12 – بَابُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ
50 – (2308) حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، ح وحَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ – وَاللَّفْظُ لَهُ – أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَلْقَاهُ، فِي كُلِّ سَنَةٍ، فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ»
50 – وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ، عَنْ يُونُسَ، ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ كِلَاهُمَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ
الفوائد
———-
قال ـ تعالى ـ في تعداد خِلال عباده المتقين: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: 3]، وقال ـ سبحانه ـ: {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 17 – 19]. وفي المقابل جاءت السنة مظهرة أن الحرص على الدنيا والشح بمتاعها منطلق شرٍ وسبيل هلكةٍ ومستودع النقائص والخلال الذميمة، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «شر ما في الرجل: شح هالع، وجبن خالع»، أخرجه أبوداود، وهو في الصحيح المسند 1392وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إياكم والشح؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالشح: أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا». أخرجه أحمد، وهو في الصحيح المسند 795
قال ابن حجرٍ في فتح الباري:
وَمَعْنَى أَجْوَد النَّاس: أَكْثَر النَّاس جُودًا , وَالْجُود الْكَرَم , وَهُوَ مِنْ الصِّفَات الْمَحْمُودَة …. وَالتَّقْدِير: كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدَّة كَوْنه فِي رَمَضَان أَجْوَد مِنْهُ فِي غَيْره ….. وَالْجُود فِي الشَّرْع إِعْطَاء مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي , وَهُوَ أَعَمّ مِنْ الصَّدَقَة. وَأَيْضًا فَرَمَضَان مَوْسِم الْخَيْرَات ; لِأَنَّ نِعَم اللَّه عَلَى عِبَاده فِيهِ زَائِدَة عَلَى غَيْره , …. وَالريح الْمُرْسَلَة أَيْ: الْمُطْلَقَة يَعْنِي أَنَّهُ فِي الْإِسْرَاع بِالْجُودِ أَسْرَع مِنْ الرِّيح , وَعَبَّرَ بِالْمُرْسَلَةِ إِشَارَة إِلَى دَوَام هُبُوبهَا بِالرَّحْمَةِ , وَإِلَى عُمُوم النَّفْع بِجُودِهِ كَمَا تَعُمّ الرِّيح الْمُرْسَلَة جَمِيع مَا تَهُبّ عَلَيْهِ.
قال صاحبنا أبو بلال المسلمي:
أَمَّا قَوْلُهُ (وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ) فَرُوِيَ بِرَفْعِ أَجْوَدَ وَنَصْبِهِ وَالرَّفْعُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَالرِّيحُ الْمُرْسَلَةُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْمُرَادُ كَالرِّيحِ فِي إِسْرَاعِهَا وَعُمُومِهَا.
وَقَوْلُهُ: كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ وَالنُّسَخِ قَالَ وَفِي بَعْضِهَا كُلَّ لَيْلَةٍ بَدَلُ سَنَةٍ قَالَ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ لَكِنَّهُ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يَنْسَلِخَ بِمَعْنَى كُلِّ لَيْلَةٍ.
————-
قال صاحبنا أحمد بن علي:
قال الشيخ العباد في شرح سنن أبي داود:
لقد بين الله تبارك وتعالى حقارة هذه الدنيا ومتاعها، وبين النبي صلى الله عليه وسلم كذلك هذا المعنى وجعله واقعاً ملموساً في حياته صلى الله عليه وسلم، فما ادخر شيئاً لنفسه، بل كان يقسم الفيء والغنائم وحتى خمسه للفقراء والمساكين، وقد ربى النبي أصحابه وكذا ابنته فاطمة على هذا المعنى، وأوصاهم بما هو خير لهم من هذه الدنيا الزائلة، وقد كان صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة، لا يرد أحداً سأله، ولا يمنع عطائه ممن منعه، ولا يداهن في الحق أحداً، فهو القرآن الذي يمشي على الأرض.
—-
قال صاحبنا عبدالله الديني:
(كان أحسن الناس) صورة وسيرة (وأجود الناس) بكل ما ينفع حذف للتعميم أو لفوت إحصائه كثرة ?ن من كان أكملهم شرفا وأيقظهم قلبا وألطفهم طبعا وأعدلهم مزاجا جدير بأن يكون أسمحهم صلة وأنداهـم يداً ولأنه مستغن عن الغانيات بالباقيات الصالحات ولأنه تخلق بصفات الله تعالى التي منها الجود // فيض القدير 71/ 5
قال ابن القيم:
والفرق بين الجود والسرف أن الجواد حكيم يضع العطاء مواضعه، والمسرف مبذر وقد يصادف عطاؤه موضعه وكثيرا لا يصادفه. ” الروح ” (ص 235).
