618 ، 619 – تحضير سنن الترمذي
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابُ مَا جَاءَ إِذَا أَدَّيْتَ الزَّكَاةَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ
618 – حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ ابْنِ حُجَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ»،: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ»، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ ذَكَرَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ فَقَالَ: «لَا، إِلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ»، «وَابْنُ حُجَيْرَةَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُجَيْرَةَ المَصْرِيُّ»
[حكم الألباني] : ضعيف
619 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ الكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ المُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا نَتَمَنَّى أَنْ يَبْتَدِئَ الْأَعْرَابِيُّ العَاقِلُ فَيَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَثَا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَسُولَكَ أَتَانَا فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ»، قَالَ: فَبِالَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ، وَبَسَطَ الأَرْضَ، وَنَصَبَ الجِبَالَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ». قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ». قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِي السَّنَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَ». قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ». قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلَيْنَا فِي أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَ»، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ». قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَكَ زَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ عَلَيْنَا الحَجَّ إِلَى البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ». قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ». فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لَا أَدَعُ مِنْهُنَّ شَيْئًا وَلَا أُجَاوِزُهُنَّ، ثُمَّ وَثَبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ صَدَقَ الأَعْرَابِيُّ دَخَلَ الجَنَّةَ»،: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم»، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: ” قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: فِقْهُ هَذَا الحَدِيثِ، أَنَّ القِرَاءَةَ عَلَى العَالِمِ وَالعَرْضَ عَلَيْهِ جَائِزٌ مِثْلُ السَّمَاعِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الأَعْرَابِيَّ عَرَضَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَقَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
[حكم الألباني] : صحيح
—–
١٧٨٨ – عن أبي هريرة «أن رسول الله ﷺ قال إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك»
قوله: (فقد قضيت ما عليك) من حق المال وهذا مبني على دخول صدقة الفطر في الزكاة وكذا النفقة اللازمة أو على أن المراد بقوله فقد قضيت ما عليك أي قضيت أعظم ما عليك من الحق ويحتمل أن يقال الكلام في حقوق المال وليس بشيء من هذه الأشياء من حقوق المال بمعنى أنه يوجبه المال بل يوجبه أسباب أخر كالفطر والقرابة والزواج وغير ذلك فالحقوق التي يوجبها المال فقط تقضى بالزكاة وقال الترمذي بعد تخريج هذا الحديث هذا حديث حسن غريب وقد روي عن النبي ﷺ من غير وجه «أنه ذكر الزكاة فقال رجل يا رسول الله هل علي غيرها فقال لا إلا أن تطوع».
حاشية السندي على سنن ابن ماجه — السندي، محمد بن عبد الهادي
————————-
قال الإتيوبي:
وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله ما معناه: اختلف في المراد بالكنز في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}، وما في معناه، فالجمهور على أنه ما لم تؤدَّ زكاته، وعليه جماعة فقهاء الأمصار، ثم ذكر ذلك عن عمر، وابنه عبد الله، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، وابن عباس، ثم استشهد لذلك بما رواه عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال: “ما بلغ أن تُؤَدَّى زكاتُهُ، فزُكِّيَ فليس بكنز”، أخرجه أبو داود، قال الحافظ ابن عبد البرّ: وفي إسناده مقال، وقال الحافظ العراقيّ في “شرح الترمذيّ”: إسناده جيّد، رجاله رجال الصحيح.
قال ابن عبد البرّ: ويشهد لصحّته حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أَدَّيتَ زكاة مالك، فقد قضيت ما عليك”، رواه الترمذيّ، وقال حسنٌ غريب، والحاكم في “مستدركه”، وقال: صحيح من حديث المصريين، وذكر العراقيّ أنه على شرط ابن حبّان في “صحيحه”.
وفي معناه أيضًا حديث جابر مرفوعًا: “إذا أدّيت زكاة مالك، فقد أذهبت عنك شرّه”، رواه الحاكم في “مستدركه”، وصححه على شرط مسلم، ورجّح البيهقيّ وقفه على جابر، وكذلك ذكره ابن عبد البرّ، وكذا صحح أبو زرعة وقفه على جابر، وذكره بلفظ: “ما أدي زكاته فليس بكنز”.
