٤٨٦ و ٤٨٧ و ٤٨٨ و ٤٨٩ و ٤٩٠ و ٤٩١ و ٤٩٢ عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘-
باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر
٤٨٦ -وعن عبدِ اللَّه بن مُغَفَّلٍ، رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رجُلٌ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : يارسولَ اللَّه، واللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، فَقَالَ: “انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ؟ “قَالَ: وَاللَّه إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ:”إِنْ كُنْتَ تُحبُّني فَأَعِدَّ لَلفقْر تِجْفافًا، فإِنَّ الفَقْر أَسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّني مِنَ السَّيْل إِلَى مُنْتَهَاهُ “رواه الترمذي وقال حديث حسن.
“التِّجْفَافُ”بكسرِ التاءِ المثناةِ فوقُ وَإسكانِ الجيمِ وبالفاءِ المكررة، وَهُوَ شَيْءُ يَلْبِسُهُ الفَرسُ، لِيُتَّقَى بِهِ الأَذَى، وَقَدْ يَلْبَسُهُ الإِنْسَانُ.
قال الحاكم هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ” ووافق الذهبي
الألباني كان قد ضعفه قبل الوقوف على بعض الشواهد فلما وقف عليها حسنه كما في الصحيحة 2828.
جاء في راوية أبي ذر رضي
الله عنه: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أحبكم أهل البيت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : الله؟ قال: الله. قال: ” فأعد للفقر تجفافا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبنا من السيل من أعلى الأكمة إلى أسفلها “. ( صححه الألباني)
على شرط المتم على الذيل.
قوله : ( والله إني لأحبك )
أي حبا بليغا وإلا فكل مؤمن يحبه.
قال ابن علان: “لعل ذكر المؤكدات لزيادة تثبيت مضمون الخبر عنده” (دليل الفالحين)
( فقال له انظر ما تقول )
أي رمت أمرا عظيما وخطبا خطيرا فتفكر فيه ، فإنك توقع نفسك في خطر . وأي خطر أعظم من أن يستهدفها غرضا لسهام البلايا والمصائب ، فهذا تمهيد لقوله : ( فأعد للفقر تجفافا )
قال ابن علان:” أي تأمله، وتذكر فيه فإنك رمت خطة عظيمة ومشقة وخيمة تورثك خطرًا يجعلك هدفًا لبلايا فظيعة ورزايا وجيعة، فأمره بالنظر ليوطن نفسه على ما يرهقه عسرًا أو يكلفه أمرًا إصرًا. (دليل الفالحين)
( إن كنت تحبني ) حبا بليغا كما تزعم
( فأعد )
أمر مخاطب من الإعداد ، أي فهيء
( للفقر )
أي بالصبر عليه بل بالشكر والميل إليه.
( تجفافا )
بكسر الفوقية وسكون الجيم : أي درعا وجنة . ففي المغرب : هو شيء يلبس على الخيل عند الحرب كأنه درع ، تفعال من جف لما فيه من الصلابة واليبوسة انتهى . فتاؤه زائدة على ما صرح به في النهاية . وفي القاموس : التجفاف بالكسر آلة للحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقيه في الحرب . فمعنى الحديث : إن كنت صادقا في الدعوى ومحقا في المعنى فهيء آلة تنفعك حال البلوى ، فإن البلاء والولاء متلازمان في الخلا والملا . ومجمله أنه تهيأ للصبر خصوصا على الفقر لتدفع به عن دينك بقوة يقينك ما ينافيه من الجزع والفزع ، وقلة القناعة وعدم الرضا بالقسمة . وكني بالتجفاف عن الصبر لأنه يستر الفقر كما يستر التجفاف البدن عن الضر . قاله القاري
المناوي: “أنك ادعيت دعوى كبيرة فعليك البينة وهو اختبارك بالصبر تحت أثقال الفقر الدنيوي الذي هو قلة المال وعدم الموافق وتحمل مكروهه وتجرع مرارته والخضوع والخشوع بملابسته بأن تعد له تجفافا”
فيض القدير ٣/٣٣
( من السيل )
أي إذا انحدر من علو.
( إلى منتهاه )
أي مستقره في سرعة وصوله . والمعنى أنه لا بد من وصول الفقر بسرعة إليه ، ومن نزول البلايا والرزايا بكثرة عليه ، فإن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، خصوصا سيد الأنبياء ، فيكون بلاؤه أشد بلائهم ، ويكون لأتباعه نصيب على قدر ولائهم.
قال ابن عثيمين: “لأن السيل إذا كان له منتهى وقد جاء من مرتفع يكون سريعًا.”
