228 جامع الأجوبة الفقهية ص 268
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
ومشاركتي وضعت بجوارها(* )
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
92 – وَعَنْ سَلْمَانَ – رضي الله عنه – قَالَ: لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ [ص:31] بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ, أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ, أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ, أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
93 – وَلِلسَّبْعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ – رضي الله عنه: «لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ, وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا».
——
مسألة : حكم استقبال، أو استدبار الكعبة ببول، أو غائط.
♢- جواب ناصر الريسي:
اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال أوصلها بعضهم إلى ثمانية، لكن أقواها أربعة مذاهب على النحو التالي:
♢- الأول: التحريم المطلق سواء في الصحراء أو في البنيان، وهو المشهور من مذهب الحنفية، ورجحه من المالكية ابن العربي، ورواية في مذهب أحمد، واختاره ابن حزم. وهو قول أبي أيوب الأنصاري، وأبي هريرة، وابن مسعود، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، والثوري، وأبي ثور، وعطاء، والأوزاعي، وهو ترجيح ابن العربي، وابن تيمية، وابن القيم، والالباني وغيرهم.
♢- الثاني: الجواز المطلق وهو قول عائشة رضي الله عنها، وعروة، وربيعة، وداود الظاهري.
♢- الثالث: يكره استقبال القبلة واستدبارها، وهو محكي عن النخعي، ورواية عن أبي حنيفة، وعن أحمد، وأبي ثور.
♢- الرابع: التفصيل، يحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء، ويجوز في البنيان ونحوه، وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة، ونسبه الحافظ في الفتح إلى الجمهور، واختاره البخاري في صحيحه، قال ابن حجر: وهو أعدل الأقوال، ورجحة ابن المنذر، وابن عبدالبر، والخطابي، والصنعاني، والوادعي.
انظر: حاشية ابن عابدين (1/341)، البحر الرائق (1/256)، عارضة الأحوذي (1/27)، المحلى (1/189،190)، المنتقى شرح الموطأ (1/336)، مواهب الجليل (1/279)، التمهيد (1/309)، المجموع (1/92)، متن أبي شجاع (ص: 18)، المغني (1/107)، الفروع (1/82)، الإنصاف (1/100).
♢- ادلة القول الأول: وهو التحريم المطلق
الدليل الأول: عن أبي أيوب الأنصاري، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب: فقدمنا الشأم، فوجدنا مراحيض بنيت قبل القبلة، فننحرف ونستغفر الله تعالى. متفق عليه، صحيح البخاري (394)، ومسلم (264).
الدليل الثاني: عن أبي هريرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها. رواه مسلم في صحيحه (265).
ولم يستثن الحديث من ذلك شيئاً، فوجب أن يشمل الصحراء والبنيان.
الدليل الثالث: عن سلمان، قال: قيل له: قد علمكم نبيكم – صلى الله عليه وسلم – كل شيء، حتى الخراءة؟! قال: فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم. رواه مسلم في صحيحه (262)
الدليل الرابع: عن علقمة قال: قال رجل من المشركين لعبد الله: إني لأحسب صاحبكم قد علمكم كل شيء، حتى علمكم كيف تأتون الخلاء. قال: إن كنت مستهزئاً، فقد علمنا أن لا نستقبل القبلة بفروجنا، وأحسبه قال: ولا نستنجي بأيماننا، ولا نستنجي بالرجيع، ولا نستنجي بالعظم، ولا نستنجي بدون ثلاثة أحجار. رواه البزار في المسند (1492) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 205): رواه البزار، ورجاله موثوقون.
♢- قال الشيخ الالباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1/ 1/ 438 – 440).: وفي الحديث أيضا فائدة هامة وهي الإشارة إلى أن النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط إنما هو مطلق يشمل الصحراء والبنيان، لأنه إذا أفاد الحديث أن البصق تجاه القبلة لا يجوز مطلقا، فالبول والغائط مستقبلا لها لا يجوز بالأولى، فمن العجائب إطلاق النووي النهي في البصق، وتخصيصه في البول والغائط! «إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد». انتهى
♢- أدلة من قال بالجواز المطلق:
الدليل الأول:
الأصل الحل، فلا يجوز المنع إلا بدليل لا معارض له، وقد نظرنا في الأدلة فإذا هي متعارضة، فلم يجب العمل بشيء منها، فرجعنا إلى الأصل، وهو الحل. انظر التمهيد (3/ 109).
