[1ج/ رقم (494)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي. وعبدالله المشجري و أحمد بن علي، ومحمد البلوشي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري وسلطان الحمادي ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (494)]:
(494) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (5) ص (256)): حدثنا ابن نمير حدثنا الأعمش عن حسين الخرساني عن أبي غالب عن أبي أمامة: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال «إن لله عزوجل عند كل فطر عتقاء». قال عبد الله: سمعت أبي يقول حسين الخرساني هذا هو حسين بن واقد.
وفي «تهذيب التهذيب»: الحسين بن المنذر الخراساني عن أبي غالب عن أبي أمامة، وعنه الأعمش، قال أبو داود: ذا وَهَمٌ؛ هو حسين بن واقد.
الحديث حسنٌ.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام أحمد في مسنده.
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(8) – كتاب الصوم، (9) – إن الله عز وجل عند كل فطر عتقاء، ((1461)).
تنبيه: ذكر ابن عدي الحديث في كامله في ترجمة أبي غالب
*- قال الشيخ سيف الكعبي في إعانة المولى المجيب في الحكم على أحاديث الترغيب والترهيب: ورد عن عائشة “إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنان .. ” الحديث وفيه لله عتقاء عند كل فطر يعتقهم ” وفيه ابن لهيعة، وهذا الحديث صححه الأرناؤوط في سنن ابن ماجه وقال يشهد له حديث أبي أمامة وذكره ابن عدي في الكامل وقال أبو غالب روى عن أبي أمامة ولم أرى له حديثا منكرا جدا وأرجو أنه لا بأس به، ورد عند أحمد ((4809)) حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد هو شك بين الأعمش، ذكر الدارقطني الخلاف ورجح رواية مالك بن سعير عن الأعمش عن أبي صالح عن بعض أصحاب النبي وذهب باحث إلى أن الاضطراب من الأعمش في تعيين صحابيه وأصح ما ورد أنه عن أبي هريرة وهو الذي في الصحيحين.*
*- وقال الشيخ سيف الكعبي في إعانة المولى المجيب في الحكم على أحاديث الترغيب والترهيب في التعليق على حديث ??? – (?) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: “إذا جاءَ رمضان، فُتَّحَتْ أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين”.*
*رواه البخاري ومسلم.*
*وفي رواية لمسلم: فتحت أبواب الرحمة، وغُلّقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين”. [حسن] ورواه الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في “صحيحه”، والبيهقي؛ كلهم من رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، ولفظهم قال: “إذا كان أول ليلة من شهر رمضانَ صُفّدت الشياطين ومَرَدَة الجن، وقال ابن خزيمة: “الشياطين: مردة الجن” بغير واو – وغُلّقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، والله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة”.*
*قال الترمذي: “حديث غريب، ورواه النسائي والحاكم بنحو هذا اللفظ، وقال الحاكم: “صحيح على شرطهما”.*
والثاني: شرح وبيان الحديث
“لصِيامِ الفَريضةِ في رمَضانَ فَضلٌ عَظيمٌ، ومن ذلك: غُفرانُ الذُّنوبِ والعِتقُ مِن النَّارِ؛ وذلك أنَّ فيه مُراقبةً خاصَّةً مِن العَبدِ لربِّه، وفيه تَجويعٌ للنَّفسِ ومَنعُها مِن الشَّهواتِ المباحةِ مِن أجْلِ اللهِ سبحانه؛ ولذلك خَصَّه اللهُ بأنَّه يَجْزي به”.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لله عزوجل عند كل فطر)) يُفهم منه الإفطار في كل يوم من أيام رمضان.
معنى “العتق”: أن الله عزوجل يحرر عباده المؤمنين من العذاب ويمن عليهم برضوانه، وهو أعظم النعم.
((عتقاء»)). “أي: من النار، كما صرح بذلك في بعض الروايات، وهو جمع عتيق، ولم يبين في هذه الرواية مقدار العتقاء في كل ليلة، وقد جاء مصرحًا به في رواية للبيهقي من حديث ابن مسعود
وفيه ولله عزوجل عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من النار ستون الفًا.
فإذا كان يوم الفطر أعتق الله مثل ما أعتق في جميع الشهر ستين الفًا ستين ألفًا، قال المنذري وهو حديث حسن لا بأس به في المتاعات.
(تخريجه) أورده المنذري وقال رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والطبراني والبيهقي، وقال: هذا حديث غريب في رواية الأكابر عن الأصاغر، وهو رواية الأعمش عن الحسين بن واقد”. [الفتح الرباني، (10/ 9)].
تنبيه: حديث ابن مسعود ضعفه الألباني
(598) – ((15)) [ضعيف] وعن الحسن قال: قال رسول الله ?:
«إن لله عزوجل في كل ليلةٍ من رمضان ستمئة ألفِ عتيقٍ من النارِ، فإذا كان آخرُ ليلةٍ أعتقَ الله بعددِ [كل] من مضى».
