31 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح
جمع نورس الهاشمي؛؛
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
”””””””””””””””””’
مسند أحمد :
12427 – حدثنا محمد بن بشر, حدثنا سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أنس بن مالك, أن يهوديا سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال السام عليك قال: ” ردوه علي “. قال: ” أقلت: السام عليك؟ ” قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا سلم عليكم أحد من أهـل الكتاب فقولوا: وعليك ”
وكذلك أخرجه أحمد :
12467 – حدثنا يونس, حدثنا أبان, عن قتادة, عن أنس بن مالك قال: بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه, إذ مر بهم يهودي, فسلم عليهم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ردوه “,….
قال محققو المسند :
وأخرجه مختصرا ابن أبي شيبة 8/630, وعنه ابن ماجه (3697) عن محمد بن بشر, بهذا ا?سناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة 8/630, وابن ماجه (3697) , والبزار (2010) , وأبو يعلى (2916) و (3153) , والطبري في “تفسيره” 28/15, وابن حبان (503) من طرق عن سعيد بن أبي عروبة, به.
وأخرجه الترمذي (3301) , وأبو يعلى (3114) , والواحدي في “أسباب النزول” ص275-276 من طريق شيبان بن عبد الرحمن النحوي, عن قتادة, به. وانظر (12141).
فيه زيادة أن الرسول أمر برده وسأله عما قاله
قلت سيف بن دورة الكعبي : على شرط المتمم على الذيل ،،
وكنا وضعناه على شرط الذيل، لكن الزيادة ليس فيها حكم جديد، فالآن نضعه على شرط المتمم.
فالحديث في البخاري ومسلم 2163 وأقرب رواية له في البخاري 6926، وكما قلت أنت: هنا زيادة.
———_
الرد على أهل الذمة بالسلام :
قوله: (فقالوا السام) هو الموت، وقيل: الموت العاجل وجاءت الرواية في الجواب بالواو وحذفها والحذف لرد قولهم عليهم ؛ لأن مرادهم الدعاء على المؤمنين ، فينبغي للمؤمنين رد ذلك الدعاء عليهم ، وأما الواو فإنما ذكرت تشبيها بالجواب والمقصود هو الرد وإما للعطف ، والمراد الإخبار بأن الموت مشترك بين الكل غير مخصوص بأحد فهو رد بوجه آخر وهو أنهم أرادوا بهذا الدعاء إلحاق ضرر مع أنهم مخطئون في هذا الإعتقاد لعموم الموت للكل ولا ضرر بمثله والله تعالى أعلم.
قال الخطابي: رواية سفيان بن عيينة بحذف الواو قال وهو الصواب، لكن قد عرفت توجيه الواو فلا وجه لرده بعد ثبوتها من حيث الرواية. حاشية السندي على ابن ماجه
قال النووي في شرح مسلم أتفق العلماء عن الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم فقط أو عليكم وقد جاءت الأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم، وعليكم بإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات بإثباتها وعلى هذا في معناه وجهان.
أحدهما : أنه على ظاهره فقالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء وكلنا نموت .
والثاني : أن الواو ها هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم. تحفة الاحوذي ( 398- 399).
وذهب جماعة من السلف إلى أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم عليكم السلام كما يرد على المسلم واحتج بعضهم بقوله تعالى( فاصفح عنهم وقل سلام ) وحكاه الماوردي وجها عن بعض الشافعية لكن لا يقول : ورحمة الله.
وقيل : يجوز مطلقا وعن ابن عباس وعلقمة يجوز ذلك عند الضرورة وعن الأوزاعي إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد تركوا وعن طائفة من العلماء لا يرد عليهم السلام أصلا وعن بعضهم التفرقة بين أهل الذمة وأهل الحرب
*والراجح من هذه الأقوال كلها ما دل عليه الحديث ولكنه مختص بأهل الكتاب وقد أخرج أحمد بسند جيد عن حميد بن زادويه وهو غير حميد الطويل في الأصح عن أنس أمرنا أن لا نزيد على أهل الكتاب على وعليكم انتهى
قال العثيمين : فلا يجوز أن تبدأ اليهودي أو النصراني أو المشرك أو الشيوعي بالسلام، لكن إذا سلموا فهل يجب علي أن أرد، أو لا يجب؟ يجب، والدليل: قال تعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } [النساء:86] ما قال الله عز وجل: إذا حيا بعضكم بعضاً، أو إذا حياكم مسلمون، أي إنسان يحييك بتحية فإن من عدالة الإسلام أن ترد عليه: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل:90] ، فإذا قال النصراني: السلام عليك، ماذا تقول؟ عليك السلام، وإذا أدغم اللام، وقال: السام عليك، لا تدري أقال: السلام، أو قال: السام عليك، فعليك أن تقول: وعليك، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا سلموا علينا: وعليكم، وقد علل الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ( إن اليهود كانوا يقولون إذا سلموا عليكم: السام عليكم، فقولوا: وعليكم ) قال أهل العلم: وهذا يدل على أنهم لو قالوا: السلام باللام الواضحة، فإنه يقال: وعليكم السلام، ولا بأس، لعموم قوله تعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } [النساء:86]. ( 3 / 20 ).
مسألة : هل الرد يكون بغير الواو
ونقل بن بطال عن الخطابي نحو ما قال بن حبيب فقال رواية من روى عليكم بغير واو أحسن من الرواية بالواو لأن معناه رددت ما قلتموه عليكم وبالواو يصير المعنى علي وعليكم؛ لأن الواو حرف التشريك انتهى.
وكأنه نقله من معالم السنن للخطابي فإنه قال فيه هكذا يرويه عامة المحدثين وعليكم بالواو وكان بن عيينة يرويه بحذف الواو وهو الصواب وذلك أنه بحذفها يصير قولهم بعينه مردودا عليهم وبالواو يقع الإشتراك والدخول فيما قالوه انتهى وقد رجع الخطابي عن ذلك فقال في الإعلام من شرح البخاري لما تكلم على حديث عائشة المذكور في كتاب الأدب من طريق بن أبي مليكة عنها نحو حديث الباب وزاد في آخره أولم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في قال الخطابي ما ملخصه إن الداعي إذا دعا بشيء ظلما فإن الله لا يستجيب له ولا يجد دعاؤه محلا في المدعو عليه انتهى.
وله شاهد من حديث جابر قال سلم ناس من اليهود على النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا السام عليكم قال وعليكم قالت عائشة وغضبت ألم تسمع ما قالوا قال بلى قد رددت عليهم فنجاب عليهم ولا يجابون فينا أخرجه مسلم والبخاري في الأدب المفرد من طريق بن جريج أخبرني أنه سمع جابرا وقد غفل عن هذه المراجعة من عائشة وجواب النبي صلى الله عليه و سلم لها من أنكر الرواية بالواو وقد تجاسر بعض من أدركناه فقال في الكلام على حديث أنس في هذا الباب الرواية الصحيحة عن مالك بغير واو وكذا رواه بن عيينة وهي أصوب من التي بالواو لأنه بحذفها يرجع الكلام عليهم وبإثباتها يقع الإشتراك انتهى وما أفهمه من تضعيف الرواية بالواو وتخطئتها من حيث المعنى مردود عليه بما تقدم وقال النووي الصواب أن حذف الواو واثباتها ثابتان جائزان وباثباتها أجود ولا مفسدة فيه وعليه أكثر الروايات وفي معناها وجهان أحدهما أنهم قالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت والثاني أن الواو للاستئناف لا للعطف والتشريك والتقدير وعليكم ما تستحقونه من الذم وقال البيضاوي في العطف شيء مقدر والتقدير وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقون وليس هو عطفا على عليكم في كلامهم وقال القرطبي قيل الواو للإستئناف وقيل زائدة وأولى الأجوبة أنا نجاب عليهم ولا يجابون علينا وحكى بن دقيق العيد عن بن رشد تفصيلا يجمع الروايتين اثبات الواو وحذفها فقال من تحقق أنه قال السام أو السلام بكسر السين فليرد عليه بحذف الواو ومن لم يتحقق منه فليرد بإثبات الواو فيجتمع من مجموع كلام العلماء في ذلك ستة أقوال. وقال النووي : تبعا لعياض من فسر السام بالموت فلا يبعد ثبوت الواو ومن فسرها بالسآمة فإسقاطها هو الوجه قلت بل الرواية بإثبات الواو ثابتة وهي ترجح التفسير بالموت وهو أولى من تغليط الثقة واستدل بقوله إذا سلم عليكم أهل الكتاب بأنه لا يشرع للمسلم ابتداء الكافر بالسلام حكاه الباجي عن عبد الوهاب. قال الباجي : لأنه بين حكم الرد ولم يذكر حكم الإبتداء كذا قال . ونقل ابن العربي عن مالك لو ابتدأ شخصا بالسلام وهو يظنه مسلما فبان كافرا كان ابن عمر يسترد منه سلامه وقال مالك :لا.
قال ابن العربي لأن الاسترداد حينئذ لا فائدة له؛ لأنه لم يحصل له منه شيء لكونه قصد السلام على المسلم. وقال غيره له فائده وهو إعلام الكافر بأنه ليس أهلا للابتداء بالسلام قلت : ويتأكد إذا كان هناك من يخشى إنكاره لذلك أو اقتداؤه به إذا كان الذي سلم ممن يقتدى به واستدل به على أن هذا الرد خاص بالكفار فلا يجزئ في الرد على المسلم. وقيل : إن أجاب بالواو أجزأ وإلا فلا، وقال ابن دقيق العيد : التحقيق أنه كاف في حصول معنى السلام لا في امتثال الأمر في قوله 🙁 فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وكأنه أراد الذي بغير واو وأما الذي بالواو فقد ورد في عدة أحاديث منها في الطبراني عن ابن عباس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال سلام عليكم فقال وعليك ورحمة الله وله في الأوسط عن سلمان أتى رجل فقال السلام عليك يا رسول الله فقال وعليك
قلت ( ابن حجر ) لكن لما اشتهرت هذه الصيغة للرد على غير المسلم ينبغي ترك جواب المسلم بها وإن كانت مجزئة في أصل الرد والله أعلم. الفتح ( 11 / 45 – 46 ).
قال الصنعاني : وإلى هذه الرواية بإثبات الواو ذهب طائفة من العلماء، واختار بعضهم حذف الواو لئلا يقتضي التشريك وقد قدمنا ذلك وما ثبت به النص أولى بالاتباع. سبل السلام ( 2/ 621 ).
32 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند مسند أحمد؛؛
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
””””””””””””
12509 – حدثنا إسحاق بن عيسى، قال: أخبرني مالك، عن العلاء قال: دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهر، فقام يصلي العصر، فلما فرغ من صلاته، تذاكرنا تعجيل الصلاة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ” تلك صلاة المنافقين، ثلاث مرات، يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس، وكانت بين قرني شيطان، قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا ”
قلت سيف بن دورة الكعبي :
على شرط الذيل على الصحيح المسند
هو في مسلم 622
لكن هنا زيادة (ثلاث مرات) و (اصفرت الشمس).
———_-
(تلك صلاة المنافقين) قال ابن الملك إشارة إلى مذكور حكما أي صلاة العصر التي أخرت إلى الإصفرار ، (فكانت) الشمس (بين قرني شيطان) أي قريبا من الغروب. قال الخطابي : اختلفوا في تأويله على وجوه فقال قائل : معناه مقارنة الشيطان الشمس عند دنوها للغروب على معنى ما روي أن الشيطان يقارنها إذا طلعت، فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها ، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها فحُرِّمَت الصلاة في هذه الأوقات لذلك، وقيل : معنى قَرن الشيطان : قوته، من قولك : أنا مقرن لهذا الأمر، أي مطيق له قوي عليه، قال الله تعالى 🙁 وما كنا له مقرنين) أي مطيقين وذلك أن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات؛ لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات الثلاثة.
