(1225) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1225):
مسند أبي رَزِينٍ رضي الله عنه
قال أبو داود رحمه الله (ج ٥ ص ٢٤٩): حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم بمعناه قالا حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين -قال حفص في حديثه: رجل من بني عامر- أنه قال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن معًا. قال: «احجج عن أبيك واعتمر».
هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم.
الحديث أخرجه الترمذي (ج ٣ ص ٦٧٧) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي (ج ٥ ص ١١١ و١١٧)، وابن ماجه (ج ٢ ص ٩٧٠).
والحاكم (ج ١ ص ٤٨١) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. اهـ
وأقول: على شرط مسلم؛ لأن البخاري لم يخرج للنعمان بن سالم.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أورده الإمام أبو داود رحمه الله في السنن، كتاب المناسك، ٢٥ – باب الرجل يحج عن غيره، (1810).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
7- كتاب الحج والعمرة، ٢ – وجوب العمرة، (١٣٣٥).
و7- كتاب الحج والعمرة، ٣ – الحج عن المعضوب والميت، (1337)، وأورد فيه أيضًا حديث شبرمة، وهو ما أخرجه أبو داود رحمه الله عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قالَ «مَن شُبْرُمَةُ؟» قالَ أخٌ لِي أوْ قَرِيبٌ لِي قالَ «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» قالَ لا قالَ «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ».
ثم قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم. وعزرة هو ابن عبد الرحمن، ويراجع الكلام على الحديث في «التلخيص الحبير» (ج ٢ ص ٢٢٣ و٢٢٤). والحديث أخرجه ابن ماجه (ج ٢ ص ٩٦٩).
وقال محققو السنن الأرنؤوط وغيره: “إسناده صحيح. أبو رَزين: هو لَقِيطُ بن صَبِرة، ويقال: لقيط بن عامر.
وأخرجه ابن ماجه (٢٩٠٦)، والترمذي (٩٤٧)، والنسائي في «الكبرى» (٣٦٠٣) من طريق وكيع بن الجراح، والنسائي (٣٥٨٧) من طريق خالد بن الحارث، كلاهما عن شبة، بهذا الإسناد. وقال الترمدي: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (١٦١٨٤)، و«صحيح ابن حبان» (٣٩٩١).
وقد استُدل بهذا الحديث على وجوب الحج والعمرة، وقد جزم بوجوب العمرة جماعة من أهل الحديث وهو المشهور عن الشافعي وأحمد، وبه قال إسحاق والثوري والمزني، والمشهور عن المالكية أن العمرة ليست بواجبة وهو قول الحنفية، ولا خلاف في المشروعية.
قلنا: قال في «الدر المختار»: والعمرة في العمر مرَّة سنة مؤكدةٌ، وصحح في «الجوهرة» وجوبها، قال ابن عابدين في «حاشيته» ٣/ ٤٧٦: قال في «البحر»: واختاره في «البدائع»، وقال: إنه مذهب أصحابنا، ومنهم من أطلق اسم السنة، وهذا لا ينافي الوجوب. وقال أبو عمر في «التمهيد»٢٠/ ١٤: وأما اختلاف الفقهاء في وجوب العمرة، فذهب مالك إلى أن العمرة سنة مؤكدة، وقال في «موطئه»: ولا أعلم أحدًا من المسلمين أرخص في تركها، وهذا اللفظ يوجبها إلا أن أصحابه وتحصيل مذهبه على ما ذكرت لك. وانظر «المغني» ٥/ ١٣”. انتهى.
الأول: شرح الحديث:
قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: باب: الرجل يحج عن غيره.
حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم بمعناه قالا: حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين رضي الله عنه أنه قال حفص في حديثه رجل من بني عامر أنه قال: يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن]، أي: أنه وجب عليه الحجّ، وهو بهذه الصفة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: [((احجج عن أبيك واعتمر))].
سبق البدء في هذه الترجمة وهي: باب الرجل يحج عن غيره، وقلنا: إن ذكر الرجل لا مفهوم له، والمقصود من ذلك هو الحج عن الغير، سواءً كان الحاج رجلا ً أو امرأة، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله ثلاثة أحاديث:
الحديث الأول: حج امرأة عن رجل، وهو حديث الخثعمية.
والحديث الثاني: حج رجل عن رجل.
ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه، أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن))، [أي: لا يستطيع أن يركب ولا يستطيع أن يمشي .
وقوله: “(الظَّعَنَ) – بكسر الظاء وبفتح العين وسكونها -: مصدر ظعن يظعن؛ من باب قطع؛ إذا سار ومشى، قاله السيوطي والسندي ؛ ومعناه: ولا يقدر على السير والمشي برجله؛ لكبر سنه.
والحديث يدل على جواز حج الولد عن أبيه العاجز عن المشي، واستدل به على وجوب الحج والعمرة.
وقال الإمام أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أقوى وأجود من هذا، ولا أصح منه. انتهى من «العون» باختصار
واستدل الكوفيون بعموم هذا الحديث على جواز حج من لم يحج عن نفسه نيابةً عن غيره وصحته، وخالفهم الجمهور، وخصوا ذلك بمن حج عن نفسه، واستدلوا بما في «السنن» و«صحيح ابن خزيمة» وغيره من حديث ابن عباس أن النبي ﷺ رأى رجلًا يلبي عن شبرمة، فقال: «أحججت عن نفسك؟» فقال: لا، قال: «حج عن نفسك، ثم احجج عن شبرمة»، كذا في «الفتح». والراجح قول الجمهور
قاله الاتيوبي [مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه].
