[1ج/ رقم (517)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي
وأحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (517)]:
٥١٧ – قال أبو داود رحمه الله (ج ٣ ص ٣٩٤): حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثني إسحاق بن منصور أخبرنا هُرَيْمٌ (١) عن إبراهيم بن [ص: ٤٤٠] محمد بن المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض».
قال أبو داود: طارق بن شهاب قد رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يسمع منه شيئًا.
قال أبو عبد الرحمن: هذا حديث صحيحٌ. مرسل صحابي مقبول؛ لأن الصحابة كلهم عدول.
——
حاشية الصحيح المنسد:
(١) هريم هو ابن سفيان.
===================
ولتوضيح الحديث، يمكن تقسيم الكلام عليه من موجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الحافظ أبو داود (ت ٢٧٥) في سننه، كتاب الصلاة، باب الجمعة للمملوك والمرأة، (١٠٦٧).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
٤ – كتاب الصلاة، ١٩٧ – من تصح منه الجمعة ولا تجب عليه، (١١٠٧).
و١٠ – كتاب البيوع، ٤٧ – الرق، (١٧٥٤).
وقال الألباني رحمه الله تعالى:
(قلت: إسناده صحيح، وصححه النووي والحاكم والذهبي).
إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ لكن أعله الخطابي في «المعالم» (٢/ ٩) فقال:
«وليس إسناد هذا الحديث بذاك، وطارق بن شهاب لا يصح له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إلا أنه قد لقي النبي صلى الله عليه وسلم »!
وكأنه أخذه من قول المصنف المذكور! وقد أجاب عنه النووي؛ فقال:
«وهذا غير قادح في صحة الحديث؛ فإنه يكون مرسل صحابي، وهو حجة، والحديث على شرط الشيخين». نقله الزيلعي في «نصب الراية» (٢/ ١٩٩)؛ وأقرَّه.
وأخرجه الدارقطني (١٦٤)، والبيهقي أيضًا (٣/ ١٨٣)، وقال:
«وهذا الحديث وإن كان فيه إرسال، فهو مرسل جيد؛ فطارق من خيار التابعين، وممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يسمع منه، ولحديثه هذا شواهد»!….
والشواهد التي أشار إليها البيهقي قد خرجتها في “إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل» رقم (٥٩٢)؛ وقد كمل والحمد لله، وفيه قرابة ثلاثة آلاف حديث، أكثره مرفوع.
(تنبيه): وقع الحديث في «المستدرك»: عن طارق بن شهاب عن أبي موسى عن النبي ﷺ … فجعله من (مسند أبي موسى)؛ وليس بمحفوظ كما قال البيهقي. [صحيح سنن أبي داود ط غراس، (4/ 232 وما بعدها)].
والثاني: شرح وبيان الحديث:
وقوله: «على كل مسلم إلا أربعة» كلمة مسلم تخرج الكافر؛ لأن الكافر لا يخاطب بالجمعة، ولا غيرها من الصلوات، يخاطب أولًا بالإسلام.
وقوله: «في جماعة» هذا بيان لكونها لا تصح على انفراد، وأقل جماعة في الصلاة اثنان في الجمعة ثلاثة.
«إلا أربعة» أربعة معينون بالشخص أو بالوصف؟ بالوصف:
أولًا: «مملوك» المملوك العبد ليس عليه جمعة؛ لماذا؟ لأنه مشغول بخدمة سيده،
ثانيًا: «وامرأة» لا تجب عليها الجمعة؛ لأنها ليست من أهل الجماعة، والاجتماع مع الرجال.
ثالثًا: «وصبي» لأنه ليس من أهل التكليف، فقد رفع القلم عن ثلاثة منهم: «الصبي حتى يبلغ».
رابعًا: «ومريض»، لأنه لا يستطيع.وقال بعض أهل العلم: إن المملوك تجب عليه الجمعة مطلقًا، وأن حق الله مقدم على حق السيد، وأن هذا الحديث ضعيف ضعفه أهل الحديث. وهذا مذهب الظاهرية، واستدلوا بالعموم – عموم الآية-: {يايها الذين امنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}. [الجمعة: ٩].
