسالم بن عبدالله ، كانا ينكحان بناتهما الأبكار ، ولا يستأمرانهن ” .
قلت : وجاء في خصوص اليتيمة أنها ” تستأمر ” ولم يفرِّق بين ثيب وبكر . وهذا يدل على أن الاستئمار قد يأتي بمعنى الاستئذان ، حتى لو قيل إن ذلك من تصرف الرواة .
ويكون الفرق بين الثيب والبكر هو في أمر آخر ، وهو أن الثيب أحق بنفسها من وليها ، وأما البكر فالولي أحق بها .
وقد أشار إلى هذا المعنى ابن عبدالبر ، حيث قــال ” ولما قال رســول الله صلى الله عليه وســلم ” الأيم أحق بنفسها من وليها ” ، دل على أن الأيم – وهي الثيب – أحق بنفسها ، وأن لوليها مع ذلك أيضاً حقاً .
لأنه لا يقال : فلان أحق من فلان بكذا ، إلا ولذاك فيه حق ، ليس كحق الذي هو أحق به منه .
ودلّ أيضاً على أن لولي البكر عليها حقا فوق ذلك الحق , والفرق بينهما : أن ذلك الولي لا ينكح الثيب إلا بأمرها , وله أن ينكح البكر بغير أمرها .. ” ونسب هذا القول إلى بعض أهل العلم , ثم
قال ” وذكر المزني وغيره عن الشافعي أنه قال : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم ” الأيم أحق بنفسها من وليها , والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها ” , دلالة على الفرق بين الثيب والبكر في أمرين , احدهما : أن إذن البكر الصمت , والتي تخالفها الكلام .
والآخر : أن أمرهما في ولاية أنفسهما مختلف , فولاية الثيب أنها أحق من الولي , والبكر مخالفة لها , لاختلافهما في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم , ولو كانتا سواء , كان لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أنهما أحق بأنفسهما ..” إلى أن قال ” وأما الاستئمار للبكر , فــعــلى اسـتـطـابـة النفس , قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم { وشاورهم في الأمر } لا على أن لأحد رد ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولكن لاستطابة أنفسهم , و ليقتدى بسنته فيهم ..” اهـ باختصار من التمهيد [ 19 / 78 ـ 80 ] .
وقال ابن عبد البر ” قال إسماعيل بن إسحاق : إنكاح غير الأب لا يجوز إلا بأمر المرأة , وأما الأب فيجوز إنكاح ابنته البكر بغير أمرها ..” إلى أن قال ” وإنما كان في الحديث معنيان , أحدهما : أن الأيامى كلهن أحق بأنفسهن من أوليائهن , وهم من عدا الأب من الأولياء , والمعنى الآخر : تعليم الناس كيف تستأذن البكر , وأن إذنها صماتها , لأنها تستحي أن تـجـيـب بــلــســانها ..” اهـ باختصار من التمهيد [ 19 / 83 ] .
وقال ابن عبد البر ” وقال داود وأصحابه في قوله ” الأيم أحق بنفسها من وليها ” , هي : الثــيــب , ولها أن تزوج نفسها بغير ولي , والبكر يزوجها وليها , ولا تتزوج بغير ولي , لقوله صلى الله عليه وسلم ” لا نكاح إلا بولي ” وهذا على الأبكار خاصة , بدليل قوله الثيب أحق بنفسها , واحتج أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم ” ليس للولي مع الثيب أمر ” , وبحديث خــنــساء ..” انظر التمهيد [ 19 / 97 ] .
وقال ابن تيمية رحمه الله ” لاتنكح البكر حتى تستأذن , ولا الثيب حتى تستأمر ” , فذكر في هذه لفظ ” الإذن ” , وفي هذه لفظ ” الأمر” , وجعل إذن هذه الصمات , كما أن إذن تلك النطق .
فهذان هما الفرقان اللذان فرق بهما النبي صلى الله عليه وسلم بين البكر والثيب , لم يفرق بينهما في الإجبار وعدم الإجبار , وذلك لأن البكر لما كانت تستحي أن تتكلم في أمر نكاحها , لم تخطب إلى نفسها , بل تخطب إلى وليها , ووليها يستأذنها , فتأذن له , لا تأمره ابتداء , بل تأذن له إذا استأذنها , وإذنها صماتها . وأما الثيب , فقد زال عنها حياء البكر , فتتكلم بالنكاح , فتخطب إلى نفسها , وتأمر الولي أن يزوجها , فهي آمرة له , وعليه أن يطيعها فيزوجها من الكفء إذا أمرته بذلك . فالولي مأمور من جهة الثيب , ومستأذن للبكر , فهذا هو الذي دل عليه كلام النبي صلى الله عليه وسلم ” اهـ . المجموع [ 32 / 24 – 25 ] .
وقال ابن قدامة في المغني [ 9 / 407 – 409 ] في شرح قول الخرقي ” وإذن الثيب الكلام وإذن البكر الصمات ” , ” وأما الثــيــب , فــلا نــعــلــم بــيــن أهــل الــعلم خلافا في أن إذنــهــا الكلام , للخبر , ولأن اللسان هو المعبر عما في القلب , وهو المعتبر في كل موضع يعتبر فيه الإذن …
وأما البكر : فإذنها صماتها , في قول عامة أهل العلم ” إلى أن قال ” فإن نطقت بالإذن فهو أبلغ وأتم في الإذن من صمتها ” .
ثم استدل ابن قدامة بأن الثيب لابد من نطــقها , بحديث ” الثيــب تعــرب عن نفسـها ” رواه أحمد
[ 4 / 192 ] وغيره .
وبحديث ” لا تنكح الأيم حتى تستأمر.. ” الحديث .
ثم قال ” يدل على أنه لابد من نطق الثيب , لأنه قسم النساء قسمين , فجعل السكوت إذنا لأحدهما , فوجب أن يكون الآخر بخلافه ” اهـ باختصار .
وقال ابن حجر في الفتح [ 9 / 192 ] ” كذا وقع في هذه الرواية : التفرقة بيــن الـثـيب والبــكــر , فعبر للثيب بالاستئمار , وللبكر بالاستئذان , فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة , وجعل الأمر إلى المستأمرة , ولهذا يحتاج الولي إلى صريح إذنها في العقد , فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا . والبكر بخلاف ذلك , والإذن دائر بين القول والسكوت , بخلاف الأمر , فإنه صريح في القول , وإنما جعل السكوت إذنا في حق البكر لأنها قد تستحي أن تفصح ” اهـ .