فتح المنان في جمع مسائل أصول الإيمان ( 9)
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا ) .
——-
المطلب الرابع :
التبرك بالأشجار والأحجار ونحوها :
تعريف :
أنواعه :
المشروع …..
غير المشروع …..
———‘——-‘——–‘
باب من تبرّك بشجرة أو حَجْر ونحوهما
أصل البركة في اللغة العربية: “الثبوت واللزوم” فكل شيء ثبت وأقام فقد برك. لسان العرب 1/396.
كبقعة وغار وعين وقبر ونحو ذلك مما يعتقد كثير من عباد القبور وأشباههم فيه البركة فيقصدونه رجاء البركة. ” تيسير العزيز الحميد” ( 140).
قال العلامة السعدي رحمه الله في تعليقه على كتاب التوحيد: باب من تبرك بشجرة أو حجرة أو نحوهما: ((أي فإن ذلك من الشرك، ومن أعمال المشركين؛ فإن العلماء اتفقوا على أنه لا يشرع التبرك بشيء من الأشجار، والأحجار، والبقع، والمشاهد وغيرها؛ فإن هذا التبرك غلوٌّ فيها، وذلك يتدرّج به إلى دعائها وعبادتها وهذا هو الشرك الأكبر كما تقدم انطباق الحديث عليه، وهذا عام في كل شيء حتى مقام إبراهيم، وحجرة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وصخرة بيت المقدس، وغيرها من البقع الفاضلة.
وأما استلام الحجر الأسود وتقبيله، واستلام الركن اليماني من الكعبة المشرّفة، فهذا عبودية لله، وتعظيم لله، وخضوع لعظمته، فهو روح التّعبُّد. فهذا تعظيم للخالق وتَعبُّدٌ له، وذلك تعظيم للمخلوق، وتألُّه له. والفرق بين الأمرين كالفرق بين الدعاء لله الذي هو إخلاصٌ وتوحيدٌ، والدعاء للمخلوق الذي هو شرك وتنديد)). القول السديد في مقاصد التوحيد، ص51.
قال العلامة الفوزان حفظه الله: هذا الباب مكمِّلٌ للأبواب التي قبله، لأن الأبواب التي قبله في لبس الحلْقة والخيط ونحوهما، أو تعليق الرُّقى والتّمائم، وهذا فيه النهي عن التبرّك بالأشجار والأحجار، فهذه الأبواب كلها مؤدّاها الاعتقاد بغير الله سبحانه وتعالى أنه يضر أو ينفع، وهذا شرك، لأن الذي يقدر على دفع الضر وجلب النفع هو الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، هو القادر سبحانه وتعالى على ذلك، لا يشاركه أحد، وإن كان هناك أشياء يترتّب على استعمالها أو أكلها أو شُربها ضرر، أو يترتّب عليه نفع؛ فهذه أسباب فقط، أما الذي يخلق ذلك فهو الله سبحانه.
مثلاً: الأكل والشرب من الطيبات هذا فيه نفع، لكن ليس الأكل والشرب هو الذي يخلق النفع، إنما الذي يخلق النفع هو الله سبحانه وتعالى.
مثلاً: السُّم يقتل، والنار تُحرق، لكن ليست هي التي تفعل هذه الأشياء، لأنها مخلوقات لله سبحانه وتعالى، ولكنها أسباب، يقدِر القادر سبحانه أن يسلبها هذه الخاصيات، كما سلب النار الحرارة لما أُلقي فيها إبراهيم، وصارت برداً وسلاماً، فدلّ على أنها لا تستقل بالضرر. ” إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد” ( 276) للعلامة الفوزان حفظه الله.
