553 – فتح الملك بنفحات المسك شرح صحيح البخاري.
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري وسلطان الحمادي ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة.
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
15 – بَابُ مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ.
(553) – حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ: «كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ? قَالَ: مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ».
————————–
فوائد الباب:
1 – قوله: (باب من ترك العصر) وقال النسائي: “باب من ترك صلاة العصر”.
2 – قال (بعضهم): “كان ينبغي أن يذكر – أي البخاري- حديث الباب في الباب الذي قبله ولا يحتاج إلى هذه الترجمة وتعقب بأن الترك أصرح بإرادة التعمد من الفوات”. قاله الحافظ ابن حجر في الفتح.
3 – حديث بريدة -رضي الله عنه-. أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه.
4 – قوله: (بكروا) أي: قدموها في أول وقتها، والتبكير: التقديم في أول الوقت، وإن لم يكن أول النهار. قاله الإمام البغوي في شرح السنة.
5 – قوله: (من ترك صلاة العصر) زاد عبد الرزاق في المصنف 5005 من طريق معمر: “متعمدا”.
6 – “قال المهلب: معناه من تركها مضيعا لها، متهاونا بفضل وقتها مع قدرته على أدائها”. نقله ابن بطال في شرح صحيح البخاري.
7 – قوله: (بكروا) يعني: احتاطوا فعندما يدخل الوقت بادروا بها، وهذا في الغيم، وهذا عند عدم وجود الساعات. قاله الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى-.
8 – قوله: (فقد حبط عمله) وعند عبد الرزاق في المصنف 5005: “أحبط الله عمله”.
9 – قوله: (حبط): يقال: حبط عمله: إذا بطل. قاله ابن الأثير في جامع الأصول.
10 – قال البغوي في شرح السنة: “خصها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتغليظ”.
11 – وترجم عليه البخاري أيضا فقال: “باب التبكير بالصلاة في يوم غيم”. وهذا يشير إلى أنه يقول به ولو لم يكن مرفوعا، وجمع بينهما ابن خزيمة في صحيحه فقال: “باب الأمر بتبكير صلاة العصر في يوم الغيم، والتغليظ في ترك صلاة العصر”.
12 – وقال ابن حبان في صحيحه: “ذكر الزجر عن ترك المرء صلاة العصر وهو عامد له”.
13 – باب كراهية تأخير العصر. قاله البيهقي في السنن الكبرى.
14 – وترجم عليه البغوي فقال: “باب وعيد من أخر العصر إلى اصفرار الشمس، ووعيد من فاتته”.
15 – فيه فضل صلاة العصر.
16 – “الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط ولهذا أمر بالمبادرة إليها، وفهمه أولى من فهم غيره”. قاله الحافظ ابن حجر في الفتح.
17 – فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أن الناس في الغزو والطاعة فلم يشعر الصحابي بالتعارض.
18 – لجأ البخاري في تبويبه إلى الترهيب من تفويت وترك صلاة العصر حتى يخرج وقتها ثم في الباب الذي يليه لجأ إلى الترغيب في أدائها والتنويه بفضلها.
19 – عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ حَبِطَ عَمَلُهُ». أخرجه الروياني في مسنده 19 نا الْأَسْفَاطِيُّ، نا شُعَيْبُ بْنُ بَيَانٍ، نا عِمْرَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَة به.
“غَرِيب من حَدِيث قَتَادَة عَنهُ، تفرد بِهِ أَبُو الْعَوام عمرَان الْقطَّان عَنهُ”. كما في أطراف الغرائب والأفراد 1474.
20 – وأخرجه ابن ماجه 694 وابن المنذر في الأوسط 2/ 366 وابن حبان في صحيحه 1470 من طريق الْأَوْزَاعِيّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي غَزْوَةٍ، فَقَالَ: “بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي الْيَوْمِ الْغَيْمِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ”. قال ابن حبان: “قال الشيخ: وهم من الأوزاعي في صحيفته عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة؛ فقال: عن أبي المهاجر وإنما هو أبو المهلب عم أبي قلابة واسمه عمر بن معاوية بن زيد الجرمي”. انتهى.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه 1463 من طريق محمد بن حمير حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن عمه عن بريدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “بكروا بالصلاة في يوم الغيم؛ فإنه من ترك الصلاة فقد كفر”.
