فتح المنان في جمع مسائل أصول الإيمان ( 22)
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا ) .
——-‘——‘——-‘
الفصل الثاني
الإيمان بالكتب المنزلة
وفيه تمهيد وأربعة مباحث :
التمهيد : في تعريف الوحي لغة وشرعا وبيان أنواعه.
المبحث الأول
حكم الإيمان بالكتب وأدلته
تعريف الكتب
حكم الإيمان بالكتب
المبحث الثاني : كيفية الإيمان بالكتب
المبحث الثالث
بيان ان التوراة والإنجيل وبعض الكتب الأخرى المنزلة دخلها التحريف وسلامة القرآن من ذلك .
تحريف أهل الكتاب لكلام الله :
تحريف التوراة والإنجيل وأدلة ذلك
سلامة القرآن من التحريف وحفظ الله له وأدلة ذلك .
المبحث الرابع
الإيمان بالقرآن وخصائصه
تعريف القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي والفرق بينهما
خصائص الإيمان بالقرآن
——-‘—–‘——-‘
الوحي في اللغة : هو الإعلام السريع الخفي .
ويطلق الوحي على الإشارة ، والكتابة ، والرسالة ، والإلهام. وكل ما ألقيته على غيرك حتى علمه فهو وحي كيف كان ، وهو لا يختص بالأنبياء ولا بكونه من عند الله تعالى .
والوحي بمعناه اللغوي يتناول:
1 – الإلهام الفطري للإنسان كالوحي لأم موسى. قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7] (القصص: 7) .
2 – الإلهام الغريزي للحيوان كالوحي إلى النحل. قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} [النحل: 68] (النحل: 68) .
3 – الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء، كإيحاء زكريا لقومه. قال تعالى {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] (مريم: 11) .
4 – وسوسة الشيطان وتزيين الشر في نفوس أوليائه. قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: 121] (الأنعام: 121) .
5 – ما يلقيه الله تعالى إلى ملائكته من أمر ليفعلوه. قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12] (الأنفال: 12) .
التعريف الشرعي: هو ” إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب بواسطة أو غير واسطة “.
أنواع الوحي: لتلقي الوحي من الله تعالى طرق بينها الله تعالى بقوله في سورة الشورى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51] (الشورى: 51) . فأخبر الله تعالى أن تكليمه ووحيه للبشر يقع على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الوحي المجرد وهو ما يقذفه الله في قلب الموحى إليه مما أراد بحيث لا يشك فيه أنه من الله. ودليله قوله تعالى: {إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: 51] (الشورى: 51) . ومثال ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن روح القدس نفث في روعي لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» أخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي وابن ماجه في سننه وغيرهم .
وألحق بعض أهل العلم بهذا القسم رؤى الأنبياء في المنام كرؤيا إبراهيم عليه السلام على ما أخبر الله عنه في قوله: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] (الصافات: 102) . وكرؤى النبي صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة على ما روى
الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح» صحيح البخاري برقم (3) ، وبنحوه في صحيح مسلم برقم (160) .
المرتبة الثانية: التكليم من وراء حجاب بلا واسطة كما ثبت ذلك لبعض الرسل والأنبياء كتكليم الله تعالى لموسى على ما أخبر الله به في أكثر من موضع من كتابه. قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] (النساء: 164) . وقال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] (الأعراف: 143) . وكتكليم الله لآدم. قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] (البقَرة: 37) . وكتكليم الله تعالى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء على ما هو ثابت في السنة. ودليل هذه المرتبة من الآية قوله تعالى: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] (الشورى: 51) .
المرتبة الثالثة: الوحي بواسطة الملك. ودليله قوله تعالى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51] (الشورى: 51) . وهذا كنزول جبريل عليه السلام بالوحي من الله على الأنبياء والرسل.
