( أ ) فتح المنان في جمع مسائل أصول الإيمان ( 24)
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا ) .
——-‘——‘——-‘
——-‘——‘——-‘
الفصل الرابع :
الإيمان باليوم الآخر
وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : أشراط الساعة وأنواعها.
المبحث الثاني : نعيم القبر وعذابه .
وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : الإيمان بنعيم القبر وعذابه وأدلة ذلك .
المطلب الثاني : وقوعه على الروح والجسد معا .
المطلب الثالث : الإيمان بالملكين منكر ونكير .
المبحث الثالث : الإيمان بالبعث.
وفيه مطالب :
المطلب الأول : معنى البعث وحقيقته .
المطلب الثاني : أدلة البعث من الكتاب والسنة والنظر.
المطلب الثالث : الحشر .
المطلب الرابع : الحوض صفته وأدلته .
المطلب الخامس : الميزان صفته وأدلته .
المطلب السادس : الشفاعة تعريفها وأنواعها وأدلتها .
المطلب السابع : الصراط صفته وأدلته
المطلب الثامن : الجنة والنار صفتهما وكيفيه الإيمان بهما وأدلة ذلك .
=======
سنبدأ بالمبحث الأول والمبحث الثاني :
الفصل الأول
الايمان بالله واليوم والاخر
تمهيد :
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
” فالذي يتعين على المسلم الاعتناء به والاهتمام : أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله ، ثم يجتهد في فهم ذلك ، والوقوف على معانيه ، ثم يشتغل بالتصديق بذلك ، إن كان من الأمور العلمية ، وإن كان من الأمور العملية ، بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر ، واجتناب ما ينهى عنه ، وتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك ؛ لا إلى غيره . وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان ، في طلب العلم النافع من الكتاب، والسنة .
فأما إن كانت همة السامع مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع ، وقد لا تقع ، فإنّ هذا مما يدخل في النهي ، ويثبط عن الجد في متابعة الأمر ” .
انتهى من ” جامع العلوم والحكم ” (1/225) .
والنصوص الشرعية التي جاءت بذكر فتن آخر الزمان وأشراط الساعة ومنها خروج الدجال ، إنما وردت لما في ذكر ذلك من نفع وخير للمسلمين ، حتى يتأهبوا لهذه الفتن بتحصيل الطاعات قبل حلولها ، وكثرة التعوذ من شر هذه الفتن ، وتحصيل العلم الذي يساعد على النجاة منها .
قال القرطبي رحمه الله تعالى :
” قال العلماء رحمهم الله تعالى: والحكمة في تقديم الأشراط ، ودلالة الناس عليها : تنبيه الناس من رَقْدَتِهم ، وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة ، كي لا يباغَتوا بالحول بينهم وبين تدارك الفوارط منهم ، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم ، وانفطموا عن الدنيا ، واستعدوا للساعة الموعود بها ، والله أعلم ” .
انتهى من ” التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ” (3/1217) .
فإذا خرج الناس عن حد الاعتدال في الكلام في هذه الفتن وأشراط الساعة ، وكثر البحث عن تفاصيلها وجزئياتها ، ولم يكتفوا بما ورد به الوحي يصبح هذا من العلم المذموم ، لأنه لا نفع فيه، بل يهدر الأوقات ويكثر بسببه الجدال والقيل والقال .
المبحث الأول : أشراط الساعة وأنواعها.
فمن المعلوم من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، وأن لليوم الآخر علامات صغرى وكبرى بين يديه، ومن العلامات الكبرى: خروج المسيح الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام؛ فقد روى الإمام مسلم فى «صحيحه» (2901) عن حذيفة بن أسيد الغفارى قال: اطلع النبى – صلى الله عليه وسلم – علينا ونحن نتذاكر؛ فقال: «ما تذاكرون». قالوا: نذكر الساعة. قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات». فذكر: «الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم – صلى الله عليه وسلم -، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم».
ما معنى الإيمان باليوم الآخر ؟
جـ : معناه التصديق الجازم بإتيانه لا محالة ، والعمل بموجب ذلك . ويدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها لا محالة . وبالموت وما بعده من فتنة القبر وعذابه ونعيمه وبالنفخ في الصور وخروج الخلائق من القبور وما في موقف القيامة من الأهوال والأفزاع وتفاصيل المحشر : نشر الصحف ، ووضع الموازين ، وبالصراط والحوض ، والشفاعة وغيرها ، وبالجنة ونعيمها الذي أعلاه النظر إلى وجه الله عز وجل ، وبالنار وعذابها الذي أشده حجبهم عن ربهم عز وجل . ” اعلام السنة المنشورة ” للحافظ الحكمي.
وقال الموفق أبو محمد المقدسي في كتابه “لمعة الاعتقاد” ( 24) : “ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه؛ مثل: حديث الإسراء والمعراج، ومن ذلك أشراط الساعة؛ مثل: خروج الدجال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل “. انتهى.
المسألة الأولى:
الأشراط جمع شرط، والشّرط هو العلامة التي تُفَرِّقُ الشيء وتُمَيِّزُهُ عن غيره.
وأشراط الساعة المقصود به الآيات والعلامات التي تدل على قرب قيام الساعة، إما دُنُواًّ فتكون أشراطاً كبرى، وإما دِلَالَةً على القُرْبْ فتكون من جملة الأشراط الصغرى.
وقد جاء ذكر كلمة الأشراط في القرآن الكريم في سورة محمد، قال تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أنَّ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) [محمد:18]، وأفادت الآية فائدتين:
* الفائدة الأولى: أنَّ الساعَةَ لها أشراط وعلامات.
* الفائدة الثانية: أنَّ أشراط الساعة قد وقعت في وقت تَنَزُّلِ القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم .
وهذا يعني أنَّ مِنَ الأشراط ما يكون بعيداً عن وقوع الساعة ومنها ما يكون قريباً من وقوع الساعة.
ومن الأحاديث في ذلك: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم. لما تَذَاكَرُوا عنده الساعة قال: “إنها لن تكون حتى تروا قبلها عشر آيات”، فدلَّ ذلك على أنَّ ثمَّتَ أشراط قريبة منها سَمَّاهَا النبي صلى الله عليه وسلم آيات.
والآيات جمع آية وهي: ما يَدُلُّ دِلَالَةً واضحةً ظاهرة على المراد وعلى الشيء حيث لا يكون فيه لَبْسْ.
( المسألة الثانية:
أشراط الساعة قَسَمَهَا العلماء إلى قسمين:
إلى أشراطٍ كبرى… . وإلى أشراطٍ صغرى.
ومن أهل العلم من قَسَمَهَا إلى ثلاثة أقسام:
أشراط صغرى …ووسطى… وكبرى.
والأول هو المعتمد والثاني اصطلاح تفسيري ولكن ليس ثَمَّ ما يدل عليه من وجود الوسطى وإن كانت موجودةً وداخلة في الصغرى.
أما تعريف الأشراط الصغرى: فهي ما دلَّ الدليل على أنَّهُ مِنْ علامات قُرْبْ الساعة وليس من العشر آيات التي جاءت في الحديث أنها تكون بين يدي الساعة.
فحصلت الأشراط الصغرى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تزال تحصل وتحصل إلى بَدْءِ الأشراط الكبرى.
وسيأتي تفصيل الأشراط الصغرى والكبرى إن شاء الله.
فمن أهل العلم من جعل الأشراط الصغرى كما ذكرت لك:
* ما قَرُبَ من عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهي صغرى.
* وما بَعُد من عهده فهي وسطى إلى حدوث الأشراط الكبرى.
والأول هو المعتمد في ذلك.
( المسألة الثالثة:
الأشراط الصغرى كثيرة جداً ومتنوعة، ولا يدلُّ كون الحَدَثْ من أشراط الساعة على مدحه أو ذمه، بل هي آيات ودلائل على القرب:
* فتارةً تكون ممدوحةً غاية المدح، منها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر باعتباره آية لمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومنها فتح بيت المقدس.
* وقد تكون مذمومةً مُحَرَّمَةً أو مكروهة، أو تكون واقِعَةً كونِيَّةً فيها ابتلاء أو عقوبة للعباد.
والمقصود من ذلك أنَّ ما جاء في الدليل أنَّهُ من آيات أو أشراط الساعة فلا يدلُّ كونه من أشراط الساعة على أنَّهُ ممدوحٌ أو مذموم إلا بدليلٍ آخر أو بحقيقة الأمر.
وأشراط الساعة الصغرى كثيرةٌ جداً جداً، فمما يشار إليه فيها ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري وغيره، حديث عوف بن مالك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أُعْدُدْ سِتَّاً بين يدي الساعة، موتي ثم فتح بيت المقدس، ثم مُوتَانٌ يَأْخُذُ فيكم كقٌعَاصِ الغنم، ثم استفاضة المال”… إلخ الحديث.
ومنها مما حَدَثَ وهذه حدثت قريباً من عهده صلى الله عليه وسلم .
ومنها مما حَدَثَ بعيداً عن عهده صلى الله عليه وسلم ، النار التي خرجت من المدينة في القرن السابع الهجرى، في نحو سنة أربع وخمسين وستمائة، قال صلى الله عليه وسلم : “لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من الحجاز” أو “من المدينة تُضيئ لها أعناق الإبل ببُصرى”.
منها ما يكون قريباً من الأشراط الكبرى.
وأشراط الساعة الصغرى والكبرى أُلِّفَتْ فيها مؤلفات كثيرة في جمعها وجمع الأحاديث التي جاءت في ذِكْرِ أشراط الساعة، وهي من العلم النافع الذي يدلُّ على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، لأنَّهُ ولا شك أخبر عن أمرٍ غيبيٍ لم يحدث، وكان خبره صِدْقاً ويقيناً.
فهذه الأخبار التي فيها أنَّهُ بين يدي الساعة يكون كذا، أو لا تقوم الساعة حتى يكون كذا، أو من أشراط الساعة كذا، أو أُعْدُدْ بين يدي الساعة كذا، هذه كلها تدلّ:
* على صدقه صلى الله عليه وسلم .
* ثُمَّ أيضاً تدلّ على أنَّ الساعة آتية لا ريب فيها؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بحدوث هذه الأمور وحدوثها حَصَلَ وكان حقاً كما أخبر به صلى الله عليه وسلم .
لهذا كان التّحديث بأشراط الساعة الصغرى والكبرى وذِكْرُهَا مما يُقَوِّي اليقين و يُقَوِّي الإيمان وهو من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
( المسألة الرابعة:
الأشراط الكبرى يُعْنَى بها العلامات والآيات التي تكون قريبةً من الساعة، بحيث إذا حدثت فإنَّ يوم القيامة قريبٌ جداً جداً.
