45 جامع الأجوبة الفقهية ص84
بإشراف واختصار سعيد الجابري وسيف بن دورة الكعبي
—————————
مسألة : استعمال الآنية من نفائس المعادن كالياقوت واللؤلؤ والجواهر في الأكل، والشرب وغيرهما
مسألة : إذا تطهر في آنية الذهب والفضة، هل يصح وضوؤه؟
—-‘—–‘—-‘—-‘—-‘—-
♢-جواب رامي :
- المسألة الأول : في حُكم استعمال الأواني الثَّمينة غير الذَّهب والفضَّة:
يجوز اتِّخاذ الأواني الثَّمينة واستعمالها، ولو في الأكْل والشرب، إذا كانت من غير الذَّهب والفضَّة، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة: الحنفيَّة، والرَّاجح عند المالكيَّة، والأصح عند الشافعيَّة ، وهو مذهب الحنابلة ، وحُكي الإجماع على ذلك .
♢-قلت: (سعيد الجابري) لا يصح الإجماع المزعوم. وتعقبه ابن تيمية في نقد مراتب الإجماع (ص: ٢٨٩) فقال: (الآنية الثمينة التي تكون أغلى من الذهب والفضة – كالياقوت ونحوه – فيها قولان للشافعي. وفي مذهب مالك قولان).
وقال ابن حجر في “الفتح” (١٠/ ٩٨): (يجوز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة ولم يمنعها إلا من شذ..
(تحقيق المطالب بشرح دليل الطالب)
الأدلَّة:
أولا: من الكتاب:
1-عموم قوله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ[الأعراف: 32].
2-وعموم قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا[البقرة: 29].
فالأصلُ في الأشياء، الإباحة.
ثانيا : أنَّ تخصيص النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم المنعَ بالذَّهب والفضَّة يقتضي إباحةَ ما عداهما.
- المسألة الثانية :
♢-اشترك في الجواب صاحبنا سيف بن غدير النعيمي وصاحبنا رامي:
في حُكم الطَّهارة من آنية الذَّهب والفِضَّة:
♢-قالا: تصحُّ الطَّهارة من آنية الذَّهب والفِضَّة مع التَّحريم، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة الأربعة:
الحنفيَّة، والمالكيَّة ، والشافعيَّة، والحنابلة؛ وذلك لأنَّ الإناء في الطَّهارة أجنبيٌّ عنها، فلهذا لم يؤثِّر فيها، فالتَّحريم إذا كان في ركن العبادة وشرطها أثَّر فيها، والإناء هنا منفصلٌ عن العبادة، ليس شرطًا فيها، ولا تتوقَّف صحَّة الوضوء على استعمال الحرام.
———-
♢-المرجع : البحر الرائق وحاشية ابن عابدين. والكافي لابن عبد البَر ومواهب الجليل للحطاب. والحاوي الكبير للماوردي والمجموع للنووي (1/251)
—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-
♢-جواب أحمد بن علي :
- حكم استعمال الأواني الثمينة:
اختلف الفقهاء في حكـم استعمال الأواني الثمينة والنفيسة للرجال والإناث على ثلاثة أقوال ، بيانها كالآتي:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية في الوجه الصحيح عندهم، والحنابلة،والظاهرية إلي إباحة استعمال واتخاذ الآنية النفيسة من غير الذهب والفضة سواء كانت ثمينة كالياقوت والبلور، والعقيق، والصفر المخروط من الزجاج، أو غير ثمينة كالخشب والخزف والجلود .
وإن كان صنعتها غير نفيسة أو كان ذلك من المدر أو ما أشبهه جاز استعمالها واتخاذها ؛ لأنه لا سرف في ذلك.
وذهب الحنابلة إلي أن الأصل الحل فيبقي عليه ، ولا يصح قياسه علي الأثمان لوجهين:
أحدهما: أن هذا لا يعرفه إلا خواص الناس ، فلا تنكسر قلوب الفقراء باستعماله بخلاف الأثمان.