رواه البيهقي وقال: «هكذا جاء مرسلًا».
(599) – ((16)) [ضعيف] وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله ? قال:
« …. فإذا كان يومُ الفطرِ أعتقَ اللهُ مثل ما أعتقَ في جميعِ الشهرِ؛ ثلاثين مرةً، ستينَ ألفًا، ستين ألفًا».
رواه البيهقي، وهو حديث حسن، لا بأس به في المتابعات، في إسناده ناشب بن عمرو الشيباني؛ وُثَّق ((1))، وتكلم فيه الدارقطني.
((1)) قلت: فيه إشارة إلى تلبين توثيقه، وهو كذلك، فإنه لم يوثقه أحد من الحفاظ، ولا ابن حبان! ولا يعرف إلا في رواية البيهقي لهذا الحديث من طريق أبي أيوب الدمشقي قال: ثنا ناشب ابن عمرو الشيباني -قال: وكان ثقة صائمًا قائمًا-: حدثنا مقاتل بن حيان. .
قلت: وأبو أيوب هذا اسمه سلمان بن عبد الرحمن، وهو مع كونه متكلمًا فيه من جهة حفظه، فليس من أئمة الجرح والتعديل المعروفين، ولا من الحفاظ المشهورين، فلا قيمة لتوثيقه مع مخالفته للدارقطني، بل ولإمام الأئمة؛ البخاري؛ فإنه قال فيه: «منكر الحديث». وجهل هذا كله المعلقون الثلاثة -أو تجاهلوه- فقالوا: «حسن، رواه البيهقي في» شعب الإيمان «((3606))»!
ضعيف الترغيب والترهيب (1) / (305)
والثالث: ملحقات:
(المسألة الأولى): الفضل الخاص بشهر رمضان:
أولاً: الحديث يبين أن شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار:
وقد ورد في شهر رمضان فضائل وخصائص عظيمة، ومن ذلك:
(1) – أنزل الله تعالى فيه القرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، فقد مدح الله تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينهنَّ لإنزال القرآن العظيم فيه، وكان ذلك في ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}، وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين}.
(2) – أنزلت الكتب الإلهية فيه؛ لما رُويَ من حديث واثلة بن الأسقع: أن رسول الله ? قال: «أُنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستٍ مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» [مسند أحمد، (4) / (107)، والمحقق، (28) / (191)، برقم (16984)، وقال محققو المسند: «حديث ضعيف»، وقال الألباني: «وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات»، [الأحاديث الصحيحة للألباني، برقم (1575)]].
(3) – تفتح فيه أبواب الجنة.
(4) – تغلق فيه أبواب النار.
(5) – تصفَّد الشياطين ومردة الجنِّ.
(6) – تفتح فيه أبواب الرحمة.
(7) – تفتح فيه أبواب السماء.
(8) – ينادي فيه منادٍ: يا باعي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
(9) – لله تعالى فيه كل ليلة عتقاء من النار.
وقد دلَّ على هذه الخصال السبع حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ? أنه قال: «إذا كان أوّلُ ليلة من رمضان: صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتح منها بابٌ، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها بابٌ، ويُنادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، وياباغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة»، وفي لفظ للبخاري: «وفتحت أبواب السماء»، وفي لفظ لمسلم: «وفتح أبواب الرحمة»، وفي لفظ للبخاري ومسلم: «وسلسلت الشياطين» [متفق عليه].
فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرَها فقد حرم»، ولفظ أحمد: «تفتح فيه أبواب الجنة» بدلًا من «أبواب السماء» [النسائي، كتاب الصيام، باب ذكر الاختلاف على معمر، برقم (2108)، وأحمد برقم (7148)، وقال الألباني في صحيح ابن ماجه (2) / (456): «حسن صحيح»].
(11) – شهر رمضان تجاب فيه الدعوات. كما سياتي بإذن الله تعالى.
(12) – صيام شهر رمضان يكفر الخطايا؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ? قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان مكفرات ما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائر». [مسلم، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان … ، برقم (233)].
(13) – شهر رمضان تُغفر فيه الذنوب، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ? أنه قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه» [متفق عليه]. [فضائل الصيام وقيام صلاة التراويح، (37 – 61)].
ثانيًا: يبرز أهمية وقت الإفطار، حيث يكون الدعاء مستجاباً وتكثر الرحمات.
1) فضل دعاء الصائم:
شهر رمضان تجاب فيه الدعوات، فقد ذكر الله تعالى الدعاء أثناء آيات الصيام، فقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون}.