قال ابن علان: “المحب يجب أن يتصف بصفات المحبوب، فالمرء مع من أحب، ومولى القوم منهم في الخير والشر، فمن أحب أن يكون معهم في نعيم الآخرة فليصبر كما صبروا في الدنيا عن شهواتها، لكن هذا مقام عال شريف لا يقدر عليه إلا الأفراد، فلذا قال له انظر ماذا تقول: أي إنك قد ادعيت أمرًا عظيمًا يستدعي الصبر على أمر عظيم قال تعالى: ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين﴾’ (دليل الفالحين)
فيه فضل الفقر وأنه مما يبتلي به المصطفين من عباد ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ، فَوَجَدْتُ حَرَّهُ بَيْنَ يَدَيَّ فَوْقَ اللِّحَافِ، فَقُلْتُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَشَدَّهَا عَلَيْكَ. قَالَ : ” إِنَّا كَذَلِكَ، يُضَعَّفُ لَنَا الْبَلَاءُ، وَيُضَعَّفُ لَنَا الْأَجْرُ “. قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ : ” الْأَنْبِيَاءُ “. قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ” ثُمَّ الصَّالِحُونَ، إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلَّا الْعَبَاءَةَ يُحَوِّيهَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ .
(يحويها) في النهاية التحوية أن يدير كساء حول سنام لبعير ثم يركبه. وفي نسخة (يحوبها )
من حبى بحاء مهملة وباء موحدة في آخره أي يجعل لها حبيبا . وفي نسخة (يجوّبها)أَي يَجْعَل لَهَا جبا فيلبسها. في طبعة الخانجي: «يحويها»، والمثبت أي ( يجوّبها) عن النسخ الخطية: الأزهرية، وتيمور، والشنقيطي، وطبعتي دار الصديق، والآداب.
وفي مسند أحمد: فَيَجُونَهَا ، قال محققو المسند: “في (م): فيخونها، وهو تصحيف، والمعنى: أي يقطعها ليلبسها في عنقه، قاله السندي. وفي مطبوع ابن ماجه: يُحويها، والتحوية أن يدير كساء حول سنام البعير، ثم يركبه. ولا تناسب المعنى، فلعلها يجوبها، وقد اضطرب السندي في «شرحه لابن ماجه» ٢/٤٩٠، فقال: يحوبها -من حبى- بحاء مهملة وباء موحدة في آخره -أي يجعل لها جيبًا! وقد اضطرب رسمها كذلك في مطبوع المصنف: فيحولها، وفي مطبوع أبي يعلى: يحويها!”
قال ابن عثيمين: “ولكن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لا ارتباط بين الغنى ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكم من إنسان غني يحب الرسول صلى الله عليه وسلم وكم من إنسان فقير أبغض ما يكون إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولكن علامة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون الإنسان أشد اتباعًا له، وأشد تمسكًا بسنته، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران: ٣١) .
فالميزان هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، من كان للرسول أتبع فهو له أحب، وأما الفقر والغنى فإنه بيد الله عزوجل” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)
قال ابن باز: “هذا إن صح، فمعناه : أن من أحب الرسول صلى الله عليه وسلم وسارع للآخرة واجتهد في الآخرة وطلبها قد يعطل بعض الأعمال قد يعطل بعض الكسب، فيسرع إليه الفقر بسبب عدم عنايته بطلب الرزق واشتغاله بالآخرة، وحبه لطاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه فيبتلى بالفقر والحاجة، من أجل عدم قيامه بأسباب الدنيا ومصالحها ، أما الحازم الذي يعرف أن الدنيا لا تُضاد بالآخرة لمن قصد استعمالها في طاعته، ولمن قصد بها الاستعانة بها على طاعة الله، فإنه لا مانع من استعمالها في طاعة الله، وطلبها فيما ينفع الناس، ولهذا لما سئل عليه الصلاة والسلام : أَيُّ الكَسْبِ أَطْيَبُ ؟ قَالَ : «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعِ مَبْرُورٍ»
فلو صح هذا الخبر فمعناه : أنه على خطر من الفقر والحاجة، فليعد لذلك ولا يجزع إذا أصيب بذلك، فإن الناس يبتلون على قدر أعمالهم، «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى العَبْدُ عَلَى قَدْرِ دِينِه . ( شرح رياض الصالحين لابن باز)
٤٨٧- وعن كَعبِ بنِ مالكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «مَاذِئْبَان جَائعَانِ أُرْسِلا في غَنَم بأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المالِ وَالشرفِ لِدِينهِ» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح
