[1ج/ رقم (497)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي
وأحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (497)]:
497 – قال أبو داود رحمه الله (ج 5 ص 433): حدثنا مؤمل يعني ابن الفضل الحراني أخبرنا الوليد أخبرنا ابن جابر أخبرنا سليم بن عامر الكلاعي سمعت أبا أمامة يقول: سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمنى يوم النحر.
هذا حديث صحيحٌ، ورجاله ثقات.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام أبو داود رحمه الله في السنن، (5) – كتاب المناسك صلى الله عليه وسلم (73) – باب أي وقت يخطب يوم النحر؟، ((1708)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(7) – كتاب الحج والعمرة، (44) – الخطبة يوم النحر، ((1400)).
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
“إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا مُؤَمَّلٌ -يعني: ابنَ الفَضْلِ الحَرَّانيّ-: ثنا الوليد: ثنا ابن جابر: ثنا سُلَيْمُ بن عامر الكَلاعي: سمعت أبا أمامة يقول …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الحراني، وهو ثقة.
وابن جابر: هو عبد الرحمن بن يزيد.
والوليد: هو ابن مسلم.
والحديث أخرجه البيهقي ((5) / (140)) من طريق المؤلف.
وأخرجه الترمذي وغيره من طريق أخرى عن سليم بن عامر … به؛ وساق نص الخطبة، ولم يذكر بمنى يوم النحر. وهو مخرج في «الصحيحة» ((867)).
وله في «المسند» ((5) / (266)) طريق آخر … نحوه.”. انتهى. [صحيح سنن أبي داود ط غراس، (6/ 200)].
والثاني: شرح وبيان الحديث
قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [حدثنا مؤمل – يعني: ابن الفضل الحراني – حدثنا الوليد حدثنا ابن جابر حدثنا سليم بن عامر الكلاعي قال: سمعت أبا أمامة يقول: (سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر)].
أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه قال: [(سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر)]، وهذا يدل على أنه خطب يوم النحر صلى الله عليه وسلم. [شرح سنن أبي داود للعباد].
وفي الصحيح المسند ((1185))، عن الهرماس بن زياد رضي الله عنه، قال رأيت النبي صَلى الله عَليه وسَلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنًى.
والثالث: ملحقات:
لتوضيح الحديث وخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر، يمكن توضيح الحديث من خلال محاور ومضامين موضوعية مرتبة على النحو التالي:
(المحور الأول): يَوْمُ النَّحْرِ:
(المسألة الأولى): التَّعْرِيفُ:
يَوْمُ النَّحْرِ مُصْطَلَحٌ مُرَكَّبٌ مِن مُضافٍ ومُضافٍ إلَيْهِ،
لغة:
فاليَوْمُ فِي اللُّغَةِ: مِقْدارُهُ مِن طُلُوعِ الشَّمْسِ إلى غُرُوبِها.
وفِي الاِصْطِلاَحِ: قال ابْنُ نُجَيْمٍ: المَشْهُورُ أنَّ اليَوْمَ مِن طُلُوعِ الفَجْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، والنَّهارَ مِن طُلُوعِ الشَّمْسِ إلى غُرُوبِها، واللَّيْل لِلسَّوادِ خاصَّةً، وهُوَ ضِدُّ النَّهارِ. [البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم الحنفي (3) / (298) ـ (299)].
وأمّا النَّحْرُ:
فَمِن مَعانِيهِ فِي اللُّغَةِ: الضَّرْبُ فِي النَّحْرِ وهُوَ أعْلى الصَّدْرِ. والذَّبْحُ، يُقال: نَحَرَ البَعِيرَ: طَعَنَهُ حَيْثُ يَبْدُو الحُلْقُومُ عَلى الصَّدْرِ. [المعجم الوسيط والقاموس المحيط].
والنَّحْرُ فِي الاِصْطِلاَحِ: فَرْيُ الاوْداجِ، ومَحَلُّهُ آخِرُ الحَلْقِ. [لفتاوى الهندية (5) / (285)].
ويَوْمُ النَّحْرِ اصْطِلاَحًا:
هُوَ عاشِرُ ذِي الحِجَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِكَثْرَةِ ما يُنْحَرُ فِيهِ مِنَ الاضاحِي والهَدْيِ. [القاموس المحيط، والمجموع شرح المهذب للنووي (8) / (82)].
(المسألة الثانية):
أمّا أيّامُ النَّحْرِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ فِي المُرادِ مِنها:
فَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ والمالِكِيَّةُ والحَنابِلَةُ والثَّوْرِيُّ إلى أنَّ أيّامَ النَّحْرِ ثَلاَثَةٌ: يَوْمُ العِيدِ ويَوْمانِ بَعْدَهُ … وهُوَ قَوْل عُمَرَ وعَلِيٍّ وابْنِ عُمَرَ وابْنِ عَبّاسٍ وأبِي هُرَيْرَةَ وأنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قال أحْمَدُ: أيّامُ النَّحْرِ ثَلاَثَةٌ، عَنْ غَيْرِ واحِدٍ مِن أصْحابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . [البناية مع الهداية (9) / (136)، والمغني لابن قدامة (8) / (638) ط الرياض، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3) / (2)، والفواكه الدواني (1) / (439) – (440)].
وذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ إلى أنَّ أيّامَ النَّحْرِ هِيَ العاشِرُ مِن ذِي الحِجَّةِ وأيّامُ التَّشْرِيقِ الثَّلاَثَةُ الَّتِي بَعْدَهُ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : كُل عَرَفاتٍ مَوْقِفٌ وكُل أيّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ. [حديث: “كل عرفات موقف … أخرجه أحمد ((4) / (82)) وابن حبان (الاحسان (9) / (166)) من حديث جبير بن مطعم].
وهُوَ رِوايَةٌ عَنْ عَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبِهِ قال عَطاءٌ والحَسَنُ. [مغني المحتاج (1) / (504)، (531)، (4) / (287)، والمغني لابن قدامة (3) / (638)].
وأما الالْفاظُ ذاتُ الصِّلَةِ:
يَوْمُ عَرَفَةَ:
يَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ التّاسِعُ مِن شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ. [المصباح المنير، والقاموس المحيط، وقواعد الفقه].
والصِّلَةُ بَيْنَ يَوْمِ النَّحْرِ ويَوْمِ عَرَفَةَ أنَّ فِي كُلٍّ مِنهُما مَناسِكَ لِلْحَجِّ. [الموسوعة الكويتية].