ثانيا: أن هذه الجواهر لقلتها لا يحصل اتخاذ الآنية منها إلا نادرا، فلا تفضي إباحتها إلى اتخاذها واستعمالها.
وتعلق التحريم بالأثمان التي هي واقعة في مظنة الكثرة ، فلم يتجاوزه، كما تعلق حكم التحريم في اللباس بالحرير .
وجاز استعمال القصب من الثياب ، وإن زادت قيمته على الحرير ، ولأنه لو جعل فص خاتمه جوهره ثمينة جاز ، وخاتم الذهب حرام، ولو جعل فصه ذهباً كان حراماً وإن قلت قيمته.
القول الثاني: روي عن ابن عمر أنه كره الوضوء في الصفر والنحاس والرصاص،وما أشبه ذلك.
القول الثالث: قال الشافعي في أحد قوليه : ما كان ثميناً لنفاسة جوهره، فهو محرم.
و يرجع سبب الخلاف إلى العلة في التحريم هل يؤدي إلي الخيلاء وكسر قلوب الفقراء، أم لا ؟
ويتراءي لي – والله أعلم – أن القول الراجح هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من إباحة استعمال واتخاذ الآنية النفيسة من غير الذهب والفضة ؛ لأن علة المحرمية للنقدين مفقودة في الثمن؛ لكونه لا يعرفه إلا خواص الناس، فلا يؤدي إلي الخيلاء وكسر قلوب الفقراء؛ ولأن إباحته لا تفضي إلي استعماله لقلته .
♢-وسئل الشيخ ابن باز: أرى الآن في بعض المنازل من يبنيها بأغلى الأثمان مثل أبواب المنزل (يد الباب من الذهب، بعض نقش اللحام من الذهب عيار 18، وبعض النجف الغالي بحوالي مليون ريال) ، هل هذا حرام مع أنه من ماله وهو مقتدر على ذلك؟
♢-فأجاب: المشروع لكل مسلم هو التوسط في الأمور في البناء والتعمير والفرش وغير ذلك؛ لقول الله سبحانه: { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [ سورة الإسراء : 29] ، وقوله سبحانه: { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [ سورة الفرقان :67]. والأدلة في هذا المعنى كثيرة ولا يجوز استعمال الذهب والفضة في البناء والأبواب ونحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، وقال: إنها للكفار في الدنيا، ولكم – يعني المسلمين في الآخرة .
♢-المرجع: بدائع الصنائع والذخيرة ومواهب الجليل والمجموع شرح المهذب ومغنى المحتاج. وروضة الطالبين. والإقناع في فقه الإمام الشافعي. والمحلي . لابن حزم
والمغني 1/79. ومجموع فتاوى ابن باز10/28.
- -المسألة الثانية: إذا تطهر في آنية الذهب والفضة، هل يصح وضوؤه؟
وقد اختلف القائلون بتحريم استعمال آنية الذهب والفضة: هل تصح الطهارة منها وفيها مع الإثم أم لا؟ على أقوال:
فقيل: تصح الطهارة منها وبها، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية ، والمشهور من مذهب الحنابلة.
♢-قلت :(سعيد الجابري ) بل ذهب الحنفية إلى أبعد من هذا، فقالوا كما في البحر الرائق (٨/ ٢١١): إن الأواني الكبيرة المصوغة من الذهب والفضة لأجل أكل الطعام إنما يحرم استعمالها إذا أكل منها باليد أو الملعقة، وأما إذا أخذ منها، ووضع على موضع مباح، فأكل منه لم يحرم؛ لانتفاء ابتداء الاستعمال منها.
وقيل: لا تصح الطهارة، وهو قول ضعيف في مذهب المالكية، ووجه في مذهب أحمد، ورجحه داود الظاهري، ونُسِبَ هذا القول لابن تيمية، وصححه ابن عقيل من الحنابلة.
