53 – بَابُ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ، وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ»
217 – (2537) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ – قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا، وقَالَ عَبْدٌ أَخْبَرَنَا – عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، صَلَاةَ الْعِشَاءِ، فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ، فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ
217 – حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِإِسْنَادِ مَعْمَرٍ كَمِثْلِ حَدِيثِهِ
218 – (2538) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: «تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ؟، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ، وَأُقْسِمُ بِاللهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ»
218 – حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ: قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ
218 – حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ، تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ» وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، صَاحِبِ السِّقَايَةِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ ذَلِكَ. وَفَسَّرَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: نَقْصُ الْعُمُرِ.
218 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، مِثْلَهُ
219 – (2539) حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ دَاوُدَ – وَاللَّفْظُ لَهُ – ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ، سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ، وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ»
220 – (2538) حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، تَبْلُغُ مِائَةَ سَنَةٍ» فَقَالَ سَالِمٌ: تَذَاكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَهُ، إِنَّمَا هِيَ كُلُّ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ يَوْمَئِذٍ
الفوائد
==========
أورد صاحب (جامع الأصول في أحاديث الرسول) بعض أحاديث مسلم الذي في الباب، وغيرها في الفصل السابع: “في انقضاء كل قرن”.
تمهيد: الموت حق، نؤمن بوقوعه لكل مخلوق حي إيمانا بدهيا محسوسا، لكن الذي يخفى علينا وقت وقوعه بنا؛ {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} [لقمان: 34]، ولو علم الناس نهاية عمرهم لأهملوا العمل، حتى يقرب الأجل، فأخفى الموعد؛ ليتوقع الكيس قربه، فيسعى ليل نهار، وليعمل لدنياه، كأنه يعيش أبدا، ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا.
ولما كان الإنسان مطبوعا على حب الاستطلاع، ومعرفة المجهول، ويخاف الفجأة القاضية كثر السؤال عن الساعة، وموعدها، من منكريها، ومن المؤمنين بها، وكان الجواب واحدا، {عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَاتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [الأعراف: 187]، فعيشوا ما تعيشون، ولن يعيش أحد ممن كان حيا وقت مقالتي أكثر من مائة عام أوحى إلي ربي بذلك، وهو علام الغيوب.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(أرأيتكم ليلتكم هذه؟) أي: أخبركم عن ليلتكم هذه؟ وعن آجالكم ابتداء منها؟ ودلالة أرأيتكم على أخبركم عن طريق مجاز مرسل، علاقته اللازمية، إذ يلزم من الرؤية الإخبار بالمرئي غالبا، وكانت هذه الليلة قبل أن يموت صلى الله عليه وسلم بشهر، كما جاء في رواية. وكانت هذه المقالة بعد أن صلى بهم العشاء، وكأنه صلى الله عليه وسلم ينعي لهم نفسه، ويبين أن الكل سيموت، طال الأجل أو قصر، وكانت هذه المقالة جوابا عن الساعة، وبعد عودته صلى الله عليه وسلم من تبوك.
(فإن على رأس مائة سنة منها، لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) في الرواية الثانية: تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله.
(ما على الأرض من نفس منفوسة، تأتي عليها مائة سنة)، وفي رواية: (ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ) وفي رواية: (لا يأتي مائة سنة، وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم) وفي رواية: (ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة) قال الراوي: إنما هي كل نفس مخلوقة يومئذ، ومعنى (نفس منفوسة) أي: مولودة.
(فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك، فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحدا يريد بذلك أن ينخرم القرن) وهل بفتح الهاء، يهل بكسرها، من باب ضرب، أي: غلط، وذهب وهمه إلى خلاف الصواب، وهو المراد هنا، أما وهل بكسر الهاء يهل بفتحها، من باب حذر، فمعناه، فزع، والوهل بالفتح الفزع، والمعنى أن الصحابة أخذوا يفسرون هذا الحديث تفسيرات خاطئة في مجالسهم إذا تناولوا هذه الأحاديث، – فمنهم من يظن أنهم سيعيشون مائة سنة، – فظن بعضهم أن أعمار من سيولد قد تصل مائة سنة، ولا تزيد عن مائة سنة، وإنما المراد أن كل نفس منفوسة من الآدميين كانت تلك الليلة حية على الأرض، لا تعيش بعد تلك الليلة فوق مائة سنة، سواء كان عمرها في تلك الليلة قليلا أو كثيرا، وليس فيه نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة.
وقول الراوي: “يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن” معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد بهذا انقضاء الأحياء الموجودين المعاصرين أهل هذا القرن، وذهابهم قبل مائة عام من هذه المقالة، يقال: انخرم العام، أي ذهب وانقضى، وانخرم القوم، أي: فنوا وذهبوا. [انظر: فتح المنعم]
قال ابن عمر – رضي الله عنهما: وإنما أراد رسول الله ? انخرام ذلك القرن.
أي أنه ? لم يقصد أن البشرية تهلك وتموت على رأس المائة سنة، وإنما المقصود: أولئك الذين كانوا أحياء.
(وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: ” تَسْأَلُونِّي”): بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَتَخْفِيفِهِ عَلَى صِيغَةِ الْخِطَابِ لِلْأَصْحَابِ، وَهَمْزَةُ الْإِنْكَارِ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ: أَتَسْأَلُونَ (” عَنِ السَّاعَةِ “)؟ أَيِ: الْقِيَامَةِ وَهِيَ النَّفْخَةُ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةُ. وَأَطْلَقَ السَّاعَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بَغْتَةً وَفَجْأَةً، فَوُقُوعُهَا فِي أَدْنَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الزَّمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى انْتِهَائِهَا مَدِيدَةً، وَقِيلَ: أُطْلِقَتْ عَلَيْهَا لِطُولِهَا، كَمَا يُسَمَّى الزِّنْجِيُّ بِالْكَافُورِ تَسْمِيَةً بِالضِّدِّ. وفي رواية (وَأَنَّ مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ): عَطَفَ عَلَى قُرْبِ السَّاعَةِ لَا عَلَى السَّاعَةِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ: السَّاعَةُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ، وَيُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عَلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ: الْكُبْرَى، وَهِيَ بَعْثُ النَّاسِ لِلْجَزَاءِ، وَالْقِيَامَةُ. الْوُسْطَى: وَهِيَ انْقِرَاضُ الْقَرْنِ الْوَاحِدِ بِالْمَوْتِ. وَالْقِيَامَةُ الصُّغْرَى: وَهِيَ مَوْتُ الْإِنْسَانِ، الْمُرَادُ هُنَا هَذِهِ أَيِ الْأَخِيرَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ هِيَ الْكُبْرَى، سَوَاءً أُرِيدَ بِهَا النَّفْخَةُ الْأُولَى لِقَوْلِهِ – صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ» “، أَوِ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى الْمَعْرُوفَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ” «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» ” يَحْتَمِلُهُمَا، نَعَمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى الْقِيَامَةِ الْوُسْطَى، وَأَمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَمَا أَظُنُّ أَنَّ السَّاعَةَ وَرَدَتْ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْقِيَامَةِ الصُّغْرَى إِلَّا مَا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: ” «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ» “، وَهُوَ الْمُعَنْوَنُ فِي الْبَابِ مَعَ عَدَمِ إِيرَادِ حَدِيثٍ يُلَائِمُهُ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَمْ يَرِدْ بِلَفْظِ السَّاعَةِ، وَأُرِيدَ بِهَا الْقِيَامَةُ الصُّغْرَى، بَلْ وَلَا وَرَدَ بِمَعْنَى الْقِيَامَةِ الْوُسْطَى إِلَّا بِالْإِضَافَةِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى ثَلَاثَةٍ: كُبْرَى: وَهِيَ الطَّامَّةُ الْجَامِعَةُ، وَوُسْطَى: وَهِيَ النَّفْخَةُ لِلْإِمَاتَةِ الْعَامَّةِ، وَصُغْرَى: وَهِيَ إِمَاتَةُ الْجَمَاعَةِ، وَالْقِيَامَةُ تُطْلَقُ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى مَنْ مَاتَ وَحْدَهُ أَيْضًا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (” وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ “) أَيْ: لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.
قَالَ الطِّيبِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ: حَالٌ مُقَرِّرَةٌ لِجِهَةِ الْإِشْكَالِ، أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ سُؤَالَهُمْ، وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ.
قلت سيف: حديث اذا سأل عن الساعة كان ينظر لأحدثهم سنا ويقول: إن يعش هذا فلن يموت حتى. ….
وَقَوْلُهُ: (” وَأَقْسَمَ بِاللَّهِ “): مُقَرِّرٌ لَهُ يَعْنِي: تَسْأَلُونِي عَنِ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى وَعِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا أَعْلَمُهُ هُوَ الْقِيَامَةُ الصُّغْرَى انْتَهَى. وَهُوَ يُؤَيِّدُ تَقْسِيمَنَا الْمُتَقَدِّمَ فِي السَّاعَةِ (” مَا عَلَى الْأَرْضِ “): مَا: نَافِيَةٌ، وَمِنْ فِي قَوْلِهِ (” مِنْ نَفْسٍ “): زَائِدَةٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَقَوْلُهُ: (مَنْفُوسَةٌ “) صِفَةُ نَفْسٍ، وَكَذَا مَا يَاتِي، وَالْمَعْنَى: مَا مِنْ نَفْسٍ مَوْلُودَةٍ الْيَوْمَ (” يَاتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ “)، يُقَالُ: نَفِسَتِ الْمَرْأَةُ غُلَامًا بِالْكَسْرِ، وَنُفِسَتْ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ إِذَا وَلَدَتْ نَفْسًا، فَهِيَ نَافِسٌ وَنُفَسَاءُ، وَالْوَلَدُ مَنْفُوسٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
كَمَا سَقَطَ الْمَنْفُوسُ بَيْنَ الْقَوَابِلِ
قَالَ الْأَشْرَفُ: مَعْنَاهُ مَا تَبْقَى نَفْسٌ مَوْلُودَةٌ الْيَوْمَ مِائَةَ سَنَةٍ، أَرَادَ بِهِ مَوْتَ الصَّحَابَةِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – وَقَالَ – صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – هَذَا عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ عَاشَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ انْتَهَى. وَمِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَسَلْمَانُ وَغَيْرُهُمَا. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَعْنَى لَا تَعِيشُ نَفْسٌ مِائَةَ سَنَةٍ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآتِي ; فَلَا حَاجَةَ إِلَى اعْتِبَارِ الْغَالِبِ، فَلَعَلَّ الْمَوْلُودِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ انْقَرَضُوا قَبْلَ تَمَامِ الْمِائَةِ مِنْ زَمَانِ وُرُودِ الْحَدِيثِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى اسْتِدْلَالُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَى بَابَارْتِنْ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنِ ادَّعَى الصُّحْبَةَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ إِلَى الْمِائَتَيْنِ وَالزِّيَادَةِ.