وسُمِّيَتْ كبرى لأنها آيات عظيمة تحدث ليس في حُسْبَانْ العِبَادْ أنْ تحدُثْ ولم يكن لها دليلٌ قبلها أو لها ما يشابهها.
وهذه الأشراط الكبرى عشر كما جاءت في الأحاديث؛ ولكنها جاء في عدة أحاديث غير مرتبة، يعني من جهة الوقوع.
وهنا ذَكَرَ الطحاوي / في هذه الجملة، أربعة من أشراط الساعة:
– ذكر خروج الدجال.
– ونزول عيسى ابن مريم.
– وطلوع الشمس من مغربها.
– وخروج الدابة.
وهذه أربعة من عشرة أشراط، وهُوَ إنَّمَا ذَكَرَ هنا الأشراط الكبرى لأنها هي العظيمة وهي الآيات الكبيرة التي يجب الإيمان بها
وهذه العشرة وهي مرتبة في الحدوث كما أسوقها:
* أول ما يحدث خروج الدجال.
* ثم نزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء.
* ثم خروج يأجوج ومأجوج.
* ثم ثلاثة خسوف: خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب.
* ثم طلوع الشمس من مغربها.
* ثم خروج الدابة على الناس ضحى.
* ثم الدُّخان.
* ثم خروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر.
وفي ترتيب الدخان هل هو قبل طلوع الشمس من مغربها أو هو بعد طلوع الشمس فيه خلاف بين أهل العلم، والأظهر هو ما ذكرت لك مِنَ الترتيب.
( خروج الدجال:
فالدجال جاءت النصوص الكثيرة بخروجه وأنه سيخرج من مَحْبَسٍ هُوَ فيه، إذا أَذِنَ الله عزوجل بخروجه، وأنَّهُ بَشَرْ من جنس البشر؛ لكنَّهُ أعور العين كأنَّ عينه عنبة طافية أو عنبة طافئة، مكتوب بين عينه (كَافْ- فَاءْ- رَاءْ) ثلاثة حرف يقرؤها كل مؤمن يعني (كافر)، يعطيه الله عزوجل من القدرة ما تَحَارُ معه الألباب، فيقول للناس (إني ربكم) فيكون معه جنة ومعه نار وتكون فتنته تستمر في الأرض أربعين، وتكون فتنته أعظم فتنة حدثت في الأرض؛ لأنَّهُ يَدَّعِي أنَّهُ رب العالمين وأنَّ معه جنة وأنَّ معه نار وأنه يُحيي الموتى.
وتُحرَّم عليه مكة والمدينة والملائكة تحرسها، ويخرج إليه شاب فيقول له: أنا ربك.
فيقول له: أنت الدجال الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فيقول للناس: أنا أقتل هذا ثم أحييه، فيَقْتُلُه ثم يُحْيِيه.
فيقول: قد ازددت الآن بك علماً، -يعني أنك الدجال-.
وهذا من خِيرة الناس على وجه الأرض، أو خير الناس على وجه الأرض في زمانه.
والدجال لا يخرج حتى لا يُذْكَرَ في الأرض، وما من نبي إلا حذَّرَ أمَّتَهُ فتنة المسيح الدجال، ولهذا كان من المتأكدات على المؤمن في كل صلاة قبل السّلام أن يستعيذ بالله من أربع ومنها فتنة المسيح الدجال.
وأخبار المسيح الدجال والأحاديث التي جاءت فيه كثيرةٌ متنوعة معروفةٌ في كتب السنة وفي كتب من ألَّفَ في أشراط الساعة، لكن ننبه في هذا على عدة أمور:
(الأمر الأول:
قال بعض أهل العلم :
أنَّ المسيح الدجال لم يكن حياً في عهده صلى الله عليه وسلم ،
وإنَّمَا في قصة الجزيرة في قصة الرجل المحبوس وسؤاله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الحديث الذي رواه مسلم المعروف، من العلماء من حَكَمَ عليه بالشذوذ، ومنهم من قال خَرَجَ آيَةً، جعله الله آية للدلالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس مستمر الحياة.
والمقصود من هذا أنَّ الدجال بَشَرْ يخلقه الله عزوجل في وقتٍ من الأوقات ثم يأذَنُ بخروجه من مكانٍ هو فيه على ما يشاء ربنا عزوجل .
وبعض أهل العلم ذكر قاعدة :
حقيقة الدجال قبل خروجه هو من الأمور الغيبية التي يرجع لمعرفتها إلى نصوص الوحي ، ولا يجوز التقول فيها بغير علم .
قال الله تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا )الإسراء/36 .
ولهذا على المسلم ألا يلقي سمعه لكل قائل ومُحَدِّثٍ بالعجائب ، بل عليه أن يتأكد هل ما يقوله هذا القائل من الأمور الغيبية ، مما ورد به النص الصحيح ، أو من محض آرائه وتفكيره ؟ فإذا كان من الأول قبله وإلا أعرض عنه ، لأن الغيب لا يدرك إلا بالوحي .
ثالثا :
وقع تنازع بين السلف في شأن الدجال من يكون ؟ وذلك بسبب قصة ابن الصياد [ وهو أحد الكفار من يهود المدينة النبوية] :
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ : ” رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ الصَّيادِ الدَّجَّالُ ، قُلْتُ : تَحْلِفُ بِاللَّهِ ؟ قَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” رواه البخاري (7355) ، ومسلم (2929) .
والظاهر من قصة ابن الصياد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع بكونه هو الدجال ، بل رأى فيه بعض أماراته فقط .
قال النووي رحمه الله تعالى :
” قال العلماء وقصته مشكِلة ، وأمره مشتبه ، في أنه : هل هو المسيح الدجال المشهور ، أم غيره ؟ ولاشك في أنه دجال من الدجاجلة .
قال العلماء : وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولاغيره ، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال ، وكان في ابن صياد قرائن محتملة ، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ، ولهذا قال لعمر رضي الله عنه : إن يكن هو ، فلن تستطيع قتله ” .
انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” (18/46) .
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى :
” والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعا ؛ لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية ، فإنه فيصل في هذا المقام . والله أعلم “.
انتهى من ” البداية والنهاية ” (19/127).
وحديث فاطمة بنت قيس الفهرية رضي الله عنها هو الآتي :
عن فَاطِمَة بِنْت قَيْسٍ ، أُخْت الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ – وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ – “….جَمَعْتُكُمْ ، لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ ، كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا ، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ . وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ، حَدَّثَنِي ؛ أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ ….. وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً – أَوْ وَاحِدًا – مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا ، يَصُدُّنِي عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا )، قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ : ( هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ ، هَذِهِ طَيْبَةُ – يَعْنِي الْمَدِينَةَ – أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ ؟ ) ، فَقَالَ النَّاسُ : نَعَمْ ، ( فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ ، أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ ، أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ ، أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ) وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ ، قَالَتْ : فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” رواه مسلم (2942) .
فيظهر بوضوح من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ما حكاه تميم رضي الله عنه وصدقه .
فالحاصل : أن الدجال هو على ماورد في هذا الحديث ، وأنه مربوط وموثق بالحديد ، وهو باق على هذه الحال حتى يؤذن له بالخروج ، وعلى هذا فهو لا يتحول ولا يتشكل بصور غيره .
والله أعلم .
(الأمر الثاني: أنَّ خروج الدجال يكون بعد خروج المهدي، والمهدي ليس من أشراط الساعة الكبرى، وإنَّمَا يكون قريباً من خروج الدجال.
والمهدي سُمِّيَ مَهْدِيَّاً لأنَّ الله عزوجل سيهديه ويُصْلِحُه في ليلة كما جاء في الحديث الصحيح أنَّهُ يذهب إلى مكة في حين اختلافٍ من الناس؛ يعني أنَّ الناس لا أمير لهم ولا إمام ولا جماعة، فيعوذ بالبيت فيخرج إلى الحرم يعني إلى مكة فيلوذ بالكعبة، ثم يأتيه الناس فيأمرونه بالخروج ويبايعونه.
وقوله صلى الله عليه وسلم : “يصلحه الله في ليلة” ، اختلف العلماء فيه، هل معناه:
أنَّهُ يُصْلِحُهُ في أمر دينه ولم يكن صالحاً ؟
أو أنَّهُ يصلحه لأمر الوَلاية وإمارة الناس ؟
* والأظهر هو الثاني أنَّهُ يصلحه الله في ليلة لإمارة الناس ولقيادتهم.
وهو من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب، واسمه كاسم محمد ، محمد بن عبد الله، وجاء في الأحاديث صفاته، وبلغت الأحاديث التي فيها ذكر المهدي بأسانيد صحيحة وحِسَانْ وضعاف أكثر من أربعين حديثاً.
ولهذا قال طائفة من أهل العلم إنَّ أحاديث المهدي تبلغ مبلغ التواتر المعنوي، يعني الذي في جملته، لا في أفراده، يدل على أنَّ المهدي سيخرج في آخر الزمان قُرْبْ خروج الدجال.
وفي قصة المهدي أنَّهُ حين [….] يصيح صائح إنَّ الدجال خَلَفَكُم في أهليكم وأولادكم أو أموالكم، وينقسم الناس، في القصة المعروف التي لا مجال لسردها بطولها.
[…..] أنَّهُ في أثناء ولاية المهدي وغزوِهِ وجهاده وانتشار الخيرات في وقته يخرج الدجال فتعظُمُ فتنته.
( نزول عيسى ابن مريم عليه السلام:
ثم ينزل عيسى عليه السلام وهو حَيٌّ الآن، ينزل من السَّماء في دمشق عند المنارة البيضاء شرقي دمشق.
والنبي كما روى ابن ماجه وغيره أنَّهُ ينزل عند المنارة البيضاء في شرقي دمشق ثم يدرك الدجال بباب لُدْ فيقتله هناك، وأصله في مسلم
وهذا قبل وجود المنارة وقبل بناء المسجد الأموي، والمنارة البيضاء الآن معروفة في دمشق.
فما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعظم ما بيَّنَهُ لأمته .
ثاني أشراط الساعة نزول عيسى بن مريم، والله عزوجل دلَّ على نزوله في القرآن بقوله عزوجل ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) [النساء:159]، وقد جاء في الصحيح أنَّ أبا هريرة ( قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “يوشك أنْ ينزل فيكم عيسى ابن مريم حَكَماً عَدْلاً مُقْسِطَاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال في عهده -أو في وقته- حتى لا يقبله أحد ويؤمن به أهل الكتاب”، قال أبو هريرة رضي الله عنه واقْرَأُوا إنْ شئتم: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً .
فقوله هنا عزوجل(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، المقصود به قبل موت الكتابي أو قبل موت عسى ابن مريم؟
من أهل العلم من قال بالأَوَّلْ أنَّهُ قبل موت الكتابي فيؤمن بعيسى ابن مريم.
