606 تحضير سنن الترمذي:
مجموعة: أحمد بن علي وعبدالله الديني وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري وحسين البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
36 – باب ما ذُكر من التَّسْمية عند دخول الخلاءِ
606 – حَدَّثَنا محمد بن حُمَيْدٍ الرازيُّ، قال: حَدَّثَنا الحكمُ بن بَشِيرِ بن سَلمانَ، قال: حَدَّثنا خَلَّادٌ الصَّفَّارُ، عن الحَكَم بن عبد الله النَّصْرِيِّ، عن أبي إسحاق، عن أبي جُحَيْفَةَ
عن عليِّ بن أبي طالبٍ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: “سَتْرُ ما بَيْنَ أعْيُنِ الجِنِّ وعَوْراتِ بني آدمَ إذا دخل أحدُهم الخلاءَ أن يقولَ: بِسْمِ اللهِ”.
هذا حديثٌ غريبٌ، لا نعرفه إلَّا من هذا الوجهِ، وإسنادهُ ليس بذاكَ القوي.
وقد رُويَ عن أنسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيء من هذا.
[حكم الألباني] : صحيح
——
تخريج :
سبق في سنن الترمذي
بَاب مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاء
َ 5 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَهَنَّادٌ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ قَالَ شُعْبَةُ وَقَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ أَوْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ } – ص 11 – قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَنَسٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ رَوَى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَمَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عِيسَى سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا فَقَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَادَةُ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا
—-
حديث زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث أخرجه أبوداود والترمذي ورجح الترمذي أنه مضطرب أما البخاري قال : فلعل قتادة سمع منهما ولم يقض فيه بشيء . أما أحمد فقال : هو وهم ، وكذلك أعله أبو زرعة العلل 13 ، ورجح الدارقطني قول شعبه انه محفوظ .
بَاب مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاء
ِ 7 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَعِيلَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَعِيلَ عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ غُفْرَانَكَ } قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَة – وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ وَلَا نَعْرِفُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
—-
أخرج أبوداود 30
قلنا انه على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
راجع تخريجنا على سنن أبي داود
وذكرنا أن زيادة ( والحمد لله على نعمه ) لا تصح . حيث ذكر البيهقي أنها غير موجودة في النسخ القديمة لصحيح ابن خزيمة إنما ألحقت بخط جديد.
وكذلك لفظ ( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني … ) لا يصح الإرواء 53
وراجع ألفاظ أخرى لا تصح الضعيفة 4187 و 4197 .
—-
الشرح :
من المعلوم أن الجن يرى الإنسان دون أن يراه الإنسان ، قال تعالى : ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ) الأعراف /27 .
ولما كانت الشياطين خبيثة – فإنها تألف الأماكن الخبيثة ، قال الله تعالى : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات … الآية ) النور / 26 ، ولذلك تحضر الشياطين الأماكن التي يقضي فيها الإنسان حاجته ، وتريد إتباع الأذية والضرر به.
وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا نفعل حتى يحمينا الله من شر الشياطين إذا دخلنا الخلاء وذلك بأن يقول المسلم قبل دخول المكان : ( بسم الله ، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )
وروى الترمذي برقم ( 606 ) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول : بسم الله ) صححه الألباني في صحيح الترمذي ( 496 ) .
وروى أبو داود ( 6 ) وابن ماجة ( 296 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن هذه الحشوش محتضرة ، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) صححه الألباني في صحيح ابن ماجه ( 241 )
( الحشوش ) : هي مواضع قضاء الحاجة ، ومنها الكُنُف ( دورات المياه ) التي في البيوت .
( محتضرة ) أي تحضرها الشياطين لقصد إيقاع الأذى بالإنسان .
( الخبث ) أي الشر .
( والخبائث ) المراد النفوس الخبيثة وهي الشياطين ذكورهم وإناثهم ، فيكون استعاذ من الشر وأصحابه . اهـ من عون المعبود
فإذا قال المسلم هذا الدعاء قبل دخول الخلاء أعاذه الله من الشياطين .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
فائدة البسملة : أنها ستر .
وفائدة هذه الاستعاذة : الالتجاء إلى الله عز وجل من الخبث والخبائث لأن هذا المكان خبيث ، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشياطين فصار من المناسب إذا أراد دخول الخلاء أن يقول : أعوذ بالله من الخبث والخبائث حتى لا يصيبه الخبث وهو الشر ، ولا الخبائث وهو النفوس الشريرة . اهـ الشرح الممتع 1/ 83
قد يكون يلابس الجني الإنسية من باب العشق، والإنسية للرجل كذلك من باب العشق، قد يكون لأسباب أخرى، قد يكون الإنسي آذاهم بضرب، أو طرح شيءٍ ثقيل عليهم، أو ماء حار عليهم، أو ما أشبه ذلك مما قد يؤذيهم، فيحصل تلبسهم به بأسباب ذلك.
ابن باز رحمه الله
قوله (فإذا دخل أحدكم) إليها (فليقل) عند دخوله ندبا (بسم الله) لتدرأ التسمية عنه شرهم قال الولي العراقي: فيه أنه ينبغي للمعلم والمفتي ذكر العلة مع الحكم لأنه أدعى للقبول والمبادرة وكأنه إنما ذكرها لاستبعادهم عن ذكر الله في محل قضاء الحاجة وفيه أيضا تقديم ذكر العلة على الحكم لمصلحة تقتضيه
فيض القدير ٦/٣٥٢ — عبد الرؤوف المناوي
التَّسْمِيَةُ:
١٤ – وَهِيَ قَوْل (بِسْمِ اللَّهِ) أَوْ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
يُقَال: سَمَّيْتُ اللَّهَ تَعَالَى أَيْ قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ، وَيُقَال أَيْضًا: بَسْمَلْتُ، وَالْمَصْدَرُ الْبَسْمَلَةُ.
وَمَعْنَاهَا: أَبْتَدِئُ هَذَا الْفِعْل أَوْ هَذَا الْقَوْل مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ عَلَى إِتْمَامِهِ، أَوْ مُتَبَرِّكًا بِذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى. وَقَدِ افْتَتَحَ اللَّهُ بِهَا فَاتِحَةَ كِتَابِهِ وَجَمِيعَ سُوَرِهِ مَا عَدَا سُورَةَ (بَرَاءَةٌ) . وَوَرَدَ الأَْمْرُ بِقَوْلِهَا فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الْغُسْل وَدُخُول الْمَسْجِدِ أَوِ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَعَلَى الذَّبْحِ وَإِرْسَال النَّصْل أَوِ الْجَارِحَةِ عَلَى الصَّيْدِ وَعَلَى الأَْكْل أَوِ الشُّرْبِ أَوِ الْجِمَاعِ، وَكَذَا عِنْدَ دُخُول الْخَلاَءِ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيل الْقَوْل فِي كُل شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ وَ(ر: تَسْمِيَة)
الموسوعة الفقهية الكويتية ٢١/٢٣٣
قال ابن قدامة:
فُصُولٌ في أدبِ التَّخَلِّى
لا يَجُوزُ اسْتِقبالُ القِبْلَةِ في الفَضَاءِ لقَضاء الحاجةِ، في قَوْلِ أَكْثَرِ أهلِ العِلْمِ؛ لما رَوَى أبو أَيُّوب، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم. “إذَا أَتَى أحَدُكُم الْغَائِطَ فلا يَسْتَقْبِلِ القِبْلةَ ولَا يُوَلِّها ظَهْرَهُ، ولكِنْ (9) شَرِّقُوا أو غَرِّبُوا”. قال أبُو أَيُّوب: فَقَدِمْنَا الشامَ فوَجَدْنا مَرَاحِيضَ قد بُنِيَت نحو الكَعْبةِ، فنَنْحَرِفُ عنها، ونَسْتَغْفِرُ اللَّه عز وجل. مُتَّفَقٌ عليه (10). ولِمُسْلِمَ (11)، عن أبي هُرَيْرة، عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم: “إذا جَلَسَ أحَدُكُم عَلَى حَاجَتِهِ فلَا يَسْتَقْبِل القِبْلَةَ ولا يَسْتَدْبِرْهَا”. وقال عُرْوةُ (12) ورَبِيعَةُ (13)، ودَاوُد: يَجُوزُ اسْتِقْبالُها واسْتِدْبَارُها؛ لما رَوَى جابر، قال: نَهَى رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ نَسْتَقْبِلَ القِبْلةَ بِبَوْلٍ، فرأيتُه قبلَ أن يُقْبَضَ بعامٍ يَسْتَقْبِلُها (14). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وهذا دَلِيلٌ على النَّسْخِ، فيَجِبُ تَقْدِيمُه.
