495 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: عبدالله المشجري و أحمد بن علي، وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري وسلطان الحمادي ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
495 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 260): حدثنا عبد الصمد حدثني أبي حدثنا عبد العزيز يعني ابن صهيب عن أبي غالب عن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصليهما بعد الوتر وهو جالس يقرأ فيهما {إذا زلزلت الأرض} و {قل يا أيها الكافرون}.
هذا حديث حسنٌ.
ــــــــــــــــــــــــــ
*دراسة الحديث رواية:*
*- قال محققو مسند أحمد – ط الرسالة (36) / (584): صحيح لغيره دون تعيين قراءة النبي ? فيهما، فهي محتملة للتحسين، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد من أجل أبي غالب البصري نزيل أصبهان، فقد اختلف فيه، وهو ممن يعتبر به في المتابعات والشواهد.*
*عبد الصمد: هو ابن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري.*
*وأخرجه البيهقي (3) / (33) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، بهذا الإسناد.*
*وأخرجه الطبراني في» الكبير «((8065)) من طريق مسدد وداود بن معاذ المصيصي، كلاهما عن عبد الوارث بن سعيد، به.*
*وأخرجه الطحاوي في» شرح معاني الآثار «(1) / (341) من طريق عبد الرحمن ابن المبارك، عن عبد الوارث بن سعيد، عن أبي غالب، به، فأسقط من إسناده: عبد العزيز بن صهيب.*
*وسيأتي ضمن الحديث رقم ((22313)) من طريق عمارة بن زاذان، عن أبي غالب. وانظر شواهده والتعليق عليه هناك.*
*وقوله:» كان يصليهما” أي: الركعتين.*
*دراسة الحديث دراية*
– بوب عليه مقبل في الجامع:
172 – جواز التنفل بعد الوتر في بعض الأحيان
سورة الزلزلة
*- بوب ابن خزيمة (ت (311)) في صحيحه (2) / (158): بَابُ ذِكْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ ? يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْوِتْرِ*
*- وبوب ابن خزيمة في موضع آخر في صحيحه (2) / (159): بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوِتْرِ مُبَاحَةٌ لِجَمِيعِ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ بَعْدَهُ، وَأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ ? يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْوِتْرِ لَمْ يَكُونَا خَاصَّةً لِلنَّبِيِّ ? دُونَ أُمَّتِهِ، إِذِ النَّبِيُّ ? قَدْ أَمَرَنَا بِالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ، أَمْرَ نَدْبٍ وَفَضِيلَةٍ، لَا أَمْرَ إِيجَابٍ وَفَرِيضَةٍ*
– قال الترمذي:
13 – باب ما جاء لا وِتْران في ليلةٍ
474 – حَدَّثنا هنَّادٌ، قالَ: حَدَّثَنا مُلازمُ بن عمْرو، قالَ: حَدَّثَني عبد الله بن بَدْرٍ، عن قَيْسِ بن طَلْقِ بن علي
عن أبيهِ، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: “لا وِتْرانِ في لَيلةٍ”.
هذا حديث حسن غريب.
واختلفَ أهْلُ العلمِ في الذي يُوتِرُ من أولِ اللَّيلِ، ثم يقومُ من آخرهِ:
فرأَى بعضُ أهْلِ العلمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومن بعدَهم نَقْضَ الوِتْرِ، وقالوا: يُضِيفُ إليها رَكعةً، ويصتَي ما بدا له، ثم يُوْتِر في آخرِ صلاتِهِ، لأنَّهُ “لا وِتْرانِ في لَيْلةٍ”. وهو الذي ذَهَبَ إليه إسْحاقُ.
وقالَ بعضُ أهلِ العِلْمِ من أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إذا أوْتَرَ من أولِ اللَّيلِ ثم نامَ، ثم قامَ من آخرِ اللَّيْلِ فإنه يُصلِّي ما بَدا لَهُ، ولا ينْقُضُ وِترَه، ويَدَعُ وِتْرَه على ما كانَ، وهو قولُ سفيان الثوريَّ، ومالك بن أنسٍ، وابن المُباركِ، وأحمد.
وهذا أصحُّ، لأنه قد رُوِيَ من غَيرِ وَجْهٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد صَلَّى بعد الوِترِ.
[سنن الترمذي 2/ 20]
– قال الطحاوي:
بَابُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْوِتْرِ
1996 – حَدَّثَنَا رَبِيعٌ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: ثنا أَسَدٌ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَفِي وَسَطِهِ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ الْوِتْرُ فِي آخِرِهِ»
1999 – حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدِ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أنا إِسْرَائِيلُ، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: أنا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: ” خَرَجَ عَلَيْنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ، عَنِ الْوِتْرِ؟ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَوْتَرَ وَسَطَهُ ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ الْوِتْرُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ، قَالَ: وَذَاكَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ” وَهَذَا عِنْدَنَا عَلَى قُرْبِ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ حَتَّى يَسْتَوِيَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَمَعْنَى حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ الْوِتْرُ هُوَ السَّحَرُ وَأَنَّهُ لَا يُتَطَوَّعُ بَعْدَهُ، وَأَنَّ مَنْ تَطَوَّعَ بَعْدَهُ فَقَدْ نَقَضَهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وِتْرًا آخَرَ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِتَأْخِيرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْوِتْرَ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مَنْ تَطَوَّعَ بَعْدَ وِتْرٍ فَقَدْ نَقَضَهُ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ
2000 – مَا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: «إِنِّي أُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَإِذَا قُمْتُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ صَلَّيْتُ رَكْعَةً فَمَا شَبَّهْتُهَا إِلَّا بِقَلُوصٍ أَضُمُّهَا إِلَى الْإِبِلِ»
2003 – حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا وَهْبٌ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، رضي الله عنه يَقُولُ: ” الْوِتْرُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: رَجُلٌ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَرَجُلٌ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَاسْتَيْقَظَ فَوَصَلَ إِلَى وِتْرِهِ رَكْعَةً فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ، وَرَجُلٌ أَخَّرَ وِتْرَهُ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ ”
2004 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ خِلَاسٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَمَّارٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تُوتِرُ؟ قَالَ: «أَتَرْضَى بِمَا أَصْنَعُ»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ” أَحْسَبُ قَتَادَةَ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَإِنِّي أُوتِرُ بِلَيْلٍ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أَرْقُدُ فَإِذَا قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ شَفَعْتُ ”
2005 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ: «مَنْ أَوْتَرَ فَبَدَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَشْفَعْ إِلَيْهَا بِأُخْرَى حَتَّى يُوتِرَ بَعْدُ»
2006 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما شَيْءٌ أَفْعَلُهُ بِرَايِي لَا أَرْوِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ مَسْرُوقٌ: وَكَانَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَتَعَجَّبُونَ مِنْ صُنْعِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
2007 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الْحَارِثِ الْغِفَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا، اسْتَفْتَاهُ عَنْ رَجُلٍ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: «يُتِمُّهَا عَشْرًا» وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ. وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا: لَا بَاسَ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نَاقِضًا لِلْوِتْرِ. وَرَوَوْا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ
2008 – مَا حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَابْلُتِّيُّ، قَالَ: ثنا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ قَرَأَ فِيهِمَا، وَهُوَ جَالِسٌ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ» وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي بَابِ الْوِتْرِ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ
2009 – حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: ثنا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: ثنا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ بِ الرَّحْمَنِ، وَالْوَاقِعَةِ»
2010 – حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْوِتْرِ، وَهُوَ جَالِسٌ يَقْرَأُ فِيهِمَا» إِذَا زُلْزِلَتْ «وَ» قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ”
2011 – حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا السَّفَرَ جَهْدٌ وَثِقَلٌ، إِذَا أَوْتَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ، اسْتَيْقَظَ وَإِلَّا كَانَتَا لَهُ»
فَهَذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَطَوَّعَ بَعْدَ الْوِتْرِ بِرَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَاقِضًا لِوِتْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ، فَهَذَا أَوْلَى مِمَّا تَأَوَّلَهُ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى وَادَّعَوْهُ مِنْ مَعْنَى حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ» مَعَ أَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَيْسَ بِهِ خِلَافٌ عِنْدَنَا لِهَذَا، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وِتْرُهُ يَنْتَهِي إِلَى السَّحَرِ ثُمَّ يَتَطَوَّعُ بَعْدَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَيْنِكَ الرَّكْعَتَانِ هُمَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ. قِيلَ لَهُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ جِهَتَيْنِ أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَلِأَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامٍ إِنَّمَا سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهَا جَوَابًا لِسُؤَالِهِ وَإِخْبَارًا مِنْهَا إِيَّاهُ، عَنْ صَلَاتِهِ بِاللَّيْلِ كَيْفَ كَانَتْ. وَالْجِهَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ جَالِسًا، وَهُوَ يُطِيقُ الْقِيَامَ ; لِأَنَّهُ بِذَلِكَ تَارِكٌ لِقِيَامِهَا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَهُوَ يُطِيقُ الْقِيَامَ مَا لَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَهُ أَلْبَتَّةَ، وَيَكُونُ لَهُ تَرْكُهُ، فَهُوَ كَمَا لَهُ تَرْكُهُ بِكَمَالِهِ، يَكُونُ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ فِيهِ. فَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ فَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ فِيهِ.
فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ تَيْنِكَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَطَوَّعَ بِهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْوِتْرِ كَانَتَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَفِي ذَلِكَ مَا وَجَبَ بِهِ قَوْلُ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا بِالتَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ الْوِتْرِ بَاسًا وَلَمْ يَنْقُضُوا بِهِ الْوِتْرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ
2013 – وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَا: أنا أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»
2016 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «مَتَى تُوتِرُ؟» قَالَ: أَوَّلَ اللَّيْلِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ، قَالَ: «أَخَذْتَ بِالْوُثْقَى»، ثُمَّ قَالَ لِعُمَرَ: «مَتَى تُوتِرُ؟» قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ، قَالَ: «أَخَذْتَ بِالْقُوَّةِ»
2017 – حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: ” أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، رضي الله عنهما تَذَاكَرَا الْوِتْرَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي ثُمَّ أَنَامُ عَلَى وِتْرٍ، فَإِذَا اسْتَيْقَظْتُ صَلَّيْتُ شَفْعًا حَتَّى الصَّبَاحَ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَكِنِّي أَنَامُ عَلَى شَفْعٍ، ثُمَّ أُوتِرُ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: «حَذِرَ هَذَا»، وَقَالَ لِعُمَرَ رضي الله عنه: «قَوِيَ هَذَا»
فَدَلَّ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَفْيِ إِعَادَةِ الْوِتْرِ وَوَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: ” أَمَّا أَنَا فَأُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَإِذَا اسْتَيْقَظْتُ صَلَّيْتُ شَفْعًا حَتَّى الصَّبَاحَ وَتَرْكُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّكِيرَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ، وَأَنَّ الْوِتْرَ لَا يَنْقُضُهُ النَّوَافِلُ الَّتِي يُتَنَفَّلُ بِهَا بَعْدَهُ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
2018 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ: «إِذَا أَوْتَرْتَ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَلَا تُوتِرْ آخِرَهُ، وَإِذَا أَوْتَرْتَ آخِرَهُ، فَلَا تُوتِرْ أَوَّلَهُ» قَالَ: وَسَأَلْتُ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، فَقَالَ مِثْلَهُ
2019 – حَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، وَمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُمَا سَمِعَا خِلَاسًا، قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْوِتْرِ، فَقَالَ: «أَمَّا أَنَا فَأُوتِرُ، ثُمَّ أَنَامُ، فَإِنْ قُمْتُ، صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ»
وَهَذَا عِنْدَنَا مَعْنَى حَدِيثِ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا قُمْتُ شَفَعْتُ. فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ يَشْفَعُ بِرَكْعَةٍ كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَفْعَلُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي شَفْعًا شَفْعًا. فَفِي حَدِيثِ شُعْبَةَ مَا قَدْ بُيِّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ: «شَفَعْتُ»، أَيْ صَلَّيْتُ شَفْعًا شَفْعًا، وَلَمْ أَنْقُضِ الْوِتْرَ
2020 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها نَقْضُ الْوِتْرِ، فَقَالَتْ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»
2021 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ حُمْرَانَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: «لَوْ جِئْتُ بِثَلَاثِ أَبْعِرَةٍ فَأَنَخْتُهَا، ثُمَّ جِئْتُ بِبَعِيرَيْنِ فَأَنَخْتُهُمَا، أَلَيْسَ كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ وِتْرًا؟»، قَالَ: وَكَانَ يَضْرِبُهُ مَثَلًا لِنَقْضِ الْوِتْرِ وَهَذَا عِنْدَنَا كَلَامٌ صَحِيحٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا صَلَّيْتَ بَعْدَ الْوِتْرِ مِنَ الْأَشْفَاعِ، فَهُوَ مَعَ الْوِتْرِ الَّذِي أَوْتَرْتَهُ وِتْرًا
2022 – حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أنا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا، حَدَّثَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ؟ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ كَيْفَ أَصْنَعُ أَنَا، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي. قَالَ: «إِذَا صَلَّيْتُ الْعِشَاءَ، صَلَّيْتُ بَعْدَهَا خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ أَنَامُ، فَإِنْ قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ، صَلَّيْتُ مَثْنَى مَثْنَى، وَإِنْ أَصْبَحْتُ، أَصْبَحْتُ عَلَى وِتْرٍ»
فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَعَائِذُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَمَّارٌ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، وَعَائِشَةُ رضي الله عنها، لَا يَرَوْنَ التَّطَوُّعَ بَعْدَ الْوِتْرِ، يَنْقُضُ الْوِتْرَ. فَهَذَا أَوْلَى عِنْدَنَا مِمَّا رُوِيَ عَمَّنْ خَالَفَهُمْ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ. وَالَّذِي رُوِيَ عَنِ الْآخَرِينَ أَيْضًا فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي النَّظَرِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَتَطَوَّعُوا، صَلَّوْا رَكْعَةً، فَيَشْفَعُونَ بِهَا وِتْرًا مُتَقَدِّمًا، قَدْ قَطَعُوا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا شَفَعُوا بِهِ، بِكَلَامٍ، وَعَمَلٍ، وَنَوْمٍ، وَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ أَيْضًا فِي الْإِجْمَاعِ، فَيُعْطَفُ عَلَيْهِ هَذَا الِاخْتِلَافُ. فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَخَالَفَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَنْ ذَكَرْنَا، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا خِلَافُهُ، انْتَفَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزِ الْعَمَلُ بِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي بَيَّنَّا، قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللهُ
[شرح معاني الآثار – ط مصر 1/ 340]
*- قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت (728)) في الفتاوى الكبرى (2) / (243): وَرُوِيَ: أَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ عَقِيبَ السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَهُوَ جَالِسٌ. وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا، فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ مَنْ لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.*
