73 -فتح رب البرية بينابيع الحكمة من أقوال الأئمة
جمع أحمد بن خالد وآخرين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(2267): يقول العلامة المعلمي رحمه الله في كتابه “العبادة” (ص/524) :
” وما أخسر صفقة من يَدَعِ الأدعيةَ الثابتة في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكاد يدعو بها ، ثم يعمد إلى غيرها فيتحراه ويواظب عليه ، أليس هذا من الظلم والعدوان ؟! ” انتهى .
______________
(2268): قال ابن القيم رحمه الله :
*اعلم أنَّ أشعَّةَ لا إله إلّا الله تُقطِّع من ضَبابِ الذُّنوب وغَيمها بقدر قوَّة ذلك الشُّعاع وضَعْفِه*، فلها نورٌ، وتفاوتُ أهلها في ذلك النُّور قوّةً وضعفًا لا يحصيه إلّا الله تعالى.
– فمن النّاس مَن نورُ هذه الكلمة في قلبه كالشَّمس.
– ومنهم مَن نورُها في قلبه كالكوكب الدُّرِّيِّ.
– ومنهم مَن نورُها في قلبه كالمِشْعَل العظيم،
– وآخَرُ كالسِّراج المضيء،
– وآخَر كالسِّراج الضَّعيف.
ولهذا تظهر الأنوارُ يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار، بحسب ما هو في قلوبهم من نور هذه الكلمة علمًا وعملًا ومعرفةً وحالًا. وكلَّما *عظُمَ نورُ الكلمة واشتدَّ أحرَقَ من الشُّبهات والشَّهوات بحسب قوَّته وشدَّته، حتّى إنَّه ربَّما وصل إلى حالٍ لا يصادف شبهةً ولا شهوةً ولا ذنبًا إلَّا أحرَقَه*.
مدارج السالكين – ط عطاءات العلم ١/٥٠٨
______________
(2269): يقول ابن الجوزي في كتابه الأذكياء :
(حَدثنِي رجل من بني نَوْفَل بن عبد منَاف قَالَ لما أصَاب نصيب من المَال مَا أصَاب وَكَانَ عِنْده أم محجن وَكَانَت سَوْدَاء اشتاق إِلَى الْبيَاض فَتزَوج امْرَأَة سَرِيَّة بَيْضَاء فَغضِبت أم محجن وَغَارَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا وَالله يَا أم محجن مَا مثلي يغار عَلَيْهِ أَنِّي شيخ كَبِير وَمَا مثلك يغار أَنَّك لعجوز كَبِيرَة وَمَا أحد أكْرم عَليّ مِنْك وَلَا أوجب حَقًا فجوزي هَذَا الْأَمر وَلَا تكدريه على فرضيت وقرت ثمَّ قَالَ لَهَا بعد ذَلِك هَل لَك أَن أجمع إِلَيْك زَوْجَتي الجديدة فَهُوَ أصلح لذات الْبَين وألم للشعث وَأبْعد للشماتة فَقَالَت نعم أفعل وَأَعْطَاهَا دِينَار وَقَالَ لَهَا أَنِّي أكره أَن ترى بك خصَاصَة أَن تفضل عَلَيْك فاعملي لَهَا إِذا أَصبَحت عنْدك غَدا بِهَذَا الدِّينَار ثمَّ أَتَى زَوجته الجديدة فَقَالَ لَهَا إِنِّي أردْت أَن أجمعك إِلَى أم محجن غَدا وَهِي مكرمتك وأكره أَن تفضل عَلَيْك أم محجن فَخذي هَذَا الدِّينَار فاعدي لَهَا بِهِ إِذا أَصبَحت عِنْدهَا غَدا لِئَلَّا ترى بك خصَاصَة وَلَا تذكري لَهَا الدِّينَار ثمَّ أَتَى صاحبًا لَهُ يستنصحه فَقَالَ إِنِّي أُرِيد أَن أجمع زَوْجَتي الجديدة إِلَى أم محجن غَدا فأتني مُسلما فَإِنِّي سأستجلسك للغداء فَإِذا تغذيت فسلني عَن أحبهما إِلَيّ فَإِنِّي سانفروا أعظم ذَلِك فَإِذا أَبيت عَلَيْك أَن لَا