وهو من المؤمنين فيجب عليه الحضور،
وقال بعض العلماء: إن المملوك لا تجب عليه الجمعة لوجود مانع وهو اشتغاله بخدمة سيده، وهذا القول أعدل الأقوال وأوسطها؛
هل نقول: إن مثله الأجير الحر؟
فيقال مثلًا: أنا مستأجر واحد يعمل عندي يوم الجمعة، فزمنه مملوك لي، لكنهم يقولون: إن هذا – أي: حضور الجمعة – مستثنى شرعًا ما شمله عقد الإجارة بخلاف المملوك، المملوك مملوك عينه ومنفعته لسيده،
وقوله: «وامرأة»: المرأة لا تجب عليها الجمعة لفوات الشرط؛ لأنها ليست من أهل الجمعات والجماعة؛ ولهذا لا يصح أن تكون إمامة الجمعة، ولا تحسب من العدد المشترط في الجمعة لفوات الشرط.
«وصبي»؛ لفوات الشرط أيضًا؛ لأنه ليس أهلًا للتكليف فلا تلزمه الجمعة، بل ولا الجماعة، ولا غيرها من العبادات، لكنه يؤمر بالصلاة لسبع ويضرب عليها لعشر تأديبًا له وترويضًا له على العبادة، وليس لأنها واجبة عليه.
«ومريض»: المريض لا تجب عليه الجمعة لوجود المانع، وهو المرض الذي يمنعه من الصلاة، ولهذا لو حضرها المريض أجزأته وانعقدت به وصح أن يكون إمامًا فيها،
وظاهر الحديث الإطلاق: «مريض» ولكنه علق بوصف وهو المرض لسبب وهو المشقة، فإذا كان المرض يسيرًا لا يشق معه حضور الجمعة، فإنه يجب عليه حضور الجمعة، فهنا المرض ليس هو العلة لكن هو سبب العلة، والعلة الحقيقية هي المشقة، ولذلك لو كان هناك مشقة في غير مرض – كما لو كان هناك مطر ووحل – فإنه يجوز ترك الجمعة كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه فعل يجوز لأجل المشقة، فالمرض هنا ليس العلة ولكنه سبب العلة وهي المشقة، ولكنه إذا حضر أجزأته.
٤٤٧ – وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ: «ليس على مسافرٍ جمعة». رواه الطبراني بإسنادٍ ضعيفٍ.
يقول المؤلف: سنده ضعيف، وعلى هذا فلا يعتمد عليه من جهة إسناده، ولكن
لننظر في معناه هل هو موافق لهدي النبي ﷺ أو مخالف؟
نقول: أما إذا كان الإنسان في سفر، يعني: جماعة مسافرون، فإنه لا جمعة عليهم، ولا تشرع لهم الجمعة، ولا تصح منهم الجمعة؛ لأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره أنه لا يصلي الجمعة، ولو كانت واجبة لصلاها أو مشروعة لصلاها، فلما لم يفعل علم أنها ليست مشروعة وليست من هديه صلى الله عليه وسلم، وها هو في أعدل مجتمع تجتمع الأمة فيه يوم عرفة كان يوم جمعة كما هو معروف في حجة الوداع وهل صلى الجمعة أو لا؟ لا، قال جابر: «فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا».
أما إذا كان مسافرًا في بلد وسمع النداء فهل تلزمه الجمعة حينئذٍ إذا كان لا يتضرر بانتظارها، أو نقول: إنها لا تلزمه؟
المشهور من المذهب: أنه إن كان يلزمه الإتمام لزمته الجمعة في غيرها، وإن كان لا يلزمه الإتمام لم تلزمه لا بنفسه ولا بغيره؛ لأن الجمعة على المذهب لا تلزم الإنسان لا بنفسه ولا بغيره، وتلزمه بغيره لا بنفسه، وتلزمه في نفسه، ومعلوم الذي تلزمه بنفسه تلزمه بغيره من باب أولى.
[زيادة توضيح]: المرأة مثلًا: لا تلزمها الجمعة لا بنفسها ولا بغيرها، حتى لو سمعت النداء لا يجب عليها أن تحضر، لا بنفسها ولا بغيرها، حتى لو أقيمت الجمعة لا يلزمها،
المسافر الذي أقام في البلد مدة تقطع السفر على المذهب فوق أربعة أيام، هذا يقولون: تلزمه الجمعة بغيره لا بنفسه، ما معنى ذلك؟
يعني: إن أقيمت الجمعة يلزمه حضورها، وإن لم تقم لم تلزمه، وأيضًا هو نفسه لا يصح أن يكون إمامًا فيها ولا خطيبًا، ولا يحسب من العدد؛ لأنه ليس ممن تلزمه بنفسه… هذا هو معنى قولنا: «تلزم بغيره أو بنفسه، أو لا تلزم لا بغيره ولا بنفسه».
ولكن ظاهر الأدلة الصحيحة عندنا أن المسافر تلزمه الجمعة ولو كان لا يريد البقاء إلا يومًا أو يومين أو أكثر، ما دام سمع النداء يجب عليه الحضور لعموم قوله تعالى: {يأيها الذين أمنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} [الجمعة: ٩].
وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى وهو الصحيح؛ لأنه ينبغي لنا إذا جاءنا عموم أن نحكم بهذا العموم على جميع الأفراد ما لم يرد تخصيص، …. [فتح ذي الجلال والإكرام لابن عثيمين رحمه الله تعالى، (2/ 368 – 371)]. وسيأتي الكلام عن الأصناف المذكورين في محله بإذن الله تعالى.
قال العباد:
وقوله: [(إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض)] الصبي مثل المرأة باتفاق العلماء، فالجمعة لا تجب عليه؛ لأنه غير مكلف، ولكن وليه مأمور بأن يأمره أن يصلي وأن يعوده على حضور الجمعة والجماعة، لكنه لا يأثم إذا لم يحصل منه حضور الجمعة والجماعة.
وكذلك المريض أيضًا يعذر في ترك الجمعة والجماعة إذا كان لا يستطيع أو يلحقه ضرر بحضور الجماعة، فإنه معذور، قال الله تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة:٢٨٦].
ولو حضر الجمعة أحد المعذورين فإنها تجزئه عن الظهر، فهؤلاء الذين لا تجب عليهم الجمعة إذا حضروا الجمعة أجزأتهم الجمعة، ويسقط عنهم ما كان عليهم من الفرض في ذلك الوقت.
والمسافر إذا كان سائرًا فإنه لا تجب عليه الجمعة، ولكنه إذا حضر وصلى أجزأته، وإذا كان في البلد مقيمًا فإن حكمه حكم المقيمين إذا سمع النداء فعليه أن يشهد الصلاة، ولا يجلس في بيته وهو مستقر مقيم، أما المسافر السائر فلا تلزمه الجمعة، ولكن إذا كان هناك مسجد في الطريق ونزل وصلى فيه فلا شك في أن ذلك خير.
شرح سنن أبي داود للعباد ١٣٥/٣
قال ابن تيمية :
٢٨٤١ – يُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَن فِي الْمِصْرِ مِنَ الْمُسَافِرِينَ وَإِن لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِم الْإِتْمَامُ، كَمَا لَو صَلَّوْا خَلْفَ مَن يُتِمُّ فَإِنَّ عَلَيْهِم الْإِتْمَامَ تبَعًا لِلْإِمَامِ، كَذَلِكَ تَجِبُ عَلَيْهِم الْجُمُعَةُ تبَعًا لِلْمُقِيمِينَ.
وَهَؤُلَاءِ تَجِبُ عَلَيْهِم الْجُمُعَةُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ﴾ [الجمعة: ٩] وَنَحْوِهَا يَتَنَاوَلُهُمْ، وَلَيْسَ لَهُم عُذْرٌ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مِصْرِ الْمُسْلِمِينَ مَن لَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إلَّا مَن هُوَ عَاجِزٌ عَنْهَا كَالْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ، وَهَؤُلَاءِ قَادِرُونَ عَلَيْهَا؛ لَكِنِ الْمُسَافِرُونَ لَا يَعْقِدُونَ جُمُعَةً، لَكنْ إذَا عَقَدَهَا أَهْلُ الْمِصْرِ صَلَّوْا مَعَهُمْ، وَهَذَا أَوْلَى مِن إتْمَامِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُقِيمِ.
وَكَذَلِكَ وُجُوبُهَا عَلَى الْعَبْدِ قَوِيٌّ: إمَّا فطْلَقًا وَإِمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ.
وَالْمُسَافِرُ فِى الْمِصْرِ لَا يُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ وَإِن كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فَكَذَلِكَ الْجُمُعَةُ.