صححه الالباني والشيخ مقبل
وفي رواية عند الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صل : “ما ذئْبانِ ضارِيَانِ جائِعانِ باتا في زَريبَةِ غَنَمٍ، أغْفَلها أهْلُها، يَفْتَرِسان ويأكُلانِ؛ بَأسْرَعَ فيها فَسادًا مِنْ حُبِّ المالِ والشرَفِ في دينِ المَرْءِ المسْلِمِ
قوله : ( ما )
نافية
( جائعان أرسلا )
أي خليا وتركا
( في غنم )
أي قطيعة غنم
( لدينه )
ومعناه ليس ذئبان جائعان أرسلا في جماعة من جنس الغنم بأشد إفسادا لتلك الغنم من حرص المرء على المال والجاه ، فإن إفساده لدين المرء أشد من إفساد الذئبين الجائعين لجماعة من الغنم إذا أرسلا فيها . أما المال فإفساده أنه نوع من القدرة يحرك داعية الشهوات ويجر إلى التنعم في المباحات فيصير التنعم مألوفا ، وربما يشتد أنسه بالمال ويعجز عن كسب الحلال فيقتحم في الشبهات مع أنها ملهية عن ذكر الله تعالى ، وهذه لا ينفك عنها أحد . وأما الجاه فيكفي به إفسادا أن المال يبذل للجاه ولا يبذل الجاه للمال وهو الشرك الخفي ، فيخوض في المراءاة والمداهنة والنفاق وسائر الأخلاق الذميمة ، فهو أفسد وأفسد انتهى
قال ابن تيمية: “فأخبر أنَّ حرص المرء على المال والرئاسة يُفسد دينه، مثل أو أكثر من إفساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم.
وقد أخبر الله تعالى عن الذي يؤتَى كتابه بشماله أنه يقول: ﴿يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (٢٦) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (٢٧) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٥ – ٢٩].”
لنَّاسَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: يُرِيدُونَ الْعُلُوَّ عَلَى النَّاسِ وَالْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ وَهَؤُلَاءِ الْمُلُوكُ وَالرُّؤَسَاءُ الْمُفْسِدُونَ كَفِرْعَوْنَ وَحِزْبِهِ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ … وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْفَسَادَ بِلَا عُلُوٍّ كَالسُّرَّاقِ وَالْمُجْرِمِينَ مِنْ سَفَلَةِ النَّاسِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: يُرِيدُونَ الْعُلُوَّ بِلَا فَسَادٍ كَاَلَّذِينَ عِنْدَهُمْ دِينٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْلُوا بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ النَّاسِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: فَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ( مجموع الفتاوى لابن تيمية)
٤٨٨- وعن عبدِ اللَّه بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ، قَالَ: نَامَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ الَّله لوِ اتَّخَذْنَا لكَ وِطَاءً، فقال: «مَالي وَلَلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا».
رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن صحيح
قال الألباني للحديث شاهد من حديث ابن عباس قد خرجته بعد حديث ابن مسعود في الصحيحة ٤٣٧ و ٤٣٩.
قال محققا سنن ابن ماجة طبعة الرسالة: “حديث صحيح، المسعودي -وهو عبد الرحمن بن عبد الله، وإن كان قد اختلط- فسماع البصربين والكوفيين منه قديم، وأبو داود -وهو سليمان بن داود الطيالسي- بصري، وقد تابع أبا داود وكيع عند أحمد (٤٢٠٨)، وجعفر بن عون عند الحاكم ٤/ ٣١٠، وهما ممن سمع من المسعودي قبل الاختلاط”
جاء في الصحيح عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ وِسَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يَتَّكِئُ عَلَيْهَا مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ. وفي رواية
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَدَمٍ وَحَشْوُهُ مِنْ لِيفٍ.
الادم الجلد المدبوغ.
– (٧١) [صحيح] وعن ابن عباسٍ رضي الله عنه : (صحيح الترغيب)
أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دخَل عليه عُمر وهو على حَصيرٍ قد أثَّرَ في جَنْبِه، فقال: يا رسولَ الله! لو اتَّخذْتَ فِراشًا أوْثَر مِنْ هذا، فقال:
«ما لي وللِدُّنْيا، ما مَثَلي وَمَثْلُ الدنيا إلا كَراكبٍ سافَر في يومٍ صائفٍ، فاسْتَظلَّ تحتَ شجَرةٍ ساعةً، ثُمَّ راحَ وتركَها».
رواه أحمد، وابن حبان في «صحيحه»، والبيهقي.
