[1ج/ رقم (453)] فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، محمد الكعبي، ومحمد البلوشي وأحمد بن علي وسلطان الحمادي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [1ج/ رقم (453)]:
مسند سليمان بن صرد رضي الله عنه
(453) – قال الإمام النسائي رحمه الله (ج (4) ص (98)): أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلى قالَ حَدَّثَنا خالِدٌ عَنْ شُعْبَةَ قالَ أخْبَرَنِي جامِعُ بْنُ شَدّادٍ قالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَسارٍ قالَ: كُنْتُ جالِسًا وسُلَيْمانُ بْنُ صُرَدٍ وخالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ فَذَكَرُوا أنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ ماتَ بِبَطْنِهِ فَإذا هُما يَشْتَهِيانِ أنْ يَكُونا شُهَداءَ جَنازَتِهِ فَقالَ أحَدُهُما لِلْآخَرِ ألَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «مَن يَقْتُلْهُ بَطْنُهُ فَلَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ» فَقالَ الآخَرُ بَلى.
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا عبد الله بن يسار، وقد وثَّقه النسائي.
الحديث أخرجه الترمذي (ج (4) ص (172)) من حديث أبي إسحاق السَّبِيعِيِّ، قال: قال سليمان بن صرد لخالد بن عرفطة أو لخالد بن سليمان … فذكره.
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب في هذا الباب، وقد روي من غير هذا الوجه. اهـ
ولم يصرح أبو إسحاق السبيعي بالسماع من سليمان بن صرد، وقد قال البرديجي في «المراسيل»: قيل إن أبا إسحاق لم يسمع من سليمان بن صرد. اهـ من «تهذيب التهذيب».
والمعتمد على السند الأول.
[ص (385)] * وقد رواه الإمام أحمد رحمه الله (ج (5) ص (292)): حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَسَارٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَخَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ قَالَ: فَذَكَرُوا رَجُلًا مَاتَ مِنْ بَطْنِهِ قَالَ: فَكَأَنَّمَا ((1)) اشْتَهَيَا أَنْ يُصَلِّيَا عَلَيْهِ قَالَ: فَقَالَ: أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: أَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ لا: «مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ، فَإِنَّهُ لَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ»؟ قَالَ الْآخَرُ: بَلَى.
الحاشية: ………………
((1)) كذا، ولعله: فكأنهما. [وقال محققو المسند في الحاشية (37/ 178): “في (ظ (5)): فكأنهما”. انتهى].
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوجه الأول:
أورد الحديث الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت (303)) رحمه الله تعالى في السنن (المجتبى)، (21) كتاب الجنائز، (111) من قتله بطنه، ((2052)).
قال محققو المسند – ط: دار الرسالة العالمية – (37/ 178) عن إسناد الإمام أحمد في مسند: “إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن يسار -وهو الجهني-، فقد روى له أبو داود والنسائي، وهو ثقة، وخالد بن عرفطة روى له الترمذي والنسائي هذا الحديث فقط. وانظر ما سلف برقم ((18310)) “. انتهى.
قوله لا «من قتله بطنه لم يعذب في قبره» الحديث، وفي حديث «فهو شهيد» وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله لا «من مات مريضا مات شهيدا ووقي فتنة القبر وعدي وريح عليه برزقه من الجنة» انفرد به ابن ماجه
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(1) – كتاب العلم، (142) – المحدث يحدث والآخر يصدقه، ((284)، (285)).
و (5) – كتاب الجنائز، (57) – من لا يعذب في قبره، ((1247)، (1248)).
والحديث سبق في الصحيح المسند برقم (320) من مسند خالد بن عرفطة.
والثاني: شرح وبيان الحديث
أورد الحديث الإمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت (303)) رحمه الله تعالى في السنن (المجتبى)، ((21) كتاب الجنائز، (111) من قتله بطنه، ((2052))). قال الإتيوبي رحمه الله: “أراد به بيان فضل من مات بمرض بطنه، كالإسهال، ونحوه. والله تعالى أعلم بالصواب”.
(جامِعُ بْنُ شَدّادٍ) أبو صخرة المحاربي الكوفي رحمه الله، ثقة [(5)] (قالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَسارٍ) الجهني الكوفي رحمه الله، ثقة، من كبار [(3)]، (قالَ: كُنْتُ جالِسًا وسُلَيْمانُ بْنُ صُرَدٍ) -بضم المهملة، وفتح الراء- ابن الجون الخزاعي، أبو مطرف الكوفي، صحابي رضي الله عنه، قتل بعين الوردة سنة ((65)) (وخالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ) بن أبرهة، ويقال: أبرة بن سنان القضاعي العذري، صحابي رضي الله عنه، روى عن: النبي لا، وعن عمر. وعنه: أبو عثمان النهدي، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الله بن يسار الجهني، وغيرهم.
قال الطبراني: كان خليفة سعد بن أبي وقاص على الكوفة.
وقال ابن أبي عاصم: مات سنة ((61)). قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: وذكر الدولابي أن المختار بن أبي عبيد قتله بعد موت يزيد بن معاوية، فيكون ذلك بعد سنة ((64)). والله أعلم.
روى له: الترمذي، والنسائي حديث الباب فقط.