وقيل : قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس، يقال : هؤلاء قرن أي شيوخا جاؤوا بعد قرن مضوا.
وقيل : إن هذا تمثيل وتشبيه، وذلك أن تأخير الصلاة إنما هو من تسويل الشيطان لهم وتسويفه وتزيينه ذلك في قلوبهم وذوات القرون؛ إنما تعالج الأشياء وتدفعها بقرونها، فكأنهم لما دفعوا الصلاة وأخروها عن أوقاتها بتسويل الشيطان لهم حتى اصفرت الشمس صار ذلك منه بمنزلة ما تعالجه ذوات القرون وتدافعه بأرواقها والله أعلم
وفيه خامس قاله بعض أهل العلم
وهو أن الشيطان يقابل الشمس حين طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار عبادة له انتهى كلام الخطابي
وهذا الوجه الخامس رجحه شيخنا العلامة الدهلوي (قام) أي إلى الصلاة فنقر (أربعا) أي لقط أربع ركعات وهذا عبارة عن سرعة أداء الصلاة وقلة القرآن والذكر فيها.
قال القارىء فنقر من نقر الطائر الحبة نقرا أي التقطها وتخصيص الأربع بالنقر وفي العصر ثماني سجدات اعتبارا بالركعات وإنما خص العصر. بالذكر؛ لأنها الصلاة الوسطى، وقيل : إنما خصها؛ لأنها تأتي في وقت تعب الناس من مقاساة أعمالهم. انتهى عون المعبود و حاشية ابن القيم (2 / 60 ).
قال ابن عبد البر : وأما قوله في صلاة المنافقين إنها كانت عند اصفرار الشمس فذلك ذم منه لمن أخر صلاته ذاكراً إلى ذلك الوقت، وتحذيرٌ من التشبه بأفعال المنافقين الذين كانوا لا يأتون الصلاة إلا كسالى.
قال ابن عبدالبر بعد ذلك : وليس يقال : لمن نام فلم ينتبه أو نسي فلم يذكر إلا في ذلك الوقت أنه تحراه وقصده والنهي إنما توجه في هذا الحديث إلى من تحرى ذلك وليس النائم والناسي بمتحر لذلك فلا حجة على مالك والشافعي في هذا الحديث لإجازتهم للنائم والناسي أن يصليا فرضهما في ذلك الوقت كما زعم الكوفيون. انتهى من الاستذكار ( 1/ 111، 113).
قال العيني : قوله: ” فنقَرَ أربعا ” أي: أَربع ركعات، ونقَر من نقر الديك أو الغراب، وهو كناية عن تخفيفها جدا بحيث لا يمكثُ فيها إلا قدر وضع الديك أو الغراب منقاره فيما يُريد أكله.
قوله: ” لا يذكر الله فيها إلا قليلا ” صفة لقوله: ” أربعَا “؛ وذلك لاستعجاله فيها خوفا من غروب الشمس، لا يقدر أن يأتي بالقراءة كما ينبغي، ولا بالتسبيحات والأدعية على صفتها، وانتصابُ ” قليلاَ ” على أنه صفة لمصدر محذوف والتقدير: لا يَذكر الله فيها إلا ذكرا قليلا. وفيه – أيضا- ذم صريح لمن يخفّف في الصلاة غايةَ بحيث أنه يؤدي إلى ترك الواجبات. شرح ابي داود ( 2 / 287 ).
وقال الطيبي: إشارة إلى ما في الذهن من الصلاة المخصوصة، والخبر بيان لما في الذهن.
وفي رواية أبي داود “تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين”. بالتكرار ثلاث مرات، مبالغةً في ذم من يؤخر الصلاة إلى هذا الوقت بدون عذر.
ثم إن المنافق إما محمول على حقيقته بأن يكون بيانًا لصلاته، أو يكون تغليظًا، يعني أن من أخر صلاة العصر إلى قبيل الغروب، فقد شبه نفسه بالمنافق، فإن المنافق لا يعتقد حقية الصلاة، بل إنما يصلي لدفع السيف عن نفسه، ولا يبالي بالتأخير، إذ لا يطلب فضيلة، ولا ثوابًا، والواجب على المسلم أن يخالف المنافق. انتهى “مرعاة” جـ 2 ص 302.
قال النووي : قال بعضهم المراد بالقبر صلاة الجنازة وهذا ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر وهي صلاة المنافقين قال : فأما إذا وقع الدفن بلا تعمد في هذه الأوقات فلا يكره انتهى .
وهو اختيار ابن تيمية في الاختيارات الفقهية .
وجاء النهي فيمن تعمد تأخير الصلاة الى وقت اصفرار الشمس ، روى عقبة بن عامر يقول: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن نصلى فيها أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب) .
” ألا أخبركم بصلاة المنافق ؟ أن يؤخر العصر حتى إذا كانت الشمس كثرب البقرة
صلاها ” .
قال الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” 4 / 326 :
أخرجه الدارقطني في ” سننه ” ( ص 94 ) و الحاكم ( 1 / 195 ) من طريق عبد السلام
ابن عبد الحميد حدثنا موسى بن أعين عن أبي النجاشي قال : سمعت رافع بن خديج
يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . (ثرب البقر ) أي إذا تفرقت و خصت موضعا دون موضع عند المغيب . شبهها بـ (
الثرب ) مفرد ( الأثرب ) و هي الشحم الرقيق الذي يغشى الكرش و الأمعاء .
و هذا جمع القلة ، و جمع الجمع ( الأثارب ) كما في ” النهاية ” .
قال أبو محمد: قد بينا قبل أن الصلاة المنهى عنها في هذه الاوقات إنما هي التطوع المتعمد ابتداؤه قصد إليه، وكذلك كل صلاة فرض مقضية تعمد تركها إلى ذلك الوقت وهو يذكرها فقط، لا كل صلاة مأمور بها أو مندوب إليها. المحلى ( 5 / 115 ).
قال العباد وأما التأخير إلى أن يخرج الوقت الاختياري ويبدأ الوقت الاضطراري الذي هو عند اصفرار الشمس فقال عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تلك صلاة المنافقين) يعني: الذين يفرطون ويقصرون ويخرجون الصلاة عن وقتها، فإذا اصفرت الشمس وكانت قريبة من الغروب قام الواحد منهم ونقر صلاة العصر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً.
قوله: (يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان).
فسر هذا بأن الشيطان يكون عند غروبها مقارناً لها؛ ليكون سجود من يسجد لها له، ومن المعلوم أن من يعبد غير الله إنما يعبد الشيطان، وعبادته عبادة لغير الله عز وجل، والذين يعبدون الشمس هم يعبدون غير الله، ولكنه يريد من الذين يسجدون للشمس أن يكون سجودهم له، ولهذا جاء النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند قيامها في الظهيرة وعند غروبها، وذلك لأنها تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان، ففسر ذلك بهذا، وفسر بغير هذا أيضاً. شرح سنن ابي داود.
الخلاصة :
1 – لا يجوز تأخير صلاة العصر الى اصفرار الشمس ، و قد يقع تساهل من الرجال و النساء في تأخير صلاة العصر و خاصة من كان موظفا فينام من غير اتخاذ الوسائل في إيقاظه ،فيقع في النهي .
2 – النهي لا يقع على النائم و لا الناسي و إنما يقع في النهي فيمن تحرى و تعمد ذلك و أخرها إلى الغروب .
3 – فيه المحافظة على الصلوات و المبادرة في أول وقتها
4 – جاء الذم و الوعيد فيمن ترك صلاة العصر ، قال ابن بطال رحمه الله : ” باب من ترك العصر ، وفيه : بُرَيْدَةَ : أنه قَالَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ : ( بَكِّرُوا بِصَلاةِ الْعَصْرِ ، فَإِنَّ نَّبِيَّ الله قَالَ : مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) . قال المهلب : معناه من تركها مضيعًا لها ، متهاونًا بفضل وقتها مع قدرته على أدائها ، فحبط عمله فى الصلاة خاصة ، أى لا يحصل على أجر المصلى فى وقتها ، ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة ” انتهى من “شرح صحيح البخاري لابن بطال” (2/176).
قال ابن القيم :
والذي يظهر في الحديث والله أعلم بمراد رسوله : أن الترك نوعان : ترك كلي لا يصليها أبداً ، فهذا يحبط العمل جميعه ، وترك معين في يوم معين ، فهذا يحبط عمل ذلك اليوم ؛ فالحبوط العام في مقابلة الترك العام , والحبوط المعين في مقابلة الترك المعين ” انتهى من ” الصلاة وأحكام تاركها” (ص/65).
5 – الصلاة الوسطى هي صلاة العصر على الأرجح كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” تفويت العصر أعظم من تفويت غيرها ، فإنها الصلاة الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها ، وهى التي فرضت على من كان قبلنا ، فضيعوها ” انتهى من “مجموع فتاوى شيخ الإسلام” (22/54).
6 – الحذر من التشبه بصفات صلاة المنافقين ، قال ابن القيم : فهذه ست صفات في الصلاة من علامات النفاق: الكسل عند القيام إليها, ومراءاة الناس في فعلها, وتأخيرها, ونقرها, وقلة ذكر الله فيها, والتخلف عن جماعتها.( الصلاة و أحكام تاركها) ( 123 ).
33 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند مسند أحمد؛؛
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
””””””””””””
مسند أحمد :
14119 – حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي كرب، عن جابر بن عبد الله، قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة، فلما جعل منبر، حنت حنين الناقة إلى ولدها، فأتاها فوضع يده عليها، فسكنت ”
قلت سيف بن دورة الكعبي :
هو على شرط المتمم على الذيل من أجل الاختلاف في إسرائيل هل سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط وثبته آخرون
حديث حنين الجذع متواتر وفي البخاري 918 من حديث جابر ( …. مثل أصوات العشار)
——-
قال ابن تيمية في المجموع ( ج ١٨ / ٩٧ ) :
وكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال: يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله شوقا إليه لمكانه من الله عز وجل فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه} .
قال ابن الملقن في التوضيح ( ج ٧ / ٥٣٢ )؛
وفيه علم عظيم من أعلام نبوته، ودليل على صحة رسالته، وهو حنين الجماد، وذلك بأن الله تعالى جعل للجذع حياة حيى بها، وهذا من باب الأفضال من الرب الذي يحي الموتى بقوله: كن.
و جاء في عمدة القاري ( ج ٦ / ٢١٧ ) : وفيه: الرد على القدرية، لأن الصياح ضرب من الكلام وهم لا يجوزون الكلام إلا ممن له فم ولسان.
قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث دلالة على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكا كالحيوان بل كأشرف الحيوان.
فتح الباري 8/504
مسألة : هل تشترط أو تجب الخطبة بأن تكون على المنبر ؟
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
” ويستحب أن يصعد للخطبة على منبر ليسمع الناس … وليس ذلك واجبا، فلو خطب على الأرض ، أو على ربوة ، أو وسادة ، أو على راحلته ، أو غير ذلك ، جاز؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان قبل أن يصنع المنبر يقوم على الأرض ” .
انتهى من ” المغني ” ( 3 / 160 – 161 ) .
