٢٦٣٩ ، ٢٦٤٠ ،٢٦٤١ فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
٥٠ – بابُ المَرْءُ مَعَ مَن أحَبَّ
١٦١ – (٢٦٣٩) حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ إسْحاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي طَلْحَةَ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، أنَّ أعْرابِيًّا، قالَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَتى السّاعَةُ؟ قالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “ما أعْدَدْتَ لَها؟ قالَ: حُبَّ اللهِ ورَسُولِهِ، قالَ: «أنْتَ مَعَ مَن أحْبَبْتَ».
١٦٢ – (٢٦٣٩) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَمْرٌو النّاقِدُ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وابْنُ أبِي عُمَرَ – واللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ – قالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أنَسٍ، قالَ: قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ مَتى السّاعَةُ؟ قالَ: «وما أعْدَدْتَ لَها؟» فَلَمْ يَذْكُرْ كَبِيرًا، قالَ: ولَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ، قالَ: «فَأنْتَ مَعَ مَن أحْبَبْتَ».
١٦٢ – حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ – قالَ عَبْدٌ: أخْبَرَنا، وقالَ ابْنُ رافِعٍ: حَدَّثَنا – عَبْدُ الرَّزّاقِ، أخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي أنَسُ بْنُ مالِكٍ، أنَّ رَجُلًا مِنَ الأعْرابِ أتى رَسُولَ اللهِ ﷺ بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أنَّهُ قالَ: ما أعْدَدْتُ لَها مِن كَثِيرٍ أحْمَدُ عَلَيْهِ نَفْسِي
١٦٣ – (٢٦٣٩) حَدَّثَنِي أبُو الرَّبِيعِ العَتَكِيُّ، حَدَّثَنا حَمّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، حَدَّثَنا ثابِتٌ البُنانِيُّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ مَتى السّاعَةُ؟ قالَ: «وما أعْدَدْتَ لِلسّاعَةِ؟» قالَ: حُبَّ اللهِ ورَسُولِهِ، قالَ: «فَإنَّكَ مَعَ مَن أحْبَبْتَ» قالَ أنَسٌ: فَما فَرِحْنا، بَعْدَ الإسْلامِ فَرَحًا أشَدَّ مِن قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «فَإنَّكَ مَعَ مَن أحْبَبْتَ» قالَ أنَسٌ: فَأنا أُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ، وأبا بَكْرٍ وعُمَرَ، فَأرْجُو أنْ أكُونَ مَعَهُمْ، وإنْ لَمْ أعْمَلْ بِأعْمالِهِمْ.
١٦٣ – حَدَّثَناهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الغُبَرِيُّ، حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَنا ثابِتٌ البُنانِيُّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، ولَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أنَسٍ: فَأنا أُحِبُّ وما بَعْدَهُ.
١٦٤ – (٢٦٣٩) حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – قالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا، وقالَ عُثْمانُ: حَدَّثَنا – جَرِيرٌ، عَنْ مَنصُورٍ، عَنْ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ، حَدَّثَنا أنَسُ بْنُ مالِكٍ، قالَ: بَيْنَما أنا ورَسُولُ اللهِ ﷺ خارِجَيْنِ مِنَ المَسْجِدِ، فَلَقِينا رَجُلًا عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجِدِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ مَتى السّاعَةُ؟ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ما أعْدَدْتَ لَها؟» قالَ فَكَأنَّ الرَّجُلَ اسْتَكانَ، ثُمَّ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ ما أعْدَدْتُ لَها كَبِيرَ صَلاةٍ ولا صِيامٍ ولا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ، قالَ: «فَأنْتَ مَعَ مَن أحْبَبْتَ».
١٦٤ – حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ اليَشْكُرِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمانَ بْنِ جَبَلَةَ، أخْبَرَنِي أبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ.
١٦٤ – حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنا أبُو عَوانَةَ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أنَسٍ، ح وحَدَّثَنا ابْنُ المُثَنّى وابْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، سَمِعْتُ أنَسًا، ح وحَدَّثَنا أبُو غَسّانَ المِسْمَعِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، قالا: حَدَّثَنا مُعاذٌ يَعْنِي ابْنَ هِشامٍ، حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِهَذا الحَدِيثِ.
١٦٥ – (٢٦٤٠) حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – قالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا، وقالَ عُثْمانُ: حَدَّثَنا – جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي وائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ تَرى فِي رَجُلٍ أحَبَّ قَوْمًا ولَمّا يَلْحَقْ بِهِمْ؟ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «المَرْءُ مَعَ مَن أحَبَّ».
١٦٥ – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ قالا: حَدَّثَنا ابْنُ أبِي عَدِيٍّ، ح وحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خالِدٍ، أخْبَرَنا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ، كِلاهُما عَنْ شُعْبَةَ، ح وحَدَّثَنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا أبُو الجَوّابِ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ قَرْمٍ، جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمانَ، عَنْ أبِي وائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِهِ.
١٦٥ – (٢٦٤١) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ، قالا: حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، ح وحَدَّثَنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، ومُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ أبِي مُوسى، قالَ: أتى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ، عَنِ الأعْمَشِ.
==========
التمهيد:
“المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وإن الطيور على أشكالها تقع، وشبه الشيء منجذب إليه أمثلة، وحكم تعبر عن الواقع اللصوص يتجمعون ويتعارفون ويتحابون، والبغاة يتجمعون ويتعارفون، وأهل الفساد والخلاعة والليالي الحمراء يتعارفون ويتصادقون، نعم كل تجمع على المعاصي مآله التفكك والنار يأكل بعضها بعضا، لكن الواقع أنهم يتعارفون ويتعاونون، ولو لبعض الزمن، والصالحون يتعارفون ويتعاونون ويتماسكون ويتجالسون ويتحابون، وتعارفهم يدوم؛ لأنه لله وفي طاعة الله، وما كان لله دام واتصل تعارفهم، ليس لفائدة دنيوية ينتهي بانتهائها وليس لغاية شخصية نفعية دنيوية يزول بالحصول عليها أو باليأس من حصولها، وإنما تعارفهم على الطاعة الإلهية وعلى أن يبقى هذا التعارف ليوم القيامة يوم تراهم على سرر متقابلين، يقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن المجرمين، فالأرواح جنود مجندة، وأهل الخير يميلون إلى أهل الخير وأهل الشر يميلون إلى أهل الشر، وما تشاكل من الأرواح تجمع ومن اتفقت ميولهم أو تقاربت يتجمعون ويتآنسون”.
