4812 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، والكربي
ومجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وخميس العميمي وآخرين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم، بَابُ تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ
4812 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ ، وَأَبُو أُسَامَةَ ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، وَابْنُ إِدْرِيسَ وَأَبُو أُسَامَةَ ، كُلُّهُمْ عَنْ بُرَيْدٍ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا)).
4813 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ ، وَتَرَاحُمِهِمْ ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ.
4814 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ)).
4815 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ خَيْثَمَةَ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ ، إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ ، اشْتَكَى كُلُّهُ ، وَإِنِ اشْتَكَى ، رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ)). حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ.
==========
التمهيد:
” يقول الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} [الحجرات 13] والإنسان مدني اجتماعي بطبعه محتاج إلى غيره بقدر احتياج غيره له وكلما تكاتف مجتمع صار قويا وكلما عطف بعضه على بعض وأحس بعضه بآلام البعض صار في منعة وحصانة
لقد نشأ الإسلام في بيئة عربية قبلية تتناحر بطونها وتتعادى شعوبها ويغير قويها على ضعيفها حتى قال شاعرهم:
وأحيانا على بكر أخينا
إذا ما لم نجد إلا أخانا
وقال قائلهم أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب جاء الإسلام إلى هذه البيئة المتناحرة المفككة فغرس فيها عناصر الترابط وأول هذه العناصر وأقواها تأثيرا التراحم والتعاطف والتوادد فأكثر من الدعوة إلى التراحم بأساليب مختلفة
من لا يرحم لا يرحم من لا يرحم الناس لا يرحمه الله . ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء .
وأكثر من الدعوة إلى التعاون { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } [المائدة 2]
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
مثل المؤمنين كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى اشفعوا تؤجروا
واستجاب المسلمون لتوجيهات شريعتهم فأحب بعضهم بعضا وعطف بعضهم على بعض وأعان بعضهم بعضا حتى نزل فيهم قوله تعالى { { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } } [أل عمران 103] بل بلغوا وبالغوا درجة إيثار بعضهم على أنفسهم حتى نزل فيهم قوله تعالى { { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } } [الحشر 9] “.[فتح المنعم، بتصرف]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(١٧) – (بابُ تَراحُمِ المُؤْمِنِينَ، وتَعاطُفِهِمْ، وتَعاضُدِهِمْ)
شرح الحديث: (قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالبُنْيانِ)
قال القاري – رحمه الله -:»المؤمن للمؤمن«التعريف للجنس، والمراد: بعض
المؤمن للبعض، ذَكَره الطيبيّ، ويمكن أن يكون للاستغراق؛ أي: كلّ مؤمن
لكل مؤمن، والأظهر أنه للعهد الذهنيّ في الأول، وللجنس في الثاني؛ أي:
المؤمن الكامل ؛ لمطلق المؤمن كالبنيان؛ أي: البيت المبنيّ يشدّ بعضه؛ أي:
بعض البنيان بعضأ، والجملة حال، أو صفة، أو استئنافٌ، بيانٌ لوجه الشَّبَه،
وهو الأظهر . انتهى »مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” ١٤/ ٢٣٥.
قال الحافظ ابن حجر : زاد البخاري ثم شبك بين أصابعه وهو بيان لوجه التشبيه أيضا أي يشد بعضهم بعضا مثل هذا الشد مبالغة في بيان الأقوال عن طريق الحركات لتكون أوقع في نفس السامع.
وقال ابن بطال: والمعاونة في أمور الآخرة، وكذا في الأمور المباحة من الدنيا مندوب إليها، وقد ثبت حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعًا: «والله في عون
العبد ما دام العبد في عون أخيه».
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «المؤمن للمؤمن كالبنيان … إلخ» تمثيل يفيد
الحضّ على معونة المؤمن للمؤمن، ونُصرته، وأن ذلك أمرٌ متأكد، لا بُدّ منه،
فإنّ البناء لا يتمّ أمره، ولا تحصل فائدته، إلا بأن يكون بعضه يُمسك بعضًا،
ويقوّيه، فإن لم يكن كذلك انحلّت أجزاؤه، وخَرِب بناؤه، وكذلك المؤمن . انتهى
[تنبيه]: زاد في رواية البخاريّ: «ثم شَبّك بين أصابعه»
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي موسى الأشعريّ – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية ): في فوائده:
١ – (منها): بيان وصف المؤمنين :
﴿والَّذِينَ مَعَهُ أشِدّاءُ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح ٢٩]، وقال أيضًا:
﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)﴾ [المائدة ٥٤].
