[1ج/ رقم (509)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
شارك: طارق أبو تيسير ، ومحمد البلوشي ‘ وأحمد بن علي وعبدالله المشجري وأحمد بن خالد وعمر الشبلي وأسامة الحميري وعدنان البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (509)]:
٥٠٩ – قال الإمام النسائي رحمه الله في «عمل اليوم والليلة» (ص ٣٦٧): أخبرنَا مُحَمَّد بن نصر حَدثنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن بِلَال حَدثنِي أَبُو بكر عَن سُلَيْمَان عَن (أبي سُهَيْل بن مَالك) عَن أَبِيه أَنه كَانَ يسمع قِرَاءَة عمر بن الْخطاب وَهُوَ يؤم النَّاس فِي مَسْجِد رَسُول الله ﷺ من دَار أبي جهم، وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار وَالَّذِي فلق الْبَحْر لمُوسَى لِأَن (1) صهيبا حَدثنِي أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ﷺ لم ير قَرْيَة يُرِيد دُخُولهَا إِلَّا قَالَ حِين يَرَاهَا: ((اللَّهُمَّ ربَّ السَّمَوَات السَّبع وَمَا أظللن وربَّ الْأَرْضين السَّبع وَمَا أقللن وربّ الشَّيَاطِين وَمَا أضللن وربَّ الرِّيَاح وَمَا ذرين فإِنا نَسْأَلك خير هَذِه الْقرْيَة وَخير أَهلهَا ونعوذ بك من شَرها وَشر أَهلهَا وَشر مَا فِيهَا)).
وَحلف كَعْب بِالَّذِي فلق الْبَحْر لمُوسَى لِأَنَّهَا كَانَت دعوات دَاوُود حِين يرى الْعَدو.
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا محمد بن نصر الفراء النيسابوري، وقد وثَّقه النسائي وروى عنه جماعة.
—–
حاشية الصحيح المسند:
(١) كذا، وفي «تحفة الأشراف»: أن صهيبًا، وهو الأقرب.
===================
تخريج :
*ـــــــــــــــــــــ*
*دراسة الحديث رواية*
– *جاء في التاريخ الكبير للبخاري (ت ٢٥٦) – ت الدباسي والنحال ٧/٥٧١: في ترجمة [٨٩٧٧] عَطاءُ بنُ أَبِي مرْوانَ الأَسْلَميُّ.*
*سمِعَ أَباهُ.*
*قالَهُ الثوريُّ.*
*يُعدُّ فِي أهلِ المدينةِ.*
*قَالَ ابنُ أَبِي أُوَيْسٍ: حدَّثنِي ابنُ وهبٍ، عنْ حفصِ بنِ مَيْسَرةَ، عنْ مُوسَى بنِ عُقبةَ، عنْ عطاءِ بنِ أَبِي مَرْوانَ، عَن أَبِيهِ، أنَّ كعبَ الأحبارِ حدَّثهُ، أنَّ صُهيْبًا، صَاحبَ النبيَّ ﷺ حدثَهُ: لمْ يَكنِ النبيُّ ﷺ يرَى قريةً يُريدُ دخولَها، إلَّا قَالَ حينَ يرَاها: «اللَّهمَّ ربَّ السماواتِ ومَا أظْللنَ، وربَّ الأرَضينَ ومَا أقْللنَ، وربَّ الشياطينِ ومَا أضْللنَ، وربَّ الرِّياحِ وما ذَرينَ، فإنَّا نسألُكَ منْ خيرِ هذهِ القريةِ، وخيرِ أهلِهَا، ونعوذُ بكَ منْ شرِّهَا، وَشرِّ أهْلِها، وشرِّ ما فيهَا».*
*قَالَ سعدُ (١) بنُ عَبدِ الحَميدِ: حَدَّثَنا ابنُ أَبِي الزِّنادِ، عنْ مُوسَى بنِ عُقبةَ، عنْ عَطاءِ بنِ أَبِي مَرْوانَ، عَنْ أَبِيهِ، عنْ عبدِ الرَّحمنِ بنِ مُغِيثٍ، عنْ كَعْبٍ، عنْ صُهيبٍ.*
*وقَالَ عُبيدٌ: حَدَّثَنا يُونسُ بنُ بُكيرٍ، سمِعَ إبراهيمَ بنَ إسماعيلَ بنِ مجمِّعٍ، عنْ صالحِ بنِ كَيْسانَ، عنْ أَبِي مرْوانَ الأسْلَميِّ، عَنْ أَبِيهِ، عنْ جدِّهِ: خرجْنا معَ النبيِّ ﷺ إلَى خيبرَ، نحوَهُ.*
*ولا يصِحُّ هذَا.*
*وقَالَ ابنُ أَبِي أُويْسٍ: حدَّثَني أخِي، عنْ سُليمانَ، عنْ أَبِي سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، سمِعَ عائشةَ، عنِ النَّبيِّ ﷺ، قالَ: «ابْتغُوا ليلةَ القدْرِ فِي العشرِ الأَواخِرِ».*
*وعنْ كعبِ الأحبارِ، أنَّ صُهيْبًا حدَّثَه، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، نحوَهُ.*
*ولمْ يُتابعْ عليهِ سُليمانُ.*
*رَوى عَنهُ غَيْلانُ بنُ جامِعٍ.*