*وَالْعُلَمَاءُ مُتَنَازِعُونَ فِيهَا: هَلْ تُشْرَعُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّهَا لَا تُشْرَعُ بِحَالٍ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا». وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ تَأَوَّلَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَكِنَّ الْأَحَادِيثَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، غَيْرَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ.*
*وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ: أَنْ كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ، فَظَنَّ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ الْمُرَادَ سَجْدَتَانِ مُجَرَّدَتَانِ فَكَانُوا يَسْجُدُونَ بَعْدَ الْوِتْرِ سَجْدَتَيْنِ مُجَرَّدَتَيْنِ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ لَمْ يَسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ وَلَا فَعَلَهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ. وَإِنَّمَا غَرَّهُمْ لَفْظُ السَّجْدَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ الرَّكْعَتَانِ، كَمَا قَالَ «ابْنُ عُمَرَ: حَفِظْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَسَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ»: أَيْ رَكْعَتَيْنِ.*
*وَلَعَلَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا، نِسْبَتُهَا إلَى وِتْرِ اللَّيْلِ: نِسْبَةُ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ إلَى وِتْرِ النَّهَارِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمَغْرِبُ وِتْرُ النَّهَارِ، فَأَوْتِرُوا صَلَاةَ اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ.*
*فَإِذَا كَانَتْ الْمَغْرِبُ وِتْرَ النَّهَارِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَغْرِبُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا لِأَنَّ تِلْكَ الرَّكْعَتَيْنِ هُمَا تَكْمِيلُ الْفَرْضِ وَجَبْرٌ لِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ مِنْ سَهْوٍ وَنَقْصٍ، كَمَا جَاءَتْ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْعَبْدَ لَيَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنْهَا إلَّا نِصْفُهَا، إلَّا ثُلُثُهَا، إلَّا رُبْعُهَا، إلَّا خُمُسُهَا – حَتَّى قَالَ – إلَّا عُشْرُهَا» فَشُرِعَتْ السُّنَنُ جَبْرًا لِنَقْصِ الْفَرَائِضِ. فَالرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَمَّا كَانَتَا جَبْرًا لِلْفَرْضِ لَمْ يُخْرِجْهَا عَنْ كَوْنِهَا وِتْرًا، كَمَا لَوْ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، فَكَذَلِكَ وِتْرُ اللَّيْلِ جَبَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ. وَلِهَذَا كَانَ يُجْبِرُهُ إذَا أَوْتَرَ بِتِسْعٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ لِنَقْصِ عَدَدِهِ عَنْ إحْدَى عَشْرَةَ. فَهُنَا نَقْصُ الْعَدَدِ، نَقْصٌ ظَاهِرٌ.*
*وَإِنْ كَانَ يُصَلِّيهِمَا إذَا أَوْتَرَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ كَانَ هُنَاكَ جَبْرًا لِصِفَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّيهِمَا جَالِسًا. لِأَنَّ وِتْرَ اللَّيْلِ دُونَ وِتْرِ النَّهَارِ، فَيَنْقُصُ عَنْهُ فِي الصِّفَةِ، وَهِيَ مَرْتَبَةٌ بَيْنَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَبَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ الْكَامِلَتَيْنِ، فَيَكُونُ الْجَبْرُ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ، جَبْرٌ لِلسَّهْوِ سَجْدَتَانِ. لَكِنْ ذَاكَ نَقْصٌ فِي قَدْرِ الصَّلَاةِ ظَاهِرٌ، فَهُوَ وَاجِبٌ مُتَّصِلٌ بِالصَّلَاةِ.*
*وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ الْمُسْتَقِلَّتَانِ فَهُمَا جَبْرٌ لِمَعْنَاهَا الْبَاطِلِ، فَلِهَذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً. كَمَا فِي السُّنَنِ: «أَنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ الصَّلَاةُ فَإِنْ أَكْمَلَهَا، وَإِلَّا قِيلَ: اُنْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ» ثُمَّ يُصْنَعُ بِسَائِرِ أَعْمَالِهِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.*
وفي مجموع الفتاوى —أيضا … لابن تيمية
وسئل:
عن صلاة ركعتين بعد الوتر؟
فأجاب:
وأما صلاة الركعتين بعد الوتر: فهذه روى فيها مسلم في صحيحه إلى النبي ? {أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس}». وروي ذلك من حديث أم سلمة في بعض الطرق الصحيحة: «أنه كان يفعل ذلك إذا أوتر بتسع» فإنه كان يوتر بإحدى عشرة ثم كان يوتر بتسع ويصلي بعد الوتر ركعتين. وهو جالس. وأكثر الفقهاء ما سمعوا بهذا الحديث؛ ولهذا ينكرون هذه وأحمد وغيره سمعوا هذا وعرفوا صحته. ورخص أحمد أن تصلى هاتين الركعتين وهو جالس كما فعل ? فمن فعل ذلك لم ينكر عليه لكن ليست واجبة بالاتفاق ولا يذم من تركها ولا تسمى «زحافة» فليس لأحد إلزام الناس بها ولا الإنكار على من فعلها. ولكن الذي ينكر ما يفعله طائفة من سجدتين مجردتين بعد الوتر فإن هذا يفعله طائفة من المنسوبين إلى العلم والعبادة من أصحاب الشافعي وأحمد ومستندهم: {أنه ? كان يصلي بعد الوتر سجدتين} «رواه أبو موسى المديني وغيره. فظنوا أن المراد سجدتان مجردتان وغلطوا. فإن معناه أنه كان يصلي ركعتين. كما جاء مبينا في الأحاديث الصحيحة فإن السجدة يراد بها الركعة كقول ابن عمر: {حفظت من رسول الله ? سجدتين قبل الظهر}» الحديث. والمراد بذلك ركعتان كما جاء مفسرا في الطرق الصحيحة. وكذلك قوله: {من أدرك سجدة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر} ” أراد به ركعة. كما جاء ذلك مفسرا في الرواية المشهورة.
وظن بعض أن المراد بها سجدة مجردة وهو غلط. فإن تعليق الإدراك بسجدة مجردة لم يقل به أحد من العلماء. بل لهم فيما تدرك به الجمعة والجماعة ثلاثة أقوال: أصحها: أنه لا يكون مدركا للجمعة ولا الجماعة إلا بإدراك ركعة لا يكون مدركا للجماعة بتكبيرة. وقد استفاض عن الصحابة أن من أدرك من الجمعة أقل من ركعة صلى أربعا. وفي الصحيح عن النبي ? أنه قال: {من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة}». وعلى هذا إذا أدرك المسافر خلف المقيم ركعة: فهل يتم، أو يقصر؟ فيها قولان. والمقصود هنا: أن لفظ «السجدة» المراد به الركعة فإن الصلاة يعبر عنها بأبعاضها فتسمى قياما وقعودا وركوعا وسجودا وتسبيحا وقرآنا. وأنكر من هذا ما يفعله بعض الناس من أنه يسجد بعد السلام سجدة مفردة فإن هذه بدعة ولم ينقل عن أحد من الأئمة استحباب ذلك. والعبادات مبناها على الشرع والاتباع لا على الهوى والابتداع؛ فإن الإسلام مبني على أصلين: أن لا نعبد إلا الله وحده وأن نعبده بما شرعه على لسان رسوله ? لا نعبده بالأهواء والبدع.
