2240 تحضير سنن أبي داود
مجموعة: أحمد بن علي وعبدالله الديني وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وسلطان الحمادي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابٌ إِلَى مَتَى تُرَدُّ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهَا؟
2240 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ يَعْنِي ابْنَ الْفَضْلِ، ح وحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، الْمَعْنَى، كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ»، لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، فِي حَدِيثِهِ: بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ
[حكم الألباني] : صحيح دون ذكر السنين
——
ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما
فيه ثلاثة أحاديث:
الأول: حديث ابن عباس رضي الله عنهما : رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاصي بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحًا.
قال الإمام أحمد: صحيح .
وقال مرة: ما أراه يصح، يختلفون فيه.
وسئل عنه مرة فكأنه لم يثبته.
الثاني: حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبى العاصى بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد.
قال الإمام أحمد: هذا حديث ضعيف. أو قال: واه، ولم يسمعه الحجاج من عمرو بن شعيب، إنما سمعه من محمد بن عبيد اللَّه العرزمي، والعرزمي لا يساوي حديثه شيئًا .
وقال مرة: قرأت في بعض الكتب، عن حجاج قال: حدثني محمد بن عبيد اللَّه العرزمى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال: ومحمد بن عبيد اللَّه ترك الناس حديثه.
وقال مرة: ليس لذلك أصل.
وقال مرة: ما أدري ردها بالنكاح الأول أم بنكاح جديد؛ لأن الأحاديث مضطربة عندي .
الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أسلمت امرأة على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فتزوجت، فجاء زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه إني كنت أسلمت وعلمت بإسلامي. فانتزعها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول.
قال الإمام أحمد: ليس كل الناس يسنده.
الجامع لعلوم الإمام أحمد – علل الحديث ١٥/٦١
قال الخطابي:
وهذا إن صح فإنه يحتمل أن يكون عدتها قد تطاولت لاعتراض سبب حتى بلغت المدة المذكورة في الحديث إما الطولى منهما وإما القصرى، إلاّ أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه، وقد ضعف أمره علي بن المديني وغيره من علماء الحديث وقد حدثونا عن محمد بن إسماعيل الصائغ،، قال: حَدَّثنا سعيد بن منصور، قال: حَدَّثنا أبو معاوية، قال: حَدَّثنا الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بنكاح جديد، فقد عارض هذه الرواية رواية داود بن الحصين وفيها زيادة ليست في رواية داود بن الحصين والمثبت أولى من النافي غير أن محمد بن إسماعيل قال حديث ابن عباس أصح في هذا الباب من حديث عمرو بن شعيب، وقال أبو عيسى الترمذي قال يزيد بن هارون العمل في هذا على حديث عمرو بن شعيب وإن كان إسناد حديث ابن عباس أجود.
قال الشيخ وإنما ضعفوا حديث عمرو بن شعيب من قبل الحجاج بن أرطاة لأنه معروف بالتدليس.
وحكي عن محمد بن عقيل أن يحيى بن سعيد قال لم يسمعه حجاج من عمرو.
قال الشيخ وفي الحديث دليل أن افتراق الدارين لا تأثير له في إيقاع الفرقة وذلك أن أبا العاص كان بمكة بعد أن أطلق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفكه عن أسره وكان قد أخذ عليه أن يجهز زينب إليه ففعل ذلك وقدمت زينب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقامت بها.
وقد روي أن جماعة من النساء ردهن النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجهن بالنكاح الأول منهن امرأة عكرمة بن أبي جهل وكان خرج إلى اليمن وهند بنت عتبة أسلم أبو سفيان خارج الحرم وهي مقيمة بمكة وهي دار حرب لم يستول عليها النبي صلى الله عليه وسلم بعد فلما عاد إليها وأسلمت هند كانا على نكاحهما.
وقد تكلم الناس في ترويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب من أبي العاص ومعلوم أنها لم تزل مسلمة وكان أبو العاص كافراً ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما زوجها منه قبل نزول قوله عز وجل {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} [البقرة: 221] ثم أسلم أبو العاص فردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعا في الإسلام والنكاح معاً.
[معالم السنن 3/ 259]
قال ابن القيم:
[التفريق بين الذي يسلم وبين امرأته]
المثال الأربعون: رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “لم يكن يُفرِّق بين من أسلم وبين امرأته إذا لم تسلم معه، بل متى أسلم الآخر فالنكاح بحاله ما لم تتزوج” ، هذه سنته المعلومة.