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله:
“فهذه الأحاديث الثلاثة كالتي قبلها في الحثِّ على حبِّ الله ورسوله، وحبِّ الأخيار ومُجالستهم وصُحبتهم وزيارتهم، والبُعد عن صحبة الأشرار، والحذر مما يدينون به، وما يدعون إليه.
و الإنسان مع مَن أحبَّ، فمَن أحبَّ الله ورسوله والمؤمنين فهو معهم، ومَن أحبَّ الكفرة والظالمين فهو معهم.
و يقول النبيُّ ﷺ: لا يُؤمِن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ….وقال عمر : لأنتَ أحبّ إليَّ من كلِّ شيءٍ حتى من نفسي، فقال: الآن يا عمر، فالواجب حبُّ الله ورسوله حبًّا صادقًا.
ويقول النبيُّ ﷺ: ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحبَّ المرء لا يُحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذفَ في النار.”.[رياض الصالحين – تعليق على 134 من حديث: (مَتَى السَّاعَةُ؟..)، الموقع الرسمي لفضيلته رحمه الله].
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
روايا الحديث وتبويبات الأئمة :
* في رواية للبخاري 6167: ” أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ: «وَيْلَكَ، وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا» “… فَمَرَّ غُلاَمٌ لِلْمُغِيرَةِ وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي، فَقَالَ: «إِنْ أُخِّرَ هَذَا، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بوب عليها البخاري في صحيحه بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ وَيْلَكَ.
* وفي البخاري 6171 في الباب الذي يليه بوب على الحديث فقال: بَابُ عَلاَمَةِ حُبِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
* في رواية للبخاري 7153 عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَارِجَانِ مِنَ المَسْجِدِ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟»، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ…، لذا بوب عليه البخاري فقال: بَابُ القَضَاءِ وَالفُتْيَا فِي الطَّرِيقِ.
* جاء في سنن الترمذي 2386 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَلَهُ مَا اكْتَسَبَ» وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي مُوسَى: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
* جاء في علل ابن أبي حاتم 1818 – وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه محمد بن عباد، عن حاتم بن إسماعيل، عن ابن عجلان (3) ، عن سعيد (4) ، عن أبي هريرة: أن أعرابيا سأل النبي (ص) وهو على المنبر فقال: متى الساعة؟ فقال: ما (5) أعددت لها؟ ، قال: حب الله ورسوله؛ قال: فإنك مع من أحببت؟
فقالا: هذا خطأ؛ يرويه الليث بن سعد (6) ، عن سعيد المقبري، عن شريك بن عبد الله (1) ، عن أنس، عن النبي (ص) ؛ وهذا الصحيح.
قلت (2) لأبي زرعة: الوهم ممن هو؟
قال: من ابن عجلان.
وقلت لأبي: الوهم ممن هو؟
قال (3) : من محمد بن عباد، أو حاتم (4) .
* بوب ابن حبان في صحيحه ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا وَصَفِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِيثَارِ أَمْرِهِمَا وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِمَا عَلَى رِضَى مَنْ سِوَاهُمَا يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* في رواية عند ابن حبان في صحيحه فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ: “أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ سَاعَتِهِ؟ ” فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: “مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟… [قال الأرناؤوط: إسناده صحيح. الحسن بن الحسن المروزي: قال الحافظ في “التقريب”: صدوق، وباقي السند على شرطهما.]، لذا بوب عليها ابن حبان ذِكْرُ الْإِبَاحَةِ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ أَنْ يُغْضِيَ عَنِ الْإِجَابَةِ مُدَّةً ثُمَّ يُجِيبَ ابْتِدَاءً مِنْهُ
* وقال ابن حبان في موضع آخر 7348 ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمَرْءَ فِي الْقِيَامَةِ يَكُونُ مع مَنْ أَحَبَّهُ فِي الدُّنْيَا
* عقد ابن الأثير في جامع الأصول فصلاً متعلقًا بكتاب الصحبة، سماه في التحاب والتواد، وأدرج تحته سبعة أفرع:
- في الحث عليه.
- في الإعلام بالمحبة
- في القصد في المحبة
- في الحب في الله
- في حب الله العبد
- في أن من أحب قومًا كان معهم: ومن الأحاديث التي أوردها تحت هذا الباب:
- حديث الباب برواياته.
- (خ م) عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – :قال : «جاء رجل إِلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسولَ الله ، كيف ترى في رجل أحبَّ قوما ولمَّا يَلْحَقْ بهم ؟ فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : المرءُ مع من أحبَّ». أَخرجه البخاري ومسلم.
- (خ م) أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – : أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «المرءُ مَعَ مَنْ أَحبَّ». أَخرجه البخاري ، ومسلم.
- (ت) صفوان بن عسال – رضي الله عنه – : قال : «جاء أَعرابيّ جهُورِيُّ الصوت ، فقال : يا محمد، الرَّجُلُ يحبُّ القومَ ولمَّا يلحق بهم؟ فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : المرءُ مَعَ مَنْ أَحبَّ». أخرجه الترمذي. [وهو في الصحيح المسند 505 في حديث طويل وفي آخره: فقلت هل سمعته يذكر في الهوى شيئا؟ قال نعم كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري يا محمد فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته هاؤم فقلنا له ويحك اغضض من صوتك فإنك عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد نهيت عن هذا فقال والله لا أغضض قال الأعرابي المرء يحب القوم ولما يلحق بهم قال النبي صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب يوم القيامة]
- (د) أبو ذر الغفاري – رضي الله عنه – :قال : «يا رسولَ الله الرجلُ يُحبُّ القومَ ولا يستطيعُ أن يعملَ بعملهم؟ قال: أنتَ يا أبا ذر مَعَ مَنْ أَحببتَ ، قال : فَإِنِّي أُحبُّ اللهَ ورسولَهُ ، قال : فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحببتَ ، قال: فأعاد[ها] أبو ذر، فأعادها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-». أخرجه أبو داود [صححه الشيخ الألباني ومحققو السنن وقال الشيخ سيف في تخريج سنن أبي داود: قال ابن حجر في الفتح: المحفوظ بهذا الإسناد عن أبي ذر لرجل يعمل العمل من الخير ويحمد الناس عليه؛ كذا أخرجه مسلم وغيره فلعل بعض رواته دخل عليه حديث في حديث].