بَقِيَ أَنَّ الْحَدِيثَ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حَيَاةِ الْخَضِرِ وَإِلْيَاسَ، وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيُّ – رَحِمَهُ اللَّهُ – فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ: أَرْبَعَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْحَيَاةِ، اثْنَانِ فِي الْأَرْضِ: الْخَضِرُ وَإِلْيَاسُ، وَاثْنَانِ فِي السَّمَاءِ: عِيسَى وَإِدْرِيسُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِهِمْ، أَوِ الْمُرَادُ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ مِنْ أُمَّتِي، وَالنَّبِيُّ – عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ – لَا يَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ نَبِيٌّ آخَرُ، وَقِيلَ: قَيْدُ الْأَرْضِ يُخْرِجُ الْخَضِرَ وَإِلْيَاسَ ; فَإِنَّهُمَا كَانَا عَلَى الْبَحْرِ حِينَئِذٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، بَابُ قُرْبِ السَّاعَةِ وَأَنَّ مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ].
قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية): “وقال مكحول عن كعب: أربعة أنبياء أحياء: اثنان في الأرض، إلياس والخضر، واثنان في السماء: إدريس وعيسى عليهما السلام، وقد قدمنا قول من ذكر أن إلياس والخضر يجتمعان في كل عام، في شهر رمضان ببيت المقدس، وأنهما يحجان كل سنة، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من العام المقبل. وأوردنا الحديث الذي فيه: أنهما يجتمعان بعرفات كل سنة. وبينا أنه لم يصح شيء من ذلك، وأن الذي يقوم عليه الدليل: أن الخضر مات، وكذلك إلياس عليهما السلام.
وما ذكره وهب بن منبه، وغيره: أنه لما دعا ربه عز وجل أن يقبضه إليه لما كذبوه وآذوه، فجاءته دابة لونها لون النار، فركبها وجعل الله له ريشًا، وألبسه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، وصار ملكيًا بشريًا، سماويًا أرضيًا، وأوصى إلى اليسع بن أخطوب، ففي هذا نظر، وهو من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، بل الظاهر أن صحتها بعيدة، والله أعلم.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو أحمد بن سعيد المعداني ببخارى، حدثنا عبد الله بن محمود، حدثنا عبدان بن سنان، حدثني أحمد بن عبد الله البرقي، حدثنا يزيد بن يزيد البلوي، حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن أنس بن مالك قال:
كنا مع رسول الله ? في سفر، فنزلنا منزلا فإذا رجل في الوادي يقول: اللهم اجعلني من أمة محمد ?، المرحومة المغفورة المثاب لها، قال فأشرفت على الوادي، فإذا رجل طوله أكثر من ثلاثمائة ذراع، فقال لي: من أنت؟
فقلت: أنس بن مالك، خادم رسول الله ?.
قال: فأين هو؟
قلت: هو ذا يسمع كلامك.
قال: فأته فأقرئه السلام، وقل له: أخوك إلياس يقرئك السلام
قال: فأتيت النبي ? فأخبرته، فجاء حتى لقيه فعانقه وسلم، ثم قعدا يتحادثان، فقال له: يا رسول الله إني ما آكل في سنة إلا يومًا، وهذا يوم فطري فآكل أنا وأنت.
قال: فنزلت عليهما مائدة من السماء، عليها خبز وحوت وكرفس، فأكلا وأطعماني، وصلينا العصر، ثم ودعه ثم رأيته مر في السحاب نحو السماء.
فقد كفانا البيهقي أمره، وقال: هذا حديث ضعيف بمرة، والعجب أن الحاكم أبا عبد الله النيسابوري أخرجه في (مستدركه) على (الصحيحين)، وهذا مما يستدرك به على (مستدركه)، فإنه حديث موضوع، مخالف للأحاديث الصحاح من وجوه.
ومعناه لا يصح أيضًا، فقد تقدم في (الصحيحين) أن رسول الله ? قال:
«إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعًا في السماء».
إلى أن قال: «ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن».
وفيه أنه لم يأت إلى رسول الله ? حتى كان هو الذي ذهب إليه. وهذا لا يصح لأنه كان أحق بالسعي إلى بين يدي خاتم الأنبياء، وفيه أنه يأكل في السنة مرة، وقد تقدم عن وهب أنه سلبه الله لذة المطعم والمشرب، وفيما تقدم عن بعضهم أنه يشرب من زمزم كل سنة شربة تكفيه إلى مثلها من الحول الآخر.
وهذه أشياء متعارضة، وكلها باطلة، لا يصح شيء منها.
وقد ساق ابن عساكر هذا الحديث من طريق أخرى، واعترف بضعفها، وهذا عجب منه، كيف تكلم عليه فإنه أورده من طريق حسين بن عرفة، عن هاناء بن الحسن، عن بقية، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن واثلة، عن ابن الأسقع فذكر نحو هذا مطولًا”. انتهى.
—-‘
وفي الحديث إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم عن أمرين:
أولهما: أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى تقوم الساعة، وأن علمها إلى الله تعالى؛ {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187].
ثانيهما: أن جميع من كان حيًّا في وقت مقالته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يعيش أكثر من مائة سنة، وهو ما صدقه الواقع المشاهد.
وهو ما أجمله الإمام ابن الجوزي بقوله: “إنه صلى الله عليه وسلم عنى بذلك الموجودين حينئذٍ من يوم قوله هذا، وهذا قاله قبل أن يموت بشهر كما روي في الحديث: فما بلغ أحد ممن كان موجودًا من يومئذ مائة سنة”. [كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 70)]
——-‘——
ثانيًا: فقه الحديث: المسألة الأولى: الخضر عليه الصلاة والسلام هل هو حي أم ميت؟ وفيه فروع: الفرع الأول: من هو الخضر
الخضر هو العبد الصالح الذي رحل إليه موسى ليطلب منه علماً، وقد حدثنا الله عن خبرهما في سورة الكهف.
الفرع الثاني: الأقوال في حياته وموته. قال النووي: احتج بهذا الحديث من شذ من المحدثين، فقال: الخضر عليه السلام ميت. والجمهور على حياته، كما سبق في باب فضائله، ويتأولون هذه الأحاديث على أنه كان على البحر، لا على الأرض (وهذا مردود؛ لأن البحر من الأرض) أو أن هذه الأحاديث من العام المخصوص. اهـ.
أو المراد ممن على الأرض من المخاطبين ومن على شاكلتهم، أي: الصحابة، أي لا يبقى أحد من الصحابة بعد مائة سنة، ولذلك بحثنا في الباب السابق، في نهاية القرن، وآخر الصحابة موتا، ولم نبحث آخر الناس في جميع بقاع الأرض موتا. [انتظر: وفتح المنعم. بتصرف]
أدلة القائلين بأنه حي: (ومن القائلين أن الخضر حي الصوفية) وإن من اشهر ما تعلقوا به على أن الخضر حي ما رواه أبو نعيم الأصبهاني وغيره، وقد أورد هذه الوراية وغيرها ابن كثير رحمه الله في (البداية والنهاية)، فقال: وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندي، حدثنا بقية بن الوليد، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامه أن رسول الله ? قال لأصحابه. “ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلا يا رسول الله، قال: بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب، فقال تصدق علي بارك الله فيك. فقال الخضر: آمنت بالله، ما شاء الله من أمر يكون، ما عندي من شيء أعطيكه ….. وفيه أن الخضر قال له بعني وخذ النقود.
والجواب على ذلك من أوجه: أولا: أن سنده ضعيف فيه مجاهيل. قال ابن كثير رحمه الله بعد أن أورد هذا: ” وهذا حديث رفعه خطأ، والأشبه أن يكون موقوفا، وفي رجاله من لا يعرف، فالله أعلم.
وقد رواه ابن الجوزي في كتابه “عجالة المنتظر في شرح حال الخضر” من طريق عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك عن بقية. ” انتهى. وقد أورد جملة من الأحاديث وبين ما فيها.
والثاني: وعلى فرض صحته لا يوجد في الحديث ما يدل على ما ذهبوا إليه من أنه حي، وكان حيًا أيام بعثة النبي صلى الله عليه وسلم!
والثالث: أنهم يستدلون على أنه حي من رؤية من يقولون أنه صالح! وهل هذا دليل يعتمد عليه!
والرابع: سيأتي أن المحققين من أهل العلم على أن الأحاديث الواردة في ذلك كلها ضعيفة، ويرد عليها أوجه على بطلانها مع ذلك.
وقد بين ابن كثير علل جملة ما أورده في هذا غير ما سيأتي، وابن الجوزي في كتاب الموضوعات في “باب في ذكر ما روي من اجتماع الخضر وجبريل وميكائيل وإسرافيل” بين فيه ضعف الأحاديث، وبين بطلان لقائه مع جبريل وميكائيل وإسرافيل، ولقائه مع على ابن أبي طالب وغيرهم، قال: ” وقد أغرى خلق كثير من المهوسين بأن الخضر حي إلى اليوم”. (1/ 312 – 315).
======
وممن قال أن الخضر قد مات، وأوجه ذلك:
أ. يقول ابن قيِّم الجوزية رحمه الله تعالى: “الأحاديث التي يُذكر فيها الخضر وحياته، كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد.
كحديث: إن رسول الله ; كان في المسجد؛ فسمع كلاماً من ورائه؛ فذهبوا ينظرون؛ فإذا هو الخضر!
وحديث: يلتقي الخضر وإلياس كل عام.
وحديث: يجتمع بعرفة؛ جبريل وميكائيل والخضر. الحديث المفترى الطويل.
– وسُئِل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق؟
فقال: من أحال على غائب لم ينتصف منه وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.
– وسُئِل البخاري عن الخضر وإلياس؛ هل هما أحياء؟
فقال: كيف يكون هذا وقد قال النبي: (لا يبقى على رأس مئة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد)
– وسُئِل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: لو كان الخضر حيا لوجب عليه أن يأتي النبي ; ويجاهد بين يديه، ويتعلم منه، وقد قال النبي ; يوم بدر: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض.
وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم فأين كان الخضر حينئذ.
– وقال أبو الفرج بن الجوزي:
والدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء؛ القرآن، والسنة، وإجماع المحققين من العلماء، والمعقول.
أما القرآن؛ فقوله – -;: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء: 34] فلو دام الخضر كان خالداً.