قال الشافعيُّ: أسلم أبو سُفيان بن حرب بمرّ الظَّهران ، وهي دار خزاعة، وخزاعة مسلمون قبل الفتح في دار الإسلام، ورجع إلى مكة، وهند بنت عتبة مقيمة على غير الإسلام، فأخذت بلحيته، وقالت: اقتلوا الشيخ الضَّال، ثم أسلمت هند بعد إسلام أبي سفيان بأيام كثيرة، وقد كانت كافرة مقيمة بدار ليست بدار الإسلام، وأبو سفيان بها مسلم وهند كافرة، ثم أسلمت قبل انقضاء العدة واستقرا على النكاح؛ لأن عدّتها لم تنقض حتى أسلمت، وكان كذلك حكيم بن حزام وإسلامه، وأسلمت امرأة صفوان بن أمية وامرأة عكرمة بن أبي جهل بمكة، وصارت دارهما دار الإسلام وظهر حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمكة وهرب عكرمة إلى اليمن وهي دار حرب، وصفوان يريد اليمن وهي دار حرب، ثم رجع صفوان إلى مكة وهي دار الإسلام وشهد حُنَيْنًا، وهو كافر ثم أسلم فاستقرت امرأته عنده بالنكاح الأول، وذلك أنه لم تنقض عدتها ، وقد حَفظَ أهلُ العلم بالمغازي أن امرأةً من الأنصار كانت عند رجلٍ بمكة فأسلمت وهاجرت إلى المدينة، فقدم زوجها وهي في العدة، فاستقرّا على النكاح . قال الزُّهريُّ: لم يبلغني أن امرأةً هاجرت إلى اللَّه ورسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلّا فرّقت هجرتُها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم زوجها مهاجرًا قبل أن تنقضي عدتها، وإنه لم يبلغنا أن امرأةً فُرِّق بينها وبين زوجها إذا قَدِمَ وهي في عدّتها . وفي “صحيح البخاري” عن ابن عباس قال: كان المشركون على منزلتين من النبيّ صلى الله عليه وسلم: أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، وأهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه؛ فكان إذا هاجرت امرأةٌ من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيضَ وتطهر، فإذا طهرت حلَّ لها النكاح، فإن هاجر قبل أن تنكح رُدَّت إليه . وفي “سنن أبي داود” عن ابن عباس قال:
“ردَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم زينب ابنته على أبي العَاص بن الربيع بالنكاح الأول، ولم يُحدث شيئًا بعد ست سنين” . وفي لفظ لأحمد: “ولم يُحدث شهادة ولا صداقًا”، وعند الترمذي: “ولم يُحدث نكاحًا”، قال الترمذي: هذا حديث ليس بإسناده بأس. وقد رُوي بإسناد ضعيفٍ عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدّه: “أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ردَّها على أبي العاص بنكاح جديد” .
قال الترمذي : في إسناده مقال، وقال الإمام أحمد : “هذا حديث ضعيف، والصحيح أنه أقرّهما على النكاح الأول”، وقال الدارقطني : “هذا حديث لا يثبت، والصواب حديث ابن عباس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ردَّها بالنكاح الأول”، وقال الترمذي في كتاب “العلل” له: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: حديث ابن عباس في هذا الباب أصح من حديث عمرو بن شعيب.
فكيف يجعل هذا الحديث الضعيف أصلًا ترد به السنة الصحيحة المعلومة ويجعل خلاف الأصول ؟.
فإن قيل: إنما جعلناها خلاف الأصول لقوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، وقوله: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ] (6)} [البقرة: 221]، وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، ولأن اختلاف الدين مانعٌ من ابتداء النكاح؛ فكان مانعًا من دوامه كالرضاع.
قيل: لا تخالف السنة شيئًا من هذه الأصول، إلّا هذا القياس الفاسد؛ فإن هذه الأصول إنما دلَّت على تحريم نكاح الكافر ابتداء والكافرة غير الكتابيين، وهذا حق لا خلاف فيه بين الأمة، ولكن أين في هذه الأصول ما يوجب تعجيل الفرقة بالإسلام وأن لا تتوقف على انقضاء العدة؟ ومعلوم أن افترَاقَهما في الدين سببٌ لافتراقهما في النكاح، ولكن توقف السببِ على وجود شرطه وانتفاء مانعه لا يُخرجه عن السببية، فإذا وجد الشرط وانتفى المانع عَملَ عمله واقتضى أثره، والقرآن إنما دلَّ على السببية، والسنة دلَّت على شرط السبب ومانعه كسائر الأسباب التي فصَّلت السنة شروطَها وموانعها؛ كقوله {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، وقوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3]، وقوله: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، وقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [جَزَاءً بِمَا كَسَبَا] (2)} [المائدة: 38] ونظائر ذلك؛ فلا يجوز أن يُجعل بيان الشروط والموانع معارضة لبيان الأسباب والموجبات فتعود السنة كلها أو أكثرها معارضة للقرآن، وهذا محال.
[إعلام الموقعين عن رب العالمين 4/ 172 ]
قال ابن كثير:
وقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} فيه دلالة على أن الإيمان يمكن الاطلاع عليه يقينًا.
وقوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين وقد كان جائزًا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة، ولهذا كان أبو العاص بن الربيع زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها، قد كانت مسلمة وهو على دين قومه، فلما وقع في الأسارى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لها رقة شديدة وقال للمسلمين: “إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا” ففعلوا فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه، فوفَّى له بذلك وصدقه فيما وعده وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه، فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر. وكانت سنة اثنتين إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ثمان فردَّها عليه بالنكاح الأول، ولم يحدث لها صداقًا.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، حدثنا ابن إسحاق، حدثني داود بن الحصين، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردَّ ابنته زينب على أبي العاص، وكانت هجرتها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقًا. ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه. ومنهم من يقول بعد سنتين، وهو صحيح؛ لأن إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس ولا نعرف وجه هذا الحديث ولعله جاء من حفظ داود بن الحصين، وسمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يذكر عن ابن إسحاق هذا الحديث وحديث ابن الحجاج يعني ابن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد، فقال يزيد: حديث ابن عباس أجود إسنادًا والعمل على حديث عمرو بن شعيب، ثم قلت: وقد روى حديث الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وضعفه الإمام أحمد وغير واحد، والله أعلم.
