[1ج/ رقم (581)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي
وأحمد بن علي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (581)]:
مسند عبد الله بن سلام رضي الله عنه
٥٨١ – قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج ٩ ص ٢٠٦): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: قَعَدْنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَتَذَاكَرْنَا، فَقُلْنَا: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ لَعَمِلْنَاهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ • يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [سورة الصف، الآية: ١ – ٢]، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ سَلَامٍ. قَالَ يَحْيَى: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا أَبُو سَلَمَةَ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا الأَوْزَاعِيُّ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا ابْنُ كَثِيرٍ.
وَقَدْ خُولِفَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي إِسْنَادِ هَذَا الحَدِيثِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، فَرَوَى ابْنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، أَوْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، وَرَوَى الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، نَحْوَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ.
قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث صحيحٌ.
ولا يضر الاختلاف فيه عن الأوزاعي، والظاهر أن رواية يحيى عن أبي سلمة أرجح؛ إذ قد رواه عن الأوزاعي محمد بن كثير والوليد بن مسلم كما هنا، والوليد بن يزيد كما في «تفسير ابن كثير» وفي رواية عبد الله بن المبارك المخالفة شك أهو عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن سلام؟ أم هو عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام؟
===================
ولتوضيح الحديث، يمكن تقسيم الكلام عليه من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام أبو عيسى الترمذي (ت ٢٧٩) في السنن، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة الصف، (٣٣٠٩).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
١ – كتاب العلم، ١١٥ – أصح الأحاديث المسلسلة، (١٦٧).
١٣ – كتاب الجهاد والغزوات، ١ – فضل الجهاد في سبيل الله، (١٩٤٣).
٣٣ – كتاب التفسير، ٣٦٠ – سورة الصف، (٤٣٥٩).
والثاني: شرح وبيان الحديث
١ – باب ومن سُورَةُ الصَّفِّ
فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وهو قول بن عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورِ وَالثَّانِي أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَهِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً.
قَوْلُهُ (قَعَدْنَا نَفَرًا) حَالٌ مِنْ ضمير قعدنا، والنفر بفتحتين عدة من رِجَالٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تفعلون}، هَذَا إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَعِدُ وَعْدًا أَوْ يَقُولُ قَوْلًا لَا يَفِي بِهِ،
وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَزْمُ الْمَوْعُودِ أَمْ لَا.
وَذَهَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَلَّقَ بِالْوَعْدِ عَزْمٌ عَلَى الْمَوْعُودِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا؛ وَحَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ تَمَنَّوْا فَرِيضَةَ الْجِهَادِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فُرِضَ نَكَلَ عَنْهُ بعضهم.
عن بن عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْجِهَادُ، يَقُولُونَ: لَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ عز وجل دَلَّنَا عَلَى أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ؛ فَنَعْمَلَ بِهِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِيمَانٌ بِهِ لَا شَكَّ فِيهِ وَجِهَادُ أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان، ولم يُقِرُّوا بِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ الْجِهَادُ كَرِهَ ذَلِكَ نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون} وهذا اختيار بن جرير
هذا تلخيص ما ذكره الحافظ ابن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ،
وَقِيلَ: أُنْزِلَتْ فِي شَأْنِ الْقِتَالِ، يَقُولُ: الرَّجُلُ قَاتَلْتُ وَلَمْ يُقَاتِلْ، وَطَعَنْتُ وَلَمْ يَطْعَنْ، وَضَرَبْتُ وَلَمْ يَضْرِبْ، وَصَبَرْتُ وَلَمْ يَصْبِرْ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قال أبو سلمة فقرأها علينا بن سَلَامٍ إِلَخْ) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ هَذَا يُسَمَّى بِالْمُسَلْسَلِ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ الصَّفِّ.
قَالَ فِي الْمِنَحِ: هَذَا صَحِيحٌ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ، وَالتَّسَلْسُلِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ أَصَحُّ مُسَلْسَلٍ رُوِيَ فِي الدُّنْيَا انْتَهَى.