(المحور الثاني): فَضْل يَوْمِ النَّحْرِ:
(المسألة الأولى): ذَهَبَ الفُقَهاءُ إلى أنَّ لِيَوْمِ النَّحْرِ فَضْلًا كَبِيرًا، لِما شُرِعَ فِيهِ مِن مَناسِكَ وعِباداتٍ، ولِما يَحْفُل بِهِ مِن طاعاتٍ وقُرُباتٍ،
ومِن فَضْل يَوْمِ النَّحْرِ أنَّهُ أطْلَقَ عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنَ الفُقَهاءِ يَوْمَ الحَجِّ الاكْبَرِ، وهُوَ المُرادُ عِنْدَهُمْ بِيَوْمِ الحَجِّ الاكْبَرِ المَذْكُورِ فِي قَوْل اللَّهِ تَعالى: {وأذانٌ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ إلى النّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الاكْبَرِ أنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ ورَسُولُهُ}. لِما جاءَ فِي الحَدِيثِ أنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الجَمَراتِ فِي الحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ، فَقال: أيُّ يَوْمٍ هَذا؟ قالُوا: يَوْمُ النَّحْرِ، قال صلى الله عليه وسلم : «هَذا يَوْمُ الحَجِّ الاكْبَرِ [حديث:» أن رسول الله؟ وقف يوم النحر بين الجمرات … أخرجه أبو داود ((2) / (483)) من حديث ابن عمر، وصححه ابن القيم في زاد المعاد ((1) / (55))]، ولِما ثَبَتَ أنَّ أبا بَكْرٍ وعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أذَّنا بِما جاءَ فِي الايَةِ الكَرِيمَةِ السّابِقَةِ يَوْمَ النَّحْرِ. [حديث: “أن أبا بكر وعليًا أذنا بما جاء في الآية … أخرجه البخاري (الفتح (8) / (317)) ومسلم ((2) / (982))]، ووَرَدَ أنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: يَوْمُ الحَجِّ الاكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ [حديث: “يوم الحج الأكبر يوم النحر … أخرجه الترمذي ((3) / (282)) من حديث علي ابن أبي طالب وذكر المباركفوري في تحفة الأحوذي ((4) / (30)) أن في إسناده راويا ضعيفًا]،
وقالُوا: لأِنَّ فِيهِ تَمامَ الحَجِّ ومُعْظَمَ أفْعالِهِ .. مِن وُقُوفٍ بِالمَشْعَرِ الحَرامِ، ودَفْعٍ مِنهُ لِمِنًى، ورَمْيٍ، ونَحْرٍ، وحَلْقٍ، وطَوافِ إفاضَةٍ، ورُجُوعٍ لِمِنًى لِلْمَبِيتِ بِها، ولَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهُ، ولأِنَّ الاعْلاَمَ – أيِ الاذانَ – المَذْكُورَ فِي الايَةِ كانَ فِيهِ. [الجامع للقرطبي (8) / (69) – (70)، وفتح الباري (3) / (574)، (576)، (8) / (321)، وعون المعبود (5) / (420)، وفيض القدير (2) / (3)، وحاشية الجمل على شرح المنهج (2) / (470)، ومطالب أولي النهى (2) / (428)، وكشاف القناع (2) / (504)، والمغني (3) / (295)، وزاد المعاد (1) / (54) – (55)].
وقال العَلاَّمَةُ نُوحٌ فِي رِسالَتِهِ المُصَنَّفَةِ فِي تَحْقِيقِ الحَجِّ الاكْبَرِ: قِيل أنَّهُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وهُوَ المَشْهُورُ.
وقِيل: يَوْمُ عَرَفَةَ جُمُعَةٌ أوْ غَيْرُها. وإلَيْهِ ذَهَبَ عَلَيٌّ وابْنُ أبِي أوْفى، والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،
وقِيل: إنَّهُ أيّامُ مِنًى كُلُّها، وهُوَ قَوْل مُجاهِدٍ وسُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، وقال مُجاهِدٌ: الحَجُّ الاكْبَرُ القِرانُ، والاصْغَرُ الافْرادُ.
وقال الزُّهْرِيُّ والشَّعْبِيُّ وعَطاءٌ: الاكْبَرُ: الحَجُّ، والاصْغَرُ العُمْرَةُ. [حاشية ابن عابدين (2) / (254)].
(المسألة الثانية): المُفاضَلَةُ بَيْنَ يَوْمِ النَّحْرِ وغَيْرِهِ مِنَ الايّامِ الفاضِلَةِ:
اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ فِي المُفاضَلَةِ بَيْنَ يَوْمِ النَّحْرِ وغَيْرِهِ مِنَ الايّامِ الفاضِلَةِ.
فَذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ والمالِكِيَّةُ فِي الاصَحِّ عِنْدَهُمْ وبَعْضُ الحَنابِلَةِ ومِنهُمْ أبُو حَكِيمٍ إبْراهِيمُ النَّهْرَوانِيُّ إلى أنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أفْضَل الايّامِ، قال ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الفُرُوعِ: وهُوَ الاظْهَرُ. [النكت والفوائد السنية (1) / (170) – (171)، والإنصاف (3) / (357)، وكشاف القناع (2) / (346)، والفروع (3) / (144) – (145)، وتحفة المحتاج وحواشيه (2) / (405)، ومغني المحتاج (1) / (497)، وحاشية الجمل (2) / (3)، والزرقاني على الموطأ (1) / (223)].
واسْتَدَل هَؤُلاَءِ عَلى ما ذَهَبُوا إلَيْهِ بِحَدِيثِ جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما مِن أيّامٍ أفْضَل عِنْدَ اللَّهِ مِن أيّامِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وما مِن يَوْمٍ أفْضَل عِنْدَ اللَّهِ مِن يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِل اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى إلى السَّماءِ الدُّنْيا فَيُباهِي بِأهْل الارْضِ أهْل السَّماءِ فَيَقُول: انْظُرُوا إلى عِبادِي شُعْثًا غُبْرًا ضاحِينَ، جاؤُوا مِن كُل فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي ولَمْ يَرَوْا عَذابِي، فَلَمْ يَرَ يَوْمًا أكْثَرَ عِتْقًا مِنَ النّارِ مِن يَوْمِ عَرَفَةَ [حديث: “ما من يوم أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة. أخرجه ابن حبان (الاحسان (9) / (164))].
ويَرى الشّافِعِيَّةُ، أنَّ أفْضَلِيَّةَ الايّامِ عِنْدَهُمْ مُرَتَّبَةٌ هَكَذا: يَوْمُ عَرَفَةَ، ثُمَّ يَوْمُ الجُمُعَةِ، ثُمَّ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ عِيدِ الفِطْرِ. [حاشية الشرواني مع تحفة المحتاج (2) / (405)].
وذَهَبَ المالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ آخَرَ – وهُوَ رَايُ بَعْضِ الحَنابِلَةِ – إلى أنَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ أفْضَل الايّامِ، لأِنَّ لَيْلَتَها أفْضَل اللَّيالِي لأِنَّها تابِعَةٌ لِما هُوَ أفْضَل الايّامِ. [النكت والفوائد السنية (1) / (170)، والفروع (3) / (145)، والزرقاني على الموطأ (1) / (223)].
فَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ [حديث: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: أخرجه مسلم ((2) / (223))].، وعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: إنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: سَيِّدُ الايّامِ يُومُ الجُمُعَةِ [حديث:» سيد الأيام يوم الجمعة .. ” أخرجه ابن خزيمة ((3) / (115)) وأعله بالانقطاع بين أبي هريرة والراوي عنه].