وأجاب الجمهور عن حديث ابن عباس بأن ذلك كان قضية عين، يحتمل أنه لم تنقض عدتها منه لأن الذي عليه الأكثرون أنها متى انقضت العدة ولم يسلم انفسخ نكاحها منه.
وقال آخرون: بل إذا انقضت العدة هي بالخيار، إن شائت أقامت على النكاح واستمرت، وإن شاءت فسخته وذهبت فتزوجت وحملوا عليه حديث ابن عباس، والله أعلم.
[تفسير ابن كثير – ط ابن الجوزي 7/ 250]
وَفِي لَفْظٍ: رَدَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ. وَفِي رِوَايَةٍ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ تُعُجِّلَتِ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ انْتُظِرَ إِلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ فِيهَا اسْتَمَرَّ عَلَى نِكَاحِهَا، وَإِنِ انْقَضَتْ وَلَمْ يُسْلِمِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، وَزَيْنَبُ، رضي الله عنها ، أَسْلَمَتْ حِينَ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهَاجَرَتْ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ، وَحُرِّمَ الْمُسْلِمَاتُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَأَسْلَمَ أَبُو الْعَاصِ قَبْلَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ، فَمَنْ قَالَ: رَدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ. أَيْ مِنْ حِينِ هِجْرَتِهَا، فَهُوَ صَحِيحٌ، وَمَنْ قَالَ: بَعْدَ سَنَتَيْنِ. أَيْ مِنْ حِينِ حُرِّمَتِ الْمُسْلِمَاتُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَالظَّاهِرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي أَقَلُّهَا سَنَتَانِ مِنْ حِينِ التَّحْرِيمِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا، فَكَيْفَ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ قَائِلُونَ: يَحْتَمِلُ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ، وَهَذِهِ قِصَّةُ عَيْنٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ. وَعَارَضَ آخَرُونَ هَذَا
الْحَدِيثَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَدَّ بِنْتَهُ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ.»
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَاهٍ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، وَالْعَرْزَمِيُّ لَا يُسَاوِي حَدِيثُهُ شَيْئًا، وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ.
وَهَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يَثْبُتُ هَذَا الْحَدِيثُ، وَالصَّوَابُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَدَّهَا بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَ زَوْجِهَا ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الظَّاهِرُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا، وَمَنْ رَوَى أَنَّهُ جَدَّدَ لَهَا نِكَاحًا فَضَعِيفٌ، فَفِي قَضِيَّةِ زَيْنَبَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ
وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُ زَوْجِهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَنِكَاحُهَا لَا يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، بَلْ تَبْقَى بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ، وَإِنْ شَاءَتْ تَرَبَّصَتْ وَانْتَظَرَتْ إِسْلَامَ زَوْجِهَا أَيَّ وَقْتٍ كَانَ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ قُوَّةٌ، وَلَهُ حَظٌّ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَيُسْتَشْهَدُ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ: نِكَاحُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ وَعِدَّتُهُنَّ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ، كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ يُقَاتِلُونَهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ لَا يُقَاتِلُهُمْ وَلَا يُقَاتِلُونَهُ، وَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ، فَإِنَّ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ. هَذَا لَفَظُهُ بِحُرُوفِهِ، فَقَوْلُهُ: فَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ. يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةٍ، لَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ. يَقْتَضِي أَنَّهُ، وَإِنْ هَاجَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْعِدَّةِ، أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَنْكِحْ زَوْجًا غَيْرَهُ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ،
وَكَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
البداية والنهاية ت التركي ٥/٢٦٩ — ابن كثير
قال ابن رسلان:
قال ابن عبد البر في رد أبي العاص إلى امرأته: لا يخلو من أن يكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار، يعني: في قوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ، وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فيكون منسوخًا بما جاء بعده أو تكون حاملًا استمر حملها حتى أسلم زوجها، أو مريضة لم تحض ثلاث حيضات حتى أسلم، أو تكون ردت إليه بنكاح جديد؛ لما روى ابن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب أنه ردها إليه بنكاح جديد يعني: ويؤول حديث ابن عباس بما تقدم أولًا
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 10/ 33]
قال ابن عثيمين:
فَإِنْ سَبَقَتْهُ فَلَا مَهْرَ، وَإِنْ سَبَقَهَا فَلَهَا نِصْفُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ وُقِفَ الأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الآخَرُ فِيهَا دَامَ النِّكَاحُ، وَإِلاَّ بَانَ فَسْخُهُ مُنْذُ أَسْلَمَ الأَوَّلُ، ……..
قوله: «فإن سبقته فلا مهر» أي: أسلمت قبله قبل الدخول فلا مهر لها؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها، فنقول لها: لو بقيت على الكفر ما صار منك فرقة، لكن لما أسلمتِ صارت الفرقة من قبلك، فليس لك شيء من المهر، وهذا على قاعدة المذهب واضح؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها فلو شاءت لم تسلم، وهذا يدعوها إلى البقاء على دينها على الكفر!
قوله: «وإن سبقها فلها نصفه» يعني أسلم قبلها فلها نصفه، فإذا بقيت كافرة وزوجها أسلم تعطى نصف المهر؛ والسبب أن الفرقة من قبله، إذ لو شاء لم يسلم.