٢ – (ومنها): أن فيه تفضيلَ الاجتماع على الانفراد، ومدح الاتّصال على
الانفصال، فإن البنيان إذا تفاصل بطل، وإذا اتَّصَل بعضه ببعض ثبت الانتفاع
به بكل ما يراد منه.
[فائدة]: قال الراغب – رحمه الله -: إنه لمّا صَعُب على كل أحد أن يُحَصِّل لنفسه
أدنى ما يحتاج إليه إلا بمعاونة عِدّة له، فلقمة طعام لو عَدَدْنا تَعَب تحصيلها،
من زَرْع، وطَحْن، وخَبْز، وصِناع آلاتها لَصَعب حصره، فلذلك قيل: الإنسان
مدنيّ بالطبع، ولا يمكنه التفرد عن الجماعة بعيشه، بل يفتقر بعضهم لبعض في
مصالح الدارَين، وعلى ذلك نبّه هذا الحديث. انتهى
٣ – (ومنها): أن هذا الحديث، والحديث الآتي:»مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم … «إلى آخره، وغيرها من الأحاديث صريحة في تعظيم
حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثّهم على التراحم، والملاطفة،
والتعاضد في غير إثم، ولا مكروه .
٤ – (ومنها): أن فيه جواز التشبيه، وضرب الأمثال؛ لتقريب المعاني إلى
الأفهام.
٥ – (ومنها): أن فيه جوازَ تشبيك الأصابع، سواء في المسجد، أو
غيره؛ لإطلاق الحديث، ولكن العلماء اختلفوا في تشبيك الأصابع في المسجد، وفي الصلاة، وكَرِه إبراهيم ذلك في الصلاة، وهو قول مالك،
ورَخَّص في ذلك ابنُ عمر، وابنه سالم، فكانا يشبكان بين أصابعهما في
الصلاة، ذكره ابن أبي شيبة، وكان الحسن البصريّ يشبك بين أصابعه في
المسجد، وقال مالك: إنهم لَيُنكرون تشبيك الأصابع في المسجد، وما به
بأس، ذكره في العمدة
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في ” فتح الباري شرح صحيح البخاري ” : “وهذا التشبيك من النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : كان لمصلحة ، وفائدة ، لم يكن عبثاً؛ فإنه لما شبَّه شد المؤمنين بعضهم بعضاً بالبنيان : كان ذلك تشبيهاً بالقول ، ثم أوضحه بالفعل ، فشبَّك أصابعه بعضها في بعض ؛ ليتأكد بذلك المثال الذي ضربه لهم بقوله ، ويزداد بياناً وظهوراً .
والله تعالى أعلم.
====
.الحديث الثاني (عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ) -رضي الله عنهما-؛ أنه (قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ) قال ابن أبي جمرة: المراد: من يكون إيمانه كاملًا (١). (فِي تَوادِّهِمْ) ولفظ البخاريّ: «ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادّهم»، و«التوادّ» بتشديد الدّال، أصله:
التوادُدُ، فأُدغم الدال في الدال، وهو تفاعل، من المودّة، والوُدّ، والوداد
بمعنى ، وهو تقرّب شخص من آخر بما يحب.
وقال القرطبي : ومقصود هذا التمثيلِ: الحضّ على ما يتعيّن من محبة المؤمن، ونصيحته، والتهمُّم بأمره. انتهى .
(وتَعاطُفِهِمْ) قال ابن أبي جمرة رحمه الله: الذي يظهر أن التراحم، والتوادّ، والتعاطف، وإن كانت متقاربة في المعنى، لكنْ بينها فرقٌ لطيفٌ، فأما التراحم فالمراد به: أن يرحم بعضهم بعضًا بأُخُوّة الإيمان، لا بسبب شيء آخر، وأما التوادّ فالمراد به: التواصل
الجالب للمحبة؛ كالتزاور، والتهادي، وأما التعاطف فالمراد به: إعانة بعضهم
بعضًا، كما يعطف الثوب عليه؛ ليقوّيه. انتهى ملخّصًا .