وقد دلت النصوص في الكتاب والسنة على أن الأشياء التي أحل الله – جل وعلا – البركة فيها قد تكون أمكنة أو أزمنة ؛ وقد تكون مخلوقات آدمية ، فهذان قسمان :
القسم الأول : أن الله – تعالى – بارك بعض الأماكن كبيت الله الحرام ، وحول بيت المقدس ، كما قال سبحانه : { الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } [ الإسراء : 1 ] ومعنى كون الأرض مباركة : أن يكون فيها الخير الكثير اللازم ، يعني : أنك إذا لامست الأرض ، أو دفنت فيها ، أو تبركت بها ، فإن بركتها لا تنتقل إليك بالذات ، وإنما بركتها من جهة المعنى فقط .
يعني : لا يجوز أن يُتَمَسَّح بأرضها ، أو أن يُتَمَسَّح بحيطانها
كذلك بيت الله الحرام هو مبارك لا من جهة ذاته ، يعني : ليس كما يعتقد البعض أن من تمسح به انتقلت إليه البركة وإنما هو مبارك من جهة المعنى ، يعني : اجتمعت فيه البركة التي جعلها الله في هذه البنية ، من جهة : تعلق القلوب بها ، وكثرة الخير الذي يكون لمن أرادها ، وأتاها ، وطاف بها ، وتعبد عندها ، وكذلك الحجر الأسود هو حجر مبارك ، ولكن بركته لأجل العبادة ، يعني أن من استلمه تعبدا مطيعا للنبي صلى الله عليه وسلم في استلامه له ، وفي تقبيله ، فإنه يناله به بركة الاتباع . وقد قال عمر رضي الله عنه لما قبّل الحجر : ” إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ”
فقوله : لا تنفع ولا تضر ، يعني لا يجلب لمن قبَّله شيئا من النفع ، ولا يدفع عن أحد شيئا من الضر ، وإنما الحامل على التقبيل مجرد الاتِّساء ، تعبدا لله ، ولذلك قال : ” . . ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ” فهذا معنى البركة التي جعلت في الأمكنة .
وأما معنى كون الزمان مباركا – مثل شهر رمضان ، أو بعض أيام الله الفاضلة – فيعني : أن من تعبد فيها ، ورام الخير فيها ، فإنه ينال من كثرة الثواب ما لا يناله في غيرها من الأزمنة .
والقسم الثاني : البركة المنوطة ببني آدم ، وهي البركة التي جعلها الله – جل وعلا – في المؤمنين من الناس ، وعلى رأسهم : سادة المؤمنين : من الأنبياء والرسل فهؤلاء بركتهم بركة ذاتية ، يعني : أن أجسامهم مباركة ، فالله – جل وعلا – هو الذي جعل جسد آدم مباركا وجعل جسد إبراهيم عليه السلام مباركا ، وجعل جسد نوح مباركا ، وهكذا جسد عيسى ، وموسى ، عليهم جميعا الصلاة والسلام جعل أجسادهم جميعا مباركة ، بمعنى : أنه لو تبرك أحد من أقوامهم بأجسادهم ، إما بالتمسح بها ، أو بأخذ عرقها ، أو التبرك ببعض أشعارهم ، فهذا جائز ؛ لأن الله جعل أجسادهم مباركة بركة متعدية ، وهكذا نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم جسده أيضا جسد مبارك ؛ ولهذا ورد في السنة أن الصحابة كانوا يتبركون بعرقه ، ويتبركون بشعره ، وإذا توضأ اقتتلوا على وضوئه ، إلى آخر ما ورد في ذلك ؛ ذلك أن أجساد الأنبياء فيها بركة ذاتية ينتقل أثرها إلى غيرهم ، وهذا مخصوص بالأنبياء والرسل ، أما غيرهم فلم يرد دليل على أن من أصحاب الأنبياء والرسل مَن بركتهم بركة ذاتية ، حتى أفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر ، فقد جاء بالتواتر القطعي : أن الصحابة والتابعين والمخضرمين لم يكونوا يتبركون بأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، كما كانوا يتبركون بشعر النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بوضوئه ، أو بنخامته ، أو بعرقه أو بملابسه ، ونحو ذلك ، فعلمنا بهذا التواتر القطعي أن بركة أبي بكر وعمر إنما هي بركة عمل ، ليست بركة ذات تنتقل كما هي بركة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن من الشجر لَمَا بركته كبركة المسلم » فدل هذا : على أن في كل مسلم بركة ، وفي البخاري أيضا قول أسيد بن حضير : « ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر » . فهذه البركة التي أضيفت لكل مسلم وأضيفت لآل أبي بكر ، هي : بركة عمل ، هذه البركة راجعة إلى الإيمان ، وإلى العلم ، والدعوة ، والعمل . ” التمهيد للشيخ صالح ال الشيخ ”
التبرك المشروع : طلب البركة من الله..