وَأَمَّا إفْطَارُهُ: فَالنَّبِيُّ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ مُفْطِرِينَ، وَمَا نقِلَ أَنَّهُم أُمِرُوا بِابْتِدَاءِ الصَّوْمِ فَالْفِطْرُ كَالْقَصْرِ؛ لِأنَّ الْفِطْرَ مَشْرُوعٌ لِلْمُسَافِرِ فِي الْإِقَامَاتِ ائتِي تَتَخَلَّلُ السَّفَرَ كَالْقَصْرِ؛ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ إلَّا فِي حَالِ السَّيْرِ، وَلأنَّ اللهَ عَلَّقَ الْفِطْرَ وَالْقَصْرَ بِمُسَمَّى السَّفَرِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَيْسَ فِيهِ لَفْظُ إتْمَامٍ؛ بَل فِيهِ الْفِعْلُ الَّذِي لَا عُمُومَ لَهُ، فَهُوَ مِن جِنْسِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الَّذِي يُبَاحُ لِلْعُذْرِ مُطْلَقًا، كَمَا أَنَّ
الصَّلَاةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ تُبَاحُ لِلْعُذْرِ فِي السَّفَرِ فِي الْفَرِيضَةِ مَعَ الْعُذْرِ الْمَانِعِ مِن النُّزُولِ، وَالْمُتَطَوِّعُ مُحْتَاجٌ إلَى دَوَامِ التَّطَوُّعِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ مَعَ النُّزُولِ وَالسَّفَرِ، وَإِذَا جَازَ التَّطَوُّعُ قَاعِدًا مَعَ إمْكَانِ الْقِيَامِ فَعَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ أجوز. [٢٤/ ١٨٤ – ١٨٥]
تقريب فتاوى ابن تيمية ٣/٤٠٣
والثالث: أحكام ومسائل وملحقات:
(المسألة الأولى): تمهيد:
الجمعة فيها لغتان: التحريك مع الضم، اسم فاعل فهي سبب لاجتماع الناس، والثانية ساكنة الميم فهي اسم مفعول، فهي محل لاجتماع الناس.
والأصل في مشروعيتها؛ قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩)﴾ [الجمعة: ٩]
والأدلة من السنة في مشروعيتها كثيرةٌ، قولًا وفعلًا.
قال العراقي رحمه الله: مذاهب الأئمة متفقة على أنَّها فرض عين، بل صلاة الجمعة من أوكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين، وصلاة الجمعة أفضل من صلاة الظهر بلا نزاع.
وهي صلاة مستقلة، ليست بدلًا من الظهر، وإنما الظهر بدل عنها إذا فاتت، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وقد خصَّ الله به المسلمين، وأضل عنه من قبلهم من الأمم كرمًا منه، وفضلًا على هذه الأمة؛ فقد جاء أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة» [رواه مسلم].
قال العراقي رحمه الله: اتَّفق الأئمة على أنَّ الجمعة أكبر فروض الإسلام، وهي أعظم مجامع المسلمين، سوى مجمع عرفة. [سيأتي الكلام عن ذلك في محله بإذن الله تعالى].
ولهذا اليوم خصائص من العبادات:
أعظمها هذه الصلاة التي هي آكد الفروض، واستحباب قراءة سورة السجدة، وسورة الإنسان في صلاة فجرها، وقراءة سورة الكهف في يومها، وكثرة الصلاة على النبي ﷺ، والاغتسال، والتطيب، ولبس أحسن الثياب، والذهاب إليها مبكرًا، والاشتغال بالذكر والدعاء، إلى حضور الخطيب.
وفيها ساعة إجابة الدعاء، التي اختلف العلماء في وقتها، وأرجح الأقوال أنَّها من جلوس الخطيب على المنبر إلى فراغ الصلاة، أو بعد العصر.
وقد أفرد لها الإمام ابن القيم فصلًا مطولًا في «زاد المعاد»، وصنَّف فيها كثير من أهل العلم مصنفاتٍ مستقلةً.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمة الله عليه: الشارع من حكمته، ومحاسن شرعه، أنه شرَعَ للمسلمين الاجتماعات لأنواع العبادات من الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، ومصلى العيد، ومشهد الحج في البقاع المقدسة، ففي هذه الاجتماعات مِن الحِكم والأسرار ما يفوت الحصر، فمنها:
١ – إظهار دين الله تعالى، وإعلاء كلمته.
٢ – إظهار شعائر الإسلام، وبيان جمالها.
٣ – إظهار محاسن الإسلام، وجمال تشريعاته.
٤ – تعارف المسلمين، وتآلفهم.
٥ – التعرف على بلدانهم، وأحوالهم، وآمالهم، وآلامهم.
٦ – التشاور وتبادل الآراء النافعة.
٧ – التعاون على الحق، والتآزر على الدين.
٨ – اجتماع كلمة المسلمين ووحدة صفهم، وتوحيد هدفهم نحو الخير.
وغير ذلك مما أشارت إليه الآية الكريمة: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: ٢٨]، فاجتماع المسلمين في عباداتهم خير وبركة وإصلاح وفلاح، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣].
أسال الله تعالى أن يوحد كلمة المسلمين، وأن يجمع قلوبهم على الحق، وأن يعزهم بدينه، فهو القادر على ذلك، وهو نعم المولى ونعم النصير. قاله البسام رحمه الله [توضيح الأحكام من بلوغ المرام، (2/ 561 – 562)].