ولنا، أحادِيثُ النَّهْىِ، وهى صَحِيحةٌ؛ وحَدِيثُ جابرٍ يَحْتَمِلُ أنَّه رَآهُ في البُنْيَانِ، أو مُسْتَتِرًا بشيءٍ، ولا يَثْبُتُ النَّسْخُ بالاحْتِمالِ، ويتَعَّينُ حَمْله على ما ذَكَرْنا، ليكونَ مُوافِقًا للأحاديثِ التي نَذْكُرها. فأما في البُنْيَانِ، أو إذا كان بينه وبين القِبْلَةِ شيءٌ يَسْتُرُه، فَفِيه رِوَايَتان: إحداهما؛ لا يَجُوزُ أيضًا. وهو قولُ الثَّوْرِىّ وأبي حَنِيفَة، لعُمُومِ الأحادِيثِ في النَّهْىِ. والثانية، يَجُوزُ اسْتِقْبَالُها واسْتِدْبارُها في البُنْيانِ، رُوى ذلك عن العَبَّاسِ، وابنِ عُمَر، رضى اللَّه عنهما، وبه قال مالِك، والشَّافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِر، وهو الصَّحِيحُ؛ لحدِيثِ جابرٍ، وقد حَمَلْناه على أنه كان في البُنْيانِ، ورَوَتْ عائشةُ أنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ لَهُ أنَّ قَوْمًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبالَ القِبْلَةِ بِفُرُوجِهِم، فقال رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ” [أو قَدْ فَعَلُوهَا] (15) اسْتَقْبِلُوا بمَقْعَدَتِى القِبْلَة (16) “. رَوَاهُ أصحابُ السُّنَنِ (17). [وأكثرُ أَصْحابِ] (18) المَسانِيد؛ منهم أبو داود الطَّيَالِسِىّ، رَوَاه عن خالد بنِ الصَّلْتِ، عن عِرَاك بن مالك، عن عائشة. قال أبُو عَبْد اللَّه: أحْسَن ما رُوِى في الرُّخْصَة حَدِيثُ عائِشة، وإن كان مُرْسَلًا؛ فإنَّ مخْرَجَه حَسَنٌ. قال أحمد: عِرَاك لم يَسْمَعْ من عائشة فَلذلك سَمَّاهُ مُرْسَلًا. وهذا كلُّه (19) في البُنْيانِ، وهو خاصٌّ يُقَدَّمُ عَلَى العامِّ. وعن مَرْوان الأصْفَر، قال: رأيتُ ابنَ عُمَر أناخَ راحِلَتَه مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، ثم جَلَسَ يَبُولُ إليها. فقلتُ: يا أبا عبدِ الرحمن، أَلَيْسَ قد نُهِىَ عن هذا؟ قال. بَلَى إنَّما نُهِى عن هذا في الفَضَاءِ، فإذا كان بَيْنَك وبينَ القِبْلةِ شيءٌ يَسْتُرُك فلا بَأْسَ. رواه أبو داود (20). وهذا تَفْسِيرٌ لنَهْىِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم العامِّ، وفيه جَمْعٌ بين الأَحَادِيثِ، فيَتَعَيَّن المَصِيرُ إليه. وعن أحمد: أنه يَجُوزُ اسْتِدْبارُ الكَعْبة في البُنْيانِ والفَضَاءِ جَمِيعًا؛ لما رَوَى ابنُ عُمَر، قال: رَقِيتُ يومًا (21) عَلَى بَيْت حَفْصَةَ، فرأَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم علَى حاجَتِه، مُسْتَقْبِلَ الشامِ مُسْتَدْبِرَ الكَعْبةِ. مُتَّفَقٌ عليه (22).
فصل: ويُكْرَهُ أن يَسْتَقْبِلَ الشمسَ والقَمَرَ بفَرْجِهِ؛ لِمَا فِيهِما من نُورِ اللهِ تَعالَى. فإن اسْتَترَ عنهما بشيءٍ فلا بَأْسَ؛ لأنه لو اسْتَتَرَ عن القِبْلةِ جازَ، فههُنا أَوْلَى. ويُكْرَه أن يَسْتَقْبِلَ الرِّيحَ؛ لِئَلَّا تَرُدَّ عليه رَشَاشَ البَوْلِ، فَيُنَجِّسَه.
فصل: ويُسْتَحَبُّ أن يَسْتَتِرَ عن الناسِ، فإن وَجَد حائِطًا أو كَثِيبًا أو شَجرةً أو بَعِيرًا اسْتَتَرَ به، وإن لم يَجِدْ شيئًا أبْعَدَ حتَّى لا يَراهُ أحدٌ؛ لما رُوِىَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَن أَتَى الْغائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنَ الرَّمْلِ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ (23) “. ورُوِىَ عنه عليه السلام، أنه خَرَجَ ومَعَه دَرَقَةٌ (24)، ثُمَّ اسْتَتَر بها، ثُمّ بالَ (25). وعن جابرٍ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أرادَ البَرَازَ انْطَلَقَ حتَّى لا يَراهُ أحدٌ (26). والبَرَازُ: المَوْضِعُ البارِزُ، سُمِّى قَضَاءُ الحاجةِ به؛ لأنها تُقْضَى فِيهِ. وعن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبة، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا ذَهَبَ أبْعَدَ (27). رَوَى أحادِيثَ هذا الفَصْلِ كلها أبُو دَاوُد وابنُ مَاجَه. وقال عبدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ: كان أحَبَّ ما اسْتَتَر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم لحاجَتِه هَدَفٌ أو حائِشُ نَخْلٍ (28). رَوَاهُ ابنُ مَاجَه (29).
فصل: ويُسْتَحَبُّ أن يَرْتَادَ لِبَوْلِه مَوْضِعًا رَخْوًا؛ لئلَّا يَتَرَشَّشَ عليه، قال أبو موسى: كنتُ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ، فأراد أنْ يَتَبَوَّلَ، فأتَى دَمِثًا (30) في أصْلِ حائِطٍ، فبَالَ، ثم قال: “إذَا أرَادَ أحَدُكُمْ أنْ يَبُولَ (31) فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِه (32) “.
ويُسْتَحَبُّ أن يَبُولَ قاعِدًا؛ لِئَلَّا يَتَرَشَّشَ عليه، قال ابنُ مَسْعُود: مِنَ الجَفَاءِ أن تَبُولَ وأنتَ قائِمٌ. وكان سَعْدُ بنُ إبراهيم (33) لا يُجِيزُ شَهادةَ مَنْ بالَ قائِمًا، قالت عائشةُ: مَنْ حَدَّثَكُم أن رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يَبُولُ قائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوه، ما كان يَبُولُ إلَّا قاعِدًا (34). قال التِّرْمِذِيُّ: هذا أصَحُّ شيءٍ في البابِ. وقد رُوِيت الرُّخْصَة فيه عن عُمَر، وعَلِىّ، وابنِ عُمَر، وزيدِ بن ثابتٍ، وسَهْلِ بنِ سعد (35)، وأنس، وأبي هُرَيْرَة، وعُرْوَة. ورَوَى حُذَيْفَة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتَى سُبَاطةَ (36) قَوْمٍ، فبالَ قائِمًا. رَوَاه البُخَارِىُّ، وغيرُه (37). ولَعَلَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعلَ ذلك لتَبْيِينِ الجَوَازِ، ولم يَفْعَلْه إلا مَرةً واحدةً (38)، ويَحْتَمِلُ أنَّه كان في مَوْضِعٍ لا يتمَكَّنُ مِن الجُلوسِ فيه. وقيل: فَعَلَ ذلك لِعِلَّةٍ كانت بمَأْبِضِه. والمَأْبِضُ: ما تحت الرُّكبةِ من كلِّ حيوانٍ.