وأما السنة؛ فذكر حديث: “أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو اليوم عليها أحد”. متفق عليه.
وأما إجماع المحققين من العلماء؛ فقد ذُكِر عن البخاري، وعلي بن موسى الرضا، أن الخضر مات.
وأن البخاري سُئِل عن حياته، فقال: وكيف يكون ذلك وقد قال النبي ;: “أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد”.
قال: وممن قال إن الخضر مات إبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو الحسين بن المنادي، وهما إمامان وكان ابن المنادي يُقبِّحُ قول من يقول: إنه حي.
وحكى القاضي أبو يعلى موته عن بعض أصحاب أحمد.
– قال أبو الفرج ابن الجوزي:
وما أبعد فَهْم من يثبت وجود الخضر، وينسى ما في طي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة.
أما الدليل من المعقول؛ فمن عشرة أوجه: أحدها: أن الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد لوجهين:
أحدهما، أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة فيما ذكر في كتاب يوحنا المؤرخ ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر.
والثاني: أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من ولد ولده كما زعموا وأنه كان وزير ذي القرنين فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا بل مفرط في الطول والعرض.
وفي الصحيحين، من حديث أبي هريرة – -;، عن رسول الله – -; أنه قال: “خلق الله آدم طوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص بعد”
وما ذكر أحد ممن رأى الخضر أنه رآه على خلقة عظيمة وهو من أقدم الناس.
الوجه الثالث: أنه لو كان الخضر قبل نوح لركب معه في السفينة، ولم يَنقل هذا أحدٌ.
الوجه الرابع: أنه قد اتفق العلماء أن نوحاً لما نزل من السفينة مات من كان معه، ثم مات نسلهم، ولم يبق غير نسل نوح، والدليل على هذا قوله – -;: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ [الصافات: 77] وهذا يبطل قول من قال إنه كان قبل نوح.
والوجه الخامس: أن هذا لو كان صحيحاً أن بشراً من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر ومولده قبل نوح، لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب، وكان خبره في القرآن مذكوراً في غير موضع لأنه من أعظم آيات الربوبية.
وقد ذكر الله – -; من أحياه ألف سنة إلا خمسين عاماً وجعله آية، فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر؟!
والوجه السادس: أن القول بحياة الخضر قول على الله بلا علم، وذلك حرام بنص القرآن.
أما المقدمة الثانية فظاهره، وأما الأولى فإن حياته لو كانت ثابتة لدل عليها القرآن أو السنة أو إجماع الأمة، فهذا كتاب الله – -;، فأين فيه حياة الخضر؟ وهذه سنة رسول الله – -;، فأين فيها ما يدل على ذلك بوجه؟ وهؤلاء علماء الأمة، هل أجمعوا على حياته؟
الوجه السابع: أن غاية ما يتمسك به من ذهب إلى حياته، حكايات منقولة يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر!!
فيا لله العجب، هل للخضر علامة يعرفه بها من رآه؟ وكثير من هؤلاء يغتر بقوله أنا الخضر، ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله، فأين للرائي أن المخبر له صادق لا يكذب؟
الوجه الثامن: أن الخضر فارق موسى بن عمران كليم الرحمن ولم يصاحبه، وقال له: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف: 78]
فكيف يرضى لنفسه بمفارقته لمثل موسى ثم يجتمع بجهلة العباد الخارجين عن الشريعة الذين لا يحضرون جمعة، ولا جماعة، ولا مجلس علم، ولا يعرفون من الشريعة شيئاً، وكل منهم يقول:
قال الخضر!
وجاءني الخضر!
وأوصاني الخضر!
فيا عجباً له يفارق كليم الله ;، ويدور على صحبة الجهال، ومن لا يعرف كيف يتوضأ، ولا كيف يصلي!.
الوجه التاسع: أن الأمة مجمعة على أن الذي يقول أنا الخضر، لو قال: سمعت رسول الله – -; يقول كذا وكذا، لم يلتفت إلى قوله، ولم يحتج به في الدين؛ إلا أن يقال إنه لم يأت إلى رسول الله ;، ولا بايعه أو يقول هذا الجاهل إنه لم يرسل إليه وفي هذا من الكفر ما فيه.
الوجه العاشر: أنه لو كان حياً لكان جهاده الكفار، ورباطه في سبيل الله، ومقامه في الصف ساعة، وحضوره الجمعة، والجماعة، وتعليمه العلم، أفضل له بكثير من سياحته بين الوحوش في القفار والفلوات وهل هذا إلا من أعظم الطعن عليه والعيب له؟ “. [المنار المنيف لابن القيم – بتصرف]
ب. وقال شيخ الإسلام في “منهاج السنة” (4/ 93 – 94): “واحتجاجهم بحياة الخضر احتجاجٌ باطلٌ على باطل، فمن الذي يسلِّم لهم بقاء الخضِر؟! والذي عليه سائر العلماء المحقِّقون أنه مات.
وبتقدير بقائه فليس هو من هذه الأمة. ولهذا يوجد كثيرٌ من الكذَّابين من الجنِّ والإنس ممَّن يدَّعي أنَّه الخضر، ويظنُّ من رآه أنه الخضر. وفي ذلك الحكايات الصحيحة التي نعرفها ما يطول وصفها هنا”.
وقد رجح من المعاصرين موت الخضر:
أ. قال الشنقيطي رحمه الله تعالى:
وحكايات الصالحين عن الخضر أكثر من أن تحصر، ودعواهم أنه يحج هو وإلياس كل سنَة، ويروون عنهما بعض الأدعية، كل ذلك معروف، ومستند القائلين بذلك ضعيف جدّاً؛ لأن غالبه حكايات عن بعض من يظن به الصلاح، ومنامات وأحاديث مرفوعة عن أنس وغيره وكلها ضعيف لا تقوم به حجة. . .
الذي يظهر لي رجحانه بالدليل في هذه المسألة أن الخضر ليس بحي بل توفي وذلك لعدة أدلة: ثم ذكر بعض ما سبق [المصدر: ” أضواء البيان ” (4/ 178 – 183)].
ب. قال عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى: أما الخضر فالصحيح أنه مات من دهر بل قبل مبعث عيسى عليه السلام.
والصحيح أن الخضر نبي – كما دل عليه ظاهر القرآن الكريم، – وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((أنا أولى الناس بابن مريم، والأنبياء أولاد عَلات، وليس بيني وبينه نبي)) فدل على أن الخضر قد مات قبل ذلك، – … وإما أن الذي قال إنه الخضر قد كذب عليه وليس بالخضر، وإنما هو شيطان من شياطين الإنس أو الجن. [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (9/ 287)].
وسياق قصته في سورة الكهف يدلّ على نبوته من وجوه: أحدها: قوله تعالى: فَوَجَدَا عَبْداً مّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَعَلّمْنَاهُ مِن لّدُنّا عِلْماً [الكهف: 65]، والأظهر أنّ هذه الرحمة هي رحمة النبوة، وهذا العلم هو ما يوحى إليه به من قبل الله.
الثاني: قول موسى له: هَلْ أَتّبِعُكَ عَلَىَ أَن تُعَلّمَنِ مِمّا عُلّمْتَ رُشْداً …. [الكهف: 66 – 70] فلو كان غير نبيّ لم يكن معصوماً، ولم يكن لموسى – وهو نبيٌّ عظيم، ورسول كريم، واجب العصمة – كبيرُ رغبةٍ، ولا عظيم طلبة في علم وَليٍّ غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب إليه، والتفتيش عنه، ولو أنَّه يمضي حقباً من الزمان، قيل: ثمانين سنة، ثمَّ لما اجتمع به، تواضع له، وعظّمه، واتبعه في صورة مستفيد منه، دلّ على أنه نبيٌّ مثله، يوحى إليه كما يوحى إليه، وقد خصّ من العلوم اللدنيَّة والأسرار النبويَّة بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم، نبيّ بني إسرائيل الكريم.
الثالث: أنّ الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام، وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام، وهذا دليل مستقلٌّ على نبوتَّه، وبرهان ظاهر على عصمته، لأنَّ الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده، لأنَّ خاطره ليس بواجب العصمة، إذ يجوز الخطأ عليه بالاتفاق.
الرابع: أنّه لمَّا فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لموسى، ووضح له عن حقيقة أمره وجلاَّه، قال بعد ذلك كلّه: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف: 82]، يعني ما فعلته من تلقاء نفسي، بل أمرت به، وأوحي إليّ فيه. [انظر: ((البداية والنهاية)) (1/ 326)، والرسل والرسالات، ص: 21، والموسوعة العقدية الدرر السنية].
——-
——-
——-
فصل: ما الذي بنا عليه الصوفية على أن الخضر حي: أن الصوفية جعلوه ضمن مصدرهم: (أصول الصوفية) جاء في ” الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة ” (1/ 261 – 262): ” ويعتمد الصوفية الكشف مصدراً وثيقاً للعلوم والمعارف، بل تحقيق غاية عبادتهم، ويدخل تحت الكشف الصوفي جملة من الأمور الشرعية والكونية، منها:
1ـ النبي صلى الله عليه وسلم: ويقصدون به الأخذ عنه يقظةً أو مناماً.
2ـ الخضر عليه الصلاة السلام: قد كثرت حكايتهم عن لقياه، والأخذ عنه أحكاماً شرعية وعلوماً دينية، وكذلك الأوراد، والأذكار والمناقب.
3ـ الإلهام: سواء كان من الله تعالى مباشرة …
4ـ الفراسة: التي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها.
5ـ الهواتف: من سماع الخطاب من الله تعالى، أو من الملائكة، أو الجن الصالح، أو من أحد الأولياء، أو الخضر، أو إبليس، سواء كان مناماً أو يقظةً أو في حالة بينهما بواسطة الأذن.
6ـ الإسراءات والمعاريج: ويقصدون بها عروج روح الولي إلى العالم العلوي، وجولاتها هناك، والإتيان منها بشتى العلوم والأسرار.
7ـ الكشف الحسي: بالكشف عن حقائق الوجود بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر.
8 ـ الرؤى والمنامات: وتعتبر من أكثر المصادر اعتماداً عليها، حيث يزعمون أنهم يتلقَّون فيها عن الله تعالى، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد شيوخهم لمعرفة الأحكام الشرعية ” انتهى.
ويذكر الغزالي أن مستندات الصوفية وأصولهم مشاهدة الملائكة وأرواح الأنبياء، والخضر بخصوصه، ومخاطبتهم، فهو يقول:
ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء، ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد، ثم تترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها النطاق، ولا يحاول معبر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظة خطأ صريح لا يمكن الاحتراز عنه إلا لمن رسخ فيه ونهل منه منهله”. [((جمهرة الأولياء)) (1/ 155). نقلاً عن الغزالي].
