[1ج/ رقم (502)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي وأحمد بن علي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وعدنان البلوشي وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (502)]:
٥٠٢ – قال ابن أبي عاصم رحمه الله في «الآحاد والمثاني» (ج ٢ ص ٤٤١): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى بَاهِلَةَ، فَأَتَيْتُهُمْ وَهُمْ عَلَى طَعَامٍ، فَرَحَّبُوا بِي وَأَكْرَمُونِي، وَقَالُوا: تَعَالَ فَكُلْ، فَقُلْتُ: جِئْتُ لَأَنْهَاكُمْ عَنْ هَذَا الطَّعَامِ، وَأَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَيْكُمْ لِتُؤْمِنُوا، فَكَذَّبُونِي وَزَبَرُونِي، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا جَائِعٌ ظَمْآنُ قَدْ نَزَلَ بِي جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَنِمْتُ فَأُوتِيتُ فِي مَنَامِي بِشَرْبَةٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَبِعْتُ وَرَوِيتُ، وَعَظُمَ بَطْنِي، فَقَالَ الْقَوْمُ: أَتَاكُمْ رَجُلٌ مِنْ خِيَارِكُمْ وَأَشْرَافِكُمْ فَزَبَرْتُمُوهُ، اذْهَبُوا إِلَيْهِ فَأَطْعِمُوهُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَا يَشْتَهِي، فَأَتَوْنِي بِطَعَامٍ فَقُلْتُ: مَا لِي حَاجَةٌ فِي طَعَامِكُمْ وَشَرَابِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ عزوجل قَدْ أَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، فَانْظُرُوا إِلَى حَالِي الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا، فَآمَنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ».
هذا حديث حسنٌ.
ومحمد بن علي بن الحسن بن شقيق مترجم في «تهذيب التهذيب»، وهو ثقة.
===================
قال الذهبي:
52 – أَبُو أُمَامَةَ البَاهِلِيُّ * (ع)
صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَزِيلُ حِمْصَ.
رَوَى: عِلْماً كَثِيْراً.
وَحَدَّثَ عَنْ: عُمَرَ ، وَمُعَاذٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ.
رَوَى عَنْهُ: خَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَالقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ …
قَالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُوْلُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ.
قُلْتُ لأَبِي أُمَامَةَ: مِثْلُ مَنْ أَنْتَ يَوْمَئِذٍ؟
قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثِيْنَ سَنَةً .
وَرُوِيَ: أَنَّهُ بَايعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ…..
ابْنُ المُبَارَكِ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ:
رَأَيْتُ أَبَا أُمَامَةَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ فِي المَسْجَدِ، وَهُوَ سَاجِدٌ يَبْكِي، وَيَدْعُو، فَقَالَ: أَنْتَ أَنْتَ! لَوْ كَانَ هَذَا فِي بَيْتِكَ.
صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ، قَالَ:
كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى أَبِي أُمَامَةَ، فَيُحَدِّثُنَا حَدِيْثاً كَثِيْراً عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَقُوْلُ: اعْقِلُوا، وَبَلِّغُوا عَنَّا مَا تَسْمَعُوْنَ.
[سير أعلام النبلاء 3/ 359]
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث
الوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
١٥ – كتاب دلائل النبوة، ٢٤ – كرامات الأولياء، (٢٢٨٧).
قال الشيخ الألباني رحمه الله في ٢٧٠٦ – ” بعثني إلى [قومي] (باهلة)، [فانتهيت إليهم وأنا طاو]، فأتيت وهم
على الطعام، (وفي رواية: يأكلون دما)، فرجعوا بي وأكرموني، [قالوا:
مرحبا بالصدي بن عجلان، قالوا: بلغنا أنك صبوت إلى هذا الرجل. قلت: لا
ولكن آمنت بالله وبرسوله، وبعثني رسول الله ﷺ إليكم أعرض
عليكم الإسلام وشرائعه] وقالوا: تعال كل. فقلت: [ويحكم إنما] جئت
لأنهاكم عن هذا، وأنا رسول رسول الله ﷺ أتيتكم لتؤمنوا به،
[فجعلت أدعوهم إلى الإسلام]، فكذبوني وزبروني، [فقلت لهم: ويحكم ائتوني
بشيء من ماء فإني شديد العطش. قال: وعلي عمامتي، قالوا: لا ولكن ندعك
تموت عطشا!]، فانطلقت وأنا جائع ظمآن قد نزل بي جهد شديد. [قال: فاغتممت
، وضربت رأسي في العمامة] فنمت [في الرمضاء في حر شديد] فأتيت في منامي
بشربة من لبن [لم ير الناس ألذ منه، فأمكنني منها]، فشربت ورويت وعظم
بطني. فقال القوم: أتاكم رجل من خياركم وأشرافكم فرددتموه، فاذهبوا إليه
فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي. فأتوني بطعام! قلت: لا حاجة لي في
طعامكم وشرابكم، فإن الله قد أطعمني وسقاني، فانظروا إلى الحال التي أنا
عليها، [فأريتهم بطني]، فنظروا، فآمنوا بي وبما جئت به من عند رسول الله
ﷺ، [فأسلموا عن آخرهم]».