قال النووي في المجموع ( ج ٤ / ٥٢٧):
أجمع العلماء على أنه يستحب كون الخطبة على منبر للأحاديث الصحيحة التي أشرنا إليها ولأنه أبلغ في الإعلام ولأن الناس إذا شاهدوا الخطيب كان أبلغ في وعظهم قال أصحابنا وغيرهم ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب أي على يمين الإمام إذا قام في المحراب مستقبل القبلة وهكذا العادة قال أصحابنا ويستحب أن يقف على يمين المنبر قال أصحابنا فإن لم يكن منبر استحب أن يقف على موضع عال وإلا فإلى خشبة ونحوها للحديث المشهور في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ” كان يخطب إلى جذع قبل اتخاذ المنبر .
—-
مشاركة رامي :
ومن دلائل النبوة التي أيد الله بها رسوله صلى ألله عليه وسلم من نطق و تحرك الجماد و النبات تجد الكثير من الأحاديث التي ذكر فيها آيات أيد الله بها رسوله صلى الله عليه و سلم .
منها :
روى الإمام أحمد في مسنده:
12112 – عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزينا، قد خضب بالدماء ضربه بعض أهل مكة قال: فقال له: ما لك؟ قال: فقال له: ” فعل بي هؤلاء وفعلوا “، قال: فقال له جبريل عليه السلام: أتحب أن أريك آية؟ قال: ” نعم “، قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، فقال: ادع بتلك الشجرة، فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، فقال: مرها فلترجع، فأمرها فرجعت إلى مكانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” حسبي ” .
قال محققو المسند :
إسناده قوي على شرط مسلم
و روى أيضا الإمام أحمد في مسنده قال رحمه الله تعالى :
عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن “.
و في واقعة أخرى عند مسلم في صحيحه :
عن جابر قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فلم ير شيئا يستتر به وإذا شجرتين بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما قال التئما علي بإذن الله فالتأمتا فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا وإذا الشجرتين قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق.
و أيضا ورد حديث بقصة أخرى :
عن ابن عمر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله قال ومن يشهد على ما تقول؟ قال: «هذه السلمة» فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بشاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت ثلاثا أنه كما قال ثم رجعت إلى منبتها.
رواه الدارمي
وهو في مشكاة المصابيح و قال الألباني (صحيح).
و غيرها من الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم.
34 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والمدارسة والإستفادة
————-
12963 قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبدالله حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت صلاة الغداة فصلى حين طلع الفجر، ثم أسفر فقال أين السائل عن وقت صلاة الغداة قال ما بين هذين وقت.
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي :
قلنا :وأخرجه أحمد أيضا 12119، والنسائي، والسراج في حديثه من طريق إسماعيل، و12875 من طريق يحيى، وابن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي خالد، والبزار من طريق خالد بن الحارث، وأبو يعلى في مسنده والسراج في حديثه من طريق معتمر، وأيضا هو والسراج من طريق يزيد بن هارون، وابن المنذر في الأوسط من طريق أنس بن عياض كلهم عن حميد عن أنس به.
قال الضياء في المختارة رواه جماعة عن حميد، قلت كأنه متواتر عنه رجاله رجال الشيخين.
يبقى الكلام في عنعنة حميد، وأظن الشيخ سيف قال نضعه في المتمم إذا لم أكن مخطئا
الجواب سيف بن دورة الكعبي : على شرط المتمم على الذيل
فقد ذكر شعبة أن حميد لم يسمع من أنس الا أربعة وعشرين حديثا لكن لا بأس نضعه على المتمم على الذيل لأن بقيت الأحاديث سمعها من ثابت أو ثبته فيها ثابت وراجع اتحاف الخليل ترجمة حميد وأيضاً راجع تهذيب التهذيب.
وورد في الصحيح المسند 1287 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
—–_
مشاركة نورس الهاشمي:
وقت صلاة الغداة :
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد :
الحديث يبين أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر ممتد الى آخر الإسفار ، و الصلاة بين هذين الوقتين صحيحه ، و لا يفهم من ذلك التفريط في مبادرتها في أول الوقت ، أو التساهل في تأخيرها و ترك الجماعة ، فليس هذا المقصود، و إنما المراد المبادرة في أول وقتها ويمتد الى الإسفار ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كانت قراءته بين الستين الى المئة .
قال أبو عمر: وفي هذا الحديث أيضا أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر وإن وقتها ممدود إلى آخر الإسفار حتى تطلع الشمس . التمهيد ( 4 / 334)
قال ابن المنذر في الأوسط ( ج ٢ / ٣٤٧ – ٣٤٨) : وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من صلى الصبح بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس فقد صلاها في وقتها .
قال ابن رجب في الفتح ( 3/ 237 – 238 ): قال أبو نعيم : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن خرشة بن الحر ، قال : كان عمر يغلس بالفجر وينور .
وحدثنا سيف بن هارون ، عن عبد الملك بن سلع ، عن عبد خير ، قال : كان علي ينور بها أحياناً ، ويغلس بها أحياناً .
وفعل هؤلاء يحتمل أمرين :
أحدهما : أن يكون ذلك على حسب مراعاة حال المأمومين في تقديمهم وتأخيرهم ، وقد روي هذا صريحاً عن عمر .
والثاني : أن يكون التقديم والتأخير عندهم سواء في الفضل .
قال ابن عبد البر : ذهب طائفة إلى أن أول الوقت وآخره سواء في الفضل ؛ لقوله : ( ما بين هذين وقت ) .
قال : ومال إلى ذلك بعض أصحاب مالك ، وذهب إليه أهل الظاهر ، وخالفهم جمهور العلماء . انتهى
قال ابن عبد البر في التمهيد ( ج ٤ / ٣٣٣) : والله أعلم وفي هذا الحديث من الفقه تأخير البيان عن وقت السؤال إلى وقت آخر يجب فيه فعل( ذلك إذا كان لعلة جائز عند أكثر أهل العلم) وأما تأخير البيان عن حين تكليف الفعل والعمل حتى ينقضي وقته فغير جائز عند الجميع.
وأخذ أهل العلم من الحديث مسألتين
الأولى : أيهما أفضل الصلاة في التغليس أم الإسفار؟
الثانية: الجماعة تدرك بركعة ؟
أما الكلام عن المسألة الأولى :
وقد اختلف العلماء في وقت الفجر المختار، فذهب أبوحنيفة وسفيان بن سعيد وأكثر العراقيين: إلى أنّ الإسفار أفضل، قالوا: وهو قوة الضوء، قال في المحيط: إذا كانت السماء مصحبة بالإسفار أفضل إلا للحاج
فالمراد لغة ، فهناك التغليس أفضل، وفي المبسوط: الإسفار بالفجر أفضل من
التغليس في الأوقات كلّها، قال الطحاوي: إن كان من غرمه التطويل شرع
بالتغليس ليخرج في الإسفار، قال: وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه، قال:
وحديث الإسفار ناسخ لحديث التغليس،/
وقال الدبوسي: لا يدع التأخّر لمن
ينام في بيته بعد الفجر، بل يحضر المسجد لأوّل الوقت، ثم ينتظر الصلاة
ليكون له ثواب المصلى بانتظارها، ويكف عن الكلام بالكينونة في المسجد، ثم
يصلى لآخر الوقت، ولو صلى لأوّل الوقت قبل ما يمكنه المكث والمقام إلى
طلوع الشّمس، بل ينتشر بعد الفراغ لحديث الدنيا، وذهب الشافعي وأحمد
وإسحاق والليث والأوزاعي وأبو ثور وداود ومالك في الصحيح عنه: إلى أن التغليس أفضل، قال ابن المنذر: وقد روينا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
وأبي موسى وابن الزبير وابن عمر، وأبي هريرة أخبارا تدل على أنّ التغليس
بالصلاة أفضل من تأخيرها انتهى. قد ذكرنا عن علي ما يخالف هذا وكذلك
عن عمر بن الخطاب، وأما آخر وقتها، فمذهب الجمهور: أنه طلوع الشمس،
قال القرطبي: وهو المشهور من مذهب مالك، قال: وعلى هذا لا يكون لهما
عنده وقت ضرورة ولا يؤثم تارك الصلاة إلى ذلك الوقت تعمدا، وروى ابن
القاسم وابن عبد الحكم عنه أنّ أخر وقتها الإسفار الأعلى، فعلى هذا يكون ما
بعد الإسفار وقت لأصحاب الأعذار، ويؤثم من أخرّ إلى ذلك الوقت وعن
أبي سعيد الإصطخري: من صلاها بعد الإسفار الشديد كان قاضيا لا مؤديا
وإن لم تطلع الشمس، ومن الاشراف أجمع أهل العلم على أنّ: مصلى الصبح
بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس أنه مصليها في وقتها، وقال في الإقناع:
أوّل وقت صلاة الصبح: طلوع الفجر الثانى المعترض المتطير، وآخر وقتها لغير
المعذور: الإسفار انتهى كلامه، وفيه نظر؛ من حيث جعله في الأوّل وقتا مطلقا
لغير المعذور، وللمعذور في الثانى قدّم بالمعذور/وجعله إجماعا، وقد ذكرنا قبل
أن الإجماع والله تعالى أعلم .شرح ابن ماجه لمغلطاي ( 969 – 970 ).انتهى
قلت: فمن فقال بالإسفار ، استدل بالحديث عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم لأجر. خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، قال ابن عبدالبر: وهذا أحسن أسانيد هذا الحديث .
و من فضل بالتغليس ، والحجة لهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح فينصرف النساء (متلففات بمروطهن) ما يعرفن من الغلس وأنه صلى الله عليه وسلم لم يزل يغلس بالصبح إلى أن توفي صلوات الله عليه.
قال أبو عمر صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون ومحال أن يتركوا الأفضل ويأتوا الدون وهم النهاية في إتيان الفضائل . التمهيد ( 4/ 340 ) .
قال النووي رحمه الله تعالى: لصلاة الصبح اسمان: الفجر، والصبح، جاء القرآن بالفجر، والسنة بالفجر والصبح، قال الشافعي رحمه الله في الأم: أحب أن لا تُسَمَّى إلا بأحد هذين الاسمين، ولا أحب أن تسمى الغداة، هذا نص الشافعي، وكذا قال المحققون من أصحابنا، فقالوا: يستحب تسميتها صبحًا وفجرًا، ولا يستحب تسميتها غداةً، ولم يقولوا: تكره تسميتها غداة، وقول صاحب المهذب، وشيخه أبي الطيب: “يكره أن تسمى غداة” غريب ضعيف، لا دليل له، وما استدل به؛ من أن الله تعالى سماها بالفجر، وسماها النبي – صلى الله عليه وسلم – الصبح، لا يدل على الكراهة، لأن المكروه ما ثبت فيه نهي غير جازم، ولم يَرِدْ في الغداة نهي، بل اشتهر استعمال لفظ الغداة فيها في الحديث وفي كلام الصحابة رضي الله عنهم من غير معارض، فالصواب أنه لا يكره، لكن الأفضل الفجر، والصبح. والله أعلم. انتهى “المجموع” جـ 3 ص 46.
وسئل ابن تيمية :
هل التغليس أفضل أم الإسفار ؟ .
