36 – بَابُ وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
129 – (2357) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ: ” اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا زُبَيْرُ اسْقِ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} [النساء: 65]
الفوائد
——-
الحديث أخرجه البخاري 2359، 2360 وراجع علل ابن أبي حاتم حول ترجيح الرواية التي اختارها البخاري ومسلم، فقد أخطأ ابن وهب في هذا الحديث؛ الليث لا يقول الزبير.
قال أبو محمد: إنما يقول الليث عن الزهري عن عروة أن عبدالله بن الزبير حدَّثه: أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير ….
وأبو بشر عن الزهري عن عروة؛ أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلاً من الأنصار ….
وقرر ابن حجر أن البخاري رواه مع الاختلاف؛ لأنه إما عن ابن الزبير وهو صحابي صحيح السماع من النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عروة وهو سمع من أبيه يضبط ما يختص بابيه. انتهى بمعناه
والحديث اتفق على إخراجه السبعة
وذكر سبب آخر لنزول الآية وأن رجلان اختصما فقضى بينهما النبي صلى الله عليه وسلم، فقال المقضي عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ نعم … فأتيا عمر بن الخطاب …. فضرب عنق الذي قال: ردنا إلى عمر فقتله وأدبر الآخر فارا …. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت أظن أن عمر يتجرأ على قتل مؤمن
أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره وفيه ابن لهيعة وهو معضل، أبو الاسود من السادسة حتى قال ابن كثير: غريب جدا.
وفيه نكارة في المتن فعمر كان دائماً يستأذن فيمن عمل أفعال المنافقين إن أراد قتله
ورد أذية قريبة من هذه:
ولهذا نظائر في الحديث إذا تتبعت، مثل الحديث المعروف عن بَهْز ابن حكيم عن أبيه عن جده، أن أخاه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: جيراني على ماذا أُخذوا؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن الناس يزعمون أنك تنهى عن الفيء وتستخلي به، فقال: “لَئِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ إِنَّهُ لَعَلَيَّ، وَمَا هُوَ عَلَيْهِمْ، خَلّوا لَه جِيْرَانَهُ” رواه أبو داود بإسناد صحيح.
فهذا وإن كان قد حكى هذا القذف عن غيره فإنما قصد به انتقاصه وإيذاءه بذلك، ولم يحكه على وجه الرد على من قاله، وهذا من أنواع السب.
ومثل حديث ابن إسحاق عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم جزوراً من أعرابي بوَسْقٍ من تمر الذخيرة، فجاء به إلى منزله، فالتمس التمر فلم يجده في البيت، قالت: فخرج إلى الأعرابي فقال: “يَا عَبْدَاللهِ، إِنَّا ابْتعنَا مِنكَ جَزورَكَ هَذا بوسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِيْرَةِ، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ عِنْدَنَا، فَلَمْ نَجِدْهُ”، فقال الأعرابي، واغدراه وَاغدراه، فوكزه الناس، وقالوا: لرسول الله صلى الله عليه وسلم تقول هذا؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” دَعُوْهُ” رواه ابن أبي عاصم وابن حبان في الدلائل. (وراجع الصارم المسلول على شاتم الرسول)
ومن ذلك لمز المصدقين ولعل تركه قتلهم لأجل أن لا يقال أن محمد يقتل أصحابه
شرح حسين البلوشي:
بعض ألفاظ الحديث:
(شراج الحرة) بكسر الشين المعجمة وبالجيم هي مسايل الماء واحدها شرجة والحرة هي الأرض الملسة فيها حجارة سود (قاله النووي في شرح مسلم)
قوله (سرح الماء) أي أرسله.
