[1ج/ رقم (537)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي
أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد سيفي وعبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (537)]:
مسند عبادة بن الصامت رضي الله عنه
٥٣٧ – قال الإمام النسائي رحمه الله (ج ٦ ص ٣٥): ٣١٥٩ – أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَهُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ بْنِ سُمَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ : أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: «مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ وَلَهَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ تُحِبُّ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْكُمْ وَلَهَا الدُّنْيَا إِلَّا الْقَتِيلُ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى».
هذا حديث حسنٌ.
===================
ولتوضيح الحديث، يمكن تقسيم الكلام عليه من موجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام النسائي رحمة الله عليه في سننه، (٢٥) كتاب الجهاد، (٣٣) مَا يَتَمَنَّى فِي سَبِيلِ اللهِ عز وجل (٣١٥٩).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
١٣ – كتاب الجهاد والغزوات، ١ – فضل الجهاد في سبيل الله، (١٩٣٧).
٣٣ – كتاب التفسير، ٩٢ – قوله تعالى: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾، (٣٩٧٠).
قال الألباني رحمه الله: (حسن صحيح) – الصحيحة ٢٢٢٨ [صحيح الجامع ٥٦٣٨].
وقال محقق (جامع الأصول لابن أثير رحمه الله (9/ 502):
“١- أخرجه أحمد (٥/٣١٨) قال:حدثنا محمد بن بكر، وروح، وعبد الرزاق وفي (٥/٣٣٢) قال:حدثنا عبد الرزاق.
ثلاثتهم – ابن بكر،وروح، وعبد الرزاق – قالوا: أخبرنا ابن جريج، قال: قال سليمان بن موسى.
٢- وأخرجه النسائي (٦/٣٥) قال: أخبرنا هارون بن محمد بن بكار، قال: حدثنا محمد بن عيسى – وهو ابن القاسم بن سميع – قال: حدثنا زيد بن واقد.
كلاهما – سليمان، وزيد – عن كثير بن مرة، فذكره”. انتهى.
والثاني: شرح وبيان الحديث
(مسند عبادة بن الصامت رضي الله عنه) الأنصاري الخزرجي الصحابي الشهير – رضي اللَّه تعالى.
والمعنى: أن من مات، وله خير عند اللَّه تعالى، لا يحبّ الرجوع إلى الدنيا، ولو جُعل له تمام الدنيا بعد الرجوع، ففيه أن الآخرة خير من الدنيا، فمن له نصيبٌ منها لا يرضى بتركه إيّاها بتمام الدنيا. قاله السنديّ.
(إِلاَّ الْقَتِيلُ) بالرفع بدلًا من «نفس»، أو من فاعل «تحبّ»، ويجوز نصبه على الاستثناء، والمراد الشهيد في سبيل اللَّه تعالى، كما تدلّ عليه رواية أحمد، ولفظه: “إلا القتيل في سبيل اللَّه”، (فَإِنَّهُ) أي: القتيل (يُحِبُّ أَنَّ يَرْجِعَ، فَيُقْتَلَ) بالنصب عطفًا على ما قبله (مَرَّةً أُخْرَى») منصوب على الظرفيّة متعلّق بما قبله.
والمعنى: أن القتيل في سبيل اللَّه تعالى يحبّ الرجوع إلى الدنيا في وقت آخر، حرصًا على تحصيل فضل الشهادة مرارً، لا لاختياره نفس الدنيا على الآخرة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قال الإتيوبي – عفا اللَّه تعالى عنه -:
حديث عبادة بن الصامت – رضي اللَّه تعالى عنه – هذا صحيح، وهو من أفراد المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، أخرجه هنا-٣٣/ ٣١٦٠ – وفي «الكبرى» ٢٩/ ٤٣٦٧. واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: حديث عبادة رضي الله عنه المذكور أخرجه الإمام أحمد -رحمه اللَّه تعالى – في «مسنده» جـ٥/ ص ٣١٨ .
وقد أخرج الإمام الدراميّ -رحمه اللَّه تعالى- في «سننه» جـ٢/ص ٢٠٦ – من حديث أنس رضي الله عنه، ، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «ما من نفس تموت، فتدخل الجنّة، فتَوَدُّ أنها رجعت إليكم، ولها الدنيا وما فيها، إلا الشهيد، فإنه وَدَّ أنه قُتِلَ كذا مرّة؛ لما رأى من الثواب» انتهى.
وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الصحيح، وقد أخرجه الشيخان بمعناه، كما تقدّم بيانه عند شرح حديث رقم ٣٠/ ٣١٥٤ – وهو نحو الحديث الآتي في الباب التالي. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
«إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب». [ذخيرة العقبى في شرح المجتبى، (26/ 248 – 250)].
حديث أنس عند الشيخين سيأتي بإذن الله تعالى
والثالث: فقه الحديث (أحكام ومسائل وملحقات):
المطلب الأول: الشهادة في سبيل الله وفضله:
(المسألة الأولى): تعريف الشهيد
الشهيد في الأصل من قتِلَ مجاهدا في سبيل الله عز وجل، ويجمع على الشهداء، ثم اتّسِعَ فيه فأطلق على من سماه النبي ﷺ شهيدا من: المبطون، والغَرِق، والحَرِق، وصاحب الهدم، وذات الجَنْب، وغيرهم، وسمِّي شهيدا؛ لأنه حيّ لم يمت، كأنه شاهد حاضر؛ لأن أرواحَ الشهداء شهدت وحضرت دار السلام، وغيرهم لا يشهدونها إلا بعد التعب يوم القيامة.
وقيل: سمِّي شهيدا؛ لأن الله وملائكته شهود له بالجنة. وقيل: لأن ملائكة الرحمة تشهده، وقيل: لشهادته بالحق في أمر الله حتى قتل، وقيل: لأنه يشهد ما أعده الله له من الكرامة بالقتل، وقيل: لأنه ممن يستشهد يوم القيامة مع النبي ﷺ على الناس، وذلك تخصيص لا يكون لكل أحد، وقيل غير ذلك [انظر: تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي ص ٣٦١، والنهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الشين مع الهاء، مادة «شهد» ٢/ ٥١٣، وشرح النووي على صحيح مسلم ١٣/ ٢٨].
والظاهر والله أعلم أنه سمِّي لذلك كله. [فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري للقحطاني، (1/ 193 – 194)].