هو من حديث أبي أمامة رضي الله عنه يرويه عنه أبو غالب، وله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى باهلة.. الحديث. أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير»
(٨٠٩٩): حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق حدثنا أبي حدثنا حسين بن واقد.
قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في أبي غالب.
الثانية: عن صدقة بن هرمز القسملي عن أبي غالب نحوه، وفيه الزيادة الأولى والثانية، والرواية الثانية وغيرها. أخرجه الطبراني (٨٠٧٣ ) وأبو يعلى أيضا كما في «الإصابة»، وسكت عليه، والحاكم (٣ / ٦٤١ – ٦٤٢ ) وسكت عليه أيضا، وتعقبه الذهبي بقوله: «وصدقة ضعفه ابن معين». قلت: ووثقه ابن حبان، فمثله يستشهد به.
الثالثة: عن بشير بن سريج عن أبي غالب به نحوه. وفيه الزيادة الثالثة والرابعة والخامسة وغيرها. أخرجه الطبراني ( ٨٠٧٤) . وقال الهيثمي في «المجمع» (٩ / ٣٨٧): «وفيه بشير بن سريج وهو ضعيف»، وقال في الطريق الأولى والثانية: «رواه الطبراني بإسنادين، وإسناد الأول حسن». انتهى.
والثاني: ما يتعلق بمضامين الحديث: و فوائد :
1 – (منها): الدعوة تحتاج إلى صبر وتحمل للأذى.
2 – (ومنها): إظهار الكرامات لتأييد الداعية قد يكون سبباً لهداية المدعوين.
3 – (ومنها): التوكل على الله سبب في دفع الضرر وإيجاد الفرج.
4- (ومنها): رفض المحرمات وبيان خطورتها جزء من منهج الدعوة.
5 – (ومنها): الداعية قد يكون سبباً في هداية قومه إذا أخلص النية واحتسب الأجر.
6 – (ومنها): أهمية القدوة العملية في الدعوة إلى الله تعالى، وأثره على المدعوين.
والثالث: فقه الحديث من أحكام ومسائل وملحقاتها:
المطلب الأول: ما يتعلق بمسائل الدعوة إلى الله تعالى:
(المسألة الأولى): مهمة الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى
الداعية مأمور بتبليغ الحق، كما قال تعالى: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ (النحل: ٣٥)، وقال تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ (النور: ٥٤)، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ وهذه مهمة الإنذار والتبشير والإبلاغ مهمة جليلة وعظيمة نبيلة يكفيها عظمة ونبلا أنها مهمة الأنبياء وتتناسب مع مكانتهم الرفيعة فإنها أشق وأعظم ما يتحمله البشر أو يتحمله ورثتهم من الدعاة الصادقين المخلصين السائرين في منهاجهم ولهذا قال رسول الله ﷺ: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل». [مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ٣١/١٨١].
(المسألة الثانية):
وجوب قول الحقّ، من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعدم المداهنة فيه للناس، ولا الالتفات إلى لوم لائمهم، بل يغيّر المنكر بكلّ ما يقدر عليه، من فعل، أو قول، ما لَمْ يخشَ إثارة فتنة، وتسبُّب منكر أشدّ منه.
قال النوويّ – رحمه الله -: وأجمع العلماء على أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه، أو ماله، أو على غيره، سقط الإنكار بيده، ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه، هذا مذهبنا، ومذهب الجماهير، وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقًا في هذه الحالة، وغيرها. انتهى [«شرح النوويّ» ١٢/ ٢٣٠].
