2176 تحضير سنن أبي داود
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وعبدالله المشجري
بَابٌ: فِي الْمَرْأَةِ تَسْأَلُ زَوْجَهَا طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ
2176 – حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلِتَنْكِحَ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»
[حكم الألباني]: صحيح
قال الخطابي:
قال الشيخ قوله لتستفرغ صحفتها مثل يريد بذلك الاستئثار عليها بحظها فتكون كمن أفرغ صحفة غيره فكفأ ما في انائه فقلبه في إناء نفسه.
[معالم السنن 3/ 230]
قال ابن بطال:
(لا تسأل المرأة طلاق أختها)، على الندب، لا إن فعل ذلك فاعل يكون النكاح مفسوخًا، وإنما هو استحسان من العمل به، وفضل فى ترك ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك. قال الطحاوى: أجاز مالك، والكوفيون، والشافعى، أن يتزوج المرأة على أن يطلق زوجته، وقالوا: إن تزوجها على ألف وأن يطلق زوجته، فعند الكوفيين النكاح جائز، فإن وفى بما قال فلا شاء عليه غير الألف، وإن لم يف أكمل لها مهر مثلها. وقال ربيعة، ومالك، والثورى: لها ما سمى لها وفى أو لم يف. وقال الشافعى: لها مهر المثل وفى أو لم يف. قال المؤلف: فإن قيل: قوله عليه السلام: (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها)، على ما ثبت فى هذا الباب يدل أن رواية من روى: (لا تسأل المرأة طلاق أختها)، يراد به التحريم والتحتم، وليس معناه الندب كما قال ابن حبيب، وأن الطلاق إذا وقع بذلك غير لازم. قيل له: ليس كما توهمت، وليس إعلامه عليه السلام لنا تحريم ذلك على المرأة بموجب أن الطلاق إذا وقع غير لازم، وإنما فيه النهى للمرأة والتغليظ عليها ألا تسأل طلاق أختها، ولترض بما قسم الله لها، وليس سؤالها ذلك بزائد فى رزقها شيئًا لم يقدر لها. ودل نهيه عليه السلام المرأة عن اشتراطها طلاق أختها أن الطلاق إذا وقع بذلك ماض جائز، ولئن لم يكن ماضيًا لم يكن لنهيه عليه السلام عن ذلك معنى، وكان اشتراطها ذلك كلا اشتراطها، وقد تقدم فى كتاب الشروط، فى باب الشروط فى الطلاق شاء فى هذا المعنى.
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 7/ 272]
قال ابن عبدالبر:
في هذا الخبَرِ من الفِقهِ: أنَّهُ لا يَنْبغِي أن تسأل المرأةُ زَوْجها أن يُطلِّق ضَرَّتها لتنفرِدَ به، فإنَّما لها ما سبقَ به القَدَرُ عليها، لا يَنقُصُها طلاقُ ضُرَّتِها شيئًا مِمّا جَرَى به القَدرُ لها، ولا يَزِيدُها.
(3) وقال الأخفشُ: كأنَّهُ يُرِيدُ أن تُفرِغَ صَحْفةَ تلك من خيرِ الزَّوج، وتأخُذ هِي وحدَها.
قال أبو عُمر: وهذا الحديثُ من أحسنِ أحادِيثِ القَدَرِ عِندَ أهلِ العِلم والسُّنَّةِ، وفيه أنَّ المرءَ لا ينالُهُ إلّا ما قُدِّر لهُ، قال اللهُ عز وجل: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]. والأمرُ في هذا واضِحٌ لمن هداهُ الله، والحمدُ لله.
وفِقهُ هذا الحديثِ: أنَّهُ لا يجُوزُ لامرأةٍ، ولا لولِيِّها، أن يَشْترِطَ في عَقدِ نِكاحِها، طلاقَ غيرِها.
