43 – بَابٌ فِي ذِكْرِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى»
166 – (2376) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ” قَالَ – يَعْنِي اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى – لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ لِي – وقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: لِعَبْدِي – أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ ” قَالَ: ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ
167 – (2377) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ – وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى – قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى ” وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ
الفوائد
———————————-
أولاً: شرح الحديث:
* قال النووي: قال العلماء هذه الأحاديث تحتمل وجهين:
- أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أنه أفضل من يونس فلما علم ذلك قال أنا سيد ولد آدم ولم يقل هنا إن يونس أفضل منه أو من غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
- والثاني أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا زجرا عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئا من حط مرتبة يونس صلى الله عليه وسلم من أجل ما في القرآن العزيز من قصته قال العلماء وما جرى ليونس صلى الله عليه وسلم لم يحطه من النبوة مثقال ذرة.
* زاد القاضي عياض في إكمال المعلم (7/ 238): أو يكون ذلك على طريق الأدب والتواضع.
* قال الخطابي في معالم السنن: فأما قوله في يونس صلوات الله عليه وسلامه فقد يتأول على وجهين:
- أحدهما أن يكون قوله ما ينبغي لعبد إنما أراد به من سواه من الناس دون نفسه.
- والوجه الآخر أن يكون ذلك عاماً مطلقاً فيه وفي غيره من الناس ويكون هذا القول منه على الهضم من نفسه وإظهار التواضع لربه يقول لا ينبغي لي أن أقول أنا خير منه لأن الفضيلة التي نلتها كرامة من الله سبحانه وخصوصية منه لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بحولي وقوتي فليس لي أن أفتخر بها وإنما يجب علي أن أشكر عليها ربي، وإنما خص يونس بالذكر فيما نرى والله أعلم لما قصه الله تعالى علينا من شأنه وما كان من قلة صبره على أذى قومه فخرج مغاضباً ولم يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل.
ثم رجح الخطابي الوجه الثاني.
ثانياً: الكلام عن الآيات الواردة في يونس عليه السلام.
وردت قصة يونس عليه السلام في أربعة مواضع في القرآن الكريم:
1 – قال الله تعالى في سورة يونس: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين}.
قال الطبري: (فاستثنى الله قوم يونس من أهل القرى الذين لم ينفعهم إيمانهم بعد نزول العذاب بساحتهم، وأخرجهم منهم، وأخبر خلقه أنه نفعهم أيمانهم خاصة من بين سائر الأمم غيرهم) [15/ 206].
* وقال تعالى في سورة الانبياء: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه، فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المومنين}.
قال ابن كثير: وقوله: وذا النون يعني الحوت صحت الإضافة إليه بهذه النسبة.
* وقال تعالى في سورة والصافات: {وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون * فساهم فكان من المدحضين * فالتقمة الحوت وهو مليم * فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون * فنبذناه بالعراء وهو سقيم * وأنبتنا عليه شجرة من يقطين * وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون * فآمنوا فمتعناهم إلى حين}
* وقال تعالى في سورة ن: {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم * لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم * فاجتباه ربه فجعله من الصالحين}.
ثالثاً: الأحاديث الواردة في نبي الله يونس عليه السلام:
1 – عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى “. ونسبه إلى أبيه. خ 3395.
2 – عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” لا يقولن أحدكم: إني خير من يونس ” زاد مسدد: «يونس بن متى» خ 3412.
3 – عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى “. خ 341 م 2376.
وفي رواية: ولا أقول: إن أحدا أفضل من يونس بن متى.
4 – عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قال: أنا خير من يونس بن متى فقد كذب ” خ 4604.
5 – وعن ابن عباس في حديث الإسراء وفيه قال: «كأني أنظر إلى يونس بن متى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف، خطام ناقته خلبة وهو يلبي» م 166.