أخْبرك فاحلف عَليّ فَلَمَّا كَانَ الْغَد زارت زَوجته الجديدة لأم محجن وَمر بِهِ صديقه فاستجلسه فَلَمَّا تغذيا أقبل الرجل عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا محجن أحب أَن تُخبرنِي عَن أحب زوجتيك إِلَيْك فَقَالَ سُبْحَانَ الله أتسألني عَن هَذَا وهما يسمعان مَا سَأَلَ عَن مثل هَذَا أحد قَالَ فَإِنِّي أقسم عَلَيْك لتخبرني فوَاللَّه لأعذرتك وَلَا أقيل إِلَّا ذَاك قَالَ أما إِذْ فعلت فأحبهما إِلَى صَاحِبَة الدِّينَار وَالله لَا أُرِيد على هَذَا شيا فَأَعْرَضت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا تضحك ونفسها مسرورة وَهِي تظن أَنه عناها بذلك القَوْل)
الأذكياء ١/١١٧-١١٨ — ابن الجوزي (ت ٥٩٧)
______________
(2270): كلما علّمت غيرك ازداد علمك
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
أن العلم أشرف ما يلقاه الإنسان بعد الإسلام، فهو خير من المال، وخير من الأولاد، وخير من الأزواج، وخير من الدنيا كلها، وانظر إلى العلماء الذين نور علمهم بين أيدينا اليوم، وانظر إلى من في زمنهم من الملوك والسراة والوجهاء والأعيان وغير ذلك ذهب ذكرهم، لكن العلماء بقي ذكرهم، وصاروا يدرسون الناس وهم في قبورهم، وهذه فضيلة عظيمة للعلم، فما أُعطي الإنسان بعد الإسلام خيرًا من العلم.
والعجب! أن العلم كما قال القائل:
يزيد بكثرة الإنفاق منه … وينقص إن به كفًا شددتا
فكلما علّمت غيرك ازداد علمك، وكلما أمسكت العلم نقص علمك، والمال بالعكس، ولولا أن الله ينزل البركة فيمن تصدق حتى لا تنقصه الصدقة لانتهى المال عن قرب . تفسير العثيمين: النساء ( 1/ 214).
______________
(2271): .
*لايدخل العبدُ الجنة إلا بالتمحيص*
*قال ابنُ قيم رَحِمَهُ الله* :
(*العبد لا يمكن دخوله الجنة، إلا بالتمحيص وهذا التمحيص يكون في دار الدنيا بأربعة أشياء*:
❶ – التــوبــة،
❷ – الاستغـفار،
❸ – الحسـنات الماحية،
❹ – المصـائب المكفـرة،
*وإن لم تـفِ هـذه الأربعة بتخليصه وتمحيصه،مُحـِّصَ في البـرزخ بثـلاثة أشـياء:*
❶ – صـلاة أهل الإيمان عليه،
واستـغفارهـم له، وشـفاعتهم له.
❷ – فتنـة القــبر.
❸ – ما يهدي إليه إخوانـه المسـلمون من هدايا الأعمال.
*فإن لم تـفِ هـذه الثلاثة بالتمحيص مُحـِّص في الموقف بثلاثة أشياء*:
❶ – أهوال القيامةوشـدة الموقـف.
❷ – شفـاعة الشفـعاء.
❸ – عفـو الله -عز وجـل.
*فإن لم تفِ هـذه الثلاثة بتمحيصه فتكون النـار طهرة له وتمحيصاً لخبثه،ويكون مكثه فيها على حسب كثرة الخبث وقلته،وشدته وضعفه، وتراكمه فـإذا خرج خبثه وصار خالصاً طيباً أُخرِج من النار، وأُدخِل الجنة*)
*مدارج السالكين (١/٤٦٣)*
______________
(2272): الإخلاص في طلب العلم :
قال سفيان الثوري :
تعلّمنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله.
وقال عبدالله بن المبارك :
طلبنا العلم للدنيا، فدلّنا على ترك الدنيا.
أدب الدين والدنيا | الماوردي.
