47 جامع الأجوبة الفقهية ص88-89
بإشراف واختصار سعيد الجابري وسيف بن دورة الكعبي
-بماذا يدبغ جلد الميتة؟ يعني هل يشترط مواد معينة
-هل يطهر جلد الميتة بمجرد الدباغ دون غسله بالماء؟
-حكم بيع جلد الميتة قبل الدباغ، وبعد الدباغ؟
—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-
♢-جواب أحمد بن علي:
قال ابو الحسن الماوردي في الحاوي الكبير:
فصل : بم يكون الدباغ فإذا تقرر أن جلد الميتة نجس وأنه بعد الدباغة طاهر انتقل الكلام فيه إلى ما تكون به الدباغة فقد جاء الخبر بالنص على الشث والقرظ فاختلف الفقهاء فيه فذهب أهل الظاهر إلى أن حكم الدباغة مقصور عليه، وأنه لا يصح إلا به : لأن الدباغة رخصة فاقتضى أن يكون حكمها موقوفا على النص .
وقال أبو حنيفة : المعنى في الشث والقرظ أنه منشف مجفف، فبكل شيء كان فيه تنشيف الجلد وتجفيفه جازت به الدباغة حتى بالشمس والنار، وذهب الشافعي رحمه الله أن المعنى في الشث والقرظ أنه يحدث في الجلد أربعة أوصاف :
أحدها : تنشيف فضوله الطاهرة ورطوبته الباطنة .
والثاني : تطييب ريحه وإزالة ما ظهر عليه من سهوكة ونتن.
والثالث : نقل اسمه من الإهاب إلى الأديم والسبت والدارش.
والرابع : بقاؤه على هذه الأحوال بعد الاستعمال ، فكل شيء أثر في الجلد هذه الأوصاف الأربعة من العفص وقشور الرمان جازت به الدباغة …
واختلف أصحابنا
هل يكون استعمال الماء شرطا في الدباغة فيها ؟
على وجهين :
أحدهما : ليس استعمال الماء شرطا فيها ويجري الاقتصار فيها على مذرورات الدباغة من الأشياء المنشقة ، فإذا دبغ الجلد طهر وجاز استعماله من غير غسل لقوله عليه السلام : أوليس في الشث والقرظ ما يذهب رجسه ونجسه ، فجعل مجرد الشث والقرظ مذهبا لرجسه ونجسه ولأن كل شيء يطهر بانقلابه، فليس لطهارته إلا وجه واحد يطهر به كالخمر إذا انقلب خلا . والوجه الثاني : أن استعمال الماء في الدباغة شرط في صحتها لرواية ميمونة قالت : مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من قريش يجرون شاة لهم مثل الحمار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أخذتم إهابها فقالوا : إنها ميتة . فقال : يطهر الماء والقرظ، فأحال تطهيره على الماء والقرظ …
والوجه الثاني : أنه يستعمل الماء بعد الدباغة ليختص الشث والقرظ بدباغته ويختص الماء بتطهيره ، فيصير بعد الدباغة وقبل الغسل كالثوب النجس يطهر بالغسل .
-هل يطهر جلد الميتة بمجرد الدباغ دون غسله بالماء؟
وقال العمراني في البيان في مذهب الإمام الشافعي:
(…. وإن دبغه بشيء طاهر.. فهل يفتقر إلى غسله بالماء بعد الدباغ؟ فيه وجهان:
أحدهما: قال أبو إسحاق: لا يطهر، حتى يغسل؛ لأن ما يدبغ به.. ينجس بملاقاة الجلد، فإذا زالت نجاسة الجلد.. بقيت نجاسة ما دبغ به، فوجب أن يغسل ليطهر.
والثاني: لا يفتقر إلى غسله؛ لأن طهارته تتعلق بالاستحالة، وقد حصلت، فوجب أن يحكم بطهارته، كالخمر إذا استحالت خلاًّ.
قال ابن الصباغ: والأول أقيس.
فإن دبغ بماء نجس.. فهل يطهر الجلد؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يطهر؛ لأن الطهارة لا تحصل بالنجس، كالطهارة عن الحدث.