لابن تيمة كلام يذكر أن الحياة التي ذكرها رب العزة للشهداء لا تختص بهم وكذلك ابن القيم :
وقد ناقش ابن القيم هذه المسألة وما قيل فيها من أقوال أخر في كتابه الروح، ورجح أن هذا الفضل يتناول الشهيد وغيره، ولا سيما الصديقين الذين هم أفضل من الشهداء، فقال رحمه الله: لا تنافي بين قوله: نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة، وبين قوله: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ـ وهذا الخطاب يتناول الميت على فراشه والشهيد، كما أن قوله: نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ـ يتناول الشهيد وغيره، ومع كونه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي، ترد روحه أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وأما المقعد الخاص به والبيت الذي أعد له، فإنه إنما يدخله يوم القيامة، ويدل عليه أن منازل الشهداء ودورهم وقصورهم التي أعد الله لهم ليست هي تلك القناديل التي تأوي إليها أرواحهم في البرزخ قطعا، فهم يرون منازلهم ومقاعدهم من الجنة ويكون مستقرهم في تلك القناديل المعلقة بالعرش، فإن الدخول التام الكامل إنما يكون يوم القيامة، ودخول الأرواح الجنة في البرزخ أمر دون ذلك…. وأما قول من قال إن حديث كعب في الشهداء دون غيرهم فتخصيص ليس في اللفظ ما يدل عليه وهو حمل اللفظ العام على أقل مسمياته، فإن الشهداء بالنسبة إلى عموم المؤمنين قليل جدا، والنبي علق هذا الجزاء بوصف الإيمان، فهو المقتضي له، ولم يعلقه بوصف الشهادة، ألا ترى أن الحكم الذي اختص بالشهداء علق بوصف الشهادة؛ كقوله في حديث المقدام بن معد يكرب: للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفقة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه ـ فلما كان هذا يختص بالشهيد قال: إن للشهيد ـ ولم يقل إن للمؤمن، وكذلك قوله في حديث قيس الجذامي: يعطى الشهيد ست خصال ـ وكذلك سائر الأحاديث والنصوص التي علق فيها الجزاء بالشهادة، وأما ما علق فيه الجزاء بالإيمان فإنه يتناول كل مؤمن، شهيدا كان أو غير شهيد، وأما النصوص والآثار التي ذكرت في رزق الشهداء وكون أرواحهم في الجنة فكلها حق، وهي لا تدل على انتفاء دخول أرواح المؤمنين الجنة ولا سيما الصديقين الذين هم أفضل من الشهداء بلا نزاع بين الناس، فيقال لهؤلاء: ما تقولون في أرواح الصديقين هل هي في الجنة أم لا؟ فإن قالوا: إنها في الجنة، ولا يسوغ لهم غير هذا القول، فثبت أن هذه النصوص لا تدل على اختصاص أرواح الشهداء بذلك، وإن قالوا: ليست في الجنة، لزمهم من ذلك أن تكون أرواح سادات الصحابة كأبي بكر الصديق وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء وحذيفة بن اليمان وأشباههم ـ رضي الله عنهم ـ ليست في الجنة، وأرواح شهداء زماننا في الجنة، وهذا معلوم البطلان ضرورة. انتهى.
وما رجحه ابن القيم ـ رحمه الله ـ هو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: وأرواح المؤمنين في الجنة كما في الحديث الذي رواه النسائي ومالك والشافعي وغيرهم: أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه ـ وفي لفظ: ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش ـ ومع ذلك فتتصل بالبدن متى شاء الله وذلك في اللحظة بمنزلة نزول الملك وظهور الشعاع في الأرض وانتباه النائم، هذا وجاء في عدة آثار أن الأرواح تكون في أفنية القبور، قال مجاهد: الأرواح تكون على أفنية القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارقه، فهذا يكون أحيانا، وقال مالك بن أنس: بلغني أن الأرواح مرسلة تذهب حيث شاءت. انتهى.
قال القاضي عياضٌ رحمه الله: أصل الشهادة التبيين، ومنه قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ الآية [آل عمران: ١٨]؛ أي: بيّن، وسُمّي الشاهد؛ لأن بشهادته تبيينَ الحكم. انتهى [إكمال المعلم، ١/ ٥٥٦].
وقال ابن الأثير رحمه الله: “الشهيد” في الأصل: من قُتل مجاهدًا في سبيل الله، ويُجمع على شُهداء، وسُمي شهيدًا؛ لأن الله تعالى وملائكته شهودٌ له بالجنّة، وقيل: لأن ملائكة الرحمة تشهد غسله، أو تشهد نقل روحه إلى الجنّة، أو لأن الله تعالى شهد له بالجنّة، وقيل: لقيامه بشهادة الحقّ في أمر الله تعالى حتى قُتل، وقيل: لأنه يشهد ما أعدّ الله له من الكرامة بالقتل، وقيل غير ذلك، فهو فعيلٌ بمعنى فاعل، أو مفعول على حسب اختلاف التأويل. انتهى [النهاية، ٣/ ٥١٣، والمصباح المنير، ١/ ٣٢٤].
وقال النضر بن شُميل: سُمِّي الشهيد شهيدًا؛ لأنه حيّ؛ لأن أرواحهم شَهِدَت دار السلام، وأرواح غيرهم لا تشهدها إلَّا يوم القيامة، وهو مأخوذ من قوله عز وجل: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)﴾ [آل عمران: ١٦٩].
[راجع: «إكمال المعلم» ١/ ٥٥٦ – ٥٥٨، و«شرح النوويّ» ٢/ ١٦٣ – ١٦٤].
قول من يقول أنهم يختصون بالاستشهاد فيه نظر لا يخفى؛ لأن هذا لا يخصّ الشهيد، بل يَعُمّ جميع المسلمين، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ الآية [البقرة: ١٤٣]. قاله الإيتوبي رحمه الله تعالى. [البحر المحيط الثجاج، (4/ 62 – 63)].
وَالشَّهِيدُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ:
مَنْ مَاتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَال الْكُفَّارِ وَبِسَبَبِهِ [مغني المحتاج ١ / ٣٥٠، وانظر ابن عابدين ١ / ٦٠٧،٦٠٨].
وَيُلْحَقُ بِهِ فِي أُمُورِ الآْخِرَةِ أَنْوَاعٌ.
(المسألة الثانية): مَنْزِلَةُ الشَّهِيدِ:
الشَّهِيدُ لَهُ مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ عِنْدَ اللَّهِ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى –
يَشْهَدُ بِهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِي عَدَدٍ مِنَ الآْيَاتِ مِنْهَا:
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّهِ أَمْوَاتًا بَل أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿فَلْيُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآْخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّهِ فَيُقْتَل أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ .
وَيَشْهَدُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا:
مَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: مَا أَحَدٌ يَدْخُل الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ الشَّهِيدَ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَل عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ [حديث: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا. . .» أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ٣٢ – ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٤٩٨ – ط. الحلبي)].
