٢٦٢٨ فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وعبدالله كديم وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي وعبدالملك
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
٤٥ – (بابُ اسْتِحْبابِ مُجالَسَةِ الصّالِحِينَ، ومُجانبَةِ قُرَناءِ السَّوْءِ)
(٢٦٢٨) – (حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أبِي مُوسى، عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ -، (ح) وحَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ الهَمْدانِيُّ -واللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبِي مُوسى، عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ – قالَ: «إنَّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصّالِحِ، والجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إمّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمّا أنْ تَبْتاعَ مِنهُ، وإمّا أنْ تَجِدَ مِنهُ رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ، إمّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»).
==========
تبويبات الأئمة:
أورده النووي رحمه الله في رياض الصالحين في باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة
* أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وقال: فَصْلٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ مُجَانَبَةُ الْفَسَقَةِ , وَالْمُبْتَدِعَةِ وَمَنْ لَا يُعِينُكَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وقال البيهقي في الآداب: بَابُ مَنْ يُجَالِسُ وَمَنْ يُصَاحِبُ.
وقال في السنن الكبرى (6/43): باب المسك طاهر يحل بيعه وشراؤه والسلف فيه.
* قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/182): “الترغيب في الجليس الصالح، والترهيب من الجليس السيئ، وما جاء في من جلس وسط الحلقة، وأدب المجلس وغير ذلك”
* ينظر شرح الصحيح المسند برقم 1272 عن أبي هـريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)).
ومما ذكر في الشرح: * الآيات والأحاديث الواردة في الإخاء كثيرة جداً ; ذكر صاحب كتاب ” نضرة النعيم ” (24) آيةً, و (55) حديثاً, و (47) أثراً عن الإخاء والمؤاخاة فلتراجع.
* لابن أبي الدنيا كتاب عنوانه ” الإخوان “.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
٤٥ – (بابُ اسْتِحْبابِ مُجالَسَةِ الصّالِحِينَ، ومُجانبَةِ قُرَناءِ السَّوْءِ).
قال الإمام مسلم رحمه الله:
(٢٦٢٨) [تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
فيه محمد بن العلاء أحد التسعة الذين روى عنهم الجماعة بلا واسطة، وهم المجموعون في قولي:
تَرَكَ الأئِمَّةُ الهُداةُ … ذَوُو الأُصُولِ السِّتَّةِ الوُعاةُ
فِي تِسْعَةٍ مِنَ الشُّيُوخِ المَهَرَهْ … الحافِظِينَ النّاقِدِينَ البَرَرَهْ
اولَئِكَ الأشَجُّ وابْنُ مَعْمَرِ … نَصْرٌ ويعْقُوبُ وعَمْرٌو السَّرِي
وابْنُ العَلاءِ وابْنُ بَشّارٍ كَذا … ابْنُ المُثَنّى وزِيادٌ يُحْتَذى
وفيه رواية الراوي عن جدّه، عن أبيه.
شرح الحديث:
قال القرطبيّ –رحمه الله-: مقصود هذا التمثيل الحضّ على صحبة العلماء، والفضلاء، وأهل الدين، وهو الذي يزيدك نُطْقه علمًا، وفِعْله أدبًا، ونَظَره خشية، والزجر عن مخالطة من هو على نقيض ذلك. انتهى [«المفهم» ٦/ ٦٣٣ – ٦٣٤].
[فائدة]:
ذكر في «القاموس»، و«شرحه» فائدة نفيسة في ضبط «السَّوء»
بالفتح، و«السُّوء» بالضم، فَعَلَ به ما يكرَهُ، نقيض سرَّهُ، فاسْتاءَ هو في
الصنيع، ويقال: ساءَ ما فعل فلانٌ صَنيعًا يَسوءُ؛ أي: قَبُحَ صَنيعًا، وفي «تفسير
الغريب» لابن قتيبة قوله تعالى: ﴿وساءَ سَبِيلًا﴾ [النساء ٢٢]؛ أي: قَبُحَ هذا
الفعلُ فِعْلًا وطريقًا، كما تقول: ساءَ هذا مذهبًا، وهو منصوب على التمييز،
كما قال: ﴿وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء ٦٩]، والسُّوءُ بالضَّمِّ: الاسمُ منه،
(كحامِلِ المِسْكِ) قال الفيّوميّ –رحمه الله-: «المِسْكُ»: طِيب معروف، وهو
مُعَرَّب، والعرب تسميه المشموم، وهو عندهم أفضل الطيب، ولهذا ورد:
«لَخُلُوفُ فَمِ الصّائِمِ عِنْدَ الله أطْيَبُ مِن رِيحِ المِسْكِ» [متّفقٌ عليه] انتهى [«المصباح المنير» ٢/ ٥٧٣].