قال الحافظ النووي رحمه الله:
(٥٠) – (باب المَرْءُ مَعَ مَن أحَبَّ)
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى:
[٦٦٧٨] (٢٦٣٩) – شرح الحديث:
(عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ) -رضي الله عنه-: (أنَّ أعْرابِيًّا) وفي الرواية التالية: «قال رجل: يا رسول الله متى الساعة؟»، وفي الرواية الثالثة: «أنَّ رَجُلًا مِنَ الأعْرابِ أتى رَسُولَ اللهِ -ﷺ- …»،
قال في «الفتح»: هو ذو الخويصرة اليمانيّ، وزعم ابن بشكوال أنه أبو موسى الأشعريّ، أو أبو ذرّ، ثم ساق من حديث أبي موسى: «قلت: يا رسول الله المرء يحب القوم، ولمّا يلحق بهم؟»، ومن حديث أبي ذرّ: «فقلت: يا رسول الله المرء يحب القوم، ولا يستطيع أن يعمل بعملهم؟»، وسؤال هذين إنما وقع عن العمل، والسؤال في حديث الباب إنما وقع عن الساعة، فدلّ على التعدد، ووقع عند الدارقطنيّ من حديث أبي مسعود: «أن الأعرابي الذي بال في المسجد قال: يا محمد
متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟»، فدلّ على أن السائل في حديث أنس هو الأعرابيّ الذي بال في المسجد، وتقدم في «الطهارة» أنه ذو الخويصرة اليمانيّ، كما أخرجه أبو موسى المديني في «دلائل معرفة الصحابة».
انتهى [«الفتح» ٨/ ٣٨٦، كتاب «فضائل الصحابة» رقم (٣٦٨٨)].
تنبيه:
قال الأتيوبي عفا الله عنه: ذو الخويصرة هذا
ليس ذا الخويصرة الذي اعترض على النبيّ -ﷺ- حين قسم الغنيمة في حنين، وقال له: «اعدل يا محمد»، وأخبر -ﷺ- أنه أصل الخوارج، فإن هذا تميميّ، والمذكور في حديث الباب يَماني، فافترقا. [راجع: «العرف الشذيّ» للكشميري ١/ ١٧٤]، والله تعالى أعلم.
قال الكرمانيّ : سلك النبيّ -ﷺ- مع السائل أسلوب الحكيم، وهو تلقّي السائل بغير ما يَطْلُب مما يُهِمّه، أو هو أهمّ. انتهى [«شرح البخاريّ» للكرمانيّ ٢٢/ ٣٥ – ٣٦].
وقال الطيبيّ : سلك مع السائل طريق الأسلوب الحكيم؛ لأنه سأل
عن وقت الساعة، وإبّان إرسائها، فقيل له: فيم أنت من ذكراها؟ وإنما يُهمّك
أن تهتمّ بأُهبتها، وتعتني بما ينفعك عند إرسائها من العقائد الحقّة، والأعمال
الصالحة، فأجاب بقوله: «ما أعددت لها إلا أني أحبّ الله ورسوله».
(قالَ) الرجل: (حُبَّ اللهِ) (ورَسُولِهِ) -ﷺ-، وفي الرواية الآتية: «أنَّهُ قالَ: ما أعْدَدْتُ لَها مِن كَثِيرٍ، أحْمَدُ عَلَيْهِ نَفْسِي»، وفي رواية سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ الآتية: «حَدَّثَنا أنَسُ بْنُ مالِكٍ، قالَ: بَيْنَما أنا ورَسُولُ اللهِ -ﷺ- خارِجَيْنِ مِنَ المَسْجِدِ، فَلَقِينا رَجُلًا عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجِدِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ مَتى السّاعَةُ؟
قالَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ-:»ما أعْدَدْتَ لَها؟ «، قالَ: فَكَأنَّ الرَّجُلَ اسْتَكانَ، ثُمَّ قالَ:
يا رَسُولَ اللهِ ما أعْدَدْتُ لَها كَبِيرَ صَلاةٍ، ولا صِيامٍ، ولا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي
أُحِبُّ اللهَ ورَسُولَهُ …». وفي رواية أبي المليح الرّقّيّ، عن الزهريّ، عن أنس:
«خرج رسول الله -ﷺ-، فتعرّض له أعرابيّ …»، أخرجه أبو نعيم، وله من
طريق شريك بن أبي نَمِر، عن أنس: «دخل رجل، والنبيّ -ﷺ- يخطب»، ومن
رواية أبي ضمرة، عن حميد، عن أنس: «جاء رجل، فقال: متى الساعة؟ فقام
النبيّ -ﷺ- إلى الصلاة،. ثم صلى، ثم قال: أين السائل عن الساعة؟»، ويُجمع
بينها بأن سأله والنبيّ -ﷺ- يخطب، فلم يُجبه حينئذ، فلما انصرف من الصلاة،
وخرج من المسجد رآه، فتذكَّر سؤاله، أو عاوده الأعرابيّ في السؤال، فأجابه حينئذ. [«الفتح» ١٤/ ٤٤، كتاب «الأدب» رقم (٦١٦٧)].
(قالَ) النبيّ -ﷺ-: «أنْتَ مَعَ مَن أحْبَبْتَ») زاد سلّام بن أبي الصهباء، عن ثابت، عن أنس: «إنك مع من أحببت، ولك ما احتسبت»، أخرجه أبو نعيم، وله من طريق قُرّة بن خالد، عن الحسن، عن أنس، وأخرج أيضًا من طريق أشعث، عن الحسن، عن أنس: «المرء مع من أحبّ، وله ما اكتسب»، ومن طريق مسروق، عن عبد الله: «أنت مع من أحببت، وعليك ما اكتسبت، وعلى الله ما احتسبت» [«الفتح» ١٤/ ٤٤، كتاب «الأدب» رقم (٦١٦٧)].
ومعنى: «أنْتَ مَعَ مَن أحْبَبْتَ»؛ أي: مُلْحَقٌ بهم حتى تكون من زمرتهم، قال تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء ٦٩] [«الكاشف عن حقائق السنن» ١٠/ ٣٢٠١].
قال الحافظ: وبهذا يندفع إيراد أن منازلهم متفاوتة، فكيف تصحّ المعية؟
فيقال: إن المعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما، ولا تلزم في جميع الأشياء، فإذا اتَّفَق أن الجميع دخلوا الجنة صدقت المعيّة، وإن تفاوتت الدرجات. [«الفتح» ١٤/ ٣٦، كتاب «الأدب» رقم (٦١٦٧)]. انتهى.