وعن أبي هريرة أو أبي سعيد [مسند أحمد، برقم (7450)، (12) / (420)]، قال: قال رسول الله ?: «إن لله عتقاء في كل يومٍ وليلة، لكل عبد منهم دعوةٌ مستجابة» [أحمد، (12) / (420)، برقم (7450)، وقال محققو المسند، (12) / (420): «إسناده صحيح على شرط الشيخين، والشك في صحابي الحديث لا يضر»]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «يعني في رمضان» [أطراف المسند لابن حجر، (7) / (203)، وذكره محققو المسند، (12) / (420)]، ولفظ البزار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «إن لله عزوجل عتقاء في كل يوم وليلة – يعني في رمضان – وإن لكل مسلم في يوم وليلة دعوةً مستجابةً» [البراز في كشف الأستار، برقم (962)، وذكره الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد مسند البراز على الكتب الستة ومسند أحمد، برقم (664)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1) / (586): «صحيح لغيره»].
وعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «إن لله عز وجل عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة». [ابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في فضل شهر رمضان، برقم (1643)، وقال الألباني في صحيح ابن ماجه، (2) / (59): «حسن صحيح»] “.
وقد وردت أحاديث في فضل دعوة الصائم منها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ رواه الترمذي (2525)، وصححه الألباني في “صحيح الترمذي” (2050).
عن أنس رضي الله عنه، أن النبي ? قال: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر) رواه البيهقي.
ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم ودعوة المسافر.
جاء في (الموسوعة الفقهية) أَمَرَ اللَّهُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَذَكَرَ إِكْمَال الْعِدَّةِ ثُمَّ قَال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ قَال ابْنُ كَثِيرٍ: فِي ذِكْرِهِ تَعَالَى هَذِهِ الايَةَ الْبَاعِثَةَ عَلَى الدُّعَاءِ مُتَخَلِّلَةً بَيْنَ أَحْكَامِ الصِّيَامِ إِرْشَادٌ إِلَى الاِجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ إِكْمَال الْعِدَّةِ بَل وَعِنْدَ كُل فِطْرٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ? يَقُول: لِلصَّائِمِ عِنْدَ إِفْطَارِهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَة، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِذَا أَفْطَرَ دَعَا أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ ثُمَّ دَعَا، وَلِمَا رُوِيَ أَيْضًا: إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةً مَا تُرَد. (انتهى).
وقال النووي: يستحب للصائم أن يدعو في حَالِ صَوْمِهِ بِمُهِمَّاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْمَظْلُومُ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ – وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ حَتَّى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ فَيَقْتَضِي اسْتِحْبَابُ دُعَاءِ الصَّائِمِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ إلَى آخِرِهِ، لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَائِمًا فِي كُلِّ ذَلِك. (المجموع).
2) متى تكون دعوة الصائم التي لا ترد؟
فدعوة الصائم المستجابة تكون حال صيامه، إلى أن يشرع في الفطر، وليس بعد ذلك.
قال المناوي رحمه الله: ” (والصائم حَتَّى) وَفِي رِوَايَة حِين (يفْطر) بِالْفِعْلِ، أَو يدْخل أَوَان فطره” انتهى من “التيسير شرح الجامع الصغير” (1/ 477).
وقال القاري رحمه الله: ” (حين يفطر): لأنه [أي: الفطر] بعد عبادة، وحال تضرع ومسكنة” انتهى من “مرقاة المفاتيح” (4/ 1534).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” للصائم دعوة مستجابة عند فطره، فمتى يكون محل هذه الدعوة: قبل الفطر أم في أثنائه أم بعده؟ وهل من دعوات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو من دعاء تشيرون به في مثل هذا الوقت؟
فأجاب: الدعاء يكون قبل الإفطار عند الغروب؛ لأنه يجتمع في حقه انكسار النفس والذل لله عز وجل، وأنه صائم، وكل هذه من أسباب الإجابة.
أما بعد الفطر: فإن النفس قد استراحت، وفرحت، وربما يحصل غفلة.
لكن ورد ذكر، إن صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فإنه يكون بعد الإفطار: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله. هذا لا يكون إلا بعد الفطر.
وكذلك ورد عن بعض الصحابة أنه كان يقول: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت).
فأنت: ادع الله بالدعاء المناسب الذي ترى أنك محتاج إليه” انتهى من “اللقاء الشهري” (8/ 25).
3) أحكام الفطر وتعجيله:
قال البهوتي رحمه الله في الروض المربع قال: ” (و) يسن (تعجيل فطر) “. انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في حاشيته على الروض معلقا: “إجماعًا، حكاه الوزير وغيره، وجزم به الشيخ وغيره”.