(المسألة الثانية): حكم صلاة الجمعة، وعلى من تجب ؟
وجوب الجمعة على كل: مسلم، ذكر، بالغ، عاقل، حر، مقيم، قادر.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في «الفتح» (٥/ ٣٢٥): صلاة الجمعة فريضة من فرائض الأعيان على الرجال دون النساء، بشرائط أخر،
هذا قول جمهور العلماء، ومنهم من حكاه إجماعًا كابن المنذر،
وَشَذَّ من زعم أنها فرض كفايةٍ من الشافعية، وحكاه بعضهم قولًا للشافعي، وأنكر ذلك عامة أصحابه، حتى قال طائفة منهم: لا تحل حكايته عنه. وحكاية الخطابي لذلك عن أكثر العلماء، وهم منه، ولعله اشتبه عليه الجمعة بالعيد.
وحكي عن بعض المتقدمين أن الجمعة سنةٌ. وقد رَوَى ابن وهبٍ، عن مالكٍ: أن الجمعة سنة. وحملها ابن عبد البر على أهل القرى المختلف في وجوب الجمعة عليهم خاصة، دون أهل الأمصار. اهـ.
والصحيح بدون مرية أنَّ الجمعة فرضٌ واجبٌ على كل: رجل مسلم، حرٍّ، بالغٍ، ذكرٍ، مقيمٍ.
وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، ويدل على ذلك حديث – «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الغَافِلِينَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ-، وحديث طارق بن شهاب.
وحديث أبي الجعد الضمري عند أبي داود (١٠٥٢)، والنسائي (٣/ ٨٨)، والترمذي (٥٠٠) وابن ماجه (١١٢٥)، وأحمد (٣/ ٤٢٤ – ٤٢٥)، أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من ترك ثلاث جُمَعٍ تهاونًا طُبِعَ على قلبه»، وإسناده حسن. [انظر: «الأوسط» (٤/ ١٧)، بواسطة: فتح العلام، بتصرف يسير]
——————–
– الاستيطان ببناء معتاد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «كل قوم كانوا مستوطنين ببناء متقارب، لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا، تقام فيه الجمعة إذا كان مبنيا بما جرت به عادتهم: من مدر (٣) وخشب، أو قصب، أو جريد، أو سعف، أو غير ذلك؛ فإن أجزأ البناء ومادته لا تأثير لها في ذلك، إنما الأصل أن يكونوا مستوطنين، ليسوا كأهل الخيام، والحلل الذين يتتبعون في الغالب مواقع القطر، ويتنقلون في البقاع، وينقلون بيوتهم معهم، إذا انتقلوا، وهذا مذهب جمهور العلماء … وقال الإمام أحمد: ليس على البادية جمعة؛ لأنهم ينتقلون، فعلل سقوطها بالانتقال، فكل من كان مستوطنا لا ينتقل باختياره فهو من أهل القرى)) (١).والمسافر لا جمعة عليه؛ لأن رسول الله ﷺ كان يسافر أسفارا كثيرة: قد اعتمر ثلاث عمر سوى عمرة حجته، وحج حجة الوداع، ومعه ألوف مؤلفة، وغزا أكثر من عشرين غزوة ولم ينقل عنه أحد قط أنه صلى في السفر لا جمعة ولا عيدا ….
– سماع النداء؛ لقول الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون﴾ (١) فالمعتبر في رواية عن الإمام أحمد: إمكان سماع النداء، ويمكن سماعه في الغالب على بعد فرسخ، وهو: ثلاثة أميال تقريبا إذا كانت الأصوات هادئة، والموانع منتفية، والريح ساكنة، والمؤذن صيتا، على موضع عال، والمستمع غير ساه، وهذا إذا كان خارج البلد، أما إذا كان داخل البلد، ويشمل موضعه اسم البلد وجبت عليه الجمعة ولو كان بينه وبينها فراسخ (١)، ولو لم يسمع النداء؛ لأن البلد كالشيء الواحد (٢).
٨ – انتفاء الأعذار، فإذا كان من توفرت فيه شروط الجمعة غير معذور وجبت عليه، أما إذا كان معذورا فلا تجب عليه الجمعة، وقد ذكرت هذه الأعذار بأدلتها في آخر صلاة الجماعة (٣)، وهذه الشروط تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: شرط للصحة والانعقاد، وهو: الإسلام والعقل.
القسم الثاني: شروط للوجوب والانعقاد، وهي: الحرية على قول، والذكورية، والبلوغ، والاستيطان.
القسم الثالث: شرط لوجوب السعي فقط، وهو انتفاء الأعذار.