فصل: ويُسْتَحَبُّ أنْ لا يَرْفَعَ ثَوْبَه حتَّى يَدْنُوَ من الأرضِ؛ لما رَوَى أبُو دَاوُد (39)، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه كان إذا أرادَ الحاجةَ لا يَرْفَعُ ثَوْبَه حتى يَدْنُوَ مِن الأرضِ. ولأنَّ ذلك أسْتَرُ له، فيكونُ أَوْلَى.
فصل: ولا يجوزُ أن يَبُولَ في طريقِ الناسِ، ولا مَوْرِدِ ماءٍ، ولا ظِلٍّ يَنْتَفِعُ بهِ الناسُ؛ لما رَوَى مُعاذ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ؛ البَرازَ في الْمَوَارِدِ، وقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، والظِّلِّ”. رَوَاهُ أبُو دَاوُد (40)، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
“اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ (41) “، قالوا: وما اللَّعَّانان (41) يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: “الَّذِى يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أو في ظِلِّهِمْ”. أخْرَجَهُ مُسْلِم (42). والمَوْرِدُ: طَرِيقٌ.
ولا يَبُولُ تحتَ شجرةٍ مُثْمرةٍ، في حالِ كَوْنِ الثَّمرةِ عليها؛ لِئلَّا تَسْقُط عليه الثمرةُ فتَتَنَجَّس به. فأما في غَيْرِ حالِ الثَّمَرةِ فلا بَأْسَ، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، كان أحَبَّ [ما اسْتَتَر بهِ لحاجتِه] (43) هَدَفٌ أو حَائِشُ نَخْلٍ. ولا يَبُولُ في الماءِ الدائمِ، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن البَوْلِ في الماءِ الراكدِ. مُتَّفَقٌ عليه (44)، ولأن الماءَ إن كان قَلِيلًا نَجَّسَهُ (45)، وإن كان كثيرًا، فَرُبَّما تَغَيَّر بتَكْرارِ البَوْلِ فيه، فأمّا الجارِى فلا يَجُوزُ التَّغَوُّط فيه؛ لأنَّه يُؤْذِى مَنْ يَمُرّ به. وإن بالَ فِيهِ، وهو كثيرٌ لا يُؤَثِّرُ فيه البَوْلُ، فلا بَأْسَ؛ لأنَّ تَخْصِيصَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الرَّاكِدَ بالنَّهْىِ عن البَوْلِ فيه دَلِيلٌ عَلَى أنَّ الجارِىَ بخِلَافِه. ولا يَبُولُ على ما نُهِىَ عن الاسْتِجْمارِ به؛ لأن هذا أبلغُ من الاسْتِجْمارِ به، فالنَّهْىُ ثَمَّ تَنْبِيهٌ عَلَى تَحْريمِ البَوْلِ عليه. ويُكْرَهُ أن يَبُولَ في شَقٍّ أو ثَقْبٍ؛ لما رَوَى عَبْدُ اللَّه بن سَرْجِسَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ يُبالَ في الجُحْرِ. رَوَاهُ أبُو دَاوُد (46)؛ ولأنَّه لا يَأْمَنُ أن يكونَ فيه حَيوانٌ يَلْسَعُه، أو يكونَ مَسْكَنًا للجِنِّ فيَتَأَذَّى بهم، فقد حُكِىَ أن سَعْدَ بن عُبادة (47) بالَ في جُحْرٍ بالشَّامِ، ثم اسْتَلْقَى مَيِّتًا، فَسُمِعَتِ الجِنُّ تَقُولُ:
نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الخَزْ … رَجِ سَعْدَ بن عبَادَهْ
ورَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْـ … ـنِ فلَمْ نُخْطِىءْ فُؤَادَهْ
ولا يَبُولُ في مُسْتَحَمِّه، فإن عامَّة الوَسْوَاسِ مِنه، رَوَاهُ أبو داود، وابنُ مَاجَه (48)، وقال (49): سَمِعْتُ عَلِىَّ بن محمد الطَّنَافِسِىَّ، يقول: إنَّما هذا في الحَفِيرَةِ؛ فأما اليوم فمُغْتَسَلاتُهم الجِصُّ والصَّارُوجُ والقِيرُ (50)، فإذا بالَ وأَرْسَلَ عليه الماءَ، فلا بَأْسَ به. وقد قِيل: إنَّ البُصَاقَ علَى البَوْلِ يُورِثُ الوَسْوَاسَ، وإِن البَوْلَ علَى النَّارِ يُورِثُ السَّقَمَ، وتَوَقِّى ذلك كُلِّه أَوْلَى. ويُكْرَهُ أن يَتَوَضَّأ علَى مَوْضِعِ بَوْلهِ، أو يَسْتَنْجِىَ عليه؛ لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ به.
فصل: ويَعْتَمِدُ في حالِ جُلُوسِهِ علَى رِجْلهِ اليُسْرَى، لما رَوَى سُرَاقَة بن مالك، قال: أمَرَنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن نَتَوَكَّأ عَلَى اليُسْرَى، وأن نَنْصِبَ اليُمْنَى. رَوَاهُ الطَّبَرانِىُّ (51)، في “المُعْجَم”؛ ولأنَّه أسْهَلُ لخُرُوجِ الخارِجِ، ولا يُطِيلُ المُقَامَ أَكْثَر من قَدْرِ الحاجةِ؛ لأن ذلك يَضُرُّهُ، وقد قيل: إنه يُورِثُ الباسُورَ. وقيل: إنه يُدْمِى الكَبِدَ، ورُبَّما آذَى مَنْ يَنْتَظِرُه.
ويُسْتَحَبُّ أن يُغَطِّىَ رَأْسَه؛ لأنَّ ذلك يُرْوَى عن أبي بكر الصِّدِّيق، رضى اللَّه عنه، ولأنَّه حالَ كَشْفِ العَوْرَة فيَسْتَحيِى فيها. ويَلْبَسَ حِذَاءَهُ؛ لِئَلَّا تَتَنَجَّس رِجْلَاه. ولا يَذْكُر اللهَ تَعالَى على حاجَتِه إلَّا بقَلْبِه. وكَرِهَ ذلك ابنُ عَبّاس، وعَطَاء، وعِكْرِمة، وقال ابنُ سِيرِين، والنَّخَعِىُّ: لا بأسَ به؛ لأنَّ ذِكْرَ (52) اللَّه تعالى مَحْمودٌ على كُلِّ حالٍ. ولنَا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَرُدَّ السلامَ في هذه الحالَ، فَذِكْرُ اللهِ أَوْلَى. فإذا عَطَسَ حَمِدَ اللهَ بقَلْبِه ولم يتكلَّم. وقال ابنُ عَقِيلٍ فيه رِوايةٍ أخْرَى، إنه يَحْمَدُ اللهَ بِلِسانِه. والأَوَّل أُوْلَى؛ لما ذَكَرْناه، فإنَّه إذا لم يَرُدَّ السَّلامَ الواجِبَ، فما ليس بواجبٍ أوْلَى. ولا يُسَلِّم ولا يَرُدُّ على مُسَلِّمٍ؛ لما رَوَى ابنُ عُمرَ، أن رَجُلًا مَرَّ علَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو يَبُولُ، فسَلَّم، فلم يَرُدَّ عليه (53). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وعن جابِرٍ، أنَّ رَجُلًا مَرَّ علَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يَبُولُ، فسَلَّم عليه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “إذَا رأَيْتَنِى علَى مِثْلِ هذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَىَّ؛ فإنَّكَ إنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لم (54) أرُدَّ عَلَيْكَ”. رَوَاه ابنُ مَاجَه (55). ولا يَتكلَّم؛ لما رَوَى أبُو سَعِيد قال، سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: “لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتَيْهما يَتَحدَّثَانِ، فَإنَّ اللهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ”. رَوَاه أبُو دَاوُد (56).
