206 جامع الأجوبة الفقهية ص 242
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
مسألة : أكل بقية أجزاء الإبل مما عدا اللحم كالكبد والكرش والسنام والأمعاء والمرق.
♢- جواب ناصر الريسي:
سبق وبحثنا في المسألة السابقة أكل لحوم الأبل هل ينقض الوضوء، وذكرنا خلاف أهل العلم في هذه المسألة وان الجمهور يرون عدم الانتقاض والقول الثاني وهو مذهب الحنابلة ومن وافقهم بأنه ينقض الوضوء، وهؤلاء الذين قالوا أن لحم الإبل ينقض الوضوء اختلفوا في بقية أجزاء الإبل من غير اللحم كالكبد والكرش وغيرها. وهذه هي مسألتنا هنا فنقول:
اختلف اهل العلم في هذه المسألة على قولين :
♢- الأول: لا ينقض الوضوء إلا اللحم خاصة، وهو المشهور من مذهب أحمد، ورجحه الشيخ محمد ابن ابراهيم والشيخ ابن باز.
♢- الثاني: ينقض جميع أجزاء البعير، وهي رواية في مذهب أحمد، ورجحه الشيخ عبدالرحمن السعدي والشيخ ابن عثيمين.
♢- أدلة القول الأول:
الأول:
حديث الباب عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا توضأ، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فتوضأ من لحوم الإبل. قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال لا”. اخرجه مسلم (360).
وجه الدلالة: قالوا: إن النص إنما ورد في اللحم خاصة، والكبد والطحال ونحوهما لا يسمى لحماً، فلم يتناوله النص، فلو أنك أمرت أحداً أن يشتري لك لحماً فاشترى كرشاً أو كبداً لأنكرت عليه.
واجيب: بأن عدم دخولها هل مرده إلى اللغة أو إلى العرف، فإن كان ذلك في العرف فلا تقدم الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية، وأما اللغة فإن اللحم يشمل جميع أجزاء الحيوان، بما في ذلك شحمه وكبده.
الثاني:
أن الأصل بقاء الطهارة، فالطهارة متيقنة، ودخول غير اللحم في حكم اللحم أمر غير متيقن، واليقين لا يزول بالاحتمال.
الثالث:
أن النقض باللحم أمر تعبدي، وإذا كان كذلك لم يمكن قياس غير اللحم على اللحم؛ لأن من شرط القياس العلم بالعلة، والأمور التعبدية غير معلومة العلة.
واجيب: بأن إلحاق الكبد باللحم ليس من باب القياس، وإنما دخوله لاشتمال النص عليه، فاللحم ليس هو الهبر خاصة.
♢- ادلة أصحاب القول الثاني:
أولاً:
قال الله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} (المائدة: 3).
وجهة الدلالة: أنه نص على اللحم، ومع ذلك دخل جميع أجزاء الخنزير من شحم وكبد وطحال ونحوها، وهذا دليل على أن اللحم شامل لجميع أجزاء الحيوان.
واجيب: بأن لحم الخنزير حرم لنجاسته وخبثه، وأجزاء الخنزير كلها نجسة، فلا طاهر فيها، وأما لحم الإبل فلا شيء فيها نجس، وإذا كانت العلة أنها خلقت من الشياطين فهذا لا يصير إلا فيما فيه القوة الزائدة، وهي في اللحوم، واللحم في اللغة اسم لهذا الأحمر من اللحم المسمى بالهبر.
ثانياً:
قالوا: قد يطلق اللحم على الحيوان باعتبار أنه أكثر الحيوان وأغلبه، ولا يعني هذا اختصاصه بالحكم، إذ لا فرق بين الهبر وبين غيره، فالكل يتغذى بدم واحد وطعام وشراب واحد، وهذا على افتراض أن النص لا يتناول بقية أجزاء الحيوان بالعموم اللفظي، فيبقى تناوله بالعموم المعنوي لعدم الفارق.