– *جاء في صحيح ابن خزيمة ٤/١٥٠ برقم ٢٥٦٥ – ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ كَعْبًا، حَدَّثَهُ، أَنَّ صُهَيْبًا صَاحِبَ النَّبِيِّ ﷺ حَدَّثَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَرَ قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا إِلَّا قَالَ حِينَ يَرَاهَا: «اللَّهُمَّ رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبِّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبِّ الشَّيَاطِينَ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبِّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا»*
*[التعليق]٢٥٦٥ – قال الألباني: إسناده حسن لغيره*
*وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين للحاكم – ط العلمية ١/٦١٤: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ*
– *قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ١٠/١٣٥: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ وَأَبِيهِ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ.*
– *جاء في السلسلة الصحيحة ٢٧٥٩ – «كان إذا أراد دخول قرية لم يدخلها حتى يقول: اللهم رب السماوات السبع وما أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت، ورب الرياح وما أذرت، ورب الشياطين وما أضلت، إني أسألك خيرها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها».*
تنبيه :
٩٢ – اللهم رب السموات السبع وما أظللن ٠٠ وشر ما فيها
رواه الطبراني في الأوسط عن أبي لبابة بن المنذر
ضعيف: الكلم الطيب (١٧٨) الطبعة الثالثة
ثم صحيح: السلسلة الصحيحة (٢٧٥٩)
تراجعات الألباني ١/٩٩
وفي «السير» من « السنن الكبرى للنسائي » -١٤٩/ ٨٨٢٧ – عن عمرو بن سواد، عن ابن وهب، عن حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، أن كعبا حدثه، أن صهيبا صاحب النبي ﷺ حدثه أن النبي ﷺ لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: «اللهم رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين، وما أقللن، ورب الشياطين، وما أضللن، ورب الرياح، وما ذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها».
قال أبو عبد الرحمن: حفص بن ميسرة لا بأس به، وعبد الرحمن بن أبي الزناد ضعيف، خالفه عبد الرحمن بن أبي الزناد.
وفي «عمل اليوم والليلة » -٥٤٥ – عن هارون بن عبد الله، عن سعد بن عبد الحميد، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن مغيث، عن كعب به. و-٥٤٦ – عن إبراهيم بن يعقوب، عن عبد الله ابن محمد النفيلي، عن محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن أبي مغيث بن عمرو، أن النبي ﷺ … فذكره.
و-٥٤٦ – عن زكريا بن يحيى، عن عمرو بن علي، عن عبد الله بن هارون، عن أبيه، عن ابن إسحاق، قال: حدثني من لا أتهم، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن أبي مغيث بن عمرو نحوه.
وأيضا في «السير» من « السنن الكبرى للنسائي » -١٤٩/ ٨٨٢٦ – وفي «عمل اليوم والليلة» -٥٤٣ – عن محمد بن نصر، عن أيوب بن سلميان بن بلال، عن أبي بكر بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن أبي سهيل بن مالك، عن أبيه أنه سمع قراءة عمر، وهو يؤم الناس من دار أبي جهم، قال: وقال كعب: والذي فلق البحر لموسى إن صهيبا حدثني … فذكر نحوه.
قال النسائي: أبو مروان ليس بالمعروف.
قال الحافظ المزي: رواه الفضيل بن سليمان، عن موسى بن عقبة، كما قال حفص ابن ميسرة.
وقال:»رواه إسماعيل بن أبي أويس، عن عبد الرحمن بن أبى الزناد انتهى. انظر «تحفة الأشراف» جـ ٤ ص ٢٠٠ – ٢٠١. والله تعالى أعلم.
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الحافظ النسائي (ت ٣٠٣) رحمه الله تعالى، بوب عليه: “مَا يَقُول إِذا رأى قَرْيَة يُرِيد دُخُولهَا”، (٥٤٣).