(ونافِخِ الكِيرِ)
وقال في «الفتح»:
قوله: «وكير الحداد» بكسر الكاف، بعدها تحتانية ساكنة، معروف، قال: وحقيقته البناء الذي يُرَكَّب عليه الزِّقّ، والزِّقّ هو الذي يُنفخ فيه، فأُطلق على الزق اسم الكير مجازًا؛ لمجاورته له، وقيل: الكير هو الزدتّى نفسه، وأما البناء فاسمه الكُور. انتهى.
قال المناويّ –رحمه الله -: المقصود منه: النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دِين، أو دنيا، والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما،
وفيه: إيذان بطهارة المسك، وحلّ بيعه، وضَرْب المثل، والعمل في الحُكم بالأشباه والنظائر
وحديث أبي موسى الأشعريّ – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
فوائد الباب:
١ – (منها): قال النوويّ –رحمه الله -: فيه فضيلة مجالسة الصالحين، وأهل الخير، والمروءة، ومكارم الأخلاق، والورع، والعلم، والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشرّ، وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثر فجوره، وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧٨].
٢ – (ومنها): جواز بيع المسك، والحكم بطهارته؛ لأنه – ﷺ – مدحه، ورَغَّب فيه، ففيه الردّ على من كرهه، وهو منقول عن الحسن البصريّ، وعطاء، وغيرهما، ثم انقرض هذا الخلاف، واستقرّ الإجماع على طهارة المسك. [«الفتح» ٤/ ٣٢٤].
وقال القرطبيّ –رحمه الله -: تطابقت الأخبار، واستفاضت على أن المسك يجتمع في غدّة حيوان هو الغزال، أو يُشْبهه، فيتعفّن في تلك الغدّة حتى تيبس،
وتسقط، فتؤخذ تلك الغدّة كالجليدات المحشوّة، وتلك الجلدة هي المسمّاة
بفأرة المسك، والجمهور من علماء السلف والخلف على طهارة المسك، وفأرته، وعلى ذلك يدلّ استعمال النبيّ – ﷺ – له، وثناؤه عليه، وإجازة بيعه
فإن قيل: كيف لا يكون نجسًا، وقد قلتم: إنه دم، والدم نجس في أصله بالإجماع [قال الأتيوبي في الحاشية عفا الله عنه: “دعواه الإجماع على نجاسة الدم فيه نظر لا يخفى، وقد تقدّم البحث فيه في «كتاب الطهارة»، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق”.]، وإنما يعفى عن اليسير منه، لتعذّر التحرّز منه، على ما هو مُفَصَّل
في الفقه؟
فالجواب: إنا، وإن سلَّمنا أن أصل المسك الدم نجس، فلا نسلّم أنه بقي على أصل الدموية، فإنّ الدم إذا تعفن تغيّر لونه، ورائحته إلى ما يستقذر، وخبث، فاستحال إلى فساد، وليس كذلك المسك، فإنّه قد استحال إلى صلاح، يُستطاب، ويُستحسن، ويفضّل على أنواع كل الطيب، وهذا كاستحالة الدم لبنًا وبَيْضًا. انتهى [«المفهم» ٦/ ٦٣٤ – ٦٣٥].
٣ – (ومنها): جواز الاحتراف بالحدادة.
٤ – (ومنها): مشروعيّة ضرب المَثَل، والعمل في الحُكم بالأشباه والنظائر، قال الإمام ابن حبّان –رحمه الله- في «صحيحه» بعد إخراج الحديث: في هذا الخبر دليلٌ على إباحة المقايسات في الدين. انتهى [«صحيح ابن حبّان» ٢/ ١ ٣٢].
٥ – (ومنها): مدح المسك المستلزم لطهارته، ومدح الصحابة، حيث كان جليسهم رسول الله – ﷺ – حتى قيل: ليس للصحابي فضيلة أفضل من فضيلة الصحبة، ولهذا سُمُّوا بالصحابة، مع أنهم علماء، كرماء، شجعاء … إلى تمام فضائلهم.