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الصَّفِّ: وَقَدْ وَقَعَ لَنَا سَمَاعُ هَذِهِ السُّورَةِ مُسَلْسَلًا فِي حَدِيثٍ ذُكِرَ فِي أَوَّلِهِ سَبَبُ نُزُولِهَا، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَلَّ أَنْ وَقَعَ فِي الْمُسَلْسَلَاتِ مِثْلُهُ مَعَ مَزِيدِ عُلُوِّهِ.
قَوْلُهُ (وَقَدْ خُولِفَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي إسناد هذا الحديث عن الأوزاعي فروى بن الْمُبَارَكِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الخ) قال الحافظ بن كَثِيرٍ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مَعْمَرٍ عن بن الْمُبَارَكِ بِهِ (وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ نَحْوَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كثير) قال الحافظ بن كَثِيرٍ وَكَذَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الأوزاعي كما رواه بن كَثِيرٍ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ هَذَا أخرجه أيضا أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَالسُّنَنِ. [تحفة الأحوذي ، (9/ 146 – 147)].
والثالث: فقه الحديث (أحكام ومسائل وملحقات):
(المسألة الأولى): قال الله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4)}. [الصف (1 – 4)].
(المطلب الأول): تفسير الآيات:
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)}.
سَبَبُ النُّزولِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قعَدْنا نفرٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتَذاكَرْنا ….
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)}.
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.
أي: نزَّه اللهَ تعالى عن النَّقائِصِ والعُيوبِ جَميعُ ما في السَّمَواتِ وجميعُ ما في الأرضِ. وتسبيحُ ما في السَّمواتِ وما في الأرضِ تسبيحٌ حقيقيٌّ بلِسانِ المقالِ، وأيضًا بلِسانِ الحالِ. يُنظر ما تقدَّم في تفسير سورة الإسراء الآية (44)، وأوَّل سورة الحديد].
{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
أي: واللهُ هو العزيزُ الَّذي يَغلِبُ ولا يُغلَبُ، فيَنتَقِمُ مِن أعدائِه، الحكيمُ الَّذي يَضَعُ كُلَّ شَيءٍ ممَّا خلَقَه وشَرَعَه وقدَّرَه في مَوضِعِه الصَّحيحِ اللَّائِقِ به.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)}.
أي: يا أيُّها الَّذين آمَنوا لِمَ تَقولونَ القَولَ الَّذي لا تُصَدِّقونَه بالعَمَلِ؛ فتكونَ أعمالُكم مُخالِفةً لأقوالِكم؟! ومِن ذلك تَركُ فِعلِ الخَيرِ لِمَن وَعَد بفِعْلِه، كالجِهادِ في سَبيلِ اللهِ.
كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء: 77] .
وقال سُبحانَه: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} [الأحزاب: 15] .
وقال عزَّ وجلَّ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 20، 21].
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((آيةُ المنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حدَّثَ كَذَب، وإذا وَعَد أخلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خان)) [رواه البخاري (33)، ومسلم (59)].
{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)}.
أي: عَظُم واشتَدَّ بُغْضًا عندَ اللهِ قولُكم -أيُّها المؤمنونَ- شَيئًا، ثمَّ لا تَفعَلونَه! [نظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/606)، ((الوسيط)) للواحدي (4/291)، ((الاستقامة)) لابن تيمية (1/18)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/6، 7)، ((تفسير السعدي)) (ص: 858)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/175)].
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}.
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ قَولَ اللهِ تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ فيه مَذَمَّةُ المخالِفينَ في القِتالِ، وهم الَّذين وَعَدوا بالقِتالِ ولم يُقاتِلوا، وهذه الآيةُ مَحمَدةٌ لِلموافِقينَ في القِتالِ، وهم الَّذين قاتَلوا في سَبيلِ اللهِ وبالَغوا فيه
فبَعْدَ أنْ ذمَّ المخالِفينَ في أمرِ القتالِ وهم الَّذين وعَدوا ولم يفْعَلوا؛ مدَح الَّذين قاتَلوا في سبيلِه
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا}.
أي: إنَّ اللهَ يُحِبُّ المجاهِدينَ الَّذين يُقاتِلونَ أعداءَ اللهِ لإعلاءِ دِينهِ حالَ كَونِهم مُنتَظِمينَ في صَفِّ القِتالِ. [انظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/610)، ((تفسي
قال البقاعي: (أي: مُصْطَفِّينَ حتَّى كأنَّهم في اتِّحادِ المرادِ على قَلبٍ واحِدٍ، كما كانوا في التَّساوي في الاصطِفافِ كالبَدَنِ الواحِدِ). ((نظم الدرر)) (20/8)].
{كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}.
مُناسَبتُها لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان الاصطِفافُ يَصْدُقُ مع التَّقَدُّمِ والتأخُّرِ اليسيرِ؛ نفى ذلك بقَولِه حالًا بعدَ حالٍ: [انظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/8)]:
{كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}.
أي: كأنَّهم في اصطِفافِهم للقِتالِ – مِن شِدَّةِ التَّراصِّ والمُساواةِ والثَّباتِ في المراكِزِ – بِناءٌ واحِدٌ عظيمُ الاتِّصالِ، شَديدُ الاستِحكامِ، لاصِقٌ بَعضُه ببَعضٍ، بلا فُرجةٍ ولا خَلَلٍ!
عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ المؤمِنَ للمُؤمِنِ كالبُنيانِ يَشُدُّ بَعضُه بَعضًا، وشَبَّك أصابِعَه)). [رواه البخاري (481) واللَّفظُ له، ومسلم (2585)].
(المطلب الثاني): المعنى الإجمالي:
ابتَدَأ اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ بالإخبارِ بأنَّ جميعَ ما في السَّمَواتِ وما في الأرضِ قد نَزَّه اللهَ تعالى عن النَّقائِصِ والعُيوبِ، وأخبَر أيضًا بأنَّه هو العزيزُ الَّذي لا يُغلَبُ، الحكيمُ الَّذي يَضَعُ كُلَّ شَيءٍ في مَوضِعِه اللَّائِقِ به.
ثمَّ وَجَّه سُبحانَه الخِطابَ إلى المؤمِنينَ، فقال تعالى: {يا أيُّها الَّذين آمَنوا لِمَ تَقولونَ ما لا تَفعَلونَ}، عَظُم بُغْضًا عندَ اللهِ قولُكم ما لا تَفعَلونَه!
إنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذين يُقاتِلونَ في سبيلِ اللهِ لإعلاءِ دِينِه مُنتَظِمينَ في صَفِّ القِتالِ كأنَّهم بِناءٌ عظيمُ الاتِّصالِ، لاصِقٌ بَعضُه ببَعضٍ.
(المطلب الثالث): غريب الكلمات:
{كَبُرَ مَقْتًا}: أي: عَظُمَ بُغضًا، والمَقْتُ: البُغضُ الشَّديدُ لِمَن تَراه تعاطَى القَبيحَ، وأصلُ (كبر): يدُلُّ على خِلافِ الصِّغَرِ، وأصلُ (مقت): يدُلُّ على شَناءةٍ وقُبحٍ.
{مَرْصُوصٌ}: أي: مُلتَزِقٌ بَعضُه ببَعضٍ، والتَّراصُّ: التَّلاصُقُ؛ يُقالُ: رَصصتُ البِناءَ رَصًّا: إذا ضَمَمْتَ بَعْضَه إلى بَعضٍ، وأصلُ (رصص): يدُلُّ على انضِمامِ شَيءٍ إلى شَيءٍ بقُوَّةٍ وتَداخُلٍ. [انظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/374)، ((البسيط)) للواحدي (21/432)، ((تفسير البغوي)) (8/108)].
(المطلب الرابع): الفوائد التربوية:
1- قَولُ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}، استُدِلَّ بالآيةِ مِن عُمومِ لَفظِها على الإنكارِ على كُلِّ مَن خالَفَ قَولُه فِعْلَه، سواءٌ في عَهدٍ أو وَعدٍ، أو أمرٍ أو نَهيٍ. [انظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/105)].
ففيها: أنَّه ينبغي للآمِرِ بالخَيرِ أن يكونَ أوَّلَ النَّاسِ إليه مُبادَرةً، ولِلنَّاهي عن الشَّرِّ أن يكونَ أبْعَدَ النَّاسِ منه. [انظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 858)].