وقال ابن حجر في قوله (الريح المرسلة):
لأن الريح قد تسكن، وفيه الاحتراس؛ لأن الريح منها العقيم الضارة ومنها المبشرة بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثانية , وأشار إلى قوله تعالى {وهو الذي يرسل الرياح بشراً}، {والله الذي أرسل الرياح} ونحو ذلك , فالريح المرسلة تستمر مدة إرسالها , وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان ديمة لا ينقطع.” فتح الباري ” (9/ 45).
قال ابن القيم: والجود عشر مراتب:
أحدها: الجود بالنفس، وهو أعلى مراتبه كما قال الشاعر:
يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
الثانية: الجود بالرياسة، وهو ثاني مراتب الجود، فيحمل الجواد جوده على امتهان رياسته والجود بها والإيثار في قضاء حاجات الملتمس.
الثالثة: الجود براحته ورفاهيته وإجمام نفسه فيجود بها تعباً وكدّاً في مصلحة غيره، ومن هذا جود الإنسان بنومه ولذته لمسامره كما قيل:
متيم بالندى لو قال سائله هب لي جميع كرى عينيك لم ينم
ومعنى البيت: أن هذا الرجل كريم قد استولى عليه الكرم، حتى لو سأله سائل وطلب منه أن يهب له جميع نومه لأعطاه سؤاله ولم ينم.
الرابعة: الجود بالعلم وبذله، وهو من أعلى مراتب الجود، والجود به أفضل من الجود بالمال؛ لأن العلم أشرف من المال، والناس في الجود به على مراتب متفاوتة، وقد اقتضت حكمة الله وتقديره النافذ أن لا ينفع به بخيلاً أبداً، ومن الجود به أن تبذله لمن يسألك عنه بل تطرحه عليه طرحاً، ومن الجود بالعلم أن السائل إذا سألك عن مسألة استقصيت له جوابها …
الخامسة: الجود بالنفع بالجاه كالشفاعة والمشي مع الرجل إلى ذي سلطان ونحوه وذلك زكاة الجاه المطالب بها العبد كما أن التعليم وبذل العلم زكاته.
السادسة: الجود بنفع البدن على اختلاف أنواعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين اثنين صدقة ويعين الرجل في دابته فيحمله عليها أو يرفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة يمشيها الرجل إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة ” متفق عليه.
السابعة: الجود بالعِرْض بأن يعفو عن كل من شتمه أو اعتابه وفي هذا الجود من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلص من معاداة الخلق ما فيه.
الثامنة: الجود بالصبر والاحتمال والإغضاء، وهذه مرتبة شريفة من مراتبه، وهي أنفع لصاحبها من الجود بالمال وأعز له وأنصر وأملك لنفسه وأشرف لها ولا يقدر عليها إلا النفوس الكبار فمن صعب عليه الجود بماله، فعليه بهذا الجود فإنه يجتني ثمرة عواقبه الحميدة في الدنيا قبل الآخرة.
التاسعة: الجود بالخُلق والبِشر والبسطة، وهو فوق الجود بالصبر والاحتمال والعفو، وهو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وهو أثقل ما يوضع في الميزان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط إليه “، وفي هذا الجود من المنافع والمسار وأنواع المصالح ما فيه والعبد لا يمكنه أن يسع الناس بحاله ويمكنه أن يسعهم بخلقه واحتماله.
العاشرة: الجود بتركه ما في أيدي الناس عليهم فلا يلتفت إليه ولا يستشرف له بقلبه ولا يتعرض له بحاله ولا لسانه، وهذا الذي قال عبد الله بن المبارك إنه أفضل من سخاء النفس بالبذل، فلسان حال القدر يقول للفقير الجواد: وإن لم أعطك ما تجود به على الناس فجُد عليهم بزهدك في أموالهم وما في أيديهم تفضل عليهم وتزاحمهم في الجود وتنفرد عنهم بالراحة
ولكل مرتبة من مراتب الجود مزيد وتأثير خاص في القلب والحال، والله سبحانه قد ضمن المزيد للجواد والإتلاف للممسك، والله المستعان.
” مدارج السالكين ” (2/ 293 – 296) بتصرف يسير.