قال الحافظ [«فتح الباري» (٤/ ٦٨، ٦٩)] في شرح حديث ابن عباس: ووقع السؤال عن هذه المسألة من شخص آخر، وهو أبو رزين – بفتح الراء وكسرِ الزاي – العقيلي بالتصغير، واسمه لقيط بن عامر، ففي «السنن» و«صحيح ابن خزيمة» وغيرهما من حديثه: أنه قال: يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، قال: «حج عن أبيك واعتمر»، وهذه قصة أخرى، ومن وحَّد بينها وبين حديث الخثعمية فقد أبعد وتَكَلَّفَ.[بذل المجهود في حل سنن أبي داود].
وهذا من الأدلة التي يستدل بها على وجوب العمرة؛ وقد مر بنا حديث الصبي بن معبد، وفيه أنه كان نصرانياً فأسلم، وأنه كان يحب الجهاد، ولكنه وجد أن الحج والعمرة مكتوبين عليه، فجاء إلى رجل من قومه فأرشده أن يجمع بينهما -أي بين الحج والعمرة فجاء إلى عمر رضي الله عنه وأرضاه وذكر له القصة، فقال له: “هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم”، وهذا الحديث هو أقوى ما يستدل به على وجوب العمرة، وقد جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: هذا أصح شيء جاء في وجوب العمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث مطابق للترجمة من جهة أن يحج الرجل عن غيره، فهذا يدل على أن للإنسان أن يحج عن غيره، وهذا إذا كان ميتاً،
وأما إذا كان حياً، فيجوز ذلك في حالتين اثنتين:
إحداهما: أن يكون هرماً كبيراً لا يستطيع السفر، كما جاء في هذا الحديث وحديث الخثعمية السابق،
والثانية: أن يكون مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، وهو في معناه. [شرح السنن للشيخ عبد المحسن العباد، بتصرف يسير].
الثاني: مسائل تتعلّق بحديث الباب: الحج والعمرة عن الغير:
(المسألة الأولى):
تعريف “(الصَّرُورَةُ) بِصادٍ مُهْمَلَةٍ وبِتَخْفِيفِ الرّاءِ: مَن لَمْ يَحُجَّ.
والمُرادُ بِهِ فِي اصْطِلاَحِ الفُقَهاءِ: الشَّخْصُ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الإْسْلاَمِ، كَما نَصَّ عَلَيْهِ أكْثَرُ الفُقَهاءِ. قال ابْنُ عابِدِينَ: فَهُوَ أعَمُّ مِنَ المَعْنى اللُّغَوِيِّ؛ لأِنَّهُ يَشْمَل مَن لَمْ يَحُجَّ أصْلًا، ومَن حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ، أوْ عَنْ نَفْسِهِ نَفْلًا أوْ نَذْرًا. [ابن عابدين ٢ / ٢٤١].
وقال بَعْضُ المالِكِيَّةِ: هُوَ مَن لَمْ يَحُجَّ قَطُّ [كفاية الطالب ٢ / ٢٧]، وهَذا هُوَ المَعْنى اللُّغَوِيُّ.
قال النَّوَوِيُّ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لأِنَّهُ صَرَّ بِنَفْسِهِ عَنْ إخْراجِها فِي الحَجِّ [المجموع ٧ / ١١٧]، وكَرِهَ الشّافِعِيُّ وابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الحَنابِلَةِ تَسْمِيَةَ مَن لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً؛ لِما رَوى ابْنُ عَبّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: {لاَ صَرُورَةَ فِي الإْسْلاَمِ [ أخرجه أبو داود (٢ / ٣٤٩ – تحقيق عزت عبيد دعاس) وفي إسناده راو ضعيف ذكر تضعيفه الذهبي في الميزان (٣ / ٣١٢ – ط. الحلبي)] قال النَّوَوِيُّ: أيْ لاَ يَبْقى أحَدٌ فِي الإْسْلاَمِ بِلاَ حَجٍّ، ولاَ يَحِل لِمُسْتَطِيعٍ تَرْكُهُ [المجموع للنووي ٧ / ١١٣، ١١٧، وكشاف القناع ٢ / ٥٢٢، مطالب أولي النهى ٢ / ٤٤٩]، فَكَراهَةُ تَسْمِيَةِ مَن لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً، واسْتِدْلاَلُهُمْ بِهَذا الحَدِيثِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ فِي الحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ [المجموع ٧ / ١١٩].