وَمَا رَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: يَشْفَعُ الشَّهِيدُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْل بَيْتِهِ [حديث: «يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته» أخرجه أبو داود (٢ / ٣٤ – تحقيق عزت عبيد دعاس) وابن حبان (الإحسان ٧ / ٨٤ ط. دار الكتب العلمية) واللفظ لأبي داود، وصححه ابن حبان] .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ، يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّل دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ، وَيَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ [حديث: «للشهيد عند الله ست خصال». أخرجه الترمذي (٤ / ١٨٧ – ١٨٨ – ط. الحلبي) وقال: «حديث حسن صحيح»] . [وسيأتي بإذن الله سرد الأحاديث في منزلة وفضل الشهادة في سبيل الله تعالى في محله].
(المسألة الثالثة): أَقْسَامُ الشَّهِيدِ:
٣ – الشَّهِيدُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
الأَوَّل: شَهِيدُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ، وَالثَّانِي: شَهِيدُ الدُّنْيَا، وَالثَّالِثُ: شَهِيدُ الآْخِرَةِ [مغني المحتاج ١ / ٣٥٠، نشر المكتبة الإسلامية. حاشية رد المحتار ٢ / ٢٥٢ الطبعة الثانية. حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١ / ٤٢٥ طبع دار إحياء الكتب العربية. المغني لابن قدامة ٢ / ٣٩٣ – ٣٩٩، نشر مكتبة القاهرة].
فَشَهِيدُ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ:
هُوَ الَّذِي يُقْتَل فِي قِتَالٍ مَعَ الْكُفَّارِ، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا هِيَ السُّفْلَى، دُونَ غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا. [مغني المحتاج ١ / ٣٥٠].
فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَال: إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَال مُسْتَفْهِمًا: الرَّجُل يُقَاتِل لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُل يُقَاتِل لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُل يُقَاتِل لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيل اللَّهِ؟ قَال عليه الصلاة والسلام: مَنْ قَاتَل لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيل اللَّهِ [حديث: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. . .» أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ٢٨ – ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٥١٢ – ١٥١٣ ط. الحلبي)].
أَمَّا شَهِيدُ الدُّنْيَا:
فَهُوَ مَنْ قُتِل فِي قِتَالٍ مَعَ الْكُفَّارِ وَقَدْ غَل فِي الْغَنِيمَةِ، أَوْ قَاتَل رِيَاءً، أَوْ لِغَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِ الدُّنْيَا.
وَأَمَّا شَهِيدُ الآْخِرَةِ:
فَهُوَ الْمَقْتُول ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَكَالْمَيِّتِ بِدَاءِ الْبَطْنِ، أَوْ بِالطَّاعُونِ، أَوْ بِالْغَرَقِ، وَكَالْمَيِّتِ فِي الْغُرْبَةِ، وَكَطَالِبِ الْعِلْمِ إِذَا مَاتَ فِي طَلَبِهِ، وَالنُّفَسَاءِ الَّتِي تَمُوتُ فِي طَلْقِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَاسْتُثْنِيَ مِنَ الْغَرِيبِ الْعَاصِي بِغُرْبَتِهِ، وَمِنَ الْغَرِيقِ الْعَاصِي بِرُكُوبِهِ الْبَحْرَ كَأَنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمَ السَّلاَمَةِ، أَوْ رُكُوبُهُ لإِتْيَانِ مَعْصِيَةٍ مِنْ الْمَعَاصِي، وَمِنَ الطَّلْقِ الْحَامِل بِزِنًى [مغني المحتاج ١ / ٣٥٠].
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيل اللَّهِ [حديث: «الشهداء خمسة: المبطون. . .» أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ١٤٤ ط. السلفية) ومسلم (٣ / ١٥٢١ ط. الحلبي)].
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُل مُسْلِمٍ [حديث: «الطاعون شهادة لكل مسلم» أخرجه البخاري (الفتح ١٠ / ١٨٠ – ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٥٢٢ – ط. الحلبي)] . وَفِي حَدِيثٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَنْ قُتِل دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ [حديث: «من قتل دون ماله فهو شهيد» أخرجه البخاري (الفتح ٥ / ١٢٣ – ط السلفية) ومسلم (١ / ١٢٥ – ط. الحلبي)].
(المسألة الرابعة) غُسْل الشَّهِيدِ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّ شَهِيدَ الْمُعْتَرَكِ لاَ يُغَسَّل، خِلاَفًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، إِذْ قَالاَ بِغُسْلِهِ [المغني لابن قدامة ٢ / ٣٩٣، بداية المجتهد ١ / ٢٣٢].
أَمَّا الصَّلاَةُ عَلَيْهِ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وُجُوبَهَا [تبيين الحقائق ١ / ٢٤٧].
وَهُوَ مَا قَال بِهِ الْخَلاَّل وَالثَّوْرِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الْقَوْل بِاسْتِحْبَابِهَا [المغني ٢ / ٣٩٣].
وَيَسْتَدِل الْحَنَفِيَّةُ لِلُزُومِ الصَّلاَةِ بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَكَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ تِسْعَةٍ، وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ، فَيُصَلِّي عَلَيْهِمْ. وَقَالُوا: إِنَّهُ ﷺ صَلَّى عَلَى غَيْرِهِمْ [حديث ابن عباس وابن الزبير أنه عليه الصلاة والسلام صلى على شهداء أحد. أخرجهما الطحاوي في شرح المعاني (١ / ٥٠٣ – ط مطبعة الأنوار المحمدية) وإسناد حديث ابن الزبير حسن، وحديث ابن عباس قال ابن حجر عن أحد رواته: «فيه ضعف يسير» كذا في التلخيص (٢ / ١١٧ – ط شركة الطباعة الفنية)].
وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمَّ قَال: أُهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ، غَنِمَ النَّبِيُّ ﷺ سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قُسِمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ. فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَال: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَال: مَا هَذَا؟ قَال: قَسَمْتُهُ لَكَ، قَال: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ، بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُل الْجَنَّةَ. فَقَال: إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ. فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَال الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ يُحْمَل قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ. فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: أَهُوَ هُوَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَال: صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ. ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاَتِهِ: اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِل شَهِيدًا، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ [حديث شداد بن الهاد: أن رجلا من الأعراب. أخرجه النسائي (٤ / ٦٠ – ٦١ ط المكتبة التجارية) وإسناده صحيح].
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَال: إِنَّهُ عليه السلام خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْل أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ [حديث عقبة بن عامر: أنه خرج يومًا فصلى على أهل أحد. أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٢٠٩ – ط السلفية) ومسلم (٤ / ١٧٩٥ – ط. الحلبي)]. وَقَالُوا: إِنَّ الصَّلاَةَ عَلَى الْمَيِّتِ شُرِعَتْ إِكْرَامًا لَهُ، وَالطَّاهِرُ مِنَ الذَّنْبِ لاَ يَسْتَغْنِي عَنْهَا، كَالنَّبِيِّ وَالصَّبِيِّ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيَرَوْنَ عَدَمَ غُسْلِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى تَحْرِيمِهِمَا [شرح الخرشي ٢ / ١٤٠، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١ / ٤٢٥، شرح منح الجليل على مختصر خليل للشيخ محمد عليش ١ / ٣١٢].