فصل:
وأما الصلاة «الزحافة» وقولهم: من لم يواظب عليها فليس من أهل السنة: ومرادهم الركعتان بعد الوتر جالسا فقد أجمع المسلمون على أن هذه ليست واجبة وإن تركها طول عمره وإن لم يفعلها ولا مرة واحدة في عمره لا يكون بذلك من أهل البدع ولا ممن يستحق الذم والعقاب ولا يهجر ولا يوسم بميسم مذموم أصلا؛ بل لو ترك الرجل ما هو أثبت منها كتطويل قيام الليل كما كان النبي ? يطوله وكقيام إحدى عشرة ركعة. كما كان النبي ? يفعل ذلك ونحو ذلك. لم يكن بذلك خارجا عن السنة ولا مبتدعا ولا مستحقا للذم مع اتفاق المسلمين على أن قيام الليل إحدى عشرة ركعة طويلة. كما كان النبي ? يفعل أفضل من أن يدع ذلك ويصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس. فإن الذي ثبت في صحيح مسلم عن عائشة {أن النبي ? كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة وهو جالس ثم صار يصلي تسعا يجلس عقيب الثامنة والتاسعة ولا يسلم إلا عقيب
التاسعة ثم يصلي بعدها ركعتين وهو جالس ثم صار يوتر بسبع وبخمس فإذا أوتر بخمس لم يجلس إلا عقيب الخامسة ثم يصلي بعدها ركعتين وهو جالس}. وإذا أوتر بسبع: فقد روي أنه لم يكن يجلس إلا عقيب السابعة وروي: أنه كان يجلس عقيب السادسة والسابعة ثم يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس. وهذا الحديث الصحيح دليل على أنه لم يكن يداوم عليها فكيف يقال: إن من لم يداوم عليها فليس من أهل السنة. والعلماء متنازعون فيها: هل تشرع أم لا؟ فقال كثير من العلماء: إنها لا تشرع بحال لقوله ? {اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا}». ومن هؤلاء من تأول الركعتين اللتين روي أنه كان يصليهما بعد الوتر على ركعتي الفجر لكن الأحاديث صحيحة صريحة بأنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس غير ركعتي الفجر. وروي في بعض الألفاظ: أنه كان يصلي سجدتين بعد الوتر فظن بعض الشيوخ أن المراد سجدتان مجردتان فكانوا يسجدون بعد الوتر سجدتين مجردتين وهذه بدعة لم يستحبها أحد من علماء المسلمين بل ولا فعلها أحد من السلف. وإنما غرهم لفظ السجدتين والمراد بالسجدتين الركعتان كما قال {ابن عمر: حفظت عن رسول الله ? سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء
وسجدتين قبل الفجر} «: أي ركعتين. ولعل بعض الناس يقول: هاتان الركعتان اللتان كان النبي ? يصليهما بعد الوتر جالسا نسبتها إلى وتر الليل: نسبة ركعتي المغرب إلى وتر النهار؛ فإن النبي ? قال: {المغرب وتر النهار. فأوتروا صلاة الليل}» رواه أحمد في المسند. فإذا كانت المغرب وتر النهار فقد كان النبي ? يصلي بعد المغرب ركعتين ولم يخرج المغرب بذلك عن أن يكون وترا لأن تلك الركعتين هما تكميل الفرض وجبر لما يحصل منه من سهو ونقص كما جاءت السنن عن النبي ? أنه قال: {إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها حتى قال إلا عشرها} ” فشرعت السنن جبرا لنقص الفرائض. فالركعتان بعد المغرب لما كانتا جبرا للفرض لم يخرجها عن كونها وترا كما لو سجد سجدتي السهو فكذلك وتر الليل جبره النبي ? بركعتين بعده. ولهذا كان يجبره إذا أوتر بتسع أو سبع أو خمس لنقص عدده عن إحدى عشرة. فهنا نقص العدد نقص ظاهر. وإن كان يصليهما إذا أوتر بإحدى عشرة كان هناك جبرا لصفة الصلاة وإن كان يصليهما جالسا؛ لأن وتر الليل دون وتر النهار فينقص عنه في الصفة وهي مرتبة بين سجدتي السهو وبين الركعتين الكاملتين فيكون الجبر على ثلاث درجات جبر للسهو سجدتان لكن ذاك نقص في قدر الصلاة ظاهر فهو واجب متصل بالصلاة. وأما الركعتان المستقلتان فهما جبر لمعناها الباطن فلهذا كانت صلاته تامة. كما في السنن: {إن أول ما يحاسب عليه العبد من عمله الصلاة فإن أكملها وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع} ” ثم يصنع بسائر أعماله كذلك والله أعلم.
*- قال الملا على القاري (ت (1014)) في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3) / (957): (وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ)، أَيْ: فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ أَوْ أَحْيَانًا (يُصَلِّيهِمَا)، أَيْ: الرَّكْعَتَيْنِ، وَفِي نُسْخَةٍ يُصَلِّيهَا، أَيْ: الصَّلَاةَ الْمَعْهُودَةَ، وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ الْمُنْبِئَتَانِ لِجَوَازِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَوَقَعَ فِي أَصْلِ ابْنِ حَجْرٍ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ، وَجَعْلِ التَّثْنِيَةِ نُسْخَةً وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ (بَعْدَ الْوِتْرِ): يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ، ثُمَّ بَعُدَ الِاسْتِيقَاظِ صَلَّى (وَهُوَ جَالِسٌ، يَقْرَأُ فِيهِمَا)، أَيْ: فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَفِي نُسْخَةٍ فِيهَا، أَيْ فِي الصَّلَاةِ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} [الزلزلة: (1)]، أَيْ فِي الْأُولَى و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: (1)]، أَيْ فِي الثَّانِيَةِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ).*
*- سئل الشيخ ابن عثيمين (ت (1421)) في مجموع فتاواه ورسائله (14) / (121): (764) وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: أورد العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتابه زاد المعاد ((2)) في معرض كلامه عن صلاة القيام، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس، هل هذه من السنة التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ *
*فأجاب فضيلته بقوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا يصلي بعد الوتر ركعتين جالسًا، فاختلف العلماء في تخريج هذا، مع قوله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا».*
*فقال بعض العلماء: نأخذ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما فعله فهو خاص به؛ لأننا إذا واجهنا الله عزوجل يوم القيامة وقلنا، إننا نصلي ركعتين بعد الوتر، لأن نبيك ? صلاها سيقول الله عزوجل: ألم يقل لك نبيي: اجعل آخر صلاتك بالليل وترًا؟ ولم يقل صل ركعتين بعد الوتر وأنت جالس؟ فلماذا لم تتبع القول، فقد يكون الفعل خاصًا بالرسول ?، وعلى هذا التقدير ليس هناك إشكال، فهاتان الركعتان ليستا تشريعًا للأمة، بل هما من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.*
*وقال بعض العلماء: إن هاتي الركعتين لا تنافيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» لأن هاتين الركعتين للوتر بمنزلة الراتبة للفريضة، فهما دون الوتر مرتبة، ولهذا كان ? يصليهما جالسًا لا قائمًا، وعلى هذا فلا يكون في الحديث مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا»، وهذا هو الذي ذهب إليه ابن القيم وجماعة من أهل العلم، فاعمل بذلك أحيانًا.*
*قال النوويُّ رحمه الله في شرح مسلم (6) / (21) – (22).: هذا الحديث أخذ بظاهره الأوزاعيّ، وأحمد فيما حكاه القاضي عنهما، فأباحا ركعتين بعد الوتر جالسًا، وقال أحمد: لا أفعله، ولا أمنع من فعله، قال: وأنكره مالك، قلت: الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالسًا؛ لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، وبيان جواز النفل جالسًا، ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرةً، أو مرتين، أو مرات قليلة، ولا تغتر بقولها: «كان يصلي»، فإن المختار الذي عليه الأكثرون، والمحققون من الأصوليين، أن لفظة «كان» لا يلزم منها الدوام، ولا التكرار، وإنما هي فعل ماضٍ يدلّ على وقوعه مرةً، فإن دلّ دليل على التكرار عُمِل به، وإلا فلا تقتضيه بوضعها.*
*وقد قالت عائشة رضي الله عنها: «كنت أطيّب رسول اللَّه ? لحلّه، قبل أن يطوف»، ومعلوم أنه ? لم يحجَّ بعد أن صحبته عائشة رضي الله عنها إلا حجةً واحدةً، وهي حجة الوداع، فاستعمَلَت «كان» في مرة واحدة.*
*ولا يقال: لعلها طيّبته في إحرامه بعمرة؛ لأنَّ المعتمر لا يَحِلّ له الطيب قبل الطواف بالإجماع، فثبت أنها استعملت «كان» في مرة واحدة، كما قاله الأصوليون.*
*وإنما تأولنا حديث الركعتين جالسًا؛ لأنَّ الروايات المشهورة في «الصحيحين» وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها مع روايات خلائق من الصحابة رضي الله عنهم في «الصحيحين» مصرِّحة بأن آخر صلاته ? في الليل كان وترًا، وفي «الصحيحين» أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترًا.*
*منها: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا»، و «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة»، وغير ذلك، فكيف يُظَنّ به ? مع هذه الأحاديث، وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر، ويجعلهما آخر صلاة الليل؟ وإنما معناه ما قدمناه من بيان الجواز، وهذا الجواب هو الصواب.*
*وأما ما أشار إليه القاضي عياض رحمه الله من ترجيح الأحاديث المشهورة، ورَدّ رواية الركعتين جالسًا، فليس بصواب؛ لأنَّ الأحاديث إذا صحت، وأمكن الجمع بينها تَعَيَّن، وقد جمعنا بينها – وللَّه الحمد.*
*قال الشيخ محمد عليه آدم في البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (15) / (490): قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي حقّقه النوويّ رحمه الله: تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، ولا سيّما ردّه على القاضي عياض في ردّه هذا الحديث، إلا أن ترجيحه كون «كان» لا تدلّ على الدوام والتكرار، فيه نظرٌ، بل الأرجح أنها للدوام والتكرار، ولا تخرج عن هذا إلا بقرينة، وهذه الأمثلة التي ذكرها، ومنها حديث الباب مما خرج عن الأصل بسبب القرينة، كما هو واضح، وقد ذكرت هذا الترجيح في «التحفة المرضيّة»، حيث قلت:*
*وَلَفْظُ «كَانَ» لِدَوَامِ الْفِعْلِ مَعْ … تَكْرَارِهِ عَلَى الْقَوِيِّ الْمُتَّبَعْ*
– قال صاحب فتح العلام:
مسألة [1]: من أوتر في أول الليل، ثم قام، فأراد أن يتنفل، فكيف يصنع؟
* في هذه المسألة قولان:
القول الأول: ينقض وتره؛ فيصلي في أول تهجده ركعة، ثم يوتر في آخر صلاته، حكاه ابن المنذر عن عثمان بن عفان، وعلي، وسعد، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وعمرو بن ميمون، وابن سيرين، وإسحاق، وهو قول بعض الشافعية، ورواية عن أحمد، واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا»، والصحابة الذين ذكرهم ابن المنذر كلهم صحَّ عنهم القول بذلك؛ إلا سعدًا ففي إسناده: إبراهيم بن مهاجر، وهو ضعيفٌ.
