76 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة –
——–
مسند أحمد :
17175 – حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن بديل، عن علي بن أبي طلحة، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهوزني، عن المقدام أبي كريمة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ” من ترك كلا، فإلى الله ورسوله – وربما قال: فإلينا – ومن ترك مالا فلوارثه، والخال وارث من لا وارث له، وأنا وارث من لا وارث له، أرثه وأعقل عنه ”
قلت سيف : على شرط المتمم على الذيل
رجح الدارقطني (العلل 14/ 64) أن الصواب عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن المقدام كما في العلل وهذا الأخير أخرجه أحمد 17175 فهو على الشرط حيث قال العقيلي بعد أن ضعف الحديث من بعض طرقه وفيه (من ترك كلاً فإلى …. والخال وارث من لا وارث … ) ويروى بغير هذا الإسناد بطريق أصلح.
قلت: وهذه الطريقة حسنها ابوزرعة. راجع علل ابن أبي حاتم (1636) فكاد يكون على الشرط لكن ابن معين يبطل حديث المقدام (الخال وارث من لا وارث له) وقال: ليس فيه حديث قوى؛ نقله عنه البيهقي كما في السنن 6/ 215 و
لكن لعلنا نضعه في المتمم على الذيل لتحسين ابي زرعة و العقيلي
———-
[ ميراث الخال و ذوي الأرحام ]
الشرح
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك كلاً فإلي)، والمراد بالكل الثقل، أي: الشيء الذي فيه عناء ومشقة، ويدخل في ذلك الدين والأولاد، وقد جاء ذلك مبيناً في الرواية التي فيها: (الدين والضيعة)، والضيعة المقصود بهم الأولاد الذين يحتاجون إلى نفقة، لأنهم إذا تركوا ضاعوا؛ لأن الأولاد يحتاجون إلى الرعاية والعناية والإنفاق. (فإلي، وربما قال: إلى الله وإلى رسوله) يعني: أن القيام بشئونهم إنما يكون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون ذلك من بيت مال المسلمين، فهو من ينفق عليهم، ويقضي الدين عن المدين. (ومن ترك مالاً فلورثته) يعني: أن ورثته هم الذين يئول إليهم هذا المال ويحوزونه. (وأنا وارث من لا وارث له)، أي: إذا لم يكن للميت ورثة فإن بيت المال هو الذي يرثه، وهو الذي يئول إليه المال وينتهي إليه أمره، فالمقصود من ذلك بيت مال المسلمين، لا أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من يرثه ويكون ماله له، وإنما يكون في بيت مال المسلمين، وينفقه في مصالح المسلمين، فقوله: (وأنا وارث من لا وارث له) معناه: أنه يكون في بيت مال المسلمين ينفق في مصالح المسلمين. قوله: (أعقل له وأرثه) يعني: أنه إذا كان عليه جنايات أو ما إلى ذلك مما هو لازم له فإنها تدفع عنه، وكذلك يورث عنه المال. (والخال وارث من لا وارث له) يعني: إذا لم يوجد ورثة من أهل الفرض والتعصيب الذين جاء التنصيص عليهم في الكتاب والسنة، فإن (الخال وارث من لا وارث له)، ومعناه أنه يرثه، وهذا هو محل الشاهد لإيراد الحديث في باب ذوي الأرحام، فإن الخال من ذوي الأرحام. وقوله صلى الله عليه وسلم: (والخال وارث من لا وارث له) نص في توريث ذوي الأرحام، والذين قالوا بأنهم لا يرثون قالوا: إن هذا ليس ميراثاً، وإنما هو طعمة وإرفاق وإحسان إلى قريب الميت بإعطائه شيئاً لا على سبيل الإرث وإنما على سبيل الارتفاق والمساعدة والمعاونة. ومنهم من تأول ذلك بأن قال: هذا إذا كان خالاً هو ابن عم، ولكن هذا لا يستقيم؛ لأن فيه عدم وضوح يصان عنه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث أطلق ولم يقيد بابن عم، ولو كان ذلك مقصوداً لم تكن حاجة لذكر الخئولة؛ لأنه يكون وارثاً بحكم بنوة العمومة، فلا وجه لذكر الخئولة حينئذ. قوله: (يعقل عنه ويرثه) أي: كما أنه يرثه يدفع عنه ما يلزمه من عقل ومن جناية تتحملها العاقلة. شرح سنن ابي داود للعباد
قال الصنعاني في سبل السلام ( 2/ 142):