قلت سيف بن دورة :
لكن لا اظن ان المقصود بالحديث مطلق معية دخول الجنة خاصة مع تشوق أنس أن يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رحمة من الله أن يتقبله بمحبته إياهم ويدل على ذلك أيضا حديث عائشة الذي أخرجه الطبراني وسيأتي في الفوائد:
لكن المحبة درجات فمحبة توصلك بإذن الله لدرجة النبيين . فمحبة أنس لهم أعظم من محبة غيره . وكان الصحابة حريصين على المعية الخاصة .
ومحبة الصحابة له صلى الله عليه وسلم عظيمه . بل محبتهم لما يحب أعظم من محبتهم لما يحبون:
ففي صحيح البخاري ٣٧١١ :
فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي.
لذا البخاري في الفضائل قدم القرابة بعد الخلفاء
وقال عمر بن الخطاب للعباس: إن إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب -الذي هو أبوه- لأن النبي ﷺ كان حريصًا على إسلامك.
وهو في الصحيحة مطول في قصة تأمين ابي سفيان وتأمين من دخل داره
أما الصحابي الذي سأل فقد ذكر القرطبي في تفسيره أنه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الذي أُري الأذان في النوم، وقصته معروفة مشهورة.
وهناك قول آخر حكاه القرطبي عن الثعلبي أنها نزلت في ثوبان مولى رسول الله ﷺ.
شرح الحديث:
(عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ) –رضي الله عنه-؛ أنه (قالَ: جاءَ رَجُلٌ) وفي رواية البخاريّ:
«قال: ويلك وما أعددت لها؟» قال القاري رحمه الله: ولَمّا كان السؤال مُحْتَمِلًا
لأن يكون تعنتًا وإنكار صالها، وأن يكون تصديقًا بها، وإشفاقًا منها، واشتياقًا
للقاء ربه قال -ﷺ- امتحانًا له: «ويلك، وما أعددت لها؟» وإلا لو تحقق عنده
إيمانه بها، وإيقانه لها لقال له: ويحك، بدل: ويلك. انتهى [»مرقاة المفاتيح سْرح مشكاة المصابيح” ١٤/ ٣٠٤].
قال القرطبيّ رحمه الله: وإنّما كان فَرَحُهم بذلك أشدّ؛ لأنّهم لم يسمعوا أن في أعمال البرّ ما يحصل به ذلك المعنى من القرب من النبيّ -ﷺ- والكون معه، إلا حبّ الله تعالى ورسوله -ﷺ-، فأعْظِمْ بأمر يُلحق المقصّر بالمشمّر، والمتأخّر بالمتقدِّم.
(قالَ أنَسٌ) – رضي الله عنه – لَمّا فَهِم أن هذا اللفظ محمولٌ على عمومه معلّقًا به رجاءه، ومحقّقًا فيه ظنه، (فَأنا أُحِبُّ اللهَ) تعالى (ورَسُولَهُ) -ﷺ- (وأبا بَكْرٍ) الصدّيق – رضي الله عنه – (وعُمَرَ) بن الخطّاب – رضي الله عنه -، (فَأرْجُو أنْ أكُونَ مَعَهُمْ) في الجنّة، (وإنْ لَمْ أعْمَلْ بِأعْمالِهِمْ)
قال القرطبيّ: الوجه الذي تمسَّك به أنس –رضي الله عنه- يشمل من المسلمين المحبين كلَّ ذي نفس، فلذلك تعلّقت أطماعنا بذلك، وإن كنا مقصِّرين، ورجونا رحمة
الرحمن، وإن كنّا غير مستأهلين. انتهى [«المفهم» ٦/ ٦٤٧].
والحديث متّفقٌ عليه.
(عِنْدَ سُدَّةِ المَسْجِدِ) بضمّ السين، وتشديد الدال المهملتين: هي الظلال المسقّفة عند باب المسجد، قاله النوويّ رحمه الله [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٨٨].
(فَكَأنَّ الرَّجُلَ اسْتَكانَ)؛ أي: خَضَع، وهو من
باب استفعل، من السكون الدالّ على الخضوع، [«عمدة القاري» ٢٤/ ٢٣١].
(ثُمَّ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ ما أعْدَدْتُ لَها كَبِيرَ صَلاةٍ، ولا صِيامٍ، ولا صَدَقَةٍ) وفي بعض النسخ: «كثير» بالثاء المثلّثة، بدل «كبير» بالموحّدة، وإضافته إلى ما بعده، من إضافة الصفة للموصوف؛ أي: صلاة كثيرة، ولا صيامًا كثيرًا، ولا صدقة كثيرة، قال القرطبيّ رحمه الله: يعني بذلك: النوافل من الصلاة، والصيام، والصدقة؛ لأن الفرائض لا بدّ له، ولغيره من فعلها، فيكون معناه:
أنه لم يأت منها بالكثير الذي يُعتمد عليه، ويُرجى دخول الجنّة بسببه، هذا
ظاهره.
ويَحْتَمل أن يكون أراد: أن الذي فَعَله من تلك الأمور، وإن كان كثيرًا، فإنه محتقَر بالنسبة إلى ما عنده من محبّة الله تعالى، ورسوله -ﷺ-، فإنه ظهر له أن محبّة الله تعالى ورسوله -ﷺ- أفضل الأعمال، وأعظم القُرَب، فجعلها عُمْدته، واتّخذها عُدّته، والله تعالى أعلم [«المفهم» ٦/ ٦٤٦ – ٦٤٧].
قال الأتيوبي عفا الله عنه: لا يخفى بُعد الاحتمال الثاني من سياق الحديث، فالأول هو الأقرب، فتأملّ بالإمعان، وبالله تعالى التوفيق.
[تنبيه]: رواية عمرو بن مُرّة، عن سالم بن أبي الجعد هذه ساقها
البخاريّ رحمه الله في «صحيحه»، فقال:
(٥٨١٩) – حدّثنا عبدان، أخبرنا أبي، عن شعبة، عن عمرو بن مُرّة، عن
سالم بن أبي الجعد، عن أنس بن مالك، أن رجلًا سأل النبيّ -ﷺ-: متى الساعة يا
رسول الله؟ قال: «ما أعددت لها؟» قال: ما أعددت لها من كثيرِ صلاةٍ، ولا صومٍ،
ولا صدقةٍ، ولكني أحب الله ورسوله، قال: «أنت مع من أحببت». انتهى [«صحيح البخاريّ» ٥/ ٢٢٨٣].