—-
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
وما ذكر عن بعض العلماء من قولهم: ( طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله ) فمرادهم أنهم في أول طلبهم لم يستحضروا نية كونه لله عزّ وجل ثم فتح الله عليهم ولا يظهر أنهم أرادوا أنهم طلبوا العلم رياءً، لأن هذا بعيد لا سيما في الصدر الأول [ شرح الأربعين النووية ]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
والمقصود هنا أن محبة هذه الأمور الحسنة ليس مذمومًا بل محمودًا، ومن فعل هذه الأمور لأجل هذه المحبة لم يكن مذمومًا ولا معاقبًا، ولا يُقال إن هذا عمله لغير الله، فيكون بمنزلة المرائي والمشرك، فذاك هو الشرك المذموم. وأما من فعلها لمجرد المحبة الفطرية فليس بمشرك ولا هو أيضًا متقربًا بها إلى الله، حتى يستحق عليها ثواب من عمل لله وعبده، بل قد يثيبه عليها بأنواع من الثواب: إما بزيادة فيها في أمثالها، فيتنعَّم بذلك في الدنيا، ولهذا كان الكافر يُجزى على حسناته في الدنيا وإن لم يتقرب بها إلى الله، ولو كان فِعْل كل حَسَنٍ إذا لم يُفعل لله مذمومًا يستحق به صاحبه العقاب لما أطعم الكافر بحسناته في الدنيا إذا كانت تكون سيئاتٍ لا حسنات، وإذا كان قد يتنعّم بها في الدنيا ويُطعم بها في الدنيا، فقد يكون من فوائد هذه الحسنات ونتيجتها وثوابها في الدنيا أن يهديه الله إلى أن يتقرب بها إليه، فيكون له عليها أعظم الثواب في الآخرة.
وهذا معنى قول بعض السلف : طلبنا العلم لغير الله فأبي أن يكون إلا لله. وقول الآخر لما قيل له: إنهم يطلبون الحديث بغير نيَّة، فقال: طلبهم له نيَّة، يعنى نفس طلبه حسن ينفعهم. وهذا قيل في العلم لخصوصيته، لأن العلم هو الدليل المرشد، فإذا طلبه بالمحبة وحصَّله عرَّفه الإخلاصَ لله والعملَ له.
[ جامع المسائل لابن تيمية ]
_____________
(2273) [عد العلماء عدم حضور حلق العلم من المصيبات]
قال النووي:
ولقد كان أكثر اشتغال العلماء بالحديث في الاعصار الخاليات حتى لقد كان يجتمع في مجلس الحديث من الطالبين ألوف متكاثرات فتناقص ذلك وضعفت الهمم فلم يبق إلا آثار من آثارهم قليلات والله المستعان على هذه المصيبة وغيرها من البليات .
شرح النووي على مسلم ١/٤ — النووي (ت ٦٧٦)
______________
(2274): *{النعيم لا يدرك بالنعيم}*
قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله:
*”وَقد أجمع عقلاء كل أمة على أَن النَّعيم لَا يدْرك بالنعيم وَإِن من آثر الرَّاحَة فَاتَتْهُ الرَّاحَة وَإِن بِحَسب ركُوب الْأَهْوَال وإحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة فَلَا فرحة لمن لَا هم لَهُ وَلَا لَذَّة لمن لَا صَبر لَهُ وَلَا نعيم لمن لَا شقاء لَهُ وَلَا رَاحَة لمن لَا تَعب لَهُ بل إِذا تَعب العَبْد قَلِيلا استراح طَويلا وَإِذا تحمل مشقة الصَّبْر سَاعَة قَادَهُ لحياة الْأَبَد وكل مَا فِيهِ أهل النَّعيم الْمُقِيم فَهُوَ صَبر سَاعَة وَالله الْمُسْتَعَان وَلَا قُوَّة إِلَّا بِالله”.*
[مفتاح دار السعادة – 2 / 895]
______________
(2275): وقال عروة بن الزبير: إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة، فاعلم أن لها عنده أخوات، وإذا رأيته يعمل السيئة، فاعلم أن لها عنده أخوات، *فإن الحسنة تدل على أختها، وإن السيئة تدل على أختها* . [صفة الصفوة ٢/ ٤٤١].