فصل: إذا أراد دُخُولَ الخَلاءِ ومعه شيءٌ فيه ذِكْرُ اللهِ تعالى، اسْتُحِبَّ وَضْعُه. قال أنَسُ بن مالِك: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا دَخَلَ الخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ. رواه ابنُ ماجَه، وأبو داود (57)، وقال: هذا حديثٌ مُنْكَرٌ. وقيل: إنَّما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَضَعُهُ؛ لأنَّ فيه “محمد رسول اللَّه” ثلاثة أسْطُر، فإنَّ احْتفَظ بما معه مما فيه ذِكْرُ اللهِ تَعالَى، واحْتَرزَ عليه من السُّقُوطِ، أو أدارَ فَصَّ الخاتَمِ إلى باطِنِ كَفِّه، فلا بَأْسَ. قال أحمد: الخاتَمُ إذا كان فيه اسمُ اللهِ يجْعلُه في باطِنِ كَفِّه، ويدخلُ الخَلاءَ. وقال عِكْرِمة: [اقلِبْهُ هكذا في باطِنِ كَفِّك] (58) فاقْبِضْ عليه. وبه قال إسحاقُ، ورَخَّصَ فيه ابنُ المُسَيَّب، والحَسَن، وابنُ سِيرِين. وقال أحمد في الرَّجُلِ يدخلُ الخَلاءَ ومعه الدَّرَاهِمُ: أرْجُو أن لا يكونَ به بَأْسٌ.
فصل: ويُقَدِّمُ رِجْلَه اليُسْرَى في الدُّخُولِ، واليُمْنَى في الخُرُوجِ، ويقولُ عندَ دُخُولِه: بِسْمِ اللَّه، أعوذُ باللهِ من الخُبُثِ والخَبَائِثِ (59)، ومِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ. قال أحمد: يقول إذا دَخَل الخَلاءَ: أعوذُ باللهِ من الخُبُثِ والخَبائِثِ، وما دَخَلْتُ قَطُّ المُتَوَضَّأَ ولم أقُلْها، إلَّا أصَابَنِى ما أَكْرَهُ. وعن أنَس، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلَ الخَلاءَ قال: “اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من الخُبُثِ والْخَبائِثِ”. مُتَّفَقٌ عليه (60). وعن عَلِىّ قال: قال رَسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: “سِتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وعَوْرَاتِ بَنِى آدَمَ إذَا دَخَلَ الكَنِيفَ أنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ (61) “. وعن أبي أُمَامَة، أنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: “لا يَعْجِزُ أحَدُكم إذا دَخَلَ مِرْفَقَه أنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ من الرِّجْسِ النَّجِسِ الخَبِيثِ المُخْبِثِ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ”. رواهما ابنُ مَاجَه (62). قال أبو عُبَيْد: الخُبْثُ بسكون الباء: الشَّرُّ. والخَبائِثُ: الشَّياطِينُ. وقيل: الخُبُثُ، بضَمِّ الباء، والخَبائِثُ: ذُكْرَانُ الشياطينِ وإنَاثُهم. فإذا خرَج مِن الخَلَاء قال: غُفْرَانَكَ، الحمدُ للهِ الذي أذْهَبَ عَنِّى الأَذَى وَعافانِى. ورَوَى أنَسٌ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا خَرَجَ من الخَلاءِ قال: “غُفْرَانَكَ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِى أذْهَبَ عَنِّى الْأَذَى وعَافَانِى”. أخْرَجُه ابنُ ماجَه (63). وقالت عائشة: كان رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا خَرَجَ مِن الخَلاءِ قال: “غُفْرَانَكَ (64) “. قال التِّرْمِذِىّ: هذا حديثٌ حسنٌ.
فصل: ولا بَأْسَ أن يَبُولَ في الإِناءِ. قالت أُمَيْمَةُ بنتُ رُقَيْقَةَ: كان لِلنبىِّ صلى الله عليه وسلم قَدَحٌ مِن عَيْدَانٍ (65) يَبُولُ فيه، ويَضَعُه تحتَ السَّرِيرِ. رواهُ أبُو دَاوُد، والنَّسائِىُّ، وابنُ مَاجَه (66).
[المغني لابن قدامة 1/ 220]
فضل البسملة:
قال ابن كثير رحمه االه:
فصل في فضلها …. ذكر أحاديث بعضها حكم عليه أنه من الاسرائيليات وأكثرها لم يحكم عليها لكن ساقها باسانيدها
وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده: حدَّثنا محمد بن جعفر، حدَّثنا شعبة، عن عاصم؛ قال: سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم، قال: عُثر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقلت: تَعِسَ الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت: تعس الشيطان، تعاظم وقال: بقوّتي صرعتُه، وإذا قلتَ: باسم الله، تصاغر حتى يصير مثل الذباب”. هكذا وقع في رواية الإمام أحمد.
وقد روى النسائي في اليوم والليلة، وابن مردويه في تفسيره من حديث خالد الحذاء، عن أبي تميمة -وهو الهجيمي- عن أبي المليح بن أسامة بن عُمير، عن أبيه؛ قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: “لا تقل هكذا، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت، ولكن قل: باسم الله، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة “.
فهذا من تأثير بركة باسم الله، ولهذا تستحب في أول كل عمل وقول، فتستحب في أول الخطبة لما جاء: “كلُّ أَمرٍ لا يبدأ فيه ببسم الله [الرحمن الرحيم]، فهو أجذم”.
[وتستحب البسملة عند دخول الخلاء؛ لما ورد من الحديث في ذلك]، وتستحب في أول الوضوء؛ لما جاء في مسند الإمام أحمد والسنن من رواية أبي هريرة وسعيد بن زيد وأبي سعيد مرفوعًا: “لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه”. وهو حديث حسن.
ومن العلماء من أوجبها عند الذكر هاهنا، ومنهم من قال بوجوبها مطلقًا، وكذا تستحب عند الذبيحة في مذهب الشافعي وجماعة، وأوجبها آخرون عند الذكر، ومطلقًا في قول بعضهم، كما سيأتي بيانه في موضعه [إن شاء الله.
وهكذا تستحب عند الأكل؛ لما في صحيح مسلم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال لربيبه عُمر بن أبي سلمة: “قل: باسم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك”.
ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه، وكذلك تستحب عند الجماع؛ لما في الصحيحين عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: “لو أن أحدهم [إذا أراد أن يأتي]، أهله قال: باسم الله، اللهم، جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا”.
ومن هاهنا ينكشف لك أن القولين عند النحاة في تقدير المتعلق بالباء -في قولك: {بِسْمِ اللَّهِ} هل هو اسم أو فعل- متقاربان، وكل قد ورد به القرآن، أما من قدره باسم، تقديره (باسم الله) ابتدائي فلقوله تعالى: {وَقَال ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}. ومن قدره بالفعل [أمرًا أو خبرًا نحو: ابدأ باسم الله، أو ابتدأت باسم الله]، فلقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وكلاهما صحيح؛ فإن الفعل لا بد له من مصدر، فلك أن تقدر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله، إن كان قيامًا أو قعودًا، أو أكلًا أو شربًا، أو قراءة أو وضوءًا أو صلاة، فالمشروع ذكر اسم الله في الشروع في ذلك كله تبركًا وتيمُّنًا واستعانة على الإتمام والتقبل، والله أعلم.
ولهذا روى ابن جرير، وابن أبي حاتم، من حديث بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إن أول ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم، قال: يا محمد؛ قل: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. ثم قال: قل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. قال: قال له جبريل: قل باسم الله يا محمد. يقول: اقرأ بذكر الله ربك، وقم واقعد بذكر الله تعالى. لفظ ابن جرير….
[تفسير ابن كثير – ط أولاد الشيخ 1/ 184]
قال ابن عثيمين:
بابُ الاستِنْجاء
تمهيد:
اعلم أن الله عز وجل قد أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، من الأكل والشَّراب واللباس والمسكن، وغير ذلك من نِعَمِه التي لا تُحصى ولا تُعدُّ.
الأكلُ والشَّرابُ علينا فيهما نِعَمٌ سابقةٌ ولاحقةٌ.
أما السَّابقة: فإن هذا الماء الذي نشربه ما جاء بحولنا ولا بقوتنا، قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ *أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ *} [الواقعة]، وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ *} [الملك]، وقال تعالى: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22].
فبيَّن الله تعالى نعمته علينا بالماء النازل من السماء، والنابع من الأرض.
والطعام الذي نأكله قال الله تعالى عنه: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ *أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ *} [الواقعة]، فهذه نِعْمَةٌ عظيمة من الله، فهو الذي زَرَعهُ، ونمَّاهُ حتى تكامل، ويسَّرَ لنا الأسباب التي تُيسِّرُ جنيه، وحصاده، ثم طَحْنه وطَبْخه، إلى غير ذلك من النِّعَم الكثيرة.