وأكثر أهل العلم وأهل التفسير على أنَّ المقصود به ( قَبْلَ مَوْتِهِ) يعني قبل موت عيسى ابن مريم لأنَّ سياق الآية والآيات قبلها يدل على ذلك
وهذا في معنى الآية التي في سورة الزخرف وهي قوله عزوجل في ذِكْرِ عيسى ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا)[الزخرف:61]، وفي القراءة الأخرى (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) والعَلَمْ هو العلامة والشرط، (لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) يعني شرط من أشراط الساعة، وهو الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة واتفق عليه [……] حتى أنَّ أبا هريرة ( إذا ساق ذلك قال لمن يروي له هذا الحديث: فإذا رأيت عيسى ابن مريم فأقرئه منّي السلام ، ويرويها مَنْ بَعْدَه لمن بعده، فإذا رأيت عيسى ابن مريم فأقرئه مني السلام، وهذا من شدة إيمانهم وتصديقهم بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى[النجم:3-4].
عيسى عليه السلام يمكث ما شاء الله في الأرض أنْ يمكث ثم يموت ثم يُصَلَّى عليه.
– خروج يأجوج ومأجوج:
ويخرج في عهد عيسى عليه السلام يأجوج ومأجوج، وقد جاء ذكرهم في القرآن في سورتين، في سورة الكهف وفي سورة الأنبياء، قال عزوجل: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ)[الأنبياء:96-97]، يعني الساعة، وفي سورة الكهف: (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً)[الكهف:94] الآيات، فأفادت الآيتان فائدتين:
الفائدة الأولى: أنَّ يأجوج ومأجوج موجودان اليوم وموجودان قبل ذلك فهما قبيلان أو قبيلتان أو شَعْبَانِ كبيران يعْظُمُ أمرهما عند قيام الساعة.
– الفائدة الثانية: أنَّهُمْ يأتون من كل حَدَبْ، قال في آية الأنبياء: (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)، والحَدَبْ هو الجهة، و(يَنْسِلُونَ) هذا من النَسَلاَن وهو السير ليلاً، فهم يأتون من كل جهة، فربما مروا على البحيرة العظيمة فشربوا ماءها إلخ.
فخروج يأجوج ومأجوج في عهد عيسى عليه السلام، هذا من آيات الساعة الكبرى.
ثم يدعوا عليهم عيسى عليه السلام فيموتون ثم تُنْتِنُ الأرض التي هم فيها بنَتَنِ أجسادهم فيأمر الله عزوجل ريحاً أو طيوراً بحملهم في البحر.
( ثلاثة خسوف: خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب:
وهذه الخسوف الثلاثة، خسوفٌ عظيمة لم يسبق أَنْ حَدَثَ مثلها.
فالزلازل وخسوف الأرض تحدث في الأرض وهي من آيات الله عزوجل يبتلي بها ويعذِّبُ بها، ولكنها آيات عند قرب قيام الساعة لم يحدث لها مثيل، فهي غير مألوفة.
خسوف عظيمة كبيرة تكون في الشرق وفي الغرب وفي جزيرة العرب.
والخَسْفْ معروف أنَّهُ ذهاب الأرض إلى أسفلها، يعني ذهاب علو الأرض إلى أسفلها.
( طلوع الشمس من مغربها:
وطلوع الشمس من مغربها جاء ذكره في القرآن وكذلك في السنة الصحيحة، كما في قوله عزوجل: ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً)[الأنعام:158].
والتوبة لا تزال مقبولة من العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها.
وطلوع الشمس من مغربها حقٌ وصدق وهي آية غير مألوفة؛ لأنَّ المألوف أنَّ الشمس تطلع من الشرق ثم تغرب في الغرب، فكونها تعود من حيث جاءت أو من حيث غَرَبَتْ، تعود من الغرب إلى الشرق هذه آية عظيمة غير مألوفة تجعل الناس جميعاً يؤمنون.
ولهذا إذا طلعت الشمس من مغربها فإنَّ الناس يؤمنون لكن لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً، فيبقى بعد طلوع الشمس من مغربها الناس فيهم المؤمنون الذين آمنوا قبل طلوع الشمس من مغربها، وفيهم المنافقون والكافرون والمشركون.
خروج الدابة على الناس ضحى:
ثم تخرج الدابة، والدابة حيوان عظيم الخِلْقَةْ يُعْطِيهْ الله عزوجل القدرة على وَسْمْ الناس، كما قال عزوجل في آخر سورة النمل: ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُون )[النمل:82].
(وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) يعني بقيام الساعة وبطلوع الشمس من مغربها.
(أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ )؛وفي قراءة أخرى: (تَكْلِمُهُمْ أنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ) ؛وأيضاً (إِنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ)، يعني بفتح الهمزة من أَنَّ وكسرها.
وقوله: (تُكَلِّمُهُمْ) و(تَكْلِمُهُمْ) قراءتان صحيحتان تدلاَّنِ على معنيين مختلفين:
( المعنى الأول: أنها تُكَلِّمْ وتحدِّثْ الناس، وهي آية، والعادة في الحيوان أنَّهُ لا يُكَلِّمُ الناس، فهي تكلم الناس بلغاتهم وبما يفهمون عنها.
( المعنى الثاني: أنها تَكْلِمْ الناس بمعنى أنَّهَا تَسِمُ الناس، والوسْمُ سَمَّاهُ الله عزوجل هنا كَلْماً لأنه يكون معه كَلْمُ الجلد والتأثير في الجلد كما يحصل في وسْمِ الدواب فإنه لا بد فيه من جُرْحٍ فيها أو من أثرٍ فيها، فتَسِمُ الناس هذا مؤمن وهذا كافر، وهذه هي الآية الثامنة.
ثم بعد ذلك تأتي وليست من الآيات تأتي ريح يرسلها الله عزوجل خفيفة في ليلة فتقبض أرواح أهل الإيمان أو يموت معها أهل الإيمان، فيبقى أهل الكفر والنفاق والشرك يتهارجون في الأرض كتهارج الحُمُرْ فلا يقال في الأرض (الله الله)10 كما جاء في الصحيح، يعني لا يُقَال في الأرض اتق الله اتق الله، أو أذكر الله أذكر الله.
– الدخان:
ثم يكون الدخان، والدخان حَصَلَ مَرَّةً كما في سورة الدخان؛ ولكنه ليس بالآية العظيمة كالدخان الذي يحصل قرب قيام الساعة، فذاك دخان يغشى الناس من أولهم إلى آخرهم في الأرض كلها ويشتد معه الخطب والأمر.
ومن أهل العلم من قال: إنَّ الآية في سورة الدخان المقصود بها ما هو في قرب قيام الساعة، وفي الأحاديث والسنة أنَّ الدخان حَصَلَ في المسلمين، يعني قد رآه المسلمون والمشركون في مكة، وهذا غير هذا.
– خروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر:
وآخرها نار تخرج من جنوب الجزيرة من قعر عدن؛ يعني يبدأ خروجها من هذا الموطن، ثم تنتشر في الأرض فتحيط بالناس تحشُرُهُمْ إلى أرض المحشر، تبيت معهم وتَقِيلُ معهم، وهذا أيضاً آية عظيمة أنَّ ناراً تتحرك تمشي تقف مع الناس ومع خوفهم حتى تحشر الناس إلى أرض المحشر.
ثم بعد ذلك يحصل النفخ في الصور: النفخة الأولى، نفخة الفزع والصّعق، ثم تكون أربعون وتكون نفخة البعث أعاننا الله عزوجل على كربات يوم القيامة وغفر الله لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
– المسألة الخامسة:
الناس في ما كتبوا من أهل العلم في أشراط الساعة ما بين مُصِيبٍ مُدَقِّقْ وما بين متساهل.
ولهذا المؤلفات في هذا الباب كثيرة جِدَّاً، يعني وما بين كُتُبٍ مُؤَلَّفَة مستقلة وما بين شروحٍ في كتبٍ مطولة.
لكن ينبغي لطالب العلم أنْ يتحَرَّزْ في هذا الأمر وذلك لأنَّ أشراط الساعة أمرٌ غيبي، والأمور الغيبية يجب أنْ يُسَلَّمَ لها إذا صح فيها دليل، إذا كان الدليل من كتاب الله عزوجل أو كانَ الدّليل مما صح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيها ما في جنس أخبار الغيب بأنه لا يُتَعَرَضُ لها بمجاز ولا بما يَنْفِيْ حقيقتها ولا بالتأويل الذي يصرفها عن ظواهرها.
فباب التأويل والمجاز مرفوضٌ في مسائل الغيب جميعهاً، أو رَدْ هذه الآيات بالعقلانيات وأنَّ العقل يُحيلُ مثل هذا، هذا كله مردود.
ولهذا تجد في الكتب المؤلفة والشروح، ربما ما يصرف الأحاديث عن ظاهرها والواجب هو التسليم لها.
وهذا يَدْخُلْ في مقتضى الشهادة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه من مقتضى الشهادة معناها تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، فكل ما أخبر به من أمور الغيب ومن قصص السالفين ومما لم تُدْرِكْهُ فيجب التصديق به والإيمان بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم يُبَلِّغُ عن ربه عزوجل وتقدست أسماؤه.
والناس في مسائل أشراط الساعة كما ذكرت في أول الكلام:
* منهم من يتأولها وينفي ما لا يدل عليه العقل، ويأخذ بما دلَّ عليه العقل.
* ومنهم من يتأول بعضاً.
* ومنهم من يؤمن بها على ظاهرها كما جاءت لأنها أمورٌ غيبية وهذا هو الذي ينبغي.
لهذا تجد مثلاً أنَّ في نزول عيسى عليه السلام والمهدي إذا جاء أنَّهُ يكون مثلاً بالسيف وبالخيل، والسيف والخيل قال فيها صلى الله عليه وسلم : “إني لأعرف -أو لأعْلَمُ- أسماء خيولهم وألوانها”، أو كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم ، وهذا تأكيد للحقيقة.
وكذلك أشراط الساعة الأخرى مثل خروج الدجال وأن يسمع به الناس:
فمِنَ الناس من قال أنَّ الدجال مثلاً يركب الطائرة، مما أُلِّفْ في هذا الباب، يركب الطائرة وأنه يَسْمَعْ الناس بخبره عن طريق كذا وكذا من الآلات التي هي موجودة الآن، وهذا مما لا يصلح أنْ يُثْبَتْ ولا أنْ يُنْفَى.
بل الواجب في مثل هذا التسليم للخبر لأنه إثباته فيه إثبات أنَّ هذه الأشياء ستبقى إلى خروجه، وهذا ما ليس لنا به علم، والنفي أيضاً نفيٌ بما لم نُدْرِكْ علما.
والواجب في هذا التسليم وأن لا يخوض الناس في عقليات تنفي ظاهر الأدلة.