– بوب عليه ابن خزيمة في صحيحه:
بَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْقُرَى اللَّوَاتِي يُرِيدُ الْمَرْءُ دُخُولَهَا
– بوب عليه المحاملي في كتابه الدعاء:
بَابُ: مَا يَدْعُو إِذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَنْزِلِ يُرِيدُ دُخُولَهُ
– وبوب عليه الطبراني في الدعاء:
بَابُ مَا يَقُولُ الْمُسَافِرُ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى بَلْدَةٍ يُرِيدُ دُخُولَهَا
– بوب عليه النووي في الأذكار:
(بابُ ما يقولُه إذا رأَى قريةً يُريدُ دخولَها أولا يريده)
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
٢ – كتاب الإيمان، ٣٤ – الإيمان بوجود الشيطان، (٤٨٦).
و٤ – كتاب الصلاة، ٢١٦ – دعاء السفر، (١١٢٨).
و٩ – كتاب الدعوات والأذكار، ٣٩ – دعاء دخول القرية، (١٥٨٤).
وفي الكلم الطيب لابن تيمية (ت ٧٢٨) رحمه الله تعالى، ٣٨ – فصل في القرية أو البلدة إذا أراد دخولها، (١٧٩).
– *جاءت رواية في سيرة ابن هشام أن هذا الدعاء كان عند دخوله خيبر؛ ففي سيرة ابن هشام ت السقا ٢/٣٢٩ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُعَتِّبِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ، وَأَنَا فِيهِمْ: قِفُوا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقَلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، أَقَدِمُوا بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ: وَكَانَ يَقُولُهَا ﵇ لِكُلِّ قَرْيَةٍ دَخَلَهَا.*
–
والثاني: شرح وبيان الحديث:
(قال الإمام النسائي رحمه الله في «عمل اليوم والليلة» (ص ٣٦٧): أخبرنَا مُحَمَّد بن نصر حَدثنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان بن بِلَال حَدثنِي أَبُو بكر عَن سُلَيْمَان عَن (أبي سُهَيْل بن مَالك) عَن أَبِيه أَنه كَانَ يسمع قِرَاءَة عمر بن الْخطاب) رضي الله عنه، (وَهُوَ يؤم النَّاس فِي مَسْجِد رَسُول الله ﷺ من دَار أبي جهم، وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار) وهو أحَدُ التَّابِعينَ، (وَالَّذِي فلق الْبَحْر لمُوسَى) وإنَّما حَلَف كَعبٌ بالذي فلَق البَحرَ لموسى؛ لأنَّها كانت دَعَواتِ داوُدَ عليه السَّلامُ حينَ يَرى العَدوَّ، (لِأَن صهيبا) بن سنان الرومي رضي الله عنه، (حَدثنِي أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ﷺ لم ير قَرْيَة)
والقريةُ اسمٌ للموضع الذي يجتمع فيه الناسُ من المساكن والأبنية والضياع، وقد تُطلق على المدن كما في قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس، الآية (١٣)] فقد قيل إنَّها أنطاكية، ويقال لمكَّةَ أمُّ القرى. وعليه فإنَّ هذا الدعاءُ يقال عند دخول القرية أو المدينة. [فقه الأدعية والأذكار، (3/ 270)].
وقوله: (يُرِيد دُخُولهَا إِلَّا قَالَ حِين يَرَاهَا: ((اللَّهُمَّ ربَّ السَّمَوَات السَّبع وَمَا أظللن)
مِنَ الإظلالِ، أي: ما ارتَفعَت عليه وعَلَت وكانت له كالظُّلَّةِ، فأظَلَّت ما تَحتَها مِنَ النُّجومِ والشَّمسِ والقَمَرِ وساكِني الأرضِ.
“فيه توسُّلٌ إلى الله عزوجل بربوبيته للسموات السبع وما أظلَّت تحتها من النُّجوم والشمس والقمر والأرض وما عليها، فقولُه «وما أظللن» من الإظلال: أي ما ارتفعت عليه وعلت وكانت له كالظلَّة. [فقه الأدعية والأذكار، (3/ 270)].
وقوله: (وربَّ الْأَرْضين السَّبع وَمَا أقللن)
من الإقلال والمرادُ: ما حملته على ظهرها من الناس والدّوابِّ والأشجار وغير ذلك.
وقوله: (وربّ الشَّيَاطِين وَمَا أضللن)
من الإضلال وهو الإغواءُ والصَّدُّ عن سبيل الله، قال الله تعالى: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾ [النساء، الآيات (١١٧ – ١٢٠)].