وقال الطبريّ – رحمه الله -: اختَلَف السلف في الأمر بالمعروف، فقالت طائفة: يجب مطلقًا، واحتجوا بحديث طارق بن شهاب رفعه: «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر»، وبعموم قوله – ﷺ -: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده…» الحديث، وقال بعضهم: يجب إنكار المنكر، لكن شرطه أن لا يلحق المنكر بلاءٌ، لا قِبَلَ له به من قَتْل، ونحوه، وقال آخرون: يُنكِر بقلبه؛ لحديث أم سلمة – رضي الله عنه – مرفوعًا: «يُسْتَعْمَل عليكم أمراء بعدي، فمن كَرِهَ فقد برئ، ومن أنكر فقد سَلِم، ولكن من رَضِيَ وتابع…» [حديث صحيح أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذيّ] الحديث.
قال: والصواب اعتبار الشرط المذكور، ويدلّ عليه حديث: «لا ينبغي لمؤمن أن يذلّ نفسه»، ثم فسّره بأن يتعرض من البلاء لِما لا يُطيق. انتهى ملخصًا.
وقال غيره: يجب الأمر بالمعروف لمن قَدَر عليه، ولم يَخَف على نفسه منه ضررًا، ولو كان الآمر متلبسًا بالمعصية؛ لأنه في الجملة يُؤْجَر على الأمر بالمعروف، ولا سيما إن كان مطاعًا، وأما إثمه الخاصّ به فقد يغفره الله له، وقد يؤاخذه به، وأما من قال: لا يأمر بالمعروف، إلا من ليست فيه وصمة، فإن أراد أنه الأولى فجيّد، وإلا فيستلزم سدّ باب الأمر، إذا لم يكن هناك غيره. انتهى [«الفتح» ١٦/ ٥١٣، كتاب «الفتن» رقم (٧٠٩٨)].
قال الإتيوبي عفا الله تعالى عنه: قد تحصّل مما سبق أن الحقّ هو ما عليه جمهور أهل العلم من وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لمن قَدَر عليه، وإلا فلا؛ لحديث أبي سعيد الخدريّ – رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله – ﷺ – يقول: «من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»، رواه مسلم.
فقد رخّص الشارع في هذا النصّ في ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فعلًا، أو قولًا عند عدم الاستطاعة، فالقول بالوجوب مطلقًا مخالف لهذا النصّ.
لكن لو أخذ أحد بالعزيمة، فواجه من يخافه بذلك، لكان أفضل؛ لِما أخرجه النسائيّ (٤٢١١) بإسناد صحيح، عن طارق بن شهاب، أن رجلًا سأل النبيّ – ﷺ -، وقد وضع رجله في الغَرْز: أيُّ الجهاد أفضل؟ قال: «كلمة حقّ، عند سلطان جائر»، والله تعالى أعلم. [الأتيوبي].
(المسألة الثالثة): منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله في الحكمة والعقل:
اختلاف الأمة الإسلامية وعدم احتكامها إلى الوحيين، وحدوث تيارات فكرية منحرفة أدّت إلى تحريف المنهج الإسلامية، ولذلك لابد من معرفة منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى؛ للعودة إلى دين الإسلام الحق، والدعوة إليه بالطرق الشرعية.
ومنهج الأنبياء في الدعوة إلى الله تعالى يتضح بأمور، ومن ذلك:
الفصل الأول: إكرام الإنسان بالعقل والفطرة.
فالله تعالى أكرم الإنسان، ومن إكرامه له أن أعطاه العقل والفطرة السليمة التي توافق الشرع، فالعباد كلهم مفطورون على التوحيد، فاجتالتهم الشياطيين.
والفصل الثاني: إكرام البشر بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم.
فالله تعالى لم يكلهم إلى العقل والفطرة بل أيد ذلك بالرسل، وأمر الأمم بطاعتهم، وكانت رسالاتهم شاملة لكل خير محذرة من كل شر، وأن أسس دعوة الأنبياء تلتقي في التوحيد والنبوات والمعاد، وأن كتب الله تعالى كلها داعية إلى هذه الأسس ومن أهمها التوحيد، بل إن قرآننا كله في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي ضد ذلك.
الفصل الثالث: في بيان توحيد الألوهيَّة وأهميَّته، وأنه الجانب الأهم من دعوات الرسل، وفيه حصل الخلاف الكبير عند المنتسبين للإسلام.
وبيان دعوات الأنبياء بصفة عامة: أن دعوتهم جميعاً إلى التوحيد، مما يدل أنّ هذا هو الطريق الوحيد الذي يجب أن يسلك في دعوة الناس إلى الله تعالى.