—-
قال صاحبنا أحمد بن علي ونقل بعض هذه الفوائد أيضاً صاحبنا رجب:
قال ابن الملقن في التوضيح:
فوائده:
أولاً: سبب الجود في رمضان:
الأولى: فيه كما قال القاضي: تجديد الإيمان واليقين في قلبه بملاقاة الملك، وزيادة ترقيه في المقامات بمدارسته
ونقل صاحبنا رجب: أن الحكمة فيه؛ أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس , والغنى سبب الجود.
ثانيها: أنه شهر الصوم، فإعطاء الناس والإحسان إليهم إعانة لهم على (الفطر) والسحور.
ثالثها: أن الإنعام يكثر فيه، فأحب الشارع أن يوافق ربه في الكرم.
رابعها: أن كثرة الجود كالشكر لترداد جبريل إليه في كل ليلة.
خامسها: أنه لما كان يدارسه القرآن زادت معاينته الآخرة فأخرج ما في يده (من) الدنيا.
وراجع كشف المشكل
الثانية: استحباب مدارسة القرآن وكذا غيره من العلوم الشرعية،
الثالثة: مجالسة الصالحين فإنه ينتفع بهم.
الرابعة: استحباب إكثار قراءة القرآن في رمضان فإنه – صلى الله عليه وسلم – فعل ذلك للتأسي.
الخامسة: الحث على الجود والإفضال في كل الأوقات والزيادة منه في شهر رمضان، ومواطن الخير، وعند الاجتماع بالصالحين.
السادسة: زيارة الصالحين وأهل الفضل ومجالستهم كما سلف وتكرير زيارتهم وتواصلها إذا كان المزور لا يكره ذلك ولا يتعطل به عن مهم.
السابعة: أنه لا بأس بقول: رمضان من غير ذكر شهر، وهذا هو المذهب الصحيح المختار
الثامنة: أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح وسائر الأذكار، لأنه تكرر اجتماعهما عليه دون الذكر، لا يقال: المقصود تجويد الحفظ، فإنه كان حاصلا والزيادة فيه تحصل ببعض هذه المجالس. اهـ
قال صاحبنا رجب ومن الفوائد التي استنبطها الحافظ ابن حجر رحمه الله أنه قال: وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان ; لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث ابن عباس , فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان , فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة رضي الله عنها، ولهذا أورد هذا الحديث الإمام البخاري في كتاب بدء الوحي.
قال صاحبنا عبدالحميد فوائد أخرى:
– مدارسة القرآن (فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن) أي ما نزل منه، وفي هذه الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يعرض، وفي رواية للبخاري “كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم” والمعنى يستعرضه ما أقرأه إياه، فيحمل الأمر على أن كلا منهما كان يعرض على الآخر، ويؤيده رواية للبخاري “فيدارسه القرآن”.
– وفيه أن القرآن يطلق على بعضه، وعلى معظمه، كما يطلق على كلمه، لأن أول رمضان من البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه … وقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم [المائدة: 3] فإنها نزلت يوم عرفة، والنبي صلى الله عليه وسلم في عرفة، بالاتفاق،
قال الحافظ ابن حجر: فيستفاد من هذا أن القرآن يطلق على البعض مجازا، ومن ثم لا يحنث من حلف: ليقرأن القرآن، فقرأ بعضه، إلا إن قصد الجميع
– وفيه أن مداومة تلاوة القرآن توجب زيادة الخير.
– وفيه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة فيه.
– وأن ليل رمضان أفضل من نهاره.
– وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم، لأن الليل مظنة ذلك، لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية.
– وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس، لتقريبه إلى الأذهان.
– وفيه استحباب تكثير العبادة في آخر العمر.
فتح المنعم |فتح الباري لابن حجر |شرح النووي
قلت (سيف):وسيأتي بعد باب واحد أمثلة ووقائع
من جوده صلى الله عليه وسلم
(2015) / (10) / (08)، (12): (17) م – سيف الكعبي: ——
وهذه تتمات على فوائد الأصحاب:
ـ للخيرات مواسم فلنغتنمها
-إذا صام الجسد عن الطعام تسمو الروح وتكون في أفضل أحوالها لتنتفع بغذائها وغذاء الروح هو القرآن، ولهذا نجد أن موسى عليه الصلاة والسلام أمر بالصيام أربعين يوما ليكون في أفضل أحواله وهو يناجي ربه.
