484 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
484) قال الحاكم رحمه الله (ج1 ص430): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني، ثنا بشر بن بكر، ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سليم بن عامر أبي يحيى الكلاعي، قال: حدثني أبو أمامة الباهلي، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا لي: اصعد فقلت: «إني لا أطيقه»، فقالا: إنا سنسهله لك فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت: «ما هذه الأصوات؟» قالوا: هذا عوى أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، قال: قلت: «من هؤلاء؟» قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم.
عامر الكلاعي، حدثني أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائم، إذ أتاني رجلان، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا لي: اصعد. فقلت: إني لا أطيق. فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا هو عواء أهل النار، ثم انطلق بي، فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دما، فقلت: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم، ثم انطلقا بي، فإذا بقوم أشد شيء انتفاخا، وأنتنه ريحا، وأسوئه منظرا، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزواني، ثم انطلق بي، فإذا أنا بنساء تنهش ثديهن الحيات، فقلت: ما بال هؤلاء؟ فقال: هؤلاء اللواتي يمنعن أولادهن ألبانهن، ثم انطلق بي فإذا بغلمان يلعبون بين نهرين، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذراري المؤمنين، ثم شرف لي شرف فإذا أنا بثلاثة نفر يشربون من خمر لهم، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، ثم شرف لي شرف آخر، فإذا أنا بثلاثة نفر، قلت: من هؤلاء؟ قال: إبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم السلام ينتظرونك».
………………………………
أخرجه ابنُ خزيمة ((3) / (237)) رقم: ((1986))، وابنُ حبَّان ((2) / (198)) رقم: ((7491))، والحاكم في «مستدركه» ((1) / (430)، (2) / (209) ـ (210)) رقم: ((1568)، (2837))، والبيهقيُّ ((8006))، مِنْ حديثِ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» ((7) / (1669) ـ (1671)) رقم: ((3951)) وفي «صحيح موارد الظمآن» ((2) / (200)).
*الشرح*:
رُؤيا الأنبياءِ حَقٌّ، وما يَراهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مَنامِهِ يكونُ تعليمًا وإخْبارًا مِنَ اللهِ بأُمورٍ وأحْكامٍ خَفيَّةٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو أُمامةَ الباهليُّ رضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “بيْنا أنا نائِمٌ”، أي: رأيْتُ رُؤيا وأنا نائِمٌ، “أتاني رَجُلانِ”، أي: مَلَكَانِ على هَيْئةِ رَجُليْنِ “فأخَذَا بضَبْعَيَّ” والضَّبْعُ: العضُدُ، والعضُدُ: ما بين المِرْفَقِ والكتِفِ، “فأَتَيا بي جَبَلًا وَعِرًا”، أي: صعْبًا، “فقالا: اصْعَدْ، فقلتُ: إنِّي لا أُطيقُه”، أي: لا أستطيعُ صُعودَه، “فقال: إنَّا سُنسهِّلُه لك، فصَعِدْتُ، حتى إذا كنتُ في سَواءِ الجَبَلِ”، أي: وَسَطِهِ، “إذا بأصْواتٍ شديدةٍ”، أي: سمِعْتُ أصواتًا عاليةً، “قلتُ: ما هذه الأصواتُ؟ قالوا: هذا عُواءُ”، أي: صِياحُ “أهْلِ النارِ، ثم انْطَلَقَ بي، فإذا أنا بقَوْمٍ مُعلَّقينَ بعَراقيبِهم” جمْعُ عُرقُوبٍ، وهو مُؤخَّرُ القَدَمِ، “مُشقَّقةٌ أشْداقُهم” جمْعُ شِدْقٍ وهو جانِبُ الفمِ، “تَسيلُ أشْداقُهم دمًا، قال: قلتُ: مَن هؤلاءِ؟ قال: الذين يُفطِرون قبلَ تَحِلَّةِ صوْمِهم”، أي: يَتعمَّدون الإفْطارَ قبل مَوْعدِه في رَمَضانَ، “فقال: خابتِ اليَهودُ والنَّصارى،- فقال سُلَيْمٌ” وهو ابْن عامِرٍ الكَلاعِيِّ أحدِ رُواةِ هذا الحديثِ: “ما أدْري أسَمِعَه أبو أُمامةَ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمْ شيءٌ من رأْيِه-“، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “ثم انْطَلَقَ بي،”، أي: ذَهَبوا بي “فإذا أنا بقَوْمٍ أشَدَّ شيءٍ انتفاخًا”، أي: مُنْتفِخةً أجسادُهم، “وأنْتَنِهِ ريحًا، وأَسْوَئِهِ منظرًا،”، أي: ومَنْظرُهم مثلُ أقْبحِ منظرٍ تراهُ العَيْنُ، “فقلتُ: مَن هؤلاءِ؟ فقال: هؤلاءِ قتْلَى الكُفارِ” الذين قُتِلوا وهُم كُفارٌ يُحارِبون الحقَّ، “ثم انْطَلَقَ بي، فإذا أنا بقَوْمٍ أشدَّ شيءٍ انتفاخًا، وأنْتَنِهِ ريحًا، كأنَّ رِيحَهم المراحيضُ” جمْعُ المِرْحاضِ وهو مَوضِعُ غُسالةِ النَّجاساتِ، “قلتُ: مَن هؤلاءِ؟ قال: هؤلاءِ الزانون
والزَّواني” الذين يَاتون ويَرْتَكِبون فاحِشَةَ الزِّنا المُحرَّمةَ “ثم انْطَلَقَ بي، فإذا أنا بنِساءٍ تَنْهَشُ ثُدِيَّهُنَّ الحياتُ”، أي: تَلْسَعُ تَلْدَغُها بالسُّمِّ، “قلتُ: ما بالُ هؤلاءِ؟ قيل: هؤلاءِ يَمْنَعْنَ أوْلادَهُنَّ ألْبانَهُنَّ”، أي: لا يُرضِعْنَ أوْلادَهُنَّ بغيرِ عُذرٍ يَمْنَعْهُنَّ، وفيه: بيانُ خُطورَةِ امْتِناعِ الأُمَّهاتِ عن إرْضاعِ أوْلادِهِنَّ الرَّضاعةَ الطبيعيَّةَ، والزجرُ عنه إذا تَضرَّرَ الطفلُ بذلك، أو لم يَكُنْ له مُرضِعٌ، أو اكتفَى بالحليبِ الصِّناعيِّ دون أن يَتضرَّرَ به. “ثم انْطَلَقَ بي، فإذا أنا بغِلْمانٍ”، أي: أطفالٍ صِغارٍ “يَلْعَبون بين نَهْريْنِ، قلتُ: مَن هؤلاءِ؟ قيل: هؤلاءِ ذَراريُّ المؤمنين”، أي: أطفالُ المسلمين الذين ماتوا صِغارًا “ثم شَرَفَ بي شَرَفًا”، أي: علا وارْتَفَعَ بي مَكانًا عاليًا “فإذا أنا بثلاثةٍ يَشْرَبون من خَمْرٍ لهم، قلتُ: مَن هؤلاءِ؟ قال: هؤلاءِ جَعْفَرٌ” وهو ابْنُ أبي طالبٍ “وزَيْدٌ” وهو ابْنُ حارِثةَ حِبُّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم “وابْنُ رَواحةَ” وهو عبدُ اللهِ بْنُ رواحَةَ، وهؤلاءِ الثلاثةُ قادةُ غَزْوةِ مُؤْتَةَ الذين استُشْهِدوا بها، “ثم شَرَفَ بي شَرَفًا آخَرَ، فإذا أنا بنَفَرٍ ثلاثةٍ. قلتُ: مَن هؤلاءِ؟ قال: هذا إبْراهيمُ، وموسى، وعيسى، وهُمْ ينْتَظِرونَكَ” وهؤلاءِ ثلاثةٌ مِنَ الأنبياءِ من أُولي العَزْمِ.