وروى البيهقيّ عن ابن عمر، مرفوعًا: “كلّ ما أدّي زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفونًا تحت الأرض، وكلّ ما لا يؤدى زكاته فهو كنز، وإن كان ظاهرًا”، وقال البيهقيّ: ليس بمحفوظ، والمشهور وقفه.
وفي “سنن أبي داود” عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} قال: كَبُرَ ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أفرّج عنكم، فانطلق، فقال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يا نبيّ الله، إنه كَبُرَ على أصحابك هذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لم يَفرض الزكاة إلا لتطييب ما بقي من أموالكم … ” الحديث، وفيه ضعف.
قال ابن عبد البرّ: والاسم الشرعيّ قاضٍ على الاسم اللغويّ، وما أعلم مخالفًا في أن الكنز ما لم تؤدّ زكاته، إلا شيئًا عن عليّ، وأبي ذرّ، والضحّاك، ذهب إليه قوم من أهل الزهد، قالوا: إن في المال حقوقًا سوى الزكاة. أما أبو ذرّ رضي الله عنه، فقد ذهب إلى أن كلّ مال مجموع يفضل عن القوت، وسداد العيش، فهو كنز، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك.
وأما عليّ رضي الله عنه، فروي أنه قال: أربعة آلاف نفقة، فما فوقها فهو كنز.
وأما الضّحّاك، فقال: من ملك عشرة آلاف درهم، فهو من الأكثرين الأخسرين إلا من قال بالمال هكذا، وهكذا.
وكان مسروق يقول في قوله تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية [آل عمران: 180]: هو الرجل يرزقه الله المال، فيمنع قرابته الحقّ الذي فيه، فيُجعل حيّة يُطَوَّقها.
قال ابن عبد البرّ: وهذا ظاهر أنه غير الزكاة، ويحتمل أنه الزكاة.
قال: وسائر العلماء، من السلف والخلف على ما تقدّم في الكنز، قال: وما استدلّ به من الأمر بإنفاق الفضل، فمعناه أنه على الندب، أو يكون قبل نزول الزكاة، ونُسِخَ بها، كما نسخ صوم عاشوراء برمضان، وعاد فضيلة بعد أن كان فريضة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تقدم في المسألة السابقة أن الراجح بقاء وجوب الحقّ سوى الزكاة؛ إذا دعت الحاجة إلى ذلك، من مواساة أصحاب الحاجة والضرورة. فتنبّه، والله تعالى أعلم.
قال: على أن أبا ذرّ أكثر ما تواتر عنه في الأخبار الإنكارُ على من أخذ المال من السلاطين لنفسه، ومنع منه أهله، فهذا ما لا خلاف عنه في إنكاره، وأما إيجاب غير الزكاة، فمختلف عنه فيه.
وتأوّل القاضي عياض رحمه الله أيضًا كلام أبي ذرّ على نحو ذلك، فقال:
الصحيح أن إنكاره إنما هو على السلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال، ولا ينفقونه في وجوهه.
قال النوويّ رحمه الله: وهذا الذي قاله باطلٌ؛ لأن السلاطين في زمنه أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، وتوفي في زمن عثمان سنة اثنتين وثلاثين. انتهى.