فأجاب :
الحمد لله ، بل التغليس أفضل إذا لم يكن ثم سبب يقتضي التأخير فإن الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين أنه كان يغلس بصلاة الفجر كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : { لقد كان رسول صلى الله عليه وسلم الله يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس } والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في مسجده قناديل كما في الصحيحين عن أبي برزة الأسلمي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بما بين الستين آية إلى المائة وينصرف منها حين يعرف الرجل جليسه …
وبهذا تتفق معاني أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا أخرها لسبب يقتضي التأخير مثل المتيمم عادته إنما يؤخرها ليصلي آخر الوقت بوضوء والمنفرد يؤخرها حتى يصلي آخر الوقت في جماعة أو أن يقدر على الصلاة آخر الوقت قائما وفي أول الوقت لا يقدر إلا قاعدا ونحو ذلك مما يكون فيه فضيلة تزيد على الصلاة في أول الوقت فالتأخير لذلك أفضل والله أعلم . المجموع ( 22 / 97 – 98 ) بتصرف
“. قال الألباني : وهو من أدلة القائلين بأن الوقت الأفضل لصلاة الفجر إنما هو الغلس وعليه جرى الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته كما ثبت في الأحاديث الصحيحة وإنما يستحب الخروج منها في الإسفار وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ” أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر “. ” السلسلة الصحيحة ” (ج ٣ / ١٠٩(
وسئل فضيلة العلامة العثيمين : أيهما أفضل تعجيل الفجر أم تأخيرها؟
فأجاب بقوله: تعجيلها أفضل لقوله تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات) وهذا يحصل بالمبادرة بفعل الطاعة، ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعجل بصلاة الفجر ويصليها بغلس وينصرف منها حين يعرف الرجل جليسه وكان يقرأ بالستين إلى المئة ، وقراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتلة يقف عند كل آية مع الركوع والسجود وبقية أفعال الصلاة فدل ذلك على أنه كان يبادر بها جدا.
فإن قيل: جاء في الحديث: ” أسفروا بالفجر فإنه أعظم لأجوركم ”
فالجواب: أن المراد لا تتعجلوا بها حتى يتبين لكم الإسفار وتتحققوا منه، وبهذا نجمع بين هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراتب الذي كان لا يدعه وهو التغليس بالفجر وبين هذا الحديث والله أعلم. المجموع ( 12 / 210 – 211).
قال الشيخ البسام :
وأجابوا عن حديث ” أسفروا بالفجر … إلخ ” بأجوبة كثيرة، وأحسنها جوابان:
1-. فإما أن يراد بالأمر بالإسفار تحقق طلوع الفجر حتى لا يتعجلوا، فيوقعونها في أعقاب الليل، ويكون ” أفعل التفضيل ” الذي هو ” أعظم ” جاء على غير بابه، وهو يأتي لغير التفضيل كثيراً.
2- وإما أن يراد بالإسفار إطالة القراءة في الصلاة، فإنها مستحبة، وبإطالة القراءة، لا يفرغون من الصلاة، إلا وقت الإسفار. تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ، ( 87 ).
قال العباد شرح سنن ابي داود : يعني أنه كان يحافظ على الصلاة في أول وقتها ولم يعد إلى الإسفار، وإنما فعله في بعض الأحيان لبيان الجواز ولبيان أن ذلك سائغ، ولكن الذي داوم عليه والمعروف من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصليها بغلس.
مسألة : الجماعة تدرك بركعة كاملة
فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة} فهذا نص عام في جميع صور إدراك ركعة من الصلاة، سواء كان إدراك جماعة أو إدراك الوقت.
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر}. وهذا نص في ركعة في الوقت. قاله ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ( 2 / 281) . انتهى
قلت : و في هذا الحديث رد على من يقول من ادرك جزء من الركعة فقد ادرك الصلاة ، واستدلوا من أدرك سجدة ..
قال ابن ابن تيمية ( الفتاوى الكبرى ) : وقد عارض هذا بعضهم بأن في بعض الطرق: {من أدرك سجدة} وظنوا أن هذا يتناول ما إذا أدرك السجدة الأولى، وهذا باطل فإن المراد بالسجدة الركعة، كما في حديث {ابن عمر: حفظت عن رسول الله سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعدها وسجدتين بعد المغرب} إلى آخره.
وفي اللفظ المشهور”ركعتين”وكما روي: {أنه كان يصلي بعد الوتر سجدتين} وهما ركعتان، كما جاء ذلك مفسرا في الحديث الصحيح.
ومن سجد الوتر سجدتين مجردتين عملا بهذا فهو غالط باتفاق الأئمة.
قال ابن منذر في الأوسط ( ج ٢ / ٣٤٧ – ٣٤٨) :
واختلفوا فيمن أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس؛ ففي قول مالك والشافعي , وأحمد بن حنبل , وإسحاق بن راهويه يضيف إليها أخرى ولم تفته الصلاة , واحتجوا بحديث أبي هريرة ٩٨١ – حدثنا الربيع، قال: أنا الشافعي، قال: أنا مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، وعن بسر بن سعيد، وعن الأعرج، يحدثونه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» . وكان أبو ثور يقول: إنما ذلك لمن نام أو نسيها حتى صلى في ذلك الوقت , فكان هذا عذرا , فلو عهد ذلك رجل لكان مخطئا مذموما , عند أهل العلم بتفريطه في الصلاة , فأما أصحاب الرأي فإنهم فرقوا بين من طلعت الشمس وقد بقي عليه من الصبح ركعة وبين من غربت الشمس وقد بقيت عليه من العصر ركعة , فأفسدوا صلاة من طلعت الشمس وقد بقي عليه من الصبح ركعة. قالوا: عليه أن يستقبل الفجر إذا ارتفعت الشمس , فإن نسي العصر , فذكرها حين احمرت الشمس , فصلى ركعة أو ركعتين , ثم غربت الشمس. قالوا: يتم على صلاته , فيصلي [ص: ٣٤٩] ما بقي؛ قالوا: لأن الذي صلى الفجر , فطلعت له الشمس وهو في الصلاة فسدت عليه صلاته؛ لأنه ليست بساعة يصلى فيها , والذي غربت له الشمس وقد صلى ركعة أو ركعتين فقد دخل في وقت الصلاة , والصلاة لا تكره تلك الساعة , فعليه أن يتم ما بقي منها قال أبو بكر: قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس مدركا للصلاتين , وجمع بينهما , فلا معنى لتفريق من فرق شيئين جمعت السنة بينهما , ولو جاز أن تفسد صلاة من جاء إلى وقت لا تحل الصلاة فيه ألزم أن تفسد صلاة من ابتدأها في وقت لا تجوز الصلاة فيها , وليس فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التسليم له , وترك أن يحمل على القياس والنظر.
قال عبد الله بن أحمد في مسائله (ص ٤٦ ” سألت أبي عن رجل يصلي الغداة، فلما صلى ركعة قام في الثانية طلعت الشمس قال: يتم الصلاة، هي جائزة. قلت لأبي: فمن زعم أن ذلك لا يجزئه؟ فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أدرك من صلاة الغداة ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك.
تنبيه 1: قال الألباني في السلسلة الصحيحة ( ج ١ / ١٤٠ فإذن هنا أمران: الإدراك والإثم: والأول: هو الذي سيق الحديث لبيانه، فلا يتوهمن أحد من سكوته عن الأمر الآخر أنه لا إثم عليه بالتأخير كلا، بل هو آثم على كل حال، أدرك الصلاة، أو لم يدرك، غاية ما فيه أنه اعتبره مدركا للصلاة بإدراك الركعة، وغير مدرك لها إذا لم يدركها، ففي الصورة الأولى صلاته صحيحة مع الإثم، وفي الصورة الأخرى صلاته غير صحيحة مع الإثم أيضا، بل هو به أولى وأحرى، كما لا يخفى على أولي النهى. قلت : هذا فيمن تعمد التأخير و ضاق عليه الوقت فهو آثم و إن ادرك ركعة الوقت ، بخلاف الناسي و النائم فهو معذور و ليس عليه شيء .
تنبيه 2 :
قال صاحبنا أبوطارق في ضبط همزة الإسفار :
معنى إسفار الفجر في معجم المعاني الجامع :
إسْفار ( اسم ):
إسْفار : مصدر أَسفَرَ
إسفار ( اسم ):
مصدر أَسْفَرَ
الإِسْفارُ عَنِ الوَجْهِ : الكَشْفُ عَنْهُ
إِسْفارُ الصُّبْحِ : إِشْراقُهُ
أَسفَرَ ( فعل ):
أسفرَ / أسفرَ عن يُسفِر ، إسْفارًا ، فهو مُسْفِر ، والمفعول مُسْفَر عنه
أسفر الشَّيءُ : سفر ؛ وضَح وانكشف ، أشرق وأضاء ، ظهر
أسفر مقدّم رأسه : انحسر عنه الشّعرُ
أَسفَرَ فلانٌ : دخل في سَفَرِ الصُّبْح
أسفَرَ بالصلاة : صلاَّها في إِسفارالصبح …..
35 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع شرحه نورس الهاشمي
بإشراف سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
—————
12449 حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت حميدا الطويل يحدث عن أنس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرطب والخربز.
الجواب( سيف ): على شرط المتمم على الذيل
فقد ذكر شعبة أن حميد لم يسمع من أنس الا أربعة وعشرين حديثا لكن لا بأس نضعه على المتمم على الذيل لأن بقيت الأحاديث سمعها من ثابت أو ثبته فيها ثابت وراجع اتحاف الخليل ترجمة حميد وأيضاً راجع تهذيب التهذيب.
——-
كان يأكل الرطب مع الخربز يعني البطيخ . ( الخربز : نوع من البطيخ الأصفر ) الصحيحة برقم ( 58 )
قال ابن القيم في ” زاد المعاد ” ( 3 / 175 ) بعد أن ذكره بالزيادة :
” و في البطيخ عدة أحاديث ، لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد ، و المراد به الأخضر و هو بارد رطب ، و فيه جلاء ، و هو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء و الخيار ، و هو سريع الاستحالة إلى أي خلط كان صادفه في المعدة ، و إذا كان آكله محرورا انتفع به جدا ، و إن كان مبرودا دفع ضرره بيسير من الزنجبيل و نحوه ، و ينبغي أكله قبل الطعام ، و يتبع به ، و إلا غثى و قيأ .
و قال بعض الأطباء :
إنه قبل الطعام يغسل البطن غسلا ، و يذهب الداء أصلا ” .
و هذا الذي عزاه لبعض الأطباء قد روي مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
و لكنه لا يصح ، و قد سبق الكلام عليه في ” الأحاديث الضعيفة ” ( رقم 144 ) ،
فليراجعه من شاء .
و قوله : ” المراد به الأخضر ” ، هو الظاهر من الحديث . و لكن الحافظ رده في
” الفتح ” و ذكر أن المراد به الأصفر ، و احتج بالحديث الآتي ، و يأتي الجواب
عنه فيه . و هو :” كان يأكل الرطب مع الخربز يعني البطيخ ” . السلسلة الصحيحة ( 1 / 58 ).
قال الخطيب في الفقيه و المتفقه ( 1 / 387 ):
ففي هذا الحديث من الفوائد : أن قوما ممن سلك طريق الصلاح والتزهد قالوا : لا يحل للآكل أن يأكل تلذذا ، ولا على سبيل التشهي والإعجاب ، ولا يأكل إلا ما لا بد منه إلا لإقامة الرمق ، فلما جاء هذا الحديث سقط قول هذه الطائفة ، وصلح أن يأكل الأكل تشهيا وتفكها وتلذذا وقالت طائفة من هؤلاء القوم أيضا : إنه ليس لأحد أن يجمع بين شيئين من الطعام ، ولا بين أدمين على خوان ، فكان هذا الحديث يرد على صاحب هذا القول ، ويبيح أن يجمع الإنسان بين لونين من الطعام ، وبين أدمين وأكثر وكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأفعال التي ليست قربات ، نحو الشرب واللباس والقعود والقيام ، فكل ذلك يدل على الإباحة. انتهى
وقد فهم البخاري على جواز الجمع بين شيئين من الطعام ، فقد بوب (( قوله باب جمع اللونين أو الطعامين بمرة )
قال النووي على مسلم ( 13 / 227 ) :
فيه جواز أكلهما معا وأكل الطعامين معا والتوسع فى الأطعمة ولاخلاف بين العلماء فى جواز هذا ومانقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمحمول على كراهة اعتياد التوسع والترفه والإكثار منه لغير مصلحة دينية والله أعلم.