وفي الحديثِ: بيانُ خُطورةِ تعمُّدِ إفْطارِ الصائِمِ قبلَ الغُروبِ.
وفيه: بيانُ خُطورَةِ امْتِناعِ الأُمَّهاتِ عن إرْضاعِ أوْلادِهِنَّ.
وفيه: مَنْقبةٌ للصَّحابةِ الثلاثِ المذكورينَ بالحديثِ.
وفيه: الإخبارُ عن حالِ بَعضِ عُصاةِ المُؤمنِينَ الذين استحقُّوا العذابَ.
هذا الحديث دليل على عظم ذنب من أفطر في نهار رمضان عمداً من غير عذر، فقد أطلع الله تعالى نبيه ?على عذاب المفطرين قبل وقت إفطارهم، فرآهم في أقبح صورة وأبشع هيئة، رآهم معلقين بعراقيبهم كما يُعلق الجزار ذبيحته، الأرجل إلى أعلى والرأس إلى أسفل، وقد شقت أشداقهم، والدم يسيل منها.
إنه لون من ألوان العذاب والنكال فهل يعتبر به من انتهك حرمة رمضان وهدم الركن الرابع من أركان الإسلام.
إن الفطر في رمضان من غير عذر كبيرة من كبائر الذنوب، يقول الذهبي رحمه الله في كتابة الكبائر: “الكبيرة العاشرة: إفطار رمضان بلا عذر ولا رخصة.” الكبائر ص62 وقد عد ابن القيم الإفطار في نهار رمضان من الكبائر. انظر أعلام الموقعين (4/ 401)
وإذا ثبت إفطار شخص في رمضان بلا عذر، وجب على ولي الأمر إذا بلغه ذلك أن يعزره ويؤدبه بما يردعه ويردع أمثاله، لأنه اقترف معصية لا حدَّ فيه ولا كفارة، فثبت فيها التعزير، وعلى كل مسلم عرف ذلك أن ينهاه عن هذا المنكر العظيم، ويعظه بما يردعه، ويخوفه عقاب الله تعالى.
قال الذهبي في كتابه الكبائر ص64: “وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم شهر رمضان بلا مرض ولا غرض أنه شر من الزاني والمكَّاس، ومدمن الخمر، بل يشكُّون في إسلامه، ويظنون به الزندقة والانحلال .. ”
وقال القفال: “ومن أفطر في رمضان بغير جماع من غير عذر، وجب عليه القضاء وإمساك بقية نهاره، ولا كفارة عليه، وعزره السلطان، وبه قال أحمد وداوود .. ” حلية العلماء (3/ 198)
فعلى من اقترف هذه المعصية العظيمة أن يتوب إلى الله تعالى، ويصوم ويخشى عقاب الله، فإن الإفطار في رمضان دليل على فساد القلب، وقبح السريرة، والاستهانة بالشرع.
هل يجب القضاء على من أفطر في رمضان من غير عذر؟
من أهل العلم من قال لا قضاء عليه، بل عليه أن يتوب، وأن يحافظ على شرائع الدين، ويكثر من الأعمال الصالحة، لأن جريمته أكبر من أن يجبرها القضاء، والله تعالى إنما يقبل الصيام في غير الشهر من المعذور، كالمسافر والمريض، وأما المتعمد فلا. جاء في الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية: “ولا يقضي متعمد بلا عذر صوماً ولا صلاة ولا تصح منه.” وهذا القول مروي عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهم.
ومنهم من قال عليه القضاء؛ لأن الله تعالى أوجب القضاء على المريض والمسافر مع وجود العذر، فلأن يجب مع عدم العذر أولى. وهذا قول سعيد بن المسيب والشعبي وابن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان. والله أعلم.
المرجع
أحاديث الصيام للفوازان ص (55).
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
” الواجب على المرأة أن تحافظ على إرضاع أولادها وأسباب صحتهم، وليس لها الاكتفاء بالحليب المستورد أو غيره إلا برضى زوجها بعد التشاور في ذلك، وعدم وجود ضرر على الأولاد ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (21/ 7).