وبهذا الحديثِ وشِبهِهِ، استدلَّ جَماعةٌ من العُلماءِ، بأنَّ شرطَ المرأةِ على الرَّجُلِ عِندَ عَقدِ نِكاحِها: أنَّها إنَّما تَنكحُهُ، على أنَّ كلَّ من يَتزوَّجُها عليها من النِّساءِ، فهي طالِقٌ: شرطٌ باطِلٌ، وعقدُ نِكاحِهما على ذلك فاسِدٌ، يُفسَخُ قبلَ الدُّخُولِ؛ لأنَّهُ شَرْط فاسِدٌ، دخلَ في الصَّداقِ المُسْتَحَلِّ به الفرجُ ففسدَ، لأنَّهُ طابَقَ النَّهي.
ومن أهلِ العِلم من يَرَى الشَّرط باطِلًا في ذلك كلِّهِ، والنِّكاحُ ثابتٌ صحِيح، وهذا هُو الوجهُ المُختارُ، وعليه أكثرُ عُلماءِ الحِجازِ، وهُم مع ذلك يَكرَهُونها، ويَكرَهُونَ عقدَ النِّكاح عليها.
وحُجَّتُهُم حديثُ هذا البابِ، وما كان مِثلهُ.
وحديثُ عائشةَ في قِصَّةِ برِيرةَ يَقْتضِي في مِثلِ هذا، جَوازَ العُقُودِ، وبُطلانَ الشُّرُوطِ، وهُو أولى ما اعتُمِدَ عليه في هذا البابِ.
ومن أرادَ أن يصِحَّ لهُ هذا الشَّرطُ المكرُوهُ عِندَ أصحابِنا، عَقدهُ بيمِينٍ، فيلزمُهُ الحِنثُ في تِلك اليمِينِ بالطَّلاقِ، أو بما حلفَ به، وليس من أفعالِ الأبرارِ، ولا من مَناكِح السَّلفِ الأخيارِ، استِباحةُ النِّكاح بالأيمانِ المكرُوهةِ، ومُخالفةُ السُّنَّةِ.
حدَّثنا محمدُ بن عبدِ الملكِ، قال: حدَّثنا ابنُ الأعرابِيِّ، قال: حدَّثنا سَعْدانُ بن نَصْرٍ، قال: حدَّثنا سُفيانُ بن عُيَينةَ، عنِ ابنِ أبي ليلى، عنِ المِنهالِ بنِ عَمرٍو، عن عبّادِ بنِ عبدِ الله الأسدِيِّ، عن عليٍّ رضي الله عنه، قال: شَرْطُ الله قبلَ شَرْطِها.
قال أبو عُمر: يقولُ: إنَّ اللهَ قد أباحَ ما ترُومُونَ المنع منهُ.
ومنهُم من يرى أنَّ الشَّرطَ صحِيح، لحديثِ عُقبةَ بنِ عامِرٍ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: “أحقُّ الشُّرُوطِ أن يُوفَّى به، ما استَحللتُم به الفُرُوج”.
حدَّثناهُ عبدُ الله بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: أخبَرنا أبو داودَ، قال: حدَّثنا عيسىُ بن حمّادٍ المِصرِيُّ، قال: حدَّثنا اللَّيثُ، عن يزِيد بنِ أبي حبِيبٍ، عن أبي الخيرِ، عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ، عن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ أحقَّ الشُّرُوطِ أن تُوفُوا به ما اسْتَحللتُم به الفُرُوجَ”.
وهذا حديثٌ وإن كان صحِيحًا، فإنَّ معناهُ، والله أعلمُ: أحقُّ الشُّرُوطِ أن يُوفَّى به من الشُّرُوطِ الجائزةِ، ما اسْتُحللَتْ به الفُرُوج، فهُو أحقُّ ما وفَّى به المرءُ، وأولى ما وقفَ عِندهُ، والله أعلمُ.