وإذا علم العبدُ أنَّ اللهَ عزوجل ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه، وأنَّه سبحانه بكلِّ شيءٍ محيطٌ، وأنَّ قدرتَه سبحانه شاملةٌ لكلِّ شيءٍ، ومشيئتَه سبحانه نافذةٌ في كلِّ شيءٍ، لا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء لجأ إليه وحده واستعاذ به وحده، ولم يخف أحدًا سواه. [فقه الأدعية والأذكار، (3/ 271)].
قوله: (وربَّ الرِّيَاح وَمَا ذرين)
“يقال ذرتْه الرِّياح وأذرَته وتَذروه، أي: أطارَته، ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف، الآية (٤٥)]”.
قوله: (فإِنا نَسْأَلك خير هَذِه الْقرْيَة) أي: نَفسِها، بأن تَجعَلَها مُبارَكةً علينا نَقومُ فيها بالطَّاعةِ والعِبادةِ ونَسكُنُ فيها بالسَّلامةِ والعافيةِ (وَخير أَهلهَا)
“فيه سؤال الله عزوجل أن يجعلَ هذه القريةَ مباركةً عليه، وأن يَمنحَه من خيرها، وأن يُيَسِّرَ له السُكنى فيها بالسلامة والعافية، «وخير أهلها» أي: ما عندهم من الإيمان والصلاح والاستقامة والتعاون على الخير ونحو ذلك، «وخير ما فيها» أي: من الناس والمساكن والمطاعم وغير ذلك”.
قوله: (ونعوذ بك من شَرها وَشر أَهلهَا وَشر مَا فِيهَا)). أي: نَلجَأُ إلَيك ونَعتَصِمُ مِن شَرِّها، وشَرِّ أهلِها، وشَرِّ ما فيها.
“فيه تعوُّذٌ بالله عزوجل من جميع الشرور والمؤذيات، سواء في القرية نفسِها أو في الساكنين لها، أو فيما احتوت عليه.
فهذه دعوةٌ جامعةٌ لسؤال الله الخيرَ والتعوُّذ به من الشرِّ بعد التوسُّل إليه سبحانه بربوبيَّته لكلِّ شيء.
ثمَّ إنَّ المسافرَ يُستحبُّ له في سفره الإكثارُ من الدعاء لنفسه ووالديه وأهله وولده وجميع المسلمين، ويتخيَّر من الدعاء أجمَعَه، مع الإلحاح على الله عزوجل؛ لأنَّ دعوةَ المسافر مستجابةٌ. [فقه الأدعية والأذكار، (3/ 272)].
وجاءَ في رِوايةٍ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال هذا الدُّعاءَ عِندَما أشرَف على خَيبَرَ، وكان يَقولُه لكُلِّ قَريةٍ دَخَلَها.
(وَحلف كَعْب بِالَّذِي فلق الْبَحْر لمُوسَى لِأَنَّهَا كَانَت دعوات دَاوُود حِين يرى الْعَدو).
قال الوادعي رحمه الله: (هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا محمد بن نصر الفراء النيسابوري، وقد وثَّقه النسائي وروى عنه جماعة). وصحَّحه الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة (رقم:٢٧٥٩).
إشكال لغوي:
قائل: في هذا الحديث: «ورب الشياطين وما أضللن»، و«ما» لا تكون لبني آدم، إنما تكون لمن سواهم، ويكون مكانها لبني آدم «من»، ومن ذلك قول الله عز وجل: ﴿وما أكل السبع إلا ما ذكيتم﴾ [المائدة ٣] في أمثال لذلك في القرآن. فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن الأكثر غير ما ذكر، غير أن «ما» قد تستعمل في بني آدم أيضا، ومن ذلك قول الله عز وجل: ﴿ووالد وما ولد﴾ [البلد ٣] يريد آدم ﷺ ومن ولد، وقوله: ﴿والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم﴾ [النساء ٢٤] بمعنى إلا من ملكت أيمانكم، وقوله: ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء﴾ [النساء ٣] بمعنى من طاب لكم من النساء، في أشياء كثيرة من هذا الجنس من القرآن قد جاءت بما في معنى من، فمثل ذلك ما قد جاء في هذا الحديث من قوله: «ورب الشياطين وما أضللن بمعنى ورب الشياطين ومن أضللن». والله سبحانه وتعالى نسأله التوفيق.