والقرآن كله نزل بهذه الطريقة تكلم الله به، وسمعه جبريل عليه السلام من الله عز وجل، وبلغه جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ – نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ – عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 192 – 194] (الشعراء: 192- 194) . وقال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102] (النحل: 102) .
ولجبريل عليه السلام في تبليغه الوحي لنبينا صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحوال:
1 – أن يراه الرسول صلى الله عليه وسلم على صورته التي خلق عليها ولم يحصل هذا إلا مرتين كما تقدم تقريره في الفصل السابق .
2 – أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس فيذهب عنه وقد وعى الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال.
3 – أن يتمثل له جبريل في صورة رجل ويخاطبه بالوحي كما مر في حديث جبريل السابق في سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن مراتب الدين .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الحالتين الأخيرتين في إجابته للحارث بن هشام لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال. وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول» متفق عليه. ومعنى فصم: أي أقلع وانكشف.
——-
الايمان بالكتب
الإيمان بالكتب أصل من أصول العقيدة، وركن من أركان الإيمان، ولا يصح إيمان أحد إلا إذا آمن بالكتب التي أنزلها الله على رسلهعليهم السلام.
[ لكل رسول كتاب ]
قال العلامة ابن عثيمين: الركن الثالث وهو الإيمان بكتب الله – عز وجل – التي أنزلها على الرسل، وما من رسول إلا أنزل الله معه كتابًا قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} وقال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} فما من رسول إلا أنزل الله معه كتابًا يهتدي به الناس. [ مجموع الفتاوى ( 3/ 163) ].
معنى الايمان بالكتب
قال الحافظ الحكمي: معناه التصديق الجازم بأن جميعها منزل من عند الله عز وجل ، وأن الله تكلم بها حقيقة ، فمنها المسموع منه تعالى من وراء حجاب بدون واسطة الرسول الملكي ، ومنها ما بلغه الرسول الملكي إلى الرسول البشري ، ومنها ما كتبه الله تعالى بيده كما قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ } ، وقال تعالى لموسى : { إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي } ، { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } ، وقال تعالى في شأن التوراة : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ } ، وقال في عيسى : { وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ } ، وقال تعالى : { وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا } ، وتقدم ذكرها بلفظ التنزيل ، وقال تعالى في شأن القرآن : { لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } ، وقال تعالى فيه : { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا } ، وقال تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }{ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ }{ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } . الآيات ، وقال تعالى فيه : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ }{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } . الآيات ، وغيرها كثير . ” إعلام السنة المنشورة” ( 100- 101).
وأما السنة : فقد دلت كذلك على وجوب الإيمان بالكتب وأن الإيمان بها ركن من أركان الإيمان كما دل عليه حديث جبريل في سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان ففي الحديث ذكر الإيمان بالكتب
والإيمان بالقرآن يشمل أشياء:
1- أولاً: الإيمان بأنَّ القرآن كلام الله – عز وجل – وليس بقول البشر؛ كلام الله – عز وجل – أوحَاهُ إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم.
2- ثانياً: أنَّ القرآن ناسخٌ لما قبله من الكتب فليس لأحَدٍ أن يَتَّبِعَ غير القرآن؛ بل الواجب أن يُصَدَّقْ بكل خبرٍ في القرآن ويُعْتَقَدْ، وأن يُعْمَلْ بكل أمرٍ ونهيٍ جاء في القرآن، وذلك بامتثال الأمر وانتهاء النهي.
3- ثالثاً: أن يُعْلَمْ أنَّ القرآن جعله الله – عز وجل – مهيمناً على الكُتُبِ وشاهداً عليها، كما وصفه بذلك في سورة المائدة، وهذا يدلّ على أنَّ الناس واجب عليهم ألا يلتفتوا عن هذا القرآن إلى غيره متى ما سمعوا هذا القرآن.
لذلك الآن الكتاب من جهة السماع بالقرآن تكاد الحجة قامت من جهة السماع لهذا الوحي وأنه كلام الله – عز وجل – على أكثر الخلق. شرح الطحاوية لصالح ال الشيخ ( 320).