وجَمَعَ الزَّرْقانِيُّ بَيْنَ الاثارِ الَّتِي ورَدَتْ فِي أفْضَلِيَّةِ يَوْمِ عَرَفَةَ ويَوْمِ الجُمُعَةِ وقال: يَوْمُ عَرَفَةَ أفْضَل أيّامِ السَّنَةِ، ويَوْمُ الجُمُعَةَ أفْضَل أيّامِ الاسْبُوعِ [الزرقاني على الموطأ (1) / (223)]، وذَكَرَ البُجَيْرِمِيُّ نَحْوَهُ. [حاشية البجيرمي على الخطيب (2) / (161)].
وقال بَعْضُ الحَنابِلَةِ ومِنهُمْ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وجَدُّهُ أبُو البَرَكاتِ: يَوْمُ الجُمُعَةِ أفْضَل أيّامِ الاسْبُوعِ، ولَكِنْ يَوْمُ النَّحْرِ أفْضَل أيّامِ العامِ. [الإنصاف (3) / (357)، وكشاف القناع (2) / (346)، والنكت والفواكه السنية على المحرر في الفقه (1) / (170)].
واسْتَدَلُّوا عَلى ما ذَهَبُوا إلَيْهِ بِما رَواهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُرْطٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ أعْظَمَ الايّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ، وهُوَ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ [حديث: “إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر … أخرجه أبو داود ((2) / (370)) والحاكم ((4) / (221)) وصححه الحاكم]، ولأِنَّهُ هُوَ يَوْمُ الحَجِّ الاكْبَرِ. [زاد المعاد (1) / (54) ط الرسالة].
ورَجَّحَ ذَلِكَ ابْنُ القَيِّمِ وقال: هُوَ الصَّوابُ. [زاد المعاد (1) / (55)].
(المحور الثالث): دُخُول يَوْمِ النَّحْرِ فِي أشْهُرِ الحَجِّ:
اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ فِي دُخُول يَوْمِ النَّحْرِ فِي أشْهُرِ الحَجِّ:
فَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ عَدا أبِي يُوسُفَ والحَنابِلَةُ فِي المَذْهَبِ إلى أنَّ يَوْمَ النَّحْرِ مِن أشْهُرِ الحَجِّ.
وذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ وأبُو يُوسُفَ إلى أنَّ يَوْمَ النَّحْرِ لاَ يَدْخُل فِي أشْهُرِ الحَجِّ، أمّا لَيْلَةُ النَّحْرِ فَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ والمالِكِيَّةُ والحَنابِلَةُ والصَّحِيحُ عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ إلى أنَّها تَدْخُل فِي أشْهُرِ الحَجِّ، ويَرى الشّافِعِيَّةُ فِي وجْهٍ أنَّ لَيْلَةَ النَّحْرِ لَيْسَتْ مِن أشْهُرِ الحَجِّ لأِنَّ اللَّيالِيَ تَبَعٌ لِلايّامِ ويَوْمَ النَّحْرِ لاَ يَصِحُّ فِيهِ الاحْرامُ، فَكَذا لَيْلَتُهُ.
واخْتارَ الاجُرِّيُّ مِنَ الحَنابِلَةِ أنَّ آخِرَ أشْهُرِ الحَجِّ لَيْلَةُ النَّحْرِ. [حاشية ابن عابدين (2) / (150)، والإنصاف (3) / (431)، ومغني المحتاج (1) / (471)، والزرقاني (2) / (249) وجواهر الإكليل (1) / (168)].
وصَرَّحَ المالِكِيَّةُ وابْنُ هُبَيْرَةَ مِنَ الحَنابِلَةِ بِأنَّ أشْهُرَ الحَجِّ مِن شَوّالٍ إلى آخِرِ ذِي الحِجَّةِ.
بِمَعْنى أنَّ بَعْضَ هَذا الزَّمَنِ وقْتٌ لِجَوازِ الاحْرامِ بِالحَجِّ، وهُوَ ما يَسَعُهُ مَعَ الوُقُوفِ مِن شَوّالٍ لِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وبَعْضُهُ وقْتٌ لِجَوازِ التَّحَلُّل وهُوَ مِن فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لآِخِرِ ذِي الحِجَّةِ، فَلَيْسَ المُرادُ أنَّ جَمِيعَ هَذا الزَّمَنِ وقْتٌ لِجَوازِ الاحْرامِ، ولاَ وقْتٌ لِجَوازِ التَّحَلُّل فَقَطْ. [الزرقاني (2) / (249)، وجواهر الإكليل (1) / (168)، والإنصاف (3) / (431)].
فالوَقْتُ بِالنِّسْبَةِ لإِنْشاءِ الاحْرامِ لِلْحَجِّ شَوّالٌ ويَمْتَدُّ لِقُرْبِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وبِالنِّسْبَةِ لِلتَّحَلُّل مِنَ الاحْرامِ مِن فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لآِخِرِ شَهْرِ ذِي الحِجَّةِ. [جواهر الإكليل (1) / (168)].
(ر: أشْهُرُ الحَجِّ ف (1)، وإحْرام ف (33)).
(المحور الرابع): الأحكام المتعلقة ببعض الأعمال في يوم النحر:
(المسألة الأولى): ذَهَبَ الفُقَهاءُ إلى أنَّهُ يُسَنُّ لِمُتَوَلِّي أمْرِ الحَجِّ أنْ يَخْطُبَ النّاسَ فِي الحَجِّ خُطَبًا يُعَلِّمُهُمْ فِيها مَناسِكَ الحَجِّ، ويُبَيِّنُ لَهُمْ أحْكامَهُ.
واخْتَلَفَ الفُقَهاءُ فِي عَدَدِ هَذِهِ الخُطَبِ ومَواطِنِها؛ ومِمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ خُطْبَةُ يَوْمِ النَّحْرِ:
فَذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ والمالِكِيَّةُ وبَعْضُ الحَنابِلَةِ إلى أنَّ يَوْمَ النَّحْرِ لاَ تَكُونُ فِيهِ خُطْبَةٌ، لأِنَّ الخُطْبَةَ تُسَنُّ فِي اليَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ فَلَمْ تُسُنَّ فِيهِ.
ونَصَّ الحَنَفِيَّةُ والمالِكِيَّةُ عَلى أنَّ الحَجَّ ثَلاَثُ خُطَبٍ، أوَّلُها فِي اليَوْمِ الَّذِي قَبْل يَوْمِ التَّرْوِيَةِ والثّانِيَةُ بِعَرَفاتِ يَوْمِ عَرَفَةَ والثّالِثَةُ بِمِنًى فِي اليَوْمِ الحادِي عَشَرَ، فَيَفْصِل بَيْنَ كُل خُطْبَتَيْنِ بِيَوْمٍ.
وذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ والحَنابِلَةُ فِي المَذْهَبِ إلى أنَّ مُتَوَلِّيَ أمْرِ الحَجِّ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى خُطْبَةً يُعَلِّمُ النّاسَ فِيها بَقِيَّةَ المَناسِكِ مِن نَحْرٍ وطَوافٍ ورَمْيٍ وغَيْرِ ذَلِكَ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ … [حديث: “أن النبي؟ خطب الناس يوم النحر … أخرجه البخاري (الفتح (3) / (573))] يَعْنِي: بِمِنًى.
واسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِأنَّ يَوْمَ النَّحْرِ تَكْثُرُ فِيهِ أفْعال الحَجِّ مِن رَمْيٍ ونَحْرٍ وطَوافٍ ونَحْوِ ذَلِكَ، ولَيْسَ فِي غَيْرِ هَذا اليَوْمِ مِن أفْعال الحَجِّ ما فِيهِ، ويُحْتاجُ إلى تَعْلِيمِ النّاسِ أحْكامَ هَذِهِ الافْعالِ، فاحْتِيجَ إلى الخُطْبَةِ مِن أجْلِهِ كَيَوْمِ عَرَفَةَ.
قال النَّوَوِيُّ: قال أصْحابُنا: يُسْتَحَبُّ لِكُل أحَدٍ مِنَ الحُجّاجِ حُضُورُ هَذِهِ الخُطْبَةِ، ويُسْتَحَبُّ لَهُمْ ولِلامامِ الاِغْتِسال لَها، والتَّطَيُّبُ لَها إنْ كانَ قَدْ تَحَلَّل التَّحَلُّلَيْنِ أوِ الاوَّل مِنهُما.
واخْتَلَفَ القائِلُونَ بِهَذِهِ الخُطْبَةِ فِي وقْتِها.
فَذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ فِي المُعْتَمَدِ والحَنابِلَةُ فِي المَذْهَبِ أنَّها فِي ضُحى يَوْمِ النَّحْرِ، لِلاحادِيثِ الوارِدَةِ فِيها؛ ومِنها حَدِيثُ رافِعِ بْنِ عَمْرٍو المُزَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قال: رَأيْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النّاسَ بِمِنًى، حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحى، عَلى بَغْلَةٍ شَهْباءَ، وعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ، والنّاسُ بَيْنَ قاعِدٍ وقائِمٍ [حديث رافع بن عمرو المزني: “رأيت رسول الله؟ يخطب الناس بمنى .. أخرجه أبو داود ((2) / (489))، وحسن إسناده النووي في المجموع ((8) / (90))].
وقال بَعْضُ الشّافِعِيَّةِ وجَماعَةٌ مِنَ الحَنابِلَةِ: إنَّ وقْتَ هَذِهِ الخُطْبَةِ يَوْمُ النَّحْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ. [الدر المختار ورد المحتار (2) / (173)، والفتاوى الهندية (1) / (227)، ومراقي الفلاح ص (145)، والفواكه الدواني (1) / (420)، والقوانين الفقهية (89) / (90) (دار القلم – بيروت – لبنان)، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري (3) / (574) – (577)، والمجموع شرح المهذب (8) / (89)، (218) – (219)، وتحفة المحتاج مع حاشيتي الشرواني والعبادي (4) / (130)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (2) / (504) (مكتبة النصر الحديثة – الرياض)، والمغني (3) / (445) – (446)، والمبدع (3) / (246)، ومعونة أولي النهى (3) / (456)]. [الموسوعة الكويتية]. وسياتي أقوال أهل العلم في ذلك بإذن الله تعالى.
(المسألة الثانية): النصوص الواردة في خطبة يوم النحر:
قال الشيخ الوادعي في الجامع الصحيح: ” (44) – الخطبة يوم النحر
(1396) – عن شعبة، حدثني عمرو بن مرة قال سمعت مرة قال حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ناقة حمراء مخضرمة، فقال: «أتدرون أي يومكم هذا؟» قال: قلنا يوم النحر. قال: «صدقتم يوم الحج الأكبر، أتدرون أي شهر شهركم هذا؟» قلنا: ذو الحجة. قال «صدقتم شهر الله الأصم، أتدرون أي بلد بلدكم هذا؟» قال: قلنا: المشعر الحرام. قال «صدقتم». قال: «فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا -أو قال: كحرمة يومكم هذا وشهركم هذا وبلدكم هذا- ألا وإني فرطكم على الحوض أنظركم، وإني مكاثر بكم الأمم فلا تسودوا وجهي ألا وقد رأيتموني وسمعتم مني، وستسألون عني فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار، ألا وإني مستنقِذ رجالًا أو إناثًا ومستنقَذ مني آخرون، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
هذا حديث صحيحٌ.
(1468) – عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الناس بمنى ونزلهم منازلهم، فقال «لينزل المهاجرون هاهنا -وأشار إلى ميمنة القبلة-، والأنصار هاهنا -وأشار إلى ميسرة القبلة-، ثم لينزل الناس حولهم».
هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين.
(1398) – أبا غادية يقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال أبو سعيد: فقلت له: بيمينك. قال: نعم. قالا جميعًا في الحديث: وخطبنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم العقبة، فقال «يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى يوم تلقون ربكم عز وجل كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت؟» قالوا: نعم. قال: «اللهم اشهد». ثم قال: «ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».
هذا حديث صحيحٌ.
وأبو الغادية هذا هو قاتل عمار بن ياسر رضي الله عنه، فكان الناس يتعجبون من جرأته بعد روايته هذا الحديث، نسأل الله السلامة، ونعوذ بالله من الفتن.
* أبي عن أبي غادية الجهني قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم العقبة فقال «يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى إن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت؟» قالوا نعم قال «اللهم هل بلغت».
(1399) – حدثني الهرماس بن زياد الباهلي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى.
هذا حديث حسنٌ على شرط مسلم.
(1400) -[ذكر حديث الباب]. انتهى المراد باختصار.
(المسألة الثالثة): أنواع الخطب التي خطبها النبي صلى الله عليه وسلم:
فلقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع ثلاث خطبٍ:
الأولى: يوم عرفة على صعيد عرفات.
الثانية: يوم النحر العاشر من ذي الحجَّة بمنى.
الثالثة: في أوسط أيام التشريق بمنى.
قال العلامةُ ابن عثيمين رحمه الله:
كانت خُطب الرسول عليه الصلاة والسلام على قسمين: خطبٌ راتبة وخطب عارضة.
فأمَّا الرَّاتبة:
فهي خطبةٌ في الجُمعِ والأعياد، فإنَّه صلَّي الله عليه وسلَّم كان يخطبُ النّاسَ في كلِّ جمعةٍ وفي كلِّ عيدٍ، واختلف العلماءُ – رحمهم الله – في خطبةِ صلاة الكسوفِ، هل هي راتبة أو عارضةٌ، وسببُ اختلافهم: أنَّ الكسوفَ لم يقع في عهد النبي صلي الله عليه وسلم إلا مرَّةً واحدةً، ولما صلَّي قام فخطب الناس عليه الصلاة والسلام، فذهب بعض العلماءِ إلى أنَّها من الخطب الرَّاتبةِ، وقال: إنَّ الأصل أنَّ ما شرعَه النَّبيُّ صلي الله عليه وسلم فهو ثابتٌ مستقرٌّ، ولم يقعِ الكسوفُ مرَّةً أخرى فيترك النبي صلي الله عليه وسلم الخطبة، حتى نقول إنَّها من الخطب العارضة.