قال الأمير الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير ( 8 / 544 ) :
أن أكل الطيبات لا ينافي الزهادة ومنها أنه – صلى الله عليه وسلم – أشرف خلق الله فلا تميل نفسه ولا يحب إلا ما هو شريف في نوعه محبوب للطباع السليمة ومنها أن من أكل من النوع الذي أكله محبة له – صلى الله عليه وسلم – لحب ما يحبه ورغبة فيما رغب فيه كان سببًا لصلاح قلبه وإشراق أنوار الإيمان فيه ووفق إلى فعل كل خير ومنها بيان منافع الأشياء مثل أكله البطيخ بالرطب وتعليله بأن يرد هذا إلى آخره ومنها غير ذلك وقد تأسى به أصحابه في حب ما يحبه من المأكولات.
قال العلامة العباد في [شرح سنن أبي داود ] :
وهذا من جنس أكل الخيار مع التمر، أعني أن البطيخ فيه برودة والتمر فيه حرارة، فحرارة التمر تكسر ببرودة البطيخ والعكس. وفيه الجمع بين شيئين في الأكل، وكونه يتناولهما معاً من أجل أن ما في هذا من حرارة تذهب ببرودة الآخر.
قلت سيف : تنبيه : في كلام الأمير الصنعاني المنقول من التنوير :
وقع في المطبوع( بأن يرد هذا… )
وأظن الصواب( بأن برد هذا… )
يقصد برد الخربز يذهب حر الرطب
37 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة.
——-_
14159 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ، فَسَأَلَ: ” هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ ” قَالُوا: نَعَمْ، دِينَارَانِ ، قَالَ: ” صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ “، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ ”
قلت سيف : على شرط الذيل على الصحيح المسند.
وكنت في قلق من تفرد عبدالرزاق خاصة عن أكثر أصحاب الزهري يروونه من حديث أبي هريرة كما في الصحيح ومنهم معمر كما في مسلم 1619 ثم وجدت له متابع حيث تابعه إبراهيم بن سعد عن الزهري كما عند أبي عوانه 5623
تنبيه : ورد رواية من طريق ابن عقيل عن جابر وفيها أن أبا قتادة تأخر في سداد دين الميت ثم قضاه فقال صلى الله عليه وسلم( الآن حين بردت عليه جلدته ) قال الألباني الإرواء : هو حسن ، وأشار في أحكام الجنائز لاحتمال أنها معلة فقال :و هذا مشكل، فقد صح عن أبي قتادة نفسه أنه قضاه قبل الصلاة كما سيأتي في المسألة 55 فإن لم تحمل القصة على التعدد فرواية أبي قتادة أصح من حديث جابر، لأن فيه عبدالله بن محمد بن عقيل، وفيه كلام، وهو حسن الحديث فيما لم يخالف فيه، وأما مع المخالفة فليس بحجة.
”””
شرح صاحبنا نورس :
صحة ضمان دين الميت الذي لم يخلف وفاء
قال النووي شرح مسلم ( 11/ 61):
انما كان يترك الصلاة عليه ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم والتوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فلما فتح الله عليه عاد يصلي عليهم ويقضي دين من لم يخلف وفاء.
قوله صلى الله عليه وسلم (صلوا على صاحبكم) فيه الأمر بصلاة الجنازة وهي فرض كفاية . انتهى.
قال السندي في حاشيته : أي لم يصل عليه ويقول لهم صلوا عليه تغليظا لأمر الدين وتشديدا له فلما فتح الله أي وسع عليه.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في ” الاختيارات ” (ص 52): ” ومن امتنع من الصلاة على أحدهم (يعني القاتل والناس والمدين الذي ليس له وفاء) زجرا لأمثاله عن مثل فعله كان حسنا، ولو امتنع في الظاهر، ودعا له في الباطن، ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما “.
قال ابن القيم – رحمه الله -: “وكان إذا قدم عليه ميت يصلي عليه سأل هل عليه دين أم لا؟، فإن لم يكن عليه دين صلى الله عليه وسلم عليه، وإن كان عليه دين لم يصل عليه، وأذَن لأصحابه أن يصلوا عليه، فإن صلاته شفاعة وشفاعته صلى الله عليه وسلم موجبة، والعبد مرتهن بدينه ولا يدخل الجنة حتى يقضى عنه، فلما فتح الله عليه كان يصلي على المدين ويتحمل دينه، ويدع ماله لورثته”. انظر: زاد المعاد 1/504.
قال العلامة الألباني :أن الميت ينتفع بقضاء الدين عنه، ولو كان من غير ولده، وأن القضاء يرفع العذاب عنه . أحكام الجنائز ( 17).
قال الألباني : المدين الذي لم يترك من المال ما يقضي به دينه فإنه يصلى عليه. انظر: أحكام الجنائز ( ص 85 ).
قال العلامة العباد : وكان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل هذا في أول الأمر، وبعد أن فتح الله تعالى الفتوح، وحصلت الغنائم والأموال؛ كان يقضي دين الميت من بيت المال.
قوله: [(أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من مات وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالاً فلورثته)].
يعني: إن كان للميت مال فهو للورثة، وإن كان عليه دين فالنبي صلى الله عليه وسلم يتحمله.انتهى
وجاء عند مسلم بلفظ آخر
قوله صلى الله عليه وسلم (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فهو لورثته).
قال النووي: قيل إنه صلى الله عليه وسلم كان يقضيه من مال مصالح المسلمين وقيل من خالص مال نفسه وقيل كان هذا القضاء واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وقيل تبرع منه والخلاف وجهان لأصحابنا وغيرهم واختلف أصحابنا في قضاء دين من مات وعليه دين فقيل يجب قضاؤه من بيت المال وقيل لا يجب ومعنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم وموته وأنا وليه في الحالين فإن كان عليه دين قضيته من عندي إن لم يخلف وفاء وإن كان له مال فهو لورثته لا آخذ منه شيئا وإن خلف عيالا محتاجين ضائعين فليأتوا إلي فعلي نفقتهم ومؤنتهم قوله صلى الله عليه وسلم (فأيكم ما ترك دينا أو ضياعا فأنا مولاه وأيكم ترك مالا فإلى العصبة من كان) وفي رواية دينا أو ضيعة وفي رواية من ترك كلا فإلينا أما الضياع والضيعة فبفتح الضاد والمراد عيال محتاجون ضائعون قال الخطابي الضياع والضيعة هنا وصف لورثة الميت بالمصدر أي ترك أولادا أو عيالا ذوي ضياع أي لا شيء لهم والضياع في الأصل مصدر ما ضاع ثم جعل اسما لكل ما يعرض للضياع وأما الكل فبفتح الكاف قال الخطابي وغيره المراد به ها هنا العيال وأصله الثقل ومعنى أنا مولاه أي وليه وناصره والله أعلم. شرح مسلم ( 11/ 61)
[ مسائل متعلقة في الموضوع ]
حكم مماطلة تأخير الدين
قال العثيمين :
وأما تأخير الوفاء مع القدرة عليه فإنه محرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مطل الغني ظلم) والمطل معناه: التأخير في الوفاء، والعجب من بعض الناس -اللهم اهدنا فيمن هديت- أنهم يقولون: إن مال الحكومة ليس له حرمة، ويماطلون في حق الحكومة، وهذا خطأ، فمال الحكومة له حرمة؛ لأن المال الذي في بيت المال للمسلمين عموماً، كل إنسان له فيه حق، ولكن لا يستقل به واحد دون الآخر، فلذلك نصيحتي لهذا الأخ الذي أخر وماطل: أن يتقي الله عز وجل، وأن يوفي الأقساط التي حلت عليه مع القدرة على ذلك، وما يدريه لعله يموت غداً أو بعد غد ثم يبقى معلقاً بدينه، والدين ليس بالسهل، كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يفتح الله عليه، كان لا يصلي على من عليه دين، حتى أنه قدم له رجل من الأنصار، فلما خطا خطوات قال: (هل عليه دين؟ قالوا: نعم، فتأخر وقال: صلوا على صاحبكم) انظر يا أخي! النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرأف الخلق بالخلق يقول: (صلوا على صاحبكم.
فقال أبو قتادة رضي الله عنه: الديناران عليَّ، قال: حق الغريم وبرئ منه الميت؟ قال: نعم. [ اللقاء الشهري ]
فضل إنظار المعسر
فضل انظار المعسر، و أن له بكل يوم مثل قرضه صدقة قبل أن يحل ميعاد الدين، و إذا حل الدين أي ميعاده فله بكل يوم مثليه من قرضه صدقة أي مضاعف .
1- عن أبي الْيَسَرِ رضي الله عنه عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ) . رواه مسلم برقم ( ٣٠١٤ )
٢- عنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ ) قَالَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ ) قُلْتُ : سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلِهِ صَدَقَةٌ ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ ؟ قَالَ : ( لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَةٌ ) . رواه الامام أحمد برقم ( ٢٢٥٣٧ ) والحديث صححه الألباني في “الصحيحة” (86 )
قلت سيف : حديث بريدة هو في الصحيح المسند 165.
وذكر محققو المسند قوله :في الحديث: إن له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين، وله بكل يوم مثليه صدقة بعد حلوله، قال في الأولى: “مثله”، وفي الثانية: “مثليه”، تفرد أحمد بروايته بهذا اللفظ، فقد رواه ابن أبي شيبة عن عفان، فقال: “فله بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل، فأنظرَه بعد ذلك، فله بكل يوم مثله صدقةً” أطلق الصدقة في الأولى، وجعلها بمقدار القرض في الثانية، وكذا رواه الناس عن عبد الوارث بن سعيد كما سلف تخريجه.
قال صاحبنا أبوصالح :
لم أنتبه حين تتبعت ألفاظ الحديث أن
كلمة “مثليه” هي مدار النقاش ،نعم
ما ذكرته من المصادر لا يتضمن هذه الكلمة.
التعليل بذلك لم يتبين لي ، ﻷن الحديث بألفاظه المشهورة بمعناه عندي ولا بد من تقدير كلمة “معه”، أي مثله معه بعد حلول اﻷجل ،
من أجل ذلك أحلت للطحاوي ﻷنه ذكر هذا المعنى وبهذا التقدير نقول لا تخالف رواية أحمد الروايات اﻷخرى والله أعلم . على أنه في أحاديث عفان في الشاملة وردت هذه اللفظة وهي من غير طريق اﻹمام أحمد مع أن الحديث هناك فيه نقص .انتهى
قلت : سيف : الأصل عدم التقدير، والطحاوي إنما قال : فإذا حل الدين له فأنظر به من هو له عليه كان ثوابه في ذلك فوق ثوابه الأول….
فلم يقل( مثلي ) إنما قال : فوق ثوابه.
وورد أن القرض شطر الصدقة:
«ﻣﻦ ﺃﻗﺮﺽ ﻭﺭﻗﺎ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﻛﻌﺪﻝ ﺻﺪﻗﺔ ﻣﺮﺓ»
(ﺻﺤﻴﺢ) أخرجه البيهقي
ﻋﻦ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ. اﻟﺼﺤﻴﺤﺔ 1552: ﺣﺐ، اﻟﺨﺮاﺋﻄﻲ، اﺑﻦ ﺷﺎﻫﻴﻦ.