أوثر : ألين
قوله : ( فقام )
أي عن النوم
( وقد أثر )
أي أثر الحصير ، من سعف النخل وهو خشن
( لو اتخذنا لك وطاء )
أي فراشا
وكلمة ( لو ) تحتمل أن تكون للتمني وأن تكون للشرطية والتقدير لو اتخذنا لك بساطا حسنا وفراشا لينا لكان أحسن من اضطجاعك على هذا الحصير الخشن. ( تحفة الأحوذي)
( مالي وللدنيا )
قال القاري : ما نافية أي ليس لي ألفة ومحبة مع الدنيا ولا للدنيا ألفة ومحبة معي حتى أرغب إليها ، وأنبسط عليها وأجمع ما فيها ( تحفة الأحوذي)
( استظل تحت شجرة ثم راح وتركها )
وجه التشبيه سرعة الرحيل وقلة المكث ومن ثم خص الراكب . (تحفة الأحوذي)
قال الاتيوبي: “بيان ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم من الزهادة، والإعراض عن ملاذّ الدنيا، مع أن الله عزوجل مكّنه من ذلك لو شاء أن يستمتع بها، فقد أخرج البيهقيّ في “الدلائل” من طريق الشعبيّ، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: “دَخَلَت عليّ امرأةٌ، فرأت فراش النبيّ صلى الله عليه وسلم عَبَاءةً مَثْنِيَّةً، فبعثت إليّ بفراش حَشْوُه صوفٌ، فدخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فرآه، فقال: رُدِّيه يا عائشة، والله لو شئت أجرى الله معي جبال الذهب والفضة”. حسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب
وفي الحديث الصحيح أن عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ. قَالَ : فَجَلَسْتُ، فَإِذَا عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبهِ، وَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ، وَقَرَظٍ فِي نَاحِيَةٍ فِي الْغُرْفَةِ، وَإِذَا إِهَابٌ مُعَلَّقٌ، فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ ، فَقَالَ : ” مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ “. فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَمَا لِي لَا أَبْكِي، وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى، وَذَلِكَ كِسْرَى وَقَيْصَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ. قَالَ : ” يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا ؟ “. قُلْتُ : بَلَى.
فابتدرت عيناي: أي سالتا بالدموع. النهاية ١/ ١٠٦.
قال بعض الحكماء: “عجبتُ مِمَّن الدنيا مولّية عنه، والآخرة مقبلة إليه، يشتغل بالمدبِرة، ويُعرِض عن المقبلة؟! “.
- وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: “إِنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارِكُمْ، دَارٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْفَنَاءَ، وَكَتَبَ عَلَى أَهْلِهَا مِنْهَا الظَّعْنَ، فَكَمْ عَامِرٌ مُونِقٌ عَمَّا قَلِيلٍ يُخَرِّبُ، وَكَمْ مُقِيمٌ مُغْتَبِطٌ عَمَّا قَلِيلٍ يَظْعَنُ، فَأَحْسِنُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مِنْهَا الرِّحْلَةَ بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ النُّقْلَةِ، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى
(^١) الظعْن: الرحيل والسفر، وقد قوبل في القرآن بالإقامة، قال تعالى: ﴿يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾ سورة النحل: ٨٠.
(^٢) أنق أنقًا وأناقة: راع حسنه وأعجب فهو أنيق، وآنقه الشيء إيناقًا: أعجبه؛ فهو مؤنق وأنيق. راجع المعجم الوسيط ١/
٤٨٩- -وعن أَبي هريرةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : “يَدْخُلُ الفُقَراءُ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمائَةِ عَامٍ” رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.
صححه الألباني في صحيح الترغيب
قوله : ( بخمسمائة عام)
اليوم الأخروي مقدار طوله ألف سنة من سني الدنيا ، لقوله تعالى : { وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون } فنصفه خمسمائة . وأما قوله تعالى : { في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة } فمخصوص من عموم ما سبق أو محمول على تطويل ذلك اليوم على الكفار كما يطوى حتى يصير كساعة بالنسبة إلى الأبرار كما يدل عليه قوله تعالى : { فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير } .
قال ابن علان: ” لحبس الأغنياء تلك المدة في الموقف حتى يحاسبوا عما خولوه من الغنى؛ من أين اكتسبوه؟ وفيم أذهبوه؟
جاء في راويات وألفاظ عدة روى الترمذي وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :
“يدْخُل فُقَراءُ المسْلمِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِياءِ بنِصْفِ يومٍ، وهو خَمْسُمِئَةِ عامٍ”. ( صحيح الترغيب)
وعند مسلم عن عبدالله بن عمرو عن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الْأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا.