قال الطيبيّ رحمه الله:
ووجه التشبيه فيه: هو التوافق في المشقّة، والراحة، والنفع، والضرّ. انتهى .
(وَالْحُمَّى”) قال القاري رحمهُ اللهُ؛ أي: بالحرارة، والتكسر، والضعف؛ ليتوافق الكلّ في العسر، كما كانوا في حال الصحة متوافقين في اليسر، ثم أصل التداعي أن يدعو بعضهم بعضًا؛ ليتفقوا على فعل شيء، فالمعنى أنه كما أن عند تألّم بعض أعضاء الجسد يسري ذلك إلى كله، كذلك المؤمنون كنفس واحدة، إذا أصاب واحدًا منهم مصيبة، ينبغي أن يغتمّ جميعهم، ويهتمّوا بإزالتها عنه. انتهى.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): قال المناويّ رحمه الله: أفاد هذا الحديث تعظيم حقوق
المسلمين بعضهم على بعض، وحثّهم على التراحم، والتعاضد [البحر المحيط الثجاج].
ثانيًا: يؤخذ من الأحاديث:
يؤخذ من الحديث فوق ما تقدم:
1- تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض.
2- وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه.
3- وجواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام.
4- قال ابن بطال: فيه الحث على المعاونة في أمور الآخرة، وكذا في الأمور المباحة من الدنيا، ويؤكده حديث: ((والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه)).
والله أعلم. [فتح المنعم].
– وفيه بداعة التشبيه :
قال القاضي عياض: [فتشبيه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيلٌ صحيحٌ، وفيه تقريبٌ للفهم وإظهار للمعاني في الصور المرئية، وفيه تعظيم حقوق المسلمين، والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضًا. وقال ابن أبي
جمرة: شبَّه النبي ﷺ الإيمان بالجسد وأهله بالأعضاء لأن الإيمان أصل وفروعه التكاليف، فإذا أخلَّ المرءُ بشيءٍ من التكاليف شأن ذلك الإخلال بالأصل، وكذلك الجسد أصل الشجرة وأعضاؤه كالأغصان، فإذا اشتكى عضو من الأعضاء اشتكت الأعضاء كلها، كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب] فتح الباري ١٠/ ٥٤٠.
– وفيه أن هذه الأحاديث في معنى قوله تعالى: (ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِن أنْفُسِكُمْ أزْواجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:٢١]
ثالثًا: إظهار التعاطف مع المسلمين
أولاً: حث الإسلام على الترابط بين أفراد المجتمع.
– قال تعالى : ” وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ” [العصر: 1-3] (أي : يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثُّه عليه، ويرغِّبه فيه) [تيسير الكريم الرحمن ،للسعدى] .
(فهذه السُّورة العظيمة القصيرة، اشتملت على معان عظيمة، مِن جملتها: التَّواصي بالحقِّ، وهو التَّعاون على البرِّ والتَّقوى) [مجموع فتاوى ومقالات لابن باز] .
– وقال سبحانه : ” وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ” [المائدة: 2] .
قال ابن كثير : (يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البرُّ، وترك المنكرات وهو التَّقوى، وينهاهم عن التَّناصر على الباطل، والتَّعاون على المآثم والمحارم) [تفسير القرآن العظيم] .
– وقوله عزَّ وجلَّ : ” وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ” [آل عمران:103].
قال أبو جعفر الطَّبري: (يعني بذلك جلَّ ثناؤه: وتعلَّقوا بأسباب الله جميعًا. يريد بذلك -تعالى ذكره-: وتمسَّكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم، مِن الألفة والاجتماع على كلمة الحقِّ، والتَّسليم لأمر الله) [جامع البيان فى تأويل القرآن] .