والتبرك: طلب البركة، وطلب البركة لا يخلو من أمرين:
1. أن يكون التبرك بأمر شرعي معلوم; مثل القرآن، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} 1. فمن بركته أن من أخذ به حصل له الفتح، فأنقذ الله بذلك أمما كثيرة من الشرك، ومن بركته أن الحرف الواحد بعشر حسنات، وهذا يوفر للإنسان الوقت والجهد….، إلى غير ذلك من بركاته الكثيرة.
2. أن يكون بأمر حسي معلوم; مثل: التعليم، والدعاء، ونحوه; فهذا الرجل يتبرك بعلمه ودعوته إلى الخير; فيكون هذا بركة لأننا نلنا منه خيرا كثيرا.
وقال أسيد بن حضير: “ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر”2؛فإن الله يجري على بعض الناس من أمور الخير ما لا يجريه على يد الآخر. ” القول المفيد” ( ج 1/ 195).
التبرك الممنوع: طلب البركة من غير الله، كالطلب من رجل يتبرك بشعره أو ثيابه أو أظافره أو التبرك بالقبور، بترابها وأحجارها….
قال العلامة ابن باز فلا يجوز لأحد أن يأتي الصوفي الفلاني، أو الشيخ الفلاني يطلب بركة ثيابه، أو بركة شعره أو بركة أظفاره، كل هذا منكر لا يجوز فإذا اعتقد أنه ينفعه ويضره، أو أنه يحصل له فيه بركة في هذا الشيء، هذا خطر عظيم قد يصل به إلى الشرك، إذا طلب البركة منه واعتقد أنه ينفع أو يضر من دعاه، أو من طلب منه، أو أنه استغاث به دون الله، أو أنه يطلب منه الشفاء للمرض وأشباه ذلك، كل هذا من الشرك الأكبر. ” فتاوى نور على الدرب” ( 3/ 237) بعناية الشويعر.
ومن التبرك الممنوع : التبرك بالأماكن والآثار والإشخاص أحياء وأمواتا.
قال العلامة الفوزان حفظه الله: فالتبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياء وأموتا لا يجوز؛ لأنه إما شرك إن اعتقد أن ذلك الشي يمنح البركة، أو وسيلة إلى الشرك إن اعتقد أن زيارته وملامسته والتمسح به سبب لحصولها من الله.
وأما ما كان الصحابة يفعلونه من التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وريقه وما انفصل من جسمه صلى الله عليه وسلم؛ فذلك خاص به صلى الله عليه وسلم حال حياته؛ بدليل أن الصحابة لم يكونوا يتبركون بحجرته وقبره بعد موته، ولا كانوا يقصدون الأماكن التي صلى فيها أو جلس فيها ليتبركوا بها، وكذلك مقاماته من باب أولى، ولم يكونوا يتبركون بالأشخاص الصالحين كأبي بكر وعمر وغيرهما من أفاضل الصحابة؛ لا في الحياة، ولا بعد الموت، ولم يكونوا يذهبون إلى غار حراء ليصلوا فيه أو يدعوا، ولم يكونوا يذهبون إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى ليصلوا فيه ويدعوا، أو إلى غير هذه الأمكنة من الجبال التي يقال: إن فيها مقامات الأنبياء أو غيرهم، ولا إلى مشهد مبني على أثر نبي من الأنبياء.