فمِن آدابِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنْكَرِ – وليس مِن شُروطِه – أنْ يكونَ الإنسانُ أوَّلَ فاعلٍ للمَعروفِ، وأوَّلَ مُنْتَهٍ عنِ المنكَرِ، بمعنى أنَّه لا يأمرُ بالمعروفِ ثُمَّ لا يَفعَلُه، أو لا يَنهى عنِ المُنْكَرِ ثُمَّ يَقَعُ فيه. [نظر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (2/358)]،
فإذا كنتَ تقولُ الشَّيءَ ولا تفعَلُه، فأنت بيْنَ أمْرَينِ:
إمَّا أنَّك كاذِبٌ فيما تقولُ، ولكنْ تُخَوِّفُ النَّاسَ، فتقولُ لهم الشَّيءَ وليس بحقيقةٍ،
وإمَّا أنَّك مُستَكبِرٌ عمَّا تقولُ؛ تأمرُ النَّاسَ به ولا تَفعَلُه، وتنهى النَّاسَ عنه وتَفعَلُه! [نظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/274)]
2- قَولُ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}، يُحتَجُّ به في وُجوبِ الوَفاءِ بالوُعودِ. [نظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 262)]، والتَّحذيرِ مِن إخلافِها، وفيه الالتزامُ بواجِباتِ الدِّينِ. [نظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/173)].
وسبق ذكر المسألة
3- قَولُ اللهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}، حَثٌّ مِن اللهِ لعِبادِه على الجِهادِ في سَبيلِه، وتعليمٌ لهم كيف يَصنَعونَ، وأنَّه ينبغي لهم أن يَصُفُّوا في الجِهادِ صَفًّا مُتراصًّا مُتساويًا مِن غيرِ خَلَلٍ يَقَعُ في الصُّفوفِ، وتكونَ صُفوفُهم على نظامٍ وتَرتيبٍ به تحصُلُ المساواةُ بيْن المجاهِدينَ، والتَّعاضُدُ وإرهابُ العَدُوِّ، وتنشيطُ بَعضِهم بَعضًا. [انظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 858)].
وفيه تحريضٌ على الثَّباتِ في الجهادِ، وصِدقِ الإيمانِ، والثَّباتِ في نُصرةِ الدِّينِ. [انظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/173)].
4- في قَولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}، استِحبابُ قيامِ المجاهدِينَ في القتالِ صُفوفًا كصُفوفِ الصَّلاةِ، وأنَّه يُستَحَبُّ سَدُّ الفُرَجِ والخَلَلِ في الصُّفوفِ، وإتمامُ الصَّفِّ الأوَّلِ فالأوَّلِ، وتسويةُ الصُّفوفِ بِعَدَمِ تَقَدُّمِ بَعضٍ على بَعضٍ فيها. [انظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 262)].
5- في قَولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}، عَلَّقَ سُبحانَه المحبَّةَ لهؤلاء بأعمالِهم، بعِدَّةِ صِفاتٍ:
أوَّلًا: يُقاتِلونَ فلا يَركَنونَ إلى الخُلودِ والخُمولِ والكَسَلِ والجُمودِ؛ الَّذي يُضعِفُ الدِّينَ والدُّنيا.
ثانيًا: الإخلاصُ؛ لِقَولِه: فِي سَبِيلِهِ.
ثالثًا: يَشُدُّ بعضُهم بعضًا؛ لِقَولِه: صَفًّا.
رابعًا: أنَّهم كالبُنيانِ، والبنيانُ حِصْنٌ مَنيعٌ.
خامسًا: لا يَتَخَلَّلُهم ما يُمَزِّقُهم؛ لِقَولِه: {مَرْصُوصٌ} [انظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/237)].
(المطلب الخامس): الفوائد العلمية واللطائف:
1- قال الله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} في إجراءِ وَصفِ الْعَزِيزُ عليه تعالى هنا إيماءٌ إلى أنَّه الغالِبُ لعَدُوِّه؛ فما كان لكم أن تَرهَبوا أعداءَه فتَفِرُّوا منهم عندَ اللِّقاءِ؛ وإجراءِ صِفةِ الْحَكِيمُ إنْ حُمِلَت على معنى المتَّصِفِ بالحِكمةِ: أنَّ الموصوفَ بالحِكمةِ لا يأمُرُكم بجِهادِ العَدُوِّ عَبَثًا، ولا يُخَلِّيهم يَغلِبونَكم، وإن حُمِلَت على معنى المُحكِمِ للأمورِ، فكذلك. [انظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/174)].