وقال السعدي : (فإنَّ في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكَّنون مِن كلِّ أمر مِن الأمور، ويحصل لهم مِن المصالح التي تتوقَّف على الائتلاف ما لا يمكن عدُّها، مِن التَّعاون على البرِّ والتَّقوى) [تيسير الكريم الرحمن ،للسعدى] .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – :” ومن هدي القرآن للتي هي أقوم: هديه إلى أن الرابطة التي يجب أن يُعتقد أنها هي التي تربط بين أفراد المجتمع، وأن يُنادى بالارتباط بها دون غيرها : إنما هي دين الإسلام ؛ لأنه هو الذي يربط بين أفراد المجتمع ، حتى يصير بقوة تلك الرابطة جميع المجتمع الإسلامي كأنه جسد واحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
فربْط الإسلام لك بأخيك : كربط يدك بمعصمك ، ورِجلك بساقك ، ولذلك يكثر في القرآن العظيم إطلاق النفس وإرادة الأخ ؛ تنبيهاً على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه، كقوله تعالى : ( وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ) البقرة/84 ، الآية ، أي : لا تخرجون إخوانكم ، وقوله : ( لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ) النور/ 12 ، أي : بإخوانكم ، على أصح التفسرين، وقوله : ( وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ ) الحجرات/11 ، الآية ، أي : إخوانكم ، على أصح التفسرين ، وقوله : ( وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ) البقرة/ 188 ، الآية ، أي : لا يأكل أحدكم مال أخيه ، إلى غير ذلك من الآيات ، ولذلك ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ” انتهى.
” أضواء البيان ” ( 3 / 130 ، 131 ) .
قال عطاء بن أبي رباح: (تفقَّدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو نسوا فذكِّروهم)
– وقال ابن تيمية: (حياة بني آدم وعيشهم في الدُّنْيا لا يتم إلَّا بمعاونة بعضهم لبعضٍ في الأقوال أخبارها وغير أخبارها وفي الأعمال أيضًا) ((الفتاوى الكبرى)) (6/364).
– وقال أبو حمزة الشَّيباني لمن سأله عن الإخوان في الله مَن هم؟ قال: (هم العاملون بطاعة الله عزَّ وجلَّ المتعاونون على أمر الله عزَّ وجلَّ، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم) ((الإخوان)) لابن أبي الدُّنْيا (ص 99).
– وقال أبو الحسن العامري: (التَّعاون على البرِّ داعية لاتِّفاق الآراء، واتِّفاق الآراء مجلبة لإيجاد المراد، مكسبة للوداد) ((البصائر والذخائر)) لأبي حيان التَّوحيدي (9/148).
ثانيًا: أقسام التَّعاون:ينقسم التَّعاون إلى قسمين:1- تعاون على البرِّ والتَّقوى.2- تعاون على الإثم والعدوان.
قال ابن تيمية: (فإنَّ التَّعاون نوعان: الأوَّل: تعاونٌ على البرِّ والتَّقوى: مِن الجهاد وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وإعطاء المستحقِّين؛ فهذا ممَّا أمر الله به ورسوله. ومَن أمسك عنه خشية أن يكون مِن أعوان الظَّلمة فقد ترك فرضًا على الأعيان، أو على الكفاية متوهِّمًا أنَّه متورِّعٌ. وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع؛ إذ كلٌّ منهما كفٌّ وإمساكٌ.
والثَّاني: تعاونٌ على الإثم والعدوان، كالإعانة على دمٍ معصومٍ، أو أخذ مالٍ معصومٍ، أو ضرب مَن لا يستحقُّ الضَّرب، ونحو ذلك؛ فهذا الذي حرَّمه الله ورسوله. نعم، إذا كانت الأموال قد أُخِذَت بغير حقٍّ، وقد تعذَّر ردُّها إلى أصحابها، ككثيرٍ مِن الأموال السُّلطانيَّة؛ فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثُّغور، ونفقة المقاتلة، ونحو ذلك: مِن الإعانة على البرِّ والتَّقوى) [((السياسة الشَّرعية)) (ص 40)].
ثالثًا: صورٌ مِن التَّعاون: للتَّعاون صورٌ كثيرةٌ نذكر منها ما يلي:
1- التَّعاون على تجهيز الغازي.
2- التَّعاون على دفع الظُّلم.