شرح مشكل الآثار — الطحاوي
————————-
والثالث: ملحقات:
(المسألة الأولى): من المتقرر في باب الأذكار والأدعية
1) “رَغَّبَ اللهُ تَعالى عِبادَه أن يُكثِروا مِن ذِكرِه،
2) وبَيَّنَ لَهم سُبحانَه ما للذَّاكِرينَ عِندَه مِنَ الجَزاءِ العَظيمِ والأجرِ الكَبيرِ،
3) وفضائِلُ الذِّكرِ كَثيرةٌ في الكِتابِ والسُّنَّةِ،
4) وأنواعُ الأذكارِ الوارِدةِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّنَّةِ مُتَعَدِّدةٌ ومُتَنَوِّعةٌ؛ فمِنها الأذكارُ: المُطلَقةُ غَيرُ المُقَيَّدةِ، ومِنها الأذكارُ: المُقَيَّدةُ بأحوالٍ مُعَيَّنةٍ وأماكِنَ مُعَيَّنةٍ، ومِن تلك الأذكارِ الذِّكرُ عِندَ إرادةِ دُخولِ قَريةٍ ما”. سبق بيان هذه الأمور.
(المسألة الثانية): آداب العودة من السفر
١ – أن يتعجل العودة ولا يطيل المكث لغير حاجة؛ لأن السفر قطعة من العذاب.
٢ – يقرأ دعاء السفر ويزيد عليه: «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون».
٣ – يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده».
٤ – يلتزم بآداب السفر .
٥ – إذا رأى بلدته قال: «آيبون، تائبون عابدون لربنا حامدون» يردد ذلك حتى يدخل بلدته.
٦ – لا يقدم على أهله ليلًا إلا إذا أخبرهم بوقت قدومه بالتحديد.
٧ – إذا دخل بلدته أو حيَّه بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين.
٨ – يتلطَّف ويحسن بالولدان إذا استقبلوه.
٩ – تستحب الهدية؛ لأنها تزيل السخيمة، وتجلب المحبة.
١٠ – تستحب المعانقة للقادم من السفر والمصافحة عند المقابلة.
١١ – يُستحبّ جمع الأصحاب وإطعامهم عند القدوم من السفر.
(المسألة الثالثة): ٦ – باب ما يقول إذا رأى قرية يريد دخولها
عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه كان يسمع قراءة عمر بن الخطاب …. الحديث وإسناده حسن من أجل أبي مروان.
وقد حسّنه أيضا ابن حجر في نتائج الأفكار.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد»
عن ابن عمر قال: كنا نسافر مع رسول ﷺ فإذا رأى قرية يريد أن يدخلها قال: «اللهم! بارك لنا فيها» ثلاث مرات. «اللهم! ارزقنا جناها، وجنبنا وباها، وحببنا إلى أهلها، وحبب صالح أهلها إلينا».
حسن: رواه الطبراني في الدعاء (٨٣٦)، والأوسط (٤٥٨٧ – مجمع البحرين) عن عبد الرحمن بن الحسين الصابوني التستري، حدثنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى، حدثنا إسماعيل بن صبيح اليشكري، حدثنا مبارك بن حسان، عن نافع، عن ابن عمر فذكره.
وقال الطبراني: لم يروه عن مبارك إلا إسماعيل.
قلت: مبارك بن حسان وهو البصري ضعيف، وعبد الرحمن الصابوني ممن أكثر عنه الطبراني، ووصفه بالمعدل.
وله طريق آخر عن نافع رواه الطبراني في الدعاء (٨٣٥) عن سعيد بن مسلمة، عن محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ أنه كان يقول: “إذا خرجتم من بلادكم إلى بلدة تريدونها، فقولوا إذا أشرفتم عليها: اللهم رب السموات السبع وما أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت، ورب الرياح وما أذرت، ورب الشياطين وما أضلت، ورب الجبال، أسألك خير هذا المنزل وخير ما فيه، وأعوذ بك من شر ما فيه، اللهم! ارزقنا جناه، واصرف عنا وباه، وارزقنا رضاه، وحببنا إلى أهله، وحبب أهله إلينا».
وفي إسناده سعيد بن مسلمة ضعيف.
وبمجموع الطريقين يكون الحديث حسنا. [الجامع الكامل في الحديث الصحيح للأعظمي رحمه الله تعالى، (9/ 617 – 619)].
(المسألة الرابعة): مضامين هذا الحديث والدعاء:
1) التوسل بربوبية الله تعالى:
قوله: “اللهم رب السموات السبع وما أظللن”، يشير إلى عظمة الله كخالق ومدبر للسموات وما تحويها.
“ورب الأرضين السبع وما أقللن”، أي: الله هو خالق الأرضين وما عليها من كائنات.
“ورب الشياطين وما أضللن”، بيان أن الله سبحانه هو القادر على الحماية من شرور الشياطين وإضلالهم.