روى الطبراني عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
»تَجْتَمِعونَ يومَ القيامَةِ فيُقالُ: أيْنَ فُقراءُ هذه الأُمَّةِ ومسَاكينها؟ فيقُومون، فيقالُ لَهُم: ماذا عمِلْتُم؟ فيقولون: ربَّنا ابْتَلَيْتَنا فصَبرْنا، وولَّيْتَ الأمْوال والسُّلْطانَ غَيْرَنا، فيقولُ الله جلَّ وعَلا: صدقْتُم، قال: فيدْخلُون الجَنَّةَ قبلَ الناسِ، وتَبقَى شِدَّة الحِسَابِ، على ذَوي الأمْوال والسلْطانِ. ( صحيح الترغيب)
جاء عن أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، إِنَّ بَعْضَنَا لَيَسْتَتِرُ بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ، وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا، فَنَحْنُ نَسْمَعُ إِلَى كِتَابِ اللهِ، إِذْ وَقَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَعَدَ فِينَا، لِيَعُدَّ نَفْسَهُ مَعَهُمْ، فَكَفَّ الْقَارِئُ، فَقَالَ: «مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ؟» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَانَ قَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا كِتَابَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وَحَلَّقَ بِهَا، يُومِئُ إِلَيْهِمْ: أَنْ تَحَلَّقُوا، فَاسْتَدَارَتِ الْحَلْقَةُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفَ مِنْهُمْ أَحَدًا غَيْرِي، قَالَ: فَقَالَ: «أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الصَّعَالِيكِ، تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ»
قال محققو المسند إسناده حسن.
قال ابن القيم: “فإمَّا أنْ يكون هو المحفوظ، وإمَّا أنْ يكون كلاهما محفوظان، وتختلف مُدَّة السبق بحسب أحوال الفقراء والأغنياء، فمنهم من يسبق بأربعين، ومنهم من يسبق بخمس مئة كما يتأخر مكث العُصاة من الموحدين في النَّار بحسب جرائمهم واللَّهُ أعلم.
ولكن ها هنا أمرٌ يجب التنبيه عليه، وهو أنَّه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم، بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة؛ وإن سَبَقَهُ غيره في الدخول، والدليل على هذا أنَّ من الأمة من يدخل الجنَّة بغير حساب، وهم السَّبعون ألفًا (^٣)، وقد يكون بعض من يُحَاسب أفضل من أكثرهم، والغني إذا حوسب على غِنَاهُ، فوجد قد شكر اللَّه تعالى فيه، وتقرَّب إليه بأنواع البِرِّ والخير والصَّدقة والمعروف، كان أعلى درجة من الفقير الَّذي سبقه في الدخول، ولم تكن له تلك الأعمال، ولا سيِّما إذا شاركه الغني في أعماله هو (^١) وزاد عليه فيها، واللَّهُ لا يضيع أجرَ من أحسن عملًا.
فالمزيَّة مزيَّتان؛ مزية سبق، ومزية رِفْعة، وقد يجتمعان وينفردان، فيحصل لواحد السبق والرِّفعة، ويعدمهما آخر، ويحصل لآخر السبق دون الرِّفعة، ولآخر الرفعة دون السبق، وهذا بحسب المتقضي للأمرين، أو لأحدهما وعدمه، وباللَّه التوفيق. ( حادي الأرواح)
وقال أيضا:” فهؤلاء ثلاثة: جابر وأنس وعبد اللَّه بن عمرو وقد اتفقوا على الأربعين.
وهذا أبو هريرة وأبو سعيد قد اتفقا على التقدير بخمسمائة سنة.
ولا تعارض بين هذه الأحاديث إذ السبق والتأخير درجات بحسب الفقر والغنى، فمنهم من يسبق بأربعين، ومنهم من يسبق بخمسمائة، ولا يتقيد السبق بهذا المقدار بل يزيد عليه وينقص.”
قال القرطبي: وهذه الأحاديث حجَّة واضحة على تفضيل الفقر على الغنى، ويتقرر ذلك من وجهين:
أحدهما: أن النبي ﷺ قال هذا لجبر كسر قلوب الفقراء، ويهون عليهم ما يجدونه من مرارة الفقر، وشدائده بمزية تحصل لهم في الدار الآخرة على الأغنياء، عوضا لهم عما حرموه من الدنيا، وصبرهم، ورضاهم بذلك.
وثانيهما: أن السبق إلى الجنة ونعيمها أولى من التأخر عنها بالضرورة، فهو أفضل.
وثالثها: أن السبق إلى الفوز من أهوال يوم القيامة والصراط، أولى من المقام في تلك الأهوال بالضرورة، فالسابق إلى ذلك أفضل بالضرورة. ( المفهم)
قال ابن تيمية: “تَنَازَعَ كَثِيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُسْلِمِينَ فِي ” الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ وَالْفَقِيرِ الصَّابِرِ ” أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَرَجَّحَ هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَرَجَّحَ هَذَا طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ وَقَدْ حُكِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد رِوَايَتَانِ. وَأَمَّا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ تَفْضِيلُ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ.