وفي رواية قال أنس: فما رأيت المسلمين فَرِحُوا بشيء بعد الإسلام أشدّ فرحًا منه بقوله. انتهى [«مسند أبي يعلى» ٥/ ٣٧٢].
وأما رواية أبي عوانة عن قتادة، فلم أجد من ساقها، فليُنظر، والله تعالى
أعلم.
[تنبيه]: كون عبد الله هنا هو ابن مسعود -﵁- هو الذي مشى عليه بعض
الرواة، وبعضهم جعله عبد الله بن قيس أبا موسى الأشعريّ – رضي الله عنه-، وكلاهما
صحيح، كما يأتي تحقيقه -إن شاء الله تعالى-.
والباقون ذُكروا في الباب، و«جرير» هو: ابن عبد الحميد.
شرح الحديث:
حَكى الإسماعيليّ عن بندار أنه عبد الله بن قيس أبو موسى
الأشعريّ، واستَدَلّ برواية سفيان الثوريّ، عن الأعمش عند البخاريّ، قال
الحافظ: ولكن صنيع البخاريّ يقتضي أنه كان عند أبي وائل، عن ابن
مسعود، وعن أبي موسى جميعًا، وأن الطريقين صحيحان؛ لأنه بَيَّن
الاختلاف في ذلك، ولم يرجّح، ولذا ذكر أبو عوانة في «صحيحه» عن
عثمان بن أبي شيبة أن الطريقين صحيحان، قال الحافظ: ويؤيد ذلك أن له
عند ابن مسعود أصلًا، فقد أخرج أبو نعيم في «كتاب المحبين» من طريق
عطيّة عن أبي سعيد: «قال: أتيت أنا وأخي عبد الله بن مسعود، فقال:
سمعت النبيّ -ﷺ-، فذكر الحديث»، وأخرجه أيضًا من طريق مسروق، عن
عبد الله به. انتهى [«الفتح» ١٤/ ٤٠ – ٤١، كتاب «الأدب» رقم (٦١٦٨)].
قال الأتيوبي عفا الله عنه ة وممن أشار إلى صحّة الطريقين الدارقطنيّ
ودونك نصّ «العلل»:(٧٤٠) [«العلل الواردة في الأحاديث النبوية» ٥/ ٩٤].
(قالَ) عبد الله – رضي الله عنه-: (جاءَ رَجُلٌ) وأولى هذا المبهم أنه أبو موسى راوي الحديث، فعند أبي
عوانة من رواية محمد بن كناسة، عن الأعمش، في هذا الحديث، عن شقيق،
عن أبي موسى، قلت: يا رسول الله …، فذكر الحديث، ولكن يعكُر عليه ما
وغير جائز أن يصف نفسه بأنه أعرابيّ، وقد وقع في حديث صفوان بن
عَسّال الذي أخرجه الترمذيّ، والنسائيّ، وصححه ابن خزيمة، من طريق
عاصم بن بَهْدلة، عن زِرّ بن حُبيش، قال: «قلت لصفوان بن عَسّال: هل
سمعت من رسول الله -ﷺ- في الهوى شيئًا؟ قال: نعم، كنا مع رسول الله -ﷺ-
في مسير، فناداه أعرابيّ بصوت له جهوريّ، فقال: أيا محمد، فأجابه النبيّ -ﷺ-
على قَدْر ذلك، فقال:»هاؤم«، قال: أرأيت المرء يحب القوم …» الحديث.
وأخرج أبو نعيم في «كتاب المحبين» من طريق مسروق، عن عبد الله،
وهو ابن مسعود قال: «أتى أعرابيّ، فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحقّ،
إني لأحبك …» فذكر الحديث، فهذا الأعرابيّ يَحْتَمِل أن يكون هو صفوان بن
قدامة، فقد أخرج الطبرانيّ، وصححه أبو عوانة من حديثه، «قال: قلت: يا
رسول الله إني أحبك، قال: المرء مع من أحب».
وقد وقع هذا السؤال لغير مَن ذُكر، فعند أبي عوانة أيضًا، وأحمد، وأبي
داود، وابن حبان، من طريق عبد الله بن الصامت: «عن أبي ذرّ قال: قلت: يا
رسول الله الرجل يحب القوم …» الحديث، ورجاله ثقات، فإن كان مضبوطًا
أمكن أن يُفَسَّر به المبهم في حديث أبي موسى، لكن المحفوظ بهذا الإسناد
عن أبي ذرّ: «الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه»، كذا أخرجه مسلم وغيره، فلعل بعض رواته دخل عليه حديث في حديث [«الفتح» ١٤/ ٤٢ – ٤٣، كتاب «الأدب» رقم (٦١٦٨)].
يعني: أن من أحب قومًا بالإخلاص يكون من زُمرتهم، وإن لم يعمل عملهم؛ لثبوت التقارب بين
قلوبهم، وربما تؤدي تلك المحبة إلى موافقتهم، وفيه حث على محبة الصلحاء والأخيار رجاءَ اللَّحاق بهم، والخلاص من النار [«عون المعبود» ١٤/ ٢٥].
وقال المباركفوريّ : «المرء مع من أحبّ»؛ أي: يُحشر مع محبوبه، ويكون رفيقًا لمطلوبه، قال تعالى: ﴿ومَن يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ الآية [النساء ٦٩]، وظاهر الحديث: العموم الشامل للصالح والطالح، ويؤيده
حديث: «المرء على دِين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل»[قال الترمذي: حديث حسن غريب، وقال النوويّ: إسناده صحيح]، ففيه ترغيب،
وترهيب، ووعد، ووعيد، وفي رواية للترمذيّ عن أنس: «المرء مع من أحبّ،
وله ما اكتسب»، وفي رواية البيهقيّ في «شعب الإيمان»: «أنت مع من أحببت،
ولك ما احتسبت». قال القاري: أي: أجر ما احتسبت، والاحتساب: طلب
الثواب، وأصل الاحتساب بالشيء: الاعتداد به، ولعله مأخوذ من الحِساب،
أو الحَسْب، واحتسب بالعمل: إذا قَصَد به مرضاة ربه.