وقال في روض المربع: “لقوله ? «لا يزال الناس بخير، ما عجلوا الفطر» متفق عليه”. انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في حاشيته على الروض معلقا:
“أي: مدة فعلهم ذلك، امتثالًا للسنة، ولحديث عائشة: كان يعجل الإطار، صححه الترمذي، ولحديث أبي هريرة مرفوعًا «يقول الله تعالى إن أحب عبادي إلي، أعجلهم وفطرًا» رواه أحمد، والترمذي؛ ولأبي داود «لا يزال الدين ظاهرًا، ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون» ونحوه في الصحيحين، أي: لا يزال أمر هذه الأمة معظمًا، وهم بخير، ما داموا محافظين على هذه السنة، وقوام الدين على مخالفة الأعداء،
ولمسلم في رجلين، أحدهما يعجل الإفطار، ويعجل المغرب، والآخر بالعكس، قالت عائشة – في الذي يعجلهما -: هكذا كان رسول الله ?.
وقال الحافظ: ومن البدع المنكرة ما أحدث الناس من إيقاع الأذان الثاني، وطفي الأنوار، قبل ثلث ساعة لتحريم الأكل والشرب، للاحتياط، وجرهم إلى أنهم لا يؤذنون المغرب إلا بعد الغروب بدرجة، فأخروا الفطور، وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير، وكثر فيهم الشر.
وقال ابن عبد البر وغيره: أحاديث تعجيل الفطور، وتأخير السحور، صحيحة متواترة. وقوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} يقتضي الإفطار عند غروب الشمس، حكمًا شرعيًا، لما في الصحيحين وغيرهما «إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم» أي: دخل في وقت الفطر، وجاز له أن يفطر، أو انقضى صومه وتم، ولا يوصف بأنه صائم، فإن بغروب الشمس خرج النهار، وليس الليل محلًا للصوم.
وقال النووي: هي متلازمة، وإنما جمع بينهما؛ لأنه قد يكون في واد ونحوه، بحيث لا يشاهد غروبها، فيعتمد إقبال الظلام، وإدبار الضياء، وأجمعوا على أن الصوم ينقضي ويتم، بتمام الغروب، وأنه يدخل فيه بالفجر الثاني، وقال الشيخ: إذا غاب جميع القرص، أفطر الصائم، ولا عبرة بالحمرة الشديدة، الباقية في الأفق، وإذا غاب جميع القرص، ظهر السواد من المشرق، كما قال ? «إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، فقط أفطر الصائم».
ويعرف في العمران بزوال الشعاع، وإقبال الظلام من المشرق، للنهي عن الوصال، ومن أحب أن يمسك إلى السحر فله ذلك، لما في الصحيحين «فأيكم أراد أن يواصل، فليواصل إلى السحر» “. انتهى.
وقال في روض المربع: “والمراد إذا تحقق غروب الشمس، وله الفطر بغلبة الظن”. انتهى. قال عبد الرحمن بن قاسم في حاشيته على الروض معلقا:
“وفاقًا، إقامة له مقام اليقين، ولأن الناس أفطروا على عهد رسول الله ? كذلك، وكذلك أفطر عمر والناس في عهده كذلك، ولأن ما عليه أمارة، يدخله التحري كالوقت، والاحتياط إلى أن يتيقن، قال الشيخ: ومع الغيم المطبق، لا يمكن اليقين الذي لا يقبل الشك، إلا بعد أن يذهب وقت طويل من الليل، يفوت المغرب، ويفوت تعجيل الفطور، والمصلي مأمور بصلاة المغرب، وتعجيلها، وثبت في صحيح البخاري، عن أسماء: أفطرنا يومًا من رمضان في غيم، على عهد رسول الله ?، ثم طلعت الشمس.
فدل على أنه لا يستحب التأخير مع الغيم، إلى أن يتيقن الغروب، فإنهم لم يفعلوا ذلك، ولم يأمرهم به، والصحابة مع نبيهم أعلم، وأطوع لله ورسوله، والفطر قبل صلاة المغرب أفضل، بالاتفاق، ولخبر عائشة، رواه مسلم، ولخبر أنس: ما رأيت رسول الله ? يصلي حتى يفطر، ولو على شربةٍ من ماء. رواه ابن عبد البر، وقد يستثنى ما لو أقيمت الجماعة، وكان بحيث لو أفطر على نحو تمر، بقي بين أسنانه، ولو اشتغل به فاتته الجماعة، أو فضيلة الإحرام مع الإمام، ما لم يكن بحضرة طعام.”. انتهى.
وقال في روض المربع: “وتحصل فضيلته بشرب، وكمالها بأَكل، ويكون (على رطب)؛ لحديث أنس: كان رسول الله ? يفطر على رطبات، قبل أن يصلي، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم تكن تمرات، حسا حسوات من ماء. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن غريب.
(فإن عدم) الرطب (فتمر فإن عدم فـ) على (ماء) لما تقدم، (وقول ما ورد) عند فطره، ومنه «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، سبحانك وبحمدك، اللهم تقبل مني، إنك أنت السميع العليم» “. انتهى.
(المسألة الثانية): الرجاء في رحمة الله تعالى:
1) على المؤمن أن يتضرع إلى الله تعالى عند الإفطار ويطلب العتق من النار، فهو وقت إجابة الدعاء.