2- قَولُ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}، يُحتَجُّ به في وُجوبِ الوَفاءِ بالنَّذرِ في نَذْرِ اللَّجاجِ. [انظر: ((أحكام القرآن)) للْكِيَا الهَرَّاسي (4/413).
ونَذْرُ اللَّجَاجِ والغَضَبِ: هو أن يمنَعَ نَفْسَه مِن فِعلٍ، أو يَحُثَّها عليه، بتعليقِ التزامِ قُربةٍ بالفِعلِ أو بالتَّركِ. [انظر: ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (8/459)].
وقد اتَّفقَتِ المذاهبُ الفقهيَّةُ الأربعةُ -الحنَفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ والحنابِلةُ- على أنَّ النَّذرَ على وجهِ اللَّجاجِ والغضبِ يَنعقِدُ، على خِلافٍ بيْنَهم: هل يجبُ عليه الوفاءُ بالنَّذرِ، أو تُجزئُه كفَّارةُ اليمينِ، أو يُخَيَّرُ بيْنَهما؟
والأقربُ هو التَّخييرُ بيْن الوَفاءِ بما التَزَم أو الكَفَّارةِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، واختاره ابنُ تيميَّةَ وابنُ القَيِّمِ وابنُ بازٍ وابنُ عُثيمينَ. انظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/355)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (6/274)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (4/110)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/87، 88)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (22/33، 34)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (9/232)].
3- قَولُ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}، استُدِلَّ بهذه الآيةِ على أنَّ مَن ألزَمَ نَفْسَه عَمَلًا فيه طاعةٌ لَزِمه أن يَفِيَ به. [انظر: ((أحكام القرآن)) لابن الفَرَس (3/554)، ((تفسير القرطبي)) (18/78)].
4- في قَولِه تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} إثباتُ صفةِ المَقْتِ للهِ تعالى، وأنَّه يَتفاوَتُ. [انظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) لابن عثيمين (1/274)].
5- في قَولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} إثباتُ صفةِ المحبَّةِ للهِ تعالى [نظر: ((شرح الأربعين النووية)) لابن عثيمين (ص: 321)]، وكذلك قولُه: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] ، وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] ، وقولُه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4] .
وهذه الآياتُ وأشباهُها تَقتضي أنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ أصحابَ هذه الأعمالِ؛ فهو يُحِبُّ التَّوَّابينَ، ففي هذه الحالِ يُحِبُّهُم، وهذا مبنيٌّ على الصِّفاتِ الاختياريَّةِ، فمَن نفاها رَدَّ هذا كُلَّه! [انظر: ((النبوات)) لابن تيمية (1/357)].
6- في قَولِه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}، دليلٌ على تَعبئةِ الحَربِ، والتَّظاهُرِ في القِتالِ. [انظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/290)].
(المطلب السادس): بلاغة الآيات:
1- قولُه تعالَى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، مُناسَبةُ هذه الفاتحةِ لِما بعْدَها مِن السُّورةِ بَيانُ أنَّ الكافرينَ مَحقوقُون بأنْ تُقاتِلوهم؛ لأنَّهم شَذُّوا عن جَميعِ المخلوقاتِ فلمْ يُسبِّحوا اللهَ، ولم يَصِفُوه بصِفاتِ الكمالِ؛ إذ جَعَلوا له شُركاءَ في الإلهيَّةِ، وفيه تَعريضٌ بالَّذين أَخْلَفوا ما وَعَدوا بأنَّهم لم يُؤدُّوا حقَّ تَسبيحِ اللهِ؛ لأنَّ اللهَ مُستحِقٌّ لأنْ يُوفَى بعَهْدِه في الحياةِ الدُّنيا، وأنَّ اللهَ ناصرُ الَّذين آمَنوا على عَدُوِّهم. [انظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/174)].