وقال بعضُ العلماءِ: بل هي من الخُطبِ العارضة، التي إنْ كان لها ما يدعو إلها خطب وإلا فلا، ولكن الأقرب أنَّها من الخطب الراتبة، وأنَّه يُسنُّ للإنسان إذا صلي صلاة الكسوف أن يقوم فيخطب الناس ويذكرهم ويخوفكم كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم.
أمَّا الخطب العارضة:
فهي التي يخطبها عند الحاجة إليها، مثل خطبته صلي الله عليه وسلم حينما اشترط أهل بريرة – وهي جارية اشترتها عائشةُ رضي الله عنها – فاشترط أهلها أن يكون الولاء لهم، ولكن عائشة – رضي الله عنها – لم تقبل بذلك، فأخبرتِ النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: «خُذِيها فأعتقِيها، واشترطِي لهم الولاءَ»، ثم قام فخطب الناس وأخبرهم: أنَّ «الولاءَ لمن اعتق».
وكذلك خطبته حين شفَع أسامة بن زيد رضي الله عنه في المرأة المخزومية، التي كانت تستعيرُ المتاع فتجحده، فأمر النبي صلي الله عليه وسلم أنْ تقطع يدها، فأهمَّ قريشًا شأنها، فطلبوا من يشفعْ لها إلى الرسول صلي الله عليه وسلم، فطلبوا من أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن يشفع، فشفع، ولكن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: «أتشْفعُ في حَدٍّ من حدودِ اللهِ»، ثم قام فخطب الناس وأخبرهم أنَّ الذي أهلك من كان قبلنا أنَّهم كانوا إذا سرَق فيهم الشَّريفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيعُ أقاموا عليه الحدَّ.
وفي حجة الوداع خطب النبي صلي الله عليه وسلم يوم عرفة، وخطب يوم النحر، ووعظ الناس وذكَّرهم، وهذه خطبةٌ من الخُطب الرَّواتب التي يُسنُّ لقائدِ الحجيج أن يخطب الناس كما خطبهم النبي صلي الله عليه وسلم، وكان من جملة ما ذكر في خطبته في حجة الوداع، أنَّه قال: «يَا أيُّها الناس اتَّقوا ربَّكُم»، وهذه كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: من الآية 1]، فأمر الرسول صلي الله عليه وسلم الناسَ جميعًا أنْ يتَّقوا ربَّهم الذي خلقهم، وأمَّدهم بنعمِهِ، وأعدَّهم لقبولِ رسالاتِه، فأمرهم أن يتَّقوا الله. [«شرح رياض الصالحين» (1/ 534 – 537)].
(المسألة الرابعة): حكم خطبة يوم النحر وعدد الخطب في الحج وأقوال أهل العلم في ذلك:
قال ابن قُدامة في المغني رحمه الله: ((2562)) فَصْلٌ:
ويُسَنُّ أنْ يَخْطُبَ الإمامُ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً، يُعَلِّمُ النّاسَ فِيها مَناسِكَهُمْ مِن النَّحْرِ والإفاضَةِ والرَّمْيِ.
نَصَّ عَلَيْهِ أحْمَدُ، وهُوَ مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ، وابْنِ المُنْذِرَ.
وذَكَرَ بَعْضُ أصْحابِنا أنَّهُ لا يَخْطُبُ يَوْمَئِذٍ. وهُوَ مَذْهَبُ مالِكٍ؛ لِأنَّها تُسَنُّ فِي اليَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَلَمْ تُسَنَّ فِيهِ.
ولَنا، ما رَوى ابْنُ عَبّاسٍ، «أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، خَطَبَ النّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ. يَعْنِي: بِمِنًى». أخْرَجَهُ البُخارِيُّ.
وعَنْ «رافِعِ بْنِ عَمْرٍو المُزَنِيِّ قالَ: رَأيْت رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَخْطُبُ النّاسَ بِمِنًى. حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحى، عَلى بَغْلَةٍ شَهْباءَ وعَلِيٌّ يُعَبِّرُ عَنْهُ، والنّاسُ بَيْنَ قائِمٍ وقاعِدٍ، وقالَ أبُو أُمامَةَ: سَمِعْت خُطْبَةَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ.
وقالَ الهِرْماسُ بْنُ زِيادٍ الباهِلِيُّ: رَأيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، يَخْطُبُ النّاسَ عَلى ناقَتِهِ العَضْباءِ، يَوْمَ الأضْحى بِمِنًى».
وقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعاذٍ: «خَطَبَنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ونَحْنُ بِمِنًى، فَفُتِحَتْ أسْماعُنا، حَتّى كُنّا نَسْمَعُ ونَحْنُ فِي مَنازِلِنا، فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَناسِكَهُمْ، حَتّى بَلَغَ الجِمارَ». رَوى هَذِهِ الأحادِيثَ كُلَّها أبُو داوُد، إلّا حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ.
ولِأنَّهُ يَوْمٌ تَكْثُرُ فِيهِ أفْعالُ الحَجِّ، ويَحْتاجُ إلى تَعْلِيمِ النّاسِ أحْكامَ ذَلِكَ، فاحْتِيجَ إلى الخُطْبَةِ مِن أجْلِهِ، كَيَوْمِ عَرَفَةَ. [المغني 3/ 394].
قال العباد في شرح سنن أبي داود:
“الخطب في الحج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت في يوم عرفة، وفي يوم النحر، وفي اليوم الثاني عشر أوسط أيام التشريق، لكن المعروف الآن والمشهور خطبة عرفة فقط؛ فهي التي فيها الصلاة بالناس والخطبة، لكن في هذا الزمان يوجد في مسجد الخيف كلمات كثيرة وخطب فيها توجيهات وبيان للمناسك وما إلى ذلك”.
وقال في قوله: [باب: من قال: خطب يوم النحر].
“وأورد فيه حديث الهرماس بن زياد الباهلي رضي الله عنه … ، فيه: إثبات الخطبة في يوم النحر”.
وقال في شرحه للحديث التالي: “أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه، قال: [(سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر)]، وهذا يدل على أنه خطب يوم النحر صلى الله عليه وسلم “. انتهى.