3- التَّعاون في الثَّبات على الحقِّ والتمسُّك به.
4- التَّعاون في الدَّعوة إلى الله.
5- التَّعاون في تزويج العُزَّاب.
6- التَّعاون في طلب العِلْم والتَّفقُّه في الدِّين.
7- التَّعاون لتفريج كربات المهمومين وسدِّ حاجات المعوزين.
8- التَّعاون مع الأمير، وتقديم النُّصح له ومساعدته على القيام بواجباته.
9- تقديم النَّصيحة لمن يحتاجها.
10- معاونة الخدم.
11- التَّعاون على الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
12- التَّعاون في جمع التَّبرُّعات والصَّدقات والزكاوات وتوزيعها على مستحقِّيها.
13- التَّعاون على حلِّ الخلافات والنِّزاعات التي تقع في وسط المجتمع المسلم.
14- التَّعاون في إقامة الحدود وحفظ أمن البلاد.
رابعًا: فوائد إظهاره:
من الأهمية بمكان إظهار ذلك التعاطف مع المسلمين ، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم ، ولهذا الإظهار فوائد شتَّى ، منها:
- أن ذلك يعتبر من كمال الإيمان الواجب .
ودليله حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه
وحديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما
أخرجهما مسلم في الباب
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :” ولهذا كان المؤمن يُسرُّه ما يُسرُّ المؤمنين ، ويسوؤه ما يسوؤهم ، ومَن لم يكن كذلك : لم يكن منهم ! فهذا الاتحاد الذي بين المؤمنين : ليس هو أن ذات أحدهما هي بعينها ذات الآخر ، ولا حلت فيه بل، هو توافقهما ، واتحادهما في الإيمان بالله ورسوله ، وشُعَب ذلك : مثل محبة الله ورسوله ، ومحبة ما يحبه الله ورسوله ” انتهى. ” مجموع الفتاوى ” ( 2 / 373 ، 274 ) .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في ” فتح الباري شرح صحيح البخاري ” : ”
ويفهم من تشبيكه : أن تعاضد المؤمنين بينهم كتشبيك الأصابع بعضها في بعض ، فكما أن أصابع اليدين متعددة : فهي ترجع إلى أصل واحد ، ورجُل واحد ، فكذلك المؤمنون وإن تعددت أشخاصهم : فهم يرجعون إلى أصل واحد ، وتجمعهم أخوة النسب إلى آدم ونوح ، وأخوة الإيمان ..” انتهى .
- ومنها – أي : من فوائد إظهار التعاطف مع المسلمين – إزالة الحواجز التي وُجدت من رواسب الجاهلية ، أو الاستعمار ، من عصبية للغة ، أو لون ، أو جنس.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في ذم القومية :
ومن النصوص الواردة في ذلك : ما رواه الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله قد أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها بالآباء ، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي ، الناس بنو آدم ، وآدم خلق من تراب ، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ) ، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، أوضح سبحانه بهذه الآية الكريمة أنه جعل الناس شعوباً وقبائل للتعارف ، لا للتفاخر والتعاظم , وجعل أكرمهم عنده هو أتقاهم , وهكذا يدل الحديث المذكور على هذا المعنى ، ويرشد إلى سنة الجاهلية : التكبر ، والتفاخر بالأسلاف ، والأحساب , والإسلام بخلاف ذلك , يدعو إلى التواضع ، والتقوى ، والتحاب في الله , وأن يكون المسلمون الصادقون من سائر أجناس بني آدم , جسداً واحداً , وبناءً واحداً ، يشد بعضهم بعضاً , ويألم بعضهم لبعض ” انتهى. ” فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 1 / 290 ، 291 ) .
- ومنها : القيام على الضعَفة والعجَزة والمساكين ، رعايةً ، وعنايةً.
وفي ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 20 / 348 ) : ” ومن ذلك : تولِّي اليتامى ، والمساكين ، والعجزة عن الكسب ، ومن لا يُعرف لهم آباء ، بالقيام عليهم ، وتربيتهم ، والإحسان إليهم ؛ حتى لا يكون في المجتمع بائس ، ولا مهمل ؛ خشية أن تصاب الأمة بغائلة سوء تربيته ، أو تمرده ، لما أحس به من قسوة المجتمع عليه ، وإهماله ” انتهى .