قال العلامة المفسر الشنقيطي : هذا مع الإيمان أن القرآن الكريم ناسخ لكل الكتب السابقة، ومهيمن عليها، وأنه خاتمة الكتب المنزلة، وأنه محفوظ من التحريف؛ فهو الكتاب الذي يجب على جميع الإنس والجن العمل به . ” جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف ” ( 1/ 365).
ما دليل الإيمان بالكتب ؟
جـ : أدلته كثيرة منها قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ } ، وقوله تعالى : { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ } . الآيات ، وغيرها كثير ، ويكفي في ذلك قوله تعالى : { وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ }.
[ حكم من جحد كتابا من كتب الله أو بعضه ]
قال العلامة الفوزان حفظه الله : فمن جحد كتاباً من كتب الله، أو بعضاً من الكتاب، أو كلمة من الكتاب، أو حرفاً من الكتاب، فهو كافر بالله عز وجل. [ التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية ].
كيفية الإيمان بالكتب:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وكيفيته أن نؤمن بأن كل كتاب أنزله الله على أحد من رسله فهو حق: صدق في الأخبار، وعدل في الأحكام؛ ولكننا لا نكلف بالعمل بما فيها فيما جاءت شريعتنا بخلافه؛ واعلم أنه ما من رسول إلا معه كتاب؛ ودليل ذلك قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان} [الحديد: 25] أي مع هؤلاء الرسل، وقوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} [البقرة: 213] ؛ فما من رسول إلا معه كتاب؛ والكتب المعروفة لدينا هي التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى، والقرآن الكريم؛ وصحف موسى اختلف العلماء أهي التوراة أو غيرها، فمنهم من قال: إنها غيرها؛ ومنهم من قال: إنها هي؛ وأما ما لم نعلم به فنؤمن به إجمالاً؛ فتقول بقلبك، ولسانك: آمنت بكل كتاب أنزله الله على كل رسول؛ ثم إن المراد أن نؤمن بأن الله أنزل على موسى كتاباً يسمى التوراة؛ وعلى عيسى كتاباً يسمى الإنجيل؛ وعلى داود كتاباً يسمى الزبور؛ أما أن تؤمن بالموجود منها الآن فليس بواجب عليك؛ لأنه محرف، ومغير، ومبدل؛ لكن تؤمن بأن له أصلاً نزل على هؤلاء الرسل. [ تفسير سورة البقرة ( 4/ 234).
ونؤمن بأنها دعت كلها إلى عبادة الله وحده . وانها يصدق بعضها بعضا
س : ما الذي يجب التزامه في حق القرآن على جميع الأمة ؟
جـ : هو اتباعه ظاهرا وباطنا والتمسك به والقيام بحقه ، قال الله تعالى : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا } ، وقال تعالى : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } ، وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ } ، وهي عامة في كل كتاب والآيات في ذلك كثيرة ، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الله فقال : « فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به » ، وفي حديث علي مرفوعا : « إنها ستكون فتن . قلت : ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : ” كتاب الله » . وذكر الحديث . ” إعلام السنة المنشورة” ( 105).
باب من الأدلة على تحريف التوراة و الانجيل
قال تعالى في حق اليهود: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75] (البقرة: 75) . وقال عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46] (النساء: 46) . وقال تعالى: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}.
وقال تعالى مخبرا عن النصارى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ – يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [المائدة: 14 – 15] (المائدة: 14، 15) .
قال السدي: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} قال: هي التوراة، حرفوها.
قال قتادة في قوله: {ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} قال: هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه. أنظر: تفسير ابن كثير ( 1/ 308) بتصرف يسير.
قال العلامة السعدي: هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب، أي: فلا تطمعوا في إيمانهم وحالتهم لا تقتضي الطمع فيهم، فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه، فيضعون له معاني ما أرادها الله، ليوهموا الناس أنها من عند الله، وما هي من عند الله، فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله، فكيف يرجى منهم إيمان لكم؟! فهذا من أبعد الأشياء. ” تفسير السعدي” ( 56).