وتفصيل في دعوات الأنبياء جميعاً مبيناً أنهم على هذه الدعوة الواحدة إلى التوحيد والبداءة به والاهتمام به، وما لاقوه في سبيل الدعوة إلى التوحيد:
فكل الأنبياء دعوا للتوحيد وسيد الأنبياء وخاتمهم محمد بن عبد الله صاحب أعظم رسالة وأكملها وأشملها، الذي أرسله الله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأنه بدأ بما بدأ به كلّ الأنبياء، وانطلق من حيث انطلقوا بدعواتهم من عقيدة التوحيد والدعوة إلى إخلاص العبادة لله وحده، سواء كان ذاك في العهد المكي أو العهد المدني.
– وكذلك أصحابه من بعده ساروا على ذلك.
وقد يسأل سائل: هل يجوز للدعاة إلى الله في أيّ عصرٍ من العصور العدول عن منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله؟
الجواب: لا يجوز شرعاً ولا عقلاً العدول عن هذا المنهج واختيار سواه، وذلك لعدة أسباب:
أولاً: أنَّ هذا هو الطريق الأقوم الذي رسمه الله لجميع الأنبياء من أوّلهم إلى آخرهم.
ثانياً: أنَّ الأنبياء قد التزموه وطبّقوه، مما يدل دلالة واضحة أنَّه ليس من ميادين الاجتهاد، فلم نجد: نبيّاً افتتح دعوته بالتصوّف، وآخر بالفلسفة والكلام، وآخرين بالسياسة.
ثالثاً: أنَّ الله تعالى قد أوجب على رسولنا الكريم الذي فرض الله علينا اتباعه أن يقتدي بهم، وقد اقتدى بهداهم في البدء بالتوحيد، والاهتمام الشديد به.
رابعاً: ولما كانت دعـوتهم في أكمـل صورها تتمثل في دعوة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام -، زاد الله الأمر تأكيداً، فأمر نبيّنا محمداً — باتباع منهجه، فالأمّة الإسلاميَّة مأمورة باتباع ملَّته، فكما لا يجوز مخالفة ملَّته، لا يجوز العدول عن منهجه في الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك ومظاهره ووسائله.
خامساً: أمرنا عند التنازع بالرجوع إلى الله والرسول، فإذا رجعنا إلى القرآن أخبرنا أنَّ كل الرسل كانت عقيدتهم عقيدة التوحيد وأنَّ دعوتهم كانت تبدأ بالتوحيد، وأنَّ التوحيد أهم وأعظم ما جاءوا به.
[لمحة عن كتاب “منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله في الحكمة والعقل” للشيخ ربيع بن هادي المدخلي بقلم خالد بن ضحوي الظفيري، ليلة الجمعة 18/3/1436هـ، بتصرف يسير].
[تنبيه]: سبق ذكر مسائل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند [1ج/ رقم (397)]، وغيرها من المواضع.
المطلب الثاني: استعمال المداراة والبعد عن المداهنة:
فالمداراة من أخلاق المؤمنين والمداهنة من صفات المنافقين، والواعظ يحتاج إلى الأخذ بالأولى، والبعد عن الثانية.
وكثيرا ما يشتبه عند كثير من الناس هذان خلقان؛ ذلكم أن حدود الفضائل تقع بمقربه من أخلاق مكروهة.
وهذه الحدود في نفسها واضحة جلية، إلا أن تمييز ما يدخل فيها مما هو خارج عنها يحتاج إلى صفاء فطرة، أو تربية تساس بها النفس شيئا فشيئا.
. [انظر رسائل الإصلاح للشيخ محمد الخضر حسين ١/١٢٤].
ولا ريب أن الواعظ من أحوج الناس إلى ذلك؛ إذ هو يلاقي الناس، ويخالطهم، ويعرض عقله كثيرا أمامهم؛ فهو محتاج إلى مدارة الناس عموما، ومدارة زمانه، ومدارة مخالفية.
(المسألة الأولى): «بعض معالم المدارة»:
ومما يمكن أن يميز به بين هذين الخلقين أن بذكر بعض المعالم لكل منهما، وهذه- أولا- بعض معالم المداراة.
١- المداراة ترجع إلى حسن اللقاء وطيب الكلام، والتودد للناس، وتجنب ما يشعر بغضب أو سخط. كل ذلك من غير ثلم للدين في جهة من الجهات.
قال ابن بطال رحمه الله «المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك أقوى أسباب الألفة». [فتح البارس ١٠/٥٤٥].