و”الرجاء ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسمان محمودان وقسم مذموم؛
رجل عبد الله وانكسر بين يدي الله -جل وعلا-، ونافس في القربات يرجو رحمته، الصائم يرجو أن الله يغفر ذنبه ويستحضر قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه))، فيرجو من ربه تلك المغفرة، والقائم يتذكر قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)).
فيرجو رحمة ربه فيرجوه هذائئ الرجاء، {فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71]. ترك الدنيا كلها وتعلق قلبه بخالقه -جل في علاه-، ويرجو أن الله يقبل تلاوته وصدقته وإحسانه وسائر أعماله.
وفي القسم الثاني المحمود:
رجل أذنب ووقع بالذنوب والأخطاء والسيئات؛ فيرجع إلى خالقه وتكون الذنوب بين ناظريه وعينيه، فيسأل ربه التوبة ويسأل الله المغفرة؛ فهذا رجاء محمود ينيب إلى خالقه، ويعلم بأن الله يغفر الذنب: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
والقسم الثالث قسم المذموم:
وهو أن الإنسان يتمنى؛ فلا يعمل ويتكل على رحمة الله فقط ولا يعمل الصالحات، وهذا خطأ؛ فعلى الإنسان أن يحسن الظن بالله -جل في علاه-، ويتقرب إلى خالقه؛ فقد جاء في الصحيحين في الحديث القدسي من حديث أنس: ((أنا عند ظنِّ عبدِي بي إنْ ظنَّ خيرًا فلهُ، وإنْ ظنَّ شرًّا فلهُ))؛ فظن بربك خيرا أن الله -جل وعلا- يقبل عبادتك. [رحمة الله ورجاؤه].
2) إجابة دعوة الصائم:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
ثم ذكر الله عزو جل أحكام الصوم، ومن لا يستطيعه لسفر أو مرض، ثم قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: (186)] لأن الصوم زمن إجابة دعاء.
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للصائم دعوة لا ترد).
وهذه فرصة؛ لأنه ذكر إجابة الدعاء بعد ذكر الصوم؛ لكن قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} [البقرة: (186)] بماذا؟ بما فرضتُ عليهم من الصوم والتقوى: {وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: (186)] .. [جلسات رمضانية للعثيمين (8) / (11)].
3)
سؤال وجه للشيخ عبد المحسن العباد، ونصه: “قال ?: (إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد) هل المراد بكلمة (عند) هنا ما قبل الفطور، وهل هذا الدعاء معين أو أي دعوة؟
الجواب:
معلوم أنه يدعو عندما يريد أن يفطر وأثناء البدء بإفطاره، فهذا هو المناسب لهذا الدعاء؛ لأن الفطر يحصل بكونه يأكل أول لقمة، لكن لا نعلم دعاءً معينًا عند الإفطار”. [شرح سنن أبي داود للعباد (529) / (13) — عبد المحسن العباد].
سبق نقل قول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله، ونصه: ” (دعوة الصائم التي لا تُرَدّ) في أي وقت أو في وقت الفطور؟ ”
فأجاب فضيلة الشيخ ابن باز: “في جميع النهار، وعند الفطر كذلك، حال صومه وعند إفطاره كلها.
س: يعني مثلًا يؤذن المؤذن … ؟
الشيخ: عند الإفطار وفي الظهر وفي العصر وفي أي وقت للصائم، الصائم له دعوة مستجابة حال صومه وعند إفطاره جميعًا، إذا سَلِم من المعوّقات الأخراغ من أكل الحرام ومن المعاصي الأخرى؛ لأن القبول له معوقات أيضًا من الذنوب والمعاصي وأكل الربا والحرام، نسأل الله السلامة”. [متى وقت دعوة الصائم التي لا تُرَدّ؟، فتاوى الدروس للإمام ابن باز رحمه الله].
(المسألة الثالثة): الأعمال الصالحة تؤدي إلى العتق:
الصيام والقيام، والإخلاص في العبادة، وأعمال الخير في رمضان من أعظم أسباب نيل رحمة الله عزوجل.
وهذا الحديث مما يحث العباد على الاتيان بأسباب العتق من النار، ومن تلك الأعمال التي يمكن فعلها في شهر رمضان:
1 – طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه؛ قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء، 13 – 14]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَابَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى)). [رواه البخاري (7280)].
2 – قول لا إله إلا الله بإخلاص ويقين:
فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لمعاذ رضي الله عنه: ((مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ)) [رواه البخاري (128) ومسلم (32)].
وروى مسلم (29) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ).
وروى البخاري (425) ومسلم (33) عن عِتْبَانَ بْن مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ).
2– حسن الخلق ولين الجانب:
روى الترمذي (2488) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ). وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (938).