قَال الشَّافِعِيَّةُ [مغني المحتاج ١ / ٣٤٩]: يَحْرُمُ غُسْل الشَّهِيدِ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ حَيٌّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلِمَا وَرَدَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَل عَلَيْهِمْ [حديث جابر: أن النبي ﷺ أمر في قتلى أحد بدفنهم. . . أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٢٠٩ – ط السلفية)].
وَجَاءَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُصَل عَلَيْهِمْ وَقَال فِي قَتْلَى أُحُدٍ: زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ [حديث: «زملوهم بدمائهم. . .». أخرجه النسائي (٤ / ٧٨ – ط. المكتبة التجارية) من حديث عبد الله بن ثعلبة، وإسناده صحيح].
وَلَعَل تَرْكَ الْغُسْل وَالصَّلاَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ جَمَاعَةُ الْمُشْرِكِينَ إِرَادَةُ أَنْ يَلْقَوْا اللَّهَ جَل وَعَزَّ بِكُلُومِهِمْ لِمَا جَاءَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رِيحَ الْكَلِمِ رِيحُ الْمِسْكِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ [ما ورد أن ريح الكلْم ريح المسك. أخرجه البخاري (الفتح ٦ / ٢٠ – ط السلفية) ومسلم (٣ / ١٤٩٨ – ١٤٩٩، ط. الحلبي) من حديث أبي هريرة] وَاسْتَغْنَوْا بِكَرَامَةِ اللَّهِ جَل وَعَزَّ عَنِ الصَّلاَةِ لَهُمْ مَعَ التَّخْفِيفِ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يَكُونُ فِيمَنْ قَاتَل بِالزَّحْفِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْجِرَاحِ وَخَوْفِ عَوْدَةِ الْعَدُوِّ وَرَجَاءِ طَلَبِهِمْ وَهَمِّهِمْ بِأَهْلِيهِمْ وَهَمِّ أَهْلِيهِمْ بِهِمْ.
وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ:
إِبْقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ وَالتَّعْظِيمُ لَهُمْ بِاسْتِغْنَائِهِمْ عَنْ دُعَاءِ الْقَوْمِ [الأم ١ / ٣٣٧، ومغني المحتاج ١ / ٣٤٩،٣٥٠].
وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ قَطْرَةٍ مِنْ دُمُوعٍ فِي خَشْيَةِ اللَّهِ، وَقَطْرَةِ دَمٍ تُهْرَاقُ فِي سَبِيل اللَّهِ، أَمَّا الأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيل اللَّهِ، وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ [حديث: «ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين. . .» أخرجه الترمذي (٤ / ١٩٠ – ط. الحلبي) من حديث أبي أمامة، وقال: «حديث حسن غريب»].
وَجُمْهُورُ الْحَنَابِلَةِ يَرَوْنَ حُرْمَةَ غُسْلِهِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، غَيْرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى كَرَاهَتَهُ،
أَمَّا الصَّلاَةُ فَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَدَيْهِمْ.
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ تَجِبُ الصَّلاَةُ عَلَيْهِ، وَمَال إِلَى هَذَا بَعْضُ عُلَمَائِهِمْ مِنْهُمُ الْخَلاَّل، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي التَّنْبِيهِ [الإنصاف في مسائل الخلاف للمرداوي ١ / ٣٩٩،٥٠٠ الطبعة الأولى، والمغني ٢ / ٣٩٣].
تنبيه: فقد عرض الشيخ محمد بن آدم الأثيوبي
قال الاتيوبي – عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تلخّص مما تقدّم من مناقشة هذه الأحاديث أن أحاديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أُحُد يومَ أُحد لا تثبت، ولا تصلح لمعارضة ما في «الصحيح» من حديث جابر – رضي اللَّه عنه – أنه لم يصلّ عليهم، وإن حاول الشوكانيّ إثباتها، وذَكَرَ المرجحات لذلك، فهي كما قال الإمام الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى-: كان ينبغي لمن عارض بهذه الأحاديث أن يستحي على نفسه انتهى. شرح المجتبى (١٩/ ٢١٢)
قلت سيف: بوب النسائي في سننه:
باب الصَّلاَةِ عَلى الشُّهَداءِ:
– أخْبَرَنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قالَ: أنْبَأنا عَبْدُ اللَّهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: أخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خالِدٍ أنَّ ابْنَ أبِي عَمّارٍ أخْبَرَهُ عَنْ شَدّادِ بْنِ الهادِ أنَّ رَجُلًا مِنَ الأعْرابِ جاءَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ واتَّبَعَهُ ثُمَّ قالَ أُهاجِرُ مَعَكَ. …. فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ يُحْمَلُ قَدْ أصابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أشارَ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أهُوَ هُوَ». قالُوا نَعَمْ. قالَ: «صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ».
ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلّى عَلَيْهِ فَكانَ فِيما ظَهَرَ مِن صَلاَتِهِ: «اللَّهُمَّ هَذا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أنا شَهِيدٌ عَلى ذَلِكَ».وهو في الصحيح المسند ٤٧٤
الاثيوبي نقل أن النسائي يعله فقال في الكبرى ٢٠٩١: ما نعلم أحدًا تابع ابن المبارك على هذا، والصواب: ابن أبي عمار، عن ابن شداد بن الهاد. وابن المبارك أحد الأئمة، ولعل الخطأ من غيره والله أعلم. انتهى كلام النسائي
فنقل الاثيوبي أن النسائي يعله بالإرسال ثم دفعه بأن ابن المبارك إمام ثبت.
ودفعه البيهقي بأنه مات في غير المعركة قال الاثيوبي: وهو خلاف ظاهر الخبر.
ثم رجح الاثيوبي الصلاة ، قال الاثيوبي: العمدة في هذا الباب حديثان (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميت) أخرجه البخاري ودعوى أن المقصود الدعاء مدفوعه بلفظ (صلاته على الميت)
وحديث شداد بن الهاد. فهذا الحديثان يكفيان لإثبات مشروعية الصلاة على الشهيد، فالمذهب الراجح هو مذهب من أثبت الصلاة عليه، لكن على سبيل الجواز لا على سبيل الوجوب. انتهى باختصار
وقيل (صلاته على الميت) بمعنى دعائه كدعائه للميت في الصلاة أو تكون خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وخاص بأهل أحد
بل ورد في مسلم من حديث أبي هريرة أنه أتى المقابر فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين ….. بمعناه فإن كانت القصة واحده فسر معنى (صلاته على الميت)
لكن البخاري والنسائي جعلوه في باب الصلاة على الشهيد فكأنهم يرون الجواز
وبوب أبوداود قال: الميت يصلى على قبره بعد حين فإن لم نحمله على الخصوصية خاصة بعد هذه المدة وإلا جاز الصلاة على الشهيد.