(فَذَكَرُوا) أي: ذكر القوم الحاضرون في المجلس. (أنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ ماتَ) (بِبَطْنِهِ) أي: بسبب مرض بطنه. وفي الصحيح: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون … » هو صاحب داء البطن، وهو الإسهال، قال القاضي عياض: وقيل: هو الذي به الاستسقاء، وانتفاخ البطن، وقيل: هو الذي تشتكي بطنه، وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقا. وسيأتي الكلام عن ذلك بإذن الله تعالى.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- في «التذكرة»: فيه قولان:
أحدهما: أنه الذي يصيبه الذّرَب، وهو الإسهال، تقول العرب: أخذه البطن، إذا أصابه الداء، وذَرِب الجرحُ: إذا لم يقبل الدواء، وذربت معدته: فسدت.
والثاني: أنه الاستسقاء، وهو أظهر القولين فيه؛ لأن العرب تنسب موته إلى بطنه، تقول: قتله بطنه، يعنون الداء الذي أصابه في جوفه، وصاحب الاستسقاء قلّ أن يموت إلا بالذّرب، فكأنه قد جمع الوصفين، وغيرهما من الأمراض، والوجود شاهد للميت بالبطن أن عقله لا يزال حاضرًا، وذهنه باقيًا إلى حين موته؛
ومثل ذلك صاحب السّلّ، إذ موت الآخر إنما يكون بالذرب، وليست حالة هؤلاء كحالة من يموت فجأة، أو يموت بالسام، والبرسام، والحمّيات المطبقة، أو القولنج، أو الحصاة، فتغيب عقولهم؛
لشدّة الآلام، ولزوم أدمِغَتهم، ولفساد أمزجتها، فإذا كان الحال هكذا، فالميت يموت، وذهنه حاضر، وهو عارف باللَّه. انتهى. [التذكرة في أحوال الموتى، وأمور الآخرة، ج (172)].
(فَلَنْ يُعَذَّبَ) وفي نسخة: «لم يُعذب»، وفي أخرى: «فلم يعذّب»، وهذه الظاهر أنها غير صحيحة؛ لأن الجواب إذا كان منفيا بـ «لم» لا يحتاج إلى الربط بالفاء، اللَّهم إلا أن يقدر فيه مبتدأ، والجملة خبره، أي: فهو لم يُعذّب. واللَّه أعلم «فِي قَبْرِهِ»؟).
فيه: فضل الموت بمرض البطن، حيث إنه يرفع عنه عذاب القبر.
والظاهر أن النسائي رحمه الله أراد بالعذاب فتنة القبر، حيث إنه أورد هذا الباب بعد سؤال القبر، ولم يورده بعد عذاب القبر الآتي، لكن الذي يظهر أن العذاب أخصّ من فتنة القبر؛ لأنه لا يلزم من الفتنة التعذيب بالنار مثلا. واللَّه تعالى أعلم.
(فَقَالَ الْآخَرُ: بَلَى) أي: قال لا ذلك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان. قاله الإتيوبي رحمه الله. [ذخيرة العقبى للإتيوبي رحمه الله، (20/ 87 – 90)، بتصرف يسير].
فائدة: قال القرطبي: الذي ينجي المؤمن من أهوال القبر وعذابه وفتنته خمسة أشياء أولها البطن بدليل هذا الحديث وهو قوله «من قتله بطنه لم يعذب في قبره».
أولها: القتل في سبيل الله.
الثاني: الرباط في سبيل الله.
الثالث: قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك فإنها تنجي من عذاب القبر كما رواه الترمذي عن ابن عباس.
الخامس: الموت ليلة الجمعة رواه الترمذي عن ربيعة بن سيف عن عبد الله بن عمرو قال ثقال رسول الله لا “ما من مسلم
يموت ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر» وخرجه الترمذي الحكيم والحافظ أبو نعيم.
ثم قال: وقوله لا «من مات مريضا» عام في جميع الأمراض لكن يقيده الحديث الآخر من تقتله بطنه
====
والثالث: المسائل والأحكام:
أحكام المَبْطُون:
(تمهيد): تعريف المبطون والشهيد:
أولاً: معنى المبطلون
المَبْطُونُ فِي اللُّغَةِ:
هُوَ عَلِيل البَطْنِ مِنَ البَطَنِ، بِفَتْحِ الطّاءِ، يُقال: بَطِنَ – بِكَسْرِ الطّاءِ – بَطْنًا إذا أصابَهُ مَرَضُ البَطْنِ، ويُقال: بُطِنَ بِصِيغَةِ البِناءِ لِلْمَفْعُول: اعْتَل بَطْنُهُ فَهُوَ مَبْطُونٌ.
وفِي الاِصْطِلاَحِ:
قال النَّوَوِيُّ: المَبْطُونُ صاحِبُ داءِ البَطْنِ وهُوَ الاسْهال.
وقِيل: هُوَ الَّذِي بِهِ الاِسْتِسْقاءُ وانْتِفاخُ البَطْنِ.
وقِيل: هُوَ الَّذِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ.
وقِيل: هُوَ الَّذِي يَمُوتُ بِداءِ بَطْنِهِ مُطْلَقًا، أيْ: شامِلًا لِجَمِيعِ أمْراضِ البَطْنِ. وقال ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: قِيل: هُوَ صاحِبُ الاسْهال.
وقِيل: إنَّهُ صاحِبُ القُولَنْجِ.
والبَطِينُ: العَظِيمُ البَطْنُ. [المصباح المنير، والمفردات، والمعجم الوسيط، وشرح صحيح مسلم (13) / (66)، ودليل الفالحين (4) / (145)، مغني المحتاج (1) / (350)، ومواهب الجليل (2) / (248)].
والقولنج: بضم القاف وفتح اللام: وجع في المعى المسمى قولن، وهو شدة المغص (المصباح المنير).