______________
(2276): كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يكثر من ذكر الله على كل أحيانه
ويوصي بالإكثار من الذكر حتى يظن الناس أن الذاكر مجنون لكثرة ذكره،
فرآه يوماً رجل وهو يذكر الله، فقال لأصحابه: أمجنون صاحبكم هذا؟؟
فسمعه أبو مسلم فقال: ليس هذا بالجنون يا ابن أخي! ولكن هذا دواء الجنون.
[شعب الإيمان]
______________
(2277): قال ابن القيم -رحمه الله-:
السائر إلى ربِّه إذا أبصرَ الطريق وأعلامَها، وأبصرَ المعاثر والوهاد والطرق الناكبة عنها، فقد حصل له شطر السعادة والفلاح. وبقيَ عليه الشطر الآخر، وهو أن يضع عصاه على عاتقه، ويشمِّر مسافرًا في الطريق، قاطعًا منازلها منزلةً بعد منزلةٍ. فكلَّما قطع مرحلةً استعدَّ لقطع الأُخرى، واستشعر القرب من المنزل، فهان عليه مشقَّةُ السفر. وكلَّما شكت نفسه من كلال السير ومواصلة الشد والرحل وعَدَها قُربَ التلاقي وبردَ العيش عند الوصول، فيحدث لها ذلك نشاطًا وفرحًا وهمَّة. فهو يقول: يا نفس أبشري، فقد قرب المنزل، ودنا التلاقي، فلا تنقطعي في الطريق دون الوصول، فيحال بينك وبين منازل الأحبة، فإن صبرتِ وواصلتِ السُّرى وصلتِ حميدةً مسرورةً جذِلةً، وتلقَّتك الأحبة بأنواع التحف والكرامات. وليس بينك وبين ذلك إلا صبر ساعةٍ، فإنَّ الدنيا كلها كساعة من ساعاتِ الآخرة، وعمرك درجة من درج تلك الساعة، فاللَّه اللَّه لا تنقطعي في المفازة، فهو واللَّه الهلاك والعطب لو كنت تعلمين!
طريق الهجرتين ١/٣٩٨
______________
(2278): روى الإمام البخاري في الأدب المفرد بإسناده:
عَنْ مُهَاجِرٍ هُوَ الصَّائِعُ قَالَ : كُنْتُ أَجْلِسُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ ضَخْمِ مِنَ الْحَضْرَمِيِّينَ ، فَكَانَ إِذَا قِيلَ لَهُ : كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟
قَالَ : لَا نُشْرِكُ بِالله.
قال الإمام الألباني-رحمه الله- في صحيح الأدب المفرد ص٤٣٧ :حسن الإسناد موقوف..
______________
(2279): ﴿١٨-٢١﴾ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ * لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ .
يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان ويقتضيه من لزوم تقواه، سرا وعلانية، في جميع الأحوال، وأن يراعوا ما أمرهم الله به من أوامره وشرائعه وحدوده، وينظروا ما لهم وما عليهم، وماذا حصلوا عليه من الأعمال التي تنفعهم أو تضرهم في يوم القيامة، فإنهم إذا جعلوا الآخرة نصب أعينهم وقبلة قلوبهم، واهتموا بالمقام بها، اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها، وتصفيتها من القواطع والعوائق التي توقفهم عن السير أو تعوقهم أو تصرفهم، وإذا علموا أيضا، أن الله خبير بما يعملون، لا تخفى عليه أعمالهم، ولا تضيع لديه ولا يهملها، أوجب لهم الجد والاجتهاد.
وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة.
والحرمان كل الحرمان، أن يغفل العبد عن هذا الأمر، ويشابه قوما نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه، وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها، فلم ينجحوا، ولم يحصلوا على طائل، بل أنساهم الله مصالح أنفسهم، وأغفلهم عن منافعها وفوائدها، فصار أمرهم فرطا، فرجعوا بخسارة الدارين، وغبنوا غبنا، لا يمكنهم تداركه، ولا يجبر كسره، لأنهم هم الفاسقون، الذين خرجوا عن طاعة ربهم وأوضعوا في معاصيه، فهل يستوي من حافظ على تقوى الله ونظر لما قدم لغده، فاستحق جنات النعيم، والعيش السليم – مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين – ومن غفل عن ذكر الله، ونسي حقوقه، فشقي في الدنيا، واستحق العذاب في الآخرة، فالأولون هم الفائزون، والآخرون هم الخاسرون.