فنؤمن بها كما جاءت ولا ندخل فيها كما ذكرت بتأويلٍ أو بمجازٍ يصرفها عن ظواهرها.
( المسألة السادسة:
عيسى ابن مريم عليه السلام إذا نزل فإنَّهُ ينزِلُ تابِعَاً لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنَّهُ ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وَجَبَ على من يكون حَيَّاً أنْ يؤمن به.
ولهذا عيسى عليه السلام إذا نَزَلْ وكان الإمام يُصَلِّيْ بالناس أو يريد الصلاة، فيأتي يَتَأَخَّرْ ليتقدم عيسى عليه السلام، فيقول عيسى عليه السلام (لا، إمامكم منكم تَكْرِمَةُ الله لهذه الأمة).
وهذا فيه الدِّلالة من أول وهلة ومن أول لحظة على أنَّهُ تابعٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وليس رسولاً مُتَجَدِّدَاً يعني كما كان قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم .
ولهذا إذا نزل عليه السلام فإنه يكون حاكماً بكتاب الله عزوجل وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وينطَبِقُ في حَدِّهِ عليه السلام أنَّهُ صحابي أيضاً لأنَّهُ رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج حياًّ وينزل بعد ذلك مُتَّبِعَاً له ويموت على اتِّبَاعِهِ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم .
وهذا ينطبق عليه حد الصحابي أنَّهُ من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ساعَةً مؤمناً به ومات على ذلك.
ولهذا بعض أهل العلم ربما ألْغَزْ فقال: مَنْ رجل مِنْ أمة محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل من أبي بكر بالإجماع؟
والجواب أنَّهُ عيسى عليه السلام لأنَّهُ تفضيله لأنه رسول ومن أولي العزم من الرسل وهو من أتْبَاعِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم بعد نزوله.
فبعد أنْ ينزل ويُخَاطَبْ ويحكم في الأرض بشريعة الإسلام لأنَّ شريعة الإسلام ناسخةٌ لما قبلها من الشرائع.
( المسألة السابعة:
أشراط الساعة ربما حَلاَ لبعض الناس أنْ يُنَزِّلَهَا على الواقع الذي يعيش فيه، دون تحقيقٍ في انطباقها على ما ذكر.
ولهذا ألَّفَ مَنْ أَلَّفْ من المعاصرين في أنَّ هذه العلامة أو هذا الشرط هو كذا بعينه.
وهذا مما لا يتجاسر العلماء عليه بل يتحرون فيه أَتَمْ التَّحَرِّيْ فإنَّ تطبيق الواقع على أنَّهُ هو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم هذا يحتاج إلى علم لأنَّهُ إخبارٌ بما تؤول إليه أحاديثه صلى الله عليه وسلم وهذا يحتاج إلى علم، والله عزوجل يقول: ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ)[الأعراف:53]، يعني ما تؤول إليه حقائق أخباره، وهذا ربما لم يظهر لكل أحد، -يعني الآية في يوم القيامة لكن انتظار التأويل يعني ما تؤول إليه حقائق الأخبار-.
بعضها ظاهر مثل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، انشقاق القمر، موت النبي صلى الله عليه وسلم ، الموتان يعني الطاعون الذي حصل، طاعون عمواس في سنة 18 من الهجرة ونحو ذلك، مثل النار التي خرجت من المدينة.
لكن في بعضها يكون ثَمَّ اشتباه، هل هو منطبق أو ليس بمنطبق، هل هو تمت، يعني هل الصفات منطبقة أو ليست كذلك.
ولهذا كما ذكرت لك في أول الكلام أنَّ أشراط الساعة إيرادُهَا من الشارع إنما هو لأمرين:
1 – لأجل الإيمان بها.…2 – ثُمَّ لتكون دِلَالَةْ من دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
فوجود الأحاديث أو ذِكْرِ الشيء من أشراط الساعة لا يقتضي مدحاً ولا ذمَّاً ولا نستفيد منه حكماً شرعياً.
مثلاً حديث: “لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد ، وكما في حديث عمر المشهور في قصة جبريل، قال: أخبرني عن السَّاعة، قال: “ما المسؤول عنها بأعلم من السائل”، قال: فأخبرني عن أشراطها، قال: “أنْ تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان”.
منهم من طَبَّقْ (أنْ تلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا) على عصرٍ من العصور أو على وضعٍ من الأوضاع.
ومنهم من طَبَّقَ (الحفاة العراة العالة رعاء الشاء) على وقتٍ من الأوقات.
ومثل ما جاء من نُطْقْ الحديد، مثل (وأَنْ تُحَدِّثَ المرأ عَذَبَةُ سوطه)15.
المعتمد عند أهل العلم أنَّ مثل هذه الأحاديث لم تَرِدْ للأحكام الشرعية وإنما وردت للإخْبَارِ بها لتكون دليلاً على نبوته صلى الله عليه وسلم ولابتلاء الناس بالإيمان بخبره صلى الله عليه وسلم حتى يظهر المُسَلِّمْ له صلى الله عليه وسلم من غير المُسَلِّمْ.
لهذا احذر من التطبيق، وخاصَّةً في ما يشتبه.
قد مَرَّتْ أَزَمَاتْ ومَرَّتْ فِتَنْ ومَرَّتْ أشياء، من الناس من طَبَّقْ فأخطأ في ذلك، وهو ربما بَنَى على تطبيقه أشياء من التصرفات أو الآراء أو الأحوال فأخطأ في ذلك خطأً بليغاً، وظَهَرَ بيان خطئه.
والشارح ابن أبي العز اقْتَضَبَ جداً في شرحه فاقتصر على إيراد الأحاديث الواردة في هذا الباب.
ومن أفضل الكتب في اشراط الساعة كتاب “النهاية” للحافظ ابن كثير لأنه مُحَرر، ومن الكتب المعاصرة كتاب أشراط الساعة ليوسف الوابل، وكذلك كتاب: “إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة” للشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري /، ونحو هذه الكتب. ” شرح الطحاوية ” للشيخ صالح ال الشيخ حفظه الله
=====
=====
الإيمان بنعيم القبر وعذابه
من عقيدة أهل السنة والجماعة: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وأنّه إما حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة.
وقد جاءت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تدلّ على إثبات نعيم القبر للمؤمنين، وعذابه للعاصين والكافرين، أعاذنا الله من عذابه، وجعل قبورنا وقبور إخواننا المسلمين روضة من رياض الجنة، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
قال ابن تيمية في النبوات ( 2/ 711-712): [خَطَايَاهُمْ] 1 أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارَاً} 2، وقال عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوَّاً وَعَشِيَاً وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَاب}. انتهى
فمنها: قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . [النحل، 32] ، وقال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} . [الفجر، 27-29] ، وقال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} . [إبراهيم، 27] ، وقال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} . [السجدة، 21] ، وقال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} . [البقرة، 154] .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة». متفق عليه .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن أهل القبور يعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم». متفق عليه .
الإجماع :
الإيمان بنعيم القبر وعذابه ، لأن ذلك ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف . ” التلخيص المعين في شرح الاربعين ” للعلامة ابن عثيمين رحمه الله.
[ هل العذاب و النعيم يقع على الروح و الجسد]
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
والظاهر أنَّ العذاب والنعيم وما يحصل في البرزخ يقع على الإنسان بروحه وجَسَدِه؛ لكن تَعَلُّقْ الروح بالجسد هنا يختلف، لهذا صار قول أهل السنة والجماعة أنَّ العذاب يقع على الروح وعلى الجسد، وأنَّ النعيم أيضاً في المقابل للروح وللجسد. شرح العقيدة الطحاوية ( 524).
قال الشيخ صالح ال الشيخ حفظه الله:
عذاب القبر مُسَلَّطٌ على الإنسان المُكَلَّفْ، والإنسان المُكَلَّفْ اسْمْ لِرُوحِهِ وجَسَدِهِ، ولذلك الأدلة التي دَلَّتْ على حصول عذاب القبر تتناول الروح والجسد معاً، فالعذاب والنعيم يقع على الروح ويقع على الجسد.
يقع على الروح مُتَّصِلَةً بالجسد بنوع من الاتصال الذي يصلح للحياة البرزخية، ويقع على الروح مُجَرَّدَة، وربما على البدن مُجَرَّدَاً؛ يعني على البدن وحده ونحو ذلك.
ذكر هذا طائفة من العلماء لأجل دِلَالَةْ النصوص على هذا وهذا.
[المسألة الثالثة]:
المخالف في تَعَلُّقْ الروح بالبدن هنا ربما كان من المنتسبين للسنَّة، فمن المنتسبين للسنة من العلماء من يقول العذاب على الروح والنعيم للروح وأما البدن فإنه لا يُعَذَّبْ ولا يُنَعَّمْ كما ذكرنا، ولهذا صارت أقوال أهل السنة في هذه المسألة؛ يعني المنتسبين للسنة ثلاثة أقوال:
1- القول الأول: قول أهل السنة الذي دَوَّنوه في عقائدهم وقَرَّرَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّ العذاب -كما ذكرنا- والنعيم يقع على الروح والجسد معاً على هذا وهذا.
2- القول الثاني: أَنَّهُ على الروح فقط دون الجسد، وهذا قول طائفة منهم ابن حزم، وطائفة من المعتزلة والأشاعرة وجماعة، هذه إضافة المعتزلة والأشاعرة، وأقوال أهل السنة يدخل فيها ابن حزم.
3- القول الثالث: أَنَّ العذاب والنعيم يكون للروح والبدن ما دام باقياً، وأما إذا تحلل فإنه يكون العذاب والنعيم للروح فقط.
وظاهر الأدلة كما ذكرنا هو الأول وهو الذي قَرَّرَهُ الأئمة وللمسألة تفصيل وردود على ابن حزم وعلى غيره تُطْلَبْ من المطولات.
” شرح الطحاوية ” .
الايمان بمنكر و نكير
قال العلامة الآلوسي:وقد اتفق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف وأكثرهم بعد ظهوره على إثبات إحياء الموتى في قبورهم ومساءلة الملكين لهم وتسمية أحدهما منكرا والآخر نكيرا وعلى إثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين. ” الآيات البينات” ( 88) بتحقيق العلامة الالباني رحمه الله
علق الإمام الألباني على قول صاحب الطحاوية: “ونؤمن … بعذاب القبر لمن كان له أهلا وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وعن الصحابة رضوان الله عليهم ” قائلا]:
وهي [أي أخبار السؤال في القبر] متواترة إلا تسمية الملكين بمنكر ونكير ففيه حديث بإسناد حسن مخرج في ” الصحيحة ” (1391).