وفي المذهب قول أن الفرقة تكون من المتأخر إسلامه، فعلى هذا إذا أسلمت هي ولم يسلم فالفرقة منه، فيجب عليه نصف المهر؛ لأننا نقول: أنت الذي فرطت لِمَ لم تسلم؟ وإن كانت هي التي تأخرت وهو أسلم، فالفرقة من قبلها فلا يكون لها شيء، يعني عكس ما قاله المؤلف، وهذا يشجع على الإسلام، وهذا من الناحية الدينية وكونه فيه حث على الإسلام أقوى من المذهب، ومن ناحية التقعيد فالمذهب أقعد؛ لأن حقيقة الأمر أن الفرقة ممن تسبب لها، والذي تسبب لها الذي أسلم، فالمذهب أقرب إلى القواعد بقطع النظر عن كون هذا السبب محرماً أو جائزاً.
هذا إذا كان قبل الدخول، وأما إذا كان بعد الدخول، فيقول المؤلف:
«وإن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة، فإن أسلم الآخر فيها دام النكاح، وإلا بان فسخه منذ أسلم الأول» إذا كان الإسلام بعد الدخول فله صور أيضاً:
الأولى: أن يسلما معاً فيبقى النكاح.
الثانية: أن يسلم الزوج وهي كتابية فيبقى النكاح.
الثالثة: أن يسلم الزوج وهي غير كتابية فيوقف الأمر إلى أن تنقضي العدة؛ فلا تنقطع عُلق النكاح حتى تعتد، فإن أسلمت هي فالنكاح بحاله، وإن بقيت على كفرها تبين أن النكاح منفسخ منذ إسلام الزوج.
الرابعة: أن تسلم هي فنوقف الأمر إلى انقضاء العدة، فإن أسلم الزوج بقي النكاح، وإن لم يسلم تبين فسخه منذ أسلمت المرأة، هذا هو المشهور من المذهب.
وقال بعض أهل العلم: إنه إذا حصل اختلاف دين على وجه لا يقران عليه، بطل النكاح بمجرد الاختلاف ولا ينتظر، فالصورتان الأوليان النكاح باقٍ ولا إشكال، إنما الصورتان الأخريان يرى بعض العلماء كابن حزم وجماعة من أهل العلم، وهو رواية عن أحمد أنه ينفسخ بمجرد أن تسلم هي، أو يسلم هو وهي غير كتابية، ويعللون هذا بأن جميع أسباب الفسخ يكون فيها الفسخ من حين ما يوجد سببه، فكل سبب يبطل النكاح، فبمجرد ما يوجد يبطل النكاح، فاللعان يبطل النكاح بمجرد أن يوجد، والرضاع إن ثبت فبمجرد ثبوته يبطل النكاح.
وهناك قول ثالث عكس هذا الأخير: أنه لا ينفسخ النكاح إذا شاءت المرأة، أي: إذا أسلمت المرأة بعد الدخول وانقضت العدة لا نقول: انفسخ النكاح، فقبل انقضاء العدة لا يمكن أن تتزوج؛ لأنها في عدة الغير فنحبسها عن الزواج، وبعد انقضاء العدة نقول لها: إن شئت تزوجي، وإن شئت انتظري حتى يسلم زوجك، فلعله يسلم فترجعين إليه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ـ رحمهما الله ـ، وحسنه الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار، بل إن شيخ الإسلام لا يفرق بين ما قبل الدخول وبعده؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ما دام أنه معقود على وجه صحيح، وسبب الصحة باقٍ، ولم يحفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه فرق بين الرجل وامرأته إذا سبقها بالإسلام، أو سبقته به، وقال أيضاً: لدينا دليل على ثبوت ذلك، فهذا أبو العاص بن الربيع رضي الله عنه زوج زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم أسلم متأخراً عن إسلامها؛ لأنها أسلمت في أول البعثة، وما أسلم هو إلا بعد الحديبية، حين أنزل الله تعالى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، فبين إسلامه وإسلامها نحو ثماني عشرة سنة، وردها النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول ولم يجدد نكاحاً، وهذا دليل واضح جداً، وكذلك صفوان بن أمية رضي الله عنه أسلمت زوجته قبل أن يسلم بشهر؛ لأنها أسلمت عام الفتح وهو ما أسلم إلا بعد غزوة الطائف، وأقره النبي عليه الصلاة والسلام على نكاحه، ويقول شيخ الإسلام: القياس إما أن ينفسخ النكاح بمجرد اختلاف الدين، كما قاله ابن حزم؛ لأنه وجد سبب الفرقة إذا قلنا: إن الإسلام سبب للفرقة، وإما أن يبقى الأمر على ظاهر ما جاء في السنة، وهو أنه لا انفساخ، لكن ما دامت في العدة فهي ممنوعة من أن تتزوج من أجل بقاء حق الزوج الأول، وبعد انقضاء العدة إذا شاءت أن تتزوج تزوجت، وإن شاءت أن تنتظر لعل زوجها يسلم فلا حرج، وهذا الذي قاله هو الذي تشهد له الأدلة، ولأنه القياس حقيقة.