ب- من المداراة أن يلاقيك ذو لسان، أو قلم عرف بنهش الأعراض، ولمز الأبرياء، فتطلق له جبينك، وتحييه في حفاوة؛ لعلك تحمي جانبك من قذفه، أو تجعل لدغاته خفيفة الوقع على عرضك.
جاء في الصحيحين عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها – أن رجلا استأذن على النبي- ﷺ فلما رآه قال: «بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة».
فلما جلس تطلق النبي- ﷺ في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق قالت له عائشة: يا رسول الله! حين رأيت الرجل قلت له: كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه؟
قال رسول الله- ﷺ: «يا عائشة! متى عهد تني فحاشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس؛ اتقاء شره» وفي رواية «من تركه الناس، أو ودعه الناس؛ اتقاء فحشه». [البخاري»٦٠٣٢«و»٦٠٥٤«و»٦١٣١،ومسلم «٢٥٩١»].
على أن إطلاق الجبين لمثل هذا الزائر لا يمنع من إشعاره بطريق سائغ أنك غير راض عما يشيعه في الناس من أذى، ولا يعوقك أن تعالجه بالموعظة الحسية إلا أن نكون شيطانا مريدا.
ج- من المدارة مراعاة أعراف الناس، وعاداتهم ما لم تخالف الشرع: وهذا الأدب يتجلى عندما يعظ الإنسان في مكان غير المكان الذي عاش فيه وألف؛ فربما رمته الغربة في بلد ما، فوجد خلائق أهل ذلك البلد وطباعهم وعاداتهم على غير ما يألف؛ فيحسن به- والحالة هذه- أن يراعي ما عليه أهل ذلك البلد، وأن يتجنب في وعظه منافرتهم، أو مخالفتهم، أو فيما اعتادوا عليه؛ فذلك من جميل المعاشرة، ومن حسن المداراة.
فدارهم ما دمت في دارهم … وأرضهم ما دمت في أرضهم
وكل ذلك مشروط بألا يكون في عاداتهم محذور شرعي؛ فإن كان ثم محذور شرعي تعين تقديم الأمر الشرعي على كل عادة وعرف مع مراعاة الأسلوب الأمثل في التنبيه على ما مخالف الشرع.
قال ابن حزم رحمه الله : «وإياك ومخالفة الجليس، ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك، ولا في أخراك وإن قل؛ فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة، والعداوة.
وربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلا». [الأخلاق والسير ص٦١].
ولهذا ترك النبي ﷺ نقض الكعبة، مع رغبته فيذلك، وأن تكون على قواعد إبراهيم- عليه سلام- وما منعه من ذلك إلا خشية ألا تحتمله قريش؛ لقرب عهدهم بكفر.
قال ﷺ : «يا عائشة لولا أن قومك حديث عهدهم بكفر لنقضت الكعبة؛ فجعلت لها بابين: باب يدخل الناس، وباب يخرجون».
وفي رواية عن عائشة- رضي الله عنها، قالت: سألت النبي ﷺ عن الجدر أمن البيت هو؟
قال: «نعم»
قالت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟
قال: «إن قومك قصرت بهم النفقة»
قالت: فما شأن بابه مرتفعا؟
قال: «فعل ذلك قومك؛ ليدخلوا من شاءوا، ويمنعوا من شاءوا.
ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية؛ فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت، وأن الصدق بابه بالأرض». [رواه البخاري«١٢٦»و«١٥٨٤»، ومسلم«١٣٣٣»].
د- من المدارة الا يستسلم الواعظ لعوارضه النفسية من حب وبغض، ورضا وغضب، واستحسان واستهجان؛ إذ لو سار على أن يكاشف الناس بكل ما يعرض له من هذه الشؤون في كل وقت وعلى أي حال- لاختل الاجتماع، ولانقبضت الأيدي عن التعاون، ولشاعت البغضاء بين الناس؛ فكان من حكمة الله في خلقه أن هيأ الإنسان لأدب يتحامى به ما يحدث تقاطعا، أو يدعو إلى تخاذل؛ ذلك هو أدب المداراة؛ فهو مما يزرع المودة، ويجمع القلوب والمتنافرة.
هـ- من المداراة أن يلقى الواعظ موعظة أمام ذي يد باطشة، فيمنحه جبينا طلقا، ويتجنب في حديثه ما يثير ذلك الباطش.