وقال التوربشتيّ: وكلا اللفظين؛ يعني: «احتسب» و«اكتسب» قريب من
الآخَر في المعنى المراد منه، قال الطيبيّ ﵀: وذلك لأن معنى ما اكتسب:
كَسَب كسْبًا يُعتدّ به، ولا يَرِد عليه سبب الرياء والسمعة، وهذا هو معنى الاحتساب؛ لأن الافتعال للاعتمال. انتهى، ومعنى الحديث: أن المرء يحشر
مع من أحبه، وله أجر ما احتسب في محبته. انتهى [«تحفة الأحوذيّ» ٧/ ٥١].
[تنبيه]: قد جمع أبو نعيم طرق هذا الحديث في جزء سماه «كتاب المحبين مع المحبوبين»، وبلغ الصحابة فيه نحو العشرين، وفي رواية أكثرهم بهذا اللفظ، وفي بعضها بلفظ: «أنت مع من أحببت»، والله تعالى أعلم.
ثانيًا: فوائد الباب:
١ – (منها): بيان فضل حب الله تعالى، ورسوله -ﷺ-، والصالحين، وأهل الخير الأحياء والأموات، فإنه يكون معهم في الجنّة.
وقد أخرج الطبرانيّ عن عائشة –رضي الله عها- قالت: جاء رجل إلى النبيّ -ﷺ،
فقال: يا رسول الله إنك لأحبّ إلي من نفسي، وإنك لأحب إليّ من ولدي،
وإني لأكون في البيت، فأذكرك، فما أصبر حتى آتيَ، فأنظر إليك، وإذا ذكرت
موتي وموتك، عرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت
الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يَرُدّ عليه النبيّ -ﷺ- شيئًا، حتى نزل جبريل؛ بهذه
الآية: ﴿ومَن يُطِعِ اللَّهَ والرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ﴾ [النساء ٦٩]، قال الحافظ الهيثميّ: رواه الطبرانيّ في «الصغير»، و«الأوسط»، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابديّ، وهو ثقة. انتهى [«مجمع الزوائد» ٧/ ٧].
٢ – (ومنها): أن من فضل محبة الله تعالى ورسوله -ﷺ- امتثال أمرهما، واجتناب نهيهما، والتادب بالآداب الشرعية، قاله النوويّ رحمه الله.
وقال القاضي عياض رحمه الله: فيه أن محبة الله تعالى، ومحبّة رسوله -ﷺ- الاستقامة على طاعتهما، وترك مخالفتهما، وإذا أحبّهما تأدّب بآداب شريعتهما، ووقف عند حدودهما، وأن حبه لله، ولنبيّه -ﷺ-، ولمن أحبه من الصالحين، ومَيْله بقلبه إليهم إنما ذلك كلّه لله تعالى، وطاعة له، وثمرة صحّة إيمانه، وشَرْح قلبه، وهو من أعظم الدرجات، وأرفع منازل الطاعات، ومن أعمال القلوب التي الأجر عليها أعظم من أجر أعمال الجوارح، وإثابة الله على ذلك أن رُفع إلى منزلة من أحبه فيه، وإن لم يكن له أعمال مثل أعماله، وهو فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. انتهى [«إكمال المعلم» ٧/ ١١٩].
وقال القاري رحمه الله: ومن علامة المحبة الصادقة أن يختار أمر المحبوب، ونهيه على مراد غيره، ولذا قالت رابعة العدويّة [من البسيط]:
تَعْصِي الإلَهَ وأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ … هَذا لَعَمْرِي فِي القِياسِ بَدِيعُ
لَوْ كانَ حُبُّكَ صادِقًا لَأطَعْتَهُ … إنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطِيعُ. [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ١٤/ ٣٠٤]
قال ابن هبيرة رحمه الله في الإفصاح عن معاني الصحاح:
في هذا الحديث من الفقه أن من أحب قومًا كان معهم، ومعنى ذلك أنه أحبهم على الإيمان لعملهم بالحق فصار ذلك من محبي الحق وحزبه، فكان به بمحبة الحق درجة الذين يؤثرون نصر الحق وظهوره، فألحقه الله تعالى بفضله بأهل الحق.
٣ – (ومنها): أنه لا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يَعمَل عملهم؛ إذ لو عَمِله لكان منهم، ومِثْلهم، وقد صَرَّح في الحديث الذي بعد هذا بذلك، فقال: «أحَبَّ قومًا، ولمّا يلحق بهم»، قال أهل العربية: «لَمّا» نفي للماضي المستمرّ، فيدل على نفيه في الماضي، وفي الحال، بخلاف «لم»،
فإنها تدلّ على الماضي فقط، ثم إنه لا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته،
وجزاؤه مثلهم من كل وجه، قاله النوويّ رحمه الله [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٨٦].
٤ – (ومنها): ما قاله ابن بطّال رحمه الله: دلّ الحديث على أن من أحب عبدًا
في الله، فإن الله جامِع بينه وبينه في جنّته، ومُدخِله مَدخَله، وإن قصّر عن
عمله، وهذا معنى قوله: «ولم يلحق بهم»؛ يعني في العمل، والمنزلة، وبيان
هذا المعنى -والله أعلم- أنه لمّا كان المحبّ للصالحين إنما أحبهم من أجل
طاعتهم لله، وكانت المحبة عملًا من أعمال القلوب، واعتقادًا لها أثاب الله
معتقد ذلك ثواب الصالحين؛ إذ النية هي الأصل، والعمل تابع لها، والله يُؤتي
فضله من يشاء. انتهى [«شرح ابن بطال على صحيح البخاريّ» ١٧/ ٤١٦]، والله تعالى أعلم.
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
5 – (ومنها): ففي هذا الحديث -أي حديث أنس- دليل على أنه ليس الشأن كل الشأن أن يسأل الإنسان متى يموت؟ ولكن على أي حال يموت؟ هل يموت على خاتمة؟ أو على خاتمة سيئة؟
ولهذا قال: «ماذا أعددت لها؟» يعني لا تسأل عنها فإنها ستأتي. قاله الشيخ ابن عثيمين في رياض الصالحين.
ثالثًا:
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فصل وأما قوله صلى الله عليه وسلم { المرء مع من أحب } فهو من أصح الأحاديث وقال أنس فما فرح المسلمون بشيء بعد الإسلام فرحهم بهذا الحديث فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن يحشرني الله معهم وإن لم أعمل مثل أعمالهم وكذلك { أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله } لكن هذا بحيث أن يحب المرء ما يحبه الله ومن يحبه الله فيحب أنبياء الله كلهم ; لأن الله يحبهم ويحب كل من علم أنه مات على الإيمان والتقوى فإن هؤلاء أولياء الله والله يحبهم كالذين يشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وغيرهم من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان .
فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له بالجنة وأما من لم يشهد له بالجنة فقد قال طائفة من أهل العلم : لا يشهد له بالجنة [ ص: 314 ] ولا نشهد أن الله يحبه . وقال طائفة : بل من استفاض من بين الناس إيمانه وتقواه واتفق المسلمون على الثناء عليه كعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وسفيان الثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي وعبد الله بن المبارك – رضي الله تعالى عنهم – وغيرهم شهدنا له بالجنة ; لأن في الصحيح : { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال : وجبت وجبت ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا . فقال : وجبت وجبت . قالوا : يا رسول الله ; ما قولك وجبت وجبت ؟ . قال : هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت وجبت لها الجنة وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت : وجبت لها النار : قيل بم يا رسول الله قال : بالثناء الحسن والثناء السيئ } .
وإذا علم هذا فكثير من المشهورين بالمشيخة في هذه الأزمان قد يكون فيهم من الجهل والضلال والمعاصي والذنوب ما يمنع شهادة الناس لهم بذلك ; بل قد يكون فيهم المنافق والفاسق كما أن فيهم من هو من أولياء الله المتقين وعباد الله الصالحين وحزب الله المفلحين كما أن غير المشايخ فيهم هؤلاء – وهؤلاء في الجنة – كالتجار والفلاحين وغيرهم من الأصناف .
[ ص: 315 ] وإذا كان كذلك فمن طلب أن يحشر مع شيخ لم يعلم عاقبته كان ضالا بل عليه أن يأخذ فيطلب بما يعلم أن يحشره الله مع نبيه والصالحين من عباده . كما قال الله تعالى : { وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين } وقال الله تعالى : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } .
وعلى هذا فمن أحب شيخا مخالفا للشريعة كان معه فإذا أدخل الشيخ النار كان معه ومعلوم أن الشيوخ المخالفين للكتاب والسنة أهل الضلال والجهالة فمن كان معهم كان مصيره مصير أهل الضلالة والجهالة وأما من كان من أولياء الله المتقين كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم فمحبة هؤلاء من أوثق عرى الإيمان وأعظم حسنات المتقين ولو أحب الرجل لما ظهر له من الخير الذي يحبه الله ورسوله أثابه الله تعالى على محبة ما يحبه الله ورسوله وإن لم يعلم حقيقة باطنه فإن الأصل هو حب الله وحب ما يحبه الله فمن أحب الله وأحب ما يحبه الله كان من أولياء الله .
لكن كثيرا من الناس يدعي المحبة من غير تحقيق قال الله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } . قال بعض السلف : ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم [ ص: 316 ] يحبون الله فأنزل الله هذه الآية فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته وترك مكروهاته والناس يتفاضلون في هذا تفاضلا عظيما فمن كان أعظم نصيبا من ذلك كان أعظم درجة عند الله وأما من أحب شخصا لهواه مثل أن يحبه لدنيا يصيبها منه أو لحاجة يقوم له بها أو لمال يتأكله به أو بعصبية فيه ونحو ذلك من الأشياء فهذه ليست محبة لله بل هذه محبة لهوى النفس وهذه المحبة هي التي توقع أصحابها في الكفر والفسوق والعصيان .
وما أكثر من يدعي حب مشايخ لله ولو كان يحبهم لله لأطاع الله الذي أحبهم لأجله فإن المحبوب لأجل غيره تكون محبته تابعة لمحبة ذلك الغير وكيف يحب شخصا لله من لا يكون محبا لله ؟ وكيف يكون محبا لله من يكون معرضا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسبيل الله ؟ وما أكثر من يحب شيوخا أو ملوكا وغيرهم فيتخذهم أندادا يحبهم كحب الله والفرق بين المحبة لله والمحبة مع الله ظاهر فأهل الشرك يتخذون أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله وأهل الإيمان يحبون وذلك أن أهل الإيمان أصل حبهم هو حب الله ومن أحب الله أحب من يحبه الله ومن أحبه الله أحب الله فمحبوب المحبوب محبوب لله يحب الله فمن أحب الله أحبه الله فيحب من أحب الله .
[ ص: 317 ] وأما أهل الشرك فيتخذون أندادا وشفعاء يدعونهم من دون الله …….وذكر ابن تيمية هنا ايات تدل على هذا المعاني ثم ذكر نصوص تدل على أن الشريعة المحمدية هي خاتمة الشرائع وقال :
فعلى الخلق كلهم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم فلا يعبدون إلا الله ويعبدونه بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا بغيرها ….. وعبادة الله تتضمن كمال محبة الله وكمال الذل لله فاصل الدين وقاعدته يتضمن أن يكون الله هو المعبود الذي تحبه القلوب وتخشاه ولا يكون لها إله سواه و ” الإله ” ما تألهه القلوب بالمحبة والتعظيم والرجاء والخوف والإجلال والإعظام ونحو ذلك .
والله سبحانه وتعالى أرسل الرسل بأنه لا إله إلا هو فتخلو القلوب عن محبة ما سواه [ بمحبته ] وبرجائه وعن سؤال ما سواه بسؤاله وعن العمل لما سواه بالعمل له وعن الاستعانة بما سواه بالاستعانة به …..
فالحب لغير الله كحب النصارى للمسيح وحب اليهود لموسى وحب الرافضة لعلي وحب الغلاة لشيوخهم وأئمتهم مثل من يوالي شيخا أو إماما وينفر عن نظيره وهما متقاربان أو متساويان في الرتبة فهذا من جنس أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض وحال الرافضة الذين يوالون بعض الصحابة ويعادون بعضهم وحال أهل العصبية من المنتسبين إلى فقه وزهد : الذين يوالون الشيوخ والأئمة دون البعض .
وإنما المؤمن من يوالي جميع أهل الإيمان . قال الله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا – وشبك بين أصابعه – } وقال : { مثل [ ص: 321 ] المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر } وقال عليه السلام { لا تقاطعوا ; ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا } .
ومما يبين الحب لله والحب لغير الله أن أبا بكر – رضي الله عنه – كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم مخلصا لله وأبو طالب عمه كان يحبه وينصره لهواه لا لله فتقبل الله عمل أبي بكر وأنزل فيه : { وسيجنبها الأتقى } …..
وكلما كان الرجل أعظم إخلاصا لله كانت شفاعة الرسول أقرب إليه { قال له أبو هريرة : من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟ قال : من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله } .
فعلى المسلم أن يفرق بين محبة النصارى والمشركين ودينهم ويتبع أهل التوحيد والإيمان ويخرج عن مشابهة المشركين وعبدة الصلبان . وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار } { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } . وقال الله تعالى : { من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } وهذا باب واسع ودين الإسلام مبني على هذا الأصل والقرآن يدور عليه. [مجموع فتاوى ابن تيمية » الحديث » كتاب الحديث » فصل معنى حديث المرء مع من أحب].
رابعًا: الفتاوي:
[] السؤال:
حب الله وحب رسوله بأي شيء يتم ذلك؟
الجواب:
يتم حب الله ورسوله بطاعة الله ورسوله، وترك معصية الله ورسوله، قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [سورة آل عمران: 31]، يقول النبي ﷺ: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار، والمحب لله ورسوله هو الذي يلتزم أمر الله، ويتباعد عن مناهي الله، ويقف عند حدود الله، ويوالي في الله، ويعادي في الله، ويحب في الله، ويبغض في الله، يخاف عقوبته، ويرجو رحمته عزوجل، هكذا المحب لله، والمحب لرسوله ﷺ. [نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله، بأي شيء يكون حب الله ورسوله].
وسبق ذكر مسائل المحبة، ومن ذلك محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
خامسًا: أبيات:
ألا يا غافلاً تحصى عليه … من العمل الصغيرة والكبيره
يصاح به وينذر كل يوم … وقد أنسته غفلته مصيره
تأهب للرحيل فقد تدانى … وأنذرك الرحيل أخ وجيره
وكم ذنب أتيت على بصيره … وعينك بالذي تأتي قريره
تحاذر أن تراك هناك عين … وإن عليك للعين البصيره
وكم من مَدخل لو مُتَّ فيه … لكنت به نكالاً في العشيره
وقيت السوء والمكروه منه … ورحت بنعمة فيه ستيره[المدهش لابن الجوزي، (ص 515)]
يقول الشافعي وهو يتحدث عن نفسه بتواضع:
أحب الصالحين ولست منهم * * لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارتهم المعاصي * * وإن كانا سوياً في البضاعة
فيرد عليه الإمام أحمد ويقول:
تحب الصالحين وأنت منهم* * ومنكم قد تناولنا الشفاعة
وتكره من بضاعتهم معاصي * * وقاك الله من شر البضاعة
خامسًا:
مسائل وتفريعات :
- في تعارف الأرواح
* ينظر شرح الصحيح المسند برقم 54 أنس بن مالك قال: [ص: 65] كنت جالسًا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ مر رجل فقال رجل من القوم يا رسول الله إني لأحب هذا الرجل قال «هل أعلمته ذلك؟» قال لا فقال «قم فأعلمه» قال فقام إليه فقال يا هذا والله إني لأحبك في الله قال أحبك الذي أحببتني له.
ومما جاء فيه:
* أرقام الأحاديث التي في الصحيح المسند التي تتكلم عن الحب في الله:
- حديث الباب 54.
- 505 حديث صفوان بن عسال وفيه: «المرء مع من أحب».
- 719 عن ابن عمر مرفوعا «أسامة أحب الناس إلي» ما حاشا فاطمة ولا غيرها.
- 783 عن عبد الله بن عمرو بن العاص: يبلغ به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا».
- 1107 عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخذ بيده وقال «يا معاذ والله إني لأحبك» فقال «أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
- 1110 عن أبي مسلم الخولاني وفيه «المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله» وفيه أيضا «حقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتباذلين في وحقت محبتي للمتزاورين في والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله».
- 1143 عن المقدام بن معدي كرب وقد كان أدركه: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال «إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه».
- 1411 عن أبي هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رجل ومعه صبي فجعل يضمه إليه فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم «أترحمه؟» قال نعم قال «فالله أرحم بك منك به وهو أرحم الراحمين».
- 1433 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إن من عباد الله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء» قيل: من هم لعلنا نحبهم؟ قال: «هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا أنساب وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إن خاف الناس ولا يحزنون إن حزن الناس» ثم قرأ: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
- أورد في الجامع الصحيح 3573 حديث عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَسَلَّمَ: لو أن رجلين دخلا في الإسلام فاهتجرا كان أحدهما خارجا من الإسلام حتى يرجع الظالم. ولكن الشيخ أورده في أحاديث معلة برقم 307.
- وأورد في الجامع الصحيح 3578 عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ كَعَمَلِهِمْ، قَالَ: «أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ»، قَالَ: فَإِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ، وَرَسُولَهُ، قَالَ: «فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» قَالَ: فَأَعَادَهَا أَبُو ذَرٍّ فَأَعَادَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
* وكذلك ينظر شرح الصحيح المسند برقم 1110:
ذكروا في شرح الحديث ما يلي على سبيل الاختصار:
- شرح وفقه الحديث.
- فوائد الحديث. (وذكروا فيه أربع فوائد).
- من حقوق المحبة في الله. (وذكروا تحته ثمانية حقوق للمحبة في الله)
- كيفية التعامل مع من تحب في الله. (ذكروا أمرين)
- أنواع المحبة وأن منها المحبة الشرعية (وهي أقسام ثلاثة) ومنها المحبة المحرمة (وذكروا نوعين المحبة الشركية والمحرمة التي هي دون الشرك).
- حقيقة محبة الله عزوجل.
- طرق الوصول إلى محبته سبحانه وتعالى.
- درجات محبة الله عزوجل (وأن منها الدرجة الواجبة والمستحبة).
- أسباب وعلامات نيل محبة الله عزوجل (وذكرة الأسباب العشرة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله) وزادوا عليها عشرة أسباب أخرى.
- الثمرات العظيمة لمحبة الله لعبده (وذكروا تحتها ست ثمرات).
- صفات الصديق أو الأخ المرجو في هذا الزمان.
- إذا أحب أحد أخاه هل يقول له ذلك وما حكم ذلك وما ثمار ذلك.
- حقوق الحب في الله تعالى (وذكروا تحته كلام العلامة ابن باز رحمه الله)
- كلمة في الحب في الله والاعتصام بحبله (ونقلوا كلمة للشيخ ربيع المدخلي حفظه الله).
* بوب النووي في رياض الصالحين 45- باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة.
* لابن قدامة المقدسي رسالة بعنوان “المتحابين في الله” ذكر فيها 161 ما بين حديث وأثر.