[قال الإمام الألباني ]: مما يدل على تحريف التوراة أنه جاء فيها: أنه بدا لله خلق السماوات والأرض.
“الصحيحة” (7/ 3/1478).
قال ابن تيمية رحمه الله : ولهذا كان كفر النصارى لما بعث محمد صلى الله عليه و سلم مثل كفر اليهود لما بعث المسيح عليه السلام فإن اليهود كانوا قد بدلوا شرع التوراة قبل مجيء المسيح فكفروا بذلك ولما بعث المسيح إليهم كذبوه فصاروا كفارا بتبديل معاني الكتاب الأول وأحكامه وبتكذيب الكتاب الثاني
وكذلك النصارى كانوا بدلوا دين المسيح قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه و سلم فابتدعوا من التثليث والاتحاد وتغيير شرائع الإنجيل أشياء لم يبعث بها المسيح عليه السلام بل تخالف ما بعث به وافترقوا في ذلك فرقا متعددة وكفر فيها بعضهم بعضا فلما بعث محمد صلى الله عليه و سلم كذبوه فصاروا كفارا بتبديل معاني الكتاب الأول وأحكامه وتكذيب الكتاب الثاني كما يقول علماء المسلمين إن دينهم مبدل منسوخ وإن كان قليل من النصارى كانوا عند مبعث محمد صلى الله عليه و سلم متمسكين بدين المسيح كما كان الذين لم يبدلوا دين المسيح كله على الحق فهذا كما أن من كان متبعا شرع التوراة عند مبعث المسيح كان متمسكا بالحق كسائر من اتبع موسى فلما بعث المسيح صار كل من لم يؤمن به كافرا وكذلك لما بعث محمد صلى الله عليه و سلم صار كل من لم يؤمن به كافرا. ” الجواب الصحيح” ( 1/ 368-369).
التحذير من القراءة في كتب أهل الكتاب
ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءة كتب أهل الكتاب، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فغضب، فقال: “أمتهوكون يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى عليه السلام كان حيا، ما وسعه إلا أن يتبعني “. أخرجه: الإمام أحمد (3/ 387) أخرجه: الإمام أحمد (3/ 387)، الإرواء ” (6/ 338 – 0 34).
قال العلامة ابن باز رحمه الله : هذا وقد وصف الله سبحانه وتعالى اليهود والنصارى بالكفر لما قالوه عن الله، وبما حرفوه وغيروه في كتبهم، وتجاوزهم الحد في القول والعمل تبعا لما تصف ألسنتهم، وتستهوي نفوسهم قاتلهم الله أنى يؤفكون. قال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}
وقال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (1) {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2) {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3) وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (4) {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (5)
والآيات الكريمات في هذا المعنى كثيرة، مما يعلم معه بأن الديانة اليهودية والديانة النصرانية قد نسختا بشريعة محمد – صلى الله عليه وسلم -. وأن ما فيهما من حق أثبته الإسلام، وما فيهما من باطل هو مما حرفه القوم، وبدلوه حسب أهوائهم. ليشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون. فدين الإسلام هو الدين الصحيح المطلوب من أهل الأرض وهو الدين الذي بشر به جميع الأنبياء. ” مجموع فتاوى ابن باز” ( 2/ 278- 279).