واعلم أنه ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة أبي العاص بن الربيع رضي الله عنه أنه كان بين إسلامه وإسلام زينب ست سنين، ولكن يقول ابن القيم: إن هذا وهمٌ، أو أن المراد بالإسلام الهجرة، أي بين إسلامه وهجرتها ست سنين، وأما بين إسلامه وإسلامها فنحو ثماني عشرة سنة؛ لأنها أسلمت أول البعثة وهو ما أسلم إلا بعد الحديبية، وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة من بعد البعثة مع ست سنين، فهذه تسع عشرة سنة، فإذا قدرنا أنها أسلمت في السنة الثانية، فتكون نحو ثماني عشرة سنة، وبقيت معه حتى الحديبية؛ لأنه لم ينزل التحريم إلا في الحديبية، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10].
[الشرح الممتع على زاد المستقنع 12/ 244]
قال العباد:
قوله: [إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها].
سبق فيما مضى أن المرأة إذا أسلم زوجها وهي في العدة فإن الزوجية باقية، وإذا خرجت من العدة وهو لم يسلم فإن لها أن تتزوج أو أن تنتظر ولو طالت المدة بعد خروجها من العدة، ما دام أنها ترغب في زوجها وأن تبقى في عصمته وأن تكون زوجة له، وأرادت أن تنتظر لعله يسلم، فلها ذلك، والدليل على ذلك قصة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكونها بقيت حتى أسلم زوجها وردها عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول لم يحدث شيئاً، أي: ما ردها بعقد جديد ولا بزواج جديد ومهر، وإنما أبقى الزواج على ما هو عليه، فدل هذا على أن المرأة إذا خرجت من عدتها لها أن تنتظر زوجها الكافر لعله يسلم ويبقيان على زواجهما كما حصل لـ زينب رضي الله عنها.
وأورد أبو داود حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم أبو العاص بن الربيع ردها عليه بالنكاح الأول، ولم يحدث شيئاً، وقد كان هناك فترة طويلة بين إسلام زينب وبين إسلام زوجها، وذكر في الحديث أنه بعد ست سنين وفي بعض الروايات أنه بعد سنتين، وهذه الزيادة ضعفها الألباني التي فيها الست سنين والسنتين، والذي يبدو أنه ليس هناك حدّ، وأنها إذا أرادت أن تنتظر ولو طالت المدة.
[شرح سنن أبي داود للعباد 257/ 7 بترقيم الشاملة آليا]
جاء في فقه النوازل للأقليات المسلمة (رسالة دكتوراه):
المبحث الثالث
حكم بقاء من أسلمت تحت زوجها الكافر
تحرير محل النزاع:
1 – وقع الإجماع على حرمة نكاح المشركات مطلقًا (1).
2 – وقع الإجماع على حرمة نكاح الكافر للمسلمة مطلقًا .
3 – وقع الإجماع على أنهما إذا أسلما معًا فهما على نكاحهما الأول، ما لم يكن بينهما نسب، أو رضاع مطلقًا (3).
قال ابن عبد البر رحمه الله: “أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معًا في حالة واحدة، أن لهما المقام على نكاحهما، ما لم يكن بينهما نسب ولا رضاع” (4)، وقد أسلم خَلْقٌ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ونساؤهم، وأُقِرُّوا على أنكحتهم، ولم يسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شروط النكاح، ولا عن كيفيته، وهذا أمرٌ عُلِمَ بالتواتر والضرورة، فكان يقينًا (5).
4 – وقع الإجماع على أنه إذا أسلم الزوج وكانت زوجه كتابية أنهما على نكاحهما الأول (6).
5 – وقع الإجماع على أنه بمجرد إسلام المرأة فقد حرم الجماع بينهما إذا كان الزوج وثنيًّا ووجب التفريقُ الحسيُّ.
قال الشافعي -رحمه الله تعالى- في كتاب الأم: “الناس لا يختلفون في أنه ليس له أن يطأها في تلك الحال إذا كانت وثنية” (1)، وقال البيهقي في السنن الكبرى: “باب الزوجين الوثنيين يسلم أحدهما فالجماع ممنوع حتى يسلم المتخلف منهما؛ لقول الله عز وجل: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، وقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] ” (2).
وقال القرطبي رحمه الله: “وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه؛ لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام” (3).
وإن مما يجدر ذكره هنا -قبل الدخول في سرد مذاهب الفقهاء- رحمهم الله -في أثر إسلام أحد الزوجين، وبقاء الآخر مصرًّا على كفره- أنهم جميعًا -بعد نزول آية الممتحنة- يتفقون على أنه بإسلام أحد الزوجين وبقاء الآخر على الكفر تتوقف الحياة الزوجية بين الزوج الكافر والزوجة المؤمنة، وتتوقف الحياة الزوجية بين الزوج المؤمن والزوجة الوثنية الكافرة، فلا جماع ولا انكشاف ولا إنجاب، ولا أي شيء من المسِّ، ولا أي شيء من دواعي الجماع بينهما، ولا يحقُّ للكافر الوثني أن يعود إلى الحياة الزوجية ما دام على كفره، وإنما يحقُّ أن يعود إلى الحياة الزوجية إذا أسلم فرضِيَ بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا (4).
قال ابن عبد البر: “لم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها إليها، إذا كان لم يسلم في عدتها، إلا شيء رُوِيَ عن إبراهيم النخعي شَذَّ فيه عن جماعة العلماء، ولم يتبعه عليه أحد من الفقهاء، إلا بعض أهل الظاهر” (1).