وأما رواية: ” لا تفضلوني على يونس بن متي ” قال الألباني (لا أصل له بهذا اللفظ) انظر تحقيق شرح الطحاوية ص 172.
وكذلك لفظ: (ما ينبغي لنبي أن يقول: إني خير من يونس بن متى) قال الألباني في الضعيفة برقم 6957: منكر بلفظ: ” نبي”.
المعاني:
- يونس بن متّى، وهو من أنبياء بني إسرائيل أرسله الله إلى أهل (نينوَى)
- و {أبَقَ} مصْدره إِباق بكسر الهمزة وتخفيف الباء وهو فرار العبد مِن مالكه .. ففِعل {أبَق} هنا استعارة تمثيلية، شبّهت حالة خروجه من البلد الذي كلّفه ربه فيه بالرسالة تباعداً من كلفة ربه بإباق العبد من سيده الذي كلّفه عملاً.
- و {الفُلك المشحون}: المملوء بالراكبين،
- وعن ابن عباس ووهب بن منبه أن القرعة خرجت ثلاث مرات على يونس.
- {فساهم فكان من المدحضين} والإِدحاض: جعل المرء داحضاً، أي زالقاً غير ثابتتِ الرِجلين وهو هنا استعارة للخسران والمغلوبية.
- والنبذ: الإِلقاء وأسند نَبذه إلى الله لأن الله هو الذي سخر الحوت لقذفه من بطنه إلى شاطئ لا شجَر فيه. والعراء: الأرض التي لا شجر فيها ولا ما يغطيها.
- وعن ابن عباس: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة
- واليقطين: الدبا
- وقوله في هذه الآية الكريمة: {مُغَاضِباً} أي في حال كونه مغاضباً لقومه. ومعنى المفاعلة فيه: أنه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب بهم، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه، فأوعدهم بالعذاب. واعلم أن قول من قال {مُغَاضِباً} أي مغاضباً لربه كما روي عن ابن مسعود، وبه قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير، واختاره الطبري يجب حمله على معنى القول الأول. أي مغاضباً من أجل ربه.
- وبين في بعضها: أن الله تداركه برحمته. ولو لم يتداركه بها لنبذ بالعراء في حال كونه مذموماً، ولكنه تداركه بها فنبذ غير مذموم
- وقوله: {لولا أن تداركه نعمة من ربّه لَنُبذ بالعراء} وتنكير {نعمة} للتعظيم لأنها نعمة مضاعفة مكررة
- قال بعض العلماء: في إنبات القرع عليه حكم جمة ; منها أن ورقه في غاية النعومة، وكثير وظليل، ولا يقربه ذباب، ويؤكل ثمره من أول طلوعه إلى آخره، نيا ومطبوخا، وبقشره وببزره أيضا. وفيه نفع كثير وتقوية للدماغ وغير ذلك.
خامساً: مسائل في قصة يونس عليه السلام:
المسألة الأولى: في قوله تعالى {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها … } هل هذا النفع خاص بالدنيا أم أنه ينفعهم في الدنيا والآخرة؟
قال ابن كثير في التفسير: واختلف المفسرون هل كشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط؟ على قولين:
- (أحدهما) إنما كان ذلك في الحياة الدنيا كما هو مقيد في هذه الآية.
- (والثاني) فيهما لقوله تعالى: وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين فأطلق عليهم الإيمان، والإيمان منقذ من العذاب الأخروي وهذا هو الظاهر والله أعلم.
وقال في قصص الأنبياء: وهذا المتاع إلى حين لا ينفي أن يكون معه غيره من رفع العذاب الاخروي، والله أعلم.
المسألة الثانية: قوله تعالى: {فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون}: كم كان عددهم؟
وقد كانوا مائة ألف لا محالة، واختلفوا في الزيادة:
- قيل: عشرة آلاف، جاء عن مكحول.