قال وليّ الدين رحمه الله: لعله أراد بالسلاطين بعض نوّاب الخلفاء، كمعاوية، وقد وقع بينه وبين أبي ذرّ بسبب هذه الآية تشاجُر، أوجب انتقال أبي ذرّ إلى المدينة، كان معاوية يقول: هي في أهل الكتاب خاصّةً، وقال أبو ذرّ: هي فينا، وفيهم، على أن عبارة ابن عبد البرّ ليست صريحة في أن الإنكار على السلاطين، كعبارة القاضي عياض، بل هي محتملة لأن يكون المراد الإنكار على الآحاد الذين ياخذون الأموال من السلاطين، وهم غير محتاجين إليها، فيجمعونها عندهم، وقد يؤدّي ذلك إلى منع من هو أحقّ منهم، والله تعالى أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تمثيله بمعاوية رضي الله عنه لمن يأخذ من بيت المال ظلمًا، فيه سوء أدب مع صحابيّ جليل، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليُتنبّه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
قال: ولما حَكَى ابن العربيّ قول الضحّاك، قال: وإنما جعله أوّل حدّ الكثرة؛ لأنه قيمة النفس المؤمنة، وما دونه في حدّ القلّة، وهو فقه بالغ، وقد رُوي عن غيره، وإني لأستحبّه قولًا، وأصوّبه رأيًا. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح عندي أن ما أدّي زكاته فليس بكنز، لكن هذا لا ينافي ما تقدّم من ثبوت الحقّ في المال لحاجة المحتاجين؛ لثبوت الأدلة على ذلك، فمن أنكر ذلك فقد تناقض، فإنه قد ثبت الإجماع على وجوب أنواع الكفارات، من القتل، والظهار، واليمين، والجماع في رمضان، وكذا النذور، وأداء ديون الناس، وغير ذلك من الحقوق، وكلها سوى الزكاة، فمن أوجب هذه الأشياء في المال، وهي سوى الزكاة، فكيف ينكر وجوب صلة ذوي الأرحام، ومواساة الفقراء، وغيرهم من أصحاب الضرورة؟، إن هذا لهو العجب العجاب. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 19/ 172]
في كتاب الإيمان شرح الراجحي
وجوب قبول فرضية الزكاة والإقرار بها
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلو أنهم ممتنعون من الزكاة عند الإقرار، وأعطوا ذلك بالألسنة، وأقاموا الصلاة غير أنهم ممتنعون من الزكاة كان ذلك مزيلًا لما قبله، وناقضًا للإقرار والصلاة، كما كان إباء الصلاة قبل ذلك ناقضًا لما تقدم من الإقرار].
يبين المؤلف في هذا: أن قبول فرضية الزكاة من الإيمان وأنه لابد منه، وأن من لم يقبلها وامتنع كان ناقضًا لإيمانه الأول وتصديقه وقبوله بالصلاة؛ لأن الجميع من الله عزوجل ، فالذي يقبل فرضية الصلاة ولا يقبل فرضية الزكاة ينتقض إيمانه، فلو أنهم امتنعوا من الزكاة بعد فرضيتها واكتفوا بالإيمان بها بالألسنة فقط وأقاموا الصلاة، لكان امتناعهم عن الزكاة وعدم قبولهم لها مزيلًا لما قبله من الإيمان، وناقضًا للإقرار والصلاة، فعدم قبول فرضية الزكاة وعدم الإيمان بذلك ينقض إيمانهم السابق بالله، وإيمانهم بفرضية الصلاة، فكما أن إيتاء الصلاة لو لم يقبله أحد لكان ناقضًا لما تقدمه من الإيمان، فكذلك عدم قبول الزكاة ينقض ما تقدمه من قبول الصلاة والإيمان.
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد – الراجحي ٣/٦ — عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
فتوى لابن باز :
الجهل بفرضية الزكاة لا يسقطها
س: الأخ و. م. ب. من الرياض، يقول في سؤاله:
عندي مبلغ من المال منذ حوالي خمس سنوات، وهذا المبلغ يزيد وينقص، وفي هذا العام جرى حديث مع أحد الإخوة عن زكاة المال، وذكر أن أي مبلغ يملكه الإنسان وحال عليه الحول ولو كان يدخره لزواج أو شراء مسكن عليه زكاة. سماحة الشيخ: هل علي زكاة عن السنوات الماضية وأنا لا أعلم أن علي زكاة، أم أزكي هذه السنة فقط التي علمت فيها أن علي زكاة؟ أفتوني جزاكم الله خيرا.