الحُكْمُ الإْجْمالِيُّ:
٢ – ذَكَرَ الفُقَهاءُ فِي بَحْثِ الحَجِّ: أنَّ الحَجَّ مِنَ العِباداتِ البَدَنِيَّةِ والمالِيَّةِ مَعًا؛ فَيَقْبَل النِّيابَةَ فِي الجُمْلَةِ. ثُمَّ فَصَّلُوا بَيْنَ حَجِّ الفَرْضِ وحَجِّ النَّفْل، وبَيَّنُوا شُرُوطَ الحَجِّ عَنِ الغَيْرِ، كَما بَيَّنُوا شُرُوطَ الآْمِرِ والمَأْمُورِ أيِ النّائِبِ، وهَل يَصِحُّ الحَجُّ عَنَ الغَيْرِ مِن قِبَل مَن لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الإْسْلاَمِ، وهُوَ المُسَمّى بِصَرُورَةٍ أمْ لاَ؟ وهَل يَصِحُّ أخْذُ الأْجْرَةِ فِي ذَلِكَ؟ وبَيانُهُ فِيما يَلِي:
أوَّلًا: نِيابَةُ الصَّرُورَةِ فِي حَجَّةِ الإْسْلاَمِ:
٣ – يَرى الشّافِعِيَّةُ والحَنابِلَةُ أنَّ مِن شُرُوطِ النّائِبِ فِي حَجَّةِ الإْسْلاَمِ أنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الإْسْلاَمِ، فَلَيْسَ لِلصَّرُورَةِ أنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، فَإنْ فَعَل وقَعَ إحْرامُهُ عَنْ حَجَّةِ الإْسْلاَمِ لِنَفْسِهِ [المجموع للنووي ٧ / ١١٧، ١١٨، والمغني ابن قدامة ٣ / ٢٤٥، ٢٤٦]؛ لِما رَوى ابْنُ عَبّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما – أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا يَقُول: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قال: مَن شُبْرُمَةُ؟ قال: أخٌ لِي أوْ قَرِيبٌ لِي. قال: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قال: لاَ: قال: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ [حديث: «حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة». أخرجه أبو داود (٢ / ٤٠٣ – تحقيق عزت عبيد دعاس) وصححه النووي في المجموع (٧ / ١١٧ – ط المنيرية)].
وعَلى ذَلِكَ: فَإنْ أحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ وقَعَ عَنْ نَفْسِهِ لاَ عَنِ الغَيْرِ، قال ابْنُ قُدامَةَ: إذا ثَبَتَ هَذا فَإنَّ عَلَيْهِ رَدَّ ما أخَذَ مِنَ النَّفَقَةِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَقَعِ الحَجُّ عَنْهُ فَأشْبَهَ ما لَوْ لَمْ يَحُجَّ [المغني ٣ / ٢٤٦]، قال النَّوَوِيُّ: وبِهِ قال ابْنُ عَبّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما والأْوْزاعِيُّ وإسْحاقُ [المجموع ٧ / ١١٧ – ١١٨].
وفِي المُغْنِي: قال أبُو بَكْرٍ عَبْدُ العَزِيزِ: يَقَعُ الحَجُّ باطِلًا، ولاَ يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْهُ ولاَ عَنْ غَيْرِهِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما [المغني ٣ / ٢٤٥]-.
وقال الحَنَفِيَّةُ: لاَ يُشْتَرَطُ فِي النّائِبِ أنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، فَيَصِحُّ حَجُّ الصَّرُورَةِ، لَكِنِ الأْفْضَل أنْ يَكُونَ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ حَجَّةَ الإْسْلاَمِ خُرُوجًا عَنِ الخِلاَفِ، فَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ حَجُّ الصَّرُورَةِ.
فرع: وهَل الكَراهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ أمْ تَنْزِيهِيَّةٌ؟ اخْتَلَفَتْ عِباراتُهُمْ.
وذَكَرَ ابْنُ عابِدِينَ نَقْلًا عَنِ الفَتْحِ: واَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ: أنَّ حَجَّ الصَّرُورَةِ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزّادِ والرّاحِلَةِ والصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَراهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لأِنَّهُ تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ فِي أوَّل سِنِي الإْمْكانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وكَذا لَوْ تَنَفَّل لِنَفْسِهِ، ومَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ؛ لأِنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِعَيْنِ الحَجِّ المَفْعُول، بَل لِغَيْرِهِ وهُوَ الفَواتُ إذِ المَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نادِرٍ. ثُمَّ نُقِل عَنِ البَحْرِ قَوْلُهُ: والحَقُّ أنَّها تَنْزِيهِيَّةٌ عَلى الآْمِرِ لِقَوْلِهِمْ: والأْفْضَل.. إلَخْ، تَحْرِيمِيَّةٌ عَلى الصَّرُورَةِ، أيِ المَأْمُورِ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الحَجِّ، ولَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لأِنَّهُ أثِمَ بِالتَّأْخِيرِ. اهـ. ثُمَّ قال: وهَذا لاَ يُنافِي كَلاَمَ الفَتْحِ؛ لأِنَّهُ فِي المَأْمُورِ [ابن عابدين ٢ / ٢٤١، وفتح القدير ٢ / ٣٢٠، ٣٢١].