ولما بين تعالى لعباده ما بين، وأمرهم (١) ونهاهم في كتابه العزيز، كان هذا موجبا لأن يبادروا إلى ما دعاهم إليه وحثهم عليه، ولو كانوا في القسوة وصلابة القلوب كالجبال الرواسي، فإن هذا القرآن لو أنزله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله أي: لكمال تأثيره في القلوب، فإن مواعظ القرآن أعظم المواعظ على الإطلاق، وأوامره ونواهيه محتوية على الحكم والمصالح المقرونة بها، وهي من أسهل شيء على ⦗٨٥٤⦘ النفوس، وأيسرها على الأبدان، خالية من التكلف (٢) لا تناقض فيها ولا اختلاف، ولا صعوبة فيها ولا اعتساف، تصلح لكل زمان ومكان، وتليق لكل أحد.
ثم أخبر تعالى أنه يضرب للناس الأمثال، ويوضح لعباده في كتابه الحلال والحرام، لأجل أن يتفكروا في آياته ويتدبروها، فإن التفكر فيها يفتح للعبد خزائن العلم، ويبين له طرق الخير والشر، ويحثه على مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، ويزجره عن مساوئ الأخلاق، فلا أنفع للعبد من التفكر في القرآن والتدبر لمعانيه.
(١) في ب: وأمر عباده ونهاهم.
(٢) كذا في ب، وفي أ: وأقلها تكلفا.
تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن ١/٨٥٣ — عبد الرحمن السعدي (ت ١٣٧٦)
الحشر←١٨
______________
(2280): [ ليس من أخلاق المؤمنين ترك الدعاء في الرخاء ]
قوله: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) .
*تقريع لمن يهمل الدعاء في الرخاء، ويفزع إليه في الشدة، وليس ذلك من أخلاق المؤمنين*، إذ من أخلاقهم إكثار الدعاء
في الرخاء عُدة للشدة، واستغنامًا لشفاعة الملائكة – إلى ربهم – في
إجابته، فقد رُوي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لابن عباس:
” تعرَّف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة “….
فلا ينبغي للمؤمن أن يستن بالكافر، ولا يفزع إلى الدعاء إلا عند الشدائد.
النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم و الاحكام ( ج ٤/ ١٢) ] للإمام القصاب
______________
(2281): أن أعظم فضل يتفضل الله به على العبد هو العلم، ولا شك في هذا، ثم هذه البشرى هي لأهل العلم؛ إذا علمهم الله تعالى من شريعته ما علمهم، فإنما هم ورثة النبي ﷺ حيث علمهم من شريعته ما لم يكونوا يعلمون
تفسير العثيمين: النساء ( 2/ 216).
_____________
(2282): قال ابن القيم – رحمه الله-:
رفع الأصوات فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم سبب لحبوط الأعمال،
فما الظن برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وماجاء به .
مدارج السالكين ٢ /٣١٤
______________
(2283): قال أسد بن الفرات -رحمه الله-:
”ما ودّعتُ ابن القاسم قط إلا وقال لي: أوصيك بتقوى الله، والقرآن، ونشر العلم”
– ترتيب المدارك ١ / ٦٠٩
______________
(2284): فصل النزاع في التغني بالقرآن
قال ابن القيم :(وفصل النزاع أن يقال: التطريب والتغنِّي على وجهين:
أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به، من غير تكلُّف ولا تمرين وتعليم، بل إذا خُلِّي وطبعَه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين، فهذا جائز، وإن أعان طبيعتَه فضلُ تزيين وتحسين كما قال أبو موسى للنبي – صلى الله عليه وسلم -: «لو علمتُ أنَّك تستمع لحبَّرتُه لك تحبيرًا» . والحزين ومن هاجه الطربُ والحبُّ والشوقُ لا يملك من نفسه دفعَ التحزين والتطريب في القراءة، ولكنَّ النفوس تقبله وتستحليه وتستملحه لموافقة الطبع وعدم التكلُّف والتصنُّع فيه، فهو مطبوع لا متطبِّع، وكلِفٌ لا متكلِّف. فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويسمعونه، وهو التغنِّي الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثَّر به التالي والسامع. وعلى هذا الوجه تُحمَل أدلَّةُ أرباب هذا القول كلُّها.