- ومنها : نصرة المظلوم من المسلمين في كل مكان ، وإعانته بما يُستطاع.
- ومنها : قطع طمع أعدائهم بهم.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – : ” فهذه الأحاديث وما جاء في معناها : تدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين , والتراحم والتعاطف , والتعاون على كل خير , وفي تشبيههم بالبناء الواحد , والجسد الواحد : ما يدل على أنهم بتضامنهم ، وتعاونهم ، وتراحمهم : تجتمع كلمتهم , وينتظم صفهم , ويسلمون من شر عدوهم ” انتهى .
فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 2 / 200 ، 201 ) .
7 – زوال البغضاء :
قال ابن عثيمين : المسلمون يشتركون في الآمال والآلام، فيرحم بعضهم بعضا، فإذا احتاج، أزال حاجته، ويعطف بعضهم على بعض باللين والرفق وغير ذلك … ويود بعضهم بعضا، حتى إن الواحد منهم إذا رأى في قلبه بغضاء لأحد من إخوانه المسلمين، حاول أن يزيله وأن يذكر من محاسنه ما يوجب زوال هذه البغضاء. مجموع الفتاوى لابن عثيمين
8 – التوادد للجميع :
هذا التراحم والتعاطف والتوادد ليس المقصود به المصالح الدنيوية إنما المقصود وجه الله تعالى؛ لذا لو كان المشتكي أو المتألم صغيرا أو فقيرا أو شيبة أو امرأة ضعيفة أو عاجز فإنه يرحم ويعطف عليه وهذا معنى المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن عثيمين : فالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، ولو من أصغر الأعضاء، تداعى له سائر الجسد، فإذا أوجعك أصبعك الخنصر الذي هو من أصغر الأعضاء، فإن الجسد كله يتألم ( مجموع الفتاوى )
9 – تقوى رابطة الإجتماع وتتقلص الفرقة :
جاء الشرع يحث على أهمية الإتحاد وذم الفرقة فما بالك اذا كانت الفرقة لمجرد الرأي المخالف للكتاب والسنة
10- إخلاص العمل لله :
وكون الإنسان يألم بما يألم به المؤمنون ويحزن بما يحزنون به ويسر بما يسرون به دليلٌ على أنه مؤمنٌ خالص يحب لإخوانه ما يحب لنفسه وسوف يثاب على ذلك إن شاء الله تعالى.
11 – القيام بأعمال القلب :
قرر ابن تيمية : أن أعظم الواجبات إيمان القلب ثم ذكر أمثلة على أن الإنسان مجازى بأعمال قلبه قال :
ومثل هَذا كثير فِي كتاب الله وسنة رَسُوله واتفاق المُؤمنِينَ يحمد ويذم على ما شاءَ الله من مساعي القُلُوب وأعمالها مثل قَوْله فِي الحَدِيث الصَّحِيح المُتَّفق عَلَيْهِ لا تباغضوا ولا تَحاسَدُوا وقَوله لا يُؤمن أحدكُم حَتّى يحب لِأخِيهِ من الخَيْر ما يحب لنَفسِهِ وقَوله مثل المُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كَمثل الجَسَد الواحِد اذا اشْتَكى مِنهُ عُضْو تداعى لَهُ سائِر الجَسَد بالحمى والسهر ( الزهد والورع والعبادة ) ومجموع الفتاوى 10/758
12 – قد يصل التراحم والتعاطف والتوادد إلى أن يمرض لمرض من يوده : قال ابن القيم :
ويحكى أن رجلا مرض من يحبه فعاده المحب فمرض من وقته فعوفي محبوبه فجاء يعوده فلما رآه؛ عوفي من وقته وأنشد
مرض الحبيب فعدته … فمرضت من حذري عليه
وأتى الحبيب يعودني … فبرئت من نظري إليه
ثم ذكر الإشتراك في المحبة وهل يلزم من محبة أحدهما للآخر أن يبادله الآخر المحبة ووضع اشكال كم من محب هو بسيف البغض مضروب ثم نقل كلام لابن حزم يدفع الإشكال ثم قال :