القول الثاني: لا ينقض وتره، بل يصلي ما شاء شفعًا، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد، وأبي ثور، وعزاه القاضي عياض، ثم الحافظ ابن رجب إلى أكثر أهل العلم، وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق، وسعد، وعمار بن ياسر، وابن عباس، وعائذ بن عمرو، وعائشة، وطاوس، وعلقمة، والنخعي، وأبي عمرو، وأبي مجلز، والأوزاعي، واستُدِلَّ لهذا القول بحديث طلق بن علي الذي في الباب: «لا وتران في ليلة».
والصحابة الذين ذكرهم ابن المنذر قد صحَّ عنهم القول بذلك كما في «الأوسط»، (5/ 196 – )، و «مصنف عبد الرزاق» (3/ 29)، و «مصنف ابن أبي شيبة» (2/ 275)؛ إلا أثر أبي بكر؛ فهو من رواية سعيد بن المسيب عنه، ولم يدركه؛ فهو منقطع، وإلا أثر سعد؛ فإنه من طريق إبراهيم بن مهاجر، وهو ضعيفٌ.
قال أبو عبد الله غفر الله له: القول الثاني هو الصواب؛ لعدم وجود دليل على النقض، وحديث: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا»، محمول على الاستحباب، والأفضلية؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قد صحَّ عنه أنه صلى ركعتين بعد الوتر كما في «صحيح مسلم» وغيره، والله أعلم.
فائدة: هذه المسألة المتقدمة تدل على أنَّ الصحابة كانوا يرون جواز التنفل من الليل بما شاء دون التقييد بعدد معين، وهذا هو قول عامة أهل العلم، وإنْ كُنَّا نختار أن يُكتفى بإحدى عشرة ركعة؛ لأنَّ ذلك هو فعل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، والدليل على مشروعية ما تقدم قوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح، فأوتر بواحدة»، وقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «يَا بَنِي عَبْد مَنَاف، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ، وَصَلَّى، أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ».
وأخرج أبو داود (1277)، بإسناد صحيح عن عمرو بن عبسة، قال: قلت: يا رسول الله، أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: «جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَصَلِّ مَا شِئْتَ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْصِرْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَتَرْتَفِعَ قِيسَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ»، وقوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ».
ونهى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن الصلاة في خمسة أوقات؛ فدلَّ على أنَّ غير هذه الأوقات يصلي العبد فيها ما شاء، وكما أنه يُشرع للعبد التنفل من بعد ارتفاع الشمس إلى الظهر دون التقيد بعدد؛ لحديث عمرو بن عبسة، مع أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يثبت عنه أنه صلَّى في هذا الوقت بأكثر من ثمان؛ فالأمر كذلك في صلاة الليل، والله أعلم.
مسألة [2]: حكم الركعتين بعد الوتر.
أخرج مسلم في «صحيحه» (746) عن عائشة رضي الله عنها، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلَّى من الليل تسع ركعات جلس في الثامنة، ولم يسلم، ثم جلس في التاسعة، وسلم، ثم صلَّى ركعتين وهو قاعدٌ.
وأخرج من وجه آخر (738) (126) عنها: أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يصلي من الليل ثمان ركعات، ويوتر، ثم يصلي ركعتين، وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام فركع.
وأخرج أحمد (5/ 260) بإسناد حسنٍ عن أبي أمامة رضي الله عنه، أنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يصليهما بعد الوتر، وهو جالسٌ، يقرأ فيهما: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة:1]، و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وهو في «الصحيح المسند» (495).
وأخرج الدارقطني (2/ 36)، من حديث ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنَّ هذا السفر جَهدٌ، وثِقَل، فإذا أوتر أحدكم؛ فليصل ركعتين؛ فإن قام من الليل، وإلا كانتا له»، وهو حديث حسنٌ، وهو في «الصحيح المسند» لشيخنا رحمه الله برقم (190).
فمن هذه الأدلة ذهب طائفة من أهل العلم إلى استحباب هاتين الركعتين بعد الوتر منهم: كثير بن ضمرة، وخالد بن معدان، والحسن، وأبو مجلز، وجماعة من الحنابلة.
وبالغ بعضهم فعدَّها من الرواتب، ومن أهل العلم من رخَّصَ فيها، ولم يكرهها، وهو قول الأوزاعي، وأحمد، ومنهم من كرهها، وهو قول مالك، وحُكي عن الشافعي.
قلتُ: الراجح هو الاستحباب؛ للأدلة المتقدمة، وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلاهما، وأفتى بهما. أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 283)، ويُستحب عدم المداومة عليها؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يداوم عليها، بل فعلها أحيانًا، وقال: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا».
[فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط (4) 2/ 648 ط 4]
*- قال الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي (ت (1442)) في البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (15) / (490): (المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في مشروعية الصلاة بعد الوتر:*
*قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: اختَلَفوا في الصلاة بعد الوتر، فكان قيس بن عُبَاد يقول: أقرأ وأنا جالس أحبّ إليّ من أن أصلي بعدما أُوتر. وكان مالك بن أنس لا يعرف الركعتين بعد الوتر. وقال أحمد بن حنبل: أرجو إن فعله إنسان لا يضيّق عليه، وقال أحمد: لا أفعله. انتهى ببعض تصرّف.*
*وقال الإمام محمد بن نصر رضي الله عنه: كَرِهَ أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه الصلاة بعد الوتر، وسئل سعيد بن جُبير عن الصلاة بعد الوتر؟ فقال: لا، حتى ينام نومة، وعن إبراهيم أنه كره الصلاة بعد الوتر مكانه، وعن ميمون بن مهران: إذا أوترتَ فتحوّلْ، ثمَّ صلّ، وفي رواية: إذا أوترت، ثمَّ حوّلت قدميك، فصلّ ما بدا لك، وقيل لأبي العالية: ما تقول في السجدتين بعد الوتر؟ قال: تَنقُضُ وترك، قيل: الحسنُ يأمرنا بذلك، فقال: رحم اللَّه الحسن، قد سمعنا العلم، وتعلّمناه قبل أن يولد الحسن. وكان سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه يوتر، ثمَّ يصلي على إثر الوتر مكانه، وكان الحسن يأمر بسجدتين بعد الوتر، فذُكر ذلك لابن سيرين، فقال: أنتم تفعلون ذاك؟، وقال كثير بن مرّة، وخالد بن معدان: لا تدعهما، وأنت تستطيع -يعني الركعتين بعد الوتر-، وقال عبد اللَّه بن مساحق: كلّ وتر ليس بعده ركعتان، فهو أبتر.