أما حديث شداد فأعله النسائي.
ولم أقف على الرواية المرسلة لكن يكفي أن النسائي أشار إليها. انتهى من البحوث العلمية مجموعة السلام سيف بن دورة الكعبي
(المسألة الخامسة) ضَابِطُ الشَّهِيدِ الَّذِي لاَ يُغَسَّل وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ:
ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ: مَنْ قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي الْقِتَال، أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا فِي مَكَانِ الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرُ جِرَاحَةٍ أَوْ دَمٍ، لاَ يُغَسَّل لِقَوْلِهِ ﷺ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلاَ تُغَسِّلُوهُمْ.
وَلَمْ يُنْقَل خِلاَفٌ فِي هَذَا إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ [فتح القدير ٢ / ١٠٢، الفتاوى الهندية ١ / ١٦٧، مواهب الجليل ٢ / ٢٤٦، وروضة الطالبين ٢ / ١١٨، المجموع ٥ / ٢٦٠، المغني ٢ / ٥٢٨، الإنصاف ٢ / ٤٩٨].
وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى: أَنَّ كُل مُسْلِمٍ مَاتَ بِسَبَبِ قِتَال الْكُفَّارِ حَال قِيَامِ الْقِتَال لاَ يُغَسَّل، سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ، أَوْ أَصَابَهُ سِلاَحُ مُسْلِمٍ خَطَأً، أَوْ عَادَ إِلَيْهِ سِلاَحُهُ، أَوْ سَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ، أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ، أَوْ وُجِدَ قَتِيلًا بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ مَوْتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ أَمْ لاَ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ [المجموع ٥ / ٢٦٠، روضة الطالبين ٢ / ١١٨، مواهب الجليل ٢ / ٢٤٦ – ٢٤٧].
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُغَسَّل كُل مُسْلِمٍ قُتِل بِالْحَدِيدِ ظُلْمًا وَهُوَ طَاهِرٌ بَالِغٌ، وَلَمْ يَجِبْ عِوَضٌ مَالِيٌّ فِي قَتْلِهِ، فَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ صَبِيًّا، أَوْ وَجَبَ فِي قَتْلِهِ قِصَاصٌ، فَإِنَّهُ يُغَسَّل، وَإِنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي مَكَانِ الْمَعْرَكَةِ، فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ أَثَرٌ لِجِرَاحَةٍ، أَوْ دَمٍ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ كَالْعَيْنِ فَلاَ يُغَسَّل.
وَلَوْ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ مَوْضِعٍ يَخْرُجُ الدَّمُ عَادَةً مِنْهُ بِغَيْرِ آفَةٍ فِي الْغَالِبِ كَالأَنْفِ، وَالدُّبُرِ وَالذَّكَرِ فَيُغَسَّل. وَالأَصْل عِنْدَهُمْ فِي غُسْل الشَّهِيدِ: أَنَّ كُل مَنْ صَارَ مَقْتُولًا فِي قِتَال أَهْل الْحَرْبِ أَوِ الْبُغَاةِ، أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، بِمَعْنًى مُضَافٍ إِلَى الْعَدُوِّ كَانَ شَهِيدًا، سَوَاءٌ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ، وَكُل مَنْ صَارَ مَقْتُولًا بِمَعْنًى غَيْرِ مُضَافٍ إِلَى الْعَدُوِّ لاَ يَكُونُ شَهِيدًا. فَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيرٍ مِنَ الْعَدُوِّ أَوِ انْفَلَتَتْ دَابَّةُ مُشْرِكٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَوَطِئَتْ مُسْلِمًا، أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إِلَى الْعَدُوِّ فَأَصَابَ مُسْلِمًا، أَوْ هَرَبَ الْمُسْلِمُونَ فَأَلْجَأَهُمُ الْعَدُوُّ إِلَى خَنْدَقٍ، أَوْ نَارٍ، أَوْ جَعَل الْمُسْلِمُونَ الْحَسَكَ [الحسك: ما يعمل من الحديد على مثال الشوك ويلقى حول العسكر ويبث في ممرات الخيل فينشب في حوافرها] حَوْلَهُمْ، فَمَشَوْا عَلَيْهَا، فِي فِرَارِهِمْ، أَوْ هُجُومِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ فَمَاتُوا يُغَسَّلُونَ، وَكَذَا إِنْ صَعِدَ مُسْلِمٌ حِصْنًا لِلْعَدُوِّ لِيَفْتَحَ الْبَابَ لِلْمسلِمِينَ، فَزَلَّتْ رِجْلُهُ فَمَاتَ، يُغَسَّل [الفتاوى الهندية ١ / ١٦٧].
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُغَسَّل الشَّهِيدُ سَوَاءٌ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ غَيْرَهُ إِلاَّ إِنْ كَانَ جُنُبًا أَوِ امْرَأَةً حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا، أَوْ نِفَاسِهَا، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ دَابَّتِهِ أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلاَ أَثَرَ بِهِ، أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ فِي الْقِتَال أَوْ رَفَسَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ مِنْهَا، أَوْ عَادَ إِلَيْهِ سَهْمُهُ فِيهَا، فَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ: يُغَسَّل، إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ فِعْل الْعَدُوِّ، وَمَنْ قُتِل مَظْلُومًا، بِأَيِّ سِلاَحٍ قُتِل، كَقَتِيل اللُّصُوصِ وَنَحْوِهِ يُلْحَقُ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ، فَلاَ يُغَسَّل فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ [الإنصاف ٢ / ٥٠١،٥٠٢ وما بعده].
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ: يُغَسَّل مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ أَوِ الْبُغَاةُ.
أَمَّا مَنْ مَاتَ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنَ الَّذِينَ وَرَدَ فِيهِمْ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ: كَالْغَرِيقِ، وَالْمَبْطُونِ، وَالْمَرْأَةِ الَّتِي مَاتَتْ فِي الْوِلاَدَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ شُهَدَاءُ فِي الآْخِرَةِ، وَلَكِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ [المجموع ٥ / ٢٦٠، وروضة الطالبين ٢ / ١١٨، ومواهب الجليل ٢ / ٢٤٦].