المسألة الثانية: الأبدال (البدلاء)، فيه فروع:
الفرع الأول: الولاية الصوفية:
الولاية في عرف التصوف البدعي فلها معنى آخر يختلف عما عند أهل السنة، فولي الله عندهم: من اختاره الله، ولو لم يكن فيه من مواصفات الصلاح والتقوى ما يؤهله لحب الله له، إذ الولاية عندهم نوع من الوهب الإلهي دون سبب، وبغير حكمة؛ لذلك كانوا يعتقدون في بعض الظلمة والفسقة والمجانين وأهل الفجور أنهم من الأولياء بمجرد أن يظهر على أيديهم من خوارق العادات، مثل: ضرب الجسم بالسكاكين، واللعب بالحيات والنار وأمثال ذلك، حتى عَدُّوا في أوليائهم من يشرب الخمر ويزني، ويقولون: الولي الصادق لا تضره معصية أبدا!
ولم يكتفوا بهذا في تعريف الولاية، بل يقررون أن الولي يتصرف في الأكوان، ويقول للشيء كن فيكون، وكل ولي عندهم قد وكَّله الله بتصريف جانب من جوانب الخلق، كالتالي: فأربعة أولياء: يمسكون العالم من جوانبه الأربعة ويسمون: الأوتاد. وسبعة أولياء: آخرون كل منهم في قارة من قارات الأرض السبع، ويسمون: الأبدال (البدلاء)؛ لكونهم إذا مات واحد منهم كان الآخر بدله.
وعدد آخر من الأولياء في كل إقليم، في مصر ثلاثون أو أربعون، وفي الشام كذلك، والعراق وهكذا، وكل واحد منهم قد أوكل إليه التصريف في شيء ما.
وفوقهم جميعا ولي واحد يسمى: “القطب الأكبر أو الغوث”، وهو الذي يدبر شأن الملك كله.
وهكذا أسسوا لهم دولة في الباطن تحكم وتنفذ وتتحكم في شؤون الناس على منوال الدولة السياسية، وهذه الدولة يترأسها القطب أو الغوث، يليه الإمامان (وهما الوزيران)، ثم الأوتاد الأربعة، ثم الأبدال السبعة.
هذه هي الولاية الصوفية، وهي لا تمت من قريب أو بعيد للولاية الإسلامية، فالولي في الإسلام: عبد هداه الله ووفقه وسار في مرضاة ربه حسب شريعته، وهو يخشى على نفسه من النفاق وسوء العاقبة، ولا يعلم هل يقبل الله عمله أو لا، وأما الولي الصوفي فقد أعطوه من خصائص الربوبية ما يتصرف به في جانب من جوانب الكون، ولا يلتزم بما شاء من شريعة الله، ويدخل الملائكة تحت مشيئته.
وأصل فكرة الولاية الصوفية مأخوذة من الفلسفة الإغريقية القديمة التي تقوم على فكرة تعدد الآلهة، وكان أول من وضع فكرة الولاية الصوفية في أواخر القرن الثالث الهجري هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي، الذي يسمونه (الحكيم) – وهو غير الإمام صاحب السنن المشهورة بسنن الترمذي – ثم بعد ذلك اشتهرت أقوالهم، وأصبحت كتب أئمتهم مليئة بهذه الأفكار والمصطلحات، ولو ذهبنا ننقل أقوالهم وأباطيلهم لطال بنا المقام، وحتى لا يظن أحد أننا نتجنى عليهم، فهذه أسماء بعض مراجعهم، وستجد أن ما ذكرناه أقل بكثير من شناعة أفكارهم، انظر “الفتوحات المكية” لابن عربي (2/ 537،455)، كتاب “اليواقيت والجواهر” لعبد الوهاب الشعراني (2/ 79)، “المعجم الصوفي” لسعاد الحكيم (189 – 191، 909 – 913).
والآن اصحبني أيها القارئ لأريك نصوص المتصوفة وعباراتهم، وخيالاتهم في وصف ولايتهم الصوفية:
يقول الترمذي:
“ما قولك في مُحَدِّث، بشر بالفوز والنجاة فقال: رب اجعل لي آية تحقق لي ذلك الخبر الذي جاءني لينقطع الشك والاعتراض. فقال (أي الله): آتيك أن أطوي لك الأرض حتى تبلغ بيتي الحرام في ثلاث خطوات، وأجعل لك البحر كالأرض تمشي عليه كيف شئت وأجعل لك التراب والجو في يديك ذهباً، ففعل هذا هل ينبغي له أن يطمئن إلى هذه البشرى بعد ظهور هذه الآية أولاً” أ. هـ منه بلفظه (2).
وهذا الكلام من الحكيم الترمذي تلبيس وتدليس كله. من هذا الذي يخاطبه الله بكلمة بعد محمد صلى الله عليه وسلم؟! ولا نبي بعد رسول الله، ومن هذا الذي يعطيه من هذه الكرامات المزعومة ما لم يعط رسله وأنبياءه .. فإن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ما سار على الماء، ولا طار في الهواء، ولا جعلت له الجبال ذهباً. بل جاع هو وأصحابه وربط الحجر على بطنه أياماً وسار على قدميه في جيوشه حتى تقطعت أقدامهم وما كان لهم إلا الخرق يلفونها به حتى لقد سمو غزوة من غزواتهم بغزوة ذات الرقاع لأنهم مزقوا فيها بعض ملابسهم ليلفوا أرجلهم. [انظر: موسوعة الفرق]
الفرع الثاني: المراتب والمصطلحات عند الصوفية:• الأول: الغوث.
- الثاني: الأوتاد.
- الثالث: القطب.
- الرابع: الأبدال ” البدلاء “.
- الخامس: النجباء.
(والنجباء) وهم ثلاثمائة كل منهم يتولى شأناً من شؤون الخلق.
وقد كفانا عبد الوهاب الشعراني مئونة تجميع أقوالهم في مراتب الولاية حيث جمع أقوال ابن عربي في الفتوحات.
الفرع الثالث: من هم البدلاء عند الصوفية. الأبدال ” البدلاء ” وعددهم: أربعون بدلا، وسموا بالأبدال؛ لأنهم ثابتون من حيث العدد كلما توفي أحدهم بدله واحداً غيره، وقيل: هم الذين أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بالحسنات، وهم بالشام، واستدلوا على ذلك بحديث منقطع الإسناد- كما يذكر ذلك ابن تيميه وهو عن علي رضي الله عنه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب)) [رواه أحمد 1/ 112 (896) قال ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (1/ 289) منقطع. وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (6/ 227) فيه انقطاع. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (2/ 171): ضعيف.]
ويرى الجرجاني: إن البدلاء سبعة رجال، من سافر منهم يترك جسداً على صورته حياً بحياته، ظاهراً بأعمال أصله بحيث لا يعرف أحد أنه فقد.
O مفهوم التصوف وأنواعه في الميزان الشرعي لمحمود يوسف الشوبكي (مجلة الجامعة الإسلامية- المجلد العاشر) – ص36
الفرع الرابع: الأبدال السبعة ووظائفهم قال الشعراني: وقال الشيخ أيضاً في الباب الخامس عشر: “اعلم أن لكل بدل من الأبدال السبعة قدراً، يمده من روحانية الأنبياء الكائنين في السماوات فينزل مدد كل بدل من حقيقة صاحبه الذي في السماء …..
(اليواقيت والجواهر ج2 ص83).
وهكذا استطاع المتصوفة نقل عقائد الصابئة الذي كانوا في عهد إبراهيم عليه السلام وهم عبدة النجوم والكواكب الذين يؤمنون بأن لكل كوكب روحاً يتصرف في الخلق، وصوروا تماثيل لروحانية القمر والشمس والمشتري والزهرة .. الخ .. وعبدوها .. نقل الصوفية هذه العقائد الوثنية الجاهلية إلى الفكر الإسلامي وجعلوها عقيدة من عقائد المتصوفة ومن أجل ذلك قال ابن عربي:
عقد البرية في الإله عقائدا … وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
وما ذلك إلا لأنه يؤمن أنه ليس إلا الله في الكون!!!! [انظر: موسوعة الفرق]
الفرع الخامس: أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في “المنار المنيف” (136):
” أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب ما فيها (لا تسبوا أهل الشام؛ فإن فيهم البدلاء، كلما مات رجل منهم أبدل الله مكانه رجلا آخر) ذكره أحمد، ولا يصح أيضا، فإنه منقطع ” انتهى. (وانظر تفصيل الأحاديث المروية في ذلك وبيان نكارتها في “المقالات القصار” لأبي محمد الألفي (69 – 81))
وقد سئل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:
عن الحديث المروى في الأبدال، هل هو صحيح أم مقطوع، وهل الأبدال مخصوصون بالشام أم حيث تكون شعائر الاسلام قائمة بالكتاب والسنة يكون بها الأبدال، بالشام وغيره من الأقاليم، وهل صحيح أن الولي يكون قاعدا في جماعة ويغيب جسده، وما قول السادة العلماء في هذه الاسماء التي تسمى بها أقوام من المنسوبين إلى الدين والفضيلة، ويقولون هذا غوث الأغواث، وهذا قطب الأقطاب، وهذا قطب العالم، وهذا القطب الكبير، وهذا خاتم الأولياء؟
فأجاب رحمه الله: ” أما الاسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة، مثل الغوث الذي بمكة، والأوتاد الأربعة، والأقطاب السبعة، والأبدال الأربعين، والنجباء الثلاثمائة، فهذه أسماء ليست موجودة في كتاب الله تعالى، ولا هي أيضا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح ولا ضعيف يحمل عليه، إلا لفظ الأبدال، فقد روي فيهم حديث شامي منقطع الإسناد عن على بن أبى طالب رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
(إن فيهم – يعني أهل الشام – الأبدال الأربعين رجلا، كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا)، ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف كما هي على هذا الترتيب، ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعاني عن المشائخ المقبولين عند الأمة قبولا عاما، وإنما توجد على هذه الصورة عن بعض المتوسطين من المشائخ، وقد قالها إما آثرا لها عن غيره، أو ذاكرا، فأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إلا الله، فهو غياث المستغيثين، فلا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره، ولا بملك مقرب، ولا نبي مرسل، ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم ونزول الرحمة إلى الثلاثمائة، والثلاثمائة إلى السبعين، والسبعون إلى الأربعين، والأربعون إلى السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الغوث، فهو كاذب ضال مشرك، فقد كان المشركون كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله:
(وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) وقال سبحانه وتعالى: (أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه) فكيف يكون المؤمنون يرفعون إليه حوائجهم بعده بوسائط من الحُجَّاب وهو القائل تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)، وقد علم المسلمون كلهم أنه لم يكن عامة المسلمين ولا مشايخهم المعروفون يرفعون إلى الله حوائجهم، لا ظاهرا ولا باطنا، بهذه الوسائط والحجاب، فتعالى الله عن تشبيهه بالمخلوقين من الملوك وسائر ما يقوله الظالمون علوا كبيرا، وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لا بد فى كل زمان من إمام معصوم يكون حجة الله على المكلفين، لا يتم الإيمان إلا به، بل هذا الترتيب والأعداد تشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم فى السابق والتالي والناطق والأساس والجسد وغير ذلك من الترتيب الذى ما نزل الله به من سلطان.