فيه دليل على توريث الخال عند عدم من يرث من العصبة، وذوي السهام والخال من ذوي الأرحام، وقد اختلف العلماء في توريث ذوي الأرحام فذهبت طائفة كثيرة من علماء الآل وغيرهم إلى توريثهم فمن خلف عمته وخالته، ولا وارث له سواهما كان للعمة الثلثان، وللخالة الثلث، واستدلوا بهذا الحديث، وبقوله تعالى {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75] وخالفت طائفة من الأئمة، وقالوا: لا يثبت لذوي الأرحام ميراث لأن الفرائض لا تثبت إلا بكتاب الله أو سنة صحيحة أو إجماع، والكل مفقود هنا، وأجابوا عن حديث الباب بأنه نص في الخال لا في غيره، والآية مجملة، ومسمى أولي الأرحام فيهما غير مسماه في عرف الفقهاء، وقد وردت أحاديث بأنه لا ميراث للعمة والخالة، وإن كان فيها مقال لكنها معتضدة بأن الأصل عدم الميراث حتى يقوم الدليل الناهض مما ذكرناه، والقائلون بأنه لا ميراث لذوي الأرحام يقولون: يكون مال من لا وارث له لبيت المال إذا كان منتظما، وهو إذا كان في يد إمام عادل يصرفه في مصارفه أو كان في البلد قاض قائم بشروط القضاء مأذون له في التصرف في مال المصالح دفع إليه ليصرفه فيها، وتفاصيل بقية مواريث ذوي الأرحام على القول به مستوفاة في كتب هذا الفن فلا نطول بها.
و قال الصنعاني في التنوير ( 6/ 45) : (الخال وارث) أي بالخؤولة لمن لا عصبة له ولا ذو سهم كما بينه الحديث الثاني . والحديث دليل على توريث ذوي الأرحام وهو كلام الجماهير ومن لم يورثهم أول الحديث بأنه من باب قولهم: الجوع زاد من لا زاد له وبعضهم بأن المراد أنه يرث ماله؛ لأنه أولى به من سائر المسلمين وقيل أراد به السلطان لأنه يسمى خالا انتهى، قلت: بطلان هذه التآويل لا يفتقر إلى الدليل. انتهى
قلت لأحمد: الخال وارث من لا وارث له؟
قال: نعم.
قال إسحاق: هكذا هو. مسائل الامام أحمد و اسحاق ابن راهويه
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي ( 6/ 236): وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام إلخ) اعلم أن ذا الرحم هو كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة فأكثر الصحابة كعمر وعلي وبن مسعود وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وبن عباس في رواية عنه مشهورة وغيرهم يرون توريث ذوي الأرحام وتابعهم في ذلك من التابعين علقمة والنخعي وشريح والحسن وبن سيرين وعطاء ومجاهد وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وأبو يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله وزفر ومن تابعهم.
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ( 4/ 396):
وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: تَنَازُعُ الْعُلَمَاءِ فِي ” ذَوِي الْأَرْحَامِ ” الَّذِينَ لَا فَرْضَ لَهُمْ، وَلَا تَعْصِيبَ. فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ: أَنَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِفَرْضٍ وَلَا تَعْصِيبٍ يَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ، يَكُونُ الْبَاقِي لِذَوِي الْأَرْحَامِ {بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَرِثُ مَالَهُ، وَيَفُكُّ عَانَهُ}.
قال ابن كثير في التفسير ( 2/ 403):
بل الحق أن الآية عامة تشمل جميع القرابات, كما نص عليه ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة وغير واحد على أنها ناسخة للإرث بالحلف والإخاء اللذين كانوا يتوارثون بهما أولاً, وعلى هذا فتشمل ذوي الأرحام بالاسم الخاص, ومن لم يورثهم يحتج بأدلة من أقواها حديث “إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث” قالوا: فلو كان ذا حق لكان ذا فرض في كتاب الله مسمى فلما لم يكن كذلك لم يكن وارثاً, والله أعلم. انتهى
قال مقيده عفا الله عنه: أظهر الأقوال دليلاً عندي، أن الخال يرث من لا وارث له، دون غيره من ذوي الأرحام، لثبوت ذلك فيه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بالحديثين المذكورين دون غيره؛ لأن الميراث لا يثبت إلا بدليل، وعموم الآيتين المذكورتين لا ينهض دليلاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه” كما تقدم. { اضواء البيان ، 9/ 105 }
و الظاهر : المسالة في ميراث ذوي الارحام بين قوي و أقوى ، و الله أعلم .