♢- قال ابن قدامة في المغني (1/ 140):
“وفيما سوى اللحم من أجزاء البعير، من كبده، وطحاله وسنامه، ودهنه، ومرقه، وكرشه، ومصرانه، وجهان: أحدهما، لا ينقض؛ لأن النص لم يتناوله، والثاني ينقض؛ لأنه من جملة الجزور. وإطلاق اللحم في الحيوان يراد به جملته؛ لأنه أكثر ما فيه، ولذلك لما حرم الله تعالى لحم الخنزير، كان تحريما لجملته، كذا هاهنا”. انتهى
♢- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فقه العبادات (ص: 104):
“وأما الخامس من نواقض الوضوء : فهو أكل لحم الإبل : لأن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه سئل : نتوضأ من لحوم الإبل؟ قال : نعم ، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم ؟ قال ” إن شئت” ، فإجابته بنعم في لحم الإبل ، وبأن شئت في لحم الغنم ، دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعاً إلى مشيئته، بل هو أمر مفروض عليه ، ولو لم يكن مفروضاً لكان راجعاً إلى المشيئة ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم “إنه أمره بالوضوء من لحم الإبل”، وعلى هذا فإذا أكل الإنسان لحم إبل انتقض وضوءه ، سواء كان الأكل كثيراً أم قليلاً ، وسواء كان اللحم نيئاً أو مطبوخاً ، وسواء كان اللحم من اللحم الأحمر الهبر أو من الأمعاء ، أو من الكرش ، أو من الكبد ، أو من القلب ، أو من أي شيء كان من أجزاء البدن، لأن الحديث عام لم يفرق بين لحم وآخر، والعموم في لحم الإبل كالعموم في لحم الخنزير، حين قال الله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ )(المائدة: 3)، فإن لحم الخنزير هنا يشمل كل أجزاء بدنه ، وهكذا لحم الإبل الذي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء منه ، يشمل جميع أجزاء البدن ، وليس في الشريعة الإسلامية جسد واحد تختلف أحكامه، فيكون جزء منه له حكم وجزء منه له حكم آخر ، بل الجسم كله تتفق أجزاؤه في الحكم ، ولا سيما على القول بأن نقض الوضوء بلحم الإبل علته معلومة لنا ، وليس تعبداً محضاً”. انتهى
♢- جاء في فتاوى اللجنة الدائمة – 1 (5/ 299) السؤال الأول من الفتوى رقم 1257
س1: سمعنا خلافا في شحوم الإبل وأحشائها ومصرانها ففيه من يقول إنها تلحق بلحومها ولا دليل على الاستثناء وفيه من يقول إن الحديث ينص على اللحوم دون غيرها ولا وضوء عن الشحوم والأحشاء فما هو الصحيح في ذلك وهل ولد الناقة إذا ولد وذبح قبل أن يرضع اللبن هل يلحق باللحوم أم بالأحشاء والمصارين؟
جـ1: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه. . وبعد:
لا ينتقض الوضوء إلا باللحم حسب ما جاء في الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «توضأوا من لحوم الإبل » ويلحق بذلك الولد الصغير من الإبل وإن لم يشرب اللبن لعموم الحديث.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
نائب الرئيس … الرئيس
عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
—
جواب سيف بن دورة :
وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ :
لحم الخنزير حرم لنجاسته وخبثه وأجزاء الخنزير كلها نجسة فلا طاهر فيها. أما لحم الإبل فلا شيء فيه نجس. والعلة في لحوم الإبل قيل إنها خلقت من شياطين فهذا لا يصير إلا فيما فيه القوة الزائدة وهي في اللحوم. واختيار الشيخ عدم النقض. والمعروف والذي عليه العمل القول بالنقض لأجل الحديثين . و«اللحم» في اللغة اسم لهذا الأحمر من اللحم الأحمر (الهبر) والأبيض من اللحم الأبيض. … (تقرير)
(٣٣١- الكبد)
الكبد لا تدخل في اللحم الخاص إذا قيل كبد ولحم، ولا تنقض الوضوء لأنها ليست بلحم، لها طبيعة أُخرى غير طبيعة اللحم وإن اجتمعت معه في أصل الدسم ونحو هذا. … (تقرير)
(٣٣٢- س: والرأْس)
جـ: – لا ينقض الوضوء، والظاهر أن الرأْس ليس لحمًا، يقال: أكل رأْسًا. وما يوجد فيه من الأحمر فلعله لا يدخل في اللحم. … (تقرير)
(٣٣٣- والشحم والعظم والعصب والقلب والرئة والكلية والستار والحليب كل هذه لا تنقض، والرقبة لحم). … (تقرير) انتهى من فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
ممن قال أن العلة معلله ابن تيمية وابن القيم :
قال ابن تيمية :
قال شيخ الإسلام رحمه الله:» أشار ﷺ في الإبل إلى أنها من الشياطين، يريد والله أعلم أنها من جنس الشياطين ونوعهم، فإنّ كلَّ عاتٍ متمرِّدٍ شيطانٌ من أي الدواب كان، كالكلب الأسود شيطان، والإبل شياطين الأنعام، كما للإنس شياطين … فلعلَّ الإنسان إذا أكل لحم الإبل أورثته نفارًا وشماسًا وحالًا شبيها بحال الشيطان، والشيطان خُلق من النار، وإنما تُطفئ النّارُ بالماء، فأُمر بالوضوء من لحومها كسرًا لتلك السَّورة، وقمعًا لتلك الحال، وهذا لأنّ قلبَ الإنسان وخُلقه يتغير بالمطاعم التي يطعمها «انتهى من» شرح عمدة الفقه «(١/١٨٥).
وقريب منه في»إعلام الموقعين عن رب العالمين«(٢ /٤٠) لابن القيم رحمه الله.