وهذا محمل قول أبو درداء: «إنا لنكشر في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم». [أخرجه البخاري في صحيح معلقا في كتاب الأدب «باب المداراة مع الناس» بصيغة التمريض حيث قال «ويذكر عن أبي الدرداء…..» وله طرق أخرجها الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق ٥/١٠٢ وفي كل منها مقال، ولعل بعضها يشد بعضا، فيكون السند حسنا لغيره].
وفي هذا الأثر شاهد على أن التبسم في وجه الظالم؛ اتقاء بأسه ضرب من المداراة ولا يتعداه إلى أن يكون مداهنة.
والمداراة ترجع إلى ذكاء الشخص وحكمته؛ فهو الذي يراعي في مقدارها وطريقتها ما ينبغي أن يكون؛ ذلك أن لأسباب العداوة مدخلا في تفاوت مقادير المداراة، واختلاف طرقها.
ز- المداراة يبتغى بها تأليف الناس في حدود ما ينبغي؛ فلا يبعدك عنها قضاء بالقسط، أو لقاء للنصيحة في رفق.
ج- وبالجملة فالمداراة خصلة كريمة، يحكمها الأذكياء، ولا يتعدى حدودها الفضلاء؛ فالنفوس المطبوعة على المداراة نفوس أدركت أن الناس خلقوا؛ ليكونوا في الائتلاف كالجسد الواحد، وشأن الأعضاء السليمة أن تكون ملتئمة على قدر ما فيها من حياة، ولا تنكر عضوا ركب معها في جسد إلا أن يصاب بعلة يعجز الأطباء أن يصفوا لها بعد دواءا.
(المسألة الثانية): «بعض معالم المداهنة»:
وبعد اتضحت بعض معالم المداراة يحسن أن توضح بعض معالم المداهنة؛ فإليك شيئا من ذلك:
أ- المداهنة هي إظهار الرضا بما يصدر من الظالم أو الفاسق من قول باطل أو عمل مكروه؛ فهي بلادة في النفس، واستكانة للهوى، وقبول ما لا يرضى به دين، أو عقل، أو مروءة.
ب- المداهنة خلق قذر، لا ينحط به إلا من قل في العلم وزنه، أو من نشأ نشأة صغار ومهانة.
ج- المهانة يضم بين جناحيها الكذب، وإخلاف الوعد، وقلة الحياء.
د- من المداهنة أن يدخل الرجل على من يضطره الحال إلى الثناء عليه مع استغنائه عن الدخول عليه، ثم يبدأ بإطرائه ومدحه بما ليس فيه.
أما إذا اضطر الإنسان إلى الدخول على ذي قوة لا يخلص من بأسه إلا أن يسمعه شيئا من المديح فهو في سعة أن يمدحه بمقدار ما يخلص من بأسه، ولا تلحقه هذه الحالة بزمرة المداهنين.
ومن المداهنة أن يجعل المداهن لسانة طوع بغية الوجيه، فتراه يسبق هوى الوجيه، ويعجل إلى قول ما يشتهيه الوجيه، فيمدح ما يراه الوجيه حسنا، ويذم ما يراه الوجيه سيئا؛ بغض النظر عن قناعة هذا المداهن من علمها.
ز- من المداهنة أن يجعل الإنسان لسانه طوع رغبة طائفته وأتباعه دون ما نظر في رضا الخالق-جل وعلا-.
هذه هي المداهنة، وتلك أحوال أهلها يراوغون، ويخاتلون، ويخادعون، ويكذبون، ويسترون وجه الحقيقة الأبلج، ولا يبالون بما يترتب على ذلك من عواقب.
أما الذين يعرفون ما في المداهنة من شر، ويحزنهم أن يظهر الشر على من في استطاعته الخير- فيربأون بألسنتهم أن تساير في غير حق، ويؤثرون نصح الأمة بكافة طبقاتها بأبلغ أسلوب على أن يزينوا للناس ما ليس بزين؛ بعلمهم بأن المداهنة خيانة، وتفريط في أداء الأمانة، وأنها ضرر محض على أصحابها وعلى من يسايرونه.
ثم إن الناس كبيرهم وصغيرهم يكرهون المداهنة، ويملأون أعينهم باحترام من يوقظهم لوجه الخير إذا كانوا في غفلة، ولوجه الشر إذا اشتبه عليهم.
(المسألة الثالثة):
ولقد كان العلماء الأجلاء، والدعاة الصادقون يأخذون بسية المداراة، ولم يكونوا يتلطخون برجس المداهنة.