قال بعض العلماء: إِنه لا يُقدَّم الطعام بين يديك وإِلا وفيه ثلاثمائة وستون نِعْمَة، هذا الذي يُدْرَكُ فكيف بالذي لا يُدْرَك؟
ثم بعد ذلك نِعَمٌ عند تناوله، وعندما تأكله على جوع ماذا تكون لذته؟
وعندما تطعمه في فمك تجد لذَّة، وعندما يمشي في الأمعاء لا تجد تعباً في ذلك.
فالآن لو يقف على يدك بعوضة أحسست برجليها وتقشعر منها، لكن هذا الطعام الغليظ ينزل في هذه الأمعاء الرَّقيقة ولا تحسُّ به، نِعْمَة من الله عز وجل؛ لأن داخل الجوف ليس فيه إحساس فيمرُّ فيه بدون إحساس.
ثم إن الله تعالى خلق غُدَداً تُفرِز أشياء تُلَيِّن هذا الطعام وتخفِّفه حتى ينزل.
ثم إِن الله عز وجل جعل له قنوات يذهب معها الماء، وهناك عروق شارعة في هذه الأمعاء تُفرِّق الدَّمَ على الجسم؛ فأين توصله؟ توصله إلى القلب.
ثم إن هذا القلب الصَّغير في لحظة من اللحظات يُطهِّرُ هذا الدَّمَ ثم يخرجه إِلى الجانب الآخر من القلب نقيًّا، ثم يدور في البدن، ثم يرجع مرَّة ثانية إلى القلب فيطهِّره ويصفيه، ثم يعيده نقيّاً، وهكذا دواليك.
كلُّ هذا ونحن لا نحسُّ بهذا الشيء؛ وإلا فالقلب يُصْدِرُ نبضات، كلُّ نبضة تأخذ شيئاً، والنبضة الأخرى تخرج شيئاً من هذا الدم.
ومع ذلك يذهب هذا الدَّم إلى جميع أجزاء الجسم بشُعَيْرَات دقيقة منظَّمة مرتَّبة على حسب حكمة الله وقدرته، ومع هذا أيضاً:
فإنَّ من قدرة الله العظيمة البالغة أنَّ مجاريَ العُروق لا تتَّفق في الأعضاء، فكلُّ عضو له مجارٍ خاصَّة؛ بمعنى أنَّ يدك اليُمنى ليست المجاري فيها كيدك اليسرى؛ بل تختلف.
وكذلك بالنسبة إلى الرِّجل تختلف، كلُّ هذا من أجل بيان قُدرة الله عز وجل.
ولا شكَّ أن هذا لمقتضى الحكمة، فلولا أن هناك حكمة تقتضي أن لهذه اليد مجاري معيَّنة؛ ولهذه اليد مجاري خاصَّة لم يخلقها الله هكذا.
المهم من كلِّ هذا أن نبيِّن به أن لله علينا نعماً ماديَّة بدنيَّة في هذا الطَّعام، سابقة على وصوله إِلينا ولاحقة.
ثم إن هناك نعماً دينيَّة تتقدَّم هذا الطعام وتلحقه، فتُسمِّي عند الأكل؛ وتحمد إِذا فرغت. فإن الله تعالى يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشَّربة فيحمده عليها، ورضى الله غايةُ كلِّ إِنسان، فمن يُحصِّل رضى الله عز وجل؟ فنحن نتمتَّع بنعمه، فإِذا حمدناه عليها رضي عنَّا، وهو الذي تفضَّل بها أولاً.
وهذه النِّعمة ـ وهي رضى الله ـ أكبر من نعمة البدن.
ما ظنُّكم لو لم يشرع الله لنا أن نحمده عند الأكل والشُّرب؛ فإننا لو حمدناه لصرنا مبتدعين وصرنا آثمين. لكنه شرع لنا ذلك من أجل أن يوصلنا إلى رضاه، أسأل الله أن يحقِّق ذلك لنا جميعاً.
فهذه نعمة عظيمة لا يُدركها الإِنسان إلا عند التأمل.
وأيضاً: عند تفريغ وإخراج هذا الذي أكلناه وشربناه يحصُل لنا نعم جِسْميَّة وحسيَّة، شرعيَّة ودينية.
فالنِّعم الحسِّية فيما لو احتقن هذا الطَّعام أو الشَّراب في جسمك ولم يخرج؛ فإِن المآل الموت المحقق، ولكنه بنعمة الله يخرج.
ولو احتقنت الرِّيح التي جعلها الله تعالى لتفتح المجاري أمام ما يعبر منها من الطَّعام والشَّراب، فلو أنها انسدت ماذا يكون؟ ينتفخ البطن ثم يتمزَّق فيموت الإنسان، وكذلك البول.
إِذاً؛ فَللَّهِ علينا نعمة في خروجه، وفي تيسيره نعمة كبرى، والحمد لله، نسأل الله لنا ولكم دوام النعمة، فإِذا أردت حبسته وإذا أردت فتحته، ومن يستطيع أن يفتح المكان حتى ينزل البول لولا أن الله يسَّر ذلك، وكذلك متى شئت، فقد تذهب وتبول وليس في المثانة إِلا ربعها، أي أن المسألة ليست إجبارية وقد تحبسه وهي مملوءة؛ ولكنك تستطيع أن تتحمَّل.
فهذه من نِعَمِ الله، ولا يعرف قَدْرَ هذه النعمة إِلا من ابتُليَ بالسَّلس، أو الحصر، نسأل الله السلامة.
وكذلك بالنسبة إلى الخارج الآخر فيه نِعَمٌ عظيمة، ومع ذلك هناك نِعَمٌ دينيَّة مقرونة بهذه النِّعم البدنية، فعند الدخول هناك ذكر مشروع يقربك إِلى الله، وعند الخروج ذكر مشروع يقربك إلى الله عز وجل.
فتأمل نعم الله عليك، فهي سابغة وشاملة واسعة دينية ودنيوية، وبهذا تعرف صدق هذه الآية، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، وقال: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ *} [النحل]، فبيَّن الله حالَ الإنسان وشأن الربِّ عند النِّعمة العظيمة.
فحال العبد: الظلم والكفر، ظلم نفسه وكفر نعمة ربِّه.
وشأن الربِّ عز وجل: أن يقابل هذا الظُّلم وهذا الكفر بالمغفرة والرحمة ولله الحمد.
هذا الباب ذكر فيه المؤلِّفُ ـ رحمه الله تعالى ـ الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة.
قوله: «الاستنجاء»، استفعال من النَّجْو، وهو في اللُّغة القطع، يقال: نَجوت الشَّجرة، أي: قطعتها.
وهو اصطلاحاً: إِزالةُ الخارج من السَّبيلين بماء أو حَجَر ونحوه، وفي ذلك قطع لهذا النَّجس. وهذا وجه تعلُّق الاشتقاق بالمعنى الاصطلاحي.
يُسْتَحبُّ عِنْدَ دُخولِ الخلاءِ ……….
قوله: «يُسْتَحبُّ عِنْدَ دُخولِ الخلاءِ»، اختلف العلماء رحمهم الله هل المستحب مرادف للمسنون، أو المستحب ما ثبت بتعليل، والمسنون ما ثبت بدليل؟
فقال بعضهم: الشَّيء الذي لم يثبت بدليل، لا يُقال فيه: يُسَنُّ، لأنك إِذا قلت: «يُسَنُّ» فقد أثبتَّ سُنَّة بدون دليل، أما إِذا ثبت بتعليل ونظر واجتهاد فيُقال فيه: «يُسْتَحب»؛ …
ولا شَكَّ أن القول الأول أقرب إلى الصِّحة، فلا يُعبَّر عن الشَّيءِ الذي لم يثبت بالسُّنَّة بـ «يُسنُّ»، ولكن يُقال: نستحبُّ ذلك، ونرى هذا مطلوباً، وما أشبه ذلك.
قَولُ: بِسمِ الله، أعوذُ بالله من الخُبْثِ والخَبَائِثِ، ……..
قوله: «قول بسم الله»، هذا سُنَّةٌ لما رواه عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سَتْرُ ما بين أعيُنِ الجِنِّ، وعَوْرَاتِ بني آدم، إذا دخل أحدُهم الكَنيفَ أن يقول: بسم الله».