وبعد اتفاقهم على ما سبق فقد اختلفوا في إبطال العقد، وكيف يتم، ومتى يتم؟
وقد نقل بعض المعاصرين ثلاثة عشر قولًا في ذلك (3) أصلها عند ابن القيم في تسعة (4) أقوال، وهي تعود إلى ثلاثة أقوال رئيسة (5).
وفيما يلي ذِكْرُ هذه الأقوال الثّلاثة عشر ثم رَدُّها إلى الأقوال الثلاثة الرئيسة:
1 – يبطل عقد النكاح بينهما بمجرد إسلام أحدهما قبل الآخر.
وهذا مذهب الحسن البصري في رواية، وعطاء بن أبي رباح في رواية، وعكرمة (6)، وقتادة السدوسي، وعمر بن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (1)، وعبد الله بن شبرمة (2) في رواية، وأبي ثور (3)، وهو رواية عن أحمد بن حنبل، تبعه عليها بعض أصحابه، ومذهب أبي محمد بن حزم، كذلك هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة إذا كانت الزوجة غيرَ مدخولٍ بها، وهو مذهب سفيان الثوري إذا كان الزوجان في دار الحرب خاصة.
…. فذكر الاقوال ثم ختمها :
13 – ينتقل عقد النكاح بينهما إلى عقد جائز، يبيح للزوجة مفارقة الزوج إن شاءت، كما يبيح مكثها معه كزوجة إن شاءت، ما داما في موضعِ تمكينٍ، كدارِ إسلامٍ، وعليه تدل الرواية الصحيحة المحفوظة عن أمير المؤمنين عمر، والرواية عن أمير المؤمنين علي، وهو مذهب عامر الشعبي (1) وإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان (2).
وهذه الأقوال يمكن رَدُّهَا -كما سبق- إلى ثلاثة أقوال رئيسة على النحو التالي:
الأول: بطلان عقد النكاح السابق بين المسلمة وغير المسلم، والخلاف ضمن هذا القول على وقت البطلان فقط، وهو يشمل الأقوال من ( ا) إلى( 8)، والقول الحادي عشر أيضًا، وهو أنه لا يبطل عقد النكاح إلا بقضاء القاضي، أو بانتهاء العدة، فهو يتوافق في النهاية مع من يقول ببطلان العقد بانتهاء العدة.
الثاني: لا يبطل عقد النكاح السابق إلا بقضاء القاضي مطلقًا، أو في دار الإسلام فقط، هذا هو القول التاسع والعاشر والحادي عشر أيضًا.
الثالث: ينتقل العقد السابق من عقدٍ لازمٍ إلى عقدٍ جائزٍ، يُجيزُ لها أن تفارِقَهُ وتنكحَ زوجًا غيره إن شاءتْ، ولا يجوز له أن يطأها مطلقًا في دار الحرب، أو في دار الإسلام، وفقَ القول الثاني عشر -قول ابن القيم- ويجوز الوطء بينهما ما دامت في دار الإسلام، وفقَ القول الثالث عشر -قول عمر وعلي- والذي تبناه -فيما بعد- عامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان.
وبفحص هذه الأقوال نجد أنه باعتماد القول بالتفريق والإبطال لما بينهما من العقد، فقد اخْتُلِفَ في مسائلَ، هي:
1 – نوع الإبطال الذي يلحق عقد النكاح:
القول الأول: هو فسخ يجب بعد انقضاء العدة، وهو رأي الأئمة الأربعة.
القول الثاني: هو طلاق.
القول الثالث: يبقى النكاح مع عدم المسيس حتى يحكم القاضي بالتفريق.
القول الرابع: يكون موقوفًا.
بحيث يتحول العقد إلى عقد جائز من جهة الزوجة، فلها أن تبقى معه من غير مسيس، ولها أن تفارقه وتنكح زوجًا غيره.
2 – كيفية الرد والاستئناف:
القول الأول: على القول بأنه فسخ بعد انقضاء العدة يكون الردُّ بعقد ومهر جديدين.
القول الثاني: يرجع الزوج إليها من غير احتياج إلى عقد جديد إذا أسلم قبل انقضاء عدتها.
القول الثالث: يرجع بعقد جديد، لكن بصداقها القديم.
القول الرابع: يستمر على النكاح القديم، ولو بعد انقضاء العدة، ولو طالت المدة!
3 – المدة التي يمكن للمتأخر فيها الرد إلى الحياة الزوجية:
القول الأول: إذا أسلم المتأخر خلال عدتها استأنف حياته الزوجية، وإذا أسلم بعدها فلا سبيل له عليها، وهو مذهب الأئمة الأربعة.
القول الثاني: لا حدَّ للمدة التي يجوز فيها الردُّ، ما دامت لم تَنْكِحْ زوجًا غيره، وهو قول ابن تيمية وابن القيم.
الأدلة والمناقشات:…
أدلة القول الأول:
وخلاصته: بطلانُ عقد النكاح إمَّا بانقضاء العِدَّةِ، كما هو مذهب الأغلبية، أو بقضاء القاضي، كما هو مذهب الزهري في رواية.
واستدلوا لمذهبهم بالكتاب، والسنة، وآثار الصحابة….
