29جامع الأجوبة في الفقه ص39
بإشراف سعيد الجابري
وسيف بن دورة الكعبي
وممن شارك أحمد بن علي :هل يستدل بحديث( لا يبولن أحدكم… ) على أن الماء إذا بلغ قلتين وأكثر ينجس إذا خالطه بول آدمي، وعذرته، وإن لم يغيره؟
—————
جواب أحمد بن علي
قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام لابن دقيق
[حديث لا يبولن أحدكم في الماء الدائم]
الكلام عليه من وجوه:
الأول: الماء الدائم ” هو الراكد.
وقوله الذي لا يجري تأكيد لمعنى الدائم.
وهذا الحديث مما يستدل به أصحاب أبي حنيفة على تنجيس الماء الراكد، وإن كان أكثر من قلتين؛ فإن الصيغة صيغة عموم.
وأصحاب الشافعي: يخصون هذا العموم، ويحملون النهي على ما دون القلتين. ويقولون بعدم تنجيس القلتين – فما زاد – إلا بالتغير: مأخوذ من حديث القلتين. فيحمل هذا الحديث العام في النهي على ما دون القلتين، جمعا بين الحديثين. فإن حديث القلتين يقتضي عدم تنجيس القلتين فما فوقهما.
وذلك أخص من مقتضى الحديث العام الذي ذكرناه.
والخاص مقدم على العام.
ولأحمد طريقة أخرى: وهي الفرق بين بول الآدمي، وما في معناه، من عذرته المائعة، وغير ذلك من النجاسات.
قلت: (سعيد ) مفهوم القلتين يخالف المنطوق يكون مخالفا لحديث أبي أمامة على أنه لا ينجس الماء إلا بالتغير، وحديث ابن عمر هذا دلالة مفهوم وإذا تعارضا الدلالتان فإنه يقدم المنطوق ، وعلى المفهوم يكفي فيه صورة واحدة إذا صدق المفهوم ،فنقول إذا لم يبلغ قلتين ينجس بالتغير. فهنا عملنا بالمفهوم. قال أهل الأصول يكفي في العمل به صورة واحدة.
فأما بول الآدمي، وما في معناه: فينجس الماء، وإن كان أكثر من قلتين.
وأما غيره من النجاسات: فتعتبر فيه القلتان، وكأنه رأى الخبث المذكور في حديث القلتين عاما بالنسبة إلى الأنجاس.
وهذا الحديث خاص بالنسبة إلى بول الآدمي.
فيقدم الخاص على العام، بالنسبة إلى النجاسات الواقعة في الماء الكثير. ويخرج بول الآدمي وما في معناه من جملة النجاسات الواقعة في القلتين بخصوصه.
فينجس الماء دون غيره من النجاسات.
ويلحق بالبول المنصوص عليه: ما يعلم أنه في معناه.
قلت:(سعيد ) فإن حديث لا يبولن أحدكم. ..لا يدل عليه، لأن النبي ﷺ لم يتعرض لحكم الماء إطلاقا وإنما وجه الخطاب لمن يغتسل، وأما الماء فلم يتعرض له.
(فتح ذي الجلال والإكرام لابن عثيمين)
واعلم أن هذا الحديث لا بد من إخراجه عن ظاهره بالتخصيص أو التقييد.؛ لأن الاتفاق واقع على أن الماء المستبحر الكثير جدا: لا تؤثر فيه النجاسة.
والاتفاق واقع على أن الماء إذا غيرته النجاسة: امتنع استعماله.
وقال ابن عبد البر : وروي عن مالك في الجنب يغتسل في الماء الدائم الكثير مثل الحياض التي تكون بين مكة والمدينة ولم يكن غسل ما به من الأذى إن ذلك لا يفسد الماء
وهذا مذهب بن القاسم وأشهب وبن عبد الحكم كلهم يقول إن الماء القليل يفسده قليل النجاسة وإن الماء الكثير لا يفسده إلا ما غلب عليه من النجاسة أو غيرها فغيره عن حاله في لونه وطعمه وريحه
ولم يحدوا حدا بين القليل والكثير
ونحو هذا قال الشافعي إلا أنه حد في ذلك حدا لحديث القلتين فقال ما كان دون القلتين فحلت فيه نجاسة أفسدته وإن لم تظهر فيه وإذا بلغ الماء قلتين لم يفسده ما يحل فيه من النجاسة إلا أن تظهر فيه فتغير منه لونا أو طعما أو ريحا
وحجته فيما ذهب إليه من ذلك حديث عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ أنه قال ((إذا كان الماء قلتين لم تلحقه نجاسة ولم يحمل خبثا))
وبعض رواته يقولون ((إذا كان الماء قلتين أو ثلاثا))
وقد ذكرنا أسانيد هذا الحديث والعلة فيه في ((التمهيد))
—————-
جواب سعيد الجابري :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فإن قيل: فإن النبي ﷺ قد نهى عن البول في الماء الدائم، وعن الاغتسال منه.