وقال النوويّ رحمه الله: فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع، وهو سنة باتفاق جماهير العلماء،
وخالف فيها المالكية، ومذهب الشافعي أن في الحجّ أربعَ خُطَب مسنونة:
إحداها: يوم السابع من ذي الحجة، يخطب عند الكعبة بعد صلاة الظهر، والثانية: هذه التي ببطن عُرَنة يوم عرفات، والثالثة: يوم النحر، والرابعة: يوم النَّفْر الأوَّل – وهو اليوم الثاني من أيام التشريق -،
قال أصحابنا: وكلُّ هذه الخطب أفراد، وبعد صلاة الظهر، إلا التي يوم عرفات، فإنها خطبتان، وقبل الصلاة،
قال أصحابنا: ويُعَلّمهم في كل خطبة من هذه ما يحتاجون إليه إلى الخطبة الأخرى، والله أعلم. انتهى. [«شرح النوويّ» (8) / (182)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: ((فخطب الناس)) دليل لمالك وجميع المدنيين والمغاربة؛ إذ قالوا: ليوم عرفة خطبة قبل الصلاة، يُذَكِّر الناس فيها، ويُعَلِّمُهم ما يستقبلون من الوقوف وغيره من المناسك، وهو أيضًا حجة على الشافعيّ، وأبي حنيفة؛ إذ قالا: ليست عرفة بموضع خطبة، وهو قول العراقيين من أصحابنا.
وخطب الحج عندنا ثلاثة:
يوم التروية بعد صلاة الظهر في المسجد الحرام، يذكّر الناس، ويعلّمهم أحكام إحرامهم، ويحضهم على الخروج إلى منى.
والثانية: بعرفة قبل الصلاة بإجماع من القائل بها، وأجمعوا: على أنه لو صلّى ولم يخطب فصلاته جائزة.
والثالثة: بعد يوم النحر، يُعلِّمُهم فيها أحكام الرمي والتعجيل. انتهى. [«المفهم» (3) / (332) – (333) ت].
وقال الزرقانيّ رحمه الله: في الحديث أنه يستحبّ للإمام أن يخطب يوم عرفة في هذا الموضع، وبه قال الجمهور، والمدنيون والمغاربة من المالكيّة، وهو المشهور، فقول النوويّ: خالف فيها المالكيّة، فيه نظرٌ إنما هو قول العراقيين منهم، والمشهور خلافه، واتّفق الشافعيّة أيضًا على استحبابها خلافًا لما تَوَهَّمه عياض والقرطبيّ. انتهى [راجع: «المرعاة» (9) / (20)].
قال ابن بطال رحمه الله:
اختلف الناس في خُطب الحج،
فكان مالك يقول: يخطب الإمام في اليوم السابع قبل يوم التروية بيوم، ويخطب ثاني يوم النحر، وهو يوم القر، سمى بذلك؛ لأن الناس يستقرون فيه بمنى. وهو قول أبى حنيفة وأصحابه، ووافقهم الشافعي في خطبة اليوم السابع يأمرهم بالغدو إلى منى، وخطبة يوم عرفة بعد الزوال،
وخالفهم فقال: يخطب يوم النحر بعد الظهر، يعلم الناس فيها النحر والرمي والتعجيل لمن أراد،
وخطبة رابعة: ثالث يوم النحر بعد الظهر، وهو يوم النفر الأول، يودع الناس ويعلمهم أن من أراد التعجيل فذلك له، ويأمرهم أن يختموا حجهم بتقوى الله وطاعته.
واحتج الشافعي بخطبة يوم النحر بحديث ابن عباس وابن عمر وأبى بكرة (أن النبي عليه السلام خطب يوم النحر) قال الشافعي: وبالناس حاجة إلى هذه الخطبة ليعلمهم المناسك، وإن علمهم النحر والإفاضة إلى مكة للطواف والعود إلى منى للمبيت بها، فوجب أن يكون ذلك سُنة.
وقال ابن القصار: أما خطبة يوم النحر فإنه عليه السلام إنما وقف للناس، فقال: أي يوم هذا؟ وأي شهر هذا؟ وأي بلد هذا؟ فعرفهم أن دماءهم وأموالهم وأعراضهم حرام، وأمرهم بتبليغ ذلك لكثرة اجتماعهم من أقاصي الأرض، فظن أنه خطب.
وقال الطحاوي: لم تكن هذه الخطبة من أسباب الحج؛ لأنه عليه السلام ذكر فيها أمورًا لا يصلح لأحد بعده ذكرها، والخطبة إنما هي لتعليم الحج، ولم ينقل أحد عنهم أنه علمهم يوم النحر شيئًا من سنن الحج، فعلمنا أن خطبة يوم النحر لم تكن للحج، وإنما كانت لما سواه.
قال ابن القصار: وقوله: يحتاج أن يعلمهم النحر، فقد تقدم تعليمهم في خطبته يوم عرفة، وأعلمهم ما عليهم فيه وبعده، وخطب ثاني النحر فأعلمهم ما بقى عليهم في يومه وغده، وأن التعجيل يجوز فيه، وكذلك خطب قبل يوم التروية بيوم وهو بمكة، فكانت خطبه ثلاثًا، كل خطبة ليومين، وأما قول الشافعي أنه يخطب ثالث يوم النحر، مع اجتماعهم بأنها خطبة يأمر الإمام الناس فيها بالتعجيل إن شاءوا، ولما كان لم يختلفوا فيه أن الخطبة التي يأمر الإمام الناس فيها بالخروج إلى منى قبل الخروج إليها، كان كذلك الخطبة التي يأمرهم فيها بالتعجيل في يومين قبل ذلك أيضًا.
قال ابن الموّاز: الخطبة الأولى قبل التروية بيوم في المسجد الحرام بعد الظهر لا يجلس فيها، والثانية بعرفة يجلس في وسطها، والثالثة بمني أول يومٍ من أيام التشريق، وهي بعد الظهر لا يجلس فيها، وهى كلها تعليم المناسك، ولا يجهر بالقراءة في شيء من صلاتها. [شرح صحيح البخاري لابن بطال 4/ 410].
(((((
قال ابن حجر:
قوله: (باب الخطبة أيام منى) أي: مشروعيتها، خلافا لمن قال: إنها لا تشرع، وأحاديث الباب صريحة في ذلك إلا حديث جابر بن زيد، عن ابن عباس، وهو ثاني أحاديث الباب، فإن فيه التقييد بالخطبة بعرفات، وقد أجاب عنه ابن المنير كما سيأتي.
وأيام منى أربعة: يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وليس في شيء من أحاديث الباب التصريح بغير يوم النحر، وهو الموجود في أكثر الأحاديث، كحديث الهرماس بن زياد، وأبي أمامة كلاهما عند أبي داود، وحديث جابر بن عبد الله عند أحمد: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال: أي يوم أعظم حرمة؟ الحديث، وقد تقدم حديث عبد الله بن عمرو، وفيه ذكر الخطبة يوم النحر،
وأما قوله في حديث ابن عمر أنه قال ذلك بمنى، فهو مطلق فيحمل على المقيد، فيتعين يوم النحر، فلعل المصنف أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث الباب كما عند أحمد من طريق أبي حرة الرقاشي عن عمه، فقال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس. فذكر نحو حديث أبي بكرة، فقوله: في أوسط أيام التشريق يدل أيضا على وقوع ذلك أيضا في اليوم الثاني أو الثالث. وفي حديث سراء بنت نبهان عند أبي داود: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس، فقال: أي يوم هذا؟ أليس أوسط أيام التشريق.