ولقد تظاهرت نصوص الشرع، وتظافرت أقوال والعلماء والحكماء في الحث على المداراة، وذم المداهنة، وقد مضى شيء من ذلك.
ومن ذلك ما أو رده البخاري في صحيحه، حيث أورد بابا في كتاب الأدب، قال فيه: «باب المدارة مع الناس». وساق فيه أثر أبي الدرداء الماضي وحديثين.
قال الحسن: «حسن السؤال نصف العلم، ومداراة الناس نصف العقل، والقصد في المعيشة نصف المؤونة». [عيون الأخبار لا بن قتيبة ٣/٢٢].
وقال العتابي: «المداراة سياسة لطيفة، لا يستغني عنها ملك ولا سوقة، يجتلبون بها المنافع، ويدفعون بها المضار، فمن كثر مداراته فهو في ذمة الحمد والسلامة». [عين الأدب والسياسة، وزين الحسب والرياسة لعلي بن عبد الرحمن بن هذيل ص ١٥٤].
وقال بعضهم: «ينبغي للعاقل أن يداري زمانه مداراة السابح في الماء الجاري».
وقال ابن حبان رحمه الله: “من التمس رضا جميع الناس التمس ما لا يدرك، ولكن يقصد العاقل رضا من لا يجد عن معاشرته بدا، وإن دفعه الوقت إلى استحسان أشياء من العادات كان يستقبحها، أو استقباح أشياء كان يستحسنها ما لم يكن مأثما؛ فإن ذلك من المداراة، وما أكثر من دارى فلم يسلم؛ فكيف توجد السلامة لمن لا يداري؟!.» [روضة العقلاء لا بن حبان٧١-٧٢].
وإذا كان الأمر كذلك فإن على دعاة الإصلاح أن يراعوا هذا الجانب، يميزون المداهنة من المداراة؛ فيخاطبون الناس في رقة وأدب، وشجاعة، ويحترمون من لا يلوث أسماعهم بالملق، ولا يكتمهم الحقائق متى اتسع المقام؛ لأن يحدثهم بصراحة. [انظر تفاصيل الحديث عن المداراة والمداهنة في روضة العقلاء ص٧٠-٧١، وفتح الباري لابن حجر١٠/٥٤٤-٥٤٥، وعين الأدب والسياسة ص ١٢٥-١٥٧، والدعوة الإصلاح ص ٥٠-٥٢ و٧٤ ورسائل الإصلاح ١/٣١-١٣٨ة ٢/١٠٠، وسوء الخلق مظاهر-أسبابه- علاجه للكاتب ص ١٥٢-١٦٦]. [أدب الموعظة، (21 – 30)].
المطلب الثالث: الكرامات لدعم الدعاة:
ما حدث لأبي أمامة رضي الله عنه دليل على أن الكرامات تُظهر أحياناً لتأييد الحق وتثبيت الدعاة.
و”كرامات الله لأوليائه المتبعين لأنبيائه، وكرامتهم في الحقيقة تفيد ثلاث قضايا:
أعظمها: الدلالة على كمال قدرة الله ونفوذ مشيئته،
فمعجزات الأنبياء، وكرامات الأولياء، بل وأيام الله وعقوباته في أعدائه الخارقة للعادة كلها تدل دلالة واضحة أن الأمر كله لله، والتقدير والتدبير كله لله، وأن لله سننا لا يعلمها بشر ولا ملك.
وقد بسط الكلام في هذا الموضوع في كتاب (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) وذكر قصصًا كثيرة متوافرة تدل على هذه القضية.
القضية الثانية: أن وقوع الكرامات للأولياء في الحقيقة معجزات للأنبياء؛ لأن تلك الكرامات لم تحصل لهم إلا ببركة متابعة نبيهم التي نالوا بها خيرًا كثيرًا، من جملته الكرامات.
القضية الثانية: أن كرامات الأولياء هي من البشرى المعجلة في الحياة الدنيا؛ كما قال تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [يونس: ٦٤] وهي على قول بعض المفسرين: كل أمر يدل على ولايتهم وحسن عاقبتهم، ومن ذلك الكرامات.
ولم تزل الكرامات موجودة لم تنقطع في أي وقت وفي أي زمن، وقد رأى الناس منها العجائب والأمور الكثيرة، ولم ينكرها إلا زنادقة الفلاسفة، وليس غريبًا عليهم، فإنه فرع عن جحودهم وإنكارهم لرب العالمين وقضائه وقدره. وقد أنكرها أيضًا طائفة من أهل الكلام ظنًّا منهم أن في إثباتها إبطال لمعجزات الأنبياء، وهذا وهم باطل، أبطله المؤلف في كتاب (النبوات) وغيره من كتبه.