٦ – (ومنها): بيان فضيلة صحبة الأخيار، قال بعضهم: في الحديث إرشاد إلى الأمر بمجالسة من تنتفع بمجالسته في دينك، من علم تستفيده، أو عمل يكون فيه، وأحسنِ خُلُق يكون فيه، وأحسن خُلُق يكون عليه، فإن الإنسان إذا جالس من تُذكِّره مجالسته الآخرة، فلا بد أن ينال منه بقَدْر ما يوفقه الله بذلك.
وقال المناويّ –رحمه الله -: في الحديث بيان النهي عن مجالسته من يتأذى به دينًا أو دنيا، والترغيب فيمن يُنتفع بمجالسته فيهما، قال الراغب: نَبَّه بهذا الحديث على أن حقّ الإنسان أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار، ومجالستهم، فهي قد تجعل الشِّرِّير خَيِّرًا، كما أن صحبة الأشرار قد تجعل الخير شِرِّيرًا، قال الحكماء: من صَحَب خيّرًا أصاب بركته، فجليس أولياء الله لا يشقى، وإن كان كلبًا، ككلب أهل الكهف، ولهذا أوصت الحكماء الأحداث بالبعد عن مجالسة السفهاء، قال عليّ – رضي الله عنه -: لا تصحب الفاجر، فإنه يُزَيّن لك فعلَه، ويوَدُّ لو أنك مثله، وقالوا: إياك ومجالسةَ الأشرار، فإن طبعك يَسرِق منهم، وأنت لا تدري، وليس إعْداء الجليس جليسه بمقاله وفعاله فقط، بل بالنظر إليه، والنظرُ في الصور يورث في النفوس أخلاقًا مناسبة لِخُلُق المنظور إليه، فإن من دامت رؤيته للمسرور سُرَّ، وللمحزون حَزِن، وليس ذلك في الإنسان فقط، بل في الحيوان والنبات، فالجمل الصعب يصير ذَلُولًا بمقاربة الجمل الذلول، والذلول قد ينقلب صعبًا بمقارنة الصعاب، والريحانة الغضّة تَذبُل بمجاورة الذابلة، ولهذا يَلتقط أهل الفِلاحة الرِّمَم عن الزرع؛ لئلا تُفسدها، ومن المشاهَد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة، فما الظن
بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرِها وشرِّها؟ فقد قيل: سُمِّي الإنس؛ لأنه يَأنَس بما يراه خيرًا، أو شرًّا. انتهى [«فيض القدير» ٥/ ٥٠٧].
وقال القاري –رحمه الله – في شرح الحديث قريب من كلام المناوي وقال :
والحاصل: أن الصحبة تؤثّر، ولذا قال تعالى: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ (١١٩)﴾ [التوبة ١١٩]، وقال بعض العارفين: كونوا مع الله،
فإن لم تقدروا أن تكونوا مع الله، فكونوا مع من يكون مع الله. انتهى [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ١٤/ ٣٠٦].
قال بعضهم [من الطويل]:
عَنِ المَرْءِ لا تَسْألْ وسَلْ عَنْ قَرِينِهِ … فَكُلُّ قَرِيني بِالمُقارِنِ يَقْتَدِي
فَإنْ كانَ ذا شَرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً … وإنْ كانَ ذا خَيْرٍ فَقارِنْهُ تَهْتَدِي
إذا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصاحِبْ خِيارَهُمْ … ولا تَصْحَبِ الأرْدى فَتَرْدى مَعَ الرَّدِي [«كشف الخفاء» ٢/ ٢٦٣]
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
7 – أحسن اختيار أصدقائك في الجوال ووسائل التواصل؛ فإنهم جلساء.
ثانيًا: ملحقات:
سبق ذكر بعض ما يتصل بالباب من الآداب المتعلقة بالمجالس، والمحبة في الله، وبعض آداب اللقاء، وأما ما يتعلق بملحقات الدرس غير ما سبق:
(المسألة الأولى): الفرق بين مجالس الصالحين وغيرهم.
أولاً:
فضل مجالسة الصالحين والأخيار والترغيب فيها، والتي من ثمراتها:
1- أن من يجالسهم تشمله بركة مَجالِسِهم، ويعمُّه الخيُر الحاصلُ لهم وإن لم يكن عمله بالغاً مبلغَهم، فهم القوم لا يشقى بهم جليسُهم.