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع، ليس في الطبع السماحةُ به، بل لا يحصل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلَّم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة والمركَّبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بالتعلُّم والتكلُّف. فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذمُّوها، ومنعوا القراءة بها، وأنكروا على من قرأ بها. وأدلَّةُ أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه.
وبهذا التفصيل يزول الاشتباه، ويتبيَّن الصواب من غيره. وكلُّ من له علم بأحوال السلف يعلم قطعًا أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلَّفة التي هي على إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرؤوا بها أو يسوِّغوها؛ ويعلمُ قطعًا أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسِّنون أصواتهم بالقرآن) زاد المعاد (١/١٩٦)
______________
(2285): قال ابن القيم – رحمه الله -: «وقد كان السلف يُحاسب أحدهم نفسه في قوله: يوم حار، ويوم بارد».
– الداء والدواء (373)
______________
(2286): قال الشيخ ابن عثيمين رحِمَه الله:
- كلما غفل الإنسان عن ذكر ربه انقطعت به السبل، وكلما عمر قلبه بذكر ربه وصل إلى الغاية،
فالذكر بمنزلة النور يهتدي به الإنسان في ظلمات الطرق حتى يصل إلى غايته.
• شرح الكافية الشافية (٣٦٧/٣).
______________
(2287): قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وعلى الحقيقة، فليست الفضائل الكاملة إلا الجمع بين العلم والعمل، فإذا حصلا رفعات صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه وتعالى، وحركاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه.
فتلك الغاية المقصودة، و«على قدر أهل العزم تأتي العزائم»، وليس كل مريد مرادًا، ولا كل طالب واجدًا، ولكن على العبد الاجتهاد، و«كل ميسر لما خلق له» والله المستعان.
صيد الخاطر ١/٥٠١
______________
(2288): قال ابن القيم-رحمه الله-:
وأمَّا السائرون إليه، فظالمهم قطع مراحل عمره في غفلاته وإيثار شهواته ولذَّاته على مراضي الربّ وأوامره، مع إيمانه باللَّه وكتبه ورسله واليوم الآخر، لكن نفسه مغلوبة معه، مأسور مع حظِّه وهواه، يعلم سوءَ حاله، ويعترف بتفريطه، ويعزم على الرجوع إلى اللَّه. فهذا حال المؤمن المسلم.
وأمَّا من زُيِّن له سوءُ عمله فرآه حسنًا، وهو غير معترفٍ ولا مقرّ ولا عازم على الرجوع إلى اللَّه والإنابة إليه أصلًا، فهذا لا يكاد إسلامه أن يكون صحيحًا أبدًا، ولا يكون هذا إلا منسلخ القلب من الإيمان، ونعوذ باللَّه من الخذلان.
طريق الهجرتين ١/٤٤٢
______________
(2289): قال الإمام الشافعي – رحمه الله -:
الشّبع؛ يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النّوم، ويضعف صاحبهُ عن العِبادة.
جامع العلوم والحكم – (ص٨٩٧)
______________
(2290): قال سعيد بن المسيب رحمه الله:
“ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة
إلا وأنا في المسجد”
انظر السير (٢٢١/٤
______________
(2291):
قال العلامة ابن مانع (ت: ١٣٨٥هـ) -رحمه الله- في آداب المتعلّم من كتابه النافع “إرشاد الطُّلّاب إلى فضيلة العلم والعمل والآداب”:
(ولا ينبغي له أن يكون لئيمًا يَغتابُ معلّمه ومن يشاركه في الدرس من الطلبة، ويقابل الحسنة بالسيئة، كما شاهدنا من كثيرٍ مِن الطلاب حتى حُرِموا العلمَ بسبب ذلك، بل الواجبُ عليه: الاعترافُ بفضله، والدُّعاءُ له، ونشرُ محاسنه، والكفُّ عن مساوئه).