واسْتَدَل الحَنَفِيَّةُ بِصِحَّةِ حَجِّ الصَّرُورَةِ بِإطْلاَقِ قَوْلِهِ ﷺ لِلْخَثْعَمِيَّةِ: حُجِّي عَنْ أبِيكِ [حديث «حجي عن أبيك». أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٣٧٨ – ط. السلفية) ومسلم (٢ / ٩٧٤ – ط الحلبي) من حديث ابن عباس] مِن غَيْرِ اسْتِخْبارِها عَنْ حَجِّها لِنَفْسِها قَبْل ذَلِكَ. قال فِي الفَتْحِ: وتَرْكُ الاِسْتِفْصال فِي وقائِعِ الأْحْوال يَنْزِل مَنزِلَةَ عُمُومِ الخِطابِ؛ فَيُفِيدُ جَوازَهُ عَنِ الغَيْرِ مُطْلَقًا. وحَدِيثُ شُبْرُمَةَ يُفِيدُ اسْتِحْبابَ تَقْدِيمِ حَجَّةِ نَفْسِهِ؛ وبِذَلِكَ يَحْصُل الجَمْعُ [فتح القدير ٢ / ٣٢١].
أمّا المالِكِيَّةُ: فَقَدْ مَنَعُوا اسْتِنابَةَ صَحِيحٍ مُسْتَطِيعٍ فِي فَرْضٍ لِحَجَّةِ الإْسْلاَمِ أوْ حَجَّةٍ مَنذُورَةٍ. قال الحَطّابُ: لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ، والظّاهِرُ أنَّها لاَ تَصِحُّ، وتُفْسَخُ إذا عُثِرَ عَلَيْها [جواهر الإكليل ١ / ١٦٦]. أمّا الصَّرُورَةُ: فَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ حَجُّهُ عَنِ الغَيْرِ.
ثانِيًا – حُكْمُ الأْجْرَةِ فِي حَجِّ الصَّرُورَةِ:
٤ – صَرَّحَ الحَنَفِيَّةُ: بِعَدَمِ جَوازِ أخْذِ الأْجْرَةِ لِمَن يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ، فَلَوِ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلى أنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِكَذا لَمْ يَجُزْ حَجُّهُ، وإنَّما يَقُول: أمَرْتُكَ أنْ تَحُجَّ عَنِّي بِلاَ ذِكْرِ إجارَةٍ، ولَهُ نَفَقَةُ المِثْل.
ونَقَل ابْنُ عابِدِينَ عَنِ الكِفايَةِ: أنَّهُ يَقَعُ الحَجُّ مِنَ المَحْجُوجِ عَنْهُ فِي رِوايَةِ الأْصْل عَنْ أبِي حَنِيفَةَ [ابن عابدين مع الدر المختار ٢ / ٢٤٠، وانظر في الموسوعة الفقهية (مصطلح: حج. ف: ١٢٠ الاستئجار على الحج)].
وعَدَمُ جَوازِ الأْجْرَةِ فِي الحَجِّ هُوَ الرِّوايَةُ المَشْهُورَةُ عَنْ أحْمَدَ – أيْضًا [المغني ٣ / ٣٣١] – قال ابْنُ قُدامَةَ فِي الصَّرُورَةِ الَّذِي يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ: عَلَيْهِ رَدُّ ما أخَذَ مِنَ النَّفَقَةِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَقَعَ الحَجُّ عَنْهُ [المغني ٣ / ٣٤٦].
ومَذْهَبُ المالِكِيَّةِ: الجَوازُ مَعَ الكَراهَةِ.
قال الدُّسُوقِيُّ: لأِنَّهُ أخَذَ العِوَضَ عَنِ العِبادَةِ، ولَيْسَ ذَلِكَ مِن شِيَمِ أهْل الخَيْرِ [حاشية الدسوقي ٢ / ١٨، وجواهر الإكليل ١ / ١٦٦] ويُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (حَجٌّ ف ١٢٠).
قال الشَّيْخُ زَكَرِيّا الأْنْصارِيُّ: ولاَ أُجْرَةَ لَهُ – يَعْنِي لِلصَّرُورَةِ – لأِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِما فَعَلَهُ [ شرح أسنى المطالب على روض الطالب ١ / ٤٥٧].[صَرُورَةٌ- الموسوعة الفقهية الكويتية(27/5 وما بعدها)].
فصل:
في اختلاف أهل العلم في جواز الحجّ عن الغير:
قال الحافظ أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: ما حاصله: اختلفوا في حجّ المرء عمن لا يطيق الحجّ من الأحياء،
فذهب جماعة منهم إلى أن هذا الحديث مخصوص به أبو الخثعميّة، لا يجوز أن يُتَعدّى به إلى غيره، بدليل قول اللَّه -عَزَّ وجَلَّ-: ﴿ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران ٩٧]، ولم يكن أبو الخثعميّة ممن يلزمه الحجّ لَمّا لم يستطع إليه سبيلًا؛ فخصّ بأن يُقضى عنه، وينفعه ذلك، وخُصّت ابنته أيضًا أن تحجّ عن أبيها، وهو حيٌّ.
وممن قال بذلك مالكٌ، وأصحابه، قالوا: خُصّ أبو الخثعمية، والخثعميّةُ بذلك، كما خُصّ سالم مولى أبي حذيفة برضاعه في حال الكبر، وهذا مما يقول به المخالف، فيلزمه. ورُوي معنى قول مالك عن عبد اللَّه بن الزبير، وعكرمة، وعطاء، والضحّاك.