وقد جاء في الحديث الطويل في فضل مجالس الذكر « فتقول الملائكة: يا رب! إن فيهم فلاناً ليس منهم، إنما جاء لحاجة، فيقول الله للملائكة: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم » [متفق عليه] لا يحرم من الفضل وإن جاء لحاجة، ما دام جلس مع الأخيار فلا بد أن يناله نصيب.
2- التأثر بهم، فالمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
3- تبصرته بعيوبه لإصلاحها، فالمؤمن مرآة أخيه، إن رأى فيه ما لا يعجبه سدّده وقوّمه، وحاطه وحفظه في السر والعلانية.
4- أهل الخير يدلون من يجالسهم على أمثالهم فتنتفع بمعرفتهم.
5- انكفاف جليسهم عن المعصية، وحفظ وقته، وعمارته بما ينفعه.
6- رؤية الصالحين تذكّر بالله سبحانه، وتبعد عن الغلفة، فإذا حصل لمن رآهم هذا الخير، فكيف بمن يجالسهم؟!
7 – الصالحون زيْن وأُنس في الرخاء، وعُدّة في البلاء، وذخر بعد الموت بدعائهم لصاحبهم وجليسهم، ونيل شفاعتهم.
ففي الصحيحين من رواية أنس بن مالك أن رجلاً من أهل البادية أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول اللَّه متى الساعة قائمة؟ قال: «وما أعددت لها». قال: ما أعددتُ لها إلا أني أحبُ اللَّه ورسوله، قال: «إنك مع من أحببت».
وشتانَ بين من يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] ، وبين من يتخاصمون في الدنيا ثم في نار جهنّم {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:38].
ويحصل الشفاعة: لو لم يكن من صحبة المؤمن إلا شفاعته يوم القيامة لكفى، قال الحسن البصري /: «استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة».
أحب الصالحين ولست منهم — وأرجو أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي — وإن كنا سوياً في البضاعة
وأحاديث شفاعة المؤمنين تدل على ذلك.
8 – مجالسة سبب لمحبة الله تعالى للعبد؛ لأن الله قال كما في الحديث القدسي:«وجبت محبتي للمتحابين فِيَّ، والمتجالسين فِيَّ، والمتزاورين فِيَّ، والمتباذلين فِيَّ » وقال صلى الله عليه وسلم : ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان)) وذكر منها: «وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله»[ متفق عليه].
وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله ذكر منهم: «ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه» [متفق عليه].
9 – يستفاد من مجالسة الصالحين علم وصلاح وفقه: فهذا موسى – عليه السلام – يقول للخضر: {هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً} [الكهف: 66]، وهذا زكريا – عليه السلام – يكفل مريم ويتردد عليها في المحراب فتثير فيه الرغبة في الدعاء .
10 – { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } [الزخرف:67-68].
قال ابن القيم: «مجالسة الصالحين تحولك من ستة إلى ستة:
1- من الشك إلى اليقين
2- ومن الرياء إلى الإخلاص
3- ومن الغفلة إلى الذكر
4- ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة
5- ومن الكبر إلى التواضع
6- ومن سوء النية إلى النصيحة».[«مدارج السالكين/ 3/322»]
ثانيًا:
التحذير من مجالسة الأشرار وجلساء السوء، والتي من أضرارها:
1- أنه قد يشكك جليسه فى معتقداته الصحيحة ويصرفُه عنها، كما هو حال أهل النار (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ، يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ، أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) [الصافات 53:51].
وانظر إلى وفاة أبى طالب على الكفر بسبب جلسائه حين قالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فمات عليها.
2- جليس السوء يدعو جليسه إلى مماثلته في الوقوع في المحرمات والمنكرات ويجرؤك على ارتكاب المعاصي،ويهون عليك فعلها.
بل رؤيتهم تذكرك بالمعصية
3- التأثر بالعادات السيئة والأخلاق الرديئة لجليس السوء.
4- الجليس السيئ يعرفك بأصدقاء السوء الذين لا تخلو مجالسهم من غيبة ونميمة، وتُحرَمُ بسببه من مجالسة الصالحين، الذين يعمرون أوقاتهم بطاعة الله تعالى وذكره.
5- صحبته عرضة للزوال في أي لحظة وعند أدنى خلاف.
6 – لو دامت مودتهم في الدنيا فإنها تنقشع في الآخرة .