21 – “قال الإمام أحمد في رواية مهنا: هو خطأ من الأوزاعي، والصحيح حديث هشام الدستوائي. وذكر – أيضا – أن أبا المهاجر لا أصل له، إنما هو أبو المهلب عم أبي قلابة، كان الأوزاعي يسميه أبا المهاجر خطأ، وذكره في هذا الإسناد من أصله خطأ، فإنه ليس من روايته، إنما هو من رواية أبي المليح، وكذا قاله الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله”. نقله الحافظ ابن رجب في الفتح.
قلت: وألمح ابن عدي في الكامل في أثناء ترجمة رواد بن الجراح 684 إلى ترجيح طريق واحدة من هذه الطرق، فقال: “وقد قال فيه واحد أو اثنان، عن أبي قلابة، عن أبي المليح عن بريدة”. انتهى، “الذي أمر بالتبكير بصلاة العصر هو بريدة، وهو الصحيح”. قاله الحافظ ابن رجب في الفتح.
22 – عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عَجِّلُوا صَلَاةَ الْعَصْرِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ». أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة 312 قال حَدَّثَنَا حَسَنٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْع به وترجم عليه أبو نعيم: “إذا كان الغيم كيف يصنع”. وأخرجه أبو داود في المراسيل 13 وابن أبي شيبة في المصنف 6346 من طريق وكيع: أحسبها عن الحسن بن صالح ولفظه: “عجلوا صلاة النهار في يوم غيم، وأخروا المغرب»، والحديث أورده الألباني في الضعيفة 3856 وعزاه الحافظ ابن حجر في الفتح لسعيد بن منصور وقال: “إسناده قوي مع إرساله”.
23 – عن الحسن، قال: كان يعجبه في يوم الغيم أن يؤخر الظهر، ويعجل العصر. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 6351 قال حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الحسن به.
24 – قال ابن رجب: “قد سبق القول مبسوطا في حبوط العمل بترك بعض الفرائض وارتكاب بعض المحارم في “كتاب الايمان”، وبينا أن أكثر السلف والأمة على القول بذلك، وإمرار الاحاديث الواردة فيه على ما جاءت من غير تعسف في تأويلاتها، وبينا أن العمل إذا أطلق لم يدخل فيه الايمان وإنما يراد به أعمال الجوارح، وبهذا فارق قول السلف قول الخوارج؛ فإنهم أحبطوا بالكبيرة الإيمان [والعمل]، وخلدوا بها في النار، وهذا قول باطل.
وأماالمتأخرون فلم يوافقوا السلف على ما قالوه، فاضطربوا في تأويل هذا الحديث وما أشبهه، وأتوا بأنواع من التكلف والتعسف.
فمنهم من قال: ترك صلاة العصر يحبط عمل ذلك اليوم.
ومنهم من قال: إنما يحبط العمل الذي هو تلك الصلاة التي تركها فيفوته أجرها، وهذا هو الذي ذكره ابن عبد البر. وهو من أضعف الاقوال، وليس في الإخبار به فائدة.
ومنهم من حمل هذا الحديث على أن من ترك صلاة واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فإنه يصير بذلك كافراً مرتداً، كما يقول ذلك من يقوله ممن يرى أن ترك الصلاة كفر.
وهذا يسقط فائدة تخصيص العصر بالذكر، فإن سائر الصلوات عنده كذلك.
وقد روي تقييد تركها بالتعمد:
فروى عباد بن راشد، عن الحسن وأبي قلابة؛ أنهما كانا جالسين، فقال أبو قلابة: قال أبو الدرداء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من ترك صلاة العصر متعمداً حتى تفوته فقد حبط عمله”. خرجه الإمام أحمد.
وأبو قلابة لم يسمع من أبي الدرداء.