قَالَ الْقَارِي: أَيْ: تُحَرَّمُ عَلَى كُلِّ سَهْلٍ طَلْقٍ حَلِيمٍ لَيِّنِ الْجَانِبِ”. انتهى. “تحفة الأحوذي” (7/ 160).
3 – تغبير القدم في سبيل الله:
روى البخاري (907) أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ).
وروى أحمد (21455) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ) صححه الألباني في “الإرواء” (5/ 5).
ورواه ابن حبان في “صحيحه” (4064) ولفظه: عن أبي المصبح المقرائي قال: بينما نحن نسير بأرض الروم في طائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعمي إذ مر مالك بجابر بن عبد الله وهو يمشي يقود بغلاً له، فقال له مالك: أي أبا عبد الله، اركب، فقد حملك الله، فقال جابر: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار) فأعجب مالكاً قولُه، فسار حتى إذا كان حيث يسمعه الصوت ناداه بأعلى صوته: يا أبا عبد الله، اركب، فقد حملك الله، فعرف جابر الذي أراد برفع صوته، وقال: أصلح دابتي، وأستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار) فوثب الناس عن دوابهم، فما رأينا يوما أكثر ماشيا منه. صححه الألباني في “الإرواء” (5/ 6).
4 – الصلاة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَاكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ) متفق عليه.
وروى أحمد (17882) عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيْدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، يَرَاهَا حَقًّا لِله عَلَيْهِ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ) حسنه الألباني في “صحيح الترغيب” (381).
5 – المحافظة على أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا:
روى أبو داود (1269) والترمذي (428) وصححه عن أُمّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
6 – ذكر الله وتوحيده عند الموت:
روى ابن ماجة (3794) عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَأَنَا أَكْبَرُ
وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي.
وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا شَرِيكَ لِي.
وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، لِي الْمُلْكُ، وَلِيَ الْحَمْدُ.
وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِي).
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رُزِقَهُنَّ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ) صححه الألباني في “صحيح الجامع” (713).
7 – البكاء من خشية الله، والحراسة في سبيل الله:
روى الترمذي (1639) وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
8 – غض البصر:
روى الطبراني في “المعجم الكبير” (1003) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله). وصححه الألباني في “الصحيحة” (2673).
9 – الصبر على فقد الولد:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ) متفق عليه.
قال النووي في شرح مسلم:
“قَالَ الْعُلَمَاء: (تَحِلَّة الْقَسَم) مَا يَنْحَلّ بِهِ الْقَسَم، وَهُوَ الْيَمِين، وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث أَنَّ الْمُرَاد قَوْله تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا) وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء، وَالْقَسَم مُقَدَّر، أَيْ: وَاَللَّه إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا، وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ تَقْلِيل مُدَّة وِرْدهَا. قَالَ: وَتَحِلَّة الْقَسَم تُسْتَعْمَل فِي هَذَا فِي كَلَام الْعَرَب، وَقِيلَ: تَقْدِيره: وَلَا تَحِلَّة الْقَسَم، أَيْ: لَا تَمَسّهُ أَصْلًا، وَلَا قَدْرًا يَسِيرًا كَتَحِلَّةِ الْقَسَم، وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا) الْمُرُور عَلَى الصِّرَاط، وَهُوَ جِسْر مَنْصُوب عَلَيْهَا. وَقِيلَ: الْوُقُوف عِنْدهَا” انتهى باختصار. وروى الطبراني في “الكبير” (231) عن واثلة رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من دفن ثلاثة من الولد حرم الله عليه النار) صححه الألباني في “صحيح الجامع” (6238) “.
والرابع: فوائد الحديث
1 – (منها): “كَثْرةُ العُتقاءِ مِن النَّارِ في أيَّامِ الصَّومِ في رمَضانَ بمَغفِرةِ ذُنوبِهم، وقَبولِ عِبادتِهم، وحِفْظِهم مِن المعاصي الَّتي هي أسبابُ العذابِ، وهذا الوعدُ العظيمُ يَشْحَذُ هِمَمَ الصَّائِمين للتَّسابُقِ إلى إحسانِ العبادةِ وإخلاصِها للهِ، لعلَّهم يَفوزونَ بكَرَمِه بالعِتقِ مِن النَّارِ.
2 – (ومنها): التَّنبيهُ إلى اغتِنامِ الأوقاتِ الفاضلةِ للدُّعاءِ وسُؤالِ اللهِ إجابةَ الدَّعَواتِ، وتَلبيةَ الحاجاتِ، وتفريجَ الكُرباتِ”. [الأحاديث].
3 – (ومنها): فضل الإفطار، يذكر الحديث فضل وقت الإفطار وأنه من أعظم أوقات الرحمة والمغفرة.
4 – (ومنها): رحمة الله بعباده، يشير إلى سعة رحمة الله وعظيم كرمه، حيث يعتق عباده من النار يومياً.