“ورب الرياح وما ذرين”، إقرار بأن الله هو المسيطر على الرياح وما تحمله أو تطيّره.
2)سؤال الخير والتعوذ من الشر:
“فإنا نسألك خير هذه القرية”، طلب الخير من الله في السكنى والعمل والمعاش.
“وخير أهلها وخير ما فيها”، دعاء لطلب التعامل مع أهل القرية الصالحين وما فيها من موارد.
“ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها”، دعاء للوقاية من كل أنواع الشرور.
3) التوجيه المعنوي في غزوة خيبر:
ولما دنا من خيبر وأشرف عليها، قال: «قفوا». فوقف الجيش، فقال: «اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أظللن، فإنا لنسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شر هذه القرية، وشرّ أهلها، وشر ما فيها، أقدموا بسم الله». [ابن هشام ٢/ ٣٢٩]. [الرحيق المختوم، (304)].
(المسألة الخامسة): الرد على من أنكر فيما يتعلق بالسموات
1) ذكر الإجماع على أن السموات سبع طباق:
قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله في معرض رده على من قال: “ويمكن أن تكون الأرضون وكذا السموات أكثر من سبع والاقتصار على العدد المذكور الذي هو عدد تام لا يستدعي نفي الزائد”.
قال الشيخ حمود التويجري رادا عليه: “هذا باطل مردود لمخالفته لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة الدالة على أن السموات سبع فقط وأن الأرضين سبع فقط. ومخالفته أيضًا لإجماع أهل السنة والحديث فقد ذكر الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي في كتابه «الفرق بين الفرق» إجماع أهل السنة على أن السموات سبع طباق خلاف قول من زعم من الفلاسفة والمنجمين أنها تسع.
وذكر شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى عن أبي بكر الأنباري أنه ذكر إجماع أهل الحديث والسنة على أن الأرضين سبع بعضهن فوق بعض.
وقال الشيخ محمد بن يوسف الكافي في كتابه «المسائل الكافية. في بيان وجوب صدق خبر رب البرية».
(المسألة التاسعة عشرة) الأرض عقيدة المسلمين فيها أنها سبع أرضين واحدة تحت واحدة كما أن السماء سبع واحدة فوق واحدة.
فمن قال واعتقد أنها واحدة لا تعدد فيها يكفر لتكذيبه الله تعالى في خبره (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن). ولتكذيبه رسول الله ﷺ في خبره أيضًا ثم ذكر ما رواه الإمام أحمد والشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين».
وما رواه الإمام أحمد والبخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال «من أخذ من الأرض شيئًا بغير حق خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين».
وأما الإجماع فقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى، قد خلق الله سبع أرضين بعضهن فوق بعض كما ثبت في الصحاح عن النبي ﷺ أنه قال «من ظلم شبرًا من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة».
وقد ذكر أبو بكر الأنباري الإجماع على ذلك وأراد به أهل الحديث والسنة انتهى”. إلى أخر ما ذكر. [الصواعق الشديدة، للشيخ حمود التويجري، ص (138 – 139)].
2) ذكر الأدلة على إثبات السموات السبع:
القول بنفي وجود السموات السبع معلوم البطلان بالضرورة من الدين.
والأدلة على إثبات السموات السبع من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ يشق استقصاؤها لكثرتها. وحسبنا أن نذكر ههنا طرفًا منها.
فمن ذلك قول الله تعالى مخبرًا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقًا. وجعل القمر فيهن نورًا وجعل الشمس سراجًا).
وقوله تعالى (الذي خلق سبع سموات طباقًا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير).
وقوله تعالى (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ما كنا عن الخلق غافلين).
وقوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم).
وقوله تعالى (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم).
وقوله تعالى (تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن) الآية وقوله تعالى (قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون الله قل أفلا تتقون).
وقوله تعالى (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن) الآية.
وقوله تعالى (وبنينا فوقكم سبعًا شدادا).
ففي هذه الآيات كلها النص على وجود السموات والنص على أنهن سبع. ففي هذا رد على أهل الهيئة الجديدة الذين أنكروا وجود السموات. [الصواعق الشديدة، ص (143 – 144)].
