73 جامع الأجوبة الفقهية ص124
بإشراف سعيد الجابري وناصر الريسي وسيف الكعبي
♢-مسألة : يسير النجاسة التي يشق التحرز منها.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
♢-مشاركة مجموعة ناصر الريسي :
مهم : مراجعة مجموع الفتاوى لابن تيمية المجلد 21 /16. لمعرفة تفصيل المسألة..
♢-قلت: وكذلك القواعد النورانية لابن تيمية:
(ج1 ص34 )
♢- قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(.. وأن الكوفيين قد عرف تخفيفهم في العفو عن النجاسة فيعفون من المغلظة: عن قدر الدرهم البغلي ومن المخففة: عن ربع المحل المتنجس. والشافعي بإزائهم في ذلك فلا يعفو عن النجاسات إلا عن أثر الاستنجاء؛ وونيم الذباب ونحوه ولا يعفو عن دم ولا عن غيره إلا عن دم البراغيث ونحوه مع أنه ينجس أرواث البهائم وأبوالها وغير ذلك فقوله في النجاسات نوعا وقدرا أشد أقوال الأئمة الأربعة.
♢-ومالك متوسط في نوع النجاسة وفي قدرها؛ فإنه لا يقول بنجاسة الأرواث والأبوال مما يؤكل لحمه ويعفو عن يسير الدم وغيره. وأحمد كذلك؛ فإنه متوسط في النجاسات فلا ينجس الأرواث والأبوال ويعفو عن اليسير من النجاسات التي يشق الاحتراز عنها حتى إنه في إحدى الروايتين عنه يعفو عن يسير روث البغل والحمار وبول الخفاش؛ وغير ذلك مما يشق الاحتراز عنه بل يعفو في إحدى الروايتين عن اليسير من الروث والبول من كل حيوان طاهر كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى في شرح المذهب وهو مع ذلك يوجب اجتناب النجاسة في الصلاة في الجملة من غير خلاف عنه لم يختلف قوله في ذلك كما اختلف أصحاب مالك.أهـ مجموع الفتاوى (21/16-17)
♢-قلت : اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
♢- الأول : وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة واختياراللجنة الدائمة للإفتاء قالوا: لا يعفى عن شيء من النجاسات إلا يسير الدم والقيح، وبيَّنوا أن الطهارة من النجاسة شرط لصحة الصلاة، لا فرق بين قليل النجاسة وكثيرها إلا في مستثنيات قليلة، بنوا على عدم إمكان الاحتراز عنها، وليس على عموم البلوى، كما يقول الحنفية،
♢-قال ابن قدامة : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْيَسِيرُ مِمَّا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ [أي : يراه الإنسان بعينه] أَوْ لَا يُدْرِكُهُ مِنْ جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ … وَقِيلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ : إنَّ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ مِنْ النَّجَاسَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ؛ لِلْمَشَقَّةِ اللَّاحِقَةِ بِهِ ” انتهى من “المغني” (1/ 46)
♢-قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: النجاسة من غير الدم والقيح والصديد لا يعفى عن كثيرها ولا قليلها.
أما الدم والقيح والصديد فيعفى عن اليسير منها إذا كان خروجاً من غير الفرج ؛ لأن في الاحتراز من قليلها مشقةً وحرجاً ، وقد قال تعالى: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ، وقال: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (5/396) برئاسة الشيخ ابن باز.
♢- الثاني : وهو قول الحنفية واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين، قالوا : يعفو عن يسير جميع النجاسات ، لا فرق في ذلك بين روْث، أو بول، أو دم، أو غير ذلك، وسواء كان لإنسان أو حيوان، مأكول، أو غير مأكول ينظر: الاختيار.(1/31)
♢-قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ ، حَتَّى بَعْر فَأْرَةٍ ، وَنَحْوِهَا فِي الْأَطْعِمَةِ ، وَغَيْرِهَا ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ ، وَلَوْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَةُ طِينِ الشَّارِعِ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ ، .. وَمَا تَطَايَرَ مِنْ غُبَارِ السِّرْجِينِ (هو الروث النجس) وَنَحْوِهِ ، وَلَمْ يُمْكِنْ التَّحَرُّزُ عَنْهُ : عُفِيَ عَنْهُ . انتهى من الفتاوى الكبرى(5/ 313).
وقال الكاساني الحنفي: وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ النَّجَاسَةِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، فَإِنَّ الذُّبَابَ يَقَعْنَ عَلَى النَّجَاسَةِ ، ثُمَّ يَقَعْنَ عَلَى ثِيَابِ الْمُصَلِّي ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَجْنِحَتِهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ نَجَاسَةٌ قَلِيلَةٌ ، فَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ عَفْوًا لَوَقَعَ النَّاسُ فِي الْحَرَجِ . انتهى من بدائع الصنائع. (1/79)
♢-وقال الشيخ ابن عثيمين : والصَّحيح : ما ذهب إِليه أبو حنيفة ، وشيخ الإِسلام … ومن يسير النَّجاسات التي يُعْفَى عنها لمشَقَّةِ التَّحرُّز منه : يسير سَلَسِ البول لمن ابتُلي به ، وتَحفَّظ تحفُّظاً كثيراً قدر استطاعته . انتهى من الشرح الممتع.(1/ 447).
♢- أدلة القول الأول :
♢- الأول : عموم قوله تعالى:
﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر]
♢- الثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : (تنَّزهوا من البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه)
رواه الدارقطني؛ انظر: نيل الأوطار 1/ 93.