- وقيل: ويزيدون عشرين ألفاً، ورد في حديث مرفوع ولو صح لكان فاصلاً ولكن فيه رجل مبهم قاله ابن كثير، وضعف إسناده الألباني رحمه الله في سنن الترمذي 3229.
- وروي عن ابن عباس: ثلاثون ألفا، بضعة وثلاثون ألفاً، بضعة وأربعون ألفاً.
- وقال سعيد بن جبير: كانوا مائة ألف وسبعين ألفا.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: {فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} هل أرسل يونس عليه السلام إلى المائة ألف قبل الحوت أو بعده؟
اختلف أهل التفسير على ثلاثة أقوال:
- روي عن مجاهد أرسل إليهم قبل أن يلتقمه الحوت.
- وحكى البغوي أنه أرسل إلى أمة أخرى بعد خروجه من الحوت كانوا مائة ألف أو يزيدون.
- ورجح ابن كثير أنه لا مانع أن يكون الذين أرسل إليهم أولا أمر بالعود إليهم بعد خروجه من الحوت فصدقوه كلهم وآمنوا به.
أو نقول:
اختلفوا، هل كانت رسالته قبل التقام الحوت إيّاه، أم بعد ذلك؟ على قولين:
أحدهما: أنها كانت بعد نبذ الحوت إيّاه، على ما ذكرنا في [يونس: 98]، وهو مروي عن ابن عباس.
والثاني: أنها كانت قبل التقام الحوت له، وهو قول الأكثرين، منهم الحسن، ومجاهد، وهو الأصح. والمعنى: وكنَّا أرسلناه إِلى مائة ألف
- وفي قوله: {أو} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها بمعنى «بل» قاله ابن عباس، والفراء.
والثاني: أنها بمعنى الواو، قاله ابن قتيبة. وقد قرأ أبيّ بن كعب: {ويزيدون} من غير ألف.
والثالث: أنها على أصلها، والمعنى: أو يزيدون في تقديركم
المسألة الرابعة: كم مدة لبث يونس عليه السلام في بطن الحوت:
اختلف أهل العلم على أقوال:
- فقيل ثلاثة أيام قاله قتادة.
- وقيل سبعة قاله جعفر الصادق.
- وقيل أربعين يوما قاله أبو مالك.
- وقال مجاهد عن الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية.
- قال ابن كثير: والله تعالى أعلم بمقدار ذلك.
وفي شعر أمية بن أبي الصلت:
وأنت بفضل منك نجيت يونسا … وقد بات في أضعاف حوت لياليا
المسألة الخامسة:
- قوله تعالى: {فآمَنوا} في وقت إِيمانهم قولان:
أحدهما: عند معاينة العذاب.
والثاني: حين أُرسل إليهم يونس {فمتَّعْناهم إِلى حين} إِلى منتهى آجالهم.
كيف الجمع بين أن قوم يونس عاينوا العذاب فنفعتهم التوبة، وبين عدم قبول توبة فرعون:
قال القرطبي: وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَقَعْ بِهِمُ الْعَذَابُ، وَإِنَّمَا رَأَوُا الْعَلَامَةَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْعَذَابِ، وَلَوْ رَأَوْا عَيْنَ الْعَذَابِ لَمَا نَفَعَهُمُ الْإِيمَانُ.
قُلْتُ – أي القرطبي -: قَوْلُ الزَّجَّاجِ حَسَنٌ، فَإِنَّ الْمُعَايَنَةَ الَّتِي لَا تَنْفَعُ التَّوْبَةُ مَعَهَا هِيَ التَّلَبُّسُ بِالْعَذَابِ كَقِصَّةِ فِرْعَوْنَ، وَلِهَذَا جَاءَ بِقِصَّةِ قَوْمِ يُونُسَ عَلَى أَثَرِ قِصَّةِ فِرْعَوْنَ لِأَنَّهُ آمَنَ حِينَ رَأَى الْعَذَابَ فَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، وَقَوْمُ يُونُسَ تَابُوا قَبْلَ ذَلِكَ.