قوله: «أعوذ بالله من الخُبث والخبائث»، وهذا سُنَّةٌ لحديث أنس رضي الله عنه في «الصَّحيحين» أن الرَّسول صلى الله عليه وسلم كان إِذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخُبُثِ والخَبَائث».
الخُبْثُ بسكون الباء وضمِّها: ـ فعلى رواية التَّسكين ـ الشَّرُّ، والخبائث: النفوس الشِّرِّيرة ـ وعلى رواية الضمِّ ـ جمع خبيث، والمراد به ذُكران الشَّياطين، والخبائث جمع خبيثة، والمراد إِناث الشَّياطين.
والتسكين أعمُّ، ولهذا كان هو أكثر روايات الشُّيوخ كما قاله الخطابي رحمه الله.
فائدةُ البسملة: أنها سَتْرٌ.
وفائدة هذه الاستعاذة: الالتجاء إِلى الله عز وجل من الخُبث والخبائث؛ لأن هذا المكان خبيث، والخبيث مأوى الخبثاء فهو مأوى الشَّياطين، فصار من المناسب إِذا أراد دخول الخلاء أن يقول: أعوذ بالله من الخُبث والخبائث. حتى لا يصيبه الخُبث وهو الشَّرُّ، ولا الخبائث وهي النُّفوس الشِّرِّيرة.
والعندية في كلام المؤلِّف هنا تعني قبل الدُّخول، فإِن كان في البَرِّ ـ مثلاً ـ استعاذ عند الجلوس لقضاء الحاجة.
والخلاء: أصله المكان الخالي، ومناسبته هنا ظاهرة؛ لأنَّ هذا المكان لا يجلس فيه إلا واحد.
وقوله: «قولُ»، أي: يقول بلسانه إِلا من أخْرَس فيقول بقلبه.
وقوله: «أعوذُ بالله»، أي: أعتصم وألتجئُ بالله عز وجل.
وعِنْدَ الخُرُوجِ منه: غُفْرانك، ………
قوله: «وعند الخَروجِ منه: غُفْرانك»، أي: يُسَنُّ أن يقول بعد الخروج منه: غفرانك، للحديث الصَّحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إِذا خرج من الغائط قال: «غُفْرانك»، والعندية هنا بعديَّة، أي: يقول ذلك بعد خروجه، فإِن كان في البَرِّ فعند مفارقته مكان جُلوسه.
وقوله: «غُفْرَانك»، غُفْرَان: مصدر غَفَر يَغْفِرُ غَفْراً، وغُفْرَاناً، كشَكَرَ يَشْكُر شُكْراً وشُكْرَاناً، فقوله غُفْرَانك: مصدر منصوب بفعل محذوف تقديره: أسألك غفرانك.
والمغفرة هي سَتْر الذَّنب والتَّجاوز عنه، لأنَّها مأخوذة من المِغْفَرِ، وفي المغفر سَتْر ووقاية، وليس سَتْراً فقط، فمعنى: اغفر لي؛ أي: استُرْ ذنوبي، وتجاوز عَنِّي حتى أسَلَمَ من عقوبتها، ومن الفضيحة بها.
ومناسبة قوله: «غُفْرَانك» هنا:
قيل: إن المناسبة أن الإنسان لما تخفَّف من أذيَّة الجسم تذكَّر أذيَّةَ الإِثم؛ فدعا الله أن يخفِّف عنه أذيَّة الإثم كما مَنَّ عليه بتخفيف أذيَّة الجسم، وهذا معنى مناسب من باب تذكُّر الشيء بالشيء.
وقال بعض العلماء: إِنه يسأل الله غُفْرانَه، لأنه انحبس عن ذكره في مكان الخلاء، فيسأل الله المغفرة له ذلك الوقت الذي لم يذكر الله فيه.
وفي هذا نظر: لأنه انحبس عن ذكر الله بأمر الله، وإِذا كان كذلك فلم يعرِّض نفسه للعقوبة، بل عرَّضها للمثوبة؛ ولهذا الحائض لا تُصلِّي، ولا تصوم، ولا يُسَنُّ لها إِذا طَهُرت أن تستغفر الله بتركها الصَّلاة والصَّوم أيام الحيض. ولم يقله أحد، ولم يأتِ فيه سُنَّة.
والصَّحيح هو الأول.
الحَمْدُ لله الذي أَذْهَبَ عَنِّي الأذى وَعَافَاني، ……..
قوله: «الحمد لله الذي أذْهب عَنِّي الأذى وعَافَاني»، قوله: «الأذى» أي: ما يؤذيني من البول والغائط. وعافاني أي: من انحباسهما المؤدِّي إِلى المرض أو الهلاك، والحديث الوارد في هذا فيه ضعف.
وتَقْدِيمُ رِجْله اليُسْرى دُخُولاً، واليُمنى خروجاً، عَكس مَسْجِدٍ، ونَعْلٍ، ……..
قوله: «وتَقْدِيمُ رجْله اليُسْرى دُخُولاً، واليُمنى خروجاً، عَكس مَسْجدٍ، ونَعْلٍ»، أي: يستحبُّ أن يُقدِّمَ رجله اليُسرى عند دخول الخلاء، ويُقدِّمَ اليُمنى إِذا خرج، وهذه مسألة قياسيَّة، فاليمنى تُقَدَّم عند دخول المسجد كما جاءت السُّنَّة بذلك، واليسرى عند الخروج منه، وهذا عكس المسجد، وكذلك النَّعل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر لابس النَّعل أن يبدأ باليُمنى عند اللُّبس، وباليُسرى عند الخلع، وهذا في «الصَّحيحين» قالوا: فدلَّ هذا على تكريم اليُمنى، لأنه يبدأ بها باللُّبس الذي فيه الوقاية، ويبدأ باليُسرى بالخلع الذي فيه إِزالة الوقاية، ولا شكَّ أن الوقاية تكريم.
فإِذا كانت اليُمنى تُقدَّم في باب التَّكريم، واليُسرى تُقدَّم في عكسه، فإنه ينبغي أن تُقدَّم عند دخول الخَلاء اليُسرى، وعند الخروج اليُمنى؛ لأنَّه خروج إِلى أكمَل وأفضلَ…
[الشرح الممتع على زاد المستقنع 1/ 99]
وقريب من هذا: أنه صلى الله تعالى عليه وآله
وسلم: «كان إِذَا خَرَجَ مِنَ الخلاءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ».
وفى هذا من السر والله أعلم، أن النجو يثقل البدن
ويؤذيه باحتباسه، والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه، فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب، فحمد الله عند خروجه
على خلاصه من هذا المؤذى لبدنه، وخفة البدن
وراحته، وسأل أن يخلصه من المؤذى الآخر ويريح قلبه منه ويخففه.
إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان – ١/٩٩ — ابن القيم – ط عطاءات العلم
قال العباد:
شرح حديث: (إن هذه الحشوش محتضرة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث)].
سبق تحت ترجمة ما يقوله إذا دخل الخلاء: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد دخول الخلاء قال: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) أو: (أعوذ بالله من الخبث والخبائث)، إما هذه العبارة وإما هذه العبارة…..
وقوله: (فليتعوذ بالله من الخبث والخبائث) هذا الحديث حديث قولي وليس حديثاً فعلياً؛ لأن الروايات المتقدمة فعلية، أي: من فعله صلى الله عليه وسلم، وأما هذا فهو من أمره صلى الله عليه وسلم.
وجاء في بعض الأحاديث: (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله)، وعلى هذا فيجمع بين الذكر والتسمية فيقال: (بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).
والخبث: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة، وفيه الإشارة إلى أن المقصود شياطين الجن ذكورهم وإناثهم؛ لأنه قال في أثناء الحديث: (إن هذه الحشوش محتضرة)، يعني: أن الكنف أو أماكن قضاء الحاجة تحضرها الشياطين، أي: شياطين الجن.
ومن المعلوم أن الجن يتخلص منهم بذكر اسم الله عز وجل، وأما الإنس فلا يتخلص منهم إلا بالمعاملة الطيبة، ولهذا جمع الله عز وجل بين ذكر المعاملة التي يعامل بها الإنس ويحصل بها اكتسابهم وبين ما يقال للتخلص من شر الجن، فقال سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]، .
أما الجن فقال الله عز وجل فيهم: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36]، يعني: أن هذا هو الذي يخلص منه، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: أن الإنسان إذا دخل بيته وقال: بسم الله، قال الشيطان لأتباعه ولأصحابه ولجنده: لا مبيت لكم.