______________
(2292): قال ابنُ تَيمِيَّةَ: (طاعةُ اللَّهِ ورَسولِه واجِبةٌ على كُلِّ أحَدٍ، وطاعةُ ولاةِ الأمورِ واجِبةٌ؛ لأمرِ اللهِ بطاعَتِهم، فمن أطاعَ اللهَ ورَسولَه بطاعةِ ولاةِ الأمرِ للهِ فأجرُه على اللَّهِ، ومَن كان لا يُطيعُهم إلَّا لما يَأخُذُه من الوِلايةِ والمالِ، فإنْ أعطَوه أطاعَهم وإنْ مَنعوهُ عَصاهم؛ فما لَهُ في الآخِرةِ مِن خَلاقٍ)
((مجموع الفتاوى)) (35/16).
______________
(2293): { وضاقت عليكم الأرض بما رحبت }
قال التابعي الحسن البصري :
هكذا يقع ذنب المؤمن من قلبه …
[ ابن أبي حاتم في تفسيره ١٠٢٣٥ ]
______________
(2294): قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:-
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: ۲۲۲].
إذا غسلت ثوبك من النجاسة، تُحس بأن الله أحبك ؛ لأن الله يحب المتطهرين، إذا توضأت ؛ تحس بأن الله أحبك؛ لأنك تطهرت، إذا اغتسلت تحس أن الله أحبك؛ لأن الله يحب المتطهرين.
ووالله ؛ إننا لغافلون عن هذه المعاني، أكثر ما نستعمل الطهارة من النجاسة أو من الأحداث ؛ لأنها شرط لصحة الصلاة؛ خوفًا من أن تفسد صلاتنا، لكن يغيب عنا كثيرًا أن نشعر بأن هذا قربة وسبب لمحبة الله لنا ، لو كنا نستحضر عندما يغسل الإنسان نقطة بول أصابت ثوبه أن ذلك يجلب محبة الله له، لحصلنا خيرًا كثيرًا. لكننا في غفلة!.
شرح العقيدة الواسطية ٢٠٢..
______________
(2295): ١٧٧٥ – عثمان بن حكيم بن عباد الأنصاري، أبو سهل
قال الميموني: قال لي أبو عبد اللَّه: عثمان بن حكيم شيخ.
قلت: أحاديثه؟
قال: متقاربة.
«العلل» رواية المروذي وغيره (٤٧٢).
قال عبد اللَّه: سمعت أبي يقول في حديث وكيع عن سفيان، عن أبي سهل، عن ابن المسيب: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد. قال أبي: أبو سهل هذا هو عثمان بن حكيم.
«العلل» رواية عبد اللَّه (١٤١٧).
قال عبد اللَّه: سئل أبي عن أبي سهل عن عكرمة؟
قال: هو عثمان بن حكيم لا شك فيه.
«العلل» رواية عبد اللَّه (١٥١٥).
قال عبد اللَّه: سمعت أبي يقول: ممن روى عنه سفيان ولم يحدث عنه شعبة: عثمان بن حكيم.
«العلل» رواية عبد اللَّه (١٠٩٤).
قال عبد اللَّه: قال أبي: عثمان بن حكيم ثقة.
«العلل» رواية عبد اللَّه (٣١٢٤).
قال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن عثمان بن حكيم، فقال: ثقة
«الجرح والتعديل» ٦/ ١٤٦، «تهذيب الكمال» ١٩/ ٣٥٧.
الجامع لعلوم الإمام أحمد – الرجال ١٨/١٨٤ — أحمد بن حنبل (ت ٢٤١)
______________
(2296): أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ، ثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «مَا شَبِعْتُ مُنْذُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، إِلا شُبْعَةً اطَّرَحْتُهَا، يَعْنِي فَطَرَحْتُهَا؛ لأَنَّ الشِّبَعَ يُثْقِلُ الْبَدَنَ، وَيُقَسِّي الْقَلْبَ، وَيُزِيلُ الْفِطْنَةَ، وَيَجْلِبُ النَّوْمَ، وَيُضْعِفُ صَاحِبَهُ عَنِ الْعِبَادَةِ»
آداب الشافعي ومناقبه ١/٧٨ — ابن أبي حاتم (ت ٣٢٧)