القول الثاني:
وخلاصته: لا يبطل عقد النكاح إلا بقضاء القاضي مطلقًا، أو في دار الإسلام فقط، وهو خلاصة القول التاسع والعاشر والحادي عشر أيضًا، وهو ظاهر قول ابن عباس، كما كان يرى للزوجة المسلمة إبطاله باختيارها، وترك زوجها الكافر.
وهو مقتضى قول طاوس، وسعيد بن جبير، وسفيان الثوري، والزهري في رواية عنه، وهو مذهب الحنفية (1).
ومذهب الحنفية: أن المرأة إذا أسلمت وهاجرت من دار كفر إلى دار الإسلام، فإن اختلاف الدارين يفرق بينها وبين زوجها، بمجرد صيرورتها في دار الإسلام.
القول الثالث:
وخلاصة هذا القول: أن العقد ينتقل من عقد لازم إلى جائز، يجيز للمرأة أن تفارق وتنكح زوجًا آخر إن شاءت، ويكون العقد موقوفًا، ولا يَحِلُّ له أن يطأها مطلقًا، لا في دار حرب أو إسلام، وهذا مذهب ابن القيم وشيخه رَحِمَهُمَا اللهُ.
ويجوز الوطء بينهما ما دامت في دار الإسلام، ولم يكن زوجها محاربًا لدينها؛ وفقًا لما رُوِيَ عن عمر وعلي، وبه قال الشعبي والنخعي وحماد بن أبي سليمان (2) وانتصر له بعض أهل العلم ، ورأى أنه أعظم في تأليف القلوب، وألصق بما قامت عليه الدعوة النبوية (3).
الترجيح:
بعد عرض الأدلة ومناقشتها يتبين: أن أَولى الأقوال وأرجحَها وأوسطَها قولُ ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى.
وخلاصته: أن المرأة إذا أسلمتْ فلها أن تقيم مع زوجها متربصةً به الإسلام، على ألَّا تُمَكِّنَهُ من نفسها، ويكون عقدها هنا موقوفًا فإن اختارت الفُرْقَةَ وأن تنكح غيره فلها ذلك، وإن أحبت البقاءَ من غير وطءٍ فالأمْرُ إليها.
وهو قولٌ يَجمعُ بين رعاية المرأة وترغيبها في الإسلام، ورعاية الرجل والأسرة وترغيبهم أيضًا في الإسلام.
ولا شك أن في هذا القول إعمالًا لقوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] إلا أن هذا القول يُفَارِقُ الجمهورَ فيما لو دخل الزوجُ إلى الإسلام بعد العِدَّةِ فإنه لا يعود إليها إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين، عند الجمهور، وأما شيخ الإسلام، وابن القيم فيعيدانه إليها بنفسِ العقدِ الأول، وهو قولٌ يستفيد من واقعة زينب وزوجها رضي الله عنهما.
وقد نص المجلس الأوربي للإفتاء على أرجحية هذا القول وتبنَّاهُ، مقدِّمًا إيَّاهُ على قول الجمهورِ، فجاء في بيانه الختامي في دورته العادية الثامنة:
القرار (3/ 8) في موضوع: إسلام المرأة وبقاء زوجها على دِينِهِ، ما يلي:
بعد اطلاع المجلس على البحوث والدراسات المختلفة في توجهاتها، والتي تناولت الموضوع بتعميق وتفصيل في دورات ثلاث متتالية، واستعراض الآراء الفقهية وأدلتها، مع ربطها بقواعد الفقه وأصوله، ومقاصد الشرع، ومع مراعاة الظروف الخاصة التي تعيشها المسلمات الجديدات في الغرب حين بقاء أزواجهن على أديانهم؛ فإن المجلس يؤكد أنه يحرم على المسلمة أن تتزوج ابتداءً من غير المسلم، وعلى هذا إجماع الأمة سلفًا وخلفًا، أما إذا كان الزواج قبل إسلامها فقد قرر المجلس في ذلك ما يلي:
أولًا: إذا أسلم الزوجان معًا ولم تكن الزوجة ممن يحرم عليه الزواج بها ابتداءً كالمحرمة عليه حرمةً مؤبدةً بنسب أو رضاع فهما على نكاحهما.
ثانيًا: إذا أسلم الزوج وحده، ولم يكن بينهما سببٌ من أسباب التّحريم، وكانت الزوجة من أهل الكتاب فهما على نكاحهما.
ثالثًا: إذا أسلمتِ الزوجةُ وبقي الزوج على دينه فيرى المجلس:
أ – إن كان إسلامُهَا قبل الدخولِ بها فتجبُ الفُرْقَةُ حالًا.
ب – إن كان إسلامها بعد الدخولِ، وأسلم الزوج قَبْلَ انقضاءِ عِدَّتِهَا، فهما على نكاحِهِمَا.
جـ – إن كان إسلامها بعد الدخول، وانقضتِ العدةُ، فلها أن تنتظرَ إسلامَهُ، ولو طالتِ المدةُ، فإن أَسْلَمَ فهما على نكاحهما الأول، دون حاجة إلى تجديد له.
د – إذا اختارت الزوجة نكاحَ غيرِ زوجها بعد انقضاء العدة، فيلزمُهَا طلبُ فسخِ النكاح عن طريق القضاء.