وَيُعَضِّدُ هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ). وَالْغَرْغَرَةُ الْحَشْرَجَةُ، وَذَلِكَ هُوَ حَالُ التَّلَبُّسِ بِالْمَوْتِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. [تفسير القرطبي (8/ 384)].
المسألة السادسة: ما الجمع بين قول الله تعالى {فنبذناه في العراء وهو سقيم} وبين قوله تعالى {لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم}:
* قال البغوي في التفسير (7/ 61): فَإِنْ قِيلَ: قَالَ هَاهُنَا: “فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ”، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: “لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ” (الْقَلَمِ -49) فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْبَذْ؟
قِيلَ: “لَوْلَا” هُنَاكَ يَرْجِعُ إِلَى الذَّمِّ، مَعْنَاهُ: لَوْلَا نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ، وَلَكِنْ تَدَارَكَهُ النِّعْمَةُ فَنُبِذَ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْمُومٍ. ا. ه
* قال القرطبي (18/ 254): (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) أَيْ لَنُبِذَ مَذْمُومًا وَلَكِنَّهُ نُبِذَ سَقِيمًا غَيْرَ مَذْمُومٍ. وَمَعْنَى مَذْمُومٌ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مُلِيمٌ. قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مُذْنِبٌ. وَقِيلَ: مَذْمُومٌ مُبْعَدٌ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ. وَالْعَرَاءُ: الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْفَضَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ يَسْتُرُ. وَقِيلَ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَبَقِيَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ نُبِذَ بِعَرَاءِ الْقِيَامَةِ مَذْمُومًا. يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
وقال الشوكاني في فتح القدير (6/ 218): وقد استشكل بعض المفسرين الجمع بين ما وقع هنا من قوله: {فنبذناه بالعراء}، وقوله في موضع آخر: {لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ لَنُبِذَ بالعراء وَهُوَ مَذْمُومٌ} [القلم: 49] فإن هذه الآية تدل على أنه لم ينبذ بالعراء. وأجاب النحاس، وغيره بأن الله سبحانه أخبر ها هنا: أنه نبذ بالعراء، وهو غير مذموم، ولولا رحمته عزّ وجلّ لنبذ بالعراء، وهو مذموم.
المسألة السابعة: كيف نجى الله يونس عليه السلام من بطن الحوت، هل كان بقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أم بصلاحه وأعماله الصالحة:
قال ابن كثير:
- قِيلَ: لَوْلَا مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ فِي الرَّخَاءِ. قَالَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، ووهَب بْنُ مُنَبِّه، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَنُورِدُهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ. وَفِي حَدِيثٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ((تَعَرف إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ))
- وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَالضَّحَّاكُ، وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، وَالسُّدِّيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} يَعْنِي: الْمُصَلِّينَ.
- وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُصَلِّينَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ فِي جَوْفِ أَبَوَيْهِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} هُوَ قَوْلُهُ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ:87، 88] قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ.
المسألة الثامنة: ما المقصود بالظلمات الثلاثة:
ذكر ابن كثير في التفسير: قال ابن مسعود: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل. وكذا روي عن ابن عباس، وعمرو بن ميمون، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب، والضحاك، والحسن، وقتادة.
المسألة التاسعة: معنى قوله تعالى {فظن أن نقدر عليه}:
اختلفتْ أقوالُ العلماءِ في تفسيرِ قولِه تعالى: (فظنّ أن لّن نّقدر عليه) على أوجهٍ:
- الأوّلُ: أنّ معناه: فظنّ أن لن نعاقبه بالتّضييق عليه في بطن الحوتِ. وإليه ذهب جمهورُ المفسّرين، ورجّحه الإمامُ ابنُ جريرٍ الطبريُّ وغيرُه. واستشهد عليه بقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7].