قيل: نهيه عن البول في الماء الدائم لا يدل على أنه ينجس بمجرد البول، إذ ليس في اللفظ ما يدل على ذلك، بل قد يكون نهيه؛ لأن البول ذريعة إلى تنجيسه، فإنه إذا بال هذا تغير بالبول، فكان نهيا مبتدأ سدا للذريعة. وأيضا فيقال نهيه عن البول ذريعة إلى تنجيسه، فإنه إذا بال هذا تغير بالبول، فكان نهيا مبتدأ سدا للذريعة. أيضا فيقال: نهيه عن البول في الماء الدائم يعم القليل والكثير، فيقال لصاحب القلتين: أتجوز بوله فيما فوق القلتين، إن جوزته فقد خالفت ظاهر النص، وإن حرمته فقد نقضت دليلك.
وكذلك يقال لمن فرق بين ما يمكن نزحه، وما لا يمكن نزحه: أتسوغ للحاج أن يبولوا في المصانع التي بطريق مكة، إن جوزته فقد خالفت ظاهر النص، وإلا نقضت قولك.
ويقال للمقدر بعشرة أذرع، إذا كان للقرية غدير مستطيل أكثر من عشرة أذرع رقيق: أتسوغ لأهل القرية البول فيه، إن سوغته فقد خالفت ظاهر النص، وإلا نقضت قولك…
فلا يلزم أن كل ما لم يبلغ القلتين ينجس. بل إذا قيل بالمخالفة في بعض الصور حصل المقصود.
وأيضا: فإن النبي ﷺ لم يذكر هذا التقدير ابتداء، وإنما ذكره في جواب من سأله عن مياه الفلاة التي تردها السباع والدواب، والتخصص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم لم يبق حجة باتفاق، كقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق}.
فإنه خص هذه الصورة بالنهي؛ لأنها هي الواقعة لا لأن التحريم يختص بها وكذلك قوله: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}. فذكر الزمن في هذه الصورة للحاجة، مع أنه قد ثبت أن النبي ﷺ مات ودرعه مرهونة» ، فهذا رهن في الحضر، فكذلك قوله: «إذا بلغ الماء قلتين» في جواب سائل معين بيان لما احتاج السائل إلى بيانه، فلما كان حال الماء المسئول عنه كثيرا قد بلغ قلتين، ومن شأن الكثير أنه لا يحمل الخبث، فلا يبقى الخبث فيه محمولا، بل يستحيل الخبث فيه لكثرته، بين لهم أن ما سألتم عنه لا خبث فيه، فلا ينجس، ودل كلامه ﷺ، على أن مناط التنجيس هو كون الخبث محمولا، فحيث كان الخبث محمولا موجودا في الماء كان نجسا، وحيث كان الخبث مستهلكا غير محمول في الماء كان باقيا على طهارته، فصار حديث القلتين موافقا لقوله: «الماء طهور لا ينجسه شيء. والتقدير فيه لبيان صورة السؤال، لا أنه أراد أن كل ما لم يبلغ قلتين فإنه يحمل الخبث، فإن هذا مخالف للحس، إذ ما دون القلتين قد لا يحمل الخبث ولا ينجسه شيء، كقوله: الماء طهور لا ينجسه شيء» وهو إنما أراد إذا لم يتغير في الموضعين، وأما إذا كان قليلا فقد يحمل الخبث لضعفه. انتهى بتصرف
(الفتاوى الكبرى )
————
جواب :سيف بن دورة الكعبي؛
قال بعض مشايخنا :
الراجح أن الماء لا ينجس بملاقاة بول الآدمي والعذرة قال محمد بن عبدالوهاب كما في الدرر السنية : قولهم : إن الماء الكثير ينجسه البول، والعذرة؛ لنهيه عليه السلام عن البول فيه. فيقال لهم :الذي ذُكِر النهي عن البول إذا كان راكدا، وأما نجاسة الماء، وطهارته، فلم يتعرض لها، وتلك مسألة أخرى يستدل لها بدليل آخر.
قال المعلمي في التنكيل( 2/18) الصواب هناك عدة علل إذا خشيت واحدة منها تحقق النهي : الأولى : التنجيس حالاً، بأن يكون الماء قليلاً جدا تغيره البولة الواحدة. الثانية : التنجيس مآلا : وذلك أنه لو لم ينه عن البول… فقد يكثر البول حتى يغير الماء. الثالثة : التقذير حالا. الرابعه : التقذير مآلا. الخامسة :فشو الأمراض. انتهى بتصرف واختصار.
تنبيه : علق محقق البلوغ، دار الآثار على رواية( ولا يغتسل فيه من الجنابة ) وحسنها: قال العراقي: ولا تعارض في هذا الإختلاف، وإن اختلف معنى الوضوء والغسل والشرب فقد صح الكل، ومحله أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الثلاثة فأدى بعضهم واحداً، وأدى بعضهم اثنين على ما حفظ كل واحد من الرواة(طرح التثريب 1/30) قلت : ومما يؤيد ذلك اختلاف مخارج الحديث. انتهى