وقال عياض بن عبد اللَّه: رأيت أبا سلمة بن عبد الرحمن أوتر، ثمَّ صلى ركعتين في المسجد أيضًا، وقال الأوزاعيّ: لا نعرف الركعتين بعد الوتر جالسًا، وإنما ركعهما ناس، وقد اجتمعت الأحاديث على صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُصبح على ثلاث عشرة ركعة، ليس فيها هاتان الركعتان، وعن مكحول أنه صلى بعد الوتر في رمضان في المسجد ركعتين، وهو قائم، وقال سعيد، عن الحسن أنه كان يركعهما، وهو جالس، وكان سعيد لا يأخذ بهذا، ولا الأوزاعيّ، ولا مالك، قال الوليد بن مسلم: ذكرتهما لمالك، فلم يَعرفهما، وكرههما، وعن ابن القاسم: سئل مالك عن الذي يوتر في المسجد، ثمَّ يريد أن يتنفّل بعد ذلك؟ قال: نعم، ولكن يتلبّث شيئًا. انتهى.*
*قال الإمام ابن المنذر رحمه الله بعد أن ذكر الاختلاف المذكور ما نصّه: الصلاة في كل وقت جائزة، إلا وقتًا نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه، والأوقات التي نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها وقتُ طلوع الشمس، ووقت الزوال، ووقت غروب الشمس، والصلاة في سائر الأوقات مباح، ليس لأحد أن يمنع فيها إلا بحجة، ولا حجّة مع من كره الصلاة بعد الوتر، فدلّ فعله صلى الله عليه وسلم هذا على أن قوله: «اجعلوا آخر صلاتكم وترًا» على الاختيار، لا على الإيجاب، فنحن نستحبّ أن يجعل المرء آخر صلاته وترًا، ولا نكره الصلاة بعد الوتر، وقائل هذا قائل بالخبرين جميعًا. انتهى كلام ابن المنذر رحمه
*قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر رحمه الله تحقيق حسنٌ جدًّا، فالراجح قول من قال بجواز الصلاة بعد الوتر، لصحة هذا الحديث، وغيره، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.*
———————
———————-
وفي المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود — السبكي، محمود خطاب
(باب في نقض الوتر)
أي في عدم جواز إبطال الوتر الذي صلى أول الليل
(ص) حدثنا مسدد نا ملازم بن عمرو نا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق قال زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان وأمسى عندنا وأفطر ثم قام بنا تلك الليلة وأوتر بنا ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه حتى إذا بقي الوتر قدم رجلا فقال أوتر بأصحابك فإني سمعت رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- يقول «لا وتران في ليلة».
(ش) (قوله زارنا طلق بن علي) يعني أباه وفي رواية النسائي زارنا أبي طلق بن علي ….
وذكر ابن نصر آثارا تدل على أن الوتر لا ينقض فقال سئلت عائشة عن الرجل يوتر ثم يستيقظ فيشفع بركعة ثم يوتر بعد قالت ذاك الذي يلعب بوتره.
وعن أبي هريرة إذا صليت العشاء صليت بعدها خمس ركعات ثم أنام فإن قمت صليت مثنى مثنى وإن أصبحت أصبحت على وتر.
وسئل رافع بن خديج عن الوتر فقال أما أنا فإني أوتر من أول الليل فإن رزقت شيئا من آخره صليت ركعتين ركعتين حتى أصبح.
وعن علقمة إذا أوترت ثم قمت فاشفع حتى تصبح. وعن جعفر قال سألت ميمونا عن الرجل يوتر من آخر الليل وهو يرى أنه قد دنا الصبح فينظر فإذا عليه ليل طويل فأيهما أحب إليك؟ أيجلس حتى يصبح بعد وتره أم يصلي مثنى مثنى فقال لا، بل يصلي مثنى مثنى حتى يصبح.
* حتى إذا تخوف الفجر أوتر بركعة فكره ذلك وقال بل يصلي بقية ليلته شفعا شفعا حتى يصبح وهو على وتره الأول.
وقال مالك من أوتر من أول الليل ثم نام ثم قام فبدا له أن يصلي فليصل مثنى مثنى وهو أحب ما سمعت إلي. وسئل أحمد فيمن أوتر أول الليل ثم قام يصلي قال يصلي ركعتين قيل وليس عليه وتر قال لا. وما ذكره هؤلاء هو الراجح.
قال ابن نصر هو أحب إلي وإن شفع وتره اتباعا للأخبار التي رويناها رأيته جائزا.
————————
وفي مجموع فتاوى ابن باز — ابن باز
كيف يصلي من أوتر أول الليل وقام آخره
س: إذا أوترت أول الليل، ثم قمت في آخره فكيف أصلي؟
ج: إذا أوترت من أول الليل ثم يسر الله لك القيام في آخره، فصل ما يسر الله لك شفعا بدون وتر؛ لقول النبي ?: «لا وتران في ليلة ((2))»، ولما ثبت عن عائشة – رضي الله عنها – «أن النبي ? كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس ((3))» والحكمة في ذلك – والله أعلم – أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر.
————————
أقوال العلماء في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوتر
قال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في (فتح الباري شرح صحيح البخاري) (6/ 260):
(واختلف العلماء في الركعتين بعد الوتر؟
فمنهم من استحبها وأمر بها، ومنهم: كثير بن ضمرة وخالد بن معدان.
وفعلها الحسن جالساً.
وتقدم عن أبي مجلز، أنه كان يفعلها.
ومن أصحابنا من قال: هي من السنن الرواتب.
وفي حديث سعد بن هشام ما يدل على مواظبة النبي (عليهما.
ومن هؤلاء من قال: الركعتان بعد الوتر سنة له، كسنة المغرب بعدها، ولم يخرج بذلك المغرب عن أن يكون وتراً لها.
ومن العلماء من رخص فيهما، ولم يكرههما، هذا قول الأوزاعي وأحمد.
وقال: ارجوا إن فعله أن لا يضيق، ولكن يكون ذلك وهو جالس، كما جاء في الحديث. قيل له: تفعله أنت؟ قالَ: لا.
وقال ابن المنذر: لا يكره ذَلِكَ.
ومن هؤلاء من قال: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أحيانا لبيان الجواز فقط.
وحكي عن طائفة كراهة ذلك، منهم قيس بن عبادة ومالك والشافعي.
فأما مالك، فلم يعرف هاتين الركعتين بعد الوتر -: ذكره عنه ابن المنذر.
وأما الشافعي، فحكي عنه أنه قال: أمر النَّبيّ صلى الله عليه أن نجعل آخر صلاتنا بالليل وتراً، فنحن نتبع أمره، وأما فعله فقد يكون مختصا به.
و أشار البيهقي إلى أن هاتين الركعتين تركهما النبي (بعد فعلهما، وانتهى أمره إلى أن جعل آخر صلاته بالليل وتراً.
وهذا إشارة إلى نسخهما، وفيه نظر.
وإذا كان مذهب الشافعي أنه لا تكره الصلاة بعد الوتر بكل حال، فكيف تكره هاتان الركعتان بخصوصهما، مع ورود الأحاديث الكثيرة الصحيحة بها؟
وقد ذكر بعض الناس: أن النَّبيّ (كانَ يصلي ركعتين بعد وتره جالساً، لما كانَ يوتر من الليل ويجعل الركعتين جالسا كركعة قائمًا، فيكون كالشفع لوتره، حتَّى إذا قام ليصلي من آخر الليل لم يحتج إلى نقضه بعد ذَلِكَ.
وربما استأنسوا لذلك بحديث ثوبان: كنا مع النبي (في سفر، فقال: ((إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ، وإلا كانتا له)).
خرجه ابن حبان في ((صحيحه)).
وهذا القول مردود؛ لوجهين:
أحدهما: أن حديث عائشة يدل – لمن تأمله – على أن هذا كانَ النَّبيّ (يفعله في وتره من آخر الليل، لا من أوله، وكذلك حديث ابن عباس.