- الثّاني: أنّ معناه: فظنّ أن لّن نّقضي عليهِ العقوبةَ. رُوي عن ابن عبّاس، ومجاهد، وقتادة، وعطيّة العوفيّ، واختارهُ الفرّاءُ وغيرُه، ونصره العلّامةُ الشّوكانيُّ.
- الثّالثُ: أنّ ذلك على الاستفهام؛ ومعناه: أفظنّ أن لّن نّقدر عليه؟. وبه قال ابنُ زيدٍ، وضعّفه الإمامُ ابنُ جريرٍ.
- الرّابعُ: ظنّ أنّه يُعجز ربَّه؛ فلا يقدِرُ عليه. رُوي عن الحسنِ وسعيدِ بن جبيرٍ، وغيرِهما، وهو قولٌ فاسدٌ مردودٌ.
سادساً: فوائد من قصة يونس عليه السلام:
1 – أن المصائب والابتلاءات إذا صبر العبد لها واحتسب ورجع إلى الله وأناب، فإنه يخرج منها وقد غفرت ذنوبه ورفعت درجته وأقيلت عثرته.
وقرر ابن تيمية أن الابتلاء يكون خير لمن صبار واحتسب. أما الذي يجعله البلاء يتسخط فهذا ليس البلاء في حقه خير إنما شر. ليس من حيث البلاء لكن من حيث حاله هو وإلا البلاء فيه تكفير الذنوب ورفع الدرجات. انتهى بمعناه
وإن رضي فهو أعظم لأجره على من قال باستحباب الرضا بالبلاء. وأعلى منه الشكر للبلاء.
راجع فتح المجيد شرح كتاب التوحيد باب الصبر
2 – فيه أن الذي يسير الأمور ويدبرها هو الله عزوجل، ففي قصة يونس عليه السلام تسيير الله عزوجل لأمور كثيرة عظيمة منها:
- منها سَوق الحوت في هذا التوقيت الذي ألقي فيه يونس عليه السلام.
- حفظ يونس عليه السلام من أسنان الحوت؛ فلم تصبه بمكروه.
- غوص الحوت به إلى قاع البحار حيث الظلمات، فنادى فيه النداء المذكور.
- دفع الحوت إلى البر حتى يقذف يونس عليه السلام.
3 – فيه أن أهل الفضل قد تصدر منهم بعض الزلات في بعض الأحيان، ولكن يرزقهم الله عزوجل توبة وإنابة هي أعظم مما صدر منهم من زلات.
4 – فيه أنه ينبغي للدعاة إلى الله أن يصبروا على أعباء الدعوة. بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين
5 – فيه أن أعمال البر السابقة التي يعملها المرء في حياته تنفعه وقت الملمات وقد أُخذ هذا المعنى من قوله تعالى {فلولا أنه كان من المسبحين} قال بعض المفسرين: كان من المسبحين في سابق وقته قبل أن يلتقمه الحوت، ويشهد لهذا أحاديث منها حديث أصحاب الغار، بخلاف المسرفين على أنفسهم وقت العافية فلا يكاد يجد أحدهم ما يتوسل به إلى ربه إذا حل به البلاء كما قال تعالى عن فرعون {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} وقال أيضا ً {فَلَمَّا رَأَوْا بَاسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَاسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)}.
5 – استعمال القرعة عند الاشتباه في مسائل الاستحقاق والحرمان إذا لم يكن مرجح سواها ” (تيسير اللطيف المنان: ص/ 417).
تستعمل القرعة عند المبهم *** من الحقوق أو لدى التزاحم
6 – فيه الإقرار بوحدانية الله عزوجل وتنزيهه عن كل النقائص والعيوب.
7 – فيه الإقرار بالذنب والاعتراف به.
قال ابن سعدي رحمه الله: فأقرّ لله بكمال الألوهية، ونزّهه عن كلّ نقص وعيب وآفة، واعترف بظلم نفسه وجنايته. اهـ
8 – أن في عمل أهل السفينة هذا العمل دليل على القاعدة المشهورة أنه يرتكب أخف الضررين لدفع الضرر الذي هو أكبر منه، ولا ريب أن إلقاء بعضهم وإن كان فيه ضرر، فعطب الجميع إذا لم يلق أحد أعظم ” (تيسير اللطيف المنان: ص/ 416 – 417).