[ سلامة القرآن من التغيير والتبديل ]
.قال الطيبي أي لا يقدر أهل الأهواء على تبديله وتغييره وإمالته وذلك إشارة إلى وقوع تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فالباء للتعدية وقيل الرواية من الإزاغة بمعنى الإمالة والباء لتأكيد التعدية أي لا تميله الأهواء المضلة عن نهج الاستقامة إلى الاعوجاج وعدم الإقامة كفعل اليهود بالتوراة حين حرفوا الكلم عن مواضعه لأنه تعالى تكفل بحفظه قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (ولا تلتبس به الألسنة) أي لا تتعسر عليه ألسنة المؤمنين ولو كانوا من غير العرب قال تعالى فإنما يسرناه بلسانك ولقد يسرنا القرآن للذكر وقيل لا يختلط غيره بحيث يشتبه الأمر ويلتبس الحق بالباطل فإن الله تعالى يحفظه أو يشتبه كلام الرب بكلام غيره لكونه كلاما معصوما دالا على الإعجاز (ولا يشبع منه العلماء) أي لا يصلون إلى الإحاطة بكنهه حتى يقفوا عن طلبه وقوف من يشبع من مطعوم بل كلما اطلعوا على شيء من حقائقه اشتاقوا إلى آخر أكثر من الأول وهكذا فلا شبع ولا سآمة (ولا يخلق) بفتح الياء وضم اللام وبضم الياء وكسر اللام من خلق الثوب إذا بلي وكذلك أخلق (عن كثرة الرد) أي لا تزول لذة قراءته وطراوة تلاوته واستماع أذكاره وأخباره من كثرة تكراره. ” شرح المشكاة” .
قال ابن عثيمين رحمه الله : ومن النصيحة لكتاب الله: أن يدافع الإنسان عنه، يدافع من حرفه تحريفاً لفظيّاً، أو تحريفاً معنويّاً، أو من زعم أن فيه نقصاً، أو أن فيه زيادة، فالرافضة مثلاً يدّعون أن القرآن فيه نقص، وأن القرآن الذي نزل على محمد أكثر من هذا الموجود بين أيدي المسلمين. فخالفوا بذلك إجماع المسلمين، والقرآن – ولله الحمد- لم ينقص منه شيء، ومن زعم أنه قد نقص منه شيء؛ فقد كذّب قوله تعالى: ” (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) ، فالله عزّ وجلّ تكفل بحفظه، ومن ادعى أنه قد نقص حرفاً واحداً اختزل منه؛ فقد كذّب الله عزّ وجلّ، فعليه أن يتوب ويرجع إلى الله من هذه الردة. شرح رياض الصالحين ( 2/ 387).
خصائص القران
القرآن في اللغة، فيقول: ” القرآن في الأصل مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآناً، ومعناه في اللغة: الجمع والضم قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} القيامة: 18، أي جمعناه لك في صدرك فاتبع ذلك الذي جمع تلاوة وبلاغا وعملا وقد صار علماً بالغلبة على الكتاب العزيز في عرف علماء الشرع” . منهج الشيخ عبدالرزاق عفيفي في تقرير العقيدة ( 332).
قال ابن تيمية في العقيدة الواسطية: الإيمانُ بِأنَّ القُرْآنَ كلامُ اللهِ، مُنَزَّلٌ، غَيْرُ مَخْلوقٍ؛ مِنْهُ بَدَأ، وَإلَيْهِ يَعودُ”.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
وقد اختلفَ العلماءُ رحمهم الله في لَفْظِ الحديثِ القُدْسيِّ : هل هو مِن كلامِ الله تعالى أو أنّ الله تعالى أَوْحَى إلى رسولِه صلى الله عليه وسلم مَعْنَاه ؛ واللفظُ لَفْظُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ؟ على قولينِ :
القول الأول : إنّ الحديثَ القُدْسيَّ مِن عند الله لَفْظُهُ ومعناهُ ، لأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أضافهُ إلى الله تعالى ، ومِن المعلومِ أنّ الأصلَ في القولِ المضافِ أنْ يكونَ بِلَفْظِ قائِله لا ناقلِه ، لا سيَّمَا أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقوى الناسِ أمانةً وأوثقهم روايةً .
القول الثاني: إنّ الحديث َ القُدْسِيَّ معناه مِن عند الله ، ولفظهُ لفْظُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهذا هو الراجح .
