2707 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي ، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعب
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
فقد قال الحافظ النووي رحمه الله:
١٦ – بابٌ فِي التَّعَوُّذِ مِن سُوءِ القَضاءِ ودَرَكِ الشَّقاءِ وغَيْرِهِ
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
٥٣ – (٢٧٠٧) حَدَّثَنِي عَمْرٌو النّاقِدُ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قالا: حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنِي سُمَيٌّ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ، «كانَ يَتَعَوَّذُ مِن سُوءِ القَضاءِ، ومِن دَرَكِ الشَّقاءِ، ومِن شَماتَةِ الأعْداءِ، ومِن جَهْدِ البَلاءِ»، قالَ عَمْرٌو فِي حَدِيثِهِ: قالَ سُفْيانُ: أشُكُّ أنِّي زِدْتُ واحِدَةً مِنها.
٥٤ – (٢٧٠٨) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا لَيْثٌ، ح وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ – واللَّفْظُ لَهُ – أخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي حَبِيبٍ، عَنِ الحارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ، أنَّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أبِي وقّاصٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ، تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَن نَزَلَ مَنزِلًا ثُمَّ قالَ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللهِ التّامّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتّى يَرْتَحِلَ مِن مَنزِلِهِ ذَلِكَ».
٥٥ – (٢٧٠٨) وحَدَّثَنا هارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، وأبُو الطّاهِرِ، كِلاهُما عَنِ ابْنِ وهْبٍ – واللَّفْظُ لِهارُونَ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ، قالَ: وأخْبَرَنا عَمْرٌو وهُوَ ابْنُ الحارِثِ، أنَّ يَزِيدَ بْنَ أبِي حَبِيبٍ، والحارِثَ بْنَ يَعْقُوبَ، حَدَّثاهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ، عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةِ، أنَّها سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ ﷺ، يَقُولُ: «إذا نَزَلَ أحَدُكُمْ مَنزِلًا، فَلْيَقُلْ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللهِ التّامّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، فَإنَّهُ لا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتّى يَرْتَحِلَ مِنهُ»
٥٥ – (٢٧٠٩) قالَ يَعْقُوبُ: وقالَ القَعْقاعُ بْنُ حَكِيمٍ: عَنْ ذَكْوانَ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّهُ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ ما لَقِيتُ مِن عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البارِحَةَ، قالَ: «أما لَوْ قُلْتَ، حِينَ أمْسَيْتَ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللهِ التّامّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ»،
٥٥ – وحَدَّثَنِي عِيسى بْنُ حَمّادٍ المِصْرِيُّ، أخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي حَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، أنَّهُ ذَكَرَ لَهُ، أنَّ أبا صالِحٍ مَوْلى غَطَفانَ أخْبَرَهُ، أنَّهُ سَمِعَ أبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ وهْبٍ
______
[٦٨٥٣] -؛ (أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يَتَعَوَّذُ) قال في «الفتح»: كذا للأكثر، ورواه مسدد، عن سفيان بسنده هذا، بلفظ الأمر: «تعوّذوا».
(مِن سُوءِ القَضاءِ) قال النوويّ رحمهُ اللهُ: يَشْمَل سوء القضاء في الدِّين، والدنيا، والبدن، والمال، والأهل، وقد يكون ذلك في الخاتمة. انتهى.
وقال ابن بطال رحمهُ اللهُ:
المراد بالقضاء هنا: المقضيّ؛ لأن حُكم الله كله حسن، لا سوء فيه، وهو عام في النفس، والمال، والأهل، والولد، والخاتمة، والمعاد.
(ومِن دَرَكِ الشَّقاءِ)
و«الشقاء» -: هو الهلاك، ويُطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك.
قال ابن بطال رحمهُ اللهُ: ودرك الشقاء يكون في أمور الدنيا، وفي أمور الآخرة. ذكره في «الفتح» [«الفتح» ١٤/ ٣٦٠، «كتاب الدعوات» رقم (٦٣٤٧)].
وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: وأما دَرَك الشقاء، فالمشهور فيه فتح الراء، وحَكى القاضي، وغيره: أن بعض رواة مسلم رواه ساكنها، وهي لغة، قال: وهو يكون في أمور الآخرة، والدنيا، ومعناه: أعوذ بك أن يدركني شقاء. انتهى [«شرح النوويّ» ١٧/ ٣٣].
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: «من سوء القضاء، ومن درك الشقاء»:
و«جهد البلاء»: يروى بفتح الجيم، وضمّها، قال ابن دريد: هما لغتان بمعنى واحد، وهو: التعب، والمشقة، وقال غيره -وهو نفطويه- بالضم: وهو الوسع والطاقة، وبالفتح: المبالغة والغاية. ورُوي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: جهد البلاء: قلّة المال، وكثرة العيال،
و«شماتة الأعداء»: هي ظَفَرهم به، أو فرحهم بما يلحقه من الضرر، والمصائب، وقد جاء هذا الدعاء مسجعًا –كما ترى الآن- لكن ذلك السجع لم يكن متكلّفًا، وإنّما يُكره من ذلك ما كان متكلّفا -.
وإنَما دعا النبيّ ﷺ بهذه الدعوات، وتعوّذ بهذه التعوذات؛ إظهارًا للعبودية، وبيانًا للمشروعية؛ ليُقتَدى بدعواته، ويُتعوّذ بتعويذاته، والله أعلم. انتهى [«المفهم» ٧/ ٣٥].
وقال في «الفتح»: قال ابن بطال وغيره: جهد البلاء: كل ما أصاب
المرء من شدّة مشقة، وما لا طاقة له بحمله، ولا يقدر على دفعه. وقيل:
المراد بجهد البلاء: قلة المال، وكثرة العيال، كذا جاء عن ابن عمر، والحقّ أن ذلك فرد من أفراد جهد البلاء. وقيل: هو ما يختار الموت عليه. انته
وإنما تعوذ النبيّ ﷺ من ذلك؛ تعليمًا لأمته، فإن الله تعالى كان آمنه من جميع ذلك، وبذلك جزم عياض.
قال الحافظ: ولا يتعين ذلك، بل يَحْتَمِل أن يكون استعاذ بربه من وقوع ذلك بأمته، ويؤيده رواية مسدد المذكورة بصيغة الأمر، كما تقدّم.
وقال السيوطيّ رحمهُ اللهُ في «شرح النسائيّ»: «جهد البلاء»:
وقال الكرمانيّ رحمهُ اللهُ: هذه الكلمة جامعة؛ لأن المكروه إما أن يلاحظ من
جهة المبدإ، وهو سوء القضاء، أو من جهة المعاد، وهو درك الشقاء، أو من
جهة المعاش، وهو إما من جهة غيره، وهو شماتة الأعداء، أو من جهة نفسه،
وهو جهد البلاء، نعوذ بالله من ذلك
قال السنديّ رحمهُ اللهُ: وأنت خبير بأنه لا مقابلة على ما ذكره بين سوء
القضاء، وغيره، بل غيره كالتفصيل لجزئياته، فالمقابلة ينبغي أن تُعتبر باعتبار
أن مجموع الثلاثة الأخيرة بمنزلة القَدَر، فكأنه قال: من سوء القضاء والقدر،
لكن أقيم أهمّ أقسام سوء القدر مقامه.
بقي أن المقضيّ من حيث القضاء أزليّ، فأيّ فائدة في الاستعاذة منه، والظاهر أن المراد: صرف المعلّق منه، فإنه قد يكون معلّقًا، والتحقيق أن الدعاء مطلوب؛ لكونه عبادة، وطاعة، ولا حاجة لنا في ذلك إلى أن نعرف الفائدة المترتبة عليه، سوى ما ذكرنا. انتهى [«شرح السنديّ على النسائيّ» ٨/ ٢٧٠].