ثانيًا: معنى «الشهداء»
تعريف «الشهداء»: جمع شهيد، قال الفيومي رحمه الله: هو: من قتله الكفار في المعركة، فعيل بمعنى مفعول؛ لأن ملائكة الرحمة شهدت غسله، أو شهدت نقل روحه إلى الجنة، أو لأن الله شهد له بالجنة. انتهى.
وقال في «الفتح»: اختلف في سبب تسمية الشهيد شهيدا، فقال النضر بن شميل: لأنه حي، فكأن أرواحهم شاهدة؛ أي: حاضرة، وقال ابن الأنباري: لأن الله، وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة، وقيل: لأنه يشهد له بالأمان من النار، وقيل: لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا، وقيل: لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة، وقيل: لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاع الرسل، وقيل: لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة، وقيل: لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع، وقيل: لأن الله يشهد له بحسن نيته، وإخلاصه، وقيل: لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره، وقيل: لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة، وقيل: لأنه مشهود له بالأمان من النار، وقيل: لأن عليه علامة شاهدة بأنه قد نجا.
قال: وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله، وبعضها يعم غيره، وبعضها قد ينازع فيه. انتهى. [«الفتح» (7) / (100)، كتاب «الجهاد» ((2829))]. نقله الإتيوبي رحمه الله تعالى.
وأما أحكام المبطون:
المطلب الأول: حكم المبطون في الشريعة الإسلامية:
1. اعتباره شهيدًا:
المبطون يُعتبر من الشهداء في الإسلام؛ لما رواه البخاري ومسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللهِ» (رواه البخاري ومسلم). وهذا يعني: أن المبطون يحظى بأجر الشهيد.
وقد “اتَّفَقُوا عَلى أنَّ المَبْطُونَ مِن شُهَداءِ الاخِرَةِ”. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (36/ 60)].
وقال ابن الملقن (ت (804)) رحمه الله في التوضيح (17/ 461): “شهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا وهم من ذكر في الباب غيره”. انتهى. يقصد حديث الشهداء الخمسة، ومنهم: المبطون.
فصل:
أقسام الشهيد:
قَسَّمُوا الشُّهَداءَ إلى أقْسامٍ ثَلاَثَةٍ:
الاوَّل: شَهِيدُ الدُّنْيا والاخِرَةِ،
والثّانِي: شَهِيدُ الدُّنْيا،
والثّالِثُ: شَهِيدُ الاخِرَةِ. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (36/ 60)]. [مغني المحتاج (1) / (350). وحاشية رد المحتار (2) / (252). وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1) / (425). والمغني لابن قدامة (2) / (393) – (399)].
قال النووي رحمه الله: أن الشهداء ثلاثة أقسام:
شهيد في الدنيا والآخرة، وهو: المقتول في حرب الكفار،
وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا، وهم: هؤلاء المذكورون هنا – يقصد رحمه الله: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون … » الحديث -،
وشهيد في الدنيا دون الآخرة، وهو: من غل في الغنيمة، أو قتل مدبرا. انتهى. [«شرح النووي» (13) / (62) – (63)].
فشهيد الدنيا والآخرة:
هو الذي يقتل في قتال مع الكفار، مقبلا غير مدبر، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، دون غرض من أغراض الدنيا. [مغني المحتاج (1) / (350)].
ففي الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: إن رجلا أتى النبي لا فقال مستفهما: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله [أخرجه البخاري (الفتح (6) / (28))، ومسلم ((3) / (1512) – (1513))].
أما شهيد الدنيا:
فهو من قتل في قتال مع الكفار وقد غل في الغنيمة، أو قاتل رياء، أو لغرض من أغراض الدنيا.
وأما شهيد الآخرة:
فهو المقتول ظلما من غير قتال، وكالميت بداء البطن، أو بالطاعون، أو بالغرق، وكالميت في الغربة، وكطالب العلم إذا مات في طلبه، والنفساء التي تموت في طلقها، ونحو ذلك.
واستثني من الغريب: العاصي بغربته، ومن الغريق العاصي بركوبه البحر كأن كان الغالب فيه عدم السلامة، أو ركوبه لإتيان معصية من المعاصي، ومن الطلق الحامل بزنى. [مغني المحتاج (1) / (350)].
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله لا قال: الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله [البخاري (الفتح (6) / (144)) ومسلم ((3) / (1521))].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي لا قال: الطاعون شهادة لكل مسلم. [حديث: «الطاعون شهادة لكل مسلم» أخرجه البخاري (الفتح (10) / (180)) ومسلم ((3) / (1522))].
وفي حديث أن رسول الله لا قال: من قتل دون ماله فهو شهيد. [أخرجه البخاري (الفتح (5) / (123)) ومسلم ((1) / (125))]. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (26/ 273 – 274)]. وقد أشار ابن حجر وابن الملقن إلى هذا التقسيم الثلاثي.
2. تَجْرِي عَلَيْهِ أحْكامُ المَرْضى، وأصْحابِ الاعْذارِ
المَبْطُونُ مَرِيضٌ، ومَعْذُورٌ، فَتَجْرِي عَلَيْهِ أحْكامُ المَرْضى، وأصْحابِ الاعْذارِ.