وأما الأوتاد فقد يوجد فى كلام البعض أنه يقول: فلان من الأوتاد، يعني بذلك أن الله تعالى يثبت به الإيمان والدين فى قلوب من يهديهم الله به، كما يثبت الأرض بأوتادها، وهذا المعنى ثابت لكل من كان بهذه الصفة من العلماء، فكل من حصل به تثبيت العلم والإيمان في جمهور الناس كان بمنزلة الأوتاد العظيمة والجبال الكبيرة، ومن كان بدونه كان بحسبه، وليس ذلك محصورا فى أربعة ولا أقل ولا أكثر، بل جعل هؤلاء أربعة مضاهاة بقول المنجمين فى أوتاد الأرض.
واما القطب فيوجد أيضا فى كلامهم: (فلان من الأقطاب)، أو (فلان قطب) فكل من دار عليه أمر من أمور الدين أو الدنيا باطنا أو ظاهرا فهو قطب ذلك الأمر ومداره، ولا اختصاص لهذا المعنى بسبعة ولا أقل ولا أكثر، لكن الممدوح من ذلك من كان مدارا لصلاح الدنيا والدين، دون مجرد صلاح الدنيا، فهذا هو القطب فى عرفهم.
وكذلك لفظ البدل، جاء فى كلام كثير منهم.
فأما الحديث المرفوع فالأشبه أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الإيمان كان بالحجاز وباليمن قبل فتوح الشام، وكانت الشام والعراق دار كفر، ثم لما كان فى خلافة علي رضي الله عنه، قد ثبت عنه عليه السلام أنه قال: (تمرق مارقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق)، فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام، ومعلوم أن الذين كانوا مع علي رضي الله عنه من الصحابة، مثل: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف ونحوهما، كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية، فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم، الذين هم أفضل الخلق، كانوا في أهل الشام، هذا باطل قطعا، وإن كان قد ورد فى الشام وأهله فضائل معروفة، فقد جعل الله لكل شاء قدرا، والكلام يجب أن يكون بالعلم والقسط.
والذين تكلموا باسم (البدل) فسروه بمعان، منها: أنهم أبدال الأنبياء، ومنها: أنه كلما مات منهم رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا، ومنها: أنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بحسنات، وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين، ولا بأقل ولا بأكثر، ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض ” انتهى باختصار من مجموع فتاوى ابن تيمية (11/ 433 – 444).
الفرع السادس: ماذا يعني إطلاق أهل العلم للفظ الأبدال لغيرهم من أهل العلم والفضل؟ جاء في كلام بعض السلف، وبعض أهل العلم المتأخرين إطلاق لفظ: (فلان من الأبدال)، ومن ذلك ما جاء في “التاريخ الكبير” للبخاري (7/ 127) في ترجمة فروة بن مجالد: ” وكانوا لا يشكّون في أنه من الأبدال ” انتهى، وقال الإمام أحمد كما في “العلل” للدارقطني (6/ 29): ” إن كان من الأبدال في العراق أحد، فأبو إسحاق إبراهيم بن هانئ ” انتهى.
ولا يعنون به ما يريده المتصوفة في اصطلاحهم الباطني البدعي، وإنما يريدون المعنى اللغوي، فمن قيل فيه ذلك من أهل العلم فهو من ورثة الأنبياء بما معه من العلم الشرعي، فكأنه بدل عنهم في تبليغ الوحي وتعليمه الناس.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في “مجموع الفتاوى” (4/ 97):
” وأما أهل العلم فكانوا يقولون هم الأبدال؛ لأنهم أبدال الأنبياء، وقائمون مقامهم حقيقة، ليسوا من المعدمين الذين لا يعرف لهم حقيقة، كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه، هذا في العلم والمقال، وهذا في العبادة والحال، وهذا في الأمرين جميعا، وكانوا يقولون هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، الظاهرون على الحق، لأن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسله معهم وهو الذي وعد الله بظهوره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ” انتهى.
المسألة الثالثة: الرد على الشبهات الواردة في الباب.
لطالما حاول العقلانيون إدارتها في صورة المواجهة والمعارضة بين النقل والعقل، ومن ثَمَّ إظهار الغلبة لجانب العقل، وصولًا بهذا التسلسل المدعى إلى إهمال النص وإهداره، حيث يقول أحدهم ترسيخًا لهذه الفكرة المغلوطة: “حتى نرى البخاري نفسه -على جليل قدره ودقيق بحثه- يثبت أحاديث دلَّت الحوادث الزمنية والمشاهدة التجريبية على أنها غير صحيحة؛ لاقتصاره على نقد الرجال، كحديث: ((لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة)) [فجر الإسلام لأحمد أمين (ص: 218).]، وقال آخر في حديث أنس مرفوعًا: «إن أخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة)) أعلم أنه كذب، النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه العبارة. [قاله عدنان إبراهيم] انتهى.
ولكي يتسنى لنا مناقشة ما ادعاه العقلانيون والطاعنون في هذه الأحاديث التي تدور حول هذا المعنى، حيث زعموا مخالفتها للقرآن الكريم تارة، أو معارضتها للعقل والواقع تارة أخرى، فلا بد من إيراد نص حديث منها – وقد سبق -، ثم إيراد كلام العلماء في شرحه وتوجيهه، وإعمال قواعدهم بخصوص ما يشكل منها؛ توصلًا لرد الشبهات المثارة حوله.
أولا: شرح الحديث: مضى بيان ذلك.
ثانيًا: درجة الحديث:
هذا الحديث صحيح في أعلى درجات الصحة؛ فقد رواه الإمام مسلم، وشاركه الإمام البخاري في رواية معناه عن جمع من الصحابة، وهم: عائشة، وابن عمر، وأنس بن مالك -رضي الله عنهم أجمعين-.
وبالرغم من صحة الحديث، ووضوح معناه لكل من تأمله وجمع طرقه، فقد جهد العقلانيون والملاحدة في استغلاله والتشغيب به، وفيما يلي أشهر شبهاتهم متبوعة بالرد عليها:
الشبهة الأولى: معارضة الحديث للقرآن:
ادعى العقلانيون أن الحديث معارض للقرآن الكريم؛ ذلك أن الله تعالى يقول: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188]، وفيها نفي لعلم النبي صلى الله عليه وسلم للغيب، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أخبر ببعض الغيب وهو أنه على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد.
الجواب عن هذه الشبهة:
أنه لا تعارض فالنبي صلى الله عليه وسلم يعطى بعض الغيب قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 26، 27]، وهذا المعنى هو الذي قرره علماء التفسير في كتبهم، ولولا خشية الإطالة لنقلت أقوالهم [ينظر على سبيل المثال: تفسير الطبري (23/ 671)، وتفسير القرطبي (19/ 27 – 28)، وتفسير ابن كثير (8/ 247)]:
يقول أبو إسحاق الزجاج (ت 311هـ): “معناه: أنه لا يظهر على غَيْبه إلا الرسل؛ لأن الرسل يستدل على نبوتهم بالآيات المعجزات، وبأن يخبروا بالغيب. [معاني القرآن وإعرابه (5/ 237)]
وبناء عليه: فإن إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه على رأس مائة سنة لا يوجد على ظهر الأرض ممن هو عليها في ذلك اليوم أحد من قبيل الغيب الذي أعلمه الله تعالى إياه.
الشبهة الثانية: مخالفة الحديث للواقع:
ادعى الطاعنون في هذا الحديث أنه كذب ومخالف للواقع؛ حيث فهموا من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد»، أنه يعني: أن الساعة ستقوم بعد مائة سنة، وهذا لم يحدث قطعًا، ويكذبه الواقع؛ فقد عاش خلق أكثر من هذا، قبل الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده. ينظر: كشف المشكل لابن الجوزي (3/ 70)
الجواب الإجمالي عن هذه الشبهة:
هذه الشبهة متوهمة، وليست حقيقية …
يقول الشيخ المعلمي اليماني (ت 1386هـ) في معرض بيانه لهذا المعنى: “إن استشكال النص لا يعني بطلانه، ووجود النصوص التي يُستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفوًا، وإنما هو أمر مقصود شرعًا؛ ليبلو الله تعالى ما في النفوس، ويمتحن ما في الصدور، وييسر للعلماء أبوابًا من الجهاد يرفعهم الله بها درجات. [الأنوار الكاشفة (ص: 223)]
والواجب على المكلف عند عروض الاستشكال في بعض نصوص الكتاب أو السنة أن يقوم بسؤال أهل العلم
جواب أهل العلم عنها:
يمكن دفع هذه الشبهة والجواب عنها من خلال النقاط التالية:
- بيان النبي صلى الله عليه وسلم للمعنى المراد.
- الرجوع إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم.
- تصديق الواقع لمقالته صلى الله عليه وسلم.
أولًا: بيان النبي صلى الله عليه وسلم للمعنى المراد: إن جمع طرق الحديث ورواياته المتعددة مما يسهل الوقوف على المعنى المراد منه، وهذا ما يقرره أهل العلم؛ فيقول الإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ): “الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه، والحديث يفسر بعضه بعضًا.
وبالنظر إلى المعنى المستشكل حول هذا الحديث الذي معنا نجد أنه قد رواه إماما أهل الحديث البخاري ومسلم أو أحدهما في الصحيح من عدة روايات؛ وهي:
- رواية أنس بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعًا بلفظ: إن أخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة.
- ورواية أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رجال من الأعراب جفاة، يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه: متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: «إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم»، قال هشام: يعني موتهم. أخرجه البخاري (6511)، ومسلم (2952)، واللفظ للبخاري.
فرواية أم المؤمنين عائشة: «حتى تقوم عليكم ساعتكم» تفسر المشكل في رواية أنس: «حتى تقوم الساعة».