ثالثا:
أين يمكن إيجاد الصالحين ؟
1) بيوت الله تعالى، وهو مكان وجود الصالحين، والمتعلقين بالله تعالى.
2) مجالس العلم الشرعي.
2) من عرف بشرف العلم والعبادة وخدمة الدين وعلو الهمة، قال ابن الجوزي رحمه الله: “فالعجب لمن يترخص في المخالطة، وهو يعلم أن الطبع لص يسرق من المخالط!
وإنما ينبغي أن تقع المخالطة للأرفع والأعلى في العلم والعمل، ليستفاد منه، فأما مخالطة الدون، فإنها تؤذي؛ إلا أن يكون عاميًّا يقبل من معلمه،
فينبغي أن يخالط بالاحتراز”.[صيد الخاطر].
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “هذا فيه الحثّ على مجالسة الأخيار، وأهل العلم، وأهل الخير والسيرة الحميدة، والبعد عن مجالسة الأشرار، وهذا أمرٌ واضحٌ، فالكل يعرف هذا، فمُجالسة الأخيار فيها الخير العظيم، ومجالسة الأشرار فيها الشر الكبير، فينبغي للمؤمن أن يحرص على مجالسة الأخيار، والحرص على صُحبتهم، والاستفادة من علمهم وسيرتهم، والحذر من صحبة الأشرار”.[التعليق على رياض الصالحين].
وقد مر قول النوويّ –رحمه الله – في وصف من يُجَالَس: فيه فضيلة مجالسة الصالحين، وأهل الخير، والمروءة، ومكارم الأخلاق، والورع، والعلم، والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشرّ، وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثر فجوره، وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧٨].
رابعاً:
أقوال السلف عن الجليس:
– جاء عن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: إنّ الجليس الصالح من أفضل النعم بعد الإسلام
– عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول : المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة. [مجمع الزاوئد ومنبع الفوائد]
– عن عمر بن سلام، أن عبد الملك بن مروان دفع ولده إلى الشعبي يؤدبهم، فقال: علمهم الشعر ينجدوا أو يمجدوا، وأطعمهم اللحم تشتد قلوبهم، وجز شعورهم تغلظ رقابهم، وجالس بهم علية الرجال يناطقوهم الكلام. [مكارم الأخلاق]
– عن الحسن، قال: تنقوا الإخوان والأصحاب والمجالس، وأحبوا هونا، وأبغضوا هونا؛ فقد أفرط أقوام في حب أقوام؛ فهلكوا، وأفرط أقوام في بغض أقوام؛ فهلكوا، إن رأيت دون أخيك سترا فلا تكشفه.[مكارم الأخلاق].
– عن مالك بن دينار، أنه قال لختنه: يا مغيرة، انظر كل أخ لك، وصاحب لك، وصديق لك لا تستفيد في دينك منه خيرا؛ فانبذ عنك صحبته؛ فإنما ذلك لك عدو، يا مغيرة: الناس أشكال، الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والصعو مع الصعو، وكل مع شكله.[مكارم الأخلاق].
– عن القاسم بن عبد الرحمن، قال: قال عمر بن الخطاب: إذا رزقك الله ود امرئ مسلم؛ فتمسك به.[مكارم الأخلاق].
– قال سليمان التيمي: إني من جليسي لمن شره: إما أن يغتاب عندي صديقا، وإما أن يحمل عني شيئا لم أتكلم به.[مكارم الأخلاق].
قال أبو حاتم: إنّ الأخ الصالح قد يكون أفضل من الأخ الحقيقيّ؛ يتفقد أحوال أخيه، ولا يميل إليه لمنفعةٍ أو مصلحة، ويشُعر بالأمان معه لعظم مودّته .
فرع:
أقوال أهل العلم في التحذير من مجالسة أهل الأهواء والبدع:
الإجماع على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم:
قال الإمام البغوي في “شرح السنة” (1/227)–خلال تعليقه على قصة كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية –رضي الله عنهم-:
” وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة، ومهاجرتهم”.
وهذه جملة من أقوال عدد من العلماء إضافة إلى ما سبق ذكره من النصوص النبوية وإجماع الصحابة والسلف الصالح-رضي الله عنهم-:
أولا: ذكر أبو حاتم ابن حبان رحمه الله تحت باب (ذكر الحث على صحبة الأخيار والزجر عَن عشرة الأشرار) عند حديث (مثل الجليس الصالح والجليس السوء…) ثم قال: (العاقل يلزم صحبة الأخيار ويفارق صحبة الأشرار لأن مودة الأخيار سريع اتصالها بطيء انقطاعها ومودة الأشرار سريع انقطاعها بطيء اتصالها وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم.
فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب لئلا يكون مريبا فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشر)
وقال:(العاقل لا يدنس عرضه ولا يعود نفسه أسباب الشر بلزوم صحبة الأشرار ولا يغضي عَن صيانة عرضه ورياضة نفسه بصحبة الأخيار على أن الناس عند الخبرة يتبين منهم أشياء ضد الظاهر منها)
وقال أيضاً: (العاقل لا يصاحب الأشرار لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار تعقب الضغائن لا يستقيم وده ولا يفي بعهده وإن من سعادة المرء خصالا أربعا أن تكون زوجته موافقة وولده أبرارا وإخوانه صالحين وأن يكون رزقه في بلده
وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيرا تكون مجالسة الكلب خيرا من عشرته ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم كما أن من يدخل مداخل السوء يتهم).اهــ من روضة العقلاء(ص:99-103).
ثانيًا: ذَكَرَ الإمام الحافظ أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة المتوفى (387هـ) في كتابه “الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة” في “باب التحذير من صحبة قوم يمرضون القلوب ويفسدون الإيمان” نصوصاً كثيرة جدا من رقم (359) إلى (524)، اخترتُ منها النصوص الآتية:
قال –رحمه الله-:
369 – عَنْ أَبِي قِلَابَةَ, قَالَ: لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ , فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلَالَتِهِمْ , أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ بَعْضَ مَا تَعْرِفُونَ”.
وقال –رحمه الله-:
371- ” عَنْ عَمْرِو ابْنِ قَيْسٍ , قَالَ: كَانَ يُقَالُ: لَا تُجَالِسْ صَاحِبَ زَيْغٍ , فَيُزِيغَ قَلْبَكَ”.
وقال –رحمه الله-:
376- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: لَا تُجَالِسْ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ , فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ مُمْرِضَةٌ لِلْقُلُوبِ”.
وقال –رحمه الله-:
400- عن الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ يَقُولَانِ: لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ , وَلَا تُجَادِلُوهُمْ , وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُمْ”.
وقال –رحمه الله-:
407- ” عن سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ , أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ قَالَ لِأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ، قَالَ أَيُّوبُ وَجَعَلَ يُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ: وَلَا نِصْفَ كَلِمَةٍ , وَلَا نِصْفَ كَلِمَةٍ”.
وقال –رحمه الله-:
426- ” عن يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ , يَقُولُ لَمَّا قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْبَصْرَةَ: جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى أَمْرِ الرَّبِيعِ يَعْنِي ابْنَ صُبَيْحٍ , وَقَدْرَهُ عِنْدَ النَّاسِ , سَأَلَ: أَيُّ شَيْءٍ مَذْهَبُهُ؟ قَالُوا: مَا مَذْهَبُهُ إِلَّا السُّنَّةُ قَالَ: مَنْ بِطَانَتُهُ؟ قَالُوا: أَهْلُ الْقَدَرِ قَالَ: هُوَ قَدَرِيٌّ.
قَالَ الشَّيْخُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , لَقَدْ نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ, فَصَدَقَ, وَقَالَ بِعِلْمٍ فَوَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ, وَمَا تُوجِبُهُ الْحِكْمَةُ وَيُدْرِكُهُ الْعِيَانُ وَيَعْرِفُهُ أَهْلُ الْبَصِيرَةِ وَالْبَيَانِ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}” [آل عمران: 118].
وقال –رحمه الله-:
434- عن الْفُضَيْلَ ابْنَ عِيَاضٍ, يَقُولُ: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ, فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ, وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ, وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ سُنَّةٍ يُمَالِي صَاحِبَ بِدْعَةٍ إِلَّا مِنَ النِّفَاقِ.
قَالَ الشَّيْخُ: صَدَقَ الْفُضَيْلُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ , فَإِنَّا نَرَى ذَلِكَ عِيَانًا”.