وهناك بحوث مطولة في الأراشيف تبين أن الراجح رواية الوقف :
قال الدارقطني في العلل (5/ 157: 789): ” رواه سليم بن أذنان عن علقمة واختلف عنه فرفعه عطاء بن السائب عنه ووقفه غيره والموقوف أصح “، وقال البيهقي في السنن ” ورفعه ضعيف “، وقال في الشعب “والموقوف أصح “.
ثم جمع صاحبنا أبوصالح ألفاظه فقال :
أخرجه الإمام أحمد في مسنده4 والروياني في مسنده والحاكم في المستدرك وابن عساكر
في معجمه
(وجزء في أحاديث عفان )
من طريق عفان،
وأخرجه أبو يعلى- كما في جامع المسانيد لابن كثير- والأبنوسي كما في مشيخته 128 وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق
عبد الصمد بن عبد الوارث،
وأخرج الطحاوي في شرح مشكل الآثار3810 والبيهقي في شعب الإيمان 10749 من طريق
معلى بن منصور،
وأخرج الطحاوي في شرح مشكل الآثار وأبو نعيم في تاريخ أصبهان 1621 والبيهقي في السنن الكبرى 10976 والبيهقي في شعب الإيمان 10748 من طريق أبي معمر
عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج
وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي
تابعه الأَعْمَش عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ به أخرجه ابن عدي في الكامل من طريق علي بن يزيدالصدائي أَبُي الْحَسَن عن مَالِكِ بْنِ مَغْوَلٍ، عَنِ الأَعْمَش به
* التحليل
عند أحمد عن عفان من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة قال ثم سمعته يقول من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة
عند الروياني في مسنده عن عفان «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً»
عند الحاكم في المستدرك عن عفان – من طريق ابن أبي شيبة- «من أنظر معسرا، فله بكل يوم صدقة، قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين، فأنظره بعد ذلك فله بكل يوم مثله صدقة»
عند ابن عساكر في معجمه عن عفان من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة مثله قلت له يا رسول الله سمعتك تقول من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره له بكل يوم مثله صدقة. هكذا وجدته مضطربا.
جزء في أحاديث عفان مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَيْهِ صَدَقَة
ٌ
الخلاصة مثله- مثليه 2
مطلقة-مثله 3
وكلها فيها كل يوم في الحالتين
عند أبي يعلى –كما نقله ابن كثير في جامع المسانيد، وأظنه في المسند الكبير له- عن عبد الصمد بن عبد الوارث
(من انظر مُعْسِراً كان له بكلِّ يومٍ مثله صدقة/.
[قبل أن يحل الدين، فإذا حلّ الدين فانظره بعد ذلك فله بكل يوم مثلاه]
لكن قال المحقق ما بين معكوفين استكمال من حديث بريدة في مجمع الزوائد
عند الأبنوسي عن عبد الصمد من أنظر معسراً كان له بكل يوم [صدقة ثم سمعته يقول من أنظر معسراً كان له بكل يوم] مثله صدقة
عند ابن عساكر في تاريخه عن عبد الصمد من أنظر معسرا كان له بكل يوم صدقة ثم سمعته يقول من أنظر معسرا كان له بكل يوم مثله صدقة
الخلاصة مثله- مثليه 1
مطلقة- مثله 2
وكلها فيها كل يوم في الحالتين
عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار عن معلى بن منصور ” من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة ” , ثم سمعته يقول: ” لكل يوم مثله صدقة ”
الخلاصة مطلقة- مثله
وفيها كل يوم في الحالتين
عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار عن أبي معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ” من أنظر معسرا , كان له بكل يوم صدقة “. قال: وسمعته يقول: ” من أنظر معسرا , فله بكل يوم مثله صدقة ”
عند أبي نعيم في تاريخ أصبهان عن أبي معمر عبد الله «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ»
قلت هكذا ذكره مختصرا
عند البيهقي في شعب الإيمان عن أبي معمر
” مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ مَا لَمْ يَحِلُّ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، فَإِنْ أَنْظَرَهُ بَعْدَ الْحِلِّ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةٌ ”
عند البيهقي في السنن الكبرى:
” بكل يوم صدقة ما لم يحل الدين فإذا حل الدين فإن أنظره بعد الحل فله بكل يوم مثله صدقة”
مطلقة – مثله 4
وفيها كل يوم في الحالتين
عند ابن عدي في الكامل عن الأعمش عن سليمان
مطلقة- مثله 1
وهذه اﻷخيرة ضعيفة اﻹسناد
أما رواية نفيع أبي داود فلم أتشاغل بها لأن المذكور متهم بالكذب.
قال الحافظ ابن حجر في التقريب:” نفيع بن الحارث أبو داود اﻷعمى مشهور بكنيته كوفي ويقال له نافع متروك، وقد كذبه ابن معين”
واللفظ الأقرب بعد دراسة العديد من المصادر هو:
«مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» قَالَ: ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً» قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُكَ تَقُولُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ، ثُمَّ سَمِعْتُكَ تَقُولُ: ” مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً، قَالَ: لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّينُ، فَإِذَا حَلَّ الدَّينُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً ”
38 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
——–
5026 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا آكُلُهُ، وَلَا آمُرُ بِهِ، وَلَا أَنْهَى عَنْهُ “
قال محققو المسند : إسناده صحيح على شرط الشيخين. شعبة: هو ابن الحجاج، ويعلى بن حكيم: هو الثقفي، ونافع: هو مولى ابن عمر.
وقدسلف برقم (4497).
قال السندي: قوله: لا آكله، أي: الضب، وقيل: المراد به الثوم والبصل، والأول أقرب، كما سلف من الروايات، والله تعالى أعلم.
قلت سيف :
هو في مسلم 1943 لكن في مسند أحمد زياده (لا آمر به) ثم وجدت ابوعوانه 7691 في مسنده ذكرها وقد ساق مسلم إسنادها
وإنما نذكرها في كتابنا على الذيل لتظهر المتون التي لم يذكرها مسلم إنما اكتفى بذكر اسانيدها، لأن المتون يوضح بعضها بعضا.
—_
حكم أكل الضب
اختلف أهل العلم على ثلاثة اقوال:
الاول : حلال ،
والقول الثاني : مكروه ،
القول الثالث : محرم
و الصواب هو القول الاول، فيما جاء عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد بن المغيرة :” أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم , فأتى بضب محنوذ , فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده , فقال بعض النسوة اللاتى فى بيت ميمونة : أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه .
فقيل : هو ضب يا رسول الله , فرفع يده , فقلت : أحرام هو يا رسول الله ? فقال : لا , و لكنه لم يكن بأرض قومى , فأجدنى أعافه . قال خالد : فاجتررته فأكلته , و رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ” . أخرجه البخارى ( 4/18 ) و مسلم ( 6/67 ) .
قال ابن بطال :
والصواب فى ذلك قول من قال: إنه حلال؛ للخبر الصحيح عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه أكل على مائدته وبحضرته. ولو كان حراما لم يترك (صلى الله عليه وسلم) أحدا ياكله؛ إذ غير جائز أن يرى (صلى الله عليه وسلم) منكرا ولا يغيره، ولا يقر أحدا على انتهاك شيء من محارم الله، فدل أنه إنما تركه؛ لأنه عافه كما قال عمر، ولم يأت خبر صحيح بتحريمه، بل قال له عمر: (أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا) . عمدة القاري ( 5 / 448 )
قال الطبرى: قال بهذا الخبر جماعة من السلف وأحلوا أكل الضب، روى ذلك عن عمر بن الخطاب وعائشة وابن مسعود، وقال أبو سعيد الخدرى: إن كان أحدنا لتهدى إليه الضب المكونة أحب إليه من أن تهدى إليه الدجاجة السمينة. رووى عن ابن سيرين، وهو قول مالك والأوزاعى والشافعي.
قال ابن عبدالبر في التمهيد ( 6/ 251) : وفيه أن أكل الضب حلال وأن من الحلال ما تعافه النفوس وفيه دليل على أن التحليل والتحريم ليس مردودا إلى الطباع ولا إلى ما يقع في النفس وإنما الحرام ما حرمه الكتاب والسنة أو يكون في معنى ما حرمه أحدهما ونص عليه.
قال الألباني في الصحيحة 2390 : تحت حديث( نهى عن أكل الضب ) :
قال الحافظ ابن حجر ( 9 / 665 ):
و الأحاديث الماضية ، و إن دلت على الحل تصريحا و تلويحا ، نصا و تقريرا ، فالجمع بينها و بين هذا يحمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون الضب مما مسخ ، و حينئذ أمر بإكفاء القدور ، ثم توقف فلم يأمر به و لم ينه عنه ، و حمل الإذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له ، ثم بعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله و لا يحرمه ، و أكل على مائدته فدل على الإباحة ، و تكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره ، و تحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره ، و لا يلزم من ذلك أنه يكره مطلقا ” .
قال الألباني : و بالجملة ، فالحديث ثابت ، و كونه معارضا لما هو أصح منه لا يستلزم ضعفه ، فهو من قسم المقبول ، فيجب التوفيق بينه و بين ما هو أصح منه ، على النحو الذي عرفته في كلام الحافظ ، و خلاصته أنه محمول على الكراهة لا على التحريم ، و في حق من يتقذره ، و على ذلك حمله الطبري أيضا . و الله أعلم .
و قد خالف الطحاوي الحنفية في هذه المسألة ، فقد عقد فيها بابا خاصا في كتابه ” شرح المعاني ” ( 2/ 314 – 317 ) و ذكر الأحاديث الواردة فيها إباحة و كراهة – إلا هذا الحديث فلم
يسقه – ثم ختم الباب بقوله : ” فثبت بتصحيح هذه الآثار أنه لا بأس بأكل الضب ، و هو القول عندنا ” . فمن شاء التفصيل فليرجع إليه. انتهى النقل من الصحيحة.
وقد جاء في تبويب النووي على مسلم (باب لايعيب الطعام )
قوله (ماعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط كان إذا اشتهى شيئا أكله وإن كرهه تركه) هذا من آداب الطعام المتأكدة وعيب الطعام كقوله مالح قليل الملح حامض رقيق غليظ غير ناضج ونحو ذلك وأما حديث ترك أكل الضب فليس هو من عيب الطعام إنما هو إخبار بأن هذا الطعام الخاص لا أشتهيه.
النووي على مسلم ( 14/ 26 ).
قال ابن القيم : وكذلك كان هديُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيرتُه في الطعام، لا يردُّ موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسُه، فيتركَه من غير تحريم، وما عاب طعاماً قطُّ، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، كما ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ ولم يحرمه على الأمة، بل أُكِلَ على مائدته وهو ينظر. انظر : زاد المعاد ( 1/ 147).