ثم لو قيلَ : إنّ الأَوْلَى تركُ الخوضِ في هذا ، خوفًا مِن أنْ يكونَ مِن التنَطُّعِ الهالكِ فاعلُهُ ، والاقتصارُ على القول : بأنّ الحديثَ القُدْسِيَّ ما رواه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن رَبِّهِ وكفى ، لكانَ كافيًا ، ولعلّه أَسْلَمُ والله أعلمُ ” انتهى مختصرا .
“مجموع فتاوى ابن عثيمين” (9/59-62) .
[ ما الفرق بين الحديث القدسي وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ؟]
نص الإجابة : الحديث القدسي هو الذي يرويه النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الله – عز وجل – بلفظه ومعناه والحديث غير القدسي هو الذي يكون معناه وحيًا من الله ولفظه من النبي – صلى الله عليه وسلم – كما قال تعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) [النجم : 3-4]
إذن الفرق بين القرآن والحديث القدسي عدة فروق :
: أولاً : القرآن معجز والحديث القدسي ليس من المعجز بلفظه ،
ثانيًا : القرآن متعبد بتلاوته والحديث القدسي ليس متعبدًا بتلاوته ،
ثالثًا : القرآن متواتر والحديث القدسي لا يلزم أن يكون متواترًا ،
رابعًا : القرآن لا يمسه إلا طاهر والحديث القدسي لا بأس بمسه من غير طهارة . [ منقول من موقع الشيخ الفوزان].
خصائص القرآن وجمعه :
أ – الكتابة في المصاحف:
– القرآن هو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلاً متواتراً، وقيّد بالمصاحف; لأن الصحابة رضي الله عنهم بالغوا في نقله وتجريده عما سواه، حتى كرهوا التعاشير والنقط كي لا يختلط بغيره، فنعلم أن المكتوب في المصحف المتفق عليه هو القرآن، وأن ما هو خارج عنه ليس منه، إذ يستحيل في العرف والعادة مع توافر الدواعي على حفظ القرآن أن يهمل بعضه، فلا ينقل، أو يخلط به ما ليس منه.
ب – التواتر:
5 – لا خلاف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه، وأما في محلّه ووضعه وترتيبه فعند المحقّقين من علماء أهل السّنة كذلك، أي يجب أن يكون متواتراً. فقد جاء في مسَلَّم الثّبوت وشرحه فواتح الرحموت: ما نقل آحاداً فليس بقرآن قطعاً، ولم يعرف فيه خلاف لواحد من أهل المذاهب، واستدل بأن القرآن مما تتوفر الدواعي على نقله لتضمّنه التحدّي; ولأنه أصل الأحكام باعتبار المعنى والنظم جميعاً حتى تعلق بنظمه أحكام كثيرة; ولأنه يتبرك به في كلّ عصر بالقراءة والكتابة، ولذا علم جهد الصحابة في حفظه بالتواتر القاطع، وكلّ ما تتوفر دواعي نقله ينقل متواتراً عادةً، فوجوده ملزوم للتواتر عند الكلّ عادةً، فإذا انتفى اللازم وهو التواتر انتفى الملزوم قطعاً، والمنقول آحاداً ليس متواتراً، فليس قرآناً.
كما جاء فيه: على أن ترتيب آي كلّ سورة توقيفيّ بأمر الله وبأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى هذا انعقد الإجماع، وجاء أيضاً: بقي أمر ترتيب السّور فالمحقّقون على أنه من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقيل هذا الترتيب باجتهاد من الصحابة... والحقّ هو الأول. والتفصيل في مصطلح: (مصحف).
ج – الإعجاز:
6 – من خصائص القرآن أنه كلام الله المعجز، المتحدى بإعجازه، والمراد بالإعجاز ارتقاؤه في البلاغة إلى حدّ خارج عن طوق البشر، قال الزركشيّ: ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز; لأن العرب عجزوا عن معارضته، قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}.