ورواه أبان بن أبي عياش – وهو متروك -، عن أبي قلابة، عن أم الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى راشد أبو محمد، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: “لا تترك صلاةً مكتوبةً متعمداً، فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة”. خرجه ابن ماجه.
وخرجه البزار، ولفظه: “فقد كفر”.
وهذا مما استدل به على كفر تارك الصلاة المكتوبة متعمداً؛ فإنه لم يفرق بين صلاةٍ وصلاة … فأسانيد هذا الحديث كلها غير قوية.
وأما حديث بريدة، فصحيح … انتهى
ثم طول -رحمه الله- في بيان هل الاحتياط في الغيم للعصر خاصة. وما هو الحكم إذا أشكل عليه غيرها من الصلوات.
[فتح الباري لابن رجب 4/ 307].
25 – قال الإتيوبي في فوائده:
المسألة الخامسة: أنه استدل بهذا الحديث من يقول بتكفير أهل المعاصي من الخوارج وغيرهم، وقالوا: هو نظير قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5].
وقال ابن عبد البر: مفهوم الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله، فيتعارض مفهومها ومنطوق الحديث، فيتعين تأويل الحديث، لأن الجمع إذا أمكن كان أولى من الترجيح.
وتمسك بظاهر هذا الحديث أيضًا القائلون بأن تارك الصلاة يكفر، وقد تقدم الجواب عنهم في الحديث (463) وأيضًا فلو كان على ما ذهبوا إليه لما اختصت العصر بذلك.
وأما الجمهور فتأولوا الحديث، فافترقوا في تأويله فِرَقًا:
فمنهم: من أوَّلَ سبب الترك. ومنهم: من أوّل الحَبَطَ. ومنهم: من أوّل العمل، فقيل: المراد: من تركها جاحدًا لوجوبها، أو معترفًا، لكن مستَخِفًا مستهزئًا بمن أقامها …..
قال الحافظ: وأقرب هذه التأويلات قول من قال: إن ذلك خَرَج مَخْرَجَ الزجر الشديد، وظاهره غير مُراد. والله أعلم. اهـ. “فتح الباري” جـ 2 ص 40.
وقال السندي -رحمه الله-: قيل: أريد به تعظيم المعصية، لا حقيقة اللفظ، ويكون من مجاز التشبيه، قال: وهذا مبني على أن العمل لا يحبط إلا بالكفر، لكن ظاهر قوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآية يفيد أنه يحبط ببعض المعاصي أيضًا، فيمكن أن يكون ترك العصر عمدًا من جملة تلك المعاصي. اهـ.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن حمل حبط العمل بترك صلاة العصر على ظاهره هو الأولى، لعدم ما يمنع منه، ولا يلزم منه أن يكون تركها محبطا لجميع أعماله كإحباط الكفر. إلا إذا اقترن معه الجحد لوجوبها.
وحاصله أنه إحباط دون إحباط الكفر، فيصدق أن يحبط بعض أعماله من صحائفه بسبب تركها، كما أن الارتداد عن الإسلام يحبط جميعها. والله أعلم.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 6/ 300]
26 – في كتاب «الجامع» ((2) / (546) – (547)) للخلاّل، عن إِبراهيم بن سعد الزّهري، قال: سألتُ ابن شهابٍ عن الرجل يترك الصلاة؟ قال: «إِنْ كان إِنّما يتركها أنه يبتغي دينًا غير الإِسلام قُتل، وإِنْ كان إِنّما هو فاسق من الفُسّاق، ضُرب ضربًا شديدًا أو سُجن».
– قال الإِمام ابن المنذر في كتاب «الإِجماع» (ص (148)) في مسألة تارك الصلاة: «لم أجِدْ فيها إِجماعًا» ((1)) أي: على كُفره.