5 – (ومنها): التذكير بفضل رمضان، يُذكر الحديث بأهمية هذا الشهر كفرصة عظيمة لنيل المغفرة والعتق.
6 – (ومنها): التفاعل مع أوقات العبادات، يُحفز الحديث المسلمين لاستغلال أوقات العبادة، خاصة عند الإفطار.
6 – (ومنها): تحفيز العباد، الحديث يحمل رسالة أمل للمؤمنين أن يستمروا في العبادة والطاعة رجاءً في رحمة الله تعالى.
——
—–
– قال ابن القيم:
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في الصِّيام
لمَّا كان المقصود من الصِّيام حَبْسَ النَّفس عن الشَّهوات، وفِطامها عن المألوفات، وتعديل قوَّتها الشَّهوانيَّة، لتستعدَّ لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبولِ ما تزكو به ممَّا فيه حياتها الأبديَّة، ويكسر الجوع والظَّمأ من حدَّتها وسَوْرتها، ويذكِّرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، ويُضيِّق مجاريَ الشَّيطان من العبد بتضييق مجاري الطَّعام والشَّراب، ويَحْبِس قوى الأعضاء عن استرسالها بحكم الطَّبيعة فيما يضرُّها في معاشها ومعادها، ويُسكِّن كلَّ عضوٍ منها وكلَّ قوَّةٍ عن جماحه ويلتجم بلجامه. فهو لِجام المتَّقين، وجُنَّة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرَّبين، وهو لربِّ العالمين من بين سائر الأعمال، فإنَّ الصَّائم لا يفعل شيئًا، وإنَّما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو تركُ محبوبات النَّفس وملذوذاتها إيثارًا لمحبَّة الله ومرضاته، فهو سرٌّ بين العبد وبين الله لا يطَّلع عليه سواه، والعباد قد يطَّلعون منه على تركه المفطراتِ الظَّاهرة، وأمَّا كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فأمرٌ لا يطَّلع عليه بشرٌ، وذلك حقيقة الصَّوم.
وللصيام تأثيرٌ عجيبٌ في حفظ الجوارح الظَّاهرة والقوى الباطنة، وحِمْيتها عن التَّخليط الجالب لها الموادَّ الفاسدة الَّتي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغِ الموادِّ الرَّديئة المانعة لها من صحَّتها، فالصَّوم يحفظ على القلب والجوارح صحَّتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشَّهوات، فهو من أكبر العونِ على التَّقوى، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الصَّوم جُنَّةٌ».
وأمر من اشتدَّت به شهوة النِّكاح ولا قدرةَ له عليه بالصِّيام، وجعلَه وِجاءَ هذه الشَّهوة.
والمقصود أنَّ مصالح الصَّوم لمَّا كانت مشهودةً بالعقول السَّليمة والفِطَر المستقيمة، شرعه الله لعباده رحمةً بهم، وإحسانًا إليهم، وحميةً لهم وجُنَّةً.
وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أكملَ هديٍ، وأعظمَه تحصيلًا للمقصود، وأسهلَه على النُّفوس.
ولمَّا كان فَطْم النُّفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشقِّ الأمور وأصعبها عليها، أُخِّر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لمَّا توطَّنت النُّفوس على التَّوحيد والصَّلاة، وأَلِفتْ أوامرَ القرآن، فنُقِلتْ إليه بالتَّدريج.
وكان فرضه في السَّنة الثَّانية من الهجرة، فتوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضاناتٍ، وفُرِض أوَّلًا على وجه التَّخيير بينه وبينَ أن يطعمَ كلَّ يومٍ مسكينًا، ثمَّ نُقل عن ذلك التَّخيير إلى تحتُّم الصَّوم، وجُعل الإطعام للشَّيخ الكبير والمرأة إذا لم يطيقا الصِّيام، فإنَّهما يفطران ويطعمان عن كلِّ يومٍ مسكينًا، ورُخِّص للمريض والمسافر أن يفطرا ويقضيا، وللحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما كذلك، وإن خافتا على ولديهما زادتا مع القضاء إطعامَ مسكينٍ لكلِّ يومٍ، فإنَّ فطرهما لم يكن لخوف مرضٍ، وإنَّما كان مع الصِّحَّة، فجُبِر بإطعام المسكين كفطر الصَّحيح في أوَّل الإسلام.
وكان للصَّوم رتبٌ ثلاثٌ:
إحداها: إيجابه بوصف التَّخيير.
والثَّانية: تحتُّمه، لكن كان الصَّائم إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه الطَّعام والشَّراب إلى اللَّيلة القابلة، فنسخ ذلك بالرُّتبة الثَّالثة، وهي الَّتي استقرَّ عليها الشَّرع إلى يوم القيامة.
فصل
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثارُ من أنواع العبادات، وكان جبريل يدارسه القرآنَ في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجودَ بالخير من الرِّيح المرسلة، وكان أجود النَّاس، وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصَّدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصَّلاة والذِّكر والاعتكاف.