ج: عليك الزكاة عن جميع الأعوام السابقة، وجهلك لا يسقطها عنك؛ لأن فرض الزكاة أمر معلوم من الدين بالضرورة، والحكم لا يخفى على المسلمين، والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، والواجب عليك المبادرة بإخراج الزكاة عن جميع الأعوام السابقة، مع التوبة إلى الله سبحانه من التأخير، عفا الله عنا وعنك وعن كل مسلم. والله الموفق.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة – ابن باز ١٤/٢٣٩
وفي شرح الأربعين لابن عثيمين :
الحديث الثاني والعشرون
عَنْ أَبيْ عَبْدِ اللهِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَرَأَيتَ إِذا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضانَ، وَأَحلَلتُ الحَلاَلَ، وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلى ذَلِكَ شَيئًا أَدخُلُ الجَنَّة؟ قَالَ: نَعَمْ» رواه مسلم
وفي هذا الحديث إشكال: أن الرجل قال: لم أزد على ذلك شيئًا. وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم تدخل الجنة، مع أنه نقص من أركان الإسلام الزكاة والحج، والزكاة مفروضة قبل الصيام، يعني فلا يقال: لعل هذا الحديث قبل أن تفرض الزكاة، أما الحج فيمكن أن نقول إن هذا الحديث قبل فرض الحج، لكن لا يمكن أن نقول إنه قبل فرض الزكاة، فما الجواب عن هذا؟
الجواب أن يقال: لعل النبي ﷺ علم من حال الرجل أنه ليس ذا مال، وعلم أنه إذا كان ذا مال فسوف يؤدي الزكاة، لأنه قال: «وَحَرَّمتُ الحَرَام» ومنع الزكاة من الحرام.
أما الحج فما أسهل أن نقول: لعل هذا الحديث قبل فرض الحج، لأن الحج إنما فرض في السنة التاسعة أو العاشرة.
وأما قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (البقرة: الآية١٩٦) فهذا فرض إتمامه لا ابتدائه. وقد يقال: ذلك داخل في قوله: «حَرَّمتَ الحَرَامَ» لأن ترك الحج حرام وترك الزكاة حرام.
شرح الأربعين النووية للعثيمين ١/٢١٨
—–
قال ابن حجر:
قوله: (باب ما أدي زكاته فليس بكنز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق صدقة) قال ابن بطال وغيره: وجه استدلال البخاري بهذا الحديث للترجمة أن الكنز المنفي هو المتوعد عليه الموجب لصاحبه النار، لا مطلق الكنز الذي هو أعم من ذلك، وإذا تقرر ذلك فحديث: لا صدقة فيما دون خمس أواق. مفهومه أن ما زاد على الخمس ففيه الصدقة، ومقتضاه أن كل مال أخرجت منه الصدقة فلا وعيد على صاحبه، فلا يسمى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزا. وقال ابن رشيد: وجه التمسك به أن ما دون الخمس، وهو الذي لا تجب فيه الزكاة قد عفي عن الحق فيه، فليس بكنز قطعا، والله قد أثنى على فاعل الزكاة، ومن أثني عليه في واجب حق المال لم يلحقه ذم من جهة ما أثني عليه فيه وهو المال. انتهى.
ويتلخص أن يقال: ما لم تجب فيه الصدقة لا يسمى كنزا؛ لأنه معفو عنه، فليكن ما أخرجت منه الزكاة كذلك؛ لأنه عفي عنه بإخراج ما وجب منه، فلا يسمى كنزا. ثم إن لفظ الترجمة لفظ حديث روي مرفوعا وموقوفا عن ابن عمر، أخرجه مالك، عن عبد الله بن دينار عنه موقوفا، وكذا أخرجه الشافعي عنه، ووصله البيهقي، والطبراني من طريق الثوري، عن عبد الله بن دينار، وقال: إنه ليس بمحفوظ. وأخرجه البيهقي أيضا من رواية عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر بلفظ: كل ما أديت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز، وكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز، وإن كان ظاهرا على وجه الأرض. أورده مرفوعا، ثم قال: ليس بمحفوظ، والمشهور وقفه. وهذا يؤيد ما تقدم من أن المراد بالكنز معناه الشرعي. وفي الباب عن جابر أخرجه الحاكم بلفظ: إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره. ورجح أبو زرعة، والبيهقي وغيرهما وقفه كما عند البزار. وعن أبي هريرة أخرجه الترمذي بلفظ: إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك. وقال: حسن غريب، وصححه الحاكم، وهو على شرط ابن حبان. وعن أم سلمة عند الحاكم، وصححه ابن القطان أيضا، وأخرجه أبو داود. وقال ابن عبد البر: في سنده مقال. وذكر شيخنا الترمذي أن سنده جيد.
