٦ – فتح رب البرية في شرح القواعد الفقهية والأصولية
أحمد بن علي وأسامة
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
القواعد الفقهية
رقم القاعدة: 6
نص القاعدة: المُسَلَّماتُ العَقْلِيَّةُ والحِسِّيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ في الشَّرْعِ
قواعد ذات علاقة :
1 – الشرع لا يَرِدُ بخلاف العقل /قاعدة أخص
2 – لم يرد الشرع إلا بما أوجبه العقل أو جَوَّزه /قاعدة أخص
3 – ما يعرف ببدائه العقول وضروراتها لا يجوز أن يَرِدَ الشرع بخلافه /قاعدة لازمة
4 – موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول قاعدة أخص
5 – الشرع قد يرد بما لا يقتضيه العقل, إذا كان العقل لا يحيله قاعدة أخص
6 – الشرع مسموع فيما لا يمنع منه العقل /قاعدة لازمة
7 – لا تكليف بما لا يطاق /قاعدة مطابقة
8 – أدلة العقل تخصص العموم /قاعدة متفرعة
9 – يجوز التخصيص بالحس /قاعدة متفرعة
……………………………………
المعنى: لو أتينا بشيء يخالف العقل فالشريعة لا تقبله
ونعني: الحقائق والمدركات القطعية التي لا جدال فيها بين العقلاء،
كالحواس الظاهرة المعروفة باسم الحواس الخمس (وهي: السمع والبصر واللمس والشم والذوق).
“المسلَّمات العقلية” المقصودة هنا, لا تدخل فيها الآراء والتقديرات والاختيارات الفكرية, التي تختلف أنظار الناس فيها, تبعاً لانتماءاتهم ومرجعياتهم وطرائق تفكيرهم, بما فيها تلك التي توصف بالعقلانية ويوصف أصحابها بالعقلانيين. كما لا تدخل فيها الأحكام الذاتية الناشئة عن المشاعر والأحاسيس, التي تتفاوت وتختلف بين الناس, بحسب أحوالهم وأذواقهم وطبائعهم.
قال الشوكاني “إذا ورد الشرع بعموم يشهد الحس باختصاصه ببعض ما اشتمل عليه العموم, كان ذلك مخصِّصا للعموم. قالوا: ومنه قوله تعالى: {وأوتيت من كل شيء} [النمل – 23] {تدمر كل شيء بأمر ربها} [الأحقاف – 25] , وقوله {يجبى إليه ثمرات كل شيء} [القصص – 57].اهـ
لا يتصور أبدا أن الشريعة التي تأسست في أصلها على الفطرة, وعلى الحجج العقلية والحسية, يمكن أن تأتي بما يخالف ذلك أو ينقضه؛ لأن هذا لو وقع لكان نقضا لأصلها وأساسها, وهو ما لا يمكن ولا يجوز بحال. ولذلك ” أجمع العقلاء من أهل الشرائع أنه لا يجوز أن يرد الشرع بما لا يجيزه العقل ” لأن الشرع والعقل حجتان من الله تعالى, وحجج الله تتأيد ولا تتناقض ”
هذا هو الدليل الإجمالي لهذه القاعدة.
من أدلة القاعدة:
قوله تبارك وتعالى {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورةالنحل – 78, 79].
فالله تعالى يُذَكِّر عباده – الذين يولدون وهم لا يعلمون شيئا – ويمتنُّ عليهم بأنه وهبهم وسائل العلم والفهم, وهي الحواس والعقل (السمع والأبصار والأفئدة) ,. ثم يوجههم ويوجه هذه الوسائل الممنوحة لهم, للنظر في آياته للوصول إلى الإيمان به, ولمزيد من الإيمان به, والشكر له.
قوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) } . الغاشية
كل ما قد يفهم من الشرع أو ينسب إليه من الأحكام والمعاني المناقضة قطعا لهذه المسلمات العقلية المجمع عليها, فهو باطل وليس من الشرع في شيء. وكما يقول ابن القيم: ” فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور, وعن الرحمة إلى ضدها, وعن المصلحة إلى المفسدة, وعن الحكمة إلى العبث, فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل. إعلام الموقعين لابن القيم 3/ 3.
أمثلة:
لو قال من لا يولد لمثله: هذا ابني
أو شخص معروفٍ بالفقر يدعي أموالا عظيمة على آخر, أنه أقرضه إياها دفعة واحدة, أو غصبها منه. فالظاهر عدم سماعها.
ادعاء المرأة الحمل من زوجها لأقل من ستة أشهر من زواجهما, أو بعد سنين من طلاقها منه, أو من وفاته, لا يُسمع منها, لاستحالته ومنافاته سننَ الله الجارية.
لو أن شخصا قال “حصلت لي مكاشفة, بأنَّ هذا الماء المعيَّن مغصوب أو نجس, أو أن هذا الشاهد كاذب, أو أن المال لزيد أو ما أشبه ذلك, فلا فلا يجوز له العمل على وفق ذلك ما لم يتعين سبب ظاهر.
يستثنى من هذه القاعدة خصوصيات الأنبياء وتصرفاتهم التي تكون بأمر الله عز وجل أو بوحي منه سبحانه: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [سورة الجن 6]. فالرسل عليهم السلام, يُخرق لهم من السنن المعتادة, ويكشف لهم من أسرار الغيب, ما يُثبت صدق رسالتهم ومقامهم عند ربهم, كحادثة الإسراء والمعراج, التي جرت لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم , وترتبت عنها وعن خبرها أحكام عديدة في العقيدة والشريعة. وكإحياء الموتى, وإبراء الأمراض المستعصية – بغير دواء – على يد نبي الله عيسى بن مريم عليهما السلام. وكحمل مريم وولادتها, من غير أن يقربها رجل.