الصواب في الجواب أن يقال إن المحبة كما تقدم قسمان محبة عرضية غرضية فهذه لا يجب الاشتراك فيها بل يقارنها مقت المحبوب وبغضه للمحب كثيرا إلا إذا كان له معه غرض نظير غرضه فإنه يحبه لغرضه منه كما يكون بين الرجل والمرأة اللذين لكل منهما غرض مع صاحبه والقسم الثاني محبة روحانية سببها المشاكلة والاتفاق بين الروحين فهذه لا تكون إلا من الجانبين ولا بد فلو فتش المحب المحبة الصادقة قلب المحبوب لوجد عنده من محبته نظير ما عنده أو دونه أو فوقه .( روضة المحبين )
12 – هذه الأحاديث تذكر في عقيدة أهل السنة والجماعة قال ابن تيمية :
السنة والجماعة: [ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء أبرارًا كانوا أو فجارًا، ويحافظون على الجماعات. ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله ﷺ: (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص …
ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء] العقيدة الواسطية
13 – أعظم المودة لا بد أن تكون للأنبياء ثم لحواريهم . وفي مقدمة الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفي مقدمة الحواريين صحابته صلى الله عليه وسلم . فهو صلى الله عليه وسلم كالرأس للجسد . والصحابة كذلك أعضاء مهمه في الجسد .
راجع في أحقية الصحابة بالمحبة منهاج السنة 7/104
14 – قال ابن تيمية :
فَوَلِيُّ اللَّهِ فِيهِ مِن المُوافَقَةِ لِلَّهِ: ما يَتَّحِدُ بِهِ المَحْبُوبُ والمَكْرُوهُ والمَأْمُورُ والمَنهِيُّ ونَحْوُ ذَلِكَ فَيَبْقى مَحْبُوبُ الحَقِّ مَحْبُوبَهُ ومَكْرُوهُ الحَقِّ مَكْرُوهَهُ ومَأْمُورُ الحَقِّ مَأْمُورَهُ ووَلِيُّ الحَقِّ ولَيَّهُ وعَدُوُّ الحَقِّ عَدُوَّهُ؛ بَلْ المَخْلُوقُ إذا أحَبَّ المَخْلُوقَ مَحَبَّةً تامَّةً حَصَلَ بَيْنَهُما نَحْوٌ مِن هَذا حَتّى قَدْ يَتَألَّمُ أحَدُهُما بِتَألُّمِ الآخَرِ ويَلْتَذُّ بِلَذَّتِهِ. ولِهَذا قالَ ﷺ ﴿مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوادِّهِمْ وتَراحُمِهِمْ وتَعاطُفِهِمْ: كَمَثَلِ الجَسَدِ مجموع الفتاوى 2/373
15 – كل استغلال لحاجة المسلمين كالربا وغيره ينافي هذه الأحاديث .
16 – التعصب مذموم في جميع المسائل ذكره ابن تيمية لما نقل عن حرب بن إسماعيل صاحب أحمد قوله في عقيدته :
ونعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ونحبهم
ورد ابن تيمية على الشعوبية الذين لا يحبون العرب ثم قال :
مع أن الكلام في هذه المسائل لا يكاد يخلو عن هوى للنفس، ونصيب للشيطان من الطرفين، وهذا محرم في جميع المسائل.
فإن الله قد أمر المؤمنين بالاعتصام بحبل الله جميعا، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، وأمرهم بإصلاح ذات البين، وقال النبي ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم .. . ( اقتضاء الصراط المستقيم 1/421)
17 – هذه الأحاديث يذكرونها في فتاوى الجهاد في نصرة المستضعفين المظلومين من المسلمين.
18 – لا يمنع معصية المسلم أن ترحمه
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [٢٨/ ٢٠٩]:
(الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه، والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه. وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته.
هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة..)
19 – (ومنها): أن فيه تفضيلَ الاجتماع على الانفراد، ومدح الاتّصال على الانفصال، فإن البنيان إذا تفاصل بطل، وإذا اتَّصَل بعضه ببعض ثبت الانتفاع به بكل ما يراد منه.