وعن ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا بلفظ الترجمة، وأخرجه أبو داود مرفوعا بلفظ: إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وفيه قصة. قال ابن عبد البر: والجمهور على أن الكنز المذموم ما لم تؤد زكاته. ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا: إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك. فذكر بعض ما تقدم من الطرق، ثم قال: ولم يخالف في ذلك إلا طائفة من أهل الزهد كأبي ذر، وسيأتي شرح ما ذهب إليه من ذلك في هذا الباب.
قوله: (وقال أحمد بن شبيب) كذا للأكثر، وفي رواية أبي ذر حدثنا أحمد وقد وصله أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ عن محمد بن يحيى، وهو الذهلي، عن أحمد بن شبيب بإسناده. ووقع لنا بعلو في جزء الذهلي وسياقه أتم مما في البخاري، وزاد فيه سؤال الأعرابي: أترث العمة؟ قال ابن عمر: لا أدري. فلما أدبر قبل ابن عمر يديه، ثم قال: نعم ما قال أبو عبد الرحمن – يعني نفسه – سئل عما لا يدري، فقال: لا أدري. وزاد في آخره – بعد قوله: طهرة للأموال – ثم التفت إلي فقال: ما أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده أزكيه، وأعمل فيه بطاعة الله تعالى، وهو عند ابن ماجه من طريق عقيل، عن الزهري.
قوله: (من كنزها فلم يؤد زكاتها) أفرد الضمير، إما على سبيل تأويل الأموال، أو عودا إلى الفضة، لأن الانتفاع بها أكثر، أو كان وجودها في زمنهم أكثر من الذهب، أو على الاكتفاء ببيان حالها عن بيان حال الذهب، والحامل على ذلك رعاية لفظ القرآن حيث قال: ينفقونها، قال صاحب الكشاف: أفرد ذهابا إلى المعنى دون اللفظ، لأن كل واحد منهما جملة وافية. وقيل: المعنى ولا ينفقونها، والذهب كذلك، وهو كقول الشاعر:
وإني وقيار بها لغريب
أي وقيار كذلك.
قوله: (إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة) هذا مشعر بأن الوعيد على الاكتناز – وهو حبس ما فضل عن الحاجة عن المواساة به – كان في أول الإسلام، ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة لما فتح الله الفتوح، وقدرت نصب الزكاة، فعلى هذا: المراد بنزول الزكاة بيان نصبها ومقاديرها لا إنزال أصلها. والله أعلم. وقول ابن عمر: لا أبالي لو كان لي مثل أحد ذهبا، كأنه يشير إلى قول أبي ذر الآتي آخر الباب. والجمع بين كلام ابن عمر وحديث أبي ذر أن يحمل حديث أبي ذر على مال تحت يد الشخص لغيره فلا يجب أن يحبسه عنه، أو يكون له لكنه ممن يرجى فضله وتطلب عائدته كالإمام الأعظم فلا يجب أن يدخر عن المحتاجين من رعيته شيئا، ويحمل حديث ابن عمر على مال يملكه قد أدى زكاته فهو يحب أن يكون عنده ليصل به قرابته ويستغني به عن مسألة الناس، وكان أبو ذر يحمل الحديث على إطلاقه، فلا يرى بادخار شيء أصلا. قال ابن عبد البر: وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك، وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم، وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة، وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. انتهى.
والظاهر أن ذلك كان في أول الأمر كما تقدم عن ابن عمر، وقد استدل له ابن بطال بقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}؛ أي ما فضل عن الكفاية، فكان ذلك واجبا في أول الأمر ثم نسخ. والله أعلم. وفي المسند من طريق يعلى بن شداد بن أوس، عن أبيه قال: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه، ثم يرخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يسمع الرخصة، ويتعلق بالأمر الأول.
[فتح الباري لابن حجر 3/ 272 ط السلفية]