– قال عبدالحق الإشبيلي:
بَاب مَا يَقُول إِذا نزل منزلا
مُسلم: حَدثنَا هَارُون بن مَعْرُوف وَأَبُو الطَّاهِر، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب – وَاللَّفْظ لهارون – قَالَا: ثَنَا ابْن وهب قَالَ: وَأخْبرنَا عَمْرو – هُوَ ابْن الْحَارِث – أَن يزِيد بن أبي حبيب والْحَارث بن يَعْقُوب حَدَّثَاهُ، عَن يَعْقُوب بن عبد الله الْأَشَج، عَن بسر بن سعيد، عَن سعد بن أبي وَقاص، عَن خَوْلَة بنت حَكِيم السلمِيَّة، أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ – يَقُول: ” إِذا نزل أحدكُم منزلا فَلْيقل: أعوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا خلق فَإِنَّهُ لَا يضرّهُ شَيْء حَتَّى يرتحل مِنْهُ “.
قَالَ يَعْقُوب: وَقَالَ الْقَعْقَاع بن حَكِيم: عَن ذكْوَان أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: ” جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ – فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا لقِيت من عقرب لدغتني البارحة. قَالَ: أما لَو قلت حِين أمسيت: أعوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا خلق لم تَضُرك “.
وحَدثني عِيسَى بن حَمَّاد الْمصْرِيّ، أَنا اللَّيْث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن جَعْفَر، عَن يَعْقُوب أَنه ذكر لَهُ، أَن أَبَا صَالح مولى غطفان أخبرهُ، أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: ” قَالَ رجل: يَا رَسُول الله لدغتني عقرب … ” بِمثل حَدِيث ابْن وهب.
رَوَاهُ النَّسَائِيّ: قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان الْعقيلِيّ، ثَنَا عبد الْأَعْلَى، عَن عبيد الله بن عمر، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة: ” أَن رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ – تغيب عَنهُ لَيْلَة، فَسَأَلَ عَنهُ فَلَمَّا أصبح أَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ – فَقَالَ: مَا حَبسك؟ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لدغتني عقرب. قَالَ: لَو قلت حِين أمسيت: أعوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا خلق ثَلَاث مَرَّات لم تَضُرك “.
أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عَمْرو بن عُثْمَان الْحِمصِي، ثَنَا بَقِيَّة، ثَنَا صَفْوَان، حَدثنِي شُرَيْح بن عبيد، عَن الزبير بن الْوَلِيد، عَن عبد الله بن عمر قَالَ: ” كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ – إِذا سَافر فَأقبل اللَّيْل قَالَ: يَا أَرض، رَبِّي وَبِك الله، أعوذ بِاللَّه من شرك وَشر مَا فِيك، وَمن شَرّ مَا خلق فِيك، وَمن شَرّ مَا يدب عَلَيْك، وَأَعُوذ بِاللَّه من أَسد وأسود، وَمن الْحَيَّة وَالْعَقْرَب، وَمن سَاكن الْبَلَد، وَمن وَالِد وَمَا ولد “.
[الأحكام الكبرى 3/ 527]
– قال ابن القيم:
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في سفره وعبادته فيه
كانت أسفاره صلى الله عليه وسلم دائرةً بين أربعة أسفار: سفر لهجرته، وسفر للجهاد وهو أكثرها، وسفر للعمرة، وسفر للحج.
وكان إذا أراد سفرًا أقرَعَ بين نسائه، فأيَّتُهن خرج سهمُها سافر بها معه. ولما حجَّ سافر بهنَّ جميعًا.
وكان إذا سافر خرج من أول النهار. وكان يستحِبُّ الخروجَ يوم الخميس. ودعا الله أن يبارك لأمته في بكورها. وكان إذا بعث سريَّةً أو جيشًا بعثهم من أول النهار. وأمر المسافرين إذا كانوا ثلاثةً أن يؤمِّروا أحدهم.
ونهى أن يسافر الرجل وحده. وأخبر أنَّ الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب.
وذُكِر عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر: «اللهمَّ إليك توجَّهتُ، وبك اعتصمت. اللهمَّ اكْفِني ما أهمَّني وما لا أهتَمُّ له. اللهمَّ زوِّدني التقوى، واغفِرْ لي ذنبي، ووجِّهني للخير أينما توجَّهتُ».
وكان إذا قدِّمَتْ إليه دابَّتُه ليركبها يقول: «بسم الله» حين يضع رجله في الرِّكاب. فإذا استوى على ظهرها قال: «الحمد لله الذي سخَّر لنا هذا وما كنَّا له مُقْرِنين وإنَّا إلى ربِّنا لَمنقلبون». ثم يقول: «الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله». ثم يقول: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر»، ثم يقول: «سبحانك إنِّي ظلمتُ نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت».
وكان يقول: «اللهمَّ إنَّا نسألك في سفرنا هذا البرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى. اللهمَّ هوِّن علينا سفرنا هذا، واطوِ عنَّا بعده. اللهمَّ أنتَ الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل. اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال». وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: «آئبون تائبون عابدون لربِّنا حامدون».