والثاني: يطهر. ولم يذكر ابن الصباغ غيره؛ لأنا لو قلنا: لا يطهر، لأدى إلى ألا يكون له سبيل إلى تطهيره؛ لأنه لا يمكن رده غير مدبوغ.
فإذا قلنا بهذا: افتقر إلى غسله بالماء بعد الدباغ وجهًا واحدًا.اهـ
-حكم بيع جلد الميتة قبل الدباغ، وبعد الدباغ؟
قال ابن القيم في زاد المعاد5/671:
وأما الجلد إذا دبغ، فقد صار عيناً طاهرة ينتفع به فى اللبس والفرش، وسائِر وجوه الاستعمال، فلا يمتنع جوازُ بيعه، وقد نص الشافعى فى كتابه القديم على أنه لا يجوز بيعُه، واختلف أصحابُه، فقال القفال: لا يتجه هذا إلا بتقدير قول يُوافق مالكاً فى أنه يطهر ظاهرُه دون باطنه، وقال بعضُهم: لا يجوز بيعُه، وإن طهر ظاهره وباطنه على قوله الجديد، فإنه جزءٌ من الميتة حقيقة، فلا يجوزُ بيعه كعظمها ولحمها. وقال بعضُهم: بل يجوزُ بيعه بعد الدبغ لأنه عين طاهرة يُنتفع بها فجاز بيعها كالمذكَّى، وقال بعضهم: بل هذا ينبنى على أن الدبغ إزالة أو إحالة، فإن قلنا: إحالة، جاز بَيعُه لأنه قد استحال من كونه جزء ميتة إلى عين أخرى، وإن قلنا: إزالة، لم يجزء بيعُه، لأن وصف الميتة هو المحرمُ لبيعه، وذلك باق لم يستحل.
وبنوا على هذا الخلاف جواز أكله، ولهم فيه ثلاثة أوجه…. والقول بجواز أكله باطل… وكون الدبغ إحالة باطل حساً…
وعن مالك في طهارة الجلد المدبوغ روايتان.
إحداهما : يطهر ظاهره وباطنه، وعلى هذه الرواية جوز أصحابه بيعه. والثانية : وهي أشهر الروايتين عنه – أنه يطهر طهارة مخصوصة يجوز معها استعماله في اليابسات، وفي الماء وحده دون سائر المائعات، قال أصحابه : وعلى هذه الرواية لا يجوز بيعه، ولا الصلاة فيه، ولا الصلاة عليه.
وأما مذهب الإمام أحمد : فإنه لا يصح عنده بيع جلد الميتة قبل دبغه. وعنه في جوازه بعد الدبغ روايتان، هكذا أطلقهما الأصحاب، وهما عندي مبنيان على اختلاف الرواية عنه في طهارته بعد الدباغ.
اهـ
—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-
جواب سعيد الجابري :
قال الشيخ عبدالله البسام :
ما دام أن الجلد قد طهر بعد الدبغ،(…. ويجوز لبسه وافتراشه وغير ذلك من الاستعمالات.
كما أنه ذو قيمة مالية، فيجوز التصرف فيه بأنواع التصرفات من بيع وغيره.
ويجوز الدباغ بكل شيء ينشف فضلات الجلد، ويطيبه ويزيل عنه النتن والفساد، سواء كان من القرظ، أو قشور الرمان، أو غيرهما من المنقيات الطاهرات. [توضيح الأحكام]
وقال النووي: ولا يحصل بالتشميس عندنا ، وقال أصحاب أبي حنيفة : يحصل، ولا يحصل عندنا بالتراب والرماد والملح على الأصح في الجميع .
وهل يحصل بالأدوية النجسة… والشب المتنجس؟ فيه وجهان أصحهما عند الأصحاب حصوله،
ويجب غسله بعد الفراغ من الدباغ بلا خلاف،
وهل يجوز بيعه؟ فيه قولان للشافعي أصحهما يجوز.
قلت( سعيد ): يجوز بيع جلد الميتة بعد الدبغ إلا جلد أضحيته كما جاء في الحديث الصحيح: من باع جلد أضحيته فلا أضحية له، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ٦١١٨، وصحيح الترغيب، ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد
وأما استعمال الماء في أثناء الدباغ : جاء في قوله عليه الصلاة والسلام : (دباغها طهورها ) دليل علي عدم وجوب استعمال الماء في أثناء الدباغ وبعده، كما هو أحد قولي الشافعي.