وثانيهما: أن صلاته جالساً لم تكن كصلاة غيره من أمته على نصف صلاة القائم.
((صلاة الرجل قاعداً على نصف الصلاة))، وأنت تصلي قاعداً؟ قالَ: ((أجل؛ ولكني لست كأحد منكم)).
و أما حديث ثوبان، خفت أوله بعضهم على أن المراد: إذا أراد أن يوتر فليركع ركعتين.
وكأنه يريد أنه لا يقتصر في وتره في السفر على ركعة واحدة، بل يركع قبلها ركعتين، فيحصل له بهما نصيب من صلاة الليل، فإن لم يستيقظ من آخر الليل كان قد اخذ بحظ من الصلاة، وإن استيقظ صلى ما كتب له، وهذا متوجه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وروي عن النبي (، أنه كان يصلي في السفر صلاته من الليل قبل أن ينام.
ففي ((المسند)) من حديث شرحبيل بن سعد، عن جابر، أنه كان مع النبي (في سفر، فصلى العتمة – وجابر إلى جنبه -، ثم صلى بعدها ثلاث عشرة سجدة.
وشرحبيل، مختلف فيه).
قال الإمام الحافظ النووي في (شرح مسلم) (6/ 21):
(هذا الحديث أخذ بظاهره الأوزاعي وأحمد فيما حكاه القاضي عنهما فأباحا ركعتين بعد الوتر جالسا؛ وقال أحمد: لا أفعله ولا أمنع من فعله. قال وأنكره مالك؛ قلت: الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه و سلم بعد الوتر جالسا لبيان جواز الصلاة بعد الوتر وبيان جواز النفل جالسا ولم يواظب على ذلك بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قليلة ولا تغتر بقولها كان يصلي فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظه كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار وإنما هي فعل ماض يدل على وقوعه مرة فإن دل دليل على التكرار عمل به وإلا فلا تقتضيه بوضعها وقد قالت عائشة رضي الله عنها: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم لحله قبل أن يطوف. ومعلوم أنه صلى الله عليه و سلم لم يحج بعد أن صحبته عائشة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع فاستعملت كان في مرة واحدة ولا يقال لعلها طيبته في إحرامه بعمرة لأن المعتمر لا يحل له الطيب قبل الطواف بالإجماع فثبت أنها استعملت كان في مرة واحدة كما قاله الأصوليون وإنما تأولنا حديث الركعتين جالسا لأن الروايات المشهورة في الصحيحين وغيرهما عن عائشة مع روايات خلائق من الصحابة في الصحيحين مصرحة بأن آخر صلاته صلى الله عليه و سلم في الليل كان وترا وفي الصحيحين أحاديث كثيرة مشهورة بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا منها اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وصلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة وغير ذلك فكيف يظن به صلى الله عليه و سلم مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ويجعلهما آخر صلاة الليل وإنما معناه ما قدمناه من بيان الجواز وهذا الجواب هو الصواب وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد رواية الركعتين جالسا فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين وقد جمعنا بينها ولله الحمد).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد) (1/ 332):
(وقد ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً تارة، وتارة يقرأ فيهما جالساً، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، وفي “صحيح مسلم” عن أبي سَلَمة قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: كان يُصلي ثلاثَ عشرة ركعةً، يُصلي ثمانَ ركعات، ثم يُوتِر، ثم يُصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، ثم يُصلي ركعتين بين النداءِ والإِقامةِ مِن صلاة الصبح وفي “المسند” عن أم سلمة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يُصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس وقال الترمذي: روي نحوُ هذا عن عائشة، وأبي أمامة، وغيرِ واحدٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي “المسند” عن أبي أمامة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يُصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ فيهما ب {إِذَا زُلزِلَت} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.
وروى الدارقطني نحوَه من حديث أنس رضي الله عنه.
وقد أشكل هذا على كثير من الناس، فظنوه معارضاً، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُم بِالْلَّيْلِ وِتْراً”. وأنكر مالك رحمه الله هاتين الركعتين، وقال أحمد: لا أفعله ولا أمنعُ مَنْ فعله، قال: وأنكره مالك وقالت طائفة: إنما فعل هاتين الركعتين، ليبين جوازَ الصلاة بعد الوتر، وأن فعله لا يقطع التنفُّل، وحملوا قولُه: “اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُم بِالْلَّيْلِ وِتْراً ” على الاستحباب، وصلاة الركعتين بعده على الجواز.
والصواب: أن يقال: إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة، وتكميل الوتر، فإن الوترَ عبادة مستقلة، ولا سيما إن قيل بوجوبه، فتجري الركعتان بعده. مجرى سنة المغربِ مِن المغرب، فإنها وِتر النهار، والركعتان بعدها تكميل لها، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل، والله أعلم).
تنبيه: بعضهم حمل حديث (إن هذا السهر جهد …. ) على أن الركعتين قبل الوتر. لكن هذا التأويل هذا قبل في هذه الرواية فاحتمال قبوله في الروايات الأخرى بعيد.
———
شرح حديث (كان رسول الله يصلي من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في صلاة الليل.
حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن حنظلة عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان رسول الله ? يصلي من الليل عشر ركعات، ويوتر بسجدة، ويسجد سجدتي الفجر، فذلك ثلاث عشرة ركعة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي باب في صلاة الليل، يعني: في بيان مقدارها وكيفيتها وأورد فيه عدة أحاديث، وهي أحاديث كثيرة، أولها حديث عائشة أن النبي ? كان يصلي من الليل عشر ركعات، هذا ذكره مجملًا، يعني: لا يدل على أنها متصلة، ولا يدل على أنها منفصلة، لكن جاء في بعض الروايات ما يدل على أنها متصلة، كما جاء في حديث ابن عباس، وهذا محتمل بأن تكون متصلة وبأن تكون منفصلة، ولكن الفصل أولى من الوصل، وقد جاء عنه أنه كان يصلي أربعًا ويصلي أربعًا، ويصلي ثلاثًا، وجاء عنه أنه كان يصلي اثنتين اثنتين اثنتين ويوتر بواحدة.
قوله: [(ويوتر بسجدة)] يعني: بركعة، لأن الركعة يقال لها سجدة.
قوله: [(ويسجد سجدتي الفجر)] يعني: ركعتي الفجر.
قوله: [(فذلك ثلاث عشرة ركعة)] يعني: هذا أحد التفسيرات التي فيها بيان الفرق بين إحدى عشرة وبين ثلاث عشرة، وأن المعروف من عادته الكثيرة التي أكثر من غيرها أنه يصلي إحدى عشرة ركعة، ولكنه قد يزيد وقد ينقص، قد ينقص إلى سبع، ولم ينقص عن سبع ?، ووصل إلى ثلاث عشرة، لكن هذه الثنتان اللتان فوق الإحدى عشر، فمنهم من قال: إنها ركعتا الفجر كما جاء في حديث عائشة هذا.
ومنهم من قال: إن الركعتين هما اللتان كان يصليهما وهو جالس بعد الوتر، وهذا في بعض الأحيان وليس دائمًا، وقيل: إن المقصود بذلك الركعتين اللتين كان يبدأ بهما صلاته، وهي الخفيفة.
وقيل: إن المراد بذلك ركعتا العشاء التي تكون بعد العشاء، وحديث عائشة هذا فيه بيان أن هاتين الركعتين هما ركعتا الفجر، ومعنى هذا: أن هذا لا يختلف مع ما جاء عنها من أنها إحدى عشرة ركعة؛ لأنها بينت أن الوصول إلى ثلاث عشرة ركعة إنما كان بركعتي الفجر.
شرح سنن أبي داود للعباد (163) / (3) —
قال الإمام الحافظ ابن خزيمة رحمه الله تعالى في (صحيحه):
(” باب ذكر الدليل على أن الصلاة بعد الوتر مباحة لجميع من يريد الصلاة بعده، و أن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر لم يكونا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر أمر ندب وفضيلة لا أمر إيجاب وفريضة”.