♢قلت: (سعيد الجابري ) الذي رجحه ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (١/ ٤٣٨) صحة الطهارة من آنية الذهب والفضة، وقال عن هذا القول بأنه أفقه.
وقيل: يعيد الوضوء في الوقت، ولا يعيد إذا خرج الوقت، وهو قول في مذهب المالكية.
قال ابن تيمية الفتاوى الكبرى (1/438).
: التحريم إذا كان في ركن العبادة وشرطها، أثَّر فيها، كما كان في الصلاة في اللباس أو البقعة، وأما إذا كان في أجنبي عنها، لم يؤثر، والإناء في الطهارة أجنبي عنها؛ فلهذا لم يؤثر فيها، والله أعلم[11].
قال الشافعي في الأم (1/23) : لا أزعم أن الماء الذي شرب ولا الطعام الذي أكل فيها محرم عليه، وكان الفعل من الشرب فيها معصية. فإن قيل: فكيف ينهى عنها ولا يحرم الماء فيها؟ قيل له – إن شاء الله -: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما نهى عن الفعل فيها، لا عن تبرها، وقد فرضت فيها الزكاة، وتمولها المسلمون، ولو كانت نجسًا لم يتمولها أحد، ولم يحل بيعها ولا شراؤها[12].
قلت : والراجح من الخلاف:
من الأدلة أن القول بصحة الطهارة أرجح؛ لقوة أدلته، وأن الصحة والتحريم على القول بتحريم الطهارة من آنية الذهب والفضة غير متلازمين، فقد يحرم الشيء ويصح، وقد يكون محرمًا باطلاً، والنهي لم يكن عائدًا للوضوء، وإنما هو لأمر خارج، والله أعلم.
—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-
♢-جواب سعيد الجابري:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع : : وتصح الطهارة منها»، يعني: تصح الطهارة من آنية الذهب والفضة، فلو جعل إنسان لوضوئه آنية من ذهب، فالطهارة صحيحة، والاستعمال محرم.
(… فالطهارة تصح من آنية الذهب والفضة، وبها، وفيها، وإليها.
منها: بأن يغترف من الآنية.
بها: أي يجعلها آلة يصب بها، أي: يغرف بآنية من ذهب فيصب على رجليه، أو ذراعه.
فيها: بمعنى أن تكون واسعة ينغمس فيها.
إليها: بأن يكون الماء الذي ينزل منه؛ ينزل في إناء من ذهب.
فحروف الجر هنا غيرت المعنى، وهذا دليل على قوة فقه اللغة العربية.
وأما حكم استعمال الآنية من نفائس المعادن كالياقوت واللؤلؤ والجواهر في الأكل، والشرب وغيرهما:
قال ابن قدامة في المغني (١/ ٥٨): (أما سائر الآنية فمباح اتخاذها واستعمالها ، سواء كانت ثمينة ، كالياقوت والبلور والعقيق والصفر والمخروط من الزجاج ، أو غير ثمينة، كالخشب والخزف والجلود. ولا يكره استعمال شيء منها في قول عامة أهل العلم , إلا أنه روي عن ابن عمر أنه كره الوضوء في الصفر والنحاس والرصاص وما أشبه ذلك.
—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-
♢جواب سيف بن دورة الكعبي:
قال الصنعاني في سبل السلام : والأظهر عدم إلحاقه – يعني نفائس الأحجار كالياقوت والجواهر بالذهب والفضة – ، وجوازه على أصل الإباحة لعدم الدليل الناقل عنها. انتهى
لكن لو بلغ حد الإسراف منع كما سبق في مسألة استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب.
- -أما مسألة التطهر في آنية الذهب والفضة فالراجح صحة الوضوء مع الإثم وهو قول الجمهور؛ لأن التحريم ليس عائداً إلى نفس الوضوء.