معناه: أنه إذا دخل بيته وسمى الله، ثم إذا أكل أو شرب سمى الله عز وجل قال الشيطان: لا مبيت ولا عشاء؛ لأن ذكر الله عز وجل يطردهم ولا يتمكنون من الوصول إلى ما يريدون مع ذكر اسم الله عز وجل.
وقوله: (إن هذه الحشوش محتضرة)، أي: تحضرها شياطين الجن؛ ولذا قال: (فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث).
[شرح سنن أبي داود للعباد 4/ 17 بترقيم الشاملة آليا]
وَعَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا دَخَلَ الخَلَاءَ قَالَ: «اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ». أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ. (١)
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
«الخُبُث، والخبائث»، بضم الموحدة في «الخُبُث»، جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، قال الخطابي، وابن حبان، وغيرهما: يريد ذكران الشياطين، وإناثهم.
ورُوِيَ بإسكان الموحدة «الخُبْث»، فمعناه كما قال ابن الأعرابي ﵀: المكروه: فإن كان من الكلام؛ فهو الشتم، وإن كان من الملل؛ فهو الكفر، وإن كان من الطعام؛ فهو الحرام، وإن كان من الشراب؛ فهو الضار. اهـ
وعلى هذا فالمراد بـ «الخبائث» المعاصي، أو مطلق الأفعال المذمومة؛ ليحصل التناسب.
قال النووي ﵀ في «شرح المهذب» (٢/ ٧٥): وهذا الذكر مجمع على استحبابه، وسواء فيه البناء والصحراء. اهـ
وقال الحافظ ﵀ في «الفتح» (١٤٢): ومتى يقول ذلك؟ فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل: أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقوله قبيل دخولها، وأما في غيرها فيقوله في أول الشروع، كتشمير ثيابه مثلًا، وهذا مذهب الجمهور، وقالوا فيمن نسي: يستعيذ بقلبه لا بلسانه. ومن يجيز مطلقًا كما نقل عن مالك لا يحتاج إلى تفصيل. اهـ
قلتُ: قول الجمهور هو الصواب إلا فيمن نسي؛ فإنه لا يستعيذ بقلبه، ولا بلسانه؛ لأنَّ الاستعاذة ذكر، ولا يحصل بالقلب فقط.
تنبيه: زيادة «بسم الله» قبل قوله: «أعوذ بك من الخبث والخبائث»، جاءت عند سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة (١/ ١)، وفي إسناده: أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن، وهو ضعيفٌ.
ورواها المعمري كما في «الفتح» (١٤٢)، من طريق: عبد العزيز بن المختار عن عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس ﵁.
قال الإمام الألباني ﵀: وهي عندي شاذة لمخالفتها لكل طرق الحديث عن عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس في «الصحيحين»، وغيرهما ممن سبقت الإشارة إليهم. اهـ. (١)
فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط ٤ ٣٥٠-1/٣٤٩
وفي المصنف
١١٢٧ – حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَظَلُّ حِينَ أَذْهَبُ إِلَى الْغَائِطِ فِي الْفَضَاءِ مُغَطِّيًّا رَأْسِي اسْتِحْيَاءً مِنْ رَبِّي»
المصنف – ابن أبي شيبة – ت الحوت ١/١٠٠
مَا يَقُولُهُ إِذَا أَرَادَ دُخُول الْخَلاَءِ:
٣١ – وَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِأَذْكَارٍ مُعَيَّنَةٍ يَقُولُهَا الإِْنْسَانُ إِذَا أَرَادَ دُخُول الْخَلاَءِ، مَضْمُونُهَا تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَالاِسْتِعَاذَةُ بِهِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَاسْتَحَبَّ الْفُقَهَاءُ قَوْلَهَا:
مِنْهَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ (١) وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، قَال الْخَطَّابِيُّ: الْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمْعُ الْخَبِيثِ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ الْخَبِيثَةِ، يُرِيدُ ذُكُورَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ (٢) .
وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيَنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَل أَحَدُهُمُ الْخَلاَءَ أَنْ يَقُول: بِسْمِ اللَّهِ (٣) .
وَمِنْهَا مَا نَقَلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ (٤) أَيْضًا، أَنَّ النَّبِيَّ قَال: لاَ يَعْجِزْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَخَل مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النَّجِسِ، الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ، الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٥) .
هَذَا وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْبَسْمَلَةَ عَلَى التَّعَوُّذِ، وَيُخَالِفُ هَذَا التَّعَوُّذُ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ (١) .
وَنَصَّ الْقَلْيُوبِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى كَرَاهِيَةِ إِكْمَال التَّسْمِيَةِ، بَل يُكْتَفَى بِبِسْمِ اللَّهِ، وَلاَ يَقُول: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقَال النَّوَوِيُّ: قَال أَصْحَابُنَا: هَذَا الذِّكْرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَقُول الذِّكْرَ الْوَارِدَ قَبْل الْوُصُول إِلَى مَحَل الْحَدَثِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْضِعُ مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَمْ لاَ، فَإِنْ فَاتَهُ أَنْ يَقُول ذَلِكَ قَبْل وُصُولِهِ إِلَى الْمَحَل قَالَهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَحَل مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَقَبْل جُلُوسِهِ، لأَِنَّ الصَّمْتَ مَشْرُوعٌ حَال الْجُلُوسِ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَحَل مُعَدًّا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلاَ يَقُول الذِّكْرَ فِيهِ وَيَفُوتُ بِالدُّخُول (٢)، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَقُولُهُ فِي نَفْسِهِ (٣) .
وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ بِأَذْكَارٍ أُخْرَى يَقُولُهَا الإِْنْسَانُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ، فَرَأَى الْفُقَهَاءُ أَنَّ قَوْلَهَا مُسْتَحَبٌّ، مِنْهَا مَا جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ، يَقُول إِذَا خَرَجَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي، وَأَبْقَى فِي مَا يَنْفَعُنِي (٤) .
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ صِيَغًا أُخْرَى مِنْهَا: غُفْرَانَكَ (١) قَال الْقَلْيُوبِيُّ: وَيُكَرِّرُهَا ثَلاَثًا، وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا (٢) .
وَمِنْهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَْذَى وَعَافَانِي (٣) .
الموسوعة الفقهية الكويتية ٣٤/٢٢
حاشية السندي على سنن ابن ماجه — السندي، محمد بن عبد الهادي
قوله (ستر ما بين إلخ) يريد أن قول الرجل المسلم وكذا المرأة المسلمة إذا دخلا باسم الله أي أتحصن من الشيطان وأعوذ من وصوله إلى عورتي باسم الله يكون سترا لما بين الجن وعورات بني آدم من الموضع فإن كان سترا لذلك الموضع يكون سترا للعورات بالأولى.
————————
حاشية الروض المربع — عبد الرحمن بن قاسم
(قول بسم الله) لحديث علي: «ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله» (١) رواه ابن ماجه والترمذي وقال: ليس إسناده بالقوي (٢)
(١) أي عند إرادة الدخول، وصرح به البخاري في الأدب المفرد، من حديث أنس بلفظ: «كان إذا أراد أن يدخل» وهذا في الأمكنة المعدة لذلك، وأما في غيرها ففي أول الشروع عند تشمير الثياب، كما تقدم والستر بالفتح نفس الفعل، وبالكسر ما يغطى به، والجن اسم جمع، والواحد جني ضد الإنس، أرواح هوائية تتشكل بأشكال مختلفة، وهم مكلفون في الجملة إجماعا، والعورات جمع عورة سوأة الإنسان، وكل ما يستحي منه، وتقدم، والكنيف كأسير المرحاض، وقيل للمرحاض كنيف لأنه يستر قاضي الحاجة.
(٢) قال النووي وغيره: هذا الأدب متفق على استحبابه وابن ماجه هو محمد بن يزيد الربعي مولاهم، بفتح الراء والموحدة القزويني أبو عبد الله صاحب السنن والتفسير والتاريخ المتوفى سنة مائتين وثلاث وسبعين.