27 – نَقَلَ الحافظ محمد بن نصر المقدسيّ عن ابن المبارك قولَه في تكفير تارك الصلاة -في كتابه «تعظيم قدر الصلاة» ((2) / (998)) -، ثمَّ قال: «فقيل لابن المبارك: أيتوارثان إِنْ مات؟! أو إِن طَلَّقها يقع طلاقُهُ عليها؟ فقال: أمّا في القياس؛ فلا طلاق ولا ميراث، ولكنْ أَجْبُنُ».
28 – قال الإِمام ابن القيّم في «كتاب الصلاة» (ص (55)): «وها هنا أصل آخر، وهو أنّ الكفر نوعان: كُفر عمل، وكُفر جحود وعناد. فكُفر الجحود: أن يكفر بما علم أنّ الرسول جاء به من عند الله جُحودًا وعنادًا من أسماء الربّ وصفاته وأفعاله وأحكامه، وهذا الكفر يضادُّ الإِيمان من كل وجه، وأما كُفر العمل، فينقسم إِلى ما يضادّ الإِيمان، وإِلى ما لا يضاده، فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف، وقتل النّبيّ وسّبه يضادّ الإِيمان.
وأمّا الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة، فهو من الكفر العملي قطعًا، ولا يمكن أن يُنفى عنه اسم الكفر؛ بعد أنْ أطلقه الله ورسوله عليه، فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله ?، ولكنْ هو كفر عمل لا كفر اعتقاد، ومن الممتنع أن يُسمّي الله -سبحانه- الحاكم بغير ما أنزل الله كافرًا، ويُسمّي رسول الله ? تارك الصلاة كافرًا، ولا يُطلِق عليهما اسم الكفر، وقد نفى رسول الله ? الإِيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر، وعمّن لا يأمن جاره بوائقه، وإِذا نفي عنه اسم الإِيمان، فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كُفر الجحود والاعتقاد، وكذلك قوله: “لا ترْجِعوا بعدي كُفّارًا يضربُ بعضكم رقاب بعض” فهذا كُفر عمل». انتهى
ولا يخفى ما يقوله ابن القيّم -فيما يظهر من كلامه- تبعًا لشيخ الإِسلام -رحمهما الله تعالى- أنه يُعلّق الكفر على تحقُّق الترك، والإِصرار عليه؛ باعتبارهما قرينة على عدم الإِقرار بالوجوب. وسيأتي نقل كلاميهما.
29 – قال الإِمام الشنقيطي -رحمه الله تعالى- في» أضواء البيان «((4) / (347)) -بعد نقاشٍ طويلٍ في المسألة، وسَرْدٍ مستوعب لأدلة المكفِّرين، وغيرهم-: “هذا هو حاصل كلام العلماء وأدلتهم في مسألة ترك الصلاة عمدًا؛ مع الاعتراف بوجوبها. وأظهر الأقوال أدلة عندي: قول من قال إِنه كافر، وأجرى الأقوال على مقتضى الصناعة الأصولية وعلوم الحديث قول الجمهور: إِنه كُفر غير مخرج عن الملة لوجوب الجمع بين الأدلة إِذا أمكن.
وإِذا حمل الكفر والشرك المذكوران في الأحاديث على الكفر الذي لا يخرج من الملة؛ حصل بذلك الجمع بين الأدلة والجمع واجب إِذا أمكن؛ لأن إِعمال الدليلين أولى من إِلغاء أحدهما؛ كما هو معلوم في الأصول وعلم الحديث.
وقال النووي في «شرح المهذب» -بعد أن ساق أدلة من قالوا إِنه غير كافر ما نصه-: «ولم يزل المسلمون يورّثون تارك الصلاة ويوَرِّثون عنه، ولو كان كافرًا لم يغفر له ولم يرث ولم يورث».
30 – قال الإِمام ابن عبد البّر في» التمهيد «((4) / (236)) مُلزِمًا مكفّري تارك الصلاة -لمجرّد العمل-: “ويلزم من كَفَّرهم بتلك الآثار وقبلها على ظاهرها فيهم: أن يكفِّر القاتل، والشاتم للمسلم، وأن يكفِّر الزاني، وشارب الخمر، والسارق، والمنتهب، ومن رغب عن نسب أبيه.