وقوله: (قالَ عَمْرٌو)؛ يعني: الناقد شيخه الأول، (فِي حَدِيثِهِ: قالَ سُفْيانُ) بن عيينة: (أشُكُّ أني زِدْتُ واحِدَةً مِنها) وفي رواية البخاريّ: «قال سفيان: الحديث ثلاثٌ، زدت أنا واحدة، لا أدري أيتهن»، وفي رواية النسائيّ: «قالَ سُفْيانُ: هُوَ ثَلاثَةٌ، فَذَكَرْتُ أرْبَعَةً؛ لِأنِّي لا أحْفَظُ الواحِدَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ».
قال في «الفتح»: .
وأخرجه الجوزقيّ من طريق عبد الله بن هاشم، عن سفيان، فاقتصر على
ثلاثة، ثم قال: قال سفيان: «وشماتة الأعداء».
وأخرجه الإسماعيليّ من طريق ابن أبي عمر، عن سفيان، وبَيَّن أن الخصلة المَزيدة هي: «شماتة الأعداء»، يُحْمَل الحال حيث لم يقعِ تمييزها، لا تعيينًا ولا إبهامًا أن
يكون ذَهِلَ عن ذلك، أو عَيَّن، أو مَيَّز، فذهِل عنه بعض من سمع، ويترجح
كون الخصلة المذكورة هي المزيدة، بانها تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة، ثم كل واحدة من الثلاثة مستقلّة، فإن كل أمر يُكره يلاحظ فيه جهة
المبدإ، وهو سوء القضاء، وجهة المعاد، وهو درك الشقاء؛ لأن شقاء الآخرة
هو الشقاء الحقيقيّ، وجهة المعاش، وهو جهد البلاء، وأما شماتة الأعداء،
فتقع لكل من وقع له كل من الخصال الثلاثة. انتهى ما في «الفتح» [«الفتح» ١٤/ ٣٦٠ – ٣٦١، «كتاب الدعوات» رقم (٦٣٤٧)]، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه.
فوائد الحديث:
١ – (منها): بيان استحباب الاستعاذة من سوء القضاء.
٢ – (ومنها): أن النوويّ رحمهُ اللهُ قال في «شرحه» ما معناه: إن فيه استحباب
الدعاء، والاستعاذة من كلّ الأشياء المذكورة في هذا الحديث، وما في معناها، وهذا هو الصحيح الذي أجمع عليه العلماء، وأهل الفتوى في جميع الأعصار، والأمصار، وشذّت طائفة من الزهاد، وأهل العبادة إلى أن ترْك الدعاء أفضل؛ استسلامًا للقضاء، وقال آخرون منهم: إن دعا للمسلمين فحَسَن، وإن دعا لنفسه فالأولى تركه، وقال آخرون منهم: إن وجد في نفسه باعثًا للدعاء استُحبّ، وإلا فلا.
قال الإتيوبي عفا الله تعالى عنه: دليل الجمهور ظواهر القرآن والسُّنَّة في الأمر بالدعاء، وفِعْله ﷺ، والإخبار عن الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- بفعله. انتهى [«شرح النوويّ» ١٧/ ٣٠].
٣ – (ومنها): أن الكلام المسجوع لا يُكره، إذا صدر عن غير قَصْد إليه، ولا تكلّف، قاله ابن الجوزيّ رحمهُ اللهُ.