(المسألة السادسة): إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنِ الشَّهِيدِ:
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الشَّهِيدِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ دَمِ الشَّهَادَةِ تُغْسَل عَنْهُ، وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِزَالَةِ دَمِ الشَّهَادَةِ؛ لأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَثَرِ الْعِبَادَةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلاَ تُغْسَل النَّجَاسَةُ إِذَا كَانَتْ تُؤَدِّي إِلَى إِزَالَةِ دَمِ الشَّهَادَةِ [أسنى المطالب ١ / ٣١٥، روضة الطالبين ٢ / ١٢٠، الإنصاف ٢ / ٤٩٩، مواهب الجليل ٢ / ٢٤٩].
و النَّجَاسَةَ تُغْسَل عَنِ الشَّهِيدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
(المسألة السابعة): مَوْتُ الشَّهِيدِ بِجِرَاحِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ:
الْمُرْتَثُّ: وَهُوَ مَنْ جُرِحَ فِي الْقِتَال، وَقَدْ بَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ ثُمَّ مَاتَ يُغَسَّل وَإِنْ قُطِعَ أَنَّ جِرَاحَتَهُ سَتُؤَدِّي إِلَى مَوْتِهِ [أسنى المطالب ١ / ٣١٥، الإنصاف ٢ / ٥٠٢، رد المحتار ١ / ٦١٠، مواهب الجليل ٢ / ٢٤٨].
(المسألة الثامنة): تَكْفِينُ الشَّهِيدِ:
شَهِيدُ الْقِتَال مَعَ الْكُفَّارِ لاَ يُكَفَّنُ كَسَائِرِ الْمَوْتَى بَل يُدْفَنُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الْمَعْرَكَةِ بَعْدَ نَزْعِ آلَةِ الْحَرْبِ عَنْهُ. لِحَدِيثِ: زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي ثِيَابِهِمْ.
(المسألة التاسعة): دَفْنُ الشَّهِيدِ:
مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُدْفَنَ الشُّهَدَاءُ فِي مَصَارِعِهِمْ، وَلاَ يُنْقَلُونَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ، فَإِنَّ قَوْمًا مِنَ الصَّحَابَةِ نَقَلُوا قَتْلاَهُمْ فِي وَاقِعَةِ أُحُدٍ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالأَمْرِ بِرَدِّ الْقَتْلَى إِلَى مَصَارِعِهِمْ [البدائع ١ / ٣٤٤، ابن عابدين ١ / ٦١٠، وجواهر الإكليل ١ / ١١١، والقليوبي ١ / ١٣٩، وروضة الطالبين ٢ / ١٢٠، ١٣١، والمغني ٢ / ٥٠٩، ٥٣١، ٥٣٢].
فَقَدْ قَال جَابِرٌ: فَبَيْنَمَا أَنَا فِي النَّظَّارِينَ إِذْ جَاءَتْ عَمَّتِي بِأَبِي وَخَالِي عَادَلَتْهُمَا عَلَى نَاضِحٍ، فَدَخَلَتْ بِهِمَا الْمَدِينَةَ لِتَدْفِنَهُمَا فِي مَقَابِرِنَا، إِذْ لَحِقَ رَجُلٌ يُنَادِي، أَلاَ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا بِالْقَتْلَى فَتَدْفِنُوهَا فِي مَصَارِعِهَا حَيْثُ قُتِلَتْ: فَرَجَعْنَا بِهِمَا فَدَفَنَّاهُمَا حَيْثُ قُتِلاَ. . [حديث جابر: بينا أنا في النظارين أخرجه أحمد ٣ / ٣٩٨ – ط الميمنية) وإسناده حسن].
(المسألة العاشرة): دَفْنُ أَكْثَرَ مِنْ شَهِيدٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ:
يَجُوزُ دَفْنُ الرَّجُلَيْنِ أَوِ الثَّلاَثَةِ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُول: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَال: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَل عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ [حديث: «أيهم أكثرهم أخذًا في القرآن. . .» أخرجه البخاري (الفتح ٣ / ٢١٢ – ٢١٧ – ط. السلفية)].
وَدَفَنَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرَو بْنَ جَمُوحٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، لِمَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَحَبَّةِ، إِذْ قَال عليه الصلاة والسلام: ادْفِنُوا هَذَيْنِ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي الدُّنْيَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ [زاد المعاد في هدي خير العباد ٢ / ١٠٩، طبع سنة ١٣٩٠ هـ – ١٩٧٠م والبدائع ١ / ٣١٩، وابن عابدين ١ / ٥٩٨، والدسوقي ١ / ٤٢٢، وجواهر الإكليل ١ / ١١٤، والروضة ٢ / ١٣٨، وكشاف القناع ٢ / ١٤٣، والمغني ٢ / ٥٦٣، وحديث: «ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا» أخرجه ابن سعد في الطبقات (٣ / ٥٦٢ – ط. بيروت) وإسناده حسن]. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (26/ 272 – 278)، بتصرف يسير].
(المسألة الحادي عشر): فضل الشهادة في سبيل الله تعالى
سبق ذكر منزلة الشهيد
أولا: ما جاء في معنى حديث الباب:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النَّبِيّ ﷺ يقول: «والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثمّ أحيا ثمّ أقتل ثمّ أحيا، ثمّ أقتل ثمّ أحيا، ثمّ أقتل».
متفق عليه: رواه البخاريّ في الجهاد والسير (٢٧٩٧) من طريق الزّهريّ، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة فذكره. ورواه مسلم في الإمارة (١٨٧٦) من وجوه أخرى عن أبي هريرة.
- عن أنس بن مالك، عن النَّبِيّ ﷺ قال: «ما أحد يدخل الجنّة يحب أن يرجع إلى الدُّنيا وله ما على الأرض من شيء إِلَّا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدُّنيا فيقتل عشر مرات؛ لما يرى من الكرامة».
متفق عليه: رواه البخاريّ في الجهاد والسير (٢٨١٧)، ومسلم في الإمارة (١٨٧٧: ١٠٩) كلاهما عن محمد بن بشار – وزاد مسلم: محمد بن المثنى – ثنا محمد بن جعفر غُندر، ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة قال: سمعت أنس بن مالك. فذكره.
- عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: «يؤتى بالرجل من أهل الجنّة فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي ربّ خير منزل فيقول: سَلْ وتمنَّ، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدُّنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة».
صحيح: رواه النسائيّ (٣١٦٠)، وأحمد (١٢٣٤٢)،
وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم».
- عن ابن أبي عميرة: أن رسول الله ﷺ قال: «ما من الناس من نفس مسلمة يقبضها ربها تحب أن ترجع إليكم وأن لها الدُّنيا وما فيها غير الشهيد».
قال ابن أبي عميرة قال رسول الله ﷺ: «ولأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر».
حسن: رواه النسائيّ (٣١٥٣)، وأحمد (١٧٨٩٤) من طريقين عن بقية، حَدَّثَنِي بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن ابن أبي عميرة .. فذكره.