وفي الباب عن كعب بن عاصم عند الدارقطني، وعن ابن أبي نجيح عن رجلين من بني بكر عند أبي داود، وعن أبي نضرة عمن سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم عند أحمد، قال ابن المنير في الحاشية: أراد البخاري الرد على من زعم أن يوم النحر لا خطبة فيه للحاج، وأن المذكور في هذا الحديث من قبيل الوصايا العامة لا على أنه من شعار الحج، فأراد البخاري أن يبين أن الراوي قد سماها خطبة كما سمى التي وقعت في عرفات خطبة، وقد اتفقوا على مشروعية الخطبة بعرفات فكأنه ألحق المختلف فيه بالمتفق عليه. انتهى والله أعلم. [فتح الباري لابن حجر 3/ 574 ط السلفية].
قال النووي رحمه الله: (فرع)
في مذاهب العلماء في مسائل تتعلق بالفصل:
(إحداها) ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب في الحج أربع خطب، وهي يوم السابع بمكة من ذي الحجة ويوم عرفة بمسجد إبراهيم ويوم النحر بمني ويوم النفر الأول بمني أيضا وبه قال داود.
* وقال مالك وأبو حنيفة خطب الحج ثلاث يوم السابع والتاسع ويوم النفر الثاني قالا ولا خطبة في يوم النحر
* وقال أحمد ليس في السابع خطبة
* وقال زفر خطب الحج ثلاث يوم الثامن ويوم عرفة ويوم النحر، ولقد ذكرنا دليلنا في خطبة السابع وخطبة يوم عرفة.
(وأما) خطبة يوم النحر ففيها أحاديث صحيحة:
(منها) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (أن النبي صلى الله عليه وسلم بينا هو يخطب يوم النحر فقام إليه رجل فقال كنت أحسب يا رسول الله كذا وكذا قبل كذا وكذا ثم جاء آخر فقال يا رسول الله كنت أحسب أن كذا وكذا قبل كذا لهؤلاء الثلاث قال افعل ولا حرج) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، يعني: بالثلاث الرمي يوم النحر والحلق ونحر الهدي.
وعن أبي بكرة قال (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال أي يوم هذا وذكر الحديث في خطبته صلى الله عليه وسلم يوم النحر بمنى وبيانه تحريم الدماء والأعراض والأموال) رواه البخاري ومسلم
* وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، فقال (يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا؟ قالوا بلد حرام قال فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال اللهم قد بلغت اللهم قد بلغت وذكر تمام الحديث) رواه البخاري.
* وعن ابن عمر قال (قال النبي صلى الله عليه وسلم بمنى أتدرون أي يوم هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن هذا يوم حرام وذكر الحديث) رواه البخاري
* وعن أم الحصين قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا كثيرا ثم سمعته يقول إن أمر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا) رواه مسلم وعن الهرماس بن زياد الصحابي بن الصحابي قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته العضبي يوم الأضحى بمنى) رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم ورواه النسائي والبيهقي أيضا بإسناد آخر صحيح ولفظه (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا صبي أردفني أبي يخطب الناس بمنى يوم الأضحى على راحتله)
* وعن أبي أمامة قال (سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر) رواه أبو داود بإسناد حسن ورواه الترمذي لكن لفظه (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع) وقال حديث حسن صحيح وعن رافع بن عمرو المزني رضي الله عنه قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي رضي الله عنه يعبر عنه والناس بين قائم وقاعد) رواه أبو داود بإسناد حسن والنسائي بإسناد صحيح وفي المسألة أحاديث كثيرة غير ما ذكرته والله أعلم. [المجموع شرح المهذب 8/ 89 ط المنيرية].
(المسألة الخامسة): وقت خطبة يوم النحر:
قال العباد حفظه الله في قوله: [باب: أي وقت يخطب يوم النحر].
“ذكر فيما مضى يوم النحر، كما في حديث أبي أمامة وغيره، وهنا أراد أن يبين وقت الخطبة من النهار، فأورد حديث رافع بن عمرو المزني قال: [(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حيث ارتفع الضحى على بغلة شهباء)].
أي: في الساعة التي يصلي فيها الضحى، وكان على بغلة شهباء”. انتهى. [شرح سنن أبي داود].
واستشكل المعلمي حديث:
قال أحمد: ثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أخيه، عن أبي كاهل – قال إسماعيل: قد رأيت أبا كاهل – قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب الناس يوم عيد على ناقة خرماء، وحبشيّ ممسك بخطامها».
أقول: قد يُستنكر هذا الحديث بأن المعروف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخطب في العيدين على الأرض.
ويجاب: بأنه قد خطب يوم الأضحى بمنى على ناقته العضباء. أخرجه أبو داود ((1)) بسندٍ على شرط مسلم، قال: حدثنا هارون بن عبد الله، نا هشام بن عبد الملك، نا عكرمة، حدثني الهرماس بن زياد الباهلي قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى».
فلعل المراد بما وقع في حديث سعيد عن أبي كاهل من قوله: «يوم عيد» هو يوم الأضحى بمنى.
ثم قال أبو داود: باب أي وقت يخطب يوم النحر؟
حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي نا مروان عن هلال بن عامر المزني حدثني رافع بن عمرو المزني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب الناس بمنى حتى ارتفع الضحى، على بغلة شهباء، وعليٌّ صلى الله عليه وسلم يُعَبّر عنه، والناس بين قائم وقاعد.
فقال في الترجمة: «يوم النحر»، وليس ذلك في الحديث، وقد خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى في أيام التشريق. ومع ذلك فمروان هو ابن معاوية، يدلس عن المجاهيل والمتروكين.
ويشهد لحديث الهرماس حديث أم الحصين عند النسائي وغيره
وفيه:» فرأيت بلالًا يقود راحلته، وأسامة بن زيد رافع عليه ثوبه يُظلّه من الحرّ، وهو محرم، حتى رمى جمرة العقبة، ثم خطب الناس … انتهى
وحديث ام الحصين الذي ذكره ذكر في حاشية محقق اثار المعلمي:
الحديث أخرجه مسلم ((1298))، وأبو داود ((1834))، وأحمد ((27259)).
(المسألة السادسة): سياق الحديث ومناسبته:
1) المناسبة الزمنية:
– الخطبة ألقيت يوم النحر، وهو يوم عظيم في الإسلام (أكبر أيام الحج).
(«أتدرون أي يومكم هذا؟» قال: قلنا يوم النحر. قال: «صدقتم يوم الحج الأكبر، أتدرون أي شهر شهركم هذا؟» قلنا: ذو الحجة. قال «صدقتم شهر الله الأصم، أتدرون أي بلد بلدكم هذا؟» قال: قلنا: المشعر الحرام. قال «صدقتم».)
– ومكان الخطبة: بمنى، حيث يجتمع الحجيج بعد أداء مناسك عظيمة، مثل رمي الجمار.
(عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: خطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الناس بمنى ونزلهم منازلهم، فقال «لينزل المهاجرون هاهنا -وأشار إلى ميمنة القبلة-، والأنصار هاهنا -وأشار إلى ميسرة القبلة-، ثم لينزل الناس حولهم»). سبق إيراده.
2) المقصد النبوي:
1 – توجيه الأمة في يوم جامع للتوحيد والطاعة.
(قال صلى الله عليه وسلم: «فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا -أو قال: كحرمة يومكم هذا وشهركم هذا وبلدكم هذا-، ألا وإني فرطكم على الحوض أنظركم، وإني مكاثر بكم الأمم فلا تسودوا وجهي، ألا وقد رأيتموني وسمعتم مني، وستسألون عني فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار، ألا وإني مستنقِذ رجالًا أو إناثًا ومستنقَذ مني آخرون، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»).
( .. ، ثم قال: «ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»).
(«يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى إن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت؟» قالوا: نعم. قال «اللهم هل بلغت»).
2 – بيان الأحكام الشرعية، وإرشاد الحجيج في مناسكهم.
[تنبيه] قد سبق بيان ما يتعلق بفوائد خطبة حجة الوداع في التعليق على الصحيح المسند (1185).
(المسألة السابعة): تحليل الخطبة النبوية:
1) أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة:
1 – خطبة موجزة جامعة، تتسم بالتذكير والتعليم.
2 – استخدام العبارات المؤثرة التي ترسخ المعاني في القلوب.
2) مضامين الخطبة:
1 – ترسيخ العقيدة والتوحيد، من الإيمان والشهادة والتسليم والاتباع، والتحذير من مخالفة السنة.
2 – التأكيد على عظمة الحج كركن من أركان الإسلام.
3 – بيان بعض الأحكام المتعلقة بالأضحية وأيام التشريق.
قال ابن الرفعة في كفاية التنبيه:
قال: ثم يخطب الإمام بعد الظهر بمنى، ويعلم الناس النحر والرمي والإفاضة.
أما استحباب الخطبة بمنى في هذا اليوم؛ فلما روى أبو داود عن أبي أمامة – وهو الباهلي قال: «سمعت [خطبة] رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر».
وروى- أيضًا- عن الهرماس بن زياد الباهلي قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى»، وأخرجه النسائي.
وعن الحناطي رواية وجه: أن موضع هذه الخطية مكة.
وأما كونها بعد الظهر؛ فلأنها خطبة مشروعة في الحج، فكانت بعد الظهر؛ كغيرها من الخطب فيه.
وما ذكره الشيخ هو الذي نص عليه في «المختصر»، ولم يحك أبو الطيب وابن الصباغ غيره.
لكن قد روى أبو داود عن رافع بن عمرو المزني قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي – رضي الله عنه- يعبر عنه، والناس بين قائم وقاعد». وأخرجه النسائي.
وأما كونه يعلم الناس فيها النحر والرمي والإفاضة؛ فلما روى أبو داود عن عبد الرحمن ابن معاذ التيمي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ونحن] بمنى، ففتحنا … .
3) في معاني الحديث:
“فقمت على عجز الراحلة فوضعت يدي على عاتق أبي فسمعته، يقول: ((أي يوم أحرم؟)) قالوا: هذا اليوم. قال: ((فأي بلد أحرم؟)) قالوا: هذا البلد. قال: ((فأي شهر أحرم)) قالوا: هذا الشهر” أي: ذي الحجة. قال: ((فإن دماءكم، وأموالكم عليكم حرام)) “، زاد في حديث ابن عبّاس عند أحمد، والبخاريّ، والترمذيّ، والبيهقيّ، وفي حديث ابن عمر عند البخاريّ: «وأعراضكم»، والعِرْضُ بكسر العين: موضع المدح والذمّ من الإنسان، سواء كان في نفسه، أو في سلفه، قال الحافظ: هذا الكلام على حذف مضاف: أي: (سفك) دمائكم، (وأخذ) أموالكم، (وثَلْبُ) أعراضكم. انتهى …..
(المسألة الثامنة): مضمون الحديث وما يحويه من توجيهات:
1. تعظيم يوم النحر:
– ((إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر))، كما جاء في أحاديث أخرى.
– بيان أهمية استغلال هذا اليوم في العبادة والقربات.
2. وحدة الأمة في المناسك:
– اجتماع المسلمين على صعيد واحد، يعكس أهمية التوحد في العقيدة والعمل.
– إشارة إلى شمولية رسالة الإسلام.
((مُصْطَلَحِ هَدْي ف (34) (37)، وإحْصار ف (40)). [الموسوعة الكويتية].
[صَلَاةُ الْعِيدِ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْر]
وَمِمَّا قَدْ يَغْلَطُ فِيهِ النَّاسُ: اعْتِقَادُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ الْعِيدِ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، حَتَّى قَدْ يُصَلِّيهَا بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْفِقْهِ، أَخْذًا فِيهِ بِالْعُمُومَاتِ اللَّفْظِيَّةِ أَوِ الْقِيَاسِيَّةِ. وَهَذِهِ غَفْلَةٌ عَنِ السُّنَّةِ ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَاءَهُ لَمْ يُصَلُّوا بِمِنًى عِيدًا قَطُّ، وَإِنَّمَا صَلَاةُ الْعِيدِ بِمِنًى هِيَ [رَمْيُ] جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ. فَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِأَهْلِ الْمَوْسِمِ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةِ الْعِيدِ لِغَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا اسْتَحَبَّ أحمد أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَقْتَ النَّحْرِ بِمِنًى. وَلِهَذَا خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الْجَمْرَةِ. كَانَ كَمَا يَخْطُبُ فِي غَيْرِ مَكَّةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَرَمْيُ الْجَمْرَةِ تَحِيَّةُ مِنًى، كَمَا أَنَّ الطَّوَافَ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
القواعد النورانية (1) / (149) — ابن تيمية
والرابع: فوائد الحديث
قال الحافظ رحمه الله:
1 – (منها): “في الحديث دلالة على جواز تحمل الحديث لمن لم يفهم معناه ولا فقهه إذا ضبط ما يحدث به، ويجوز وصفه بكونه من أهل العلم بذلك.
2 – (ومنها): وجوب تبليغ العلم على الكفايات ثاني، وقد يتعين في حق بعض الناس،
3 – (ومنها): تأكيد التحريم وتغليظه الله عليه وعلى الله وبركاته من تكرار ونحوه،
4 – (ومنها): مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع، وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد؛ لأن المخاطبين بذلك كانوا لا يرون تلك الأشياء ولا يرون هتك حرمتها ويعيبون على من فعل ذلك أشد العيب، وإنما قدم السؤال عنها تذكارا لحرمتها وتقريرا لما ثبت في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره على سبيل التأكيد.
[فتح الباري لابن حجر 3/ 574، بتصرف يسير. ط السلفية].