وقَدْ نَصَّ الفُقَهاءُ عَلى عَدِّ المَبْطُونِ شَهِيدًا إذا ماتَ فِي بِطْنَتِهِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ لا: الشُّهَداءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، والمَبْطُونُ، والغَرِيقُ، وصاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ فِي سَبِيل اللَّهِ عَزَّ وجَل. [حديث: «الشهداء خمسة … ». أخرجه البخاري (الفتح (2) / (139)) ومسلم ((3) / (1521)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (36/ 60)].
3. التخفيف عن المبطون في القبر:
من يموت بالبطن لا يعذَّب في قبره، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَقْتُلْهُ بَطْنُهُ فَلَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ».
4. الاستبشار بالموت بالبطن:
يُستحب للمؤمنين إذا علموا أن أحدهم مات بالبطن أن يستبشروا له بهذا الأجر العظيم، وأن يُظهروا الفرح برحمة الله به، دون أن يكون ذلك تقليلاً من شأن الموت أو الحزن على الفراق.
المطلب الثاني: أحكام الغسل، والتكفين، والصلاة على المبطون:
1. الغسل والتكفين:
المبطون يُغسل ويُكفن ويُصلى عليه كغيره من المسلمين، فهو ليس من الشهداء في المعركة الذين لا يغسلون ولا يُكفنون.
وقد “اتَّفَقُوا عَلى تَغْسِيل المَبْطُونِ مَعَ عَدِّهِ شَهِيدًا”. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (36/ 60)].
2. الصلاة عليه:
تجب الصلاة على المبطون كغيره من الموتى المسلمين، يُدعى له بالرحمة والمغفرة، ويُذكر في الدعاء عند الصلاة عليه بما ورد من الأدعية الشرعية.
3. الدفن:
يُدفن المبطون في مقابر المسلمين، ولا يُخصص له مكان خاص، بل يُدفن مع المسلمين بما يليق بحرمة المسلم.
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» ((3) / (476)): فأما الشهيد بغير قتل، كالمبطون، والمطعون، والغرق، وصاحب الهدم، والنفساء؛ فإنهم يغسلون، ويصلى عليهم، لا نعلم فيه خلافا، إلا ما يحكى عن الحسن: لا يصلى على النفساء؛ لأنها شهيدة.
ولنا: أن النبي لا صلى على امرأة ماتت في نفاسها، فقام وسطها. متفق عليه، وصلى على سعد بن معاذ، وهو شهيد، وصلى المسلمون على عمر، وعلي رضي الله عنهما، وهما شهيدان. انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
“الحاصل أن هناك شهداء غير المقتولين في سبيل الله، ومن ذلك أيضا من مات في سبيل الله وإن لم يقتل فهو شهيد، لكنه شهيد في الآخرة كرجل خرج مع المجاهدين ومات في الطريق موتة طبيعية فهذا أيضا من الشهداء، لكن شهيد الآخرة، أما في الدنيا فإنه يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن مع الناس، كالشهداء الذين ذكرهم الرسول لا وهو من مات بهدم أو غرق أو طاعون أو بطن. والله الموفق. [شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (ت (1421)) رحمه الله تعالى، (5/ 388 – 389)].
المطلب الثالث: الحكم الشرعي لمن يعتقد بخصوصية للمبطون بعد موته:
يجب على المسلمين أن يلتزموا بما جاء في الشريعة الإسلامية من أحكام الغسل والتكفين والصلاة على الميت ودفنه.
فلا يجوز الابتداع في أمور الدين، ولا ينبغي اعتقاد أن للمبطون طقوس خاصة في الدفن أو غيره مما لم يرد في الشريعة.
والاعتقاد الصحيح هو أن المبطون يحظى بمكانة خاصة عند الله من حيث الأجر والثواب، لكنه لا يختلف في أحكام الغسل والدفن عن باقي المسلمين.
المطلب الرابع: الحكمة من اعتبار المبطون شهيدًا:
1. تكريم البلاء:
الإسلام يكرم المؤمن الذي يصاب ببلاء ويصبر عليه.
واعتبار المبطون شهيدًا هو تكريم إلهي لمن أصيب بمرضٍ في بطنه، حيث تحمل الآلام وصبر على الابتلاء حتى وافته المنية.
2. الحث على الصبر والاحتساب:
المسلم عندما يعلم أن المرض بالبطن قد يؤدي به إلى منزلة الشهداء، فإن ذلك يشجعه على الصبر والاحتساب، ويُخفف عنه شعور الألم أو الفقد. وهذا من رحمة الله بعباده.
المطلب الخامس: الفرق بين الشهيد في المعركة والمبطون:
وسبق في التعريف وعن بيان أقسام الشهداء شيء من ذلك.
وانظر ما قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين في بداية: “باب بيان جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة يغسلون ويصلى عليهم بخلاف القتيل في حرب الكفار”.
المطلب السادس: أثر الاعتقاد بفضل المبطون على المجتمع:
1. تعزيز التراحم والتكافل:
علم الناس بفضل المبطون يدفعهم للتراحم والوقوف بجانب المريض، ومساعدته بكل ما يستطيعون؛ إذ إنهم يعلمون أنه قد يكون في مرتبة الشهداء، فيرغبون في نيل الأجر برفقته وخدمته.
2. تقوية الإيمان بالقضاء والقدر:
الاعتقاد بفضل المبطون يعزز الإيمان بالقضاء والقدر، ويُذكّر المسلمين بأن ما يصيبهم من مرض أو بلاء هو من الله، وله فيه حكمة، وقد يكون سببًا في رفع درجاتهم يوم القيامة.
المطلب السابع: النصوص الأخرى المتعلقة بالمبطون:
وقد وردت أحاديث تبين فضل من يموت بهذه الميتة، وتؤكد على مكانته الخاصة عند الله تعالى.