القسم الرابع: شرط الانعقاد: وهو الإقامة بمكان الجمعة على قول (١).
صلاة الجمعة — سعيد بن وهف القحطاني (معاصر)
—————————-
(المسألة الثالثة): التحذير من التهاون بصلاة الجمعة:
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لينتهين أقوام عن ودعهم الجُمُعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.
(حديث الجعد الضَّمريَّ – وكانت له صحبة – الثابت في صحيح السنن الأربعة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه.
(حديث أسامة الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين.
– ولما جاء أبو يوسف ولقي مالكًا – رحم الله الجميع -، وتذاكرا هل صلى النبي ﷺ بعرفات جمعة أم صلى ظهرًا؟ فقال مالك: صلى ظهرًا.
فقال أبو يوسف: ألم يصل ركعتين ويخطب بالناس؟ قال مالك: بلى.
قال: هذه هي الجمعة ركعتان مع الخطبة.
قال: أرأيت جهر بالقراءة أم أسر بها؟ قال: أسر بها.
قال: هذا الظهر، والجمعة يجهر فيها بالقرآن، وهكذا أيها الإخوة أسلوب العلماء في المذاكرة دون مناكرة أو شقاق أو غضب أو شيء من ذلك،
– نجد أن هناك قولًا منفردًا، وهو يأتي عن أبي يوسف رحمه الله صاحب أبي حنيفة رحمة الله عليه؛ يقول: يلحق بهؤلاء الخمسة الأعمى؛ لأنه تلحقه المشقة في حضور الجمعة، ولكن كما قال ابن قدامة في المغني: هذا قول شاذ؛ لأن الأعمى جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتذر عن حضور الجماعة، وقال: بيني وبين هذا المسجد هذا الوادي وليس لي قائد، وفي الطريق كذا وكذا واسترخص بأن يصلي في بيته فأذن له، وبعد أن أدبر دعاه فقال: أتسمع النداء؟ قال: بلى قال: أجب،
[شرح بلوغ المرام لعطية سالم رحمه الله تعالى].
(المسألة الرابعة): من صلى الجمعة من المعذورين، فهل تجزئه عن صلاة الظهر؟
قال النووي رحمه الله تعالى في «المجموع» (٤/ ٤٩٥): المعذورون إنْ تركوا الظهر، وصلوا الجمعة؛ أجزأتهم بالإجماع، نقل الإجماع فيه ابن المنذر، وإمام الحرمين، وغيرهما. انتهى.
وقال ابن قدامة (ت ٦٢٠) رحمه الله تعالى: “يَعْنِى تُجْزِئُهُم الجُمُعَةُ عَنِ الظُّهْرِ، ولا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ كُلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهْلِ العِلْمِ أنْ لا جُمُعَةَ على النِّساءِ، وأجْمَعُوا على أنَّهُنَّ إذا حَضَرْنَ فَصَلَّيْنَ الجُمُعَةَ أنَّ ذلك يُجْزِئُ عَنْهُنَّ؛ لأنَّ إسْقاطَ الجُمُعَةِ لِلتَّخْفِيفِ عَنْهُنَّ، فإذا تَحَمَّلُوا المَشَقَّةَ وصَلَّوْا، أجْزَأهُم، كالمَرِيضِ”. [المغني لابن قدامة رحمه الله تعالى، (3/ 219 – 220].وعن ابن عمر رضي الله عنه، بإسناد صحيح أنه قال: ليس على المسافر جمعة.
وصح عن عبد الرحمن ابن سمرة أنه أقام بكابل شتوة، أو شتوتين يصلي ركعتين، ولا يجمع.
وصح عن أنس أنه أقام بنيسابور سنة، أو سنتين يصلي ركعتين، ولا يجمع. أخرجهما ابن أبي شيبة (٢/ ١٠٤).
• وحُكِيَ عن الزهري، والنخعي، وعطاء أنها تجب عليه الجمعة كالجماعة، وهو قول الأوزاعي، وبعض الظاهرية.
والصواب هو قول الجمهور؛ لحديث جابر بن عبد الله في «صحيح مسلم» [أخرجه مسلم برقم (١٢١٨)]، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم عرفة صلَّى الظهر، وجمعها مع العصر، وقد كان يوم عرفة يوم الجمعة، ولم يُصَلِّها النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- جمعةً.