“التعليق على متن الطحاوية” (ص85).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: “فأما أحاديث عذاب القبر ومسألة منكر ونكير؛ فكثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ مثل ما في “الصحيحين” عن ابن عباس – رضي الله عنهما؛ “أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين، فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما؛ فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، ثم دعا بجريدة رطبة، فشقها نصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله! لم فعلت هذا؟ قال: “لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا”، وفي “صحيح مسلم”وسائر السنن عن أبي هريرة – رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير؛ فليقل: أعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال”.
وساق الشيخ أحاديث كثيرة في هذه الباب، إلى أن قال: “وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين؛ فيجب اعتقاد ذلك والإيمان به، ولا نتكلم عن كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته؛ لكونه لا عهد له في هذه الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا … ”
إلى أن قال: “واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ؛ فكل من مات وهو مستحق للعذاب؛ تاله نصيبه منه؛ قبر أو لم يقبر، أكلته السباع، أو احترق حتى صار رمادًا ونسف في الهواء، أو صلب، أو غرق في البحر؛ وصل إلى روحه ونحو ذلك؛ فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده؛ من غير غلو ولا تقصير؛ فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده وما قصد من الهدى والبيان؛ فكم حصل من إهمال ذلك والعدول عنه من الضلال والعدول عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله”.
إلى أن قال:”فالحاصل أن الدور ثلاث: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وقد جعل الله لكل دار أحكاما تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعُ لها، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبع لها، فإذا جاء يوم حشر الأجسام وقيام الناس من قبورهم؛ صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعا.
” الإرشاد الى صحيح الإعتقاد” ( 280- 281) للعلامة الفوزان حفظه الله.
[٦:٣٦ ص، ٢٠٢١/١٠/٢١] سيف الكعبي ٢: 25 ( ب ) فتح المنان في شرح أصول الإيمان
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا ) .
——-‘——‘——-‘
——-‘——‘——-‘
الفصل الرابع :
الإيمان باليوم الآخر
وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : أشراط الساعة وأنواعها.
المبحث الثاني : نعيم القبر وعذابه .
وسبق الكلام على مطالبها
—-
المبحث الثالث : الإيمان بالبعث.
وفيه مطالب :
المطلب الأول : معنى البعث وحقيقته .
المطلب الثاني : أدلة البعث من الكتاب والسنة والنظر.
المطلب الثالث : الحشر .
المطلب الرابع : الحوض صفته وأدلته .
المطلب الخامس : الميزان صفته وأدلته .
المطلب السادس : الشفاعة تعريفها وأنواعها وأدلتها .
المطلب السابع : الصراط صفته وأدلته
المطلب الثامن : الجنة والنار صفتهما وكيفيه الإيمان بهما وأدلة ذلك
—–
الايمان بالبعث
البعث : هو إحياء الله الموتى وإخراجهم من قبورهم يوم القيامة ويسمى يوم المعاد لإعادة الأرواح إلى الأبدان فتعود بهذا الحياة إلى الأبدان ويسمى أيضا يوم النشور لانتشار المخلوقات إلى الموقف ويسمى يوم الدين لأن الناس يدانون فيه بأعمالهم أي يجزون عليها وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على وجوب الإيمان ببعث الأبدان بعد نفخ الأرواح فيها كما جاءت شرائع الأنبياء السابقين بالأخبار عنه ووجوب الإيمان به . ” سيرة حياة الشيخ عبدالرزاق عفيفي.
قال تَعالى [التغابن: 7]: { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } .
و قال تعالى: { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ }{ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ } .
و قال تعالى: ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا.
ومن السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم أنه قال : « لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال : ثم ينفخ فيه مرة أخرى فأكون أول من بعث أو في أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش » . متفق عليه.
قال العلامة المفسر الشنقيطي : وقد بين في هذه الآية: أن هذا الإنسان الكافر يقول منكرا البعث: أئذا ما مت لسوف أخرج حيا زعما منه أنه إذا مات لا يمكن أن يحيا بعد الموت، وقد رد الله عليه مقالته هذه بقوله: أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا، يعني: أيقول الإنسان مقالته هذه في إنكار البعث، ولا يذكر أنا أوجدناه الإيجاد الأول ولم يك شيئا، بل كان عدما فأوجدناه، وإيجادنا له المرة الأولى دليل قاطع على قدرتنا على إيجاده بالبعث مرة أخرى. ” أضواء البيان” ( 3/ 473).
و قال العلامة ابن عثيمين : ومنه إنكار البعث فإن كثيراً من الكفار كذبوا بالبعث، وقالوا: لا يمكن أن يُبعث الناس بعد أن كانت عظامهم رميماً كما قال تعالى: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم} [يس: 78]. ولهذا قال: {من أي شيء خلقه} استفهام تقرير لما يأتي بعده في قوله: {من نطفة خلقه} يعني أنت أيها الإنسان كيف تكفر بالبعث؟ من أي شيء خلقت؟ ألم تخلق من العدم لم تكن شيئاً مذكوراً من قبل فوجدت وصرت إنساناً فكيف تكفر بالبعث؟ ” تفسير القرآن للعثيمين” .
[البعث الكوني والديني]
وَأَمَّا لَفْظُ ” الْبَعْثِ ” فَقَالَ تَعَالَى فِي الْبَعْثِ الْكَوْنِيِّ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا}
وَقَالَ فِي الْبَعْثِ الدِّينِيِّ: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. “الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان” لشيخ الاسلام ابن تيمية
حكم انكار البعث
—————–
قال ابنُ عبد البرِّ ( أجمع المسلمون على أن من أنكر البعث فلا إيمانَ له ولا شهادة ) التمهيد 9/116
و قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: إنكار البعث كفر مخرجٌ عن الملة لأنه تكذيبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين قال الله تبارك وتعالى (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم) يعني تبعثون يوم يجمعكم (يوم الجمع ذلك يوم التغابن) فمن أنكر البعث فهو كافر خارجٌ عن الدين الإسلامي بإجماع المسلمين فيستتاب فإن تاب وأقر بالبعث إقراراً صادقاً يقر به ظاهراً وباطناً يعني ظاهراً مع الناس وباطناً فيما بينه وبين نفسه ومع أهله فهو من نعمة الله عليه ويكون رجوعاً للإسلام بعد الكفر وإن أبى وأصر على إنكاره وجب قتله وإذا قتل في هذه الحال فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له بالرحمة فهذا حكم من أنكر البعث ثم إن إنكار البعث مع كونه كفراً وتكذيباً لله ورسوله وإجماع المسلمين هو نقصٌ في العقل إذ كيف يخلق الله هذه الخليقة ويرسل إليها الرسل وينزل من أجلها الكتب ويأمر بالجهاد من عارض شرعه ثم تكون النتيجة أن تكون هذه الخليقة تراباً لا يبعثون ولا يحاسبون ولا يجازون لو وقع هذا لكان من أسفه السفه فكيف ينسب إلى رب العالمين الذي هو أحكم الحاكمين فالكتاب والسنة وإجماع المسلمين والعقل السليم كلها توجب أن يكون للناس بعثٌ يجازون فيه على أعمالهم ولهذا نقول من أنكر البعث فهو كافر وهو ضالٌ في دينه سفيهٌ في عقله والواجب على ولي الأمر أن يقتله إذا لم يتب ويقر بالبعث. ” فتاوى نور على الدرب” للعلامة ابن عثيمين رحمه الله.
و قال أبو عثمان الصابوني في كتابه عقيدة السلف أصحاب الحديث [ ص ( 60 ) ] حيث قال : ( ويؤمن أهل الدين والسنة بالبعث بعد الموت يوم القيامة ، وبكل ما أخبر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم من أهوال ذلك اليوم الحق ) .
[ الحشر]
معنى الحشر: وعرفه القرطبي بأنه الجمع. ” التذكرة”.
في صفته آيات كثيرة ، منها قوله تعالى : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } . الآية ، وقوله تعالى : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } . الآيات ، وقوله تعالى : { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا }{ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } . الآيات ، وقوله تعالى : { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً }{ فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ }{ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ }{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } .
س : كيف صفته من السنة ؟
جـ : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين ، واثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير ، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا ، وتصبح معهم حيث أصبحوا ، وتمسى معهم حيث أمسوا » رواه البخاري . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه « أن رجلا قال : يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه ؟ قال : ” أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة » رواه البخاري. أنظر: ” أعلام السنة المنشورة”.
هل تبعث الحيوانات ؟
[قال الإمام الألباني رحمه الله ]:
إن مما يدل على غربة السنة في هذا الزمان وجهل أهل العلم والفتوى بها، جواب إحدى المجلات الإسلامية السيارة عن سؤال: “هل تبعث الحيوانات … ” ونصه:
” قال الإمام الآلوسي في تفسيره: ” ليس في هذا الباب – يعني بعض الحيوانات – نص من كتاب أو سنة يعول عليه يدل على حشر غير الثقلين من الوحوش والطيور “.
هذا كل ما أعتمده المجيب، وهو شيء عجيب يدلكم على مبلغ إهمال أهل العلم – فضلاً عن غيرهم- لعلم السنة، فقد ثبت فيها أكثر من حديث واحد يصرح بأن الحيوانات تحشر، ويقتص لبعضها من بعض، من ذلك حديث مسلم في “صحيحه”: “لتؤدون الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء”. وثبت عن ابن عمرو وغيره أن الكافر حين يرى هذا القصاص يقول:
{يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}. “الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام” (ص37).
( الحوض و صفته)
وقد ورد في ذكر الحوض وتفسير الكوثر به وإثباته وصفته من طرق جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه و سلم واشتهر واستفاض بل تواتر في كتب السنة من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن فمن روى ذلك عنه من الصحابة أنس بن مالك وعبد الله بن عمر وحارثة بن وهب وجندب بن عبد الله وسهل بن سعد وعائشة وعقبة بن عامر وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر وثوبان وأبو ذر وأم سلمة وجابر بن سمرة وزيد بن أرقم وسمرة بن جندب وحذيفة وأبو برزة الأسلمي والمستورد بن شداد وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن زيد وأسامة بن زيد . معارج القبول للحكمي.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : “حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً”. أخرجه البخاري رقم (6579) ومسلم رقم (2292) .
قال أهل السنة والاستقامة أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضاً يسقي منه المؤمنين ولا يسقي منه الكافرين، وأنكر قوم الحوض ودفعوه. ” مقالات الإسلاميين” ( 116).
ذكر ابن أبي عاصم في كتابه السنة بعد ذكره لجملة من الأحاديث :
قال أبو بكر : والأخبار التي ذكرناها في حوض النبي صلى الله عليه وسلم توجب العلم ، أن يعلم كنه حقيقته ، أنها كذلك وعلى ما وصف به نبينا عليه السلام حوضه ، فنحن به مصدقون غير مرتابين ولا جاحدين ، ونرغب إلى الذي وفقنا للتصديق به – وخذل المنكرين له والمكذبين به عن الإقرار به والتصديق به ، ليحرمهم لذة شربه – أن يوردنا فيسقينا منه شربة نعدم لها ظمأ الأبد بطوله ، ونسأله ذلك بتفضله .