٤ – (ومنها): مشروعية الاستعاذة، ولا يعارِض ذلك كون ما سبق في القدر لا يُرَدّ؛ لاحتمال قد يُقضى على المرء مثلًا بالبلاء، ويُقضى أنه إن دعا كُشف عنه، فالقضاء مُحْتَمِلٌ للدفع، والمدفوع، وفائدة الاستعاذة والدعاء، إظهار العبد فاقته لربه، وتضرعه إليه [«الفتح» ١٤/ ٣٦٠ – ٣٦١، «كتاب الدعوات» رقم (٦٣٤٧)]. والله تعالى أعلم.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٨٥٤] (خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةُ) هي: خولة بنت حكيم بن أمية بن
حارثة بن الأوقص بن مرّة بن هلال بن فالج بن ثعلبة بن ذكوان بن امرئ
القيس بن بُهْثة بن سُليم السُّلَمية، امرأة عثمان بن مظعون، وتكنى أم شَريك.
قال هشام بن عروة عن أبيه: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهَبْن أنفسهن
للنبيّ ﷺ، قال ابن عبد البرّ: ويقال لها: خُويلة، وكانت صالحة فاضلة، روت
عن النبيّ ﷺ، وعنها سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن المسيِّب، وبُسْر بن
سعيد، وعروة بن الزبير، وأرسل عنها عمر بن عبد العزيز، ومحمد بن يحيى بن
حبان، هذا قاله الحافظ المزّيّ رحمهُ اللهُ.
وتعقّبه الحافظ، فقال: إنما جاءت رواية سعيد، وبُسْر عنها بواسطة سعد بن أبي وقاص، وجاءت رواية عن سعيد بن المسيّب عن خُويلة بغير
واسطة، لكن قال: عن خُويلة الأنصارية، وهي من رواية عطاء الخراسانيّ
عنه، أخرجها الطبرانيّ، وفرق بينها وبين خولة بنت حكيم، فالله تعالى أعلم.
انتهى [«تهذيب التهذيب» ٤/ ٦٧١ – ٦٧٢].
أخرج لها البخاريّ في «خلق أفعال العباد»، والمصنّف، والترمذيّ،
والنسائيّ، وابن ماجه، وليس لها في هذا الكتاب إلا هذا الحديث، وأعاده بعده.
شرح الحديث: (تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ:»مَن نَزَلَ مَنزِلًا)
مَظِنّةً للهوامّ، والحشرات، ونحوها، مما يؤذي، ولو في غير سفر.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هكذا قيّدوه بمظنّة الهوامّ، والأولى عدم تقييده، فتنبّه.
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: «أعوذ بكلمات الله التامات … إلخ»: قيل:
معناه: الكاملات اللاتي لا يلحقها نقص، ولا عيب، كما يلحق كلام البشر.
وقيل: معناه: الشافية الكافية. وقيل: الكلمات -هنا- هي: القرآن، فإنّ الله
تعالى قد أخبر عنه بأنه هدى وشفاء، وهذا الأمر على جهة الإرشاد إلى ما
يدفع به الأذى، ولمّا كان ذلك استعاذة بصفات الله تعالى، والتجاء إليه، كان
ذلك من باب المندوب إليه، المرغَّب فيه.
وعلى هذا فحقّ المتعوِّذ بالله تعالى، وبأسمائه وصفاته أن يَصْدُق الله في التجائه إليه، ويتوكل في ذلك عليه، ويُحضر ذلك في قلبه، فمتى فعل ذلك، وصل إلى منتهى طلبه، ومغفرة ذنبه. انتهى [«المفهم» ٧/ ٣٦].
(مِن شَرِّ ما خَلَقَ) متعلّق بـ «أعوذ»، وعبّر بـ «ما» للتعميم.
قال الزرقانيّ رحمهُ اللهُ: وشَرْط نفع ذلك: الحضورُ والنيةُ، وهي استحضار
أنه ﷺ أرشده إلى التحصن به، وأنه الصادق المصدوق، فلو قاله أحدٌ، واتفق
أنه ضرّه شيء، فلأنه لم يقله بنية وقوّة يقين، وليس ذلك خاصًّا بمنازل السفر،
بل عامّ في كل موضع جَلَس فيه، أو نام، وكذلك لو قالها عند خروجه للسفر،
أو عند نزوله للقتال الجائزة، قاله الأبيّ.