وقال –رحمه الله-:
435- ” قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: إِنَّ رَجُلًا يَقُولُ: أَنَا أُجَالِسُ أَهْلَ السُّنَّةِ , وَأُجَالِسُ أَهْلَ الْبِدَعِ , فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هَذَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يُسَاوِيَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
قَالَ الشَّيْخُ: صَدَقَ الْأَوْزَاعِيُّ , أَقُولُ: إِنَّ هَذَا رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ , وَلَا الْكُفْرَ مِنَ الْإِيمَانِ , وَفِي مِثْلِ هَذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ , وَوَرَدَتِ السُّنَّةُ عَنِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ}” [البقرة: 14].
وقال –رحمه الله-:
441- ” وعن مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ الْأَشْعَبِيَّ , يَسْأَلُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ , فَحَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ , قَالَ: قَالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ: لَا تُمَكِّنُ صَاحِبَ بِدْعَةٍ مِنْ سَمْعِكَ فَيَصُبُّ , فِيهَا مَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُخْرِجَهُ مِنْ قَلْبِكَ”.
فهؤلاء ثلاثة عشر عالما من مجموع: مائة وخمسة وستين عالما من علماء السنة كلهم يحذرون من مجالسة ومخالطة أهل البدع؛ بناء على النصوص النبوية التي اشتملت على التحذير من مخالطة ومودة أهل البدع والأهواء.
وبناء على خبرتهم ومعرفتهم بتأثير أهل البدع في من يجالسهم.
[رسالة للشيخ ربيع بن هادي المدخلي بعنوان: تحذير أهل السنة السلفيين من مجالسة ومخالطة أهل الأهواء المبتدعين، وقد ذكر الشيخ غير هذه الأقوال فليراجع]
* قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 3214:
“(تنبيه) من فوائد هذا الحديث ما ترجم البيهقي بقوله: “باب مجانبة الفسقة والمبتدعة،ومن لا يعينك على طاعة الله عز وجل “.
قلت: وذلك لأن الصاحب ساحب، والطبع سرّاق، ولذلك جاءت الأحاديث تترى في النهي عن مجاورة الكفار، ومخالطتهم، ومساكنتهم، وهي معروفة، ولذلك كنا- وما زلنا- ننصح المسلمين أن لا يستوطنوا بلاد المشركين، وبخاصة منهم المتحللين خلقاً
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الفتاوى النسائية ص 82: “وننصح من استطاعت أن تتزوج برجل صالح فإن الزوج له تأثير.
رب العزه يقول في كتابه الكريم (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ([الزخرف:67] , ويقول (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ([الزخرف:36]
وقد ذكرنا أن عمران بن حطان تزوج بابنة عمه وكانت على مذهب القعدية أي: طائفة من الخوارج، فأراد أن يردها فتأثر بها، فبعد أن كان سنيًّا أصبح خارجيًّا وحتى أنه قال في ابن ملجم الذي قتل علي ابن أبي طالب يقول:
يا ضربة من تقي ما أراد بها … إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني … لأذكره يوماً فأحسبه … أوفى البرية عند الله ميزانا
وإن كان قد رد عليه أهل العلم نظماً ونثراً كما ذكره الشنقيطي رحمه ا لله تعالى عند تفسير قول الله عز وجل: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ([الإسراء:33]
بل حتى الأمراء والعلماء مطلوب ان يتيخروا بطانة خير فمن وفق لذلك فهو مما أراد الله له الخيرية وفي الحديث ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة الا كانت له بطانتان
وبوب النووي في رياض الصالحين ٨٢ – باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور عَلى اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم
قالَ الله تَعالى: ﴿الأخِلاَّءُ يَوْمَئذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ المُتَّقِينَ﴾ [الزخرف ٦٧].
رابعًا:
دعاء طالب العلم أن يرزقه الله الجليس الصالح:
كان بعض السلف يدعون الله أن يرزقهم الجليس الصالح – وهو العالم العامل بعلمه -؛ ليقتبسوا منه علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ومن أُثر عنه ذلك منهم أجابهم الله إلى ما طلبوا، وأعطاهم ما سألوا.
قال علقمة بن قيس النخعي:
قدمت الشأم فصليت ركعتين، ثم قلت: “اللهم يسّر لي جليسا صالحا”، فأتيت قوماً فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء _رضي الله عنه_ “. صحيح البخاري (5/ 25)”.