قال العباد : والضب هو من دواب البر، وجاءت الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في حله، حيث أقر وأذن بأكله صلى الله عليه وسلم، ولم يأكله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لم يكن بأرض قومه، فكان يعافه، ونفسه لا تشتهيه ولا تقبله، لأنه لم يألف ذلك، ولكنه حلال مباح؛ لأن خالد بن الوليد أكله بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يقر على باطل، فلو كان غير حلال لما أذن فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما أقر على أكله بين يديه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [ (أن خالته أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمناً وأضباً وأقطاً، فأكل من السمن ومن الأقط وترك الأضب تقذراً) ]. يعني: أنه ما قبلته نفسه وما اشتهاه، ومعلوم أن النفوس تتفاوت، فيكون الشيء تكرهه بعض النفوس وتحبه بعض النفوس وتشتهيه، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ما أكله، وخالد رضي الله عنه أكله بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [ (وأكل على مائدته، ولو كان حراماً ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] يعني: لو كان حراماً ما أكل على مائدته؛ لأنه لا يقر على باطل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومن المعلوم أن السنة هي كل قول قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكل فعل فعله رسول الله، وكذلك ما فعل بحضرته وأقره وسكت عليه ولم ينكره، فإن هذا يفيد أنه سائغ وجائز؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يقر على باطل. [ شرح سنن أبي داود ]
تنبيه :
قال العلامة العثيمين : هاهنا مسالة أحب التنبيه عليها وهو أن بعض الناس يسيء في الحصول علي الضبان بأن يعذبها تعذيبا بالغا يمكن إدراكها بدونه ومعلوم أن الإنسان إذا كان يمكنه أن يتوصل إلي مقصوده من هذه البهائم بشيء أسهل فإنه لا يجوز له أن يستعمل ما هو أصعب لقول النبي صلي الله علية وسلم (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) فمثلاً إذا كان يمكن استخراج الضب من جحره بالماء فانه لا يجوز إخراجه بالنار لان النار اشد ألما وأذية له من الماء وإذا كان يمكن أن يصاد بالبندق أي بالرصاص فإنه لا يصاد بالحجر ونحوه لان الحجر ربما يقتله وإذا مات بقتل الحجر فإنه يكون محرم الأكل لأنة وقيذ المهم إن الإنسان يجب أن يحصل على الضبان وعلى غيرها مما أباح الله عز وجل بأسهل طريق ممكن ولا يحل له أن يتبع الأصعب مع إمكان الأسهل. [ فتاوى نور على الدرب ]
39 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
——-
مسند أحمد
8386 – حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ، يَقُولُ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا؟ فَقِيلَ لَهُ: وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ كَائِنًا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ:
إِي وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ، قَالُوا: وَعَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: ” تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَيَشُدُّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَيَمْنَعُونَ مَا بِأَيْدِيهِمْ ” وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، لَيَكُونَنَّ مَرَّتَيْنِ ”
قلت سيف : على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
فهو في البخاري 3180 لكن في البخاري ( وكيف ترى ذلك كائنا يا أبا هريرة ).
وليس عندغالبخاري ( وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، لَيَكُونَنَّ مَرَّتَيْنِ ). واخترته للمتمم على الذيل وليس على الذيل ، لعدم وجود معنى زائد سوى التأكيد.
———_
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، اما بعد :
أحببت أبين بعض المسائل المتعلقة بأحكام أهل الذمة لأهميتها ، فإليكم ذلك؛
مسألة : ممن تؤخذ الجزية :
قال ابن القيم: فأجمع الفقهاء على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن المجوس وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد توقف في أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبدالرحمن بن عوف أن رسول الله أخذها من مجوس هجر ذكره البخاري. [ أحكام أهل الذمة: ص 81 ].
قال العثيمين : لكن الصحيح أنها تصح من كل كافر، والدليل على هذا حديث بريدة الذي رواه مسلم في صحيحه: «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، ثم أوصاه بوصايا، منها: أنه إذا لم يسلم القوم فيدعوهم إلى أخذ الجزية فإن أبوا قاتلهم» ، وهذا دليل على العموم، ويدل لذلك أيضاً: كون النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذها من مجوس هجر، مع أنهم ليسوا من أهل الكتاب فيدل على أنها تؤخذ من كل كافر، والمعنى يقتضي ذلك؛ لأنه إذا جاز أخذها من أهل الكتاب والمجوس، فغيرهم مثلهم؛ لأن المقصود إقرار الكافر على دينه على وجه معين أو مخصوص وهو حاصل لكل كافر، وعلى هذا فإذا طلب أحد من المشركين أن نأخذ منه الجزية ويقر على دينه ورأينا المصلحة في ذلك فإننا نفعله.
[ الشرح الممتع : 8/ 58].
مسألة : مقدار الجزية
مقدار الجزية يفرضه الإمام أو نائبه حسب العسر واليسر، وحسب اختلاف المكان والزمان والبلاد.
وتؤخذ من الذهب أو الفضة أو النقود أو غيرها من الأشياء المباحة كالثياب والطعام والحيوان وغيرها مما ينتفع به الإنسان في حياته مما أحله الله، وما بذلوه وجب قبوله، وتؤخذ من الذمي في نهاية العام.
[ لا يعقدها الا إمام أو نائبه ]
قال العثيمين : أما عقد الذمة، فلا بد أن يكون من إمام أو نائبه، ولأنه ـ أيضاً ـ عقد مؤبد، ليس فيه تقييد بسنة أو سنتين أو شهر أو شهرين، ولذلك صار يجب أن يتولاه الإمام أو نائبه. بخلاف الهدنة فإنها تكون مؤقتة وتصح مطلقة، ولا تصح مؤبدة؛ لأن عقد الهدنة على أن تكون مؤبدة يتضمن إلغاء الجهاد، وهذا لا يجوز؛ لأن الجهاد فرض كفاية فلا بد منه، والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ، لكن عقد الذمة فيه خضوع من الكفار، وعدم اعتداء على المسلمين، والتزام لأحكام الإسلام فتصح مؤبدة. [ الشرح الممتع: 8/ 59- 60 ].
مسألة : شروط عقد الذمة
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ : يُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ سِتَّةُ أَشْيَاءَ :
( 1 ) أَلَّا يَذْكُرُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى بِطَعْنٍ وَلَا تَحْرِيفٍ لَهُ .
( 2 ) وَأَلَّا يَذْكُرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَكْذِيبٍ لَهُ وَلَا ازْدِرَاءٍ .
( 3 ) وَأَلَّا يَذْكُرُوا دِينَ الْإِسْلَامِ بِذَمٍّ لَهُ وَلَا قَدْحٍ فِيهِ .
( 4 ) وَأَلَّا يُصِيبُوا مُسْلِمَةً بِزِنًى وَلَا بِاسْمِ نِكَاحٍ .
( 5 ) وَأَلَّا يَفْتِنُوا مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ وَلَا يَتَعَرَّضُوا لِمَالِهِ .
( 6 ) وَأَلَّا يُعِينُوا أَهْلَ الْحَرْبِ وَلَا يُؤْوُوا لِلْحَرْبِيَّيْنِ عَيْنًا ( جَاسُوسًا ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : فَهَذِهِ حُقُوقٌ مُلْتَزَمَةٌ , فَتَلْزَمُهُمْ بِغَيْرِ شَرْطٍ , وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ إشْعَارًا لَهُمْ وَتَأْكِيدًا لِتَغْلِيظِ الْعَهْدِ عَلَيْهِمْ , وَيَكُونُ ارْتِكَابُهَا بَعْدَ الشَّرْطِ نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ . وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنَابِلَةِ . وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْآخَرُونَ لِدُخُولِهَا فِي شَرْطِ الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ [ الأحكام السلطانية 145].
حقُوقُ أَهْل الذِّمَّةِ
19 – الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي حُقُوقِ أَهْل الذِّمَّةِ : أَنَّ لَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ جَرَتْ عَلَى لِسَانِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَتَدُل عَلَيْهَا عِبَارَاتُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ ، وَالشَّافِعِيَّةِ ، وَالْحَنَابِلَةِ (3) . وَيُؤَيِّدُهَا بَعْضُ الآْثَارِ عَنِ السَّلَفِ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَال : إِنَّمَا قَبِلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ أَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا ، وَدِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا .
لَكِنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ غَيْرُ مُطَبَّقَةٍ عَلَى إِطْلاَقِهَا ، فَالذِّمِّيُّونَ لَيْسُوا كَالْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَعَدَمِ الْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَ الإِْسْلاَمِ .
وَفِيمَا يَلِي نَذْكُرُ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ أَهْل الذِّمَّةِ مِنَ الْحُقُوقِ :
أَوَّلاً – حِمَايَةُ الدَّوْلَةِ لَهُمْ :
20 – يُعْتَبَرُ أَهْل الذِّمَّةِ مِنْ أَهْل دَارِ الإِْسْلاَمِ ؛ لأَِنَّ الْمُسْلِمِينَ حِينَ أَعْطَوْهُمُ الذِّمَّةَ فَقَدِ الْتَزَمُوا دَفْعَ الظُّلْمِ عَنْهُمْ وَالْمُحَافَظَةَ عَلَيْهِمْ ، وَصَارُوا أَهْل دَارِ الإِْسْلاَمِ ، كَمَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِذَلِكَ .
وَعَلَى ذَلِكَ فَلأَِهْل الذِّمَّةِ حَقُّ الإِْقَامَةِ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ ، وَعَلَى الإِْمَامِ حِمَايَتُهُمْ مِنْ كُل مَنْ أَرَادَ بِهِمْ سُوءًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْل الْحَرْبِ أَوْ أَهْل الذِّمَّةِ ؛ لأَِنَّهُ الْتَزَمَ بِالْعَهْدِ حِفْظَهُمْ مِنَ الاِعْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الذَّبُّ عَنْهُمْ ، وَمَنْعُ مَنْ يَقْصِدُهُمْ بِالأَْذَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ الْكُفَّارِ ، وَاسْتِنْقَاذُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ ، وَاسْتِرْجَاعُ مَا أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، سَوَاءٌ كَانُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ مُنْفَرِدِينَ عَنْهُمْ فِي بَلَدٍ لَهُمْ ؛ لأَِنَّهُمْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِحِفْظِهِمْ وَحِفْظِ أَمْوَالِهِمْ .
ثَانِيًا – حَقُّ الإِْقَامَةِ وَالتَّنَقُّل :
21 – لأَِهْل الذِّمَّةِ أَنْ يُقِيمُوا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ مَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُمْ ؛ لأَِنَّهُمْ إِنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ أَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَدِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا ، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ .
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إِقَامَةِ الذِّمِّيِّ وَاسْتِيطَانِهِ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِيمَا سِوَاهُمَا ، يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ ( أَرْضُ الْعَرَبِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَجْتَمِعُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ دِينَانِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : لَئِنْ عِشْتُ – إِنْ شَاءَ اللَّهُ – لأَُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ .
أَمَّا فِي غَيْرِهَا مِنَ الْمُدُنِ وَالْقُرَى فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ فَيَجُوزُ لأَِهْل الذِّمَّةِ أَنْ يَسْكُنُوا فِيهَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُنْفَرِدِينَ ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ رَفْعُ بِنَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَصْدِ التَّعَلِّي ، وَإِذَا لَزِمَ مِنْ سُكْنَاهُمْ فِي الْمِصْرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَقْلِيل الْجَمَاعَةِ أُمِرُوا بِالسُّكْنَى فِي نَاحِيَةٍ – خَارِجَ الْمِصْرِ – لَيْسَ فِيهَا جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ إِذَا ظَهَرَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي ذَلِكَ .
22 – وَأَمَّا حَقُّ التَّنَقُّل فَيَتَمَتَّعُ أَهْل الذِّمَّةِ بِهِ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ أَيْنَمَا يَشَاءُونَ لِلتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا ، إِلاَّ أَنَّ فِي دُخُولِهِمْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَأَرْضَ الْحِجَازِ تَفْصِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُصْطَلَحِ ( أَرْضُ الْعَرَبِ ) .