وإسناده حسن من أجل بقية بن الوليد فإنه حسن الحديث إذا صرَّح بالتحديث. وابن أبي عميرة اسمه عبد الرحمن وقد اختلف في صحبته والأرجح أن له صحبة.
- عن عبادة بن الصَّامت أن رسول الله ﷺ قال: «ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير، تحب أن ترجع إليكم، ولها الدُّنيا إِلَّا القتيل فإنه يحب أن يرجع، فيقتل مرة أخرى».
حسن: رواه النسائيّ (٣١٥٩)
ثانيًا: فيما ما جاء في فضائل أخرى:
- عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: «والذي نفسي بيده، لا يُكْلم أحدٌ في سبيل الله – والله أعلم بمن يُكلم في سبيله – إِلَّا جاء يوم القيامة، وجُرحه يثعبُ دما، اللونُ لونُ الدم، والريحُ ريحُ المسك».
متفق عليه:
- عن سمرة، قال النَّبِيّ ﷺ: «رأيت اللية رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسنُ وأفضلُ، لم أرَ قطُّ أحسن منها قالا: أما هذه الدار فدار الشهداءُ».
رواه البخاريّ في الجهاد والسير (٢٧٩١)
- عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنّة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثمّ يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد».
متفق عليه
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «ما يجد الشهيد من مسّ القتل إِلَّا كما يجد أحدكم من مسّ القرصة».
حسن: رواه الترمذيّ (١٦٦٨)، والنسائي (٣١٦١)، وابن ماجة (٢٨٠٢)، وأحمد (٧٩٥٣)
وإسناده حسن من أجل محمد بن عجلان
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وقوله: «القرصة» بفتح القاف وسكون الراء من القرص، قال في القاموس: القرص أخذك لحم إنسان بأصبعيك حتَّى تولمه، ولسع البراغيث.
- عن معاذ بن جبل أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «من قاتل في سبيل الله عز وجل من رجل مسلم فواق ناقة وجبتْ له الجنّة. ومن سأل الله القتل من عند نفسه صادقا ثمّ مات أو قتل فله أجر شهيد. ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها كالزعفران وريحها كالمسك. ومن جرح جرحا في سبيل الله، فعليه طابع الشهداء».
حسن: رواه النسائيّ (٣١٤١)، والترمذي (١٦٥٤، ١٦٥٧) مفرقا، وأحمد (٢٢١١٦)،
وإسناده حسن من أجل سليمان بن موسى – وهو الأشدق –
وقال الترمذيّ: «هذا حديث حسن صحيح».
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه».
- عن رجل من أصحاب النَّبِيّ ﷺ أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إِلَّا الشهيد؟ قال: «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة».
صحيح: رواه النسائيّ (٢٠٥٣)
- عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «الشهداء على بارق نهر بباب الجنّة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنّة بكرة وعشيا».
حسن: رواه أحمد (٢٣٩٠)،
وقال ابن كثير في تفسيره (٢/ ١٦٤): «هو إسناد جيد».
وأمّا الحاكم فقال: «حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم».
- عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول الله ﷺ: “أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يلتقون في الصف فلا يلفتون وجوههم حتَّى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنّة، ينظر إليهم ربَّك، إن ربَّك إذا ضحك إلى قوم فلا حساب عليهم».
حسن: رواه الطبرانيّ في الأوسط (٢٦٨٤ – مجمع البحرين) عن عليّ بن سعيد حَدَّثَنَا سعيد بن يحيى بن سعيد الأمويّ، حَدَّثَنَا عمي عنبسة بن سعيد، حَدَّثَنَا عبد الله بن المبارك، عن الأوزاعيّ، عن عروة بن رويم، عن قزعة بن يحيى، عن أبي سعيد الخدريّ. فذكره. وإسناده حسن من أجل عليّ بن سعيد وهو الرازي وعروة بن رويم فإنهما حسنا الحديث.
وقال المنذري في الترغيب (٢١٥٢): «رواه الطبرانيّ بإسناد حسن».
- عن نعيم بن همّار أنّ رجلًا سأل النبيَّ ﷺ: أيُّ الشّهداء أفضل؟ قال: «الذين إن يُلْقَوا في الصّف لا يلفتون وجوهَهُم حتَّى يُقْتَلوا، أو يَتَلَبَّطُون في الغرف العُلى من الجنّة، ويضحك إليهم ربُّك، وإذا ضحك ربُّك إلى عبد في الدُّنيا فلا حساب عليه».
حسن: رواه الإمام أحمد (٢٢٤٧٦)، وأبو يعلى (٦٨٥٥)، وابن أبي عاصم في الجهاد (٢٢٨)، والبيهقي في الأسماء والصفات (٩٨٦)، والآجريّ في الشّريعة (٦٥٠) كلّهم من طرق عن إسماعيل بن عَيَّاش، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن نعيم بن همّار .. فذكره.
وفي الباب عن عمر بن الخطّاب يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «الشهداء أربعة: رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتَّى قتل فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة هكذا» ورفع رأسه حتَّى وقعت قلنسوته، قال: فما أدري أقلنسوة عمر أراد أم قلنسوة النَّبِيّ ﷺ؟ قال: «ورجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فكأنما ضرب جلده بشوك طلح من الجبن أتاه سهم غرب فقتله فهو في الدرجة الثانية. ورجل مؤمن خلط عملًا صالحًا وآخر سيئا لقي العدو فصدق الله حتَّى قتل فذلك في الدرجة الثالثة. ورجل مؤمن أسرف على نفسه لقي العدو فصدق الله حتَّى قتل فذلك في الدرجة الرابعة».
رواه الترمذيّ (١٦٤٤)، وأحمد (١٤٦، ١٥٠) من طرق عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن أبي يزيد الخولانيّ، أنه سمع فضالة بن عبيد يقول: سمعت عمر بن الخطّاب يقول فذكره.
وفي إسناده أبو يزيد الخولاني – وهو المصري الكبير – لم يُذكر في ترجمته فيمن روى عنه غير عطاء بن دينار، وقال الذّهبيّ: لا يعرف. وقال ابن حجر: مجهول.
وفيه أيضًا ابن لهيعة، وفيه كلام معروف لكن روى عنه هذا الحديث عبد الله بن المبارك في الجهاد (١٢٦)، وعبد الله بن وهب كما في علل ابن أبي حاتم (١/ ٣٤٦)، وعبد الله بن يزيد المقرئ أبو عبد الرحمن كما عند أبي يعلى (٢٥٢)، ورواية العبادلة عن ابن لهيعة مقبولة.
وقال الترمذيّ: «حسن غريب، لا نعرفه إِلَّا من حديث عطاء بن دينار» اهـ.