الدليل الثاني: عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد نهانا عن أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء، قال: ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة. رواه أحمد في المسند (3/ 360).
وقد أجيب عنه بأجوبة منها:
أولاً: أنه حكاية فعل للرسول – صلى الله عليه وسلم -، فلا يقدم على القول، ولا يعارضه أيضاً، فيحتمل أن يكون خاصاً بالنبي – صلى الله عليه وسلم -، والقول تشريع للأمة.
وهذا الاحتمال ضعيف؛ لأن الأصل التأسي بالنبي – صلى الله عليه وسلم – {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}، حتى يأتي دليل صحيح صريح بأن ذلك خاص بالنبي – صلى الله عليه وسلم -.
وقيل: يحتمل أن فعله لبيان الجواز، ولبيان أن النهي ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة فقط. وهذا هو الذي يتمشى مع القواعد.
وقيل: يحتمل أن كان يبول إلى ساتر، ولا يتعين الساتر أن يكون بناء؛ لأن ذلك هو المعهود من حاله – صلى الله عليه وسلم – لمبالغته في التستر، ولا فرق في الساتر بين الجدار والدابة وكثيب الرمل، ونحوها.
الدليل الثالث: عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول: إن ناساً يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فقال عبد الله بن عمر: لقد ارتقيت يوماً على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته. الحديث متفق عليه، صحيح البخاري (148)، ومسلم (266).
وجه الاستدلال:
أن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن استقبال القبلة واستدبارها، فكون الرسول – صلى الله عليه وسلم – استدبر القبلة في حديث ابن عمر، وحديث جابر دليل على جواز استقبالها، فهذا دليل على أن النهي عن الاستقبال والاستدبار منسوخ، وأن الاستقبال والاستدبار كلاهما جائز.
ونوزع هذا الاستدلال بما يلي:
أما القائلون بتحريم الاستقبال والاستدبار، فأجابوا عن حديث ابن عمر بما يلي:
يحتمل أن يكون حديث ابن عمر قبل النهي عن استدبار القبلة، لأنه على البراءة الأصلية.
وقالوا أيضاً: إن حديث ابن عمر فعل، وأحاديث النهي قول، والقول مقدم على الفعل؛ لأن الفعل قد يكون فعله معذوراً أو ناسياً بخلاف القول، وقد يكون الفعل خاصاً بالنبي – صلى الله عليه وسلم -.
والجواب:
أن الأصل عدم العذر والنسيان، وكونه خاصاً بالنبي – صلى الله عليه وسلم – سبق الجواب عليه.
وقالوا أيضاً: إننا لو أخذنا به لكان ليس فيه إلا جواز الاستدبار، وليس فيه جواز الاستقبال. وهذا القول بناء على أن حديث جابر لم يثبت عندهم، أو لم يطلعوا عليه، وسبق لنا أنه حديث حسن إن شاء الله تعالى.
أما القائلون بالتفريق بين الصحراء وغيرها، فأجابوا عن حديث ابن عمر:
بأن حديث ابن عمر دليل على جواز ذلك في البنيان، وأن المنع مختص بالصحراء؛ لأننا لما رأينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – استقبل القبلة واستدبرها، واستحال أن يأتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما نهى عنه، علمنا أن الحال التي استقبل فيها القبلة واستدبرها غير الحال التي نهى عنها، فأنزلنا النهي عن ذلك في الصحاري، والرخصة في البيوت؛ لأن حديث ابن عمر في البيوت، ولم يصح لنا أن يجعل أحد الخبرين ناسخاً للآخر؛ لأن الناسخ يحتاج إلى تاريخ، أو دليل لا معارض له، ولا سبيل إلى القول بالنسخ ما وجد إلى استعمال الدليلين، والقول بالنسخ إبطال لأحدهما.انظر: التمهيد بتصرف (3/ 106).
♢- دليل من قال بكراهة الاستقبال والاستدبار:
قالوا: إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – إذا نهى عن شيء، فالأصل فيه التحريم، وإذا خالف النهي انتقل من التحريم إلى الكراهة.
وأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – إذا أمر بشيء اقتضى الوجوب، فإذا خالف ذلك الأمر انتقل الأمر إلى الاستحباب، فالرسول – صلى الله عليه وسلم – نهى عن الاستقبال والاستدبار مطلقاً، ثم خالف ذلك في الاستدبار كما في حديث ابن عمر، وخالف ذلك في الاستقبال كما في حديث جابر، فانتقل النهي من التحريم إلى الكراهة، والله أعلم.
♢- دليل من بالتفصيل ففرق بين الصحراء والبنيان.
الدليل الأول:
حملوا حديث أبي أيوب الأنصاري: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا. متفق عليه، صحيح البخاري (394)، ومسلم (264).
ومثله حديث سلمان وابن مسعود وأبي هريرة حملوا هذه الأحاديث على الصحراء.
وحملوا حديث ابن عمر رضي الله عنهما: لقد ارتقيت يوماً على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته. الحديث. متفق عليه، صحيح البخاري (148)، ومسلم (266).
على جواز استدبار القبلة إذا كان ذلك في البنيان.
وحملوا حديث جابر رضي الله عنه: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد نهانا عن أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء، قال: ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة. رواه أحمد في المسند (3/ 360).
حملوا هذا الحديث على جواز الاستقبال إذا كان هناك ساتر من جدار أو غيره، مع أن حديث جابر ليس فيه ذكر الساتر، لكن قالوا: هو المعهود من حاله – صلى الله عليه وسلم – لمبالغته في التستر حال قضاء الحاجة.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (ح 144): دل حديث ابن عمر على جواز استدبار القبلة في الأبنية، وحديث جابر على جواز استقبالها، ولولا ذلك لكان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث ابن عمر إلا جواز الاستدبار فقط، ولا يلحق به الاستقبال قياساً؛ لأنه لا يصح إلحاقه به، لكونه فوقه.
الدليل الثاني:
من النظر، قالوا: إن التكريم وإن كان لجهة القبلة، فإن التفريق بين البنيان والصحراء له حظ من النظر، وذلك أن الأمكنة المعدة لقضاء الحاجة تكون مأوى للشياطين، فليست صالحة لكونها قبلة؛ ولأن الحديث يقول: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة. وحقيقة الغائط: هو المكان المطمئن من الأرض في الفضاء، وهذه حقيقته اللغوية، فلا يدخل فيه البنيان أصلاً، وإن كان قد صار يطلق على كل مكان أعد لذلك مجازاً، فيختص النهي به؛ إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة. قال الحافظ: وهذا الجواب للإسماعيلي، وهو أقواها.
وقالوا أيضاً: إن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء، وأما الجدار والأبنية، فإنها إذا استقبلت أضيف إليها الاستقبال عرفاً. انظر: الفتح (ح 144).
♢- * وﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ: ﻭﺃﺻﺢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺬﺍﻫﺐ ﻣﺬﻫﺐ ﻣﻦ ﻓﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺭﻱ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻇﺎﻫﺮ ﻧﻬﻲ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻮﻡ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺧﺼﺘﻪ ﺍﻟﺴﻨﺔ, ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﺎ ﺧﺼﺘﻪ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻣﺴﺘﺜﻨﻰ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﻟﻨﻬﻲ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﻣﺘﻀﺎﺩﺓ ﺇﺫﺍ ﺟﺎﺀﺕ ﺟﻤﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﻨﻬﻲ, ﻳﻘﺎﺑﻞ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺫﻛﺮ ﺍﻹﺑﺎﺣﺔ, ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺷﻲﺀ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﻄﺮﺡ ﻣﺎ ﺿﺎﺩﻫﺎ,… ﻓﻠﻤﺎ ﻧﻬﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﺍﻟﻘﺒﻠﺔ ﺑﺎﻟﻐﺎﺋﻂ ﻭﺍﻟﺒﻮﻝ ﻧﻬﻴﺎ ﻋﺎﻣﺎ ﻭﺍﺳﺘﻘﺒﻞ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ ﻣﺴﺘﺪﺑﺮﺍ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ, ﻛﺎﻥ ﺇﺑﺎﺣﺔ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﻣﺨﺼﻮﺹ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺍﻟﻨﻬﻲ.
(المرجع): ﺍﻷﻭﺳﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﻭﺍﻹﺟﻤﺎﻉ ﻭﺍﻻﺧﺘﻼﻑ]
♢- * وقال ابن الجوزي: وقد ظن جماعة نسخ حديث أبي أيوب الأنصاري المتقدم في الفقرة المتقدمة بحديث جابر بن عبدالله المذكور آنفاً وليس كذلك، بل الأول محمول على من كان في الصحراء، والثاني على من كان في البنيان.
(أخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ )
♢- * جواب اللجنه الدائمة ، قالوا:
أولاً:( الصحيح من أقوال العلماء: أنه يحرم استقبال القبلة -الكعبة- واستدبارها عند قضاء الحاجة في الخلاء ببول أو غائط، وأنه يجوز ذلك في البنيان، وفيما إذا بينه وبين الكعبة ساتر قريب أمامه في استقبالها، أو خلفه في استدبارها؛ كرحل، أو شجرة، أو جبل أو نحو ذلك، وهو قول كثير من أهل العلم؛… ) ونقلوا الأحاديث الدالة على ذلك ، ومما نقلوا ما
روى أبو داود والحاكم، أن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن: أليس قد نهي عن ذلك؟ قال: إنما نهي عن هذا في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس ، وسكت عنه أبو داود، وقال الحافظ ابن حجر في ( الفتح ): إسناده حسن، وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها .
وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم؛ جمعًا بين الأدلة، بحمل حديث أبي هريرة ونحوه على ما إذا كان قضاء الحاجة في الفضاء بلا ساتر، وحديث جابر بن عبد الله وابن عمر رضي الله عنهم على ما إذا كان في بنيان أو مع ساتر بينه وبين القبلة؛ ومن هذا يعلم جواز استقبال القبلة واستدبارها في قضاء الحاجة في المباني وكنفها.
ثانيًا: إذا كان هناك مخططات لمبان لم تنفذ، وبها مراحيض تستقبل القبلة أو تستدبرها فالأحوط تعديلها؛ حتى لا يكون في قضاء الحاجة بها استقبال القبلة أو استدبارها؛ خروجًا من الخلاف في ذلك، وإذا لم تعدل فلا إثم؛ لما تقدم من الأحاديث.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
♢- قال الإتيوبي رحمه الله في ذخيرة العقبى (1/ 466) قال الجامع عفا الله تعالى عنه:
المذهب الراجح عندي مذهب من قال بالتفريق بين البنيان والصحراء، لأن به تجتمع الأدلة المختلفة في الباب، وأما دعوى بعضهم أن أدلة الإباحة فعل، فلا تُعارض القول، فغير صحيح، لأن الفعل كالقول، إلا إذا كان خصوصية، ولا دليل للخصوصية هنا، فتبصر، والله أعلم.
♢- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتح ذي الجلال والإكرام (1/ 304):
من العلماء من يرى أن الألفاظ لا تخصص بالأفعال، وأننا نحن مطالبون بتنفيذ السنة القولية، أما السنة الفعلية فلا؛ لأن السنة الفعلية تحتمل الخصوصية وتحتمل الحاجة؛ أي: أنه فعل ذلك لحاجة، وتحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله بسبب آخر، وهو لم يعلنه على الناس، هو في بيت حفصة مستدبر الكعبة لم يعلنه فلا يمكن أن نخصص به اللفظ العام، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم، ومنهم الشوكاني في شرح المنتقى، ولكن الصحيح: أن السنة القولية تخصصها السنة الفعلية؛ لأن الكل حق، واحتمال الخصوصية غير وارد، واحتمال النسيان غير وارد، واحتمال سبب آخر غير وارد؛ لأن الأصل التشريع في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به، ثم إنه لا حاجة إلى أن نقول بتقديم القول إذا تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن، فإذا كان ممكنا وجب العمل بالحديثين جميعا؛ لأنك لو قلت: هذا الفعل لا يخصص ألغيت سنة، ولو قلت: هذا الفعل يخصص إذا كان في البنيان لم تلغ سنة؛ إذن القول الراجح: أن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مخصص لعموم حديث أبي أيوب. انتهى
والله أعلم…