وقال تلميذه الإمام الحافظ ابن حبان رحمه الله تعالى في (صحيحه):
(ذكر الأمر بركعتين بعد الوتر لمن خاف أن لا يستيقظ للتهجد وهو مسافر).
شبهات والجواب عنها:
أولاً: دعوى أن الركعتين بعد الوتر خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم
ذهب الإمام الشوكاني في (نيل الأوطار) إلى أن هاتين الركعتين خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم!!
قلت: وينقض هذه الدعوى عدة أمور:
أولاً: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بهاتين الركعتين أمر استحباب؛ قال الإمام الحافظ ابن خزيمة في (صحيحه):
” باب ذكر الدليل على أن الصلاة بعد الوتر مباحة لجميع من يريد الصلاة بعده، و أن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر لم يكونا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر أمر ندب وفضيلة لا أمر إيجاب وفريضة”.
ثانياً: ذهب جمهور العلماء على أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للركعتين بعد الوتر دليل على جواز الصلاة بعد الوتر.
ثالثاً: صلاة حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما لها، وكذا صلاة بعض التابعين رحمهم الله لها.
ثانياً: دعوى أنها لا تشرع لقوله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم وترا).
قلت: وينقض هذه الدعوى عدة أمور أيضاً:
أولاً: فهم الجمهور من الحديث التخير، ولم يفهموا منه الوجوب.
قال الإمام ابن المنذر في (الأوسط) (5/ 201):
(وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ فَكَانَ قَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ يَقُولُ: ” أَقْرَأُ وَأَنَا جَالِسٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ بَعْدَمَا أُوتِرُ “، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَعْرِفُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: ” إِنْ شَاءَ رَكْعَةً “، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: ” أَرْجُو إِنْ فَعَلَهُ إِنْسَانٌ لَا يُضَيَّقُ عَلَيْهِ “، وَقَالَ أَحْمَدُ: ” لَا أَفْعَلُهُ “. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّلَاةُ فِي كُلِّ وَقْتٍ جَائِزَةٌ إِلَّا وَقْتًا نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَالْأَوْقَاتُ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَقْتُ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَوَقْتُ الزَّوَالِ، وَوَقْتُ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالصَّلَاةُ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ طَلْقٌ مُبَاحٌ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ فِيهَا إِلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَا حُجَّةَ مَعَ مَنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوِتْرِ، فَدَلَّ فِعْلُهُ هَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ” اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا ” عَلَى الِاخْتِيَارِ لَا عَلَى الْإِيجَابِ، فَنَحْنُ نَسْتَحِبُّ أَنْ يَجْعَلَ الْمَرْءُ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا، وَلَا نَكْرَهُ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوِتْرِ، وَقَائِلُ هَذَا قَائِلٌ بِالْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا).
ثانياً: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للركعتين بعد الوتر يدل أيضاً أن المراد من الحديث التخير.
ثالثاً: صلاة ابن عباس وبعض التابعين لها يدل أيضاً على عدم الوجوب.
قال الإمام الفقيه الألباني رحمه الله تعالى في (الصحيحة) (1994):
(و الحديث استدل به الإمام ابن خزيمة على ” أن الصلاة بعد الوتر مباح لجميع من يريد الصلاة بعده، و أن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر لم يكونا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، إذا النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتبن بعد الوتر أمر ندب و فضيلة، لا أمر إيجاب و فريضة “.
و هذه فائدة هامة، استفدناها من هذا الحديث، و قد كنا من قبل مترددين في التوفيق بين صلاته صلى الله عليه وسلم الركعتين و بين قوله:
” اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا “، و قلنا في التعليق على ” صفة الصلاة ” (ص 123 – السادسة):
” و الأحوط تركهما اتباعا للأمر. و الله أعلم ” و قد تبين لنا الآن من هذا الحديث أن الركعتين بعد الوتر ليستا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، لأمره صلى الله عليه وسلم بهما أمته أمرا عاما، فكأن المقصود بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا، أن لا يهمل الإيتار بركعة، فلا ينافيه صلاة ركعتين بعدهما، كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم و أمره. و الله أعلم).
وقال في (قيام رمضان) (ص 33):
(الركعتان بعده:
19 – وله أن يصلي ركعتين، لثبوتهما عن النبي (فعلاً () بل إنه أمر بهما أمته فقال: (إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم، فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له (().
20 – والسنة أن يقرأ فيهما: (إذا زلزلت الأرض (و: (قل يا أيها الكافرون (()).
قال الحافظ أبو عوانة في (مستخرجه) (2/ 59):
” بيان الإباحة للمصلي بالليل إذا أوتر أن يصلي بعد الوتر ركعتين سوى الركعتين قبل الفجر من رواية عائشة وبيان الخبر المعارض له من أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل آخر صلاته وترا وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي تطوعا قبل الصلاة وبعد في بيته “.
———
تخاريج بعض الآثار:
أخرج ابن أبي شيبة في (المصنف) (2/ 283) فقال:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَأَيْتُهُ يَسْجُدُ بَعْدَ وَتْرِهِ سَجْدَتَيْنِ.
ضعيف؛ لاختلاط سعيد بن أبي عروبة.
المصنف – ابن أبي شيبة – ت الشثري (4) / (471)
والمقصود بالسجدتين هنا ركعتين.
————-
وأخرج ابن أبي شيبة في (المصنف) رقم (6802):
حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ قَامَ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.
منقطع حكمًا، ابن جريج مدلس
المصنف – ابن أبي شيبة – ت الشثري (4) / (475)
———
صلاة بعض التابعين رضي الله عنهم للركعتين بعد الوتر
أخرج ابن أبي شيبة في (المصنف) (2/ 283):
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ؛ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ، إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ.
وأخرج ابن أبي شيبة في (المصنف) (1/ 171):
حَدَّثَنَا جَرِيرٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ عَنِ السِّوَاكِ؟ فَقَالَ: وَمَنْ يُطِيقُ السِّوَاكَ؟ كَانُوا يَسْتَاكُونَ بَعْدَ الْوِتْرِ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ.
اهـ ثقات
العتيق مصنف جامع لفتاوى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (2) / (73) — محمد بن مبارك حكيمي (معاصر)
وأخرجه إسحاق بن راهويه في (مسنده) (5/ 270):
أخبرنا جرير عن المغيرة عن زياد بن كليب أبي معشر عن إبراهيم قال كانوا يستحبون السواك بعد الوتر قبل الركعتين. وقد قال المغيرة عن مولى للحسن عن أبي عبيدة بن عبد الله أنه كان يستاك بعد الوتر قبل الركعتين.
————
قال الألباني:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالركعتين بعد الوتر
عن ثوبان رضي الله عنه قال: ” كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال:” إن هذا السفر جهد و ثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ و إلا كانتا له “.
قال الإمام المحدث الألباني في (الصحيحة) رقم (1993):
(أخرجه الدارمي (1/ 374) و ابن خزيمة في ” صحيحه ” (2/ 159 / 1103) و ابن حبان (683) من طرق عن ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن شريح بن عبيد عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان قال: ” كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: ” فذكره، و ليس عند الدارمي هذه الجملة المصرحة
بأنه صلى الله عليه وسلم قال الحديث في السفر، و لذلك عقب على الحديث بقوله:
” و يقال: ” هذا السفر ” و أنا أقول: السهر “! و بناء عليه وقع الحديث عنده بلفظ: ” هذا السهر “. و يرده أمران:
الأول: ما ذكرته من مناسبة ورود الحديث في السفر.
و الآخر: أن ابن وهب قد تابعه عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح به مناسبة و لفظا. أخرجه الدارقطني (ص 177) و الطبراني في ” الكبير ” (1410).
و عبد الله بن صالح من شيوخ البخاري، فهو حجة عند المتابعة. فدل ذلك كله على أن المحفوظ في الحديث ” السفر ” و ليس ” السهر ” كما قال الدارمي … ).
وفي حديث:
(1456) – المغرب وتر النهار، فأوتروا صلاة الليل.
(صحيح) (طب) عن ابن عمر. (الروض (523))
السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير (1) / (257)