وأيضا فإن المكان الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه بالمدينة النبوية دائما لم يكن أحد من السلف يستلمه ولا يقبله، ولا الموضع الذي صلى فيه بمكة وغيرها، فإذا كان الموضع الذي كان يطؤه بقدميه الكريمتين ويصلي عليه لم يشرع لأمته التمسح به ولا تقبيله؛ فكيف بما يقال: إن غيره صلى فيه أو نام عليه؛ فتقبيل شيء من ذلك والتمسح به قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا ليس من شريعته صلى الله عليه وسلم . ” الإرشاد الى صحيح الإعتقاد” ( 335-336).
مسألة: كيفية معرفة هل هذه من البركات الباطلة أو الصحيحة؟
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أما كيفية معرفة هل هذه من البركات الباطلة أو الصحيحة؟ فيعرف ذلك بحال الشخص، فإن كان من أولياء الله المتقين المتبعين للسنة المبتعدين عن البدعة; فإن الله قد يجعل على يديه من الخير والبركة ما لا يحصل لغيره.
ومن ذلك ما جعل الله على يد شيخ الإسلام ابن تيمية من البركة التي انتفع بها الناس في حياته وبعد موته. أما إن كان مخالفا للكتاب والسنة، أو يدعو إلى باطل; فإن بركته موهومة، وقد تضعها الشياطين له مساعدة على باطله، وذلك مثل ما يحصل لبعضهم أنه يقف مع الناس في عرفة ثم يأتي إلى بلده ويضحي مع أهل بلده. ” القول المفيد” ( 1/ 195).
من ثمار التبرك التمسك بهذا الدين
قال العلامة محمد آمان الجامي : فالآن إذا أردنا أن نتبرك ، التبرك الآن يكون بالتمسك بهذا الدين المبارك وبالعمل بالكتاب المبارك وبالعمل بالشريعة المباركة ، أشير لكم إشارة إلى بركة حاصلة وموجودة أنتم تعيشون فيها وقد لا تدركونها ، ما تعيشون من الأمن والأمان في هذا البلد بركة من بركات التمسك بالشريعة وتحكيم الشريعة ، وما تعيشه كثير من الشعوب من القلق والفتن وعدم الدين وعدم الأمن والأمان من عدم البركة لأن الكتاب المبارك لم يعمل به ولأن الشريعة المباركة لم تطبق ، فإذا قصرنا في تطبيق هذه الشريعة المباركة وفي العمل بهذا الكتاب المبارك تنقص هذه البركة ، فإذا زال العمل بالكتاب والسنة وبالشريعة المباركة زالت البركة ، يعيش هذا المجتمع الآن من حيث لا يشعر كثير منهم بركة تطبيق الشريعة ، بركة العمل بالكتاب والسنة بركة العمل بالعقيدة الإسلامية وتطبيق الشريعة إلى حد ما ، هذه هي البركة التي نعيشها ، ومن البركات : مضاعفة الصلاة في المسجدين بركة ، لأن البركة معناها الزيادة ، وكل ما يحصل لك من الخير عندما تصلي في المسجدين العظيمين بركة من البركات ، لنتصور معنى البركة ولا يتعلق الإنسان بعمود أو باب بدعوى أنه يتبرك ، وربما يظن من يأتي من الخارج أن كل ما يرى في هذا المسجد من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك يزعمون أنهم يتبركون بمسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام فليعلموا أنه لا يوجد في هذا المسجد شيء من آثار النبي عليه الصلاة والسلام ، وكل ما يشاهد كما يعلم الجميع من الأعمدة والبلاط ومن هذا النحاس وهذه الزخرفة كلها أمور حادثة ليس هناك شيء يستحسن أو ينبغي للعاقل أن يتبرك به. شرح الرسالة التدمرية لشيخ الاسلام ابن تيمية