قال الطحاوي في عقيدته: والحوض الذي أكرمه الله تعالى به -غياثاً لأمته- حق:
قال العلامة الفوزان حفظه الله: من جملة ما يعتقده أهل السنة والجماعة ما صح فيه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور يوم القيامة، وما يحدث في يوم القيامة من أمور، فمن ذلك :
الحوض: فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن له حوضاً في يوم القيامة في المحشر يرده أتباعه الذين آمنوا به واتبعوه، فيشربون منه، فإذا شربوا منه شربة واحدة لم يظمؤوا بعدها أبداً، وذلك لأن يوم القيامة يوم شديد وعصيب وفيه حر شديد.
فيحصل الظمأ الشديد، فجعل الله هذا الحوض غياثاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم يغيثهم به، ومعلوم أن الغيث الذي ينزله الله من السماء تحيا به الأرض وتحيا به النفوس، فكذلك الحوض فإنه غياثٌ يغيث الله به العباد عند شدة حاجتهم إلى الماء .
والحوض هو مجمع الماء، وقد وصفه عليه الصلاة والسلام بأنه حوض عظيم طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته عدد نجوم السماء، وأن من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ماؤه أبيض من اللبن وأحلى من العسل.
وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه يرده أقوامٌ ثم يذادون ويمنعون من الشرب منه، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم : “يارب، أمتي، أمتي” فيقول الله عز وجل : “إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك” فيقول عليه الصلاة والسلام: “سُحقاً وبُعداً لمن بدّل وغير” ، ويمنع من وروده أهل البدع المضلة المخالفون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كفروا وارتدوا على أعقابهم، تاركين السنة، وذاهبين بأهوائهم وآرائهم المذاهب المنحرفة، هؤلاء يمنعون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم بدلوا وغيروا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يرده إلا من كان متبعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً واعتقاداً، وبعض العلماء يرى أن الكوثر المذكور في قوله تعالى: (إنا أعطيناك الكوثر) [الكوثر:1] هو الحوض، وبعض العلماء يرى أن معنى الكوثر: الخير الكثير، ولا شك أن الحوض يدخل في هذا الخير الكثير؛ لأنه خير لهذه الأمة(2)
، فهذا هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب الإيمان به واعتقاده، وأن يتمسك الإنسان بالسنة، حتى يرد هذا الحوض، ولا يُردّ عنه يوم القيامة. ” التعليقات المختصرة على الطحاوية” ( 93- 95).
قال ابن تيمية: الْحَوْضُ الْمَوْرُودُ لِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ آنِيَتُهُ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ طُولُهُ شَهْرٌ وَعَرْضُهُ شَهْرٌ مَنْ يَشْرَبُ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا وَالصِّرَاطُ مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ – وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ – يَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْفَرَسِ الْجَوَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَرُكَّابِ الْإِبِلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْدُو عَدْوًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي مَشْيًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْحَفُ زَحْفًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْطَفُ فَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ؛ فَإِنَّ الْجِسْرَ عَلَيْهِ كَلَالِيبُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمَنْ مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ دَخَلَ الْجَنَّةَ. فَإِذَا عَبَرُوا عَلَيْهِ وَقَفُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَسْتَفْتِحُ بَابَ الْجَنَّةِ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ الْأُمَمِ: أُمَّتُهُ. ” مجموع الفتاوى” ( 3/ 146-147).
[متى ورود الحوض؟]
ورود حوض النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل الصراط، فيرده قوم، ويذاد عنه آخرون وقد بدلوا وغيروا. المستدرك على مجموع الفتاوى ( 1/ 104).
المبتدع يحال بينه وبين الشرب من حوض النبي صلّى الله عليه وسلّم، يوم القيامة، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: “أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردنَّ عليَّ أقوامٌ أعرفهم ويعرفوني، ثم يُحال بيني وبينهم” [متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب في حوض النبي صلّى الله عليه وسلّم، 7/264، ومسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلّى الله عليه وسلّم وصفاته، 4/1793، برقم 2290]، وفي لفظ فأقول: “إنهم مني” فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: “سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي” [البخاري، كتاب الرقاق، باب في حوض النبي صلّى الله عليه وسلّم، 7/264، برقم 6583]، وعن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: “يا ربّ أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك” [متفق عليه: البخاري، كتاب الرقائق، باب في حوض النبي صلّى الله عليه وسلّم 7/262، برقم 6575، ومسلم، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلّى الله عليه وسلّم، 4/1796، برقم 2297].
الميزان
الشرح:الميزان في اللغة : ما تعرف به المقادير ثقلاً وخفةً ، وهو في الشرع ميزان ينصبه الله -سبحانه وتعالى – في عرصات القيامة لوزن أعمال العباد.
اثبات الميزان من الكتاب و السنة
قال تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا }، { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُون َ } (لأعراف: 8 ، 9)
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم » رواه البخاري في الصحيح ، عن أبي خيثمة ورواه مسلم.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن ».
قال أبو بكر بن أبي عاصم : الأخبار التي في ذكر الميزان أخبار كثيرة صحاح ، لا تذهب عن أهل المعرفة بالأخبار لكثرتها وصحتها وشهرتها ، وهي من الأخبار التي توجب العلم على ما ذكرنا . ” السنة لابن أبي عاصم” ( 2/ 313).
الميزان له لسان و كفتان
قال البربهاري في شرح السنة:
والإيمان بالميزان يوم القيامة يوزن فيه الخير والشر له كفَّتان وله لسان [1] .
[ تعليق العلامة النجمي ]
[1] أقول : أمَّا الكفتان ، فكفَّةٌ للحسنات وكفَّةٌ للسيئات ، وأمَّا اللسان فهي الشَّوكة التي يعرف بها ميل الميزان إلى أيِّ جهةٍ كانت ، والوزن حقٌّ توزن به أعمال العباد قال تعالى : { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُون َ } (الأعراف: 8 ، 9) ، لماذا قال في الشَّخْصِ موازين ؟ لأنَّ أعماله توزن . الصلاة توزن ؛ هل أديت جميعاً أم لا ؟ أم كان فيها نقصٌ وهكذا الزكاة ، والصوم ، وسائر الأعمال.
والناظر في نصوص السنة يجد أنها صريحة الدلالة على وزن العمل ووزن العامل وصحيفة العمل
فمن الأدلة على وزن العمل حديث أبي هريرة المتقدم وما أخرجه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ” سبحان الله والحمد لله تملآن الميزان” ومن الأدلة على وزن العامل الحديث الصحيح ” يأتى بالرجل السمين العظيم لا يزن عند الله جناح بعوضة” ويدل على وزن صحيفة العمل حديث صاحب البطاقة ” يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر ،فيقول الله : أظلمتك كتبتي ؟أتنكر من هذا شيئاً ؟ فيقول :لا يا ربي ، فيقول له: هل لك من حسنة ؟
فيقول :لا،فيقول الله له: بلى إن لك عندنا لحسنة ، فتخرج بطاقة مكتوب فيها لاإله إلا الله ، فيقول : وماذا تصنع البطاقة بهذه السجلات ، فيقول الله-عز وجل -: لا ظلم عليك اليوم، فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة فتطيش السجلات فيدخل الجنة” لأن لا إله إلا الله التي قالها خالصاً من قلبه دخل بها الجنة فضل الله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء وفي الكتاب الكريم ” إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ” . شرح عقيدة الرازيين ( 22) للعلامة عبيد حفظه الله.
[ هل الميزان واحد أو متعدد، وإذا كان واحداً فما الجواب عن وروده بلفظ الجمع في القرآن]
ج- قيل إنه واحد لجميع الأمم ولجميع الأعمال، وأتى بلفظ الجمع باعتبار تعدد الأعمال والأشخاص، أو للتفخيم كما في قوله تعالى (كذبت قوم نوح المرسلين). مع أنه لم يرسل إليهم إلا واحداً. وقيل إنها متعددة لكل واحد من المكلفين ميزان لقوله تعالى (ونضع الموازين) الآية. ” مختصر الأجوبة الاصولية” للسلمان
و سئل العلامة الألباني رحمه الله :
سؤال: قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} (الأنبياء:47) ذكر ابن كثير في تفسيره هذه الآية أنه يحتمل أن جمع الموازين إنما هو لتعدد الأعمال، وقولًا آخر أنه ميزان واحد، يعني: قد يكون عدة موازين وقد يكون ميزان واحد.
الشيخ: هذا على القاعدة التي نجيب عنها، هل هذا حكم شرعي يجب أن نتعرف عليه بدقة؟ الجواب: لا، الموازين جمع ميزان فما في مانع أن يكون هناك عدة موازين، بلا تشبيه بعدة موازين، والآخرة لا تقاس على أمور الدنيا، فإذا جاء خبر غيبي هكذا فلا نقول: موازين يعني: ميزان؛ لأن هذا تعطيل نص القرآن، فندعه كما هو ونؤمن به وكفى الله المؤمنين القتال.
“فتاوى جدة” (6/ 00:55:57)
الرد على منكري الميزان
وأنكر الميزان المعتزلة وفسروه بالعدل وحجتهم في إنكاره أن أحاديثه آحاد وهي عندهم لا تفيد إلا الظن ، ويرد عليهم بما يأتي :
قولهم باطل؛ لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ، ولأننا إذا قلنا : إن المراد بالميزان: العدل؛ فلا حاجة إلى أن نعبر بالميزان، بل نعبر بالعدل ؛ لأنه أحب إلى النفس من كلمة (ميزان) ، ولهذا قال الله تعالى ()إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ )(النحل: من الآية90).
وقال بعض العلماء: إن الرجحان للعالي؛ لأنه يحصل فيه العلو، لكن الصواب أن نجري الوزن على ظاهره، ونقول إن الراجح هو الذي ينزل ، ويدل لذلك حديث صاحب البطاقة[229]؛ فذكر فيه أن السجلات تطيش وتثقل البطاقة، وهذا واضح بأن الرجحان يكون بالنزول. ” شرح العقيدة الواسطية ( 73).
—
الشفاعة
الشفاعة لغة: خلاف الوتر، وهي الوسيلة والطلب.
قال ابن فارس: (الشين والفاء والعين، أصل صحيح يدل على مقارنة الشيئين، والشفع خلاف الوتر .. وشَفَعَ فلانٌ لفلانٍ إذا جاء ثانِيه ملتمساً مطلبه ومُعِيناً له) معجم مقاييس اللغة (ص 531).