9 – فيه أن العبد إذا كانت له مقدمة خاصة مع ربه وقد تعرف إلى ربه في حال الرخاء، أن الله يشكر له ذلك، ويعرفه في حال الشدة بكشفها بالكلية أو تخفيفها، ولهذا قال في قصة يونس: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143 و 144] ” (تيسير اللطيف المنان: ص/ 417).
10 – فيه أن الإيمان ينجي من الأهوال والشدائد، لقوله – تعالى -: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88]. أي: إذا وقعوا فيها لإيمانهم ” (تيسير اللطيف المنان: ص/ 417).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ” (صحيح رواه الترمذي 3505).
11 – أن بالتوحيد والاستغفار يصل القلب إلى الله. قال ابن القيم – رحمه الله -: ” فالتوحيد يدخل العبد على الله والاستغفار والتوبة يرفع المانع ويزيل الحجاب الذي يحجب القلب عن الوصول إليه فإذا وصل القلب إليه زال عنه همه وغمه وحزنه وإذا انقطع عنه حضرته الهموم والغموم والأحزان وأتته من كل طريق ودخلت عليه من كل باب ” (شفاء العليل: ص/ 274).
قلت سيف: تتمات
12 • ضرورة الالتجاء إلى الله في الشدائد
13 • أدب الدعاء من دعاء يونس: لا إله إلا أنت، سبحانك، إني كنت من الظالمين.
- توحيد، تنزيه، اعتراف.
وفي الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
“دعوة ذي النون إذ دعا وهـو في بطن الحوت: (? إله إ? أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط، إ? استجاب الله له”.
رواه الترمذي -واللفظ له- والنسائي، والحاكم وقال:
“صحيح الإسناد”. صحيح الترغيب
وهو في الصحيح المسند 379
وفي الحديث الآخر: 4370 – ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من أمر الدنيا دعا به ففرج عنه؟ دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين (ابن أبي الدنيا في الفرج ك) عن سعد. قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 2605 في صحيح الجامع
14 • حال الداعي ومكانه وأسلوب الدعاء وشعوره بشدة الحاجة والرغبة لما يطلبه من ربه.
- أنّ الغيرةَ المعتبرةَ والحميّةَ المحمودةَ للدِّين ما كانت منضبطةً بالضوابط الشرعية، فهذا يونس عليه الصلاة والسلام ما ترك قومه وهجرهم، وخرج من بين أظهرهم إلاّ غضبا لله وبغضا لما هم عليم من الكفر و الشرك، ولكن لمّا كان ذلك بغير إذن من الله عتب الله عليه الصلاة والسلام.
- أنّه في المقابل ينبغي ألاّ نتجاوز الحدّ في الإنكار على من وقعت منه مثل هذه المخالفة، فهذا أحد أنبياء الله وخيرته من خلقه تحمله الغيرة على الوقوع في هذا النوع من المجاوزة
17 – الستر على المخطئ بعدم ذكر ذنبه. أما ما يذكره رب العزة فإنه وإن ذكر ما حصل من أنبيائه، فإنها مع بيان توبتهم وأنها كانت سببا لرفع منزلتهم.
- فضل التسبيح:
قال بعض أهل العلم: والتسبيح ورد في القرآن على نحو من ثلاثين وجهاً، ستةٍ منها للملائكة، وتسعةٍ لنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأربعةٍ لغيره من الأنبياء، وثلاثةٍ للحيوانات والجمادات، وثلاثةٍ للمؤمنين خاصة، وستةٍ لجميع الموجودات …..