وكان يخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخصُّ به غيره من الشُّهور، حتَّى إنَّه كان ليواصل فيه أحيانًا ليوفِّر ساعاتِ ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن الوصال، فيقولون له: فإنَّك تواصل، فيقول: «لستُ كهيئتِكم، إنِّي أبيت ـ وفي روايةٍ: إنِّي أظلُّ ـ عند ربِّي يُطعمني ويَسقيني» ….
[زاد المعاد ط عطاءات العلم 2/ 34]
– قال سعيد بن وهف:
24 – لعظم أجر الصيام جعله الله تعالى من الكفارات على النحو الآتي:
أ- كفارة فدية الأذى
ب- من لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله
ج-كفارة قتل الخطأ
د- كفارة اليمين
هـ – جزاء قتل الصيد في الإحرام؛
وكفارة الظهار
ز- كفارة الجماع في نهار شهر رمضان
فالصيام له فوائد ومنافع وحِكَمٌ عظيمة، منها الفوائد الآتية:
1 – الصوم وسيلة إلى التقوى (3)؛ لأن النفس إذا انقادت للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله، وخوفاً من أليم عقابه، فمن باب أولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً للتقوى؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} (4)؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)) (5).
2 – الصوم وسيلة إلى شكر النعم (1)؛ لأن كفّ النفس عن الأكل، والشرب، وسائر المفطرات من أجلِّ النعم وأعلاها؛ لأن الامتناع عن هذه النعم زماناً معتبراً يُعرِّفُ قدرها؛ لأن النعم مجهولة، فإذا فقدت عُرفت، فيحمل ذلك على القيام بشكر الله تعالى؛ ولهذا إذا أفطر الصائم وجد لذة عظيمة للشراب البارد على الظمأ، وكذلك الطعام، فيحمله ذلك على شكر الله عز وجل، وقد جاءت الإشارة إلى ذلك أثناء الكلام عن الصيام، قال الله تعالى: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} (2).
3 – الصوم يقهر الطبع ويكسر النفس ويحدُّ من الشهوة؛ لأن النفس إذا شبعت رغبت في الشهوات؛ لأن الشّبع والرّيّ ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة (3)،وإذا جاعت امتنعت عما تهوى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)) (4)،يكون الصوم من أسباب الامتناع عن المعاصي (5).
4 – الصوم يجعل القلب يتخلَّى للذكر والفكر؛ لأن تناول الشهوات يوجب الغفلة، ورُبما يقسِّي القلب، ويعمي عن الحق، ويحول بين العبد وبين الذكر والفكر، ويستدعي الغفلة، وخلة البطن من الطعام والشراب ينوّر القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته، ويُخليه للذكر والفكر (1).
5 – الصوم به يعرفُ الغنيُّ قدر نعم الله تعالى عليه وقد حُرمها كثير من الخلق (2).
6 – الصوم سبب في التمرّن على ضبط النفس والسيطرة عليها، حتى يتمكن المسلم من قيادة نفسه لما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة.
7 – الصوم يضبط النفس ويُقلِّل من كبريائها.
8 – الصوم يسبب الرحمة والعطف على المساكين؛ لأن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا حاله في جميع الأوقات أو غالبها، فتسارع إلى قلبه الرقة والرحمة لهؤلاء المساكين، فيحسن إليهم، فيحصل بذلك على الثواب العظيم من الله تعالى (3).
9 – الصوم فيه موافقة للفقراء بتحمل ما يتحملون، فيرفع ذلك شأن الصائم عند الله تعالى (4).
10 – الصوم يُضيِّق مجاري الدم بسبب الجوع (5) والعطش، فتضيق مجاري الشيطان؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فيقهر بذلك الشيطان؛ لحديث: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)) (1).
11 – الصوم يجمع أنواع الصبر؛ فإن فيه: صبراً على طاعة الله: وهي الصيام، وصبراً عن محارم الله: وهي المفطرات، أثناء الصيام، وصبراً على أقدار الله المؤلمة: من الجوع والعطش، فيحصل الصائم على جزاء الصابرين {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب} (2).
12 – الصوم يترتب عليه فوائد صحية تحصل بسبب تقليل الطعام والشراب، وإراحة جهاز الهضم، فيدفع الله تعالى بذلك كثيراً من الأمراض الخطيرة على الإنسان (3).
13 – الصوم عبادة لله تعالى يظهر بها من كان عابداً لمولاه، ومن كان متبعاً لهواه، فيظهر بذلك صدق إيمان العبد ومراقبته لله؛ ولهذا كان كثير من المؤمنين لو ضرب، أو حبس على أن يفطر يوماً بغير عذر لم يفطر، وهذه الحكمة من أبلغ حكم الصيام.
[الصيام في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة ص23]