فقد صح عنه ? أنّه قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر».
31 – قال الإِمام عبد الحقِّ الإِشبيلي في كتابه» الصلاة والتهجّد «(ص (96)):» … وذهب سائر المسلمين من أهل السنّة -المحدثين وغيرهم- إِلى أن تارك الصلاة متعمدًا، لا يكفر بتركها، وأنه أتى كبيرة من الكبائر إِذ كان مؤمنًا بها، مُقرًّا بفرضها، وتأولوا قول النّبيّ ?، وقول عمر، وقول غيره ممن قال بتكفيره، كما تأولوا قوله ?: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»، وغير ذلك مما تأوّلوه، ومن قال بقتل تارك الصلاة من هؤلاء، فإِنما قال: يقتل حدًّا، ولا يقتل كفرًا، وإِلى هذا ذهب مالك والشافعي وغيرهما.
32 – ويقول الحافظ العراقي في «طرح التثريب» ((2) / (149)): «وذهب جمهور أهل العلم إِلى أنه لا يكفر بترك الصلاة -إِذا كان غير جاحد لوجوبها-، وهو قول بقية الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي، وهي رواية عن أحمد بن حنبل -أيضًا-».
33 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “فأما من لا يصلي قط في طول عمره ولا يعزم على الصلاة، ومات على غير توبة أو ختم له بذلك، فهذا كافر قطعا. انتهى. وقال أيضا -رحمه الله-: “فأما من كان مصرا على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلما، لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها وهؤلاء تحت الوعيد”. انتهى.
34 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية -أيضا-: “فَمَنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى تَرْكِهَا حَتَّى يَمُوتَ لَا يَسْجُدُ لله سَجْدَةً قَطُّ، فَهَذَا لَا يَكُونُ قَطُّ مُسْلِمًا مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا، فَإِنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ، وَاعْتِقَادَ أَنَّ تَارِكَهَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ هَذَا دَاعٍ تَامٌّ إلَى فِعْلِهَا، وَالدَّاعِي مَعَ الْقُدْرَةِ يُوجِبُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ، فَإِذَا كَانَ قَادِرًا وَلَمْ يَفْعَلْ قَطُّ عُلِمَ أَنَّ الدَّاعِيَ فِي حَقِّهِ لَمْ يُوجَدْ، وَالِاعْتِقَادُ التَّامُّ لِعِقَابِ التَّارِكِ بَاعِثٌ عَلَى الْفِعْلِ، لَكِنَّ هَذَا قَدْ يُعَارِضُهُ أَحْيَانًا أُمُورٌ تُوجِبُ تَاخِيرَهَا وَتَرْكَ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا، وَتَفْوِيتِهَا أَحْيَانًا.
فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى تَرْكِهَا لَا يُصَلِّي قَطُّ، وَيَمُوتُ عَلَى هَذَا الْإِصْرَارِ وَالتَّرْكِ فَهَذَا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا؛ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُصَلُّونَ تَارَةً، وَيَتْرُكُونَهَا تَارَةً، فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا، وَهَؤُلَاءِ تَحْتَ الْوَعِيدِ، وَهُمْ الَّذِينَ جَاءَ فِيهِمْ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي السُّنَنِ: حَدِيثُ عبادة عَنْ النَّبِيِّ ? أَنَّهُ قَالَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يُحَافَظْ عَلَيْهِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ».
فَالْمُحَافِظُ عَلَيْهَا الَّذِي يُصَلِّيهَا فِي مَوَاقِيتِهَا، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ – تَعَالَى – وَالَّذِي يُؤَخِّرُهَا أَحْيَانًا عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يَتْرُكُ وَاجِبَاتِهَا، فَهَذَا تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ – تَعَالَى – وَقَدْ يَكُونُ لِهَذَا نَوَافِلُ يُكَمِّلُ بِهَا فَرَائِضَهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ”.
[المسائل والأجوبة لابن تيمية (1) / (170)].