قال ابن بطال رحمه الله في شرح البخاري:
اختلف أصحاب مالك في صفة إرسال الماء الأعلى إلى الأسفل، فقال ابن حبيب: يدخل صاحب الأعلى جميع الماء في حائطه ويسقى به إذا بلغ الماء من قاعه الحائط إلى الكعبين من القائم فيه: أغلق مدخل الماء وصرف ما زاد من الماء على مقدار الكعبين إلى من يليه، فيصنع به مثل ذلك حتى يبلغ ماء السيل إلى أقصى الحوائط، وهكذا فسر لي مطرف وابن الماجشون، وقاله ابن وهب. وقال ابن القاسم: إذا انتهى الماء في الحائط إلى مقدار الكعبين أرسله كله إلى من تحته ولم يحبس منه شيئًا في حائطه. قال ابن حبيب: وقول مطرف وابن الماجشون أحب إلي، و هما أعلم بذلك، لأن المدينة كانت دارهما وبها كانت القضية، وفيها جرى العمل بها. وذكر ابن مزين عن ابن القاسم مثل ما حكاه ابن حبيب عن مطرف و ابن الماجشون. اهـ.
قال العيني في شرح البخاري: فإن قلت: ما المراد بقوله ثم أرسل الماء إلى جارك فهل هو ما فضل عن الماء الذي حبسه أو إرسال جميع الماء المحبوس أو غيره بعد أن يصل في أرضه إلى الكعبين، قلت: قال شيخنا: الصحيح الذي ذكره أصحاب الشافعي الأول اهـ.
(الجدر) فبفتح الجيم وكسرها وبالدال المهملة وهو الجدار وجمع الجدار جدر ككتاب وكتب وجمع الجدر جدور كفلس وفلوس ومعنى يرجع إلى الجدر أي يصير إليه، والمراد بالجدر أصل الحائط، وقيل: أصول الشجر والصحيح الأول وقدره العلماء أن يرتفع الماء في الأرض كلها حتى يبتل كعب رجل الإنسان. (قاله النووي)
قلت سيف: قال ابن الملقن: نقل البخاري: وَقَالَ ابْن شهَاب: فقدَّرت الْأَنْصَار وَالنَّاس قَول رَسُول الله – صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -: «اسْقِ، ثمَّ احْبسِ المَاء إِلَى الْجدر» وَكَانَ ذَلِك إِلَى الْكَعْبَيْنِ.
ذكره فِي كتاب الشّرْب
(إن كان ابن عمتك) بفتح همزة أن وأصله لأن كان فحذف اللام ومثل هذا كثير والتقدير حكمت له بالتقديم لأجل أنه ابن عمتك وكانت أم الزبير صفية بنت عبد المطلب وهي عمة النبي. وقال ابن مالك: يجوز فيه الفتح والكسر؛ لأنها واقعة بعد كلام تام معلل بمضمون ما صدر بها فإذا كسرت قدر قبلها ألفا وإذا فتحت قدر اللام قبلها وقد ثبت الوجهان في قوله تعالى (ندعوه إنه هو البر الرحيم) (الطور 82) بالفتح قرأ نافع والكسائي والباقون بالكسر وقال بعضهم وحكى الكرماني إن كان بكسر الهمزة على أنها شرطية، والجواب محذوف، قال: ولا أعرف هذه الرواية نعم وقع في رواية عبد الرحمن بن إسحاق فقال: اعدل يا رسول الله وإن كان ابن عمتك والظاهر أن هذه بالكسر انتهى قلت لم يذكر الكرماني هذا في شرحه وإن ذكره فله وجه موجه يدل عليه رواية عبد الرحمن بن إسحاق لأن إن فيها بالكسر جزما فلا يحتاج إلى أن يقال والظاهر أن هذه بالكسر وأيضا عدم معرفته بهذه الرواية لا يستلزم العدم مطلقا فافهم (شرح العيني على البخاري)
- … وفقه هذا الحديث أن مياه الأودية والسيول التي لا تملك منابعها ومجاريها
على الإباحة، والناس في الارتفاق بها شرعاً سواء، وأن من سبق إلى
شيء منها كان أحق به من غيره، وأن أهل الشرب الأعلى مقدمون على
من هو أسفل منهم لسبقهم إليه، وأن حق الأعلى أن يسقي زرعه حتى
يبلغ الماء الكعبين، ثم ليس له حبسه عمن هو أسفل منه بعد ما أخذ
منه حاجته (قاله البغوي في شرح السنة)
- … فوائد الحديث:
1_ فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يعفو عن التعزير حيث لم يعزر الأنصاري الذي تكلم بما أغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان قوله الآخر عقوبة للأنصاري في ماله وكانت العقوبات إذ ذاك يقع بعضها في الأموال …. والأول أصح. (قاله البغوي في شرح السنة)
قلت سيف: قال ابن الملقن: والأشبه أنه أمره أن يستوفي حقه ويستقصي فيه تغليظاً على الأنصار بعد أن سهل عليه.