[التمهيد – ابن عبد البر 11/ 422 ت بشار]
قال ابن قدامة:
فصل: فإن شَرَطَتْ عليه أن يُطَلِّقَ ضَرَّتَها، لم يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ لما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: نَهَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أن تَشْتَرِطَ المرأةُ طَلاقَ أُخْتِها. وفى لفظٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:
“لَا تَسْألُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا [لِتَكْتَفِئَ مَا فِى صَحْفَتِهَا] (13)، وَلْتَنْكِحْ، [فَإنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا”. روَاهما البُخَارِىُّ] (14). والنَّهْىُ يقْتَضِى فسادَ المَنْهِىِّ عنه، ولأنَّها شَرَطَتْ عليه فَسْخَ عَقْدِه، وإبْطالَ حَقِّه وحَقِّ امْرَأتِه، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَطتْ عليه فَسْخَ بَيْعِه. وقال أبو الخَطَّابِ: هو شَرْطٌ لازمٌ؛ لأنَّه لا يُنافِى العَقْدَ، ولها فيه فائدةٌ، فأشْبَهَ ما لو شَرَطتْ عليه أن لا يتزَوَّجَ عليها. ولم أرَ هذا لغيرِه، وقد ذكَرْنا ما يَدُلُّ على فَسادِه، وعلى قياسِ هذا ما (15) لو شَرَطَتْ عَليه بَيْعَ أمَتِه. القسم الثانى، ما يَبْطُل الشَّرْطُ، ويَصِحُّ العَقْدُ، مثل أن يَشْتَرِطَ أن لا مَهْرَ لها، أو أن لا يُنْفِقَ عليها، أو (16) إن أصْدَقَها رَجَعَ عليها، أو تَشْتَرِطَ عليه أن لا يَطَأَها، أو يَعْزِلَ عنها، أو يَقْسِمَ لها أقَلَّ من قَسْمِ صاحِبَتِها أو أكْثَرَ، أو (16) لا يكونَ عندَها فى الجُمُعةِ إلَّا ليلةً، أو شَرَطَ لها النهارَ دون الليلِ، أو شَرَطَ على المرأةِ (17) أن تُنْفِقَ عليه، أو تُعْطِيَه شيئا، فهذه الشُّروطُ كلُّها باطِلةٌ فى نَفْسِها؛ لأنَّها تُنَافِى مُقْتَضَى العَقْدِ، ولأنَّها تتَضَمَّنُ إسْقاطَ حُقُوقٍ تَجِبُ بالعَقْدِ قبلَ انْعِقادِه، فلم يَصِحَّ، كما لو أسْقَطَ الشَّفِيعُ شُفْعَتَه قبلَ البَيْعِ. فأمَّا العقدُ فى نَفْسِه فصَحِيحٌ؛ لأنَّ هذه الشروطَ تَعُودُ إلى معنًى زائدٍ فى العَقْدِ، لا يُشْتَرَطُ ذِكْرُه، ولا يَضُرُّ الجَهْلُ به، فلم يُبْطِلْه (18)، كما لو شَرَطَ فى العَقْدِ صَدَاقًا مُحَرَّمًا، ولأنَّ النِّكاحَ يَصِحُّ مع الجَهْلِ بالعِوَضِ، فجازَ أن يَنْعَقِدَ مع الشَّرطِ الفاسدِ، كالْعَتَاقِ.
وقد نَصَّ أحمدُ، فى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امرأةً، وشَرَطَ عليها أن يَبِيتَ عندَها فى كلِّ جُمُعةٍ ليلةً، ثم رَجَعَتْ وقالت: لا أرْضَى إلَّا ليلةً وليلةً. فقال: لها أن تَنْزِلَ بطِيبِ نَفْسٍ منها، فإنَّ ذلك جائزٌ. وإن قالتْ: لا أرْضَى إلَّا بالمُقاسَمةِ. كان (19) ذلك حَقًّا لها، تُطالِبُه إن شاءتْ. ونقل عنه الأَثْرَمُ، فى الرَّجُلِ يتزوَّجُ المرأةَ ويَشْتَرِطُ عليها أن يَأْتِيَها فى الأيَّامِ: يجوزُ الشَّرْطُ، فإن شاءتْ رَجَعَتْ. وقال فى الرجلِ يتزوَّجُ المرأةَ على أن تُنْفِقَ عليه فى كل شهرٍ خَمْسةَ دَرَاهِم، أو عَشرْةَ دَرَاهِم: النكاحُ جائزٌ، ولها أن تَرْجِعَ فى هذا الشَّرْطِ. وقد نُقِلَ عن أحمدَ كلامٌ فى بعضِ هذه الشُّروطِ، يَحْتَمِلُ إبْطالَ العَقْدِ. نَقَلَ عنه المَرُّوذِىُّ فى النَّهارِيَّاتِ واللَّيْلِيَّاتِ: ليس هذا من نِكاحِ أهلِ الإِسْلامِ. وممَّن كَرِهَ تَزْوِيجَ النَّهارِيَّاتِ حَمَّادُ بن أبى سُليمانَ، وابن شُبْرُمةَ. وقال الثَّوْرِىُّ: الشَّرْطُ باطِلٌ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: إذا سَأَلَتْهُ أن يَعْدِلَ لها، عَدَلَ. وكان الحَسَنُ، [وعطاءٌ، لا يَرَيانِ بنِكاحِ النهارِيَّاتِ بِاسًا. وكان الحسنُ] (20) لا يَرَى بأسًا أن يتزَوَّجَها، على أن يَجْعَلَ لها من (21) الشهرِ أيّامًا مَعْلُومةً. ولعل كَراهةَ مَنْ كَرِه ذلك، راجِعٌ إلى إبْطالِ الشَّرْطِ، وإجَازةَ مَنْ أجازَه، راجعٌ إلى أصْلِ النِّكاحِ، فتكونُ أقوالُهم مُتَّفِقَةً على صِحَّةِ النِّكاحَ وإبْطالِ الشَّرْطِ، كما قُلْنا. واللَّه أعلم. وقال القاضى: إنَّما كَرِه أحمدُ هذا النِّكاحَ؛ لأنَّه يَقَعُ على وَجْهِ السِّرِّ، ونِكاحُ السِّرِّ مَنْهِىٌّ عنه؛ فإن شُرِطَ عليه تَرْكُ الوطءِ، احْتَمَلَ أن يَفْسُدَ العَقْدُ؛ لأنَّه شَرْطٌ يُنافِى المقصودَ من النكاحِ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ.
وكذلك إن شُرِطَ عليه أن لا تُسَلَّمَ إليه، فهو بمَنْزِلةِ ما لو اشْتَرَى شيئا على أن لا يَقْبِضَه (22). وإن شَرَطَ عليها أن لا يَطَأَها، لم يَفْسُدْ؛ لأنَّ الوَطْءَ حَقُّه عليها، وهى لا تَمْلِكُه عليه. ويَحْتَمِلُ أن يَفْسُدَ؛ لأنَّ لها فيه حقًّا، ولذلك تَمْلِكُ مُطالَبَته به إذا آلى، والفَسْخَ إذا تعَذَّرَ بالجَبِّ والعُنَّةِ. القسم الثالث، ما يُبْطِلُ النِّكاحَ من أصْلِه، مثل أن يَشْتَرِطَا تَاقِيتَ النِّكاحِ، وهو نِكاحُ المُتْعةِ، أو أن يُطَلِّقَها فى وَقْتٍ بعَيْنِه، أو يُعَلِّقَه على شَرْطٍ، مثل أن يقولَ: زَوّجْتُكَ إن رَضِيَتْ أُمُّها، أو فلانٌ. أو يشْتَرِطَ الخيارَ فى النِّكاحِ لهما، أو لأحَدِهما، فهذه شروطٌ باطِلةٌ فى نَفْسِها، ويَبْطُل بها النِّكاحُ. وكذلك إن جَعَلَ صَدَاقَها تَزْوِيجَ امرأةٍ أُخْرَى، وهو نِكاحُ الشِّغَارِ، ونَذْكُرُ ذلك فى مَوْضِعِه (23)، إن شاء اللَّهُ تعالى. وذكر أبو الْخَطَّابِ، فيما إذا شَرَطَ الخِيارَ، أو (24) إنْ رَضِيَتْ أُمُّها، أو إن جاءَها بالمَهْرِ فى وقتِ كذا، وإلَّا فلا نِكاحَ بينهما، رِوَايتَيْنِ؛ إحداهما، النِّكاحُ صحيحٌ (25)، والشَّرْطُ باطلٌ. وبه قال أبو ثَوْرٍ فيما إذا شَرَطَ (26) الخِيارَ. وحكاه عن أبى حنيفةَ. وزَعَمَ أنَّه لا خِلافَ فيها. وقال ابنُ الْمُنْذِرِ: قال أحمدُ وإسحاقُ: إذا تزَوَّجَها على أنَّه إن جاء بالمَهْرِ فى وقتِ كذا وكذا (27)، وإلَّا فلا نِكاحَ بينهما، الشَّرْطُ باطلٌ والعقدُ جائزٌ. وهو قولُ عطاءٍ، والثَّوْرِىِّ، وأبى حنيفةَ، والأوْزاعىِّ. ورُوِىَ ذلك عن الزُّهْرِىِّ. ورَوَى ابنُ منصورٍ عن أحمدَ فى هذا، أَنَّ العقدَ والشرطَ جائِزان؛ لقولِ صلى الله عليه وسلم: “المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ”.