واستدل لهذا القول بحديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي في الباب، وهو حديثٌ ضعيفٌ، والراجح وقفه على ابن عمر، ولا يُعلم لابن عمر مخالفٌ من الصحابة، والله أعلم.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في «مجموع الفتاوى» (٢٤/ ١٧٨): وَالصَّوَابُ بِلَا رَيْبٍ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ: أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ لِلْمُسَافِرِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ الله ﷺ كَانَ يُسَافِرُ أَسْفَارًا كَثِيرَةً، قَدْ اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرٍ سِوَى عُمْرَةِ حَجَّتِهِ، وَحَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَمَعَهُ أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ، وَغَزَا أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ غَزَاةٍ، وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ قَطُّ أَنَّهُ صَلَّى فِي السَّفَرِ لَا جُمُعَةً وَلَا عِيدًا، بَلْ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي جَمِيعِ أَسْفَارِهِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ،… لَنَقَلُوا ذَلِكَ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ خَطَبَ بِهِمْ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ جَهَرَ، وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْخُطْبَةُ لِلْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلْجُمُعَةِ؛ لَخَطَبَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ أَيَّامِ الْجُمَعِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ النُّسُكِ. اهـ
(المسألة التاسعة): ما حكم السفر يوم الجمعة ؟
سادسا: حكم السفر في يوم الجمعة لمن تلزمه: لا يجوز إذا أذن المؤذن بعد دخول وقتها؛ لقول الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون﴾ (١) (٢) إلا إذا خاف فوات رفقته، فإن خاف فواتهم فله أن يسافر؛ لأن هذا عذر في ترك الجمعة نفسها، فكذلك يكون عذرا في السفر بعد دخول وقت الجمعة بعد الزوال.
وكذلك يجوز له السفر إذا كان يمكنه أن يأتي بصلاة الجمعة في طريقه في مسجد آخر من غير كراهة (٣)، والله عز وجل – أعلم (١)….
صلاة الجمعة — سعيد بن وهف القحطاني (معاصر)
تفصيل
– أما قبل الزوال:
فجمهور العلماء على جواز السفر، وهو قول أحمد، ومالك، والحسن، وابن سيرين، وهو قولٌ للشافعي، وصحَّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: إنَّ الصلاة لا تحبس عن سفر. يعني: يوم الجمعة. أخرجه الشافعي كما في «المسند» (٤٣٥)، وابن المنذر (٤/ ٢١).
– وكره السَّفر يوم الجمعة طائفة من أهل العلم، منهم: سعيد بن المسيب، ومجاهد وصحَّ عن عائشة رضي الله عنها وهو قولٌ للشافعي، قال النووي: الأصح عندنا تحريمه.
– وأما بعد زوال الشمس:
فجمهور العلماء على عدم جواز السفر؛ لأنه مأمور بحضور الصلاة؛ لقوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾.
– وخالف أبو حنيفة، والأوزاعي، فقالا بجواز السفر، مالم يحرم بالصلاة.
والصواب قول الجمهور في كلا الحالتين، قبل الزوال وبعده، ولكن ينبغي أن يقيد بسماع النداء، لا بزوال الشمس؛ لأنَّ الجمعة تجب بسماع النداء، وقد نبَّه على ذلك الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
تنبيه: وجوب حضور الجمعة بعد سماع النداء مخصوصٌ بما إذا احتاج إلى السفر في ذلك الوقت، وبمن يستطيع صلاة الجمعة في مكان آخر، فلكليهما أن يسافرا ولو بعد النداء، والله أعلم.
وقد نبَّه على ذلك الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى في «الشرح الممتع». [انظر: «المجموع» (٤/ ٤٩٩)، «الأوسط» (٤/ ٢٢ – ٢٣)، «غاية المرام» (٧/ ٤٨ – ٤٩)، «الشرح الممتع» (٥/ ٢٧ -) و«عبد الرزاق» (٣/ ٢٥٠) و«ابن أبي شيبة» (٢/ ١٠٥) و«البيهقي» (٣/ ١٨٧)، بواسطة: فتح العلام]
==
الفروق بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر
بسم الله الرحمن الرحيم
١- صلاة الجمعة لا تنعقد إلا بجمع على خلاف بين العلماء في عدده، وصلاة الظهر تصح من الواحد والجماعة.
٢- صلاة الجمعة لا تقام إلا في القرى والأمصار، وصلاة الظهر في كل مكان.
٣- صلاة الجمعة لا تقام في الأسفار، فلو مر جماعة مسافرون ببلد قد صلوا الجمعة لم يكن لهؤلاء الجماعة أن يقيموها، وصلاة الظهر تقام في السفر والحضر.
٤- صلاة الجمعة لا تقام إلا في مسجد واحد في البلد إلا لحاجة، وصلاة الظهر تقام في كل مسجد.