2_ وفي الحديث أنه عليه السلام حكم على الأنصاري في حال غضبه مع نهيه الحاكم أن يحكم وهو غضبان، وذلك لأنه كان معصوما من أن يقول في السخط والرضى إلا حقا. (قاله البغوي في شرح السنة)
3_ قال العلماء ولو صدر مثل هذا الكلام الذي تكلم به الانصاري اليوم من انسان من نسبته صلى الله عليه و سلم إلى هوى كان كفرا وجرت على قائله احكام المرتدين فيجب قتله بشرطه قالوا وإنما تركه النبي صلى الله عليه و سلم؛ لأنه كان في أول الاسلام يتألف الناس ويدفع بالتي هي أحسن ويصبر على أذى المنافقين ومن في قلبه مرض ويقول يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا.
_ قال القاضي وحكى الداودي أن هذا الرجل الذي خاصم الزبير كان منافقا، وقوله في الحديث أنه أنصاري لا يخالف هذا لأنه كان من قبيلتهم لا من الأنصار المسلمين (قاله النووي)
قال العيني معقبا:
قلت: يعكر على هذا قول البخاري في كتاب الصلح أنه من الأنصار قد شهد بدرا ويدل عليه أيضا قوله في الحديث في رواية الترمذي وغيره فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله ولم يكن غير المسلمين يخاطبونه بقولهم يا رسول الله وإنما كانوا يقولون يا محمد ولكن أجاب الداودي عن هذا الرجل بعد أن جزم أنه كان منافقا بأنه وقع منه ذلك قبل شهوده
بدرا لانتفاء النفاق عمن شهد بدرا وأما قوله من الأنصار فيحمل على المعنى اللغوي يعني ممن كان ينصر النبي لا بمعنى أنه كان من الأنصار المشهورين وقد أجاب التوربشتي عن هذا بقوله قد اجترأ جمع بنسبة هذا الرجل إلى النفاق وهو باطل إذ كونه أنصاريا وصف مدح والسلف احترزوا أن يطلقوا على من اتهم بالنفاق الأنصاري فالأولى أن يقال هذا قول أزله الشيطان فيه عند الغضب ولا يستبدع من البشر الابتلاء بأمثال ذلك، قلت: هذا اعتراف منه أن الذي خاصم الزبير هو حاطب ولكنه أبطل اتصافه بالنفاق واعتراف منه أنه أنصاري وليس بأنصاري إلا إذا حملنا ذلك على المعنى الذي ذكرناه آنفا اهـ.
قال الشيخ المحدث عبد المحسن العباد:
يجوز أن يكون هذا الشخص الذي قال هذا الكلام من المنافقين، ويجوز أن يكون من غير المنافقين، ولكنه حصل منه هذا الجفاء الذي هو في غاية السوء. (شرح سنن أبي داود)
قال صاحبنا حسين: الصحيح أنه فيما يظهر أنه مسلم أخطأ في حالة الغضب لأنه قد ثبت أنه شهد بدرا.