وَقَالَ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَضِيلَةٌ إلَّا بِالتَّقْوَى فَأَيُّهُمَا كَانَ أَعْظَمَ إيمَانًا وَتَقْوَى كَانَ أَفْضَلَ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ اسْتَوَيَا فِي الْفَضِيلَةِ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ إنَّمَا تَفْضُلُ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ … ( مجموع الفتاوى)
قال ابن باز: “الفقراء يسبقون الأغنياء في دخول الجنة لخفة حملهم وقلة حسابهم … وهذا لا شك يدل على فضل الفقر لمن ابتلي به، لكن لا يتعمده ولا يريده ولا يصبر عليه ولياخذ بالأسباب، فالفقر ليس بمطلوب، وقد جاء في الحديث(( اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ))” ( شرح رياض الصالحين ٢/٢٥٢)
قال ابن عثيمين: ” الفقراء أكثر أهل الجنة، وذلك لأن الفقراء ليس عندهم ما يطغيهم، فهم متمسكنون خاضعون.
ولهذا إذا تأملت الآيات؛ وجدت أن الذين يكذبون الرسل هم الملأ الأشراف والأغنياء، وأن المستضعفين هم الذين يتعبون الرسول، فلهذا كانوا أكثر أهل الجنة، وكانوا يدخلون الجنة قبل الأغنياء بتقادير اختلفت فيها الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجمعها أن السير يختلف، فقد يكون السير في عشرة أيام لشخص مسرع يسيره الآخر في عشرين يومًا مثلًا” ( شرح رياض الصالحين ٣/٣٨٠)
٤٩٠- وعن ابن عَبَّاسِ، وعِمْرَانَ بن الحُصَيْن، رضي الله عنهم ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “آطَّلعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهلِهَا الفُقَراءَ. وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّساءَ” متفقٌ عَلَيْهِ. من رواية ابن عباس.
ورواه البخاري أيضا من رواية عمران بن الحصين.
قال الأتيوبي: “الحديث ثابت عن كل من ابن عبّاس، وعمران بن حصين رضي الله عنهم ، فأما حديث ابن عبّاس فأخرجه مسلم، وأشار إليه البخاريّ بما علّقه، وأما حديث عمران رضي الله عنه فأخرجه البخاريّ بلفظ حديث ابن عبّاس” ( البحر المحيط)
بوب البخاري عليه باب فضل الفقر.
قال النووي: ” تَفْضِيلُ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى وَفِيهِ فَضِيلَةُ الْفُقَرَاءِ وَالضُّعَفَاءِ”
وقوله: ( اطلعت ) بتشديد الطاء أي أشرفت وفي حديث أسامة بن زيد ” قمت على باب الجنة ” وظاهره أنه رأى ذلك ليلة الإسراء أو مناما وهو غير رؤيته النار وهو في صلاة الكسوف، ووهم من وحدهما وقال الداودي: رأى ذلك ليلة الإسراء أو حين خسفت الشمس كذا قال .
بتشديد الطاء؛ أي: أشرفت، ونظرت( البحر المحيط)
قال ابن حجر: “اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ حَالَةَ اطِّلَاعه” ( فتح الباري)
قوله: ( فرأيت أكثر أهلها الفقراء ) في حديث أسامة: ” فإذا عامة من دخلها المساكين ” ، وكل منهما يطلق على الآخر . وقوله: ” فإذا أكثر ” في حديث أسامة: ” فإذا عامة من دخلها ”
(وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّساءَ) في رواية عند مسلم أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال “إن أقل ساكني الجنة النساء”.
قوله: ( بكفرهن ) قال القرطبي إنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا والإعراض عن الآخرة لنقص عقلهن وسرعة انخداعهن.
لذا كمل الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا أربع.
قال ابن باز: “وأكثر أهل النار هم النساء، وما ذاك إلا لكثرة مشاكل النساء فإنهن قلن : يا رسول الله لماذا ؟ قال : لأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ) يعني : تكثرن السباب والشتم والكلام الفارغ، وتكفرن العشير؛ يعني: الإحسان؛ يعني الزوج، تكفرن إحسانه، ومعروفه «لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئاً قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْراً قَطُّ) (۳) .
نسأل الله السلامة
قال ابن بطال: ليس في قوله: ” اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ” يوجب فضل الفقير على الغني، وإنما معناه أن الفقراء في الدنيا أكثر من الأغنياء، فأخبر عن ذلك كما تقول: أكثر أهل الدنيا الفقراء؛ إخبارا عن الحال، وليس الفقر أدخلهم الجنة، وإنما دخلوا بصلاحهم مع الفقر، فإن الفقير إذا لم يكن صالحا لا يفضل.