وقال حريث بْن قَبِيصَةَ:
قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ: “اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_”. سنن الترمذي (1/ 535)
وقال خيثمة بن أبي سَبرة:
” أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَسَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَيَسَّرَ لِي أَبَا هُرَيْرَةَ _رضي الله عنه_، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَوُفِّقْتَ لِي، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، جِئْتُ أَلْتَمِسُ الخَيْرَ وَأَطْلُبُهُ”. سنن الترمذي (6/ 153)
فالدعاء الصادق مما يستعين به طالب العلم في بلوغه أربه من العلم النافع والعمل الصالح. والله أعلم.[العلم والدعوة].
(المسألة الثانية): تنبيه لجليس الكتب:
أقوال العلماء فيمن ينظر لكتب الضعيفة وكتب أهل الأهواء:
“قال الحنابلة : ولا يجوز النظر في كتب أهل البدع ، ولا في الكتب المشتملة على الحقّ والباطل ، ولا روايتها ؛ لما في ذلك من ضرر إفساد العقائد .
وقال القليوبيّ : تحرم قراءة كتب الرقائق والمغازي الموضوعة ” انتهى .
كما أفتى الشاطبي في “الإفادات والإنشادات” (44) أن العوام لا يحل لهم مطالعة كتاب أبي طالب المكي المسمى بـ ( قوت القلوب ) لما فيه من الشطحات الصوفية.
وقال الحافظ ابن حجر في “الفتح” (13/525) :
” والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويصير من الراسخين في الإيمان ، فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك ، بخلاف الراسخ ، فيجوز له ، ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على المخالف ” انتهى .
وجاء في “فتاوى نور على الدرب” (التوحيد والعقيدة/267) من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” وأما كتب الصوفية فإنه لا يجوز اقتناؤها ولا مراجعتها إلا لشخص يريد أن يعرف ما فيها من البدع من أجل أن يرد عليها ، فيكون في نظره إليها فائدة عظيمة وهي معالجة هذه البدعة حتى يسلم الناس منها ” انتهى .
وقد قالت اللجنة الدائمة كما في “مجلة البحوث الإسلامية” (19/138) :
” يحرم على كل مكلف ذكرا أو أنثى أن يقرأ في كتب البدع والضلال , والمجلات التي تنشر الخرافات وتقوم بالدعايات الكاذبة وتدعو إلى الانحراف عن الأخلاق الفاضلة ، إلا إذا كان من يقرؤها يقوم بالرد على ما فيها من إلحاد وانحراف ، وينصح أهلها بالاستقامة وينكر عليهم صنيعهم ويحذر الناس من شرهم ” انتهى.
وقد ألف ابن قدامة المقدسي رسالة بعنوان ” تحريم النظر في كتب الكلام ” .
خامسا:
مصاحبة الأخيار تورث كل خير :
عن شقيق البلخي رحمه الله أنه قال لحاتم: قد صحبتني مدة، فماذا تعلمت؟
قال: ثمانية مسائل:
أما الأولى: فإني نظرت إلى الخلق، فإذا كل شخص له محبوب، فإذا وصل إلى القبر فارقه محبوبه، فجعلت محبوبي حسناتي لتكون في القبر معي.
وأما الثانية: فإني نظرت إلى قوله تعالى: {ونهى النفس عن الهوى} [النازعات: ٤٠] فأجهدتها فى دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى.
وأما الثالثة: فإني رأيت كل من معه شئ له قيمة عنده يحفظه، ثم نظرت فى قوله سبحانه وتعالى: {ما عندكم ينفد وما عند الله باق} [النحل: ٩٦] فكلما وقع معي شئ له قيمة، وجهته إليه ليبقى لي عنده.
وأما الرابعة: فإني رأيت الناس يرجعون إلى المال والحسب والشرف، وليست بشئ، فنظرت فى قوله الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: ١٣] فعملت فى التقوى لأكون عنده كريما
وأما الخامسة: فأنى رأيت الناس يتحاسدون، فنظرت فى قوله تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم} [الزخرف: ٣٢] فتركت الحسد.
والسادسة: رأيتهم يتعادون، فنظرت فى قول الله تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا} [فاطر: ٦] فتركت عدواتهم واتخذت الشيطان وحده عدوا.
والسابعة: رأيتهم يذلون أنفسهم، فنظرت فى قول تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: ٦] فاشتغلت بما له علي وتركت ما لى عنده.
والثامنة: رأيتهم متوكلين على تجارتهم وصنائعهم وصحة أبدانهم، فتوكلت على الله تعالى.
مختصر منهاج القاصدين ( ٢٣- ٢٤).