قال ابن الزبير: الاستطاعة القوّة. وقال عكرمة: الاستطاعة الصحّة. وقال أشهب: قيل لمالك: الاستطاعة الزاد والراحلة؟ قال: لا واللَّه، وما ذاك إلا على قدر طاقة الناس، فربّ رجل يجد زادًا وراحلةً، ولا يقدر على المسير، وآخر يقوى يمشي على راحلته، وإنما هو كما قال اللَّه -عَزَّ وجَلَّ-: ﴿مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا﴾.
وذهب آخرون إلى أن الاستطاعة تكون في البدن والقدرة، وتكون أيضًا بالمال لمن لم يستطع ببدنه. واستدلّوا بهذا الحديث، وما كان مثله.
وممن قال بذلك الشافعيّ، وأبو حنيفة، والثوريّ، وأحمد، وإسحاق. ورُوِي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعبد اللَّه بن عبّاس، وسعيد بن جبير، والحسن، وعمرو بن دينار، والسدّيّ، وجماعة سواهم، كلهم يقولون: السبيل: الزاد والراحلة. وهذا يدلّ على أن فرض الحجّ على البدن والمال. وروى عن النبيّ ﷺ أنه قال: «السبيل الزاد والراحلة»، من وجوه، منها مرسلة، ومنها ضعيفة. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى [راجع «الاستذكار» ج ١٢ص ٥٦ – ٦٢].
وقال الحافظ -رحمه اللَّه تعالى- في «الفتح»:
وفي هذا الحديث من الفوائد جواز الحجّ عن الغير، واستدلّ الكوفيّون بعمومه على جواز صحّة حج من لم يحجّ نيابةً عن غيره.
وخالفهم الجمهور، فخصّوه بمن حجّ عن نفسه.
وأُجيب: بأن قياس الحجّ على الصلاة لا يصحّ؛ لأن عبادة الحجّ ماليّة بدنيّة معًا، فلا يترجّح إلحاقها بالصلاة على إلحاقها بالزكاة، ولهذا قال المازريّ: من غَلَّبَ حكم البدن في الحجّ ألحقه بالصلاة، ومن غَلَّبَ حكم المال ألحقه بالصدقة.
وقد أجاز المالكيّة الحجّ عن الغير إذا أوصى به، ولم يجيزوا ذلك في الصلاة.
وبأن حصر الابتلاء في المباشرة ممنوع؛ لأنه يوجد في الآمر مِن بَذلِهِ المالَ في الأجرة.
وقال القاضي عياض: لا حُجّة للمخالف في حديث الباب؛ لأن قوله: «إن فريضة اللَّه على عباده الخ» معناه إن إلزام اللَّه عباده بالحجّ الذي وقع بشرط الاستطاعة صادف أبي بصفة من لا يستطيع، فهل أحجّ عنه؟، أي هل يجوز لي ذلك، أو هل فيه أجرٌ ومنفعة؟، فقال: «نعم».
وتُعُقّب بأن في بعض طرقه التصريح بالسؤال عن الإجزاء، فيتمّ الاستدلال، وتقدّم في بعض طرق مسلم: «إن أبي عليه فريضة اللَّه في الحجّ». ولأحمد في رواية: «والحجّ مكتوب عليه».
وادّعى بعضهم أن هذه القصّة مختصّة بالخثعميّة، كما اختصّ سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير. حكاه ابن عبد البرّ.
وتُعُقّب بأن الأصل عدم الخصوصيّة. واحتجّ بعضهم لذلك بما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب «الواضحة» بإسنادين مرسلين، فزاد في الحديث: «حُجّ عنه، وليس لأحد بعده». ولا حجة فيه لضعف الإسنادين، مع إرسالهما. وقد عارضه قوله في حديث الجهنيّة الماضي: «اقضُوا اللَّه، فاللَّه أحقّ بالوفاء».
وادّعى آخرون منهم أن ذلك خاصّ بالابن يحجّ عن أبيه. ولا يخفى أنه جمود.
وقال القرطبيّ: رأى مالك أن ظاهر حديث الخثعميّة مخالف لظاهر القرآن، فرجّح ظاهر القرآن، ولا شكّ في ترجيحه من جهة تواتره، ومن جهة أن القول المذكور قول امرأة ظنّت ظنًّا، قال: ولا يقال: قد أجابها النبيّ ﷺ على سؤالها، ولو كان ظنَّها غلطًا لبيّنه لها؛ لأنا نقول: إنما أجابها عن قولها: «أفأحُجّ عنه؟، قال: حجّي عنه»؛ لِما رأى من حرصها على إيصال الخير والثواب لأبيها انتهى.
وتُعُقّب بأنّ في تقرير النبيّ ﷺ لها على ذلك حجة ظاهرة.
وأما ما رواه عبد الرزّاق من حديث ابن عبّاس، فزاد في الحديث: «حجّ عن أبيك، فإن لم يزده خيرًا، لم يزده شرًّا». فقد جزم الحفّاظ بأنها رواية شاذّة، وعلى تقدير صحّتها فلا حجّة فيها للمخالف. انتهى ما في «الفتح» [راجع «الفتح» ج ٤ ص ٥٤٩ – ٥٥٠].