وكان هو وأصحابه إذا علَوا الثَّنايا كبَّروا، وإذا هبطوا الأودية سبَّحوا.
وكان إذا أشرف على قرية يريد دخولها يقول: «اللهمَّ ربَّ السَّماوات السَّبع وما أظللن، وربَّ الأرَضين السَّبع وما أقللن، وربَّ الشياطين وما أضللن، وربَّ الرياح وما ذرَين، أسألك خيرَ هذه القرية وخيرَ أهلها، وأعوذ بك من شرِّها وشرِّ أهلها وشرِّ ما فيها».
وذُكِر عنه أنه كان يقول: «اللهمَّ إني أسألك من خير هذه وخيرِ ما جمعتَ فيها، وأعوذ بك من شرِّها وشرِّ ما جمعتَ فيها. اللهمَّ ارزقنا جَناها، وأعِذْنا من وباها، وحبِّبنا إلى أهلها، وحبِّب صالحي أهلها إلينا»….
[زاد المعاد ط عطاءات العلم 1/ 583]
والرابع: فوائد الحديث
1 – (منها): “مَشروعيَّةُ قَولِ هذا الدُّعاءِ عِندَ إرادةِ دُخولِ قَريةٍ أو بَلدةٍ ما.
2 – (ومنها): أنه يقال عند ظهور القرية لنظر المسافر.
3 – (ومنها): البدء بثناء الله عز وجل عند الدعاء.
4 – (ومنها): “سُؤالُ العَبدِ للهِ تعالى أن يَجعَلَ القَريةَ التي يَدخُلُها مُبارَكةً عليه، وأن يَمنَحَه مِن خَيرِها، وأن يُيَسِّرَ له السُّكنى فيها بالسَّلامةِ والعافيةِ.
5 – (ومنها): مَشروعيَّةُ التَّعَوُّذِ مِن جَميعِ الشُّرورِ والمُؤذياتِ.
6 – (ومنها): التَّوسُّلُ في الدُّعاءِ برُبوبيَّةِ اللهِ تعالى.
7 – (ومنها): مَشروعيَّةُ الحَلِفِ بقَولِ: والذي فلَقَ البَحرَ لموسى.
8 – (ومنها): إثباتُ أنَّ الأرَضينَ سَبعٌ كالسَّمَواتِ. [الحديثة].
9 – (ومنها): مراعاة ألفاظ المستعملة في عرف الشارع والمخاطبين.
10 – (ومنها): شمولية الدعاء، لأنه جمع في الدعاء بين الخير والشر، فكان كاملا يغطي جميع جوانب الحياة.
11- (ومنها): أثر التوكل على الله تعالى؛ لأنه يغرس في المسلم الاعتماد الكامل على الله في جميع أحواله.
12- [بَابُ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ]
َ. يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ إِخْلَاصُ النِّيَّةَ لِلَّهِ – تَعَالَى – فِي الطَّاعَاتِ، وَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ سِرًّا بِحُضُورِ قَلْبٍ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَابُ مَا يُدْعَى عِنْدَ اللِّقَاءِ. ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا غَزَا قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي، وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أُصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ» وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَقُولُهُ عِنْدَ قَصْدِ مَجْلِسِ عِلْمٍ.
المبدع في شرح المقنع
13 – قال الاتيوبي في فوائده:
منها: ما ترجم له المصنف رحمه الله تعالى، وهو مشروعية الدعاء عند الانصراف من الصلاة بالدعاء المذكور.
ومنها: أن الصلاة كانت مشروعة في شرع داود عليه الصلاة والسلام، وأنه كان يدعو بهذا الدعاء عقبها.
ومنها: كون الدين عصمة للعبد يعصمه من جميع مكاره الدنيا والآخرة، فينبغي له أن يتضرع إلى ربه أن يصلح له دينه.
ومنها: أن الدنيا معاش العبد، وهي متجره يربح فيها الأجر الجزيل الذي جزاءه الخلود المؤبد في الجنة، فلابد له من صلاحها ليتكمن من التجارة فيها، فلذا شرع له الطلب من الله تعالى أن يصلحها له.
ومنها: التعوذ من سخط الله تعالى، ومن نقمته. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى — محمد آدم الأثيوبي
14- في معنى هذا الدعاء :
١٧٢٩ – وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي ﷺ إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به». رواه مسلم.
٢٠٨ – (حسن) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال:
إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل:
اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك ”
تخريج الكلم الطيب — ابن تيمية
——————————