والشفاعة في الاصطلاح: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة . النهاية لابن الأثير (2/ 399).
الآيات الواردة في نفي الشّفاعة والشفيع:
قال الله تعالى: {واتّقوا يومًا لا تجْزي نفس عن نفس شيئًا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل (1) ولا هم ينصرون} (2).
وقال تعالى: {ياأيها الّذين آمنوا أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة (3) ولا شفاعة والكافرون هم الظّالمون} (4).
وقال تعالى حاكيًا عن بعض الصالحين: {أأتّخذ من دونه آلهةً إن يردن الرّحمن بضرّ لا تغن عنّي شفاعتهم شيئًا ولا ينقذون}
في هذه الآيات نفي الشّفاعة.
وقال تعالى: {وأنذر به الّذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم ليس لهم من دونه وليّ ولا شفيع لعلّهم يتّقون} (1).
وقال تعالى: {وذر الّذين اتّخذوا دينهم لعبًا ولهوًا وغرّتْهم الحياة الدّنيا وذكّر به أن تبسل (2) نفس بما كسبت ليس لها من دون الله وليّ ولا شفيع وإن تعدل كلّ عدل لا يؤخذ منها أولئك الّذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون} (3).
وقال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبّئون الله بما لا يعلم (4) في السّموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون} (5).
وقال تعالى حاكيًا عن أهل النار: {فما لنا من شافعين (6)، ولا صديق حميم، فلو أنّ لنا كرّةً فنكون من المؤمنين} (1).
ومعنى حميم: قريب، وكرّة: رجعة إلى الدنيا.
وقال تعالى: {الله الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش (2) ما لكم من دونه من وليّ ولا شفيع أفلا تتذكّرون} (3).
وقال تعالى: {أم اتّخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئًا ولا يعقلون، قل لله الشّفاعة جميعًا له ملك السّموات والأرض ثمّ إليه ترجعون} (4).
وقال تعالى: {وأنذرهم يوم الآزفة (5) إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظّالمين من حميم ولا شفيع يطاع} (6).
في هذه الآيات نفي الشفيع.
الآيات في إثبات الشّفاعة والشفيع:
قال الله تعالى: {من ذا الّذي يشفع عنده إلا بإذنه} (1).
وقال تعالى: {ما من شفيع إلا من بعد إذنه} (2).
وقال تعالى: {وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون (3)} (4).
فهي هذه الآيات إثبات الشفيع بشروط وستأتي إن شاء الله.
وقال الله تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفًا، فيذرها قاعًا صفصفًا (5)، لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، يومئذ يتّبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلا همسًا (6)، يومئذ لا تنفع الشّفاعة إلا من أذن له الرّحمن ورضي له قولاً} (7).
وقال تعالى: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه الشّفاعة إلا من شهد بالحقّ وهم يعلمون}
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه} أي: من الأصنام والأوثان {الشّفاعة} أي: لا يقدرون على الشّفاعة لهم {إلا من شهد بالحقّ وهم يعلمون} هذا استثناء منقطع، أي: لكن من شهد بالحقّ على بصيرة وعلم فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له. اهـ
أستفدت ذلك من كتاب الشفاعة للشيخ مقبل رحمه الله.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “أحاديث الشفاعة كثيرة متواترة، منها في الصحيحين أحاديث متعددة، وفي السنن والمسانيد مما يكثر عدده” مجموع الفتاوى (1/ 314)
الإجماع :
وأما الإجماع: فقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على إثبات الشفاعة، وعدها من معاقد العقائد التي يجب الإيمان بها، والرد على من أنكرها. مجموع الفتاوى (1/ 148)، لوامع الأنوار البهية (2/ 208)
الشفاعة على قسمين :
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن :
الشفاعة نوعان: “النوع الأول ” شفاعة منفية في القرآن، وهي الشفاعة للكافر والمشرك. قال تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ} 2، وقال: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 3، وقال: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} 4، ونحو هذه الآيات كقوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} 5. يخبر تعالى أن من اتخذ هؤلاء شفعاء عند الله، أنه لا يعلم أنهم يشفعون له بذلك وما لا يعلمه لا وجود له، فنفى وقوع هذه الشفاعة، وأخبر أنها شرك بقوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 6.
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} 7 إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 8. فأبطل شفاعة من اتخذ شفيعا يزعم أنه يقربه إلى الله وهو يبعده عنه وعن رحمته ومغفرته؛ لأنه جعل لله شريكا يرغب إليه ويرجوه ويتوكل عليه ويحبه، كما يحب الله تعالى أو أعظم.
“النوع الثاني ” الشفاعة التي أثبتها القرآن، وهي خالصة لأهل الإخلاص وقيدها تعالى بأمرين:
“الأمر الأول ” إذنه للشافع أن يشفع، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 9. وإذنه تعالى لا يصدر إلا إذا رحم عبده الموحد المذنب، فإذا رحمه تعالى أذن للشافع أن يشفع له.
“الأمر الثاني ” رضاه عمن أذن للشافع أن يشفع فيه، كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} 10، فالإذن بالشفاعة له بعد الرضا كما في هذه الآية، وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد.
كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين [ 97 ]
وهي نوعان: شفاعة منفية، وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
ومثبتة، وهي التي تطلب من الله، ولا تكون إلا لأهل التوحيد، ومقيدة بأمرين: إذن الله للشافع أن يشفع، ورضاه عن المشفوع له.
والناس في الشفاعة ثلاث طوائف: طرفان ووسط، فطائفة أنكروها كاليهود والنصارى والخوارج المكفرين بالذنوب، وطائفة أثبتوها وغلوا في إثباتها، حتى جوزوا طلبها من الأولياء والصالحين، وأهل السنة والجماعة أثبتوا الشفاعة الشرعية، كما ذكر الله في كتابه، ولا تطلب إلا من الله، كأن تسأله تعالى أن يشفع فيك نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم، فإن الشفاعة محض فضل وإحسان. [ حاشية كتاب التوحيد، 133]
الشفاعة على ستة أنواع
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن – رحمه الله -: “وذكر -يعني ابن القيم-: أن الشفاعة ستة أنواع:
الأول: الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم عليهم الصلاة والسلام حتى تنتهي إليه – صلى الله عليه وسلم – فيقول: (أنا لها)، وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليتشفعوا لهم إلى ربهم حتى يريحهم من مقامهم في الموقف، وهذه شفاعة يختص بها لا يشركه فيها أحد.
الثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخولها، وقد ذكرها أبو هريرة في حديثه الطويل المتفق عليه.
الثالث: شفاعته لقوم من العصاة من أمته قد استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع لهم ألا يدخلوها. اهـ.
الرابع: شفاعته في العصاة من أهل التوحيد الذين يدخلون النار بذنوبهم، والأحاديث بها متواترة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقد أجمع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبة وبدّعوا من أنكرها، وصاحوا به كل جانب، ونادوا عليه بالضلال.
الخامس: شفاعته لقوم من أهل الجنة في زيادة ثوابهم ورفعة درجاتهم، وهذه مما لم ينازع فيها أحد وكلها مختصة بأهل الإخلاص الذين لم يتخذوا من دون الله ولياً ولا شفيعاً، كما قال تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ} الأنعام: 51.
السادس: شفاعته في بعض أهله الكفار من أهل النار حتى يخفف عذابه، وهذه خاصة بأبي طالب وحده. اهـ. ” فتح المجيد (ص 175، 176).
قال الحافظ المقدسي : ويعتقد أهل السنة ويؤمنون بأن النبي صلي الله عليه وسلم يشفع “يوم القيامة” لأهل الجمع كلهم شفاعة عامة، ويشفع في المذنبين من أمته فيخرجهم من النار بعد ما احترقوا.
كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: “لكل نبي دعوة يدعو بها فأريد إن شاء الله أن أختبي دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة” رواه البخاري 3.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: “لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك لما رأيت من حرصك على الحديث أن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة: مَن قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه” رواه البخاري1.
وروى حديث الشفاعة بطوله: أبو بكر الصديق، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى عبد الله بن قيس، وأبو هريرة وغيرهم2.
عقيدة المقدسي [88 89 ].
فأما المسيئون الموحدون فإنهم يخرجون منها بالشفاعة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي”[ الاعتقاد لابن ابي يعلى، ص 34 ].
الرد على من أنكر الشفاعة
قال ابو الحسن الاشعري: مسألة:
ويقال لهم: قد أجمع المسلمون أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعة، فلمن الشفاعة أهي للمذنبين المرتكبين للكبائر، أم للمؤمنين المخلصين؟
فإن قالوا: للمذنبين المرتكبين للكبائر وافقوا.
وإن قالوا: للمؤمنين المبشرين بالجنة الموعودين بها.
قيل لهم: فإذا كانوا موعودين بالجنة وبها مبشرين، والله تعالى لا يخلف وعده فما معنى الشفاعة لقوم لا يجوز عندكم أن لا يدخلهم الله جناته؟ ومن قولكم أنهم قد استحقوها على الله عز وجل واستوجبوها عليه سبحانه، وإذا كان الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة وكان تأخيرهم عن الجنة ظلما، فإنما يشفع الشفعاء إلى الله تعالى في أن لا يظلم على مذاهبكم. تعالى الله عن افتراءكم عليه علوا كبيرا.
فإن قالوا: يشفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى في أن يزيدهم من فضله، لا في أن يدخلهم جناته.
قيل لهم: أو ليس قد وعدهم الله عز وجل ذلك فقال تعالى: (يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) من الآية (173 /4) والله تعالى لا يخلف وعده، فإنما يشفع إلى الله تعالى عندكم من أن يخلف وعده، وهذا جهل منكم، وإنما الشفاعة المعقولة فيمن استحقه عقابا أن يوضع عنه عقابه، أو في من لم يعده شيئا أن يتفضل عليه به، فأما إذا كان الوعد بالتفضل سابقا فلا وجه لهذا. [ الإبانة في اصول الديانة ]
كَذَا لَهُ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى كَمَا … قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا تَكَرُّمَا
مِنْ بَعْدِ إِذْنِ اللَّهِ لَا كَمَا يَرَى … كُلُّ قُبُورِيٍّ عَلَى اللَّهِ افْتَرَى
قال ابن تيمية : * فللنبي – صلى الله عليه وسلم – ثلاث شفاعات:
1 – الشفاعة العظمى.
2 – والشفاعة لأهل الجنة ليدخلوا الجنة.
3 – والشفاعة فيمن استحق النار ألا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها. [ الواسطية]
[ الصراط ]
والصراط لغة: الطريق الواسع الواضح سمي بذلك لأنه يصترط المارة أي يبلعهم إذا سلكوه، والمراد به هنا الذي يسلكه الناس في القيامة وهو الجسر المنصوب على متن جهنم بين الجنة والنار يرده الأولون والآخرون والإيمان به واجب
” الكواشف الجلية” ( 1/ 442).