فأهل السنة والجماعة يعترفون بكرامات الله لأوليائه إجمالًا وتفصيلًا، ويثبتون ذلك على وجه التفصيل، كما ورد عن المعصوم ﷺ، وكما تحقق وقوعه.
ولكن قد أدخل الناس في الكرامات أمورا كثيرة، اخترعوها، وافتروها، وخدعوا بها العوام والسذج من الناس، وأوهموهم بأنها من الكرامات وليست إلا قسمًا من الخرافات والشعوذات. وأهل السنة أبعد الناس عن التصديق بالخرافات والأكاذيب المفتراة، وأعرف بالطرق التي يتبين بها كذب الكاذبين وافتراء المفترين”. [التنبيهات اللطيفة للسعدي رحمه الله تعالى، (125 – 128)].
[تنبيه]: سبق ذكر ما يتعلق بكرامات الأولياء وما يتعلق به من المسائل في فتح المنان في شرح أصول الإيمان [24 ( ب )].
هناك فرق بين المعجزة والكرامة :
فـ ” المعجزة ” : هي الأمر الخارق للعادة ، مما يجريه الله على يد نبي تصديقا له ويعجز عنه البشر ، كالناقة لصالح عليه السلام ، واليد والعصا لموسى ، ومعجزة القرآن لمحمد عليه السلام .
والكرامة : هي الأمر الخارق للعادة ، مما يجريه الله على يد عبد صالح إكراما له ، كما في قصة مريم ، وأصحاب الكهف ، وهذه الكرامة هي معجزة للنبي – صلى الله عليه وسلم – الذي يتبعه هذا العبد الصالح ؛ لأنه لم يحصل عليها إلا بصدق اتباعه له ، ولا يثبت أنها كرامة إلا إذا كان من جرت على يده معروفا بالاستقامة على شرع محمد – صلى الله عليه وسلم – ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (1/ 200) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُقْتَدُونَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَفْعَلُونَ مَا أَمَرَ بِهِ، وَيَنْتَهُونَ عَمَّا عَنْهُ زَجَرَ، وَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِيهِ ، فَيُؤَيِّدُهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ وَرُوحٍ مِنْهُ ، وَيَقْذِفُ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ أَنْوَارِهِ ، وَلَهُمْ الْكَرَامَاتُ الَّتِي يُكْرِمُ اللَّهُ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ الْمُتَّقِينَ ، وَخِيَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَرَامَاتُهُمْ لِحُجَّةِ فِي الدِّينِ أَوْ لِحَاجَةِ بِالْمُسْلِمِينَ ، كَمَا كَانَتْ مُعْجِزَاتُ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ .
وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِبَرَكَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ تَدْخُلُ فِي مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” .
انتهى من “مجموع الفتاوى” (11/ 274-275) .
قال ابن القيم:
كرامات الأولياء هي من معجزات الأنبياء، لأنّهم إنّما نالوها على أيديهم وسببِ اتِّباعهم، فهي لهم كراماتٌ، وللأنبياء دلالاتٌ. فكرامات الأولياء لا تُعارِض معجزاتِ الأنبياء حتّى يُطلَب الفرقان بينهما، لأنّها من أدلّتهم وشواهدِ صدقهم.
نعم، الفرق بين ما للأنبياء وما للأولياء من وجوهٍ كثيرةٍ جدًّا، ليس هذا موضعَ ذكرها.
[مدارج السالكين 3/ 335 ط عطاءات العلم]
قال ابن رجب في باب السمر مع الأهل والضيف:
.. عن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: إن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن أربعة فخامس أو سادس) وإن أبا بكر جاء بثلاثة، …. وايم الله، ما كنا ناخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، حتى شبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر فإذا هي كما هي أو أكثر…
في هذا الحديث فوائد كثيرة: …
والتحقيق: أنها من جملة معجزات الأنبياء على كل حال، وفي كل زمان؛ لأن ما يكرم الله بذلك أولياءه، فإنما هو من بركة اتباعهم للأنبياء، وحسن اقتدائهم بهم، فدوام ذلك لأتباعهم وخواصهم من جملة معجزاتهم وآياتهم….
[فتح الباري لابن رجب 5/ 165]