[فائدة]: قال الراغب – رحمه الله -: إنه لمّا صَعُب على كل أحد أن يُحَصِّل لنفسه أدنى ما يحتاج إليه إلا بمعاونة عِدّة له، فلقمة طعام لو عَدَدْنا تَعَب تحصيلها، من زَرْع، وطَحْن، وخَبْز، وصِناع آلاتها لَصَعب حصره، فلذلك قيل: الإنسان مدني بالطبع، ولا يمكنه التفرد عن الجماعة بعيشه، بل يفتقر بعضهم لبعض في مصالح الدارَين، وعلى ذلك نبّه هذا الحديث. انتهى.
ثالثاً: أمثلة على التعاون
1) نماذج تطبيقيَّة في التعاون من حياة الأنبياء والمرسلين:
– أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السَّلام ببناء الكعبة، فقام إبراهيم عليه السَّلام استجابة لأمر الله، وطلب مِن ابنه إسماعيل أن يساعده على تنفيذ هذا الأمر الإلهي، ويعينه في بناء الكعبة، فقال له: ((يا إسماعيل، إنَّ الله أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربُّك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإنَّ الله أمرني أن أبني ها هنا بيتًا، وأشار إلى أكمةٍ مرتفعةٍ على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد مِن البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 127]، قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) رواه البخاري (3364).
– عندما أرسل الله سبحانه وتعالى موسى عليه السَّلام إلى فرعون وكلَّفه بأن يدعو فرعون إلى عبادة الله وحده، طلب موسى عليه السَّلام مِن ربِّه سبحانه وتعالى المعينَ والمساعدَ على هذا الأمر العظيم، فطلب منه أن يجعل له أخاه هارون معاونًا ومساعدًا في دعوته فرعون، فقال: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:29-32] فقال الله له: قَالَ {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 36]، وجعل هارون معاونًا ومساعدًا لموسى عليه السَّلام في دعوته إلى الله، وآتاه النُّبوَّة استجابة لدعوة موسى. انظر: ((جامع البيان)) للطبري (18/300)، ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/83)، ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (11/192).
2) نماذج تطبيقيَّة مِن الأمم السَّابقة في التَّعاون
التَّعاون بين ذي القرنين وأصحاب السَّدِّ: قال: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95].. الآيات،
3) نماذج تطبيقيَّة مِن حياة الصَّحابة في التَّعاون.
قد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في التطبيق العملي للتعاطف والتراحم :تعاون الأنصار مع المهاجرين بعد الهجرة:
- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : ( قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَآخَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىِّ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ ) رواه البخاري ( 3937 ) .
ولا ندري أيهما أعجب : الكرم والإيثار من سعد بن الربيع أم عزة النفس والرغبة في الاكتساب بجهد اليد من عبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنهم .
- عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه – أيضاً – قَالَ : قَالَ الْمُهَاجِرُونَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ وَلَا أَحْسَنَ بَذْلًا فِي كَثِيرٍ ، لَقَدْ كَفَوْنَا الْمَئُونَةَ ، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ ، حَتَّى لَقَدْ حَسِبْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ ، قَالَ : ( لَا ، مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ ، وَدَعَوْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ ) رواه أحمد برقم (12662) ، والترمذي برقم (2487) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في ” مشكاة المصابيح ” (2/185).
تعاون أبي بكر وأهل بيته مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هجرته، و وفي بناء المسجد النبوي .
وموقف الصحابة في قصَّة سلمان رضي الله عنه عندما كاتب سيِّده، وكان فقيرًا لا يملك ما كاتب عليه، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للصَّحابة: ((أعينوا أخاكم)) فأعانوه، حتى تحرَّر مِن رقِّه، وأصبح حرًّا.
قال أيوب السختياني – رحمه الله – : ( إني أُخبر بموت الرجل من أهل السنة وكأني أفقد بعض أعضائي ).
اللالكائي : 1/60/29، وحلية الأولياء : 3/9 .
وقال حماد بن زيد – رحمه الله: ( كان أيوب يبلغه موت الفتا من أصحاب الحديث فيُرى ذلك فيه ) اللالكائي : 1/61/34 .