والرِّوايةُ الأُخْرَى: يَبْطُل العَقْدُ من أصْلِه فى هذا كلِّه؛ لأنَّ النِّكاحَ لا يكونُ إلَّا لازِمًا، وهذا يُوجِبُ جَوازَه، ولأنَّه إذا قال: إن رَضِيَتْ أُمُّها، أو إن جِئْتَنِى بالْمَهْرِ (24) فى وقتِ كذا. فقد وَقَفَ النِّكاحَ على شَرْطٍ (28)، ولا يجوزُ وَقْفُه على شَرْطٍ. وهذا قولُ الشافعىِّ، ونحوُه عن مالكٍ، وأبى عُبَيْدٍ.
[المغني لابن قدامة 9/ 485]
قال ابن حجر:
قوله: (لا يحل) ظاهر في تحريم ذلك، وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك كريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج، ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة، أو لضرر يحصل لها من الزوج، أو للزوج منها، أو يكون سؤالها ذلك بعوض وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع مع الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة. وقال ابن حبيب: حمل العلماء هذا النهي على الندب، فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح، وتعقبه ابن بطال بأن نفي الحل صريح في التحريم، ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح، وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى، ولترض بما قسم الله لها.
قوله: (أختها) قال النووي: معنى هذا الحديث نهي المرأة الأجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته، وأن يتزوجها هي فيصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ما كان للمطلقة، فعبر عن ذلك بقوله: تكفئ ما في صحفتها، قال: والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين، ويلحق بذلك الكافرة في الحكم وإن لم تكن أختا في الدين؛ إما لأن المراد الغالب، أو أنها أختها في الجنس الآدمي، وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة فقال: فيه من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به، وهذا يمكن في الرواية التي وقعت بلفظ: لا تسأل المرأة طلاق أختها، وأما الرواية التي فيها لفظ الشرط فظاهرها أنها في الأجنبية ويؤيده قوله فيها: ولتنكح؛ أي ولتتزوج الزوج المذكور من غير أن يشترط أن يطلق التي قبلها، وعلى هذا فالمراد هنا بالأخت الأخت في الدين، ويؤيده زيادة ابن حبان في آخره من طريق أبي كثير، عن أبي هريرة بلفظ: لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها؛ فإن المسلمة أخت المسلمة، وقد تقدم في باب لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، نقل الخلاف عن الأوزاعي وبعض الشافعية أن ذلك مخصوص بالمسلمة، وبه جزم أبو الشيخ في كتاب النكاح، ويأتي مثله هنا، ويجيء على رأي ابن القاسم أن يستثنى ما إذا كان
المسئول طلاقها فاسقة، وعند الجمهور لا فرق.