والإسلام حثَّ على ذكر فضل الشهداء بعمومهم؛ ومن ذلك ما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصابُ بمصيبةٍ، فيقول: إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعونَ، اللَّهمَّ أجِرْني في مُصيبتي واخلفْ لي خيرًا منها، إلا أخلفَ اللهُ له خيرًا منها». يشمل ذلك كل مصيبة ومنها المرض بالبطن.
وسيأتي عن ذكر الأحاديث الواردة في الشهداء غير شهيد المعركة بإذن الله تعالى، وسيأتي عن ذكر الـ (فائدة).
وفي حديث الباب: أن السلف الصالح كانوا يستبشرون لمن مات بالبطن ويذكرون ما ورد في فضله، وكانوا يرون فيه علامة على حسن الخاتمة، مما يزيد من صبر المؤمن على البلاء.
المطلب الثامن: كيفية الدعاء للمبطون:
لم يرد في الأحاديث التي في الباب ما يدل على أنه يدعى له بدعاء خاص، وإنما يستحب الدعاء له كما يدعى لغيره من المسلمين والمرضى بأن يجمع له بين المغفر والرحمة، وغير ذلك.
ويعمل له من الأعمال التي تنفعه بعد وفاته؛ حتى تزيد من حسناته وترفع من درجاته عند الله تعالى.
الرابع: الفتاوى
[1] قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “أود أن أنبه إلى أن في عصرنا هذا أصبح اسم الشهيد رخيصاً عند كثير من الناس؛ حتى كانوا يصفون به من ليس أهلاً للشهادة، وهذا أمر محرم، فلا يجوز لأحدٍ أن يشهد لشخص بشهادة إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: أن يشهد لشخص معين بأنه شهيد؛ كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فارتج الجبل بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اثبت أحد؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة بعينه شهدنا له، بأنه شهيد؛ تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباعاً له في ذلك.
والقسم الثاني: ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة، أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة على وجه العموم؛ كما في الحديث الذي أشار إليه السائل بأن (من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، والغريق شهيد) إلى غير ذلك من الشهداء الذين ورد الحديث بالشهادة العامة من غير تخصيص رجل بعينه.
وهذا القسم لا يجوز أن نطبقه على شخص بعينه، وإنما نقول من اتصف بكذا وكذا فهو شهيد، ولا نخص بذلك رجلا بعينه؛ لأن الشهادة بالوصف غير الشهادة بالعين، وقد ترجم البخاري رحمه الله لهذه المسألة في صحيحه، فقال: باب: لا يقال فلان شهيد. واستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله)، وقوله أي قول النبي صلى الله عليه وسلم (الله أعلم بمن يكلم في سبيله) أي: بمن يجرح، وساق تحت هذا العنوان الحديث الطويل المشهور في قصة الرجل الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، وكان شجاعاً مقداماً لا يدع للعدو شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فامتدحه الصحابة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ساق البخاري رحمه الله الحديث بطوله، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار.
وقد ذكر صاحب فتح الباري وهو شرح صحيح البخاري المشهور أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب، فقال: (إنكم تقولون في مغازيكم فلان شهيد، ومات فلاناً شهيداً، ولعله يكون قد أوقر راحلته ألا لا تقولوا ذلك، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد) قال في الفتح، وهو حديث حسن وعلى هذا فنحن نشهد بالشهادة على صفة ما جاء بها النص، إن كانت لشخص معين شهدنا بها للشخص الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت على سبيل العموم شهدنا بها على سبيل العموم ولا نطبقها على شخص بعينه؛ لأن الأحكام الأخروية تتعلق بالباطن لا بالظاهر.
نسأل الله أن يثبتنا جميعاً بالقول الثابت، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا … “. [كتاب فتاوى نور على الدرب للعثيمين، (9/ 2)].
[2] يقول السائل سمعت حديثا شريفا (أن الشهداء خمسة وذكر منهم المبطون) فمن هم الباقون إن كان الحديث صحيحا وما معنى المبطون؟
فأجاب فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
والباقون هم المطعون، والغريق، وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله،
ولكن هذه الشهادة تختلف أحكامها في الدنيا، فإن الشهيد في سبيل الله لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، وإنما يدفن في ثيابه التي استشهد فيها، بخلاف هؤلاء الأربعة -يعني- يجب تغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم.
والمبطون: هو الذي أصيب بداء البطن، بمعنى: أنه يكون فيه إسهال أو وجع في بطنه، ومنه ما يسمى بالزائدة إذا انفجرت، وما أشبه ذلك، فكل أدواء البطن التي تكون سببا للموت، فإنها داخلة في قوله لا (المبطون) لا سيما التي يكون الموت فيها محققا عاجلا. [فتاوى نور على الدرب للعثيمين، (6/ 2 – تراث)].
والخامس: خلاصة فقه وفوائد الباب:
1 – (منها): فضل الموت بالبطن، يُعتبر الموت بالبطن من أسباب النجاة من عذاب القبر، مما يجعل المؤمن يطمئن لرحمة الله عند وقوع البلاء.
2 – (ومنها): حرص الصحابة على حضور الجنائز يظهر لنا أهمية هذه العبادة، وما فيها من مواساة لذوي الميت، وتذكر الموت والتقرب إلى الله.
3 – (ومنها): التثبت في نقل الأحاديث، الحوار بين الصحابيين حول صحة الحديث يدل على أهمية التثبت من الأحاديث وعدم التسرع في نقلها، وهو ما يدل عليه توثيق الرواة.