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: «لا يضرّه شيء» هذا خبر صحيح، وقولٌ
صادق، علمنا صِدْقه دليلًا وتجربة، فإني منذ سمعت هذا الخبر عَمِلت عليه،
فلم يضرّني شيء إلى أن تركته، فلدغتني عقرب بالمهدية ليلًا، فتفكرت في
نفسي، فإذا بي قد نسيت أن أتعوّذ بتلك الكلمات، فقلت لنفسي -ذامًّا لها،
ومُوبّخًا- ما قاله ﷺ للرجل الملدوغ: أما إنكِ لو قلتِ حين أمسيتِ: أعوذ
بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق لم تضركِ. انتهى [«المفهم» ٧/ ٣٦ – ٣٧].
وروى ابن أبي شيبة عن مجاهد أنه يقرأ مع الحديث المذكور: ﴿رَبِّ
أنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكًا وأنْتَ خَيْرُ المُنْزِلِينَ﴾ [المؤمنون ٢٩]، و﴿رَبِّ أدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾
الآية [الإسراء ٨٠]، وأن ذلك حَسَنٌ عند الإشراف على المنزل، وأن الله تعالى
قاله لنوح؛ حين نزل من السفينة، والله تعالى أعلم.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث خولة بنت حكيم -رضي الله عنها- هذا من أفراد المصنّف رحمهُ اللهُ.
[تنبيه]: قال الحافظ ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ في «التمهيد» بعد ذكر الخلاف في وصله وارساله : والقول قول من وصله، وأسنده. انتهى [«التمهيد» لابن عبد البرّ ٢٤/ ١٨٦].
(المسألة الثانية) في فوائده:
١ – (منها): استحباب هذا الدعاء عند نزول مكان مَخُوف.
٢ – (ومنها): أن نَفْع هذا الدعاء ونحوه من الأدعية النبوية لا بدّ أنيكون بنيّة صادقة، وعزم قويّ، وقد جرّبه الصادقون، فوجدوا أثره انتهى [«فيض القدير شرح الجامع الصغير» للمناويّ ١/ ٤٤٧].
٣ – (ومنها): مشروعيّة الاستعاذة بكلام الله سبحانه وتعالى.
٤ – (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ: وفي الاستعاذة بكلمات الله أبْين
في دليل على أن كلام الله منه تبارك اسمه، وصفة من صفاته، ليس بمخلوق؛ لأنه
محال أن يستعاذ بمخلوق، وعلى هذا جماعة أهل السُّنَّة، والحمد لله.
ثم أخرج بسنده إلى إسحاق بن إبراهيم ابن راهويه الحنظليّ، قال: ذَكَر سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: أدركت الناس منذ سبعين سنة -وكان قد أدرك أصحاب رسول الله ﷺ، فمن دونهم- يقولون: الله عزَّ وجلَّ هو الخالق، وما سواه مخلوق، إلا القرآن، فإنه كلام الله، منه خرج، وإليه يعود. انتهى [«التمهيد» لابن عبد البرّ ٢٤/ ١٨٦]، والله تعالى أعلم.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٨٥٥] .وقوله: (فَإنَّهُ لا يَضُرُّهُ شَيْءٌ)؛ أي: من هوامّ، أو سارق، أو غير ذلك؛
لأنه نكرة في سياق النفي، فيعمّ، قاله الأبيّ رحمهُ اللهُ [«شرح الأبيّ» ٧/ ١٣٣].
والحديث من أفراد المصنّف رحمهُ اللهُ.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[٦٨٥٦] يوضحه رواية مالك في «الموطّأ»، ولفظها: «إن رجلًا من أسلم قال: ما نِمْتُ
هذه الليلةَ، فقال له رسول الله ﷺ: من أيّ شيء؟ فقال: لدغتني عقرب».
وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمهُ اللهُ.