قال الإتيوبي – عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بما ذُكر أن ما ذهب إليه من أجاز الحجّ عن الغير عند الضرورة أرجح؛ للأحاديث الصحيحة به، كحديث الخثعميّة، وغيرها، وكلّ ما اعترضوا به، فقد علمت جوابه فيما سبق. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: قال في «الفتح»: ومن فروع المسألة
[“«المعضوب»: الضعيف، والزَّمِن لا حَراكَ به. قاله في «القاموس». وفي «المصباح»: عضَبَه عَضبًا، من باب ضرب: قطعه، ورجل معضوبٌ: زَمِنٌ لا حَراكَ به، كأنَّ الزَّمانةَ عضبته، ومنعته الحركة انتهى”]،
واختلفوا فيما إذا عُوفِي المعضوب، فقال الجمهور: لا يجزيئه؛ لأنه تبيّن أنه لم يكن ميؤوسًا منه. وقال أحمد، وإسحاق: لا تلزمه الإعادة؛ لئلا يفضي إلى إيجاب حجتين.
قال الإتيوبي – عفا اللَّه تعالى عنه -: ما قاله الإمامان: أحمد وإسحاق من عدم لزوم الإعادة هو الصحيح عندي؛ لما ذكراه. واللَّه تعالى أعلم.
واتّفق من أجاز النيابة في الحجّ على أنها لا تجزئ في الفرض إلا عن موت، أو عضب، فلا يدخل المريض لأنه يُرجى برؤه، ولا المجنون؛ لأنه يرجى إفاقته، ولا المحبوس؛ لأنه يرجى خَلاصه، ولا الفقير؛ لأنه يمكن استغناؤه. انتهى ما في «الفتح». واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.[ ذخيرة العقبى في شرح المجتبى].
فصل:
في اختلاف أهل العلم في حكم الحجّ عن الميت:
قال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى- في «شرح المهذب»: مذهب الشافعيّ -رحمه اللَّه تعالى- المشهور أنه إذا مات، وعليه حجّ الإسلام، أو قضاء، أو نذر، وجب قضاؤها من تركته، أوصى بها، أم لم يوص.
قال ابن المنذر: وبه قال عطاء، وابن سيرين، وروي عن أبي هريرة، وابن عبّاس، وهو قول أبي حنيفة، وأبي ثور، وابن المنذر.
وقال النخعيّ، وابن أبي ذئب: لا يحُجّ أحدٌ عن أحد.
وقال مالك: إذا لم يوص به يتطوّع عنه بغير الحجّ، ويُهدى عنه، أو يتصدّق، أو يُعتق عنه انتهى كلام النوويّ [راجع «المجموع» ج ٧ ص ١٠١].
قال الإتيوبي- عفا اللَّه تعالى عنه -: المذهب الأول هو الأرحج؛ لقوّة دليله، كحديث الباب، وغيره. وقد تكلّم ابن حزم في هذه المسألة، ورجّح القول بالوجوب، وفنّد القول الثاني بما لا تراه في كتب غيره، فراجع «المحلّى» -٧/ ٥٣ – ٦٢. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [ذخيرة العقبى].
(المسألة الثانية): شروط الحج عن الغير: اشترط الحنفية عشرين شرطًا للحج عن الغير راجعها مع آراء الفقهاء الآخرين:
[الدر المختار ورد المحتار:٣٢٧/ ٢ – ٣٣٣، فتح القدير:٣١٧/ ٢ – ٣٢١، البدائع:٢١٢/ ٢ ومابعدها، الشرح الصغير:١٥/ ٢، الشرح الكبير:١٨/ ٢، القوانين الفقهية: ص١٢٨، شرح المحلي: ٩٠/ ٢، كتاب الإيضاح: ص١٧،١٨، المهذب: ١/ ١٩٩، المجموع: ٧/ ٩٨، مغني المحتاج: ١/ ٤٧٠وما بعدها، المغني: ٣/ ٢٣٠،٢٤٣ – ٢٤٥، كشاف القناع: ٢/ ٤٦٢ وما بعدها …..][الفقه الإسلامي وأدلته، (3/2106 وما بعدها)].
الحج النفل عن الغير: هذه الشرائط كلها عند الحنفية في الحج الفرض، أما الحج النفل عن الغير، فلا يشترط فيه شيء منها إلا الإسلام والعقل والتمييز، وكذا الاستئجار عليه، لاتساع باب النفل، فإنه يتسامح في النفل ولا يتسامح في الفرض [حاشية ابن عابدين: ٣٢٩/ ٢].
(المسألة الثالثة): مخالفة النائب: الأصل في النائب بالحج عن الغير أن يلتزم ما وكله به الأصيل أو أمره به، فإذا خالف الأمر، ما الحكم؟
قال الحنفية [البدائع: ٢١٣/ ٢ – ٢١٦]: يصير المأمور بالحج مخالفًا في الحالات التالية ……. راجع لها .[الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (3/2113 وما بعدها)].
(المسألة الرابعة): فوائد الباب:
(منها): بيان جواز الحجّ عن الحيّ الذي لا يستمسك على الرحل.
(ومنها): أن فيه برّ الوالدين، والاعتناء بأمرهما، والقيام بمصالحهما، من قضاء دين، وخدمة، ونفقة، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا.