(شرح المشكاة للطيبي)
—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-
♢-جواب سيف بن دورة الكعبي :قال بعض مشايخنا:
قال النووي: يجوز الدباغ بكل شئ ينشف فضلات الجلد ويطيبه، ويمنع ورود الفساد عليه، وذلك كالشَّث والقرظ، وقشور الرمان، وما أشبه ذلك من الأدوية الطاهرة. ولا يحصل بالتشميس عندنا… انتهى
وراجع المغني 1/95
– ولا يشترط غسل الجلد بالماء بعد دبغه ليطهر.
– ويجوز بيعها وشراءها بعد دبغها والصلاة فيها وسائر وجوه الانتفاع وبثمنها، كالجلود المذكاة سواء، وعلى هذا أكثر أهل العلم( قرره ابن عبدالبر )
فكلمة فانتفعوا الواردة في حديث( ألا أخذوا إهابها فانتفعوا ) به عامة
أما بيع الجلد قبل الدباغ فلا يجوز لما أخرجه البخاري ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه( إن الله حَرَّمَ بيع الميتة والخنزير والاصنام).
ونقل ابن المنذر الإجماع على تحريم بيع الميتة والظاهر أنه يحرم بيعها بجميع أجزائها.
تنبيه : الحديث الذي نقله أصحابنا في أجوبتهم( أليس في الشب والقرظ ما يطهرها ) استغربه ابن المنير ثم نقل أن النووي في الخلاصة قال : هو بهذا اللفظ باطل لا أصل له، وقال في شرح المهذب :ليس للشب ذكر في هذا الحديث، وإنما هو من كلام الشافعي وصوب أن الفظ المعروف للحديث( أليس في الماء والقرظ )( البدر المنير )
وحديث( أليس في الماء والقرظ ) أخرجه أبوداود 4120 وغيره وفيه عبدالله بن مالك وأمه مجاهيل، والحديث في الصحيح بغير هذا اللفظ كما في مسلم 364 أن داجنة كانت لبعض نسائه فماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 ألا أخذتم أهابها فاستمتعتم به ) وورد عن ابن عباس كما في الدارقطني من طريق يحيى بن أيوب عن عقيل عن ابن شهاب لكن خالفه سفيان وغيره ويحيى بن أيوب فيه كلام.
وكان سفيان يذكر( ألا دبغتم ) وروايته في مسلم ويصححه البخاري ( تخريجنا لسنن أبي داود )
تنبيه آخر : حديث من باع جلد أضحيته فلا أضحية له فيه عبدالله بن عياش مختلف فيه فضعفه أبوداود والنسائي، قال أبوحاتم صدوق ليس بالمتين، ومسلم إنما أورد له في المتابعات ثم تفرده عن الأعرج يجعل حديثه منكر.
وعبدالله بن عياش صاحب حديث( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ) وابن عبدالهادي في التنقيح رجح انه موقوف 3/564 ، ونقلت في بعض تخاريجي عن باحث : أن أحمد قال : عن حديث( من لم يضح فلا يقربن مصلانا )انه منكر. وأنه وقع سقط في علل الدارقطني فيكون الراجح أنه رجح الموقوف). راجع علل الدارقطني 10/305 مع الحاشية حيث بين المحقق السقط.
كذلك راجع كلام ابن الجوزي :حيث قال : من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا. رواه أحمد في مسنده عنه وقال : هذا حديث منكر، وقال الدارقطني : الأصح وقفه. انتهى تنقيح كتاب التحقيق طبعة دار الوطن للنشر( نسخة إلكترونية )
ولا أدري هل يقصد انه انكره في المسند حيث لم أجد إنكاره في مسنده.
وحكم عليه محققو المسند بالضعف لضعف الراوي واضطرابه 14/24
المهم ثبت انه لا يعطي في جزارتها شيئاً وبه تفتي اللجنة الدائمة وراجع كلام لابن قدامة في المغني، وسيأتي عرض هذه المسألة إن شاء الله.