٥- صلاة الجمعة لا تقضي إذا فات وقتها، وإنما تصلي ظهرًا؛ لأن من شرطها الوقت، وصلاة الظهر تقضى إذا فات وقتها لعذر.
٦- صلاة الجمعة لا تلزم النساء، بل هي من خصائص الرجال، وصلاة الظهر تلزم الرجال والنساء.
٧- صلاة الجمعة لا تلزم الأرقاء على خلاف في ذلك وتفصيل، وصلاة الظهر تلزم الأحرار والعبيد.
٨- صلاة الجمعة تلزم من لم يستطيع الوصول إليها إلا راكبًا،
وصلاة الظهر لا تلزم من لا يستطيع الوصول إليها راكبًا.
٩. صلاة الجمعة لها شعائر قبلها، كالغسل، والطيب، ولبس أحسن الثياب ونحو ذلك، وصلاة الظهر ليست كذلك.
١٠.صلاة الجمعة إذا فاتت الواحد قضاها ظهرًا لا جمعة، وصلاة الظهر إذا فاتت الواحد قضاها كما صلاها الإمام إلا من له القصر.
١١. صلاة الجمعة يمكن فعلها قبل الزوال على قول كثير من العلماء، وصلاة الظهر لا يجوز فعلها قبل الزوال بالاتفاق.
١٢. صلاة الجمعة تسن القراءة فيها جهرًا، وصلاة الظهر تسن القراءة فيها سرًا.
١٣. صلاة الجمعة تسن القراءة فيها بسور معينة إما سبح والغاشية وإما الجمعة والمنافقون، وصلاة الظهر ليس لها سور معينة.
١٤.صلاة الجمعة ورد في فعلها من الثواب وفي تركها من العقاب ما هو معلوم، وصلاة الظهر لم يرد فيها مثل ذلك.
١٥. صلاة الجمعة ليس لها راتبه قبلها، وقد أمر النبي صلي الله عليه وسلم من صلاها أن يصلي بعدها أربعًا، وصلاة الظهر لها راتبه قبلها ولم يأت الأمر بصلاة بعدها.
١٦. صلاة الجمعة تسبقها خطبتان، وصلاة الظهر ليس لها خطبة.
١٧.صلاة الجمعة لا يصح البيع والشراء بعد ندائها الثاني ممن تلزمه، وصلاة الظهر يصح البيع والشراء بعد ندائها ممن تلزمه.
١٨. صلاة الجمعة إذا فاتت في مسجد لا تعاد فيه ولا غيره،
وصلاة الظهر إذا فاتت في مسجد أعيدت فيه وفي غيره.
١٩. صلاة الجمعة يشترط لصحتها إذن الإمام على القول بعض أهل العلم، وصلاة الظهر لا يشترط لها ذلك بالاتفاق.
٢٠. صلاة الجمعة رتب في السبق إليها ثواب خاص مختلف باختلاف السبق، والملائكة على أبواب المسجد يكتبون الأول فالأول، وصلاة الظهر لم يرد فيها مثل ذلك.
٢١. صلاة الجمعة لا إبراد فيها في شدة الحر، وصلاة الظهر يسن غيها الإبراد في شدة الحر
٢٢. صلاة الجمعة لا يصح جمع العصر إليها في الحال التي يجوز فيها جمع العصر إلى الظهر، وصلاة الظهر يصح جمع العصر إليها حال وجود العذر المبيح.
هذا وقد عداها بعضهم إلى أكثر من ثلاثين حكمًا، لكن بعضها أي الزائد عما ذكرنا فيه نظرًا أو داخل في بعض ما ذكرناه.
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين ١٥/٣٧٦
==)
والرابع: فوائد الحديث
1 – (منها): بيان رحمة الإسلام وتيسيره حيث أسقط الجمعة عن من يشق عليهم حضورها.
2 – (ومنها): إثبات أن الصحابي إذا أرسل الحديث فهو مقبول؛ لأن الصحابة كلهم عدول.
3 – (ومنها): تأكيد أهمية صلاة الجمعة؛ حيث لم يُعذر في تركها إلا من كان في حالة تمنعه عنها.
4 – (ومنها): الحديث يفسر آية الجمعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9].
5 – (ومنها): يدل على أن العبد غير مكلف بالجمعة، وهو ما عليه جمهور العلماء.
6 – (ومنها): المرأة غير مخاطبة بالجمعة، ولكن لها أن تحضر إن شاءت.
7 – (ومنها): يُستدل به على أن المرض عذر شرعي لترك الجمعة والجماعة.
[للفائدة انظر]: فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند، [1ج/ رقم (456) و(457 )] في مسألة: القراءة في يوم الجمعة.