قلت سيف: وذكر القرطبي الاحتمالين وعلى احتمال أنه لم يكن منافق فإنما أزله الشيطان كما قد اتفق لحاطب ولحسان ومسطح وحمنة في قضية الإفك وغيرهم ممن بدرت منهم بوادر شيطانية، وأهواء نفسانية لكن لُطف بهم حتى رجعوا عن الزلة، وصحت لهم التوبة، ولم يؤاخذوا بالحوبة. انتهى من المفهم
وقد اعتبر ابن تيمية هذا القول يوجب النفاق أو الردة مع ما سبق من الذي ذكرناه اول الشرح من الأحاديث وغيرها: فهذا الباب كله مما يوجب القتل، ويكون به الرجل كافراً منافقاً حلال الدم، كان النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء عليهم السلام يعفون ويصفحون عمن قاله، امتثالاً لقوله تعالى: (خُذِ العَفْوَ وَامُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ (، ولقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ (، وقوله:) وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم (ولقوله تعالى: (وَلَو كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لا نْفَضُّوا مِن حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُم وَشَاورْهُمْ فِي الأَمْرِ) ولقوله تعالى: (وَلا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَالمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ)، وذلك لأن درجة الحلم والصبر على الأذى والعفو عن الظلم أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة، يبلغُ الرجل بها ما لا يبلغه بالصيام والقيام، قال تعالى: (وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ والعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ)، وقال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ)، وقال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً)، وقال: (وَإِنْ عَاقَبْتُم فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصَّابِرِينَ).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة مشهورة، ثم الأنبياء أحق الناس بهذه الدرجة لفضلهم، وأحوج الناس إليها لما ابتلوا به من دعوة الناس ومعالجتهم وتغيير ما كانوا عليه من العادات، وهو أمر لم يأتِ به أحد إلا عُودِي
5_ قال المهلب: وفي الحديث من الفقه الإشارة بالصلح والأمر به (شرح ابن بطال على البخاري)
قال ابن التين مذهب الجمهور أن القاضي يشير بالصلح إذا رآه مصلحة ومنع ذلك مالك وعن الشافعي في ذلك خلاف والصحيح جوازه (نقله العيني في شرح البخاري)
قلت سيف: بل ورد الحث على الترغيب في الصلح، في قوله تعالى (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو إصلاح بين الناس).
6_ وفيه أن للحاكم أن يستوعي لكل واحد من المتخاصمين حقه إذا لم ير منهما قبولا للصلح ولا رضًا بما أشار به، كما فعل النبي – عليه السلام – (شرح ابن بطال على البخاري)
7_ وفيه توبيخ من جفا على الإمام والحاكم ومعاقبته (شرح ابن بطال على البخاري)
8_ وفيه أن يكظم المؤمن غيظه ويملك نفسه عند غضبه، ولا يحملها على التعدي والجور فالنبي صلى الله عليه وسلم مع غضبه لم يتعد بل قضى بالحق.
9_ فيه الستر على المسلم إذا اخطأ ولم يكن هناك حاجة لذكره وذلك لفعل الزبير رضي الله عنه.
قال العيني رحمه الله: قال شيخنا لم يقع تسمية هذا الرجل في شيء من طرق الحديث فيما وقفت عليه ولعل الزبير وبقية الرواة أرادوا ستره لما وقع منه اهـ
وإن كان بعض الأئمة ذكر بعض الأسماء على خلاف بينهم.
10_ فيه أن ماء الأودية التي لم تستنبط بعمل فيها مباح ومن سبق إليه فهو أحق به قاله العيني
11_ وفيه الاكتفاء للخصوم بما يفهم عنهم مقصودهم أن لا يكلفوا النص على الدعاوي ولا تحرير المدعى فيه ولا حصره بجميع صفاته قاله العيني
قلت سيف:
12 – وفيه أن للحاكم أن يرجع عن حكمه. وهذا على ترجيح أن طلبه من الزبير اولا حكم وفيه نظر. (راجع شرح الإثيوبي على النسائي 39/ 310)
13 – صفة غضب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (فتلون وجه النبي صلى الله عليه وسلم)
14 – الغضب لله
15 – الألفة والإدلال
16 – تأليف القلوب.