———————
الآداب والأحكام المتعلقة بدخول الحمام — ابن كثير
فصل
الأولى أن يقصد الداخل إلى الحمام بدخوله الإغتسال من الجنابة إن كان عليه، أو تنظيف رأسه، وبدنه من الوسخ، والدرن، فإن ذلك مأمور به مندوب إليه. فقد روى البخاري، ومسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما، ويغسل فيه رأسه، وجسده. وهذا لفظ البخاري.
والأولى أن يكون ذلك يوم الجمعة، لحديث جابر رضي الله عنه ….
قال بعض العلماء رحمه الله: ويستحب إذا دخل الحمام أن يقدم رجله اليسرى في الدخول، ويتعوذ بالله مرة من الشيطان. وهذا الذي قاله حسن، وذلك أن الحمام يحضره من الجان، والشياطين،…. ثم ذكر الأحاديث
فصل
ويحرم أن يدخل الحمام بلا سترة من مئزر ونحوه كما تقدم في الحديث:.. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر. … وذكر أحاديث وذكر تستر أبي بكر وآثار أخرى
….وقال أيضا رضي الله عنه: ما أقمت صلبي في غسل منذ أسلمت.
وهذه أسانيد صحيحة.
ونص الإمام أحمد رحمه الله على كراهة دخول الحمام بغير إزار.
وقال إسحاق بن راهويه، هو بالإزار أفضل، لأن الحسن والحسين دخلا الحمام وعليهما بردان. فقيل لهما في ذلك فقالا: إن للحمام سكانا
(والقول الثاني): أنه لا يجب التستر في حال الخلوة، وحملوا هذا الحديث على الندب.
وقد يستأنس لهذا القول بقوله تعالى: ﴿ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء رواه البخاري.
————————
هل الاسم هو المسمى :
يقول ابن تيمية رحمه الله :
وَأَنَّ حَسْبَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى قَوْله تَعَالَى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الِاسْمَ لِلْمُسَمَّى .
وَهَذَا الْإِطْلَاقُ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . [الفتاوى:6/187]
ويقول أيضا:
وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ ” الِاسْمَ لِلْمُسَمَّى ” كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ
فَهَؤُلَاءِ وَافَقُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْمَعْقُولَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } وَقَالَ : { أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” { إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا } ” { وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِي خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ : أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَد وَالْمَاحِي وَالْحَاشِرُ وَالْعَاقِبُ } ” وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ : أَهُوَ الْمُسَمَّى أَمْ غَيْرُهُ ؟ فَصَّلُوا ؛ فَقَالُوا : لَيْسَ هُوَ نَفْسَ الْمُسَمَّى وَلَكِنْ يُرَادُ بِهِ الْمُسَمَّى ؛ وَإِذَا قِيلَ إنَّهُ غَيْرُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُبَايِنًا لَهُ فَهَذَا بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ قَدْ يَتَكَلَّمُ بِأَسْمَاءِ نَفْسِهِ فَلَا تَكُونُ بَائِنَةً عَنْهُ فَكَيْفَ بِالْخَالِقِ وَأَسْمَاؤُهُ مِنْ كَلَامِهِ ؛ وَلَيْسَ كَلَامُهُ بَائِنًا عَنْهُ وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ الِاسْمُ نَفْسُهُ بَائِنًا مِثْلُ أَنْ يُسَمِّيَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ بِاسْمِ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِاسْمِهِ . فَهَذَا الِاسْمُ نَفْسُهُ لَيْسَ قَائِمًا بِالْمُسَمَّى ؛ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْمُسَمَّى فَإِنَّ الِاسْمَ مَقْصُودُهُ إظْهَارُ ” الْمُسَمَّى ” وَبَيَانُهُ .
.[الفتاوى 6/207]
القول بأن الاسم غير المسمى
قال ابن تيمية رحمه الله : فَيَقُولُونَ –أي الجهمية– : الِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى وَأَسْمَاءُ اللَّهِ غَيْرُهُ وَمَا كَانَ غَيْرُهُ فَهُوَ مَخْلُوقٌ ؛ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ ذَمَّهُمْ السَّلَفُ وَغَلَّظُوا فِيهِمْ الْقَوْلَ ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ؛ بَلْ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ وَهُوَ الْمُسَمِّي لِنَفْسِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ . [الفتاوى 6/186]
وقال ايضا : وَكَانَ الَّذِينَ يُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى هَذَا
مُرَادُهُمْ ؛ فَلِهَذَا يُرْوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْمَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ قَالَ : إذَا سَمِعْت الرَّجُلَ يَقُولُ : الِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى فَاشْهَدْ عَلَيْهِ بِالزَّنْدَقَةِ [المصدر السابق]
قال العيني :: وذكر نعيم بن حماد أن الجهمية قالوا إن أسماء الله تعالى مخلوقة لأن الاسم غير المسمى وادعوا أن الله كان ولا وجود لهذه الأسماء ثم خلقها فتسمى بها [عمدة القاري]
وراجع الفتاوى :12/ 170
ولفظ الغير فيه إجمال
القول بأن الاسم هو المسمى.
قال ابن تيمية رحمه الله : وَلَمْ يُعْرَفْ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى ؛ بَلْ هَذَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ بَعْدَ الْأَئِمَّةِ وَأَنْكَرَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَيْهِمْ . [مجموع الفتاوى 6/187]
وقال ايضا: وَاَلَّذِينَ قَالُوا الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى كَثِيرٌ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ : مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْقَاسِمِ الطبري واللالكائي وَأَبِي مُحَمَّدٍ البغوي صَاحِبِ ” شَرْحِ السُّنَّةِ ” وَغَيْرِهِمْ ؛ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ أَصْحَابِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ فورك وَغَيْرُهُ . [المصدر السابق]
مرادهم بذلك.
يقول ابن تيمية رحمه الله : ولهذا لما كان يقصد بذكر اسمه ذكر المسمى صار يقول من يقول إن الاسم هو المسمى أن المراد المقصود من الاسم هو المسمى لا أن نفس اللفظ هو المسمى فإن هذا لا يقوله عاقل [الجواب الصحيح]
وقال أيضا : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى لَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُؤَلَّفَ مِنْ الْحُرُوفِ هُوَ نَفْسُ الشَّخْصِ الْمُسَمَّى بِهِ ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ . وَلِهَذَا يُقَالُ : لَوْ كَانَ الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى لَكَانَ مَنْ قَالَ ” نَارٌ ” احْتَرَقَ لِسَانُهُ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا مُرَادُهُمْ وَيُشَنِّعُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا غَلَطٌ عَلَيْهِمْ بَلْ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : اللَّفْظُ هُوَ التَّسْمِيَةُ وَالِاسْمُ لَيْسَ هُوَ اللَّفْظُ ؛ بَلْ هُوَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ ؛ فَإِنَّك إذَا قُلْت : يَا زَيْدُ يَا عُمَرُ فَلَيْسَ مُرَادُك دُعَاءَ اللَّفْظِ ؛ بَلْ مُرَادُك دُعَاءُ الْمُسَمَّى بِاللَّفْظِ وَذَكَرْت الِاسْمَ فَصَارَ الْمُرَادُ بِالِاسْمِ هُوَ الْمُسَمَّى . وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ الْأَشْيَاءِ فَذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهَا فَقِيلَ : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ } { وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ هُوَ الرَّسُولُ وَهُوَ الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ . وَكَذَلِكَ إذَا قيل : جَاءَ زَيْدٌ وَأَشْهَدُ عَلَى عَمْرو وَفُلَانٌ عَدْلٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا تُذْكَرُ الْأَسْمَاءُ وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُسَمَّيَاتُ وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْكَلَامِ .
[الفتاوى : 6/188]
ويقول رحمه الله :
وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ : إنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى . أَرَادُوا بِهِ أَنَّ الِاسْمَ إذَا دُعِيَ وَذُكِرَ يُرَادُ بِهِ الْمُسَمَّى . فَإِذَا قَالَ الْمُصَلِّي ” اللَّهُ أَكْبَرُ ” فَقَدْ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ وَمُرَادَهُ الْمُسَمَّى . لَمْ يُرِيدُوا بِهِ أَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ هُوَ الذَّاتُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ . فَإِنَّ فَسَادَ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَصَوَّرَهُ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَنْ قَالَ ” نَارًا ” احْتَرَقَ لِسَانُهُ .[الفتاوى:16/323]