قوله: (لتستفرغ صحفتها) يفسر المراد بقوله: تكتفئ وهو بالهمز افتعال من كفأت الإناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه، وكذا يكفأ، وهو بفتح أوله وسكون الكاف وبالهمز، وجاء أكفأت الإناء إذا أملته وهو في رواية ابن المسيب: لتكفئ بضم أوله من أكفأت، وهي بمعنى أملته، ويقال: بمعنى أكببته أيضا، والمراد بالصحفة ما يحصل من الزوج كما تقدم من كلام النووي، وقال صاحب النهاية: الصحفة إناء كالقصعة المبسوطة، قال: وهذا مثل، يريد الاستئثار عليها بحظها فيكون كمن قلب إناء غيره في إنائه، وقال الطيبي: هذه استعارة مستملحة تمثيلية، شبه النصيب والبخت بالصحفة، وحظوظها وتمتعاتها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة اللذيذة، وشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة، ثم أدخل المشبه في جنس المشبه به، واستعمل في المشبه ما كان مستعملا في المشبه به.
قوله: (ولتنكح) بكسر اللام وبإسكانها، وبسكون الحاء على الأمر، ويحتمل النصب عطفا على قوله: لتكتفئ فيكون تعليلا لسؤال طلاقها، ويتعين على هذا كسر اللام، ثم يحتمل أن المراد ولتنكح ذلك الرجل من غير أن تتعرض لإخراج الضرة من عصمته؛ بل تكل الأمر في ذلك إلى ما يقدره الله، ولهذا ختم بقوله: فإنما لها ما قدر لها؛ إشارة إلى أنها وإن سألت ذلك وألحت فيه واشترطته فإنه لا يقع من ذلك إلا ما قدره الله، فينبغي أن لا تتعرض هي لهذا المحذور الذي لا يقع منه شيء بمجرد إرادتها، وهذا مما يؤيد أن الأخت من النسب أو الرضاع لا تدخل في هذا، ويحتمل أن يكون المراد ولتنكح غيره وتعرض عن هذا الرجل، أو المراد ما يشمل الأمرين، والمعنى: ولتنكح من تيسر لها، فإن كانت التي قبلها أجنبية فلتنكح الرجل المذكور، وإن كانت أختها فلتنكح غيره، والله أعلم.
[فتح الباري لابن حجر 9/ 220 ط السلفية]
قال ابن رسلان:
وبوب البخاري على هذا الباب: باب الشروط التي لا تحل في النكاح (2). وبوب عليه في كتاب الشروط: باب ما لا يجوز من الشروط في النكاح (3).
(ولتنكح) بفتح المثناة وكسر الكاف، فأمرها أن تنكح من شاءت ولا تشترط طلاق ضرتها؛ فإن النكاح بشرط باطل كما بوب عليه البخاري
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 9/ 563]
قال العباد:
[(فلتنكح، فإنما لها ما قدر لها)] ويحتمل أن يكون معنى (ولتنكح) أي: هذا الرجل، ولها ما كتب لها، أو يكون المعنى أنها لا تشترط هذا الشرط وترفضهظ وتنكح غيره، والذي قدر الله عز وجل أن يكون لها فإنه لا بد ر أن يصلها؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
[شرح سنن أبي داود للعباد 250/ 6 بترقيم الشاملة آليا]
قال الإتيوبي:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان تحريم خِطبة الرجل على خطبة أخيه.
(ومنها): تحريم النجش، وهو -بفتحتين، أو بفتح، فسكون-: أن يزيد في ثمن السلعة، لا لرغبة فيها، بل ليخدع غيره، ويغرّه ليزيد، ويشتريها.
(ومنها): تحريم بيع الحاضر للبادي؛ لئلا يتضرّر أهل الحضر بذلك.
(ومنها): تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، ويشمل البيع والشراء، إذا البيع يستعمل لهما من الأضداد.
(ومنها): تحريم سؤال المرأة طلاق الأخرى حتى يتزوّجها، أو تنفرد به دون الأخرى.
(ومنها): حرص الشريعة على قطع أسباب الشحناء والبغضاء، والحقد، والحسد، ولذا حرّمت هذه الأشياء المذكورة في هذا الحديث، وما أشبهها، مما يؤدّي إلى وقوع التنافر، والتشاكس، والتخاذل بين المجتمع الإسلاميّ، بل تطالب المسلمين أن يكونوا يدًا واحدة، وعونًا فيما بينهم، وحربًا لأعدائهم، كما قال اللَّه عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71]، وقال عز وجل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]، وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 27/ 144]
وراجع لكل هذه المسائل طرح التثريب