وصحح الألباني حديث أبي لاس وذكر أنه حسن وله شواهد من حديث أبي هريرة وحمزة بن عمرو وكذلك محققو المسند
قلت :
لكن حديث أبي لاس معل
ففي علل ابن أبي حاتم 2475 :
: وقالَ النبيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) : إذا تَزَوَّجَ أحَدُكُمْ فَلْيَأْخُذْ بِناصِيَتِها، ولْيَدْعُ بِالبَرَكَةِ، فَإذا اشْتَرى بَعِيرًا فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلى ذِرْوَتِهِ، ويَسْتَعِذْ بِاللهِ مِن شَرِّهِ؛ فَإنَّهُ لَيْسَ مِن بَعِيرٍ إلاَّ عَلى ذِرْوَتِهِ شَيْطانٌ؟
قالَ أبِي: هَذا حديثٌ منكرٌ، وعَنْبَسَةُ ضعيفُ الحَدِيثِ.
وفي ذخيرة الحفاظ :
٣٥١٩ – حَدِيث: على ذرْوَة كل بعير شَيْطان. رَواهُ عَنْبَسَة بن سعيد: عَن زيد بن أسلم، عَن أبِيه، عَن ابْن عمر. وعنبسه هَذا مَتْرُوك الحَدِيث.
وفي حاشية الجريسي :
وقد خالفه الإمام مالك فأخرجه في «الموطأ» (١١٤٠) عن زيد بن أسلم مرسلًا، ليس فيه ذكر لأبيه ولا لعمر.
وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (٥/٣٠٠): «مرسل عند جميع الرواة لـ«الموطأ»، والله أعلم. ومعناه يستند من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، ومن حديث أبي لاس الخزاعي. وقد رواه عنبسة بن عبد الرحمن، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ، عَنْ أبِيهِ، عَن عُمَر، عَنِ النَّبِيِّ (ص) وعنبسة ضعيفٌ لا يحتجُّ به. اهـ.
وورد من حديث عمر بن الخطاب أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة :
٤٩٧ – حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ الحَمّالُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ العَوْفِيُّ، ثنا ابْنُ أبِي مَرْيَمَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي عَمْرَةَ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ عَلى ظَهْرِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطانًا، فَإذا رَكِبْتُمُوها فَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ»
وفي أطراف الغرائب :
٣٠٤٥ – حَدِيث: على ظهر كل بعير شَيْطان
الحَدِيث.
تفرد بِهِ أبُو مَرْيَم عبد الغفار بن القاسِم عَن حبيب بن أبي ثابت عَنهُ. انتهى
وأبو مريم قال ابن المديني : كان يضع الحديث . وكذبه غيره راجع لسان الميزان
وورد من حديث أبي هريرة أخرجه الحاكم وابن خزيمة من طريق :
بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي ابْنُ أبِي الزِّنادِ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: بنحوه
– إسناده ضعيف؛ علَّتُهُ: عبد الرَّحمَن بن أَبي الزناد، وهو عبد الرَّحمَن بن عبد الله بن ذَكوان، المدني.
وقال صالح بن محمد : روى عن أبيه أشياء لم يروها غيره ، وتكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب « السبعة » – يعني الفقهاء – وقال : أين كنا عن هذا. تهذيب التهذيب: (2 / 504)
– وقال عَمرو بن علي الفلاس: كان يحيى، يعني ابن سعيد القطان، وعبد الرَّحمَن، يعني ابن مَهدي، لا يُحدثان عن عبد الرَّحمَن بن أَبي الزناد.
وقال عبد الملك بن عبد الحَميد المَيموني: سأَلتُ أَحمد بن حنبل عن ابن أَبي الزِّناد، فقال: هو ضَعيف الحديث. «الضعفاء» للعُقيلي (943).
– وقال عثمان بن سعيد الدَّارمي: قلتُ ليَحيى بن مَعين: عبد الرَّحمَن بن أَبي الزِّناد؟ فقال: ضَعيف. «تاريخه» (529).
– وقال عبد الرَّحمَن بن أَبي حاتم الرازي: سُئل أَبي عن عبد الرَّحمَن بن أَبي الزناد، فقال: يُكتب حديثه ولا يُحتج به. «الجرح والتعديل» 5/252.
– وقال النسائي: عبد الرَّحمَن بن أَبي الزناد، ضعيف. «الضعفاء والمتروكين» (387).
وقال النسائي : لا يحتج بحديثه. تهذيب الكمال: (17 / 95)
أما حديث حمزة بن عمرو فأخرجه أحمد 16039 ففيه أسامة بن زيد فيه ضعف وكذلك محمد بن حمزة قال ابن عدي : ابن حمزة غير معروف .
وورد مرسلا
قال ابن أبي شيبة :
٢٩٧٢٢ – حَدَّثَنا حاتِمُ بْنُ إسْماعِيلَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أبِيهِ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَلى ذِرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطانٌ فَإذا رَكِبْتُمُوها فَقُولُوا كَما أمَرَكُمُ اللَّهُ: ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هَذا وما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف ١٣]، وامْتَهِنُوها لِأنْفُسِكُمْ فَإنَّما يَحْمِلُ اللَّهُ»
فهذه الطرق لا تتقوى عندي والله أعلم وإنما طولنا في بيان عللها ، لبيان عدم صحة شيء مرفوع في بيان علة لحم الإبل فيبقى استنباط العلة اجتهادي. فيكون كون لحمها يسبب غلظة في الطبع محتمل. ويكون الوضوء لأجل ذلك .