4 – (ومنها): الحديث يعكس جانباً من جوانب رحمة الله تعالى بعباده، حيث يخفف عنهم في القبر بسبب نوعية ميتاتهم، مما يشجع المؤمنين على الصبر والاحتساب عند وقوع البلاء.
5 – (ومنها): “الشهداء قسمان: شهيد الدنيا، وشهيد الآخرة.
6 – (ومنها): تصحيح المفاهيم الخاطئة المستقرة في أذهان المدعوين”. [الموسوعة الأحاديث].
===
(فائدة):
قال الإمام البخاري رحمه الله: «باب: الشهادة سبع سوى القتل»، فقال في «الفتح»: وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مالك من رواية جابر بن عتيك – بفتح المهملة، وكسر المثناة، بعدها تحتانية ساكنة، ثم كاف – «أن النبي لا جاء يعود عبد الله بن ثابت. . .»، فذكر الحديث، وفيه: «ما تعدون الشهيد فيكم؟» قالوا: من يقتل في سبيل الله، وفيه: «الشهداء سبعة، سوى القتل في سبيل الله. . .»، فذكر زيادة على حديث أبي هريرة: الحريق، وصاحب ذات الجنب، والمرأة تموت بجمع، وتوارد مع أبي هريرة في المبطون، والمطعون، والغريق، وصاحب الهدم.
فأما صاحب ذات الجنب: فهو مرض معروف، ويقال له الشوصة،
وأما المرأة تموت بجمع، فهو بضم الجيم، وسكون الميم، وقد تفتح الجيم، وتكسر أيضا، وهي النفساء، وقيل: التي يموت ولدها في بطنها، ثم تموت بسبب ذلك، وقيل: التي تموت بمزدلفة، وهو خطأ ظاهر، وقيل: التي تموت عذراء، والأول أشهر.
قال: حديث جابر بن عتيك أخرجه أيضا أبو داود، والنسائي، وابن حبان، وقد روى مسلم من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة – يعني: حديث الباب – شاهدا لحديث جابر بن عتيك، ولفظه: «ما تعدون الشهداء فيكم؟»، وزاد فيه، ونقص، فمن زيادته: «ومن مات في سبيل الله فهو شهيد»، ولأحمد من حديث عبادة بن الصامت نحو حديث جابر بن عتيك، ولفظه: «وفي النفساء يقتلها ولدها جمعا شهادة»، وله من حديث راشد بن حبيش نحوه، وفيه: «والسل»، وهو بكسر المهملة، وتشديد اللام.
وللنسائي من حديث عقبة بن عامر: «خمس من قبض فيهن فهو شهيد، فذكر فيهم النفساء».
وروى أصحاب «السنن»، وصححه الترمذي من حديث سعيد بن زيد، مرفوعا: «من قتل دون ماله فهو شهيد»، وقال في الدين، والدم، والأهل مثل ذلك.
وللنسائي من حديث سويد بن مقرن مرفوعا: «من قتل دون مظلمته فهو شهيد».
وفي رواية لأحمد: «والمجنوب شهيد»؛ يعني: صاحب ذات الجنب.
قال الحافظ رحمه الله:
والذي يظهر أنه لا أعلم بالأقل، ثم أعلم زيادة على ذلك، فذكرها في وقت آخر، ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك.
قال: وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة، فإن مجموع ما قدمته مما اشتملت عليه الأحاديث التي ذكرتها أربع عشرة خصلة، وتقدم في «باب من ينكب في سبيل الله» حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا: «من وقصه فرسه، أو بعيره، أو لدغته هامة، أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله تعالى فهو شهيد».
وصحح الدارقطني من حديث ابن عمر: «موت الغريب شهادة»، ولابن حبان من حديث أبي هريرة: «من مات مرابطا مات شهيدا» الحديث، وللطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا: «المرء يموت على فراشه في سبيل الله شهيد»، وقال ذلك أيضا في المبطون، واللديغ، والغريق، والشريق، والذي يفترسه السبع، والخار عن دابته، وصاحب الهدم، وذات الجنب.
ولأبي داود من حديث أم حرام: «المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد»، وقد تقدمت أحاديث فيمن طلب الشهادة بنية صادقة أنه يكتب شهيدا، وصح حديث فيمن صبر في الطاعون أنه شهيد، وفي حديث عقبة بن عامر فيمن صرعته دابته، وهو عند الطبراني، وعنده من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح: «أن من يتردى من رؤوس الجبال، وتأكله السباع، ويغرق في البحار لشهيد عند الله».
ووردت أحاديث أخرى في أمور أخرى لم أعرج عليها؛ لضعفها.
قال ابن التين رحمه الله: هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد لا بأن جعلها تمحيصا لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، يبلغهم بها مراتب الشهداء.
قال الحافظ: والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد، وابن حبان في «صحيحه» من حديث جابر، والدارمي، وأحمد، والطحاوي، من حديث عبد الله بن حبشي، وابن ماجه من حديث عمرو بن عبسة: أن النبي لا سئل أي الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده، وأهريق دمه».
وروى الحسن بن علي الحلواني في «كتاب المعرفة» له بإسناد حسن من حديث ابن أبي طالب رضي الله عنه، قال: «كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد، غير أن الشهادة تتفاضل».
قال: ويتحصل مما ذكر في هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان: شهيد الدنيا، وشهيد الآخرة، وهو: من يقتل في حرب الكفار، مقبلا غير مدبر، مخلصا، وشهيد الآخرة، وهو: من ذكر بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء، ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا.