قلت: ظاهر الحديث التحريض على ترك التوسع من الدنيا، كما أن فيه تحريض النساء على المحافظة على أمر الدين؛ لئلا يدخلن النار كما، تقدم تقرير ذلك في كتاب الإيمان في حديث: ” تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار قيل: بم ؟ قال: بكفرهن، قيل: يكفرن بالله؟ قال يكفرون بالإحسان “.
قال ابن باز: ” الفقراء فيسبقون الأغنياء إلى الجنة وهم أكثر أهل الجنة؛ لأن الشواغل التي تشغل غيرهم قد سلموا منها ، فهذا يدل على أن الفقر قد ينفع الناس، وقد يكون فيه خير كثير ، ربَّ ضارة نافعة، أو ربما صار الفقر سبباً لسعادته ونجاته ؛ لأنه لم يُشغل بما يصده عن الآخرة؛ ولهذا يروى في الأثر الإلهي يقول جل وعلا : إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أَفَقَرْتُه لكفر ، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أَغْنَيْتُه لكفر ، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو أصححته لكفر ، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أَسْقَمْتُه لكفر”
ورواه البخاري أيْضًا من روايةِ عِمْرَان بنِ الحُصَينِ..
٤٩١ -وعن أُسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “قُمْتُ عَلى بَاب الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَساكينُ. وأَصَحَابُ الجِدِّ محبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصحَابَ النَّار قَد أُمِرَ بِهمْ إِلَى النَّارِ” متفقٌ عَلَيْهِ.
وَ”الجَدُّ”الحَظُّ وَالغِنَى. وقد سبق بيان هَذَا الحديث في باب فضلِ الضَّعَفَةِ.
٤٩٢- وعن أَبي هريرة، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ:
أَلا كُلُّ شيْءٍ مَا خَلا اللهَ بَاطِلُ
متفقٌ عليه.
في رواية ( أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل )
وفي رواية : ” أصدق بيت قاله الشاعر ” ، وفي رواية : ” أصدق بيت قالته الشعراء ” ،
المراد بالكلمة هنا : القطعة من الكلام ، والمراد بالباطل : الفاني المضمحل .
وفي هذا الحديث منقبة للبيد وهو صحابي ، وهو لبيد بن ربيعة رضي الله عنه .
قال ابن حجر في الإصابة: “لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن صعصعة الكلابيّ الجعفريّ، أبو عقيل الشاعر المشهور، قال المرزبانيّ في “معجمه”: كان فارسًا شجاعًا شاعرًا سخيًّا، قال الشعر في الجاهلية دهرًا، ثم أسلم، ولمّا كتب عمر رضي الله عنه إلى عامله بالكوفة: سَلْ لبيدًا، والأغلب العجليّ ما أحدثا من الشعر في الإسلام، فقال لبيد: أبدلني الله بالشعر “سورة البقرة”، و”آل عمران”، فزاد عمر في عطائه، قال: ويقال: إنه ما قال في الإسلام إلا بيتًا واحدًا:
مَا عَاتَبَ الْمَرْءُ اللَّبِيبُ كَنَفْسِهِ … وَالْمَرْءُ يُصْلِحُهُ الْجَلِيسُ الصَّالِحُ
ويقال: بل قوله:
الْحَمْدُ لِلّهِ إِذْ لَمْ يَأتِنِي أَجَلِي … حَتَّى لَبِسْتُ مِنَ الإِسْلَامِ سِرْبَالَا
ولمّا أسلم رجع إلى بلاد قومه، ثم نزل الكوفة، حتى مات في سنة إحدى وأربعين لَمّا دخل معاوية الكوفة، إذ صالح الحسن بن عليّ، ونحوه قال العسكريّ، ودخل بنوه البادية، قال: وكان عمره مائة وخمسًا وأربعين سنةً، منها خمس وخمسون في الإسلام، وتسعون في الجاهلية.