(ومنها): ما قيل: إنه يدلّ على عدم وجوب العمرة؛ لأن المرأة الخثعميّة لم تذكرها. وتعُقّب بأن مجرّد ترك السؤال لا يدلّ على عدم الوجوب؛ لاستفادة ذلك من حكم الحجّ، ولاحتمال أن يكون اْبوها قد اعتمر قبل الحجّ. على أن السؤال عن الحجّ والعمرة قد وقع في حديث أبي رَزين العُقَيليّ – رضي اللَّه عنه -، كما تقدّم.
(ومنها): ما قاله ابن العربيّ -رحمه اللَّه تعالى-: إن حديث الخثعمّية أصل متّفق على صحّته في الحجّ، خارجٌ عن القاعدة المستقرّة في الشريعة، من أنه ليس للإنسان إلا ما سعى؛ رفقًا من اللَّه تعالى في استدراك ما فرّط فيه المرء بولده، وماله.
وتُعُقّب بأنه يمكن أن يدخل في عموم السعي، وبأن عموم السعي في الآية مخصوص اتفاقًا [راجع لهذه الفوائد «كتاب الاستذكار» للحافظ أبي عمر -رحمه اللَّه تعالى- ج ١٢ص ٥٦ – ٥٨، و«فتح الباري» للحافظ ابن حجر -رحمه اللَّه تعالى- ج ٤ص٥٥٠]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(منها): هو جواز الحجّ عن الميت الذي نذر أن يحجّ، ثم مات قبل الوفاء بنذره، وفيه اختلاف بين أهل العلم، فروى سعيد بن منصور وغيره، عن ابن عمر – رضي اللَّه تعالى عنهما – بإسناد صحيح: لا يحجّ أحد عن أحد، ونحوه عن مالك، والليث، وعن مالك أيضًا إن أوصى بذلك، فليحجّ عنه، وإلا فلا.
(ومنها): صحّة نذر الحجّ ممن لم يحجّ، فإذا حجّ أجزأه عن حجة الإسلام عند الجمهور، وعليه الحجّ عن النذر. وقيل: يجزئ عن النذر، ويحجّ حجة الإسلام. وقيل: يُجزىء عنهما [«فتح» ج ٤ ص ٥٤٤].
(ومنها): أن من مات، وعليه حجّ وجب على وليّه أن يجهّز من يحُجّ عنه من رأس ماله، كما أن عليه قضاء ديونه، فقد أجمعوا على أن دين الآدميّ من رأس المال، فكذلك ما شُبّه به في القضاء. ويلتحق بالحجّ كلّ حقّ ثبت في ذمّته، من كفّارة، أو نذر، أو زكاة، أو غير ذلك.
(ومنها): أن في قوله: «فاللَّه أحقّ بالوفاء» دليلٌ على أنه مقدّم على دين الآدميّ، وهو أحد أقوال الشافعيّ. وقيل: بالعكس. وقيل: هما سواء.
(ومنها): أن الحديث دليلٌ لقول الجمهور بأن من ترك الصلاة عامدًا يجب عليه قضاؤها، ووجه ذلك أن ذلك التارك عليه دين للَّه تعالى، يطالبه به، ويعاقبه عليه، فإذا كان دينًا وجب الوفاء به، كسائر الديون التي تلزمه للآدمين، كما إذا أتلف مالًا، أو غصب، أو أودعه شخصٌ، فأفرط فيه، ونحو ذلك، بل هذا ألزم بالوفاء، لصريح قوله ﷺ: «فاللَّه أحقّ بالوفاء»، وفي رواية أخرى: «فدين اللَّه أحقّ بالوفاء».
والحاصل أن وجوب قضاء الصلاة على من تركها عامدًا هو الأرجح، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [ذخيرة العقبى، بتصرف يسير].
(ومنها) ” أن افتراض الحجّ لا يشترط له القدرة على السفر، وقد قرّر ﷺ ذلك، فهو يؤيّد أن الاستطاعة المعتبرة في افتراض الحجّ ليست بالبدن، وإنما هي بالزاد والراحلة. واللَّه تعالى أعلم. انتهى قاله السندي رحمه الله.
“(ومنها) يشرع الحج عن الغير نفلًا ولو كان مستطيعًا؛ لأن النيابة إذا جازت في الفرض ففي النفل أولى.
(ومنها) يجوز للمرأة أن تحج وتعتمر عن الرجل فرضًا ونفلًا، كما يجوز للرجل أن يحج ويعتمر عن المرأة فرضًا ونفلًا.
[قال الشيخ ابن عثيمين: “وفي هذا دليل على أن المرأة يجوز أن تحج عن الرجل وكذلك الرجل يجوز أن يحج عن المرأة والرجل عن الرجل والمرأة عن المرأة، كل ذلك جائز؛ ولذلك أذن النبي ﷺ للرجل الذي أخبره أن أباه شيخ كبير لا يستطيع الركوب ولا الحج ولا العمرة، فقال: حج عن أبيك واعتمر.”.انتهى شرح رياض الصالحين].
(ومنها) من حج عن غيره أو اعتمر أحرم من أي ميقات، ولا يلزمه إنشاء السفر من بلد من يحج عنه، ولا يلزم من أنابه الإمساك عن محظورات الإحرام وقت النسك.