17 – الحديث ذكره جامعو نضرة النعيم في صفة (ذم الغضب)
18 – الحديث ذكر صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة، ف حيث الزبير اختص بنزول قرآن بسببه. وكذلك ذكره الحاكم في مناقبه
وكذلك من مناقبه إدلال النبي صلى الله عليه وسلم عليه. ففيه تعظيمه للنبي صلى الله عليه وسلم
وكرمه حيث لن يستوفي حقه، وعلمه حيث يعرف حق الجار،
وهو ابن عمته
وستره على المسلم
19 – الأصل أن الظاهر دليل على الباطن لكن قد يستثنى لغفلة ولإكراه ولشدة فرح. أو غيرة كما حصل لعائشة لما شكت في النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لها (أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله) وقالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، قال: نعم
قال ابن تيمية: 11/ 412: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَمْ تَكُنْ قَبْلَ مَعْرِفَتِهَا بِأَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ يَكْتُمُهُ النَّاسُ كَافِرَةً وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ [بِذَلِكَ] بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ وَإِنْكَارِ عِلْمِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ كَإِنْكَارِ قُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هَذَا مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ اللَّوْمَ عَلَى الذَّنْبِ، وَلِهَذَا لَهَزَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَتَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْك وَرَسُولُهُ وَهَذَا الْأَصْلُ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ وَلَكِنَّ تَكْفِيرَ قَائِلِهِ لَا يُحْكَمُ بِهِ حَتَّى يَكُونَ قَدْ بَلَغَهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا تَقُومُ بِهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا.
- … سبب نزول الآية
قوله في آخر الحديث فقال الزبير والله اني لأحسب هذه الآية نزلت فيه فلا وربك لا يؤمنون الآية فهكذا قال طائفة في سبب نزولها وقيل نزلت في رجلين تحاكما إلى النبي صلى الله عليه و سلم فحكم على احدهما فقال ارفعني إلى عمر بن الخطاب وقيل في يهودي ومنافق اختصما إلى النبي صلى الله عليه و سلم فلم يرض المنافق بحكمه وطلب الحكم عند الكاهن قال بن جرير يجوز انها نزلت في الجميع (قاله النووي)
- … التعليق على الآية:
قال ابن بطال رحمه الله في شرح صحيح البخاري:
يعنى: لا يؤمنون إيمانًا كاملا؛ لأنه لا يخرج من الإيمان بخطرة أخطرها الشيطان ونزغ بها اهـ
قال شيخ الإسلام أبو مظفر السمعاني (ت: 489) في تفسيره:
(فلا وربك لا يؤمنون) والمراد به: الإيمان الكامل، أي: لا يكمل إيمانهم اهـ
قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره:
يعني جل ثناؤه بقوله: “فلا” فليس الأمر كما يزعمون: أنهم يؤمنون بما أنزل إليك، وهم يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدّون عنك إذا دعوا إليك يا محمد واستأنف القسم جل ذكره فقال: “وربك”، يا محمد “لا يؤمنون”، أي: لا يصدقون بي وبك وبما أنزل إليك “حتى يحكموك فيما شجر بينهم”، يقول: حتى يجعلوك حكمًا بينهم فيما اختلط بينهم من أمورهم، فالتبس عليهم حكمه. يقال: “شجَر يشجُر شُجورًا وشَجْرًا”، و”تشاجر القوم”، إذا اختلفوا في الكلام والأمر، “مشاجرة وشِجارًا”.
“ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت”، يقول: لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما قضيت. وإنما معناه: ثم لا تحرَج أنفسهم مما قضيت أي: لا تأثم بإنكارها ما قضيتَ، وشكّها في طاعتك، وأن الذي قضيت به بينهم حقٌّ لا يجوز لهم خلافه اهـ.
قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره:
قوله تعالى: {فَلا} أي: ليس الأمر كما يزعمون أنهم مؤمنُون ثم لا يرضون بحكمك، ثم استأنف القَسَم {وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} ويجوز أن يكون {لا} في قوله {فَلا} صلة، كما في قوله {فَلا أُقْسِمُ} حتى يُحكِّمُوك: أي يجعلوك حكمًا، {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} أي: اختلف واختلط من أمورهم والْتَبَسَ عليهم حُكمه، ومنه الشجر لالتفاف أغصانه بعضها ببعض، {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} قال مجاهد: شكًّا، وقال غيره: ضِيقًا، {مِمَّا قَضَيْتَ} قال الضحاك: إثْمًا، أي: يأثمون بإنكارهم ما قضيت، {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} أي: وينقادوا لأمرك انقيادًا اهـ.
وفصل الشيخ العلامة ابن سعدي أكثر فقال:
ثم أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي: في كل شيء يحصل فيه اختلاف، بخلاف مسائل الإجماع، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن.
فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان. فمَن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومَن تركه، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين. اهـ
- … تبويبات الأئمة
1_ قال الحافظ البيهقي في السنن الصغرى: باب الترتيب في السقي
وبوب عليه أيضا: باب القاضي يَقْضِى في حَالِ غَضَبِهِ فَوَافَقَ الْحَقَّ.
2_ قال الإمام النسائي رحمه الله في سننه:
الرخصة للحاكم الأمين أن يحكم وهو غضبان.
وبوب عليه أيضا: إِشَارَةُ الْحَاكِمِ بِالرِّفْقِ
3_ قال الإمام ابن ماجة في سننه:
باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم والتغليظ على من عارضه.
ومرة بوب باب الشرب من الأودية ومقدار حبس الماء.
والترمذي باب الرجلين يكون أحدهما أسفل من الآخر في الماء.
والبخاري باب شرب الأعلى قبل الأسفل
ثم باب شرب الأعلى إلى الكعبين
وباب سكر الأنهار
وباب إذا أشار الإمام بالصلح فأبى حكم عليه بالحكم البين.
4_ قال الحافظ ابن حبان في صحيحه:
ذكر نفي الإيمان عمن لم يخضع لسنن رسول الله صلى الله عليه و سلم أو اعترض عليها بالمقايسات المقلوبة والمخترعات الداحضة.
5_ قال النووي رحمه الله:
باب وجوب أتباعه صلى الله عليه وسلم
6_ قال الإمام البغوي في شرح السنة:
باب ترتيب سقي الأراضي بين الشركاء
قلت سيف:
7 – وبوب عليه ابن منده في الإيمان:
ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ بِمَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ مِنَ الْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا “} [النساء: 65]
8 – وبوب عليه الأصبهاني في مستخرجه
ذكر المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف والإيصاء بلزوم سنته.
9 – والمروزي في تعظيم قدر الصلاة؛ أدلة الكتاب والسنة على أن الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو بتصديقه واتباع ما جاء به
- … اشكال في الحديث
1_ كيف التوفيق بين ما جاء في النهي عن الحكم في حالة الغضب مع هذا الحديث
قال العلامة الطحاوي رحمه الله في شرح مشكل الآثار:
فَكَانَ جَوَابُنَا له في ذلك أَنَّ الذي رَوَيْنَاهُ عن أبي بَكْرَةَ عن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم على غَيْرِهِ من الْحُكَّامِ لِلْخَوْفِ عليهم فِيمَا يَنْقُلُهُمْ إلَيْهِ الْغَضَبُ من الْعَدْلِ في الْحُكْمِ إلَى خِلاَفِهِ وَاَلَّذِي في حديث الزُّبَيْرِ فَمُخَالِفٌ لِذَلِكَ لأَنَّهُ في رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في تَوَلِّي اللهِ تَعَالَى إيَّاهُ وَعِصْمَتِهِ له وَحِفْظِهِ عليه أُمُورَهُ بِخِلاَفِ الناس في مِثْلِ ذلك فَانْطَلَقَ ذلك لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَعْمَلَهُ ولم يَنْطَلِقْ ذلك لِغَيْرِهِ فَنَهَاهُ رسول اللهِ عليه السلام عنه كما حدثه أبو بَكْرَةَ عنه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
قلت سيف: وذهب النسائي لفقه آخر فبوب في الكبرى؛ باب التسهيل للحاكم المأمون أن يحكم وهو غضبان.