قال الحافظ: المدة التي ذكرها في الإسلام وَهَمٌ، والصواب ثلاثون، وزيادة سنة أو سنتين، إلا أن يكون ذلك مبنيًّا على أن سنة وفاته كانت سنة نيّف وستين، وهو أحد الأقوال”
وقال ابن حجر في فتح الباري إِيرَادِ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ – باب أيام الجاهلية- تَلْمِيحٌ بِمَا وَقَعَ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بِسَبَبِ هَذَا الْبَيْتِ مَعَ نَاظِمِهِ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ وقريش فِي غَايَة الأذية للْمُسلمين فَذكر بن إِسْحَاقَ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْهِجْرَةِ الْأُولَى إِلَى الْحَبَشَةِ دَخَلَ مَكَّةَ فِي جِوَارِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكِينَ يُؤْذُونَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ آمِنٌ رَدَّ عَلَى الْوَلِيدِ جِوَارَهُ فَبَيْنَمَا هُوَ فِي مَجْلِسٍ لِقُرَيْشٍ وَقَدْ وَفَدَ عَلَيْهِمْ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَعَدَ يُنْشِدُهُمْ مِنْ شِعْرِهِ فَقَالَ لَبِيدٌ أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ صدقت فَقَالَ لبيد وكل نعيم لامحالة زائل فَقَالَ عُثْمَان كذبت نعيم الْجنَّة لايزول فَقَالَ لَبِيدٌ مَتَى كَانَ يُؤْذَى جَلِيسُكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَلَطَمَ عُثْمَانَ فَاخْضَرَّتْ عَيْنُهُ فَلَامَهُ الْوَلِيدُ عَلَى رَدِّ جِوَارِهِ فَقَالَ قَدْ كُنْتَ فِي ذِمَّةٍ مَنِيعَةٍ فَقَالَ عُثْمَانُ إِنَّ عَيْنِيَ الْأُخْرَى لِمَا أَصَابَ أُخْتَهَا لَفَقِيرَةٌ فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ فَعُدْ إِلَى جِوَارِكَ فَقَالَ بَلْ أَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْتُ وَقد اسْلَمْ لبيد بعد ذَلِك
قوله: ( أصدق كلمة قالها الشاعر ) يحتمل أن يريد بالكلمة البيت الذي ذكر شطره، ويحتمل أن يريد القصيدة كلها، ويؤيد الأول رواية مسلم : ” إن أصدق بيت قاله الشاعر “.
قال الطيبي: “وإنما كان أصدق كلمة؛ لأنه موافق لأصدق الكلام، وهو قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦)﴾ [الرحمن: ٢٦]”
أراد أن كل شىء من أمور الدنيا التى لا تئول إلى طاعة الله، ولا تقرب منه فهى باطل.
وقال القرطبيّ رحمه الله : الباطل هنا أراد به الْمُضْمَحِلّ، المتغير؛ الذي هو بصدد أن يهلك، ويتلف، وهذا نحو من قوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨]، ولا شك في أن هذه الكلمات أصدق ما يتكلَّم به ناظمٌ، أو ناثر؛ لأن مقدمتها الكليَّة مقطوعٌ بصحتها، وشمولها عقلًا ونقلًا، ولم يخرج من كليتها شيء قطعًا إلا ما استُثني فيها، وهو الله تعالى، فإنَّه لم يدخل فيها قطعًا، فإنَّ العقل الصريح قد دلَّ على أن كل ما نشاهده من هذه الموجودات ممكن في نفسه، متغيِّر في ذاته، وكل ما كان كذلك كان مفتقرًا إلى غيره، وذلك الغير إن كان ممكنًا متغيرًا كان مثل الأول؛ فلا بدَّ أن يستند إلى موجود لا يفتقر إلى غيره، يستحيل عليه التغيُّر، وهو المعبَّر عنه في لسان الظَّاهر: بواجب الوجود، وفي لسان الشرع: بالصمد المذكور في قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢﴾ [الإخلاص: ١، ٢]، وبقوله تعالى: ﴿أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٢٥]، وعند الانتهاء إلى هذا المقام يُفهم معنى قوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)﴾ [الرحمن: ٢٦، ٢٧]، وللكلام في تفاصيل ما أُجْمِل مواضع أخر.
قال ابن تيمية: “ألا كل شيء ما خلا الله باطل» وذلك مثل قوله: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ [الحج: ٦٢]. فالمراد بالباطل؛ ما لا ينفع، وكل ما سوى الله لا تنفع عبادته” ( الإخنائية)
قال ابن عثيمين: “كل شيء سوى الله فهو باطل ضائع لا ينفع، وأما ما كان لله؛ فإنه هو الذي ينفع صاحبه ويبقى له، ومن ذلك الدنيا فإنها باطل، كما قال تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ) (الحديد: ٢٠)، إلا ما كان فيها من ذكر الله وطاعته، فإنه حق وخير.
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الحق يقبل حتى لو كان من الشعراء، فالحق مقبول من كل أحد جاء به، حتى لو كان كافرًا وقال بالحق فإنه يقبل منه، ولو كان شاعرًا أو فاسقًا وقال بالحق فإنه يقبل منه.
وأما من قال بالباطل فقوله مردود ولو كان مسلمًا؛ يعني العبرة بالمقالات لا بالقائلين، ولهذا ينبغي على الإنسان أن ينظر إلى الإنسان من خلال فعله لا من شخصه.”
(شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)