– قولُه: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ عبَّر هنا بالماضِي سَبَّحَ كما في سُورةِ (الحَديدِ) و(الحَشرِ)، وقال تعالَى في بعضِ السُّورِ: يُسَبِّحُ [الجمعة: 1، التَّغابُن: 1] بصِيغةِ المُضارِعِ، وفي البعضِ: سَبِّح [الأعلى: 1] بصِيغةِ الأمْرِ؛ ليُعلَمَ أنَّ تَسبيحَ اللهِ تَعالى دائمٌ غيرُ مُنقطِعٍ؛ لِما أنَّ الماضيَ يدُلُّ عليه في الماضي مِن الزَّمانِ، والمستقبَلَ يدُلُّ عليه في المستقبَلِ مِن الزَّمانِ، والأمْرَ يدُلُّ عليه في الحالِ. [انظر: ((تفسير الرازي)) (29/526)].
2- قولُه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}
– النِّداءُ بـ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إنْ كان للمؤمنينَ حقيقةً -ويدُلُّ عليه سببُ النُّزولِ-، فالاستفهامُ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ يُرادُ به التَّلطُّفُ في العَتْبِ، وإنْ كان النِّداءُ للمُنافِقين؛ فالمعْنى: يا أيُّها الَّذين آمَنوا، أي: بألْسِنَتهم، والاستِفهامُ يُرادُ به الإنكارُ والتَّوبيخُ، وتَهكُّمٌ بهم في إسنادِ الإيمانِ إليهم. [انظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/522، 523)، ((تفسير أبي حيان)) (10/164)].
– وناداهم بوَصْفِ الإيمانِ تَعريضًا بأنَّ الإيمانَ مِن شأْنِه أنْ يَزَعَ المؤمنَ عن أنْ يُخالِفَ فِعلُه قولَه في الوعْدِ بالخَيرِ. [انظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/174)].
– قولُه: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}، اللَّامُ لتَعليلِ المُستفهَمِ عنه، وهو الشَّيءُ المُبهَمُ الَّذي هو مَدلولُ (ما) الاستفهاميَّةِ؛ لأنَّها تدُلُّ على أمْرٍ مُبهَمٍ يُطلَبُ تَعيينُه، والتَّقديرُ: تَقولون ما لا تَفعَلون لأيِّ سَببٍ أو لأيَّةِ عِلَّةٍ؟ وهذا كِنايةٌ عن تَحذيرِهم مِن الوُقوعِ في مِثلِ ما فَعَلوه يومَ أُحُدٍ بطَريقِ الرمْزِ، وكِنايةٌ عن اللَّومِ على ما فَعَلوه يومَ أُحُدٍ بطَريقِ التَّلويحِ. [انظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/174، 175)].
– قولُه: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} معنَاه: لأيِّ شَيءٍ تَقولونَ: (نَفعَلُ) ما لا تَفعَلونَ مِن الخَيرِ والمعروفِ؟ على أنَّ مَدارَ التَّعييرِ والتَّوبيخِ في الحَقيقةِ عدَمُ فِعلِهم، وإنَّما وُجِّهَا إلى قَولِهم تَنبيهًا على تَضاعُفِ مَعصيتِهِم، ببَيانِ أنَّ المُنكَرَ ليس تَرْكَ الخَيرِ الموعودِ فقطْ، بلِ الوعدُ به أيضًا، وقد كانوا يَحسَبونَهُ مَعروفًا، ولو قيلَ: (لِمَ لا تَفعلونَ ما تَقولونَ)، لَفُهِمَ منه أنَّ المُنكَرَ هُو ترْكُ الموعودِ. [انظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/242)].
– وفيه تَعريضٌ بالمُنافِقين؛ إذ يُظهِرون الإيمانَ بأقوالِهم وهم لا يَعمَلون أعمالَ أهلِ الإيمانِ بالقلْبِ ولا بالجسَدِ. [انظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/175)].
وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ. [موسوعة التفسير، بتصرف يسير].
(المسألة الثانية):
(المسألة الثالثة):
والرابع: فوائد الحديث:
1 – (منها): فيه مذاكرة العلم؛ لأنه بذلك يثبت العلم، وترسخ المعلومات.
2 – (ومنها): الجلوس عند أهله لمذاكرته وأخذه.
3 – (ومنها): فيه البحث عن الأعمال التي هي أعلى درجة، وأحب إلى الله تعالى.
4 – (ومنها): أهيمة أخذ العلم من أهله.
5 – (ومنها): العمل بما يقرب إلى الله تعالى، وبثه بين الناس، يكون بعد تعلمه.