وفي حديث العرباض بن سارية عند النسائي، وأحمد، ولأحمد من حديث عتبة بن عبد نحوه، مرفوعا: «يختصم الشهداء، والمتوفون على الفرش في الذين يتوفون من الطاعون، فيقول: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراح المقتولين، فإنهم معهم، ومنهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم».
وإذا تقرر ذلك فيكون إطلاق الشهداء على غير المقتول في سبيل الله مجازا، فيحتج به من يجيز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، والمانع يجيب بأنه من عموم المجاز، فقد يطلق الشهيد على من قتل في حرب الكفار، لكن لا يكون له ذلك في حكم الآخرة لعارض يمنعه؛ كالانهزام، وفساد النية، والله أعلم. انتهى كلام الحافظ رحمه الله. [«الفتح» (7) / (100) – (103)، كتاب «الجهاد» رقم ((2829))]، وهو بحث نفيس جدا.
و [انظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (ت (804))، (56) – كتاب الجهاد والسير، (30) – باب الشهادة سبع سوى القتل (17/ 452 – 461): ذكر جملة من الأحاديث وتعلم عن ما فيها].
وقد ألف السيوطي عفا الله عنه رسالة جمع فيها ما ورد في أسباب الشهادة، من الأخبار، وقد نظمت – القائل الإتيوبي رحمه الله – تلك الرسالة، ودونك نظمي المذكور:
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول راجي ربه سبحانه … محمد مستمنحا غفرانه
حمدا لمن قد منح الشهادة … لمن يشاء من ذوي السعادة
ثم الصلاة والسلام سرمدا … على النبي المصطفى محمدا
وآله وصحبه الكرام … والتابعين سبل السلام
وبعده: فهذه إفاده … لمن أراد طرق الشهادة
نظمتها مما السيوطي جمعه … ليسهل الحفظ لمن له سعه
سميتها إتحاف ذي السعادة … بذكر ما يوصل للشهادة
وأسأل الله القبول والرضا … والختم بالحسنى إذا العمر انقضى
(منها) الشهادة لمبطون ترى … والتاجر الصدوق نعم متجرا
والحرق والحمى وذا قد ضعفا … ومن من المركوب صرعه وفا
ومن دعا بدعوة ليونس … لكنه واه فلا تستأنس
ورجل قام إلى إمام … ذي الجور آمرا بأمر سامي
والسل والشريق والشهيد … أي في سبيل الله نعم العيد
صاحب ذات الجنب أو ذو الهدم … والطعن والطاعون خذ بالفهم
كذا الغريب والحديث ضعفا … وللغريق ثابت فلتعرفا
وكل مؤمن يموت ذا له … إن ثبت الحديث ما أجمله
ومن يزكي طيب النفس إذا … قتل مظلوما شهيد حبذا
ومن تردى من جبال أو عدا … عليه سبع فرماه بالردى
ومن إلى مصر طعاما جلبا … لكن حديثه لضعف نسبا
ومن له السلطان ظلما حبسا … أو مات بالضرب فما به أسى
ومن بصدق طلب الشهاده … يعطى وإن يمت على الوساده
كذاك من سعى على العيال … بسند واه فلا تبالي
وامرأة غيرى صبور وطعن … في صحة الحديث بعض من فطن
وامرأة ماتت بجمع أي ولد … في بطنها وقيل بكر يا سند
كذاك من صلى الضحى وصاما … ثلاثة والوتر قد أداما
لكن في إسناده أيوب … ابن نهيك عندهم معيوب
كذاك من عاش مداريا فلم … أعرف حديثه بصحة تؤم
ومن يمت بعشقه إذا كتم … وعف والحديث بالضعف اتسم
كذاك من يقل صباحا ومسا … أعوذ بالله السميع ذا ائتسا
مع قراءة انتهاء «الحشر» … لكن حديثه ضعيف القدر
كذاك ما أخرج الاصبهاني … لكنه واه فلا تعاني
ومن يقل بارك لي الموت وما … من بعده خمسا وعشرين نما
فمات في الفراش لكن الخبر … ما صح في هذا فلا تلق النظر
كذاك من صلى على النبي مائه … وفيه مجهول فكن خير فئه
كذاك من قتل دون أهله … أو دمه أو دينه أو ماله
أو دون مظلمته أو لدغت … أفعى ولكن الحديث ما ثبت
ومن تلا الحشر لدى المنام قد … نال وما فيه أتى لا يعتمد
كذلك الملدوغ فيه وردا … ما ضعفه لدى الوعاة قد بدا
ومن على فراشه يموت … في حالة الغزو ونعم الموت
ومن يمت بمرض وعللا … بكونه مصحفا قد بدلا
من قوله «مرابطا» وإن يمت … في طلب العلم ولكن ما ثبت
وموت جمعة إذا صح كذا … موقوص مركوب إذا مات بذا
موت المسافر إذا صح الخبر … ومائد البحر له جاء الأثر
والمتمسك بسنة النبي … عند الفساد والحديث ما اجتبي
وحامل للوضع والفصال … فكالمرابط لحسن الحال
فإن تمت أجر الشهيد نالها … إن ثبت الحديث ما أجلها
ومن يمت مرابطا والخبر … بذكره شهادة قل منكر
مؤذن محتسب مثل الشهيد … لكن ما أتى به غير سديد
والنفساء ذا لها قد وردا … ونسأل الإله حظ الشهدا
ويجعل الفردوس أعلى الجنه … منزلنا فضلا له ومنه
والحمد لله تعالى وحده … يعطي الشهادة بيسر عبده
ثم الصلاة والسلام أبدا … على رسول الله خير من هدى
وآله وصحبه الأكارم … أهل التقى والفضل والمراحم
ما اشتاق مؤمن إلى الجهاد … وفاز بالفردوس باستشهاد
أبياتها خمسون مع زياده … نظمتها أرجو بها الإفاده
واختم لنا بالخير والعباده … واكتب لنا الحسنى مع الزياده
انتهت المنظومة الميمونة بعد صلاة العشاء ليلة السبت المبارك (23) / (2) / (1426) هـ. [البحر المحيط الثجاج].