35 – قال ابن القيم بعد أن ذكر اصولا لا بد من معرفتها:
فصل: وها هنا أصل آخر، وهو أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد
أن يسمى مؤمنًا وإن كان ما قام به إيمانًا، ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن
يسمى كافرًا وإن كان ما قام به كفرًا، …. يبقى أن يقال: فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النار؟ فيقال: ينفعه إن لم يكن المتروك شرطًا في صحة الباقي واعتباره، وإن
كان المتروك شرطًا في اعتبار الباقي لم ينفعه. ولهذا لم ينفع الإيمان بالله ووحدانيته وأنه لا إله إلا هو مَن أنكر رسالة محمد ?، ولا تنفع
الصلاة من صلاها عمدًا بغير وضوء، فشعب الإيمان قد يتعلق بعضها ببعض تعلق المشروط بشرطه، وقد لا يكون كذلك.
فيبقى النظر في الصلاة؛ هل هي شرط لصحة الإيمان؟ هذا سر المسألة، والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يُقْبَلُ من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة فهي مفتاح ديوانه، ورأس مال ربحه، ومُحَال بقاء الربح بلا رأس
مال، فإذا خسرها خسر أعماله كلها، وإن أتى بها صورة. وقد أشار إلى هذا في قوله: (فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع) وفي قوله: (إن أول ما ينظر في أعماله الصلاة فإن جازت له نظر في سائر أعماله، وإن لم تُجَزْ له لم ينظر في
شيء من أعماله بعد).
ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها ودُعِيَ إلى فعلها على رؤوس الملأ، وهو يرى بارقة السيف على رأسه، وشُدَّ للقتل وعُصِبَتْ عيناه، وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، فيقول: اقتلوني ولا أصلي أبدًا!! ومن لا يكفر
تارك الصلاة يقول: هذا مؤمن مسلم يُغَسَّل ويُصَلَّى عليه، ويُدْفَن في مقابر المسلمين. وبعضهم يقول: إنه مؤمن كامل الإيمان، إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، فلا يستحي مَن هذا قولُه مِن إنكاره تكفير مَن شهد بكفره الكتاب والسنة واتفاق الصحابة؟ والله الموفق. اهـ.
36 – قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله مخالفا لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناسا لم يعملوا خيرا قط، ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضا ولا يخلد فيها، فانظره بالرقم ((3054)). “الصحيحة” ((7) / (1) / (105) – (116)). انتهى.
37 – قوله: (حدثنا مسلم بن إبراهيم) تابعه معاذ بن فضالة كما عند البخاري 594 تابعه يحيى كما عند النسائي 474 تابعه إسماعيل بن إبراهيم كما عند الإمام أحمد في مسنده 22957 تابعه عبد الوهاب بن عطاء كما عند الإمام أحمد في مسنده 23026 تابعه يزيد هو بن هارون كما عند ابن أبي شيبة في المصنف 3469 و31037 تابعه النضر بن شميل كما عند ابن خزيمة في صحيحه 336.
38 – قوله: (حدثنا هشام) هو الدستوائي صرح به الإمام أحمد في مسنده 22957، تابعه معمر كما عند عبد الرزاق في المصنف 5005 ومن طريقه الإمام أحمد في مسنده 23045، تابعه شيبان كما عند الإمام أحمد في مسنده 22959 المرفوع منه فقط.
39 – قوله: (عن أبي المليح) ابن أسامة كما عند الإمام أحمد في مسنده 23045، وعند النسائي 474 والإمام أحمد في مسنده 23048 من طريق يحيى بن سعيد: “حدثني أبو المليح”، وعند البخاري 594 من طريق معاذ بن فضالة وكذلك عند أبي داود الطيالسي في مسنده 848 ” أَنَّ أَبَا مَلِيح حدثه”، تابعه أبو المهاجر كما عند ابن ماجه 694 قال المزي في تحفة الأشراف ” إن كان محفوظا”.
40 – الصحابي بريدة: “مات غازيا بمرو وهو آخر من مات من الصحابة بخراسان سنة اثنتين وستين”. قاله الكرماني في الكواكب الدراري.