♢- أدلة القول الثاني:
♢- الأول : ما رواه مسلم (403) عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ : كَانَ أَبُو مُوسَى يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ ، وَيَبُولُ فِي قَارُورَةٍ [ خوفًا من أن يصيبه شيء من رشاشه ] ، وَيَقُولُ : إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ جِلْدَ أَحَدِهِمْ بَوْلٌ قَرَضَهُ بِالْمَقَارِيضِ .
فَقَالَ حُذَيْفَةُ : لَوَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ لَا يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَمَاشَى ، فَأَتَى سُبَاطَةً خَلْفَ حَائِطٍ ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُ فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ .
قال النووي : مَقْصُود حُذَيْفَة أَنَّ هَذَا التَّشْدِيد خِلَاف السُّنَّة ; فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ قَائِمًا ، وَلَا شَكّ فِي كَوْن الْقَائِم مُعَرَّضًا لِلرَّشِيشِ ، وَلَمْ يَلْتَفِت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الِاحْتِمَال ، وَلَمْ يَتَكَلَّف الْبَوْل فِي قَارُورَة كَمَا فَعَلَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُ انتهى من شرح صحيح مسلم (3/167) .
♢- الثاني: أن هذا مما تعمُّ به البلوى؛ لأن القليلَ من النجاسة مما لا يمكن الاحترازُ عنه، ولذلك نُقِل عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قولُه حين سئل عن القليل من النجاسة في الثوب: إذا كان مثل ظُفري هذا، لا يمنع جواز الصلاة” أنظر: بدائع الصنائع 1/ 80.
وهذا يدل على أن في القليل ضرورة، ومواضع الضرورة مستثناةٌ من مسائل الشرع؛ ولذلك استثني عند المخالفين دمُ البراغيث، وما أخذه الذباب على رِجليه أو أجنحته، ثم وقف به على الثياب أو البدن.
♢- واجيب :
بأن القليل إذا لم يشقَّ الاحتراز عنه فهو كالكثير، يجب التطهُّر منه أنظر: المغني والشرح الكبير 1/ 724.
♢- الثالث: أن الشارع قد عفا عن موضع الاستجمارِ بالحجر، مع قيام الإجماع على أن ذلك لا يُزيل النجاسة، بحيث لو قعد المستجمرُ في ماء قليل، نجَّسه بالإجماع، فهذا دليلٌ من الشارع على أن القليل من النجاسة معفوٌّ عنه.
♢-انظر: شرح العناية مع فتح القدير( 1/ 140)
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
♢-مشاركة سعيد الجابري:
♢-اختلف العلماء فى مقدار رءوس الإبر تتطاير من البول، فقال مالك، والشافعى، وأبو ثور: يغسل قليله وكثيره. وقال إسماعيل بن إسحاق: غسل ذلك عند مالك على سبيل الاستحسان والتنزه.
♢-وقال الكوفيون: ليس مقدار رءوس الإبر بشىء، وسهلوا فى يسير النجاسة. وقال الثورى: كانوا يرخصون فى القليل من البول. وقول حذيفة: تمت ليته أمسك -، يرد عليه تشديده فى البول، وهو حجة لمن رخص فى يسيره، لأن المعهود ممن بال قائما أن يتطاير إليه مثل رءوس الإبر.
وفيه: يسر وسماحة، إذ كان من قبلنا يقرض ما أصاب البول من ثوبه. وحديث حذيفة موافق لمذهب الكوفيين. انتهى شرح صحيح البخاري لابن بطال.
♢-وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فإن جمهور العلماء يعفون عن ظهور يسير العورة وعن يسير النجاسة التي يشق الاحتراز عنها:
♢-مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله.
♢-قال ابن قدامة : وقيل عن الشافعي : إن ما لا يدركه الطرف من النجاسة معفو عنه للمشقة اللاحقة به.
♢-ونص في موضع على أن الذباب إذا وقع على خلاء رقيق، أو بول، ثم وقع على الثوب، غسل موضعه، ونجاسة الذباب مما لا يدركها الطرف؛ ولأن دليل التنجيس لا يفرق بين يسير النجاسة وكثيرها، ولا بين ما يدركه الطرف وما لا يدركه، فالتفريق تحكم بغير دليل، وما ذكروه من المشقة غير صحيح؛ لأننا إنما نحكم بنجاسة ما علمنا وصول النجاسة إليه، ومع العلم لا يفترقان في المشقة، ثم إن المشقة حكمة لا يجوز تعليق الحكم بها بمجردها.
وجعل ما لا يدركه الطرف ضابطا لها غير صحيح، فإن ذلك إنما يعرف بتوقيف، أو اعتبار الشرع له في موضع، ولم يوجد واحد منهما.
(المغني لابن قدامة)
‘—‘—‘—‘—‘—‘—‘—‘
جواب سيف بن دورة الكعبي :
أثر عمر أنه يعفى عن قدر ظفره من النجاسة الذي ذكره الأخوة ذكره الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع والسرخسي والطحاوي ولم نقف له على سند. انتهى من فتوى لبعض اللجان.
وقرر بعض أهل الفتوى أن مقدار يسير النجاسة المعفو عنه هو ما كان يراه أوساط الناس قليل.
فالأصل إذا أصاب ثوب الإنسان نقط البول فإنه يغسل ما أصاب ثوبه منه حتى يغلب على ظنه زواله، وما بقي مما لم يغسله فيكون داخلا في يسير النجاسة المعفو عنه