اثبات الصراط من الكتاب و السنة و اجماع الامة
قال الله عز وجل: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا – ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} [مريم: ٧١ – ٧٢] وقال تعالى: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} [الحديد: ١٢] الآيات.
[دليل الصراط من السنة]
س: ما دليل ذلك وصفته من السنة؟
جـ: فيه أحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: «يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم “، قلنا: يا رسول الله وما الجسر؟ قال: ” مدحضة مزلة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد، يقال لها السعدان، يمر المؤمن عليها كالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحبا» . الحديث في الصحيح، وقال أبو سعيد رضي الله عنه: بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف ” .
وعن أنس بن مالك عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إن آخر من يدخل الجنة رجل يمشي على الصراط فهو يكبو مرة وتسفعه النار أخرى حتى إذا جاوزها التفت إليها فيقول: تبارك الذي نجاني منها فوالله لقد أعطاني شيئا ما أعطاه أحدا من العالمين قال: ثم ترفع له شجرة فيقول: يا رب أدنني منها لعلي أستظل بظلها وأشرب من مائها قال: فيقول الله: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكه سألتني غيرها فيقول: لا يا رب ويعاهده أن لا يفعل وهو يعلم أنه فاعله لما يرى مما لا صبر له عليه فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة أخرى هي أحسن من الأولى فيقول: يا رب أدنني منها لأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: بلى يا رب ولكن أدنني منها لأستظل بظلها وأشرب من مائها فيعاهده أن لا يسأله غيرها فيدنيه منها ويعلم أنه سيسأله غيرها لما يرى ما لا صبر له عليه قال: فترفع له شجرة أخرى عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول: يا رب أدنني منها لأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: بلى يا رب ولكن أدنني منها فإذا دنا منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول: يا رب أدخلني الجنة فيقول الله جل وعلا: أيرضيك يا ابن آدم أن أعطيك الدنيا ومثلها معها فيقول: أتستهزىء بي وأنت رب العالمين؟! فيقول: ما أستهزىء بك ولكنني على ما أشاء قادر)
قال: فكان ابن مسعود إذا ذكر قوله:
(أتستهزىء بي)؟ ضحك ثم قال: ألا تسألوني مما أضحك؟ فقيل: مم تضحك؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر ذلك ضحك [تعليق الشيخ الألباني] صحيح ـ ((الصحيحة)) (٣١٢٩): .
قال البربهاري ( ص ٤٧ )، : والإيمان بالصراط على جهنم، يأخذ الصراط من شاء الله، ويجوز من شاء الله، ويسقط في جهنم من شاء الله، ولهم أنوار على قدر إيمانهم. انتهى
وأن لله تعالى صراطا يعبر عليه الناس وأن عليه حيات تأخذ بالأقدام وأن العبور عليه على مقادير الأعمال مشاة وسعاة وركبانا وزحفا ويذهب إلى الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واستجيدوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط
عقيدة رواية ابو بكر الخلال ( ١ / ١٢١ )
والصحيح من النقل عنه: أن المؤمن العاصي ربه يعذب يوم القيامة على الصراط وهو على متن جهنم، يصيبه لفح النار وحرها ولهيبها. فيتألم بذلك على قدر معصيته، ثم يدخل الجنة. ومثل ذلك بالحبة على المقلاة المؤججة بالنار.
الملل و النحل ( ج ١ / ١٤٧ )
ما ثبت في “الصحيحين”: “أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة” .
صفة الصراط:
… سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصراط فقال: “مدحضة مزلة، عليه خطاطيف وكلاليب، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء، تكون بنجد، يقال لها: السعدان” رواه البخاري(203).
وله من حديث أبي هريرة: “وبه كلاليب مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله يخطف الناس بأعمالهم”(204).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: بلغني أنه أدق من الشعر، وأحد من السيف. وروى الإمام أحمد نحوه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً(205).
والصراط (٢) منصوب على متن جهنم، يجوزه الأبرار، ويزل عنه الفجار، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو، ومنهم من يمشي شيئا، ومنهم من يزحف ويخطف، ويلقى في جهنم.
والجسر عليه كلاليب، تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر عن الصراط دخل الجنة، وإذا عبروا وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص بعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة.
( قطف الثمر، ١٢٨ )
قال الشيخ محمد خليل هراس :
والصراط منصوب على متن جهنم، وهو الجسر الذي بين الجنة والنار، يمر الناس عليه على قدر أعمالهم، فمنهم من يمر كلمح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس الجواد، ومنهم من يمر كركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوا، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم من يخطف خطفا ويلقى في جهنم؛ فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم، فمن مر على الصراط؛ دخل الجنة. فإذا عبروا عليه؛ وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا؛ أذن لهم في دخول الجنة.
وأول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة من الأمم أمته.
( شرح الواسطية )
و قال ابن عثيمين رحمه الله : الصراط هو جسر يوضع على النار يعبر منه المؤمنون إلى الجنة جعلنا الله وإياكم منهم يمر الناس به على قدر أعمالهم إما كلمح البصر أو كالبرق أو كالريح أو كالفرس الجواد أو كالإبل ومنهم من يزحف زحفاً ومنهم من يكردس في نار جهنم ويعذب بقدر ذنوبه أما صفته فقد ورد أنه أحد من السيف وأدق من الشعر وذهب بعض أهل العلم إلى أنه طريقٌ واسع واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه دحرٌ ومزلة وهذا لا بد أن يكون واسعاً يسلكه الناس وليس المهم أن نعرف هل هو واسع أو ضيق المهم أن نعرف كيف يسير الناس عليه ولماذا اختلف سير الناس عليه فبعضهم كلمح البصر وبعضهم كالبرق وبعضهم يزحف وبعضهم يلقى في النار والجواب أن هذا على حسب أعمالهم في الدنيا وتلقيهم لشريعة الله فمن كان مسرعاً لتلقي شريعة الله مسارعاً في الخيرات كان عبوره على الصراط يسيراً خفيفاً سريعاً ومن كان متباطئاً في شريعة الله وقبولها صار سيره على الصراط كعمله جزاءً وفاقاً.
” فتاوى نور على الدرب” للعثيمين رحمه الله.
من انحرف ففيه شبه من اليهود و النصارى
قال ابن تيمية :
ولهذا كان من انحرف من المسلمين إلى شبه اليهود والنصارى مأمورا بترك ذلك الانحراف واتباع الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا غير المغضوب عليهم كاليهود وغير الضالين كالنصارى. [ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ، ج ٢ / ١٣٧].
س٧٨- لم يضاف الصراط تارة إلى الله وتارة إلى العباد ولماذا يذكر مفرداً معرفاً باللام تارة بالإضافة تارة؟
ج- أما أضافته إلى الله فلأنه هو الذي شرعه ونصبه، وأما إضافته إلى العباد فلأنهم أهل سلوكه، وأما ذكره مفرداً معرفاً باللام تارة وبالإضافة تارة فلإفادة تعيينه واختصاصه وأنه صراط واحد بخلاف طرق أهل الضلال.
مختصر الأسئلة و الأجوبة الأصولية للشيخ عبد العزيز سلمان
—
الصراط صراطان :
فالصراط صراطان صراط حسي وصراط معنوي فأما الصراط المعنوي فهو التكاليف الشرعية التي كلف الله بِها الخليقة من عالم الإنس والجن، أي جميع التكاليف التي جاءت بِها رسل الله الكرام ودعا إليها أتباع الرسل في كل زمان ومكان.
وأما الصراط الحسي: فهو الجسر المنصوب على شفير جهنم تعبره الخلائق بقدر أعمالهم فمن ثبت على الصراط المعنوي ثبته الله على الصراط الحسي وكانت سلامته ونجاته بقدر ما أسلف من صالح العمل: ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) [ابراهيم:27] وقد جاء وصف عبور الخلائق في الكتاب العزيز كما في سورة الحديد: (يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ .
يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ ” قطف الجنى المستطاب للعلامة زيد المدخلي رحمه الله ( 145)
قال العلامة الفوزان: فبحسب استقامة الإنسان على دين الإسلام وثباته عليه يكون ثباته ومروره على الصراط، فمن ثبت على الصراط المعنوي وهو الإسلام ثبت على الصراط الحسي المنصوب على متن جهنم . ومن زل عن الصراط المعنوي زل عن الصراط الحسي . ” شرح العقيدة الواسطية” ( 116).
[ الجنة و النار ]
والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان ، فالجنة مأوى أوليائه ، والنار عقاب لأعدائه ، وأهل الجنة فيها مخلدون { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ }{ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } [ الزخرف : 74 – 75 ] ، ويؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقال : « ” يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت » . ” لمعة الاعتقاد” ( 26).
ما معنى الإيمان بالجنة والنار ؟
جـ : معناه التصديق الجازم بوجودهما وأنهما مخلوقتان الآن ، وأنهما باقيتان بإبقاء الله لهما لا تفنيان أبدا ، ويدخل في ذلك كل ما احتوت عليه هذه من النعيم من العذاب . ” اعلام السنة المنشورة” ( 163) للحكمي.
و قال العلامة ابن باز رحمه الله: والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان. وأن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق وخلق لهما أهلا، فمن شاء ززز الفتاوى” ( 2/ 85).
و قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أن الجنَّة والنار مخلوقتان الآن لأن الله ذكر في الجنة {أعدت } وفي النار (أعدت). ” تفسير القران للعثيمين” ( 6/6).
ما رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة فناء الجنة والنار؟
الجواب
لا أحد يقول بفناء الجنة إلا الجهم بن صفوان الكافر الضال المضل، ولا أحد من أهل السنة يقول ذلك، فإن أهل السنة ضللوا الجهمية وبدّعوهم، وإنما الكلام في فناء النار، فهناك طائفة من أهل السنة نسب إليهم القول بفناء النار في بعض الآثار، وهو قول ضعيف مرجوح، وشيخ الإسلام له كلام صريح يدل على أن النار مثل الجنة دائمة لا تفنى ولا تبيد، ولهذا يقول الطحاوي: (والجنة والنار دائمتان أبداً لا تفنيان ولا تبيدان)، لكن ابن القيم رحمه الله له كلام في (مدارج السالكين) وكذلك في كتابه (وصف الجنة) وهو يدل على أنه يميل إلى القول بفناء النار، وله أيضاً كلام يؤيد القول ببقاء النار، فلعله له قولان في هذا، فالذي يظهر والله أعلم أنه رجع عن القول بفناء النار، وذكر هذا في (مدارج السالكين) وفي غيره، أما شيخ الإسلام فكلامه صريح في بقاء النار.
” شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية” للعلامة الراجحي