=====
من لهم ثواب الشهداء
هناك أصناف تُعدّ مِن شهداء الآخرة، كما في حديث مخارق رضي الله عنه عن النبيّ لا في المقاتل دون ماله بلفظ: “قاتِل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة”.
فهؤلاء يُغسّلون ويُصلّى عليهم، ولهم أجر الشهداء في الآخرة، وهم:
(1) – مَن قُتل دون دِيْنِه.
(2) – المطعون.
(3) – الغريق.
(4) – صاحب ذات الجنب.
(5) – المبطون.
(6) – صاحب الحريق.
(7) – الذي يموت تحت الهدم.
(8) – المرأة تموت في نفاسها بسبب ولدها.
(10) – من قُتل دون ماله.
(11) – من قُتِل دون أهله.
(12) – من قُتل دون دمه ونفسه ومظلمته.
(13) – الموت بداء السِّلّ.
وأدلّة ذلك:
(1) – عن جابر بن عتيك رضي الله عنه أنّ رسول الله لا قال: “الشهادة سبعٌ سوى القتل في سبيل الله، المطعون شهيد، والغَرِق شهيد، وصاحب ذات الجنْب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيدة “.
(2) – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله لا: “ما تَعُدّون الشّهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله مَن قُتِل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إنّ شُهداء أُمّتي إذًا لقليل، قالوا: فمَن هم يا رسول الله؟ قال: مَن قُتل في سبيل الله فهو شهيد، ومَن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومَن مات في الطّاعون فهو شهيد، ومَن مات في البطن فهو شهيد”.
(3) – عن عُتبة بن عبدٍ السُّلمي رضي الله عنه عن النبيّ لا قال: “يأتي الشهداء والمُتوَفَّون بالطاعون، فيقول أصحاب الطاعون: نحن شهداء، فيقال: انظروا، فإنْ كانت جِراحهم كجراح الشهداء تسيل دمًا ريحَ المسك؛ فهم شُهداء، فيجدونهم كذلك”.
(4) – عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ لا قال: “الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغَرِق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله”.
(5) – وعن راشد بن حبيش رضي الله عنه: “أنّ رسول الله لا دخل على عبادةَ بن الصامت يعوده في مرضه، فقال رسول الله لا: أتعلمون مَن الشهيد مِن أمّتي؟ فأرَمَّ القوم، فقال عبادة: ساندوني. فأسندوه، فقال: يا رسول الله! الصابرُ المحتسبُ. فقال رسول الله لا: إنّ شهداء أمّتي إذًا لقليلٌ، القتلُ في سبيل الله عزوجل شهادةٌ، والطاعونُ شهادة، والغَرق شهادة، والبَطْنُ شهادة، والنُفساء يجرُّها ولدها بسَرَرِه إلى الجنّة، والحرِق، والسِّلُّ”.
(6) – وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: “سمعْتُ رسول الله لا يقول: مَن قُتِل دون ماله فهو شهيد”.
(7) – وعن أبي هريرة لا قال: “جاء رجل إلى رسول الله لا، فقال: يا رسول الله، أرأيت إنْ جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تُعطِه مالك، قال: أرأيت إنْ قاتلني؟ قال: قاتِلْه، قال: أرأيتَ إنْ قَتَلني، قال: فأنت شهيد، قال: أرأيتَ إنْ قتلتُه؟ قال: هو والنار”.
(8) – وعن مخارق رضي الله عنه قال: “جاء رجل إلى النبيّ لا فقال: الرجل يأتيني فيُريد مالي؟ قال: ذكِّره بالله، قال: فإن لم يَذْكُر؟ قال: فاستعن عليه مَن حولك مِن المسلمين، قال: فإنْ لم يكن حولي أحَدٌ مِن المسلمين؟ قال: فاستعن عليه السلطان، قال: فإنْ نأى السلطان عنّي (وعَجِل عليَّ)؟ قال: قاتِل دون مالك؛ حتى تكون من شهداء الآخرة، أو تمنع مالك”.
(7) – وعن سويد بن مقرّن رضي الله عنه قال: قال رسول الله لا: “من قُتل دون مظلمته فهو شهيد”.
(8) – وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبيّ لا قال: “مَن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومَن قُتِل دون دمه فهو شهيد”
الموسوعة الفقهية الميسرة للعوايشة
وراجع أيضا [الجامع الكامل في الحديث الصحيح، للأعظمي رحمه الله (7/ 363 – 372)].
وانظر لما يتعلق بأحاديث الباب: (235) – باب: بيان جماعة منَ الشهداء في ثواب الآخرة ويغسلون ويُصَلّى عليهم بخلاف القتيل في حرب الكفار، من رياض الصالحين.
وانظر أيضًا: (51) – باب بيان الشهداء، من صحيح مسلم.
======