وأما التي لعموم المخلوقات فمنها قوله تعالى: {سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}، وقوله تعالى: {يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كَلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
وقد ذكر الله – تعالى – لفظة {سُبْحَانَ} في القرآن في خمسة وعشرين موضعاً، في ضمن كلِّ واحد منها إثباتُ صفة من صفات المدح، أو نفيُ صفة من صفات الذم، منها قوله تعالى: {سُبْحاَنَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، وقوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى المُرْسَلِينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ}
وقد دلّت السنة النبوية – أيضاً – على فضل التسبيح وعظيم مكانته عند الله من وجوه كثيرة
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله:
تسبيح يونس هذا، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام المذكور في الصافات، جاء موضحا في الأنبياء في قوله تعالى: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء: 8788].
- سرعة إجابة رب العزة دعاء أوليائه
فجاءته الإجابة على إثر ذلك مباشرة بالفاء التي توحي في طيّاتها بأنّه لم تكن ثمّت مهلة بين فراغه من دعواته تلك وبين حصول الفرج، فقال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}، وختم الله إكرامه لعبده بتفريج كربته أن حلاّه بصفة الإيمان، وجعل من مقتضياتها حصول الإنجاء لعباد الرحمن.
- فيه أن عمل الدعاة محكوم بشرع الله.
- المؤاخذة على قدر منزلة الداعي.
- المبادرة بالتوبة.
- عدم اليأس من روح الله ولو كنت في أشد الملمات.
تنبيه 1:
– إنما النهي عن أن يكون كصاحب الحوت في قلة صبره واستعجاله.
– وقد يقال أن عدم ذكر اسمه الصريح تكريماً له وعدم إشهار له مع ذكر ذنبه وعكسه لما ذكره باسمه الصريح في موضع المدح كما في قوله تعالى {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) [الأنعام/86]} وتفضيله بالرسالة في قوله: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)}
ونظير ذلك تكريم شعيب بعدم ذكر الأخوة قبل اسمه كما في غيره من الأنبياء لما نسب قومه إلى الصنم – أصحاب الأيكة -.
تنبيه 2:
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:
فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنْ الْكَبَائِرِ دُونَ الصَّغَائِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَجَمِيعِ الطَّوَائِفِ حَتَّى إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْكَلَامِ كَمَا ذَكَرَ ” أَبُو الْحَسَنِ الآمدي ” أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ بَلْ هُوَ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَّا مَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ مَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ. وَإِنَّمَا نُقِلَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِي الْعَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الرَّافِضَةِ ثُمَّ عَنْ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ ثُمَّ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَعَامَّةُ مَا يُنْقَلُ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ عَنْ الْإِقْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَلَا يُقَرُّونَ عَلَيْهَا وَلَا يَقُولُونَ إنَّهَا لَا تَقَعُ بِحَالِ.
مجموع فتاوى ابن تيمية – (ج 1 / ص 363)
وقد سبقت هذه المسألة قبل أبواب.
أسباب رفع البلاء:
(1) التقوى: كما هو معروف:
هو فعل أوامر الله واجتناب معاصيه الظاهرة والباطنة ومراقبة الله في السر والعلن في كل عمل.
قال – سبحانه وتعالى-: {ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} [الطلاق: 2].
(2) أعمال البر (كالإحسان إلى الخلق بجميع صوره)، والدعاء:
ونستدل هنا على ذلك بقصة الثلاثة الذين انسدَّ عليهم الغار بصخرة سقطت من الجبل، فقالوا (ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم)
وجاء في الدعاء من صحيح الجامع الصغير: (لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)
صحيح الجامع الصغير: (صدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء).
وجاء في الدعاء من صحيح الجامع الصغير: (لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر).
قلت سيف: وراجع تحقيقي لنضرة النعيم وتحقيقي لكشف الأستار 3136 حيث ورد من حديث أنس وسلمان.
قالت خديجة رضي الله عنه: {كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك تصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق}.
(3) الإكثار من الاستغفار والذكر:
قال – سبحانه -: {ومَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].