وقال في العلل الكبير (٢/ ٧٠٩): «سألت محمدًا هل روى هذا الحديث غير ابن لهيعة؟ قال: نعم رواه سعيد بن أبي أيوب عن عطاء بن دينار إِلَّا أنه يقول: عن أشياخ من خولان، ولا يقول فيه: عن أبي يزيد. فقلت له: أبو يزيد الخولاني ما اسمه؟ فلم يعرف اسمه». اهـ
قال ابوحاتم في العلل وذكر له باسقاط أبي يزيد :
وَإِنَّمَا هُوَ: عَنْ عَطاء ابن دِينَارٍ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الخَوْلاني؛ أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَة، عَنْ عُمَرَ بن الخطَّاب، عن النبيِّ (ص)؛ وهو الصَّحيحُ
وقال البزار: «وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن رسول الله (ص) بهذا اللفظ إلا عن عمر من هذا الوجه، ولا له إسناد غير هذا الإسناد» .
وقال الطبراني: «لا يُروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به ابن لهيعة» .
ونقل ابن كثير في»التفسير«عن علي بن المديني قوله: «هذا إسناد مصري صالح» . ونحوه في»مسند الفاروق”.
وقوله: «طلح» شجرة من شجر العضاه ترعاه الإبل.
وقوله: «سهم غرب» أي لا يعرف راميه.
وأما ما رُوي عن أبي هريرة عن النَّبِيّ ﷺ قال: ذكر الشهداء عند النَّبِيّ ﷺ فقال: «لا تجف الأرض من دم الشهيد حتَّى تبتدره زوجتاه، كأنما ظئران أضلتا فصيليهما في بَراحٍ من الأرض، وفي يد كل واحدة منهما حلة خير من الدُّنيا وما فيها». فإسناده ضعيف. رواه ابن ماجة (٢٧٩٨)، وأحمد (٧٩٥٥، ٩٥٢٠) من طريق ابن عون (وهو عبد الله)، عن هلال بن أبي زينب، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة .. فذكره.
وفي إسناده شهر بن حوشب، وفيه كلام معروف، وهو حسن الحديث عنديّ، لكن أنكر عليه هذا الحديث، فقد كان ابن عون – وهو راوي هذا الحديث – يضعفه بشهر فقد ذكر ابن عدي في الكامل (٤/ ١٣٥٥) عن عمرو بن عليّ (الفلاس) قال: سمعت معاذ بن معاذ يقول: سألت ابن عون عن حديث هلال بن أبي زينب .. وذكر الحديث المذكور فقال: ما تصنع بشهر؟ إن شعبة قد ترك شهرًا.
ثمّ في حديثه هذا نكارة واضحة فإن هذا المعنى لم يذكر في أثر آخر مع كثرته في فضل الشهيد والشهادة.
وأمّا هلال بن أبي زينب فلم يرو عنه إِلَّا ابن عون ولم يذكر المزي توثيق أحد من الأئمة ولذا قال ابن حجر «مجهول» ولكن وجد في رواية الدوري (٤٠٣٢) أن ابن معين قال: ثقة يرُوي عنه ابن عون فقط.
ثمّ اختلف في رفعه ووقفه على هلال إِلَّا أن الدَّارقطنيّ في العلل (١١/ ٣٠) صوّب الرفع، ورجَّح غيره الوقف.
وقوله: «أضلّتا فصيليْهما» أي غيّبتا رضيعيهما.
وقوله: «البراح» هو المتسع من الأرض الذي لا زرع فيه ولا شجر.
[الجامع الكامل في الحديث الصحيح للأعظمي رحمه الله، ١ – باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى، (7/ 349 – 356)، بتصرف يسير].
(المطلب الثاني): الدراسة الدعوية للحديث
(المسألة الأولى): في هذا الحديث دروس وفوائد دعوية، منها:
١ – الترغيب في طلب الشهادة في سبيل الله عز وجل.
٢ – من أساليب الدعوة: تمني أفضل الأعمال.
٣ – من معجزات الرسول ﷺ: الإِخبار بالأمور الغيبية.
والرابع: فوائد الحديث:
1 – (منها): بيان فضل الشهادة في سبيل الله عز وجل.
2 – (ومنها): بيان ما يتمنّاه الشهيد من الرجوع إلى الدنيا، حتى يُستشهد في سبيل الله مرّة أخرى.
3 – (ومنها): بيان أن من كان من أهل الخير لا يتمنّى الرجوع إلى الدنيا؛ لحقارتها، وعِظَم ما ناله من نعيم الجنة التي موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها، فعن سهل بن سعد الساعديّ رضي الله عنه، مرفوعًا: «موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها»، متّفقٌ عليه.
4 – (ومنها): ما قاله النوويّ رحمه الله: هذا من صرائح الأدلة في عظيم فضل الشهادة، والله المحمود المشكور [«شرح النوويّ» ١٣/ ٢٤].
وقال ابن بطّال رحمه الله: هذا الحديث – أي حديث: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلَّا الشَّهِيدُ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ، فَيُقْتَلَ فِي الدُّنْيَا؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ»)- أجلّ ما جاء في فضل الشهادة، قال: وليس في أعمال البرّ ما تُبْذل فيه النفس غير الجهاد، فلذلك عظُم فيه الثواب. انتهى [راجع: «الفتح» ٦/ ١١٥]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، (32/ 385 – 386)].
قال ابن الملقن (ت ٨٠٤) رحمه الله:
“وهذا الحديث أجل ما جاء في فضل الشهادة والحض عليها والترغيب فيها، وإنما يتمنى الشهيد أن يقتل عشر مرات – والله أعلم -؛ لعلمه بأن ذَلِكَ مما يرضي الله عز وجل، ويقرب منه؛ لأن من بذل نفسه ودمه في إعزاز دين الله ونصرة دينه ونبيه فلم يبق غاية وراء ذَلِكَ، وليس في أعمال البر ما تُبذل فيه النفس غير الجهاد؛ فلذلك عظم الثواب عليه والله أعلم”. انتهى. [التوضيح لشرح الجامع الصحيح، لابن الملقن (ت ٨٠٤) رحمه الله، عند تعليقه على ٥٦ – كتاب الجهاد والسير، ٢١ – باب: تَمَنِّي المُجَاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، (٢٨١٧). (17/ 414)].
5 – (ومنها): أن الآخرة خير من الدنيا، فمن له نصيبٌ منها لا يرضى بتركه إيّاها بتمام الدنيا.
6 – (ومنها): من معجزات الرسول ﷺ: الإِخبار بالأمور الغيبية.
[تنبيه]: راجع التعليق على الصحيح المسند (2 / رقم 1062).
وراجع شرح ابن عثيمين على رياض الصالحين كتاب الجهاد حيث طول في شرح الآيات والأحاديث الدالة على فضل الجهاد والرباط