2_ إشكال آخر كيف النبي صلى الله عليه وسلم يدع الزبير يأخذ كل هذا القدر من الماء ثم يعطي الآخر مع أنه في بداية الأمر لم يقل هذا؟
قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه السعة له وللأنصاري فلما أحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم.
يقول الإمام ابن عبد البر في التمهيد:
ومعنى هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أشار على الزبير بما فيه السعة للأنصاري فلما كان منه ما كان من الجفاء استوعب للزبير حقه في صريح الحكم اهـ.
وقال الإمام البغوي في شرح السنة:
كان الأول منه أمرا منه للزبير بالمعروف، وأخذا بالمسامحة، وحسن الجوار
بترك بعض حقه، دون أن يكون حكما منه عليه، فلما رأى الأنصاري يجهل موضع حقه، أمر الزبير باستيفاء تمام حقه. اهـ
قلت سيف: نقل ابن الملقن في البدر المنير: قَالَ البُخَارِيّ: فاستوعى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ للزبير حقَّه فِي صَرِيح الحكم حِين أحفظه الْأنْصَارِيّ، وَكَانَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَمْر لَهُ فِيهِ سَعَة.
- … مسائل متعلقة بالماء والزرع.
1_ إذا كان منبع الماء ملكا لواحد بأن حفر بئرا في
ملكه، أو في موات للملك، فهو أولى بذلك الماء من غيره. (قاله البغوي في شرح السنة)
2_ واختلفوا في أنه هل يملك الماء في منبعه في أن يحرزه في بركة أو
إناء، فأصح أقوال أصحاب الشافعي أنه غير مملوك له ما لم يحرزه،
واتفقوا على أن له منع ما فضل عن حاجته عن زرع الغير، ولا يجوز،
أن يمنع الفضل عن ماشية الغير، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): ” لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ ” (قاله البغوي في شرح السنة)
3_ ولو كان منبع الماء ملكا لجماعة وهم شركاء
فيه، فإن الأعلى والأسفل فيه سواء، فإن اصطلحوا على أن يكون الماء
مناوبة بينهم، فهم على ما اتفقوا عليه، وإن اختلفوا يقرع بينهم، فمن
خرجت له القرعة كان مبدوءا به. (قاله البغوي في شرح السنة)
قال ابن حبيب: وما كان من الخلج والسواقي التي يجتمع أهل القرى على إنشائها وأجرى الماء فيها لمنافعهم، فقل الماء فيها ونضب عنها في أوقات نضوبه فالأعلى والأسفل فيها بالسواء، يقسم بينهم على قدر حقوقهم فيها، استوت حاجتهم أو اختلفت، هكذا فسر لي مطرف وابن الماجشون وأصبغ وقاله ابن وهب وابن القاسم وابن نافع. (قاله ابن بطال في شرح البخاري)
وهل الإمساك للكعبين خاص بالنخل فيه خلاف، وذكر الطبري أن هذه واقعة عين وإلا كل أرض تعطى ما يكفيها.
وورد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزوز أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل أخرجه أبوداود وفيه عبدالرحمن بن الحارث ويشهد له مرسل عبدالله بن أبي بكر بن حزم وراجع تحقيق الدرادري ص399 ط الآثار.
—–
– الحديث جعله صاحب الإلمام في إحياء الأرض الموات. فكأن الزبير أحيا هذه الأرض وسبق إلى القرب من الماء
ونقل الإثيوبي الخلاف هل المستحق الأول هو من أحيا اولا أو من كانت أرضه أقرب لمجرى الماء
مفهوم الاتباع:
من أهمها وجوب الأخذ بنصوص الوحيين. وفيه تأصيلات لعلنا نتعرض لها في مناسبه أخرى إن شاء الله.
يذكر العلماء هذا الحديث في مباحث حجية السنة وأنها من مصادر التشريع