قال القاضي أبو بكر: ذهب عامة أصحابنا – وهو قول أبي الحسن الأشعريّ في كتبه – إلى أن أقل ما يعجز عنه من القرآن السّورة، قصيرةً كانت أو طويلةً، أو ما كان بقدرها، قال: فإذا كانت الآية بقدر حروف سورة وإن كانت كسورة الكوثر، فذلك معجز.
والتفصيل في الملحق الأصوليّ.
د – كونه بلغة العرب:
7 – لقد أنزل الله القرآن بلغة العرب، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}.
قال الزركشيّ: لا خلاف أنه ليس في القرآن كلام مركب على غير أساليب العرب، وأن فيه أسماء أعلام لمن لسانه غير اللّسان العربيّ، كإسرائيل، وجبرائيل، ونوح، ولوط، وإنما اختلفوا هل في القرآن ألفاظ غير أعلام مفردة من غير كلام العرب؟
فذهب القاضي إلى أنه لا يوجد ذلك فيه، وكذلك نقل عن أبي عبيدة.
واحتج هذا الفريق بقول الله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ}، ولو كان فيه لغة العجم لم يكن عربيّاً محضاً، وآيات كثيرة في هذا المعنى; ولأن الله سبحانه تحداهم بالإتيان بسورة من مثله، ولا يتحداهم بما ليس من لسانهم ولا يحسنونه. قال الإمام الشافعيّ: والقرآن يدلّ على أن ليس من كتاب الله شيء إلا بلسان العرب.
وذهب قوم إلى أنه فيه لغة غير العرب، واحتجّوا بأن ” المشكاة ” هندية، ” والإستبرق ” فارسية.
وقال من نصر هذا: اشتمال القرآن على كلمتين ونحوهما أعجمية لا يخرجه عن كونه عربيّاً وعن إطلاق هذا الاسم عليه، ولا يمهّد للعرب حجةً، فإن الشّعر الفارسي يسمى فارسيّاً وإن كان فيه آحاد كلمات عربية.
قال ابن قدامة: يمكن الجمع بين القولين بأن تكون هذه الكلمات أصلها بغير العربية ثم عربتها العرب واستعملتها، فصارت من لسانها بتعريبها واستعمالها لها، وإن كان أصلها أعجميّاً. والتفصيل في الملحق الأصوليّ.
هـ – كونه محفوظاً بحفظ الله تعالى:
8 – تكفل الله تعالى بحفظ كتابه الكريم، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، قال القرطبيّ: المراد بالذّكر القرآن والمراد بالحفظ أن يحفظ من أن يزاد فيه أو ينقص منه، قال قتادة وثابت البنانيّ: حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلاً أو تنقص منه حقّاً، فتولى سبحانه وتعالى حفظه، فلم يزل محفوظاً، وقال في غيره: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الذينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء}، فوكل حفظه إليهم فبدلوا وغيروا.
و – نسخ القرآن:
9 – اتفق الفقهاء على جواز نسخ القرآن بالقرآن واختلفوا في نسخ القرآن بالسّنة على أقوال كما اختلفوا في شروط النسخ وأحواله.
والتفصيل في الملحق الأصوليّ.
ز- جمع القرآن:
7 – جمع القرآن مرتين مرةً في عهد أبي بكر الصّدّيق وثانيةً في عهد عثمان رضي الله عنهما. والتفصيل في مصطلح (مصحف):
ح – تنجيم القرآن:
8 – نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجماً لمعان مختلفة.
والتفصيل في (مصحف).
ط – رسم المصحف:
12 – كتب القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه على شكل معين وعلى يد جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ووزّعت النّسخ التي كتبوها على العواصم الإسلامية وسمّيت هذه الطريقة الرسم العثماني،وقد اختلف الفقهاء في وجوب التزامها في كتابة القرآن الكريم أو جواز الخروج عنها. والتفصيل في مصطلح (مصحف). ” الموسوعة الفقهية الكويتية” .