- ورواية جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- مرفوعًا: «ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة)))، وهذه الطريق يفسرها طريق أخرى عن جابر بلفظ: “” ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ “” أخرجه مسلم [218 – (2538)]، فلفظة «يوم»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وهي حية يومئذ»، كلاهما قد أوضح المراد من الطريق الأولى.
- ورواية ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعا: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد)) أخرجه البخاري (116) وقد زال الإشكال بما جاء من الزيادة في الطريق الأخرى: عن ابن عمر أنه قال: فوَهِل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث، عن مائة سنة، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض»، يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن. أخرجه البخاري (601)، ومسلم (2537)
فتبين من خلال هذا الجمع لطرق الحديث: أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم هو أنه لا يبقى بعد مائة سنة أحد ممن هو موجود في ذلك اليوم على ظهر الأرض.
وقد أشار الإمام النووي (ت 676هـ) إلى هذا بقوله: قال القاضي: هذه الروايات كلها محمولة على معنى الأول، والمراد بساعتكم: موتهم، ومعناه: يموت ذلك القرن أو أولئك المخاطبون.
كما يقرره الحافظ ابن حجر (ت 852هـ) بقوله: “قوله: «حتى تقوم الساعة» وقع في رواية الباوردي -التي أشرت إليها- بدل قوله: «حتى تقوم الساعة»: «لا يبقى منكم عين تطرف»، وبهذا يتضح المراد. وله في أخرى: «ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة»، وهذا نظير قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي تقدم بيانه في العلم أنه قال لأصحابه في آخر عمره: «أرأيتكم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد)).
ثانيًا: الرجوع إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم:
لا بيان بعد بيان النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إمعانًا في توكيد المعنى المراد فإن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- قد أزال الإشكال حول المعنى المراد بهذه الأحاديث؛ وذلك في:
- بيان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- للمعنى المراد: عندما دخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري على علي بن أبي طالب، قال له علي: أنت الذي تقول: لا يأتي على الناس مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف؟! إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأتي على الناس مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف ممن هو حي اليوم»، والله إن رخاء هذه الأمة بعد مائة عام. أخرجه أحمد (714)، وأبو يعلى (467)، وإسناده قوي
- وبيان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- للمعنى المراد: قال: وذكر الحديث ووهل الناس: يريد بذلك أن يَنْخَرِمَ ذلك القرن. أخرجه البخاري (601)، ومسلم (2537) واللفظ له.
والمعنى: أنه عندما وَهِل الناس -أي: غلطوا، وذهب وهمهم إلى خلاف الصواب، حيث ظنوا أن المراد أن الدنيا تنتهي بعد مائة سنة ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (16/ 90)، وفتح الباري لابن حجر (10/ 556).
– في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبان لهم الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- المعنى المراد من الحديث بأمرين:
أولهما: روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد».
ثانيهما: قوله: “يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن”، يعني: انقضاء أجل هذا الزمان المخصوص. [ينظر: جامع الأصول لابن الأثير (10/ 388)، وشرح النووي على صحيح مسلم (16/ 90).] وبين فهم ابن عمر ابن حجر [فتح الباري (10/ 556)]
ثالثًا: تصديق الواقع لمقالته صلى الله عليه وسلم:
وقد تتبع العلماء من كان آخر الصحابة موتًا؛ فوجدوه أبا الطفيل عامر بن واثلة -رضي الله عنه-، وقد مات سنة عشر ومائة، وهي رأس مائة سنة، فعُدَّ ذلك آية شاهدة على صدقه صلى الله عليه وسلم.
يقول الحافظ ابن حجر: “ووقع في الخارج كذلك، فلم يبق ممن كان موجودًا عند مقالته تلك عند استكمال مائة سنة من سنة موته أحد، وكان آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم موتًا أبو الطفيل عامر بن واثلة، كما ثبت في صحيح مسلم. المرجع السابق.
لذا عدَّه بعض العلماء علمًا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم؛ يقول الإمام النووي: “هذه الأحاديث قد فسر بعضها بعضًا، وفيها علم من أعلام النبوة، والمراد أن كل نفس منفوسة كانت تلك الليلة على الأرض لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة، سواء قل أمرها قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة. [شرح النووي على صحيح مسلم (16/ 90)]. [و انظر: حديث: “ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة” التفهّم والمعارضات]
———–‘
المسألة الرابعة: علم قيام الساعة:
علم الساعة غيب لا يعلمه إلا الله تعالى. يدل على ذلك القرآن والسنة
عَنْ جَابِرِ بْنَ عَبْدِالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: «تَسْأَلُونِي عَنِ السَّاعَةِ؟ وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ الله، وَأُقْسِمُ بِالله! مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَاتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ». أخرجه مسلم. [الموسوعة الفقهية]
—-‘-
تتمة شرح مسلم الفوائد المنتقاة لباب يبعث الله على رأس مائة سنة من يجدد لها دينها
المسألة الخامسة: إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يُصلح لهذه الأمة
جاء في سنن أبي داود، أول كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة
4282 – حدثنا سُلَيْمانُ بنُ دَاوُدَ المَهْرِيّ أخبرنا ابنُ وَهْبٍ أخبرني سَعِيدُ بنُ أبِي أيّوبَ عن شَرَاحِيلَ بنِ يَزِيدَ المَعَافِرِيّ عن أبِي عَلْقَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ فِيمَا أعْلَمُ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: ((إنّ الله يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأمّةِ عَلَى رَاسِ كُلّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدّدُ لَها دِينَهَا)).
قال أبو داود: «رواه عبد الرحمن بن شريح الاسكندراني، لم يجز به شراحيل
——————-
قال الألباني: صحيح.
قلت سيف بن دورة: قلنا في تخريجنا لسنن أبي داود:
* شراحيل بن يزيد ليس فيه توثيق من معتبر، وأشار الطبراني لتفرد ابن وهب، وذكر أبوداود أن عبدالرحمن بن شريح أعضله فحمل بعض الباحثين أن هذا اضطراب، من شرحيل.
وقال العراقي وغيره: سنده صحيح (فيض القدير)، وكذلك صححه السخاوي في المقاصد الحسنة ص122،والشيباني في تمييز الطيب من الخبيث، وذكره الحاكم في مستدركه، وممن صححه البيهقي، بل قال السيوطي: اتفق الحفاظ أنه حديث صحيح. وبعض الباحثين ينقل تصحيح أحمد له، ويعزوه لسير أعلام النبلاء 10/ 46،وبمراجعة السير لم نجد النص الصريح على تصحيحه، إنما قال: ورد عن أحمد من طرق أنه قال: (إن الله يقيض على كل رأس مائة سنه … ) الحديث فنظرنا فإذا في المائة الأولى عمر بن عبدالعزيز، وفي المائة الثانية الشافعي.
فإن صح الإجماع الذي نقله السيوطي فيحمل الإعضال الذي ذكره أبوداود على أنه يريد ذكر الخلاف، لا التعليل. ودفع السخاوي الإعضال بأن مع سعيد زيادة علم.
واختلف الأئمة في معناه فبعضهم حمله على أول القرن، والأكثر على آخره ومنهم الإمام أحمد كما سبق النقل عنه.
وراجع عون المعبود
مِن رحْمةِ اللهِ بالأمَّةِ الإسْلاميَّةِ أنَّه يَتعاهدُها بوُجودِ العُلماءِ أو الحُكَّامِ، الَّذين يَنشرون الدِّين كما كان على عهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وصَحابتِه رضِيَ اللهُ عنهم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: “إنَّ اللهَ يَبعَثُ”، أي: يرسِلُ، ويوجِدُ ويقيِّضُ، “لهذِه الأمَّةِ”، أي: أمَّةِ المسلِمين، وقيل: للعالَمِ كلِّهِ، “على راسِ كلِّ مِائةِ سنَةٍ”، أي: انتِهائِها أو أوَّلِها، عندما يقِلُّ الدِّينُ وتُهجَرُ السُّنَنُ ويَكثرُ الجهْلُ والبِدَعُ، “مَن يُجدِّدُ لها دينَها”، أي: يُظهِرُ ما نُسِيَ وهُجِرَ العمَلُ بهِ من الدِّينِ، ويَنشُرُ السُّنَنَ، ويحارِبُ البِدَعَ.
ولَفْظةُ “مَن” عامَّةٌ وتَقعُ على الواحِدِ والجمْعِ، وليس فيها تَخصيصُ المجدِّدينَ بأنَّهم الفُقهاءُ أو العُلماءُ فقط؛ فإنَّ انتِفاعَ الأمَّةِ بهم وإنْ كان كثيرًا فانتِفاعُهم بأُولِي الأمْرِ والحكَّامِ الصَّالِحين أمْرٌ واضِحٌ أيضًا؛ فبهِم يُحفَظُ الدِّينُ ويُبثُّ العدْلُ، كما أنَّ العلماءَ يَضبِطون أُصولَ الشَّرعِ وأدلَّتَه.
جاء في عون المعبود: ” ((إن الله يبعث لهذه الأمة)) أي: أمة الإجابة، ويحتمل أمة الدعوة قاله القاراء ((على رأس كل مائة سنة)) أي: انتهائه أو ابتدائه إذا قل العلم والسنة وكثر الجهل والبدعة. قاله القاراء.
وقال العلقمي في شرحه. معنى التجديد إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما.
تنبيه: اعلم أن المراد من رأس المائة في هذا الحديث آخرها. قال في مجمع البحار: والمراد من انقضت المائة وهو حي عالم مشهور. انتهى.
وقال الطيبي: المراد بالبعث من انقضت المائة وهو حي عالم يشار إليه. كذا في مقدمة فتح القدير للمناوي وخلاصة الأثر للمحبي.
وقال السيوطي في قصيدته في المجددين:
والشرط في ذلك أن يمضي المائة … وهو على حياته بين الفئة
يشار بالعلم إلى مقامه … وينشر السنة في كلامه
وقال في مرقاة الصعود نقلاً عن ابن الأثير: وإنما المراد بالمذكور من انقضت المائة وهو حي معلوم مشهور مشار إليه. انتهى.
والديلي الواضح على أن المراد برأس المائة هو آخرها لا أولها أن الزهري وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة المتقدمين والمتأخرين اتفقوا على أن من المجددين على رأس المائة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وعلى رأس المائة الثانية الإمام الشافعي رحمه الله، وقد توفي عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة وله أربعون سنة ومدة خلافته سنتان ونصف، وتوفي الشافعي سنة أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة.
قال الحافظ ابن حجر في توالي التأسيس قال أبو بكر البزار: سمعت عبد الملك ابن عبد الحميد الميموني يقول: كنت عند أحمد بن حنبل فجرى ذكر الشافعي فرأيت أحمد يرفعه، وقال روي عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله تعالى يقيض في رأس كل مائة سنة من يعلم الناس دينهم” قال: فكان عمر بن عبد العزيز في رأس المائة الأولى وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الأخرى.