رابعًا: لا يجوز للزوجة -عند المذاهب الأربعة- بعد انقضاء عدتها البقاءُ عند زوجها، أو تمكينُهُ من نفسها. ويرى بعضُ العلماء أنه يَجُوزُ لها أن تمكثَ مع زوجها بكامل الحقوق والواجبات الزوجية، إذا كان لا يضيرها في دينها، وتطمعُ في إسلامه؛ وذلك لعدم تنفير النساء من الدخول في الإسلام إذا عَلِمْنَ أنهن سيفارِقْنَ أزواجهن ويتركْنَ أُسَرَهُنَّ، ويستندون في ذلك إلى قضاءِ أميرِ المؤمنين عمر بن الخطاب في تخيير المرأة في الحيرة التي أسلمتْ ولم يُسْلِمْ زوجها: “إن شاءتْ فارقته، وإن شاءتْ قَرَّتْ عنده”، وهي رواية ثابتة عن يزيد بْن عبد الله الخطمي، كما يستندون إلى رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إذا أسلمتِ النصرانيةُ امرأةُ اليهودي أو النصراني كان أحقَّ ببضعها؛ لأن له عهدًا، وهي أيضًا رواية ثابتة. وثبت مثل هذا القول عن إبراهيم النخعي، والشعبي، وحماد بن أبي سليمان (1).
وهو بيانٌ يعكس وجودَ آراء متعارضة داخل المجلس، وتساهلًا مع القول الضعيف الذي يبدو واهيَ الاعتبار، في حين جاء بيان مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا متحفظًا ومتوافقًا مع مذهب الجمهور، من غير إشارة إلى مذهب شيخ الإسلام إلَّا عند تسبيب قرار المجمع وتوجيهه، حيث نَصَّ على وجاهة مذهب ابن تيمية وابن القيم من غير أن يتبناه المجمع، مع مسيس حاجة مسلمات الغرب إليه.
ومن غير التفاتٍ إلى القول القائل باستدامة الحياة والعشرة، بشرط أن تطمع في إسلامه وألَّا يؤذيَهَا في دينها؛ وذلك لضعفه الظاهر.
وهذا القرار جاء متوافقًا مع قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في هذا الشأن، حيث جاء فيه:
“بمجرد إسلامِ المرأةِ، وإباءِ الزوجِ الإسلامَ ينفسخ نكاحُهُمَا، فلا تَحِلُّ معاشرتُهُ لها، ولكنها تنتظر مدة العدة، فإن أَسْلَمَ خلالها عادت إليه، بعقدهما السابقِ، أمَّا إذا انقضت عدتها ولم يُسْلِمْ فقد انقطع ما بينهما، فإنْ أَسْلَمَ بعد ذلك، ورغبا في العودة إلى زواجهما عادا بعقد جديد، ولا تأثير لما يُسَمَّى بحسن المعاشرة في إباحة استمرار الزواج” (1).
ويلاحَظُ أن القرار لم يحدد أو يطلب قضاءَ قاضٍ ليحكمَ بالبطلان أو الفسخ، في حين أن اتفاق المجلسين الآخرين على الرجوع إلى القضاءِ؛ ليتحقق إنهاءُ العقد السابق، وهو موقفٌ مستوحًى من مذهب الحنفية.
وذلك لأن انفساخ العقد يحتاج إلى توثيق قضائي على الأقل، وكذا فإن رأي ابن القيم وشيخه ابن تيمية، وهو أن الزواج موقوف حتى تنكح زوجًا غيره -على وجاهته- ضعيفُ التطبيقِ في العصر الحاضر؛ إذ لا يُسْمَحُ للمرأة -قضاءً- بالزواجُ من رجل آخر إلا بعد فسخ عقد زواجها السابق، وليس مقبولًا في قوانين جميع الدول، ومنها: قوانينُ الدول الإسلامية المستمَدَّةُ من الأحكام الشرعية، أن يُباحَ للمرأة عقدُ زواجٍ ثانٍ، وهي لا تزالُ على عصمة زوجها الأول، بحجة أن الزواج الأول ينحلُّ حين يُعْقَدُ الزواجُ الثاني، فإذا كان من حَقِّهَا بعد انتهاء العدَّةِ أن تنكح زوجًا آخرَ، فإن هذا الحق لا تستطيع ممارسته قانونيًّا إلا بعد فسخِ عقدِهَا السابقِ، فيكون هذا الفسخُ واجبًا على أقلِّ تقديرٍ لتمكينها من ممارسة حقِّهَا الشرعيِّ بالزواج من آخرَ.
أما طريقةُ فسخِ العقد فهي رفعُ الأمر إلى القضاء في جميع الحالات، ففي دار الإسلام يُعْرَضُ الإسلامُ على الزوج فإنْ أَبَى فَيُفَرِّقُ القاضي بينه وبين زوجتِهِ.
وفي غير دار الإسلام تَطْلُبُ الزوجةُ التفريقَ لأي سببٍ يَنْسَجِمُ مع قوانين بلادها، وعادةً تحكمُ المحاكم بالتفريق، ولو بعد زمن طويل، وإن كان في مذهب الحنفية أن الزوجة إذا أسلمتْ في دار الحرب أو في دار الإسلام تَبِيْنُ عن زوجها إذا لم يُسْلِمْ عند انتهاءِ فترةِ العدةِ، كما سبق بيانه، والله أعلم.
[فقه النوازل للأقليات المسلمة 2/ 1001]