(ومنها) يسقط الحج عن الميت بحج أحد عنه ولو بدون إذن وليه؛ لأنه دَيْن، فإذا قضاه أحد سقط عنه.
(ومنها) يجب الحج عن الميت إذا كان قد استطاع في حياته ولم يحج إذا كان له تركه، وإلا فلا يجب على الوارث، ويشرع للوارث وغيره الحج عنه، سواء أوصى به أم لا”. [ موسوعة الفقه الإسلامي، (3/228 وما بعدها)، بتصرف يسير].
“(ومنها): فدل ذلك على أن الإنسان إذا عجز عن الحج عجزا لا يرجى زواله كالكبر والمرض الذي لا يرجى شفاؤه وما أشبه ذلك فإنه يحج عنه. قاله الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين.
(المسألة الخامسة): الفتاوى
[1] نصيحة لمن ينوب عن غيره في الحج
س: كثير من إخواننا الحجاج يحج عن غيره، بماذا تنصحون من يريد الحج عن الغير؟ جزاكم الله خيرًا.
ج: ننصحه بأن يجتهد بأداء الحق وبأداء الأمانة، يحج عن غيره كما يحج عن نفسه على الطريقة التي حج عليها رسول الله ﷺ، يتبع السنة ويجتهد في أداء الحق الواجب؛ حتى يؤدي الحج على وجه شرعي؛ لأنها أمانة في حقه، فالواجب عليه أن يجتهد حتى يحج – كما حج النبي ﷺ عن الذي استنابه في الحج والعمرة، ويحرص على براءة ذمته من جميع أعمال الحج. [فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر -رقم 68]
[2] بيان كيفية الحج عن الغير
س: تسأل المستمعة: ن، من المدينة المنورة، وتقول: اعتمرت عمرة، ولكنني أريد أن أعمل عمرة لوالدي المتوفى، ما هي الأمور التي تجب علي في مثل هذا العمل؟ وكيف أنوي لوالدي عند الإحرام ؟
ج: المعتمر عن غيره كالمعتمر عن نفسه، والحاج عن غيره كالحاج عن نفسه، يفعل ما يفعل لو حج عن نفسه، أو اعتمر عن نفسه، يحرم من الميقات إذا كان خارج المواقيت، إذا مر بالميقات ينوي الحج عن أبيه، أو الحج عن غيره من الأموات، أو العاجزين لكبر السن، أو مرض لا يرجى برؤُه، ينوي بقلبه، ويقول: لبيك حجًا عن فلان، أو لبيك عمرة عن فلان، ثم يلبي التلبية الشرعية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ويستمر في التلبية، ثم يؤدي الطواف بالنية عن صاحبه والسعي عن صاحبه، وهكذا في الحج في رمي الجمار، وفي عرفة وغير ذلك، ينوي الأعمال كلها عن صاحبه بالنية بقلبه والحمد لله، سواء كان حج عن أبيه، أو عن أخيه أو عن غيره من الأموات، أو عن أبيه العاجز، الشيخ الكبير الهرم، أو عن أمه العاجزة، أو غيرهما ممن لا يستطيع الحج والعمرة؛ لكبر سن، أو مرض لا يرجى برؤُه، بالنية، بنية القلب، إلا أنه يستحب له عند الإحرام، أن يقول: لبيك عن فلان، لبيك حجًا عن فلان. أو: لبيك عمرة عن فلان. والبقية النية كافية، نية القلب تكفي. [فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر – رقم ١٠١]
[3] حكم تغيير النية في الحج عن الغير بعد المرور من الميقات
س: هل يجوز تغيير النية في الحج بعد المرور من الميقات لمن نوى الحج لشخص ثم يغير النية في الطريق؟
ج: لا يجوز إلا إذا كان الإنسان يقلبها إلى نفسه لكونه لم يحج، وأما كونه يغير النية من شخص إلى شخص فليس له ذلك إذا حج فرضه.
ولو أن إنسانًا حج عن غيره، وهو لم يحج عن نفسه، فإن الحج ينقلب له، حتى ولو بدأ بمناسك الحج؛ لأن الحج وجد ولا يذهب سدى، ولا يمكن أن يكون لشخص غيره، فيكون له، وإذا كان أعطي نقود ليحج بها عن غيره فيرجع النقود إلى أهلها.[ شرح سنن أبي داود للعباد].
[4] شرط الحج عن الغير
س: إذا حججت عن والدي، فهل يجزئه ذلك مع أنه لا يزال حيًا؟
ج: إذا كان مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه، أو كان كبيرًا هرمًا لا يستطيع السفر فيجوز.[ شرح سنن أبي داود للعباد].
[5] حكم الحج عن المريض بغير إذنه
س: هل يجوز الحج عن المريض الذي لا يرجى برؤه من غير إذنه؟ أي: هل يشترط الإذن في الحج عن الغير؟
ج: إذا كان المرء حيًا فلابد أن يكون على علم.[ شرح سنن أبي داود للعباد].
تنبيه1: وسبق ذكر مسائل الباب في (٦١) عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند.
تنبيه2:قد سبق ذكر شيء من المسائل المتعلقة بالعمرة في فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند (1199)، وفي (1184) تم ذكر أنواع النسك وغيرها من المسائل.