وقال أحمد: أيضاً فيما أخرجه البيهقي من طريق أبي بكر المروزي قال قال أحمد بن حنبل: إذا سئلت عن مسألة لا أعرف فيها خبراً قلت فيها بقول الشافعي؛ لأنه إمام عالم من قريش.
وقال ابن عدي: سمعت محمد بن علي بن الحسين يقول: سمعت أصحابنا يقولون: كان في المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وفي الثانية محمد بن إدريس الشافعي.
وقد سبق أحمد من تابعه إلى عد عمر بن عبد العزيز في المائة الأولى الزهري فأخرج الحاكم من طريق أحمد بن عبد العزيز بن وهب عقب روايته عن عمه عن سعيد بن أبي أيوب للحديث المذكور، قال ابن أخي ابن وهب قال عمى عن يونس عن الزهري أنه قال: فلما كان في رأس المائة من الله على هذه الأمة بعمر بن عبد العزيز.
قال الحافظ بن حجر: وهذا يشعر بأن الحديث كان مشهوراً في ذلك العصر ففيه تقوية للسند المذكور مع أنه قوي لثقة رجاله. قال وقال الحاكم: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول غير مرة: سمعت شيخاً من أهل العلم يقول لأبي العباس بن سريح يقول: أبشر أيها القاضي فإن الله من على المسلمين بعمر بن عبد العزيز على رأس المائة فأظهر كل سنة وأمات كل بدعة، ومن الله على رأس المائتين بالشافعي حتى أظهر السنة وأخفى البدعة، من الله على رأس الثلاثمائة بك. انتهى.
قلت: فلو لم يكن المراد من رأس المائة آخرها بل كان المراد أولها لما عدوا عمر بن عبد العزيز من المجددين على رأس المائة الأولى، ولا الإمام الشافعي على رأس المائة الثانية، لأنه لم يكن ولادة عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى فضلاً عن أن يكون مجدداً عليه، وكذلك لم يكن ولادة الشافعي على رأس المائة الثانية، فكيف يصح كونه مجدداً عليه.
فإن قلت: الظاهر من رأس المائة من حيث اللغة هو أولها لا آخرها، فكيف يراد آخرها؟ قلت: كلا بل جاء في اللغة رأس الشيء بمعنى آخره أيضاً.
قال في تاج العروس: رأس الشيء طرفه، وقيل آخره. انتهى.
قلت: وعليه حديث ابن عمر: ((أريتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد)) أخرجه الشيخان، فإنه لا مرية في أن المراد من رأس المائة في هذا الحديث هو آخر المائة.
قال الحافظ في فتح الباري في تفسير رأس مائة سنة: أي عند انتهاء مائة سنة. انتهى. وقال الطيبي: الرأس مجاز عن آخر السنة وتسميته رأساً باعتبار أنه مبدأ لسنة أخرى. انتهى.
وعليه حديث أنس بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة. الحديث أخرجه الترمذي في الشمائل. قال في مجمع البحار: توفاه على رأس ستين، أي آخره. ورأس أية آخرها. انتهى.
وفيه نقلاً عن الكرماني، وقيل إنه “أي أبو الطفيل” مات سنة عشر ومائة، وهي رأس مائة سنة من مقالته. انتهى. فإذن ظهر حق الظهور أن المراد من رأس كل مائة آخر كل مائة.
ثم اعلم أن ابن الأثير والطيبي وغيرهما زعموا أن المجدد هو الذي انقضت المائة وهو حي معلوم مشهور مشار إليه، …..
وقال المناوي في مقدمة فتح القدير تحت قوله على رأس كل مائة سنة: أي أوله، ورأس الشيء أعلاه، ورأس الشهر أوله. ثم قال بعد ذلك: وهنا تنبيه ينبغي التفطن له وهو أن كل من تكلم على حديث: إن الله يبعث إنما يقرره بناء على أن المبعوث على رأس القرن يكون موته على رأسه، وأنت خبير بأن المتبادر من الحديث إنما هو أن البعث وهو الإرسال يكون على رأس القرن أي أوله، ومعنى إرسال العالم تأهله للتصدي لنفع الأنام وانتصابه لنشر الأحكام وموته على رأس القرن أخذ لا بعث، فتدبر.
ثم رأيت الطيبي قال: المراد بالبعث من انقضت المائة وهو حي عالم مشهور مشار إليه. وقال الكرماني: قد كان قبيل كل مائة أيضاً من يصحح ويقوم بأمر الدين، وإنما المراد من انقضت المدة وهو حي عالم مشار إليه.
ولما كان ربما يتوهم متوهم من تخصيص البعث برأس القرن أن العالم بالحجة لا يوجد إلا عنده أردف ذلك بما يبين أنه قد يكون في أثناء المائة من هو كذلك، بل قد يكون أفضل من المبعوث على الرأس، وأن تخصيص الرأس إنما هو لكونه مظنة انخرام علمائه غالباً، وظهور البدع، وخروج الدجالين. انتهى كلامه.
[المراد بالتجديد]
“تنبيه آخر” قد عرفت مما سبق أن المراد من التجديد: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما وإماتة ما ظهر من البدع والمحدثات.
قال في مجالس الأبرار: والمراد من تجديد الدين للأمة إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما، وقال فيه: ولا يعلم ذلك المجدد إلا بغلبة الظن ممن عاصره من العلماء بقرائن أحواله والانتفاع بعلمه، إذ المجدد للدين لا بد أن يكون عالماً بالعلوم الدينية الظاهرة والباطنة قاصراً للسنة، قامعاً للبدعة، وأن يعم علمه أهل زمانه، وإنما كان بالتحديد على رأس كل مائة سنة لانخرام العلماء فيه غالباً، واندراس السنن وظهور البدع، فيحتاج حينئذ إلى تجديد الدين، فيأتي الله تعالى من الخلق بعوض من السلف إما واحداً أو متعدداً انتهى. وقال القاراء في المرقاة: أي يبين السنة من البدعة ويكثر العلم ويعز أهله ويقمع البدعة ويكسر أهلها. انتهى.
فظهر أن المجدد لا يكون إلا من كان عالماً بالعلوم الدينية ومع ذلك من كان عزمه وهمته آناء الليل والنهار إحياء السنن ونشرها ونصر صاحبها وإماتة البدع ومحدثات الأمور ومحوها وكسر أهلها باللسان أو تصنيف الكتب والتدريس أو غير ذلك ومن لا يكون كذلك لا يكون مجدداً البتة وإن كان عالماً بالعلوم مشهوراً بين الناس، مرجعاً لهم.
[تنبيه:] ولا شبهة في أن عد علماء الشيعة من المجددين خطأ فاحش وغلط بين؛ لأن علماء الشيعة وإن وصلوا إلى مرتبة الاجتهاد وبلغوا أقصى مراتب من أنواع العلوم واشتهروا غاية الاشتهار، لكنهم لا يستأهلون المجددية. كيف وهم يخربون الدين فكيف يجددون، ويميتون السنن فكيف يحيونها، ويروجون البدع فكيف يمحونها، وليسوا إلا من الغالين المبطلين الجاهلين، وجل صناعتهم التحريف والانتحال والتأويل، لا تجديد الدين ولا إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة. هداهم الله تعالى إلى سواء السبيل.
“تنبيه آخر”: واعلم أنه لا يلزم أن يكون على رأس كل مائة سنة مجدد واحد فقط، بل يمكن أن يكون أكثر من واحد.
قال الحافظ ابن حجر في توالي التأسيس: حمل بعض الأئمة من في الحديث على أكثر من الواحد، وهو ممكن بالنسبة للفظ الحديث الذي سقته، وكذا لفظه عند من أشرت إلى أنه أخرجه لكن الرواية عن أحمد تقدمت بلفظ رجل وهو أصرح في رواية الواحد من الرواية التي جاءت بلفظ من لصلاحية من للواحد وما فوقه، ولكن الذي يتعين في من تأخر الحمل على أكثر من الواحد؛ لأن في الحديث إشارة إلى أن المجدد المذكور يكون تجديده عاماً في جميع أهل ذلك العصر. وهذا ممكن في حق عمر بن عبد العزيز جداً ثم الشافعي، أما من جاء بعد ذلك فلا يعدم من يشاركه في ذلك. انتهى.
وقال في فتح الباري: وهو “أي حمل الحديث على أكثر من واحد” متجه، فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها. ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعي وإن كان متصفاً بالصفات الجميلة إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل، فعلى هذا كل من كان متصفاً بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد، سواء تعدد أم لا. انتهى.
تنبيه آخر: اعلم أنهم قد بينوا أسماء المجددين الماضين، وقد صنف السيوطي في ذلك أرجوزة سماها “تحفة المهتدين بأخبار المجددين”.
قالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ شُرَيْحٍ الإسْكَنْدَرَانِيّ، لَمْ يَجُزْ بِهِ شَرَاحِيلَ.
هذا هو ظني في هؤلاء الأكابر الثلاثة أنهم من المجددين على رأس المائة الثالثة عشر، والله تعالى أعلم وعلمه أتم.
وحديث أبي هريرة سكت عنه المنذري، وقال السيوطي في مرقاة الصعود: اتفق الحفاظ على تصحيحه، منهم الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل. وممن نص على صحته من المتأخرين: الحافظ ابن حجر. انتهى.
وقال العلقمي في شرح الجامع الصغير قال شيخنا: اتفق الحفاظ على أنه حديث صحيح. وممن نص على صحته من المتأخرين: أبو الفضل العراقي وابن حجر ومن المتقدمين: الحاكم في المستدرك والبيهقي في المدخل. انتهى.
وقال المناوي في فتح القدير: أخرجه أبو داوود في الملاحم والحاكم في الفتن وصححه، والبيهقي في كتاب المعرفة، كلهم عن أبي هريرة. قال الزين العراقي وغيره: سنده صحيح. انتهى. [عون المعبود شرح سنن أبي داود]
قال ابن القيم رحمه الله: ولولا ضمان الله بحفظ دينه وتكفّله بأن يُقيمَ له من يجدد أعلامه، ويُحيى منه ما أماته المبطلون، ويُنعش ما أخمَله الجاهلون، لهُدِّمت أركانه وتداعى بنيانه، ولكن الله ذو فضل على العالمين. اهـ.
من أقوال العلم في تفسير الحديث: يقول الحافظ الذهبي رحمه الله: ” الذي أعتقده من الحديث أن لفظ (مَن يُجَدِّدُ) للجمع لا للمفرد ” انتهى من ” تاريخ الإسلام ” (23/ 180).