ثَالِثًا – عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي عَقِيدَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ :
23 – إِنَّ مِنْ مُقْتَضَى عَقْدِ الذِّمَّةِ أَلاَّ يَتَعَرَّضَ الْمُسْلِمُونَ لأَِهْل الذِّمَّةِ فِي عَقِيدَتِهِمْ وَأَدَاءِ عِبَادَتِهِمْ دُونَ إِظْهَارِ شَعَائِرِهِمْ ، فَعَقْدُ الذِّمَّةِ إِقْرَارُ الْكُفَّارِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِشَرْطِ بَذْل الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ احْتِمَال دُخُول الذِّمِّيِّ فِي الإِْسْلاَمِ عَنْ طَرِيقِ مُخَالَطَتِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَوُقُوفِهِ عَلَى مَحَاسِنِ الدِّينِ ، فَهَذَا يَكُونُ عَنْ طَرِيقِ الدَّعْوَةِ لاَ عَنْ طَرِيقِ الإِْكْرَاهِ ، وَقَدْ قَال اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } ، وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَِهْل نَجْرَانَ : وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا جِوَارُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ رَسُول اللَّهِ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَكُل مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ . . . وَهَذَا الأَْصْل مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ ، لَكِنْ هُنَاكَ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ نَذْكُرُهُ فِيمَا يَلِي :
أ – مَعَابِدُ أَهْل الذِّمَّةِ :
24 – قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ أَمْصَارَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ :
الأَْوَّل : مَا اخْتَطَّهُ الْمُسْلِمُونَ وَأَنْشَئُوهُ كَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَوَاسِطَ ، فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إِحْدَاثُ كَنِيسَةٍ وَلاَ بِيعَةٍ وَلاَ مُجْتَمَعٍ لِصَلاَتِهِمْ وَلاَ صَوْمَعَةٍ بِإِجْمَاعِ أَهْل الْعِلْمِ ، وَلاَ يُمَكَّنُونَ فِيهِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَاتِّخَاذِ الْخَنَازِيرِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ ، وَلاَ يُجَدَّدُ مَا خَرِبَ مِنْهَا وَلأَِنَّ هَذَا الْبَلَدَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَبْنُوا فِيهِ مَجَامِعَ لِلْكُفْرِ ، وَلَوْ عَاقَدَهُمُ الإِْمَامُ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ .
الثَّانِي : مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً ، فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إِحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِالاِتِّفَاقِ ؛ لأَِنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ ، وَمَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هَل يَجِبُ هَدْمُهُ ؟
قَال الْمَالِكِيَّةُ : وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ : لاَ يَجِبُ هَدْمُهُ ؛ لأَِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَتَحُوا كَثِيرًا مِنَ الْبِلاَدِ عَنْوَةً فَلَمْ يَهْدِمُوا شَيْئًا مِنَ الْكَنَائِسِ .
وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا وُجُودُ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ فِي الْبِلاَدِ الَّتِي فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عُمَّالِهِ : أَلاَّ يَهْدِمُوا بِيعَةً وَلاَ كَنِيسَةً وَلاَ بَيْتَ نَارٍ .
وَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ : يَجِبُ هَدْمُهُ ، فَلاَ يَقَرُّونَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَتْ فِيهِ ؛ لأَِنَّهَا بِلاَدٌ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ فِيهَا بِيعَةٌ ، كَالْبِلاَدِ الَّتِي اخْتَطَّهَا الْمُسْلِمُونَ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لاَ تُهْدَمُ ، وَلَكِنْ تَبْقَى بِأَيْدِيهِمْ مَسَاكِنَ ، وَيُمْنَعُونَ مِنَ اتِّخَاذِهَا لِلْعِبَادَةِ .
الثَّالِثُ : مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا ، فَإِنْ صَالَحَهُمُ الإِْمَامُ عَلَى أَنَّ الأَْرْضَ لَهُمْ وَالْخَرَاجَ لَنَا ، فَلَهُمْ إِحْدَاثُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِيهَا مِنَ الْكَنَائِسِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ؛ لأَِنَّ الْمِلْكَ وَالدَّارَ لَهُمْ ، فَيَتَصَرَّفُونَ فِيهَا كَيْفَ شَاءُوا . وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ : الْمَنْعُ ؛ لأَِنَّ الْبَلَدَ تَحْتَ حُكْمِ الإِْسْلاَمِ .
وَإِنْ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنَّ الدَّارَ لَنَا ، وَيُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ ، فَالْحُكْمُ فِي الْكَنَائِسِ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ ، وَالأَْوْلَى أَلاَّ يُصَالِحَهُمْ إِلاَّ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ صُلْحُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ عَدَمِ إِحْدَاثِ شَيْءٍ مِنْهَا .
وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا ، لاَ يَجُوزُ الإِْحْدَاثُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ : ( الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ) ، وَيَجُوزُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .
وَلاَ يَتَعَرَّضُ لِلْقَدِيمَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْمَنْعُ مِنْ إِبْقَائِهَا كَنَائِسَ .
ب – إِجْرَاءُ عِبَادَاتِهِمْ :
25 – الأَْصْل فِي أَهْل الذِّمَّةِ تَرْكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ ، فَيُقَرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ وَعَقَائِدِهِمْ وَأَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْتَبِرُونَهَا مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ ، كَضَرْبِ النَّاقُوسِ خَفِيفًا فِي دَاخِل مَعَابِدِهِمْ ، وَقِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيل فِيمَا بَيْنَهُمْ ، وَلاَ يُمْنَعُونَ مِنَ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي الَّتِي يَعْتَقِدُونَ بِجَوَازِهَا ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَاتِّخَاذِ الْخَنَازِيرِ وَبَيْعِهَا ، أَوِ الأَْكْل وَالشُّرْبِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، أَوْ إِذَا انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ . وَيُشْتَرَطُ فِي جَمِيعِ هَذَا أَلاَّ يُظْهِرُوهَا وَلاَ يَجْهَرُوا بِهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِلاَّ مُنِعُوا وَعُزِّرُوا ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ ، فَقَدْ جَاءَ فِي شُرُوطِ أَهْل الذِّمَّةِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ : ” أَلاَّ نَضْرِبَ نَاقُوسًا إِلاَّ ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا ، وَلاَ نُظْهِرَ عَلَيْهَا صَلِيبًا ، وَلاَ نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا فِي الصَّلاَةِ وَلاَ الْقِرَاءَةَ فِي كَنَائِسِنَا ، وَلاَ نُظْهِرُ صَلِيبًا وَلاَ كِتَابًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ ” إِلَخْ
هَذَا ، وَقَدْ فَصَّل بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْقُرَى ، فَقَالُوا : لاَ يُمْنَعُونَ مِنْ إِظْهَارِ شَيْءٍ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالصَّلِيبِ وَضَرْبِ النَّاقُوسِ فِي قَرْيَةٍ ، أَوْ مَوْضِعٍ لَيْسَ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْل الإِْسْلاَمِ ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْجُمَعُ وَالأَْعْيَادُ وَالْحُدُودُ ؛ لأَِنَّ الْمَنْعَ مِنْ إِظْهَارِ هَذِهِ الأَْشْيَاءِ لِكَوْنِهِ إِظْهَارَ شَعَائِرِ الْكُفْرِ فِي مَكَانِ إِظْهَارِ شَعَائِرِ الإِْسْلاَمِ ، فَيَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِالْمَكَانِ الْمُعَدِّ لإِِظْهَارِ الشَّعَائِرِ ، وَهُوَ الْمِصْرُ الْجَامِعُ .
وَفَصَّل الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ الْقُرَى الْعَامَّةِ وَالْقُرَى الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا أَهْل الذِّمَّةِ ، فَلاَ يُمْنَعُونَ فِي الأَْخِيرَةِ مِنْ إِظْهَارِ عِبَادَاتِهِمْ .
رَابِعًا – اخْتِيَارُ الْعَمَل :
26 – يَتَمَتَّعُ الذِّمِّيُّ بِاخْتِيَارِ الْعَمَل الَّذِي يَرَاهُ مُنَاسِبًا لِلتَّكَسُّبِ ، فَيَشْتَغِل بِالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ كَمَا يَشَاءُ ، فَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الذِّمِّيَّ فِي الْمُعَامَلاَتِ كَالْمُسْلِمِ ، هَذَا هُوَ الأَْصْل ، وَهُنَاكَ اسْتِثْنَاءَاتٌ فِي هَذَا الْمَجَال سَتَأْتِي فِي بَحْثِ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ الذِّمِّيُّونَ .
أَمَّا الأَْشْغَال وَالْوَظَائِفُ الْعَامَّةُ ، فَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الإِْسْلاَمُ كَالْخِلاَفَةِ ، وَالإِْمَارَةِ عَلَى الْجِهَادِ ، وَالْوِزَارَةِ وَأَمْثَالِهَا ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْهَدَ بِذَلِكَ إِلَى ذِمِّيٍّ ، وَمَا لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الإِْسْلاَمُ كَتَعْلِيمِ الصِّغَارِ الْكِتَابَةَ ، وَتَنْفِيذِ مَا يَأْمُرُ بِهِ الإِْمَامُ أَوِ الأَْمِيرُ ، يَجُوزُ أَنْ يُمَارِسَهُ الذِّمِّيُّونَ .
وَتَفْصِيل هَذِهِ الْوَظَائِفِ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا . وَانْظُرْ كَذَلِكَ مُصْطَلَحَ : ( اسْتِعَانَةٍ ) . الموسوعة الفقهية الكويتية ( 7 / 127 – 131). بتصرف يسير
[ شرح الحديث ]
قوله: (إذا لم تجتبوا) ، من الجباية، بالجيم والباء الموحدة وبعد الألف ياء آخر الحروف، يعني: إذا لم تأخذوا من الجزية والخراج
قوله: (عن قول الصادق المصدوق) ، معنى الصادق ظاهر، والمصدوق هو الذي لم يقل له إلا الصدق، يعني: أن جبريل، عليه الصلاة والسلام، مثلا لم يخبره إلا بالصدق. قال الكرماني: أو المصدق، بلفظ المفعول.
قوله: (تنتهك) ، بضم أوله من الانتهاك، وانتهاك الحرمة تناولها بما لا يحل من الجور والظلم.
قوله: (فيمنعون ما في أيديهم) ، أي: من الجزية . انظر [ عمدة القاري :5 1/ 102 ]
قال ابن الأثير في النهاية ( 5/ 288 ):
[ تُنْتَهكُ ذِمَّةُ اللَّهِ وذِمَّةُ رسوله ] يُريد نَقْضَ العَهْد والغَدْرَ بالمُعاهَد.
و قال ابن حجر في الفتح ( 1/ 199): قوله تنتهك ذمة الله أي تستباح ويتناول ما لا يحل.
قال ابن بطال : ودل حديث أبى هريرة على أن الغدر لأهل الذمة لا يجوز أيضا، ألا ترى ما أوصى به النبى من الذمة والوفاء بها لأهلها من أجل إنماء معاش المسلمين، ورزق عيالهم، فأعلمهم بهذا الحديث أنهم متى ظلموا منعوا ما فى أيديهم، واشتدوا وحاربوا وأعادوا الفتنة، وخلعوا ربقة الذمة، فلم يجتب المسلمون درهما، فضاقت أحوالهم وساءت. وفيه من علامات النبوة. شرح صحيح البخاري ( 5 / 362).
وفي هذا الحديث التوصية بأهل الذمة لما في الجزية التي تؤخذ منهم من نفع المسلمين، وفيه التحذير من ظلمهم وأنه متى وقع ذلك نقضوا العهد فلم يجتب المسلمون منهم شيئًا فتضيق أحوالهم. شرح القسطلاني (5 / 244 )
قال ابن الملقن في التوضيح : والغدر حرام بالمؤمن وأهل الذمة، وفاعله مستحق لاسم النفاق واللعنة المذكورة من الله وملائكته والناس أجمعين.