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين؛ منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهّاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض) [شرح النووي على مسلم في كتاب الإمارة ج 13 ص 66]. ونقل ابن حجر كلام النووي ثم زاد في آخره: (ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعضٍ منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولاً فأولاً، إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر … الله [فتح الباري ج 13 ص 295].
قول الإمام الحافظ ابن حجر – رحمه الله – بعد سياق الخلاف في المجدّد: أفرد أم جماعة؟ -: ولكنّ الذي يتعين فيمن تأخر المحملُ على أكثر من الواحد؛ لأن في الحديث إشارة إلى أن المجدّد المذكور يكون تجديده عاماً في جميع أهل ذلك العصر، وهذا ممكنٌ في حقّ عمر بن عبد العزيز جداً، ثم في حق الشافعي. أما من جاء بعد ذلك، فلا يعدم من يشاركه في ذلك [توالي التأسيس ص 24 ب، 25 اً].
وقال أيضاً: لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحدٌ فقط؛ بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة، وهو متجهٌ؛ فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوعٍ من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يدَّعي ذلك في عمر بن عبد العزيز فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير، وتقدمه فيها؛ ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه. وأما من جاء بعده؛ فالشافعي – وإن كان متصفاً بالصفات الجميلة – إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد، والحكم بالعدل. فلعل هذا كل من كان متصفاً بشيءٍ من ذلك عند رأس المائة هو المراد؛ سواء تعدَّد أم لا. [الفتح ج 13 ص 295].
قال ابن الأثير: لا يلزم منه أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلاً واحداً وإنما قد يكون واحداً، وقد يكون أكثر منه؛ فإن لفظة (مَنْ) تقع على الواحد والجمع. وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعوث: الفقهاءَ خاصة – كما ذهب إليه بعض العلماء – فإن انتفاع الأمة بالفقهاء، وإن كان نفعاً عاماً في أمور الدين، فإنّ انتفاعهم بغيرهم أيضاً كثير مثل: أولي الأمر، وأصحاب الحديث، والقراء والوعاظ، وأصحاب الطبقات من الزهاد؛ فإن كل قومٍ ينفعون بفن لا ينفع به الآخر؛ إذ الأصل في حفظ الدين حفظ قانون السياسة، وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء، ويُتمكن من إقامة قوانين الشرع، وهذا وظيفة أولي الأمر. وكذلك أصحاب الحديث ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع، والقرّاء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الروايات، والزهاد ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى والزهد في الدنيا. فكل واحد ينفع بغير ما ينفع به الآخر .. فإذا تحمل تأويل الحديث على هذا الوجه كان أولى، وأبعد من التهمة .. فالأحسن والأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعةٍ من الأكابر المشهورين على رأس كل مائة سنة، يجددون للناس دينهم .. [جامع الأصول ج11 ص320 – 324].
ويقول ابن كثير رحمه الله: وقد ذكر كل طائفة من العلماء: بل الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار ممن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف كما جاء في الحديث من طرق مرسلةٍ وغير مرسلة: يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وهذا موجود ولله الحمد والمنة إلى زماننا … هذا .. [البداية والنهاية 6/ 89 مكتبة الفلاح بالرياض].
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة (يعني قد تكون جماعة) وهو متجه، فإنَّ اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يُدَّعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها، ومن ثم أَطلَقَ أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعي – وإن كان متصفا بالصفات الجميلة – إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل، فعلى هذا كل من كان متصفا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد، سواء تعدد أم لا ” انتهى من “فتح الباري” (13/ 295)
ويقول العلامة حمود التويجري رحمه الله: “وأما قصر الحديث على أشخاص معدودين في كل مائة سنة واحد منهم؛ فهو بعيد جدا، والحديث لا يدل على ذلك؛ لأن لفظة (مَن) يراد بها الواحد، ويراد بها الجماعة.
وعلى هذا فحمل الحديث على الجماعة القائمين بنشر العلم وتجديد الدين أولى من حمله على واحد بعد واحد منهم.
ويؤيد هذا ما رواه الترمذي وحسنه عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين بدأ غريبًا ويرجع غريبًا؛ فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي)
ويؤيده أيضا ما رواه ابن وضاح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قال: الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم؛ يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى …. إلى آخر خطبته رضي الله عنه.
فهذا يدل على أن التجديد يكون في جماعة من أهل العلم، ولا ينحصر في واحد بعد واحد منهم ” انتهى باختصار. [إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة” (1/ 336)].
وجاء في الأسئلة الواردة على اللجنة الدائمة: السؤال: سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصلح لهذه الأمة أمر دينها”، ولي بعض الاستفسارات: أ. ما هو سند هذا الحديث ومتنه الصحيح، ومن هو راويه؟ ب. ذِكر هؤلاء الصالحين إن أمكن ذلك؟ جـ. ما معنى: “يصلح أمر الدين”، وقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء؟ د. كيف يُستدل عليهم؟ هـ. ما مدى صحة القول: “إنهم يأتون على رأس الثانية عشرة من كل قرن هجري”؟
الإجابة: أولاً: روى هذا الحديث أبو داود في سننه عن سليمان بن داود المهري قال: أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”. ثانياً: هذا الحديث صحيح، ورواته كلهم ثقات. ثالثاً ورابعاً: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “يجدد لها دينها” أنه كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم ديناً، بعث إليهم علماء أو عالماً بصيراً بالإسلام، وداعيةً رشيداً يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة، ويجنبهم البدع ويحذرهم محدثات الأمور ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فسمى ذلك: تجديداً بالنسبة للأمة، بالنسبة للدين الذي شرعه الله وأكمله، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة، أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].
خامساً: ليس في الحديث أن هؤلاء المصلحين يأتون على رأس السنة الثانية عشرة، بل فيه أنهم يأتون بأمر الله وحكمته على رأس كل مائة سنة، وهي القرن الهجري؛ لأنه المتعارف عند المسلمين في ذلك الزمن، وهذا فضل من الله ورحمة منه بعباده، وإقامة للحجة عليهم حتى لا يون لأحد عذر بعد البلاغ والبيان. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [مجموع فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية – المجلد الحادي والعشرون (العقيدة)]. عبد العزيز بن باز، عبد الرزاق عفيفي، عبد الله بن غديان، عبد الله بن قعود، “فتاوى اللجنة الدائمة ” (2/ 247 – 248)
======
======
المسألة السادسة: أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم:
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في (منهاج السنة النبوية) في معرض رده على الشيعة الذين يدعون أن غائبهم لازال حيًا منذ أن عرف أنه مات، وأنه ذهب ولم يمت!: “إن عمر واحد من المسلمين هذه المرة أمر يعرف كذبه بالعادة المطردة في أمة محمد فلا يعرف أحد ولد في دين الإسلام وعاش مائة وعشرين سنة فضلا عن هذا العمر –يقصد – وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في اخر عمره: ((أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد)) فمن كان في ذلك الوقت له سنة ونحوها لم يعش أكثر من مائة سنة قطعا، وإذا كانت الأعمار في ذلك العصر لا تتحاوز هذا الحد فما بعده من الأعصار أولى بذلك في العادة الغالبة العامة، فإن أعمار بني ادم في الغالب كلما تأخر الزمان قصرت ولم تطل، فإن نوحا عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وادم عليه السلام عاش ألف سنة كما ثبت ذلك في حديث صحيح رواه الترمذي وصححه فكان العمر في ذلك الزمان طويلا ثم أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح. انتهى المراد. وقد سبق في التعليق على الصحيح المسند ذكر شيء مما يتعلق بغائبهم.
ثالثًا: يؤخذ من الحديث:
1 – وقال النووي: في الحديث احتراز من الملائكة: فإنهم لا يدخلون في النفس المنفوسة على ظهر الأرض.
2 – وفيه الأسلوب الحكيم، وهو الجواب على ما ينبغي أن يسأل عنه، لا عما سئل عنه، فإنهم سألوا عن الساعة، متى هي؟ فأجيبوا بأن ساعة كل مخلوق موته، وساعتهم جميعا بوجه عام قبل مائة سنة.
3 – وفيه مناقشة الصحابة بعضهم بعضا في مجالسهم عن معاني الأحاديث.
4 – وأنهم قد يخطئون في فهمها. والله أعلم [فتح المنعم].
5 – وفيه: ذكر سبب الحديث، وقول النبي صلى الله عليه وسلم.
6 – وفيه: ذكر الموقع الذي ذكر ذلك: ” لَمَا رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ “.
7 – وفيه: مناقشة بين الطلاب لمباحث العلم.
8 – وفيه: ليس على السائل شيء إذا لم يدرك الإجابة التامة أو لم يفهم الجواب، أن يسأل المفتي مرة أخرى.
9 – قال الحافظ النووي: ” وَفِيهَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ”.
10 – أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى تقوم الساعة، وأن علمها إلى الله تعالى؛ {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف: 187].
11 – أن جميع من كان حيًّا في وقت مقالته صلى الله عليه وسلم فإنه لا يعيش أكثر من مائة سنة، وهو ما صدقه الواقع المشاهد.
وهو ما أجمله الإمام ابن الجوزي بقوله: “إنه صلى الله عليه وسلم عنى بذلك الموجودين حينئذٍ من يوم قوله هذا، وهذا قاله قبل أن يموت بشهر كما روي في الحديث: فما بلغ أحد ممن كان موجودًا من يومئذ مائة سنة”. [كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 70)].
12 – فيه: الحذر واخذ الحيطة من فجأة الموت، واستغلال الوقت بالأعمال الصالحة.
13 – قال الشيخ ابن باز رحمه الله في تعليقه على صحيح البخاري: “هذا دليل على التحدث بعد العشاء فيما يتعلق بالعلم، وأن من هو حي سيموت، وأن على رأس المائة يموت ذلك القرن”.
14 – “وفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: وأقسم بالله ما على الأرض. . . دليل على أن الخضر قد مات،
15 – وفيه رد على الصوفية الذين يقولون بحياة الخضر إلى الآن. ولا يدخل الدجال في عموم هذا الحديث؛ لأنه يعيش في جزيرة من جزر البحر ولا يراه الناس وهو من أمر الغيب”.
16 – لا يلزم على الصحابي نقل تفاسير الصحابة في تفسير الحديث التي خالفت الصواب فابن عمر رضي الله عنه نقل أن الناس وهلوا في معنى الحديث يعني غلطوا وأن المراد بالحديث انخرام أهل ذلك القرن.
17 – وأن الصحابة يأخذون الأحاديث ويحاولون أن يفهموا معناها