-قال باحث: العلاقة بين القرآن والصيام والربط بينهما ظاهرة من وجوه:
1 – أن كلا منهما مذكر بالمقصد الأعظم في التشريع وهو الهداية والتقوى؛ ولهذا قال في أول السورة عن القرآن (هدى للمتقين” وقال في أول آيات الصيام عن الصيام) لعلكم تتقون”.
2 – الصيام سبب لارتفاع القلب من الاتصال بالعلائق البشرية إلى الاتصال والتعلق بالعلائق السماوية التي نزل منها القرآن.
3 – الصيام سبب لصفاء الفكر ورقة القلب التي هي سبب الانتفاع بالقرآن والاهتداء به. ولهذا قال الله تعالى {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس} انتهي مع حذف مصادر التفسير
-جمع باحث اربعون حديثا في فضائل القرآن أول حديث: في صحيح ابن حبان عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبشروا وأبشروا أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قالوا: نعم، قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا. وهو في الصحيح المسند 1231
وآخر حديث من جمعه رقم: (40) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذا للقرآن، فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد.
أخرجه البخاري: حديث/1282، 1/ 452، ومسلم: حديث/ 2296.
وأسأل الله أن ييسر عرضها والحكم عليها، ولعلنا إن شاء الله نقوم بهذا في كتاب فضائل القرآن.
قال باحث: هناك فرقٌ بين السخيِّ والجوادِ أو الكريم:
فالسّخيّ: يعطي ولكن بسؤال.
والجواد: يعطي دونَ سؤال.
وقد اتصف نبي الله (عليه الصلاة والسلام) بالخلقين الكريمين , فقد روى الشيخان أنه كان: من أجودِ الناس بالخير. وقد روى الشيخان -على ما بوبه البخاري باب في سخاء النبي-: ما سئل النبي عن شيء قط فقال: لا.!!
أقول: ولعلَّ معنى “الكرم ” جامع لكل خصالِ الخير، وقد تطلق على ما يستقبل به الضيف ” كرماً “.انتهى
– ينقلون أن العرب من خصالهم الكرم، بل بعضهم اشتهر بذلك
يقول حاتم الطائي لغلامه:
أوقِدْ فإن الليلَ ليلٌ قرُّ …… والريحُ يا غُلامُ ريحٌ صَرُّ
عَسى يَرى نارَكَ مَنْ يَمُرُّ …. إِنْْ جَلَبَتْ ضيفاً فأَنت حُرُّ
عن عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِى كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ «إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ أَمْراً فَأَدْرَكَهُ». يَعْنِى الذِّكْرَ.
عَن ابن عُمَر قال: ذكر حاتم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذاك رجلاً أراد أمرا فأدركه.
الحديث صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (3022) وضعّفه أبو حاتم – كما قال الألباني
ولكن الألباني ذكر شاهدا له أخرجه أحمد:
عن عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِى كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ «إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ أَمْراً فَأَدْرَكَهُ». يَعْنِى الذِّكْرَ.
هو في المسند برقم 18263 – طبعة الرسالة –
وقال الألباني بعد الإشارة إليه: وأخرجه ابن حبان وغيرهما، ثم قال:
(فهو به حسن – على الأقل – إن شاء الله تعالى)
وحسنه محققو المسند بشاهده من حديث عائشة سألت عن ابن جدعان وأنه يصل رحم ويطعم المسكين، فعل ذلك نافعه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
قلت: نقل باحث أن عثمان الدارمي في تاريخه رقم 766: سألت يحيى بن معين عن مري بن قطري؟ فقال: ثقة فيصبح حديث «إِنَّ أَبَاكَ أَرَادَ أَمْراً فَأَدْرَكَهُ»
حسن أو صحيح.
وكرم نبينا – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – يفوق ذلك كله وهو أجود الناس وما عرفت البشرية إلى يومك هذا كرما وجودا ككرمه وجوده – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – بأبي هو وأمي
ومما ورد في كرم النبي صلى الله عليه وسلم:
– كانت الأمة من أهل المدينة تأخذ بيده صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت من المدينة في حاجتها. (رواه ابن ماجة وصححه الالباني).
– وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: “ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا”. (متفق عليه).
– وعن أنس رضي الله عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاسلام شيئاً إلا اعطاه. قال: فجاءه رجل، فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة. (رواه مسلم).
– و قال صفوان بن أمية: “والله لقد اعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي” (رواه مسلم).
– وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقفلة من حنين، علقت به الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سَمُرة، فخطفت رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ردوا علي ردائي، فوالله لو كان لي عدد هذه العضاه نعماً، لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً، ولا كذاباً ولا جباناً (رواه البخاري2821).
– وكان الجود خلق نبينا صلى الله عليه وسلم حتى قبل البعثة، فإنه لما نزل عليه الملك بحراء، وجاء الى خديجة يرتجف، قالت له: كلا والله لا يخزيك الله ابداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
– وقال أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدّخر شيئاً لغد. (رواه الترمذي وصححه الالباني)
قلت (سيف): وذكر الترمذي إلى أنه روي مرسلا. وعلى فرض صحته راجع توجيهه في الضعيفة 6743 حيث حمل هذا الحديث على الادخار لنفسه، وما ورد من الادخار أنه لغيره.
– وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سأل ناس من الانصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاهم ما سألوه، ثم سألوه فأعطاهم ما سألوه، ثم سألوه فأعطاهم ما سألوه، حتى اذا نفد ما عنده قال: “ما يكون عندي فلن أدخره عنكم. الحديث (رواه اصحاب السنن).
-عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا، وقال بيديه جميعاً …. )
-وجاء رجل يتقاضى النبي صلى الله عليه وسلم بكرا فأعطاه سنا فوق سنه.
-وكان يكرم الجياع من المهاجرين كما في قصة المقداد حين قدموا جياعاً، وقصة أبي هريرة وقصة الأعرابي الذي قال: أعطني من مال الله لا من أبيك ولا أمك وغيرها من العطايا بل مرة أبي أن يدخل البيت حتى يخلصه بلال من مال كان بقي عنده.
بل جمع النبي صلى الله عليه وسلم أنواع الجود التي سبق أن نقلناها من كلام ابن القيم:
جاد بنفسه في سبيل الله فكسرت رباعيته وشج وجهه وسال الدم منه صلوات الله وسلامه عليه. والجود بالنفس أقصى غاية الجود؛ وجاد بجاهه ومن أمثلة ذلك شفاعته صلى الله عليه وسلم لمغيث زوج بريرة رضي الله عنهما لما عتقت واختارت فراقه أشار عليها أن تبقى في عصمته رحمة منه صلى الله عليه وسلم بزوجها مغيث. وأخص الأمثلة في ذلك ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من شفاعته في أهل الموقف، وجاد صلى الله عليه وسلم بما أعطاه الله من المال، ولقد جاءت إليه صلى الله عليه وسلم امرأة ببردة منسوجة فقالت نسجتها بيدي لأكسوكها فأخذها صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها ولبسها فقل رجل من الصحابة: “أكسينها يا رسول الله”. فقال صلى الله عليه وسلم: “نعم” … فقال: “إني والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني “قال سهل بن سعد رضي الله عنه: “فكانت كفنه”
وقد بلغ رسالة ربه أحسن البلاغ حتى أتاه اليقين، فجاد بتعليم الناس.
قال صاحبنا أبوصالح: قال ابن القيم كما في مفتاح دار السعادة: قال أحمد الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس …
ولقد وصف الله الأنصار في كتابه العزيز بصفة الإيثار في قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} وقد يسر لهم رب العزة الأسوة الحسنة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
وجوده صلى الله عليه وسلم في العطاء لبعض الناس إنما هو لتأليفهم على الإسلام، فكثيرا ما كان يخص حديثي العهد بالإسلام بوافر العطاء دون من تمكن الإيمان في نفوسهم. ففي غزوة حنين أعطى أكابر قريش المئات من الإبل.
وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبذل المال في سبيل نصرة الإسلام والدعوة إليه والترغيب فيه، ينفق مال الله الذي آتاه في سبيل الله حتى توفاه الله ودرعه مرهونة في دين عليه صلوات الله وسلامه عليه.
ولم تكن تلك سجيته وحده -صلى الله عليه وسلم-، بل كانت خُلُقَ الأجلَّةِ المتبوعين من أصحابه الكرام رضي الله عنهم، فهذا أبوبكر الصديق وعمر وعلي وعثمان وابن عوف و الزبير و طلحة، وابن عمر و ابن عباس وأبو هريرة وابن مسعود وجعفر رضي الله عنهم
وعائشة ـ رضي الله عنها ـ كانت تقسم سبعين ألفاً، وفرقت في يوماً مائة ألف درهم، وهي صائمة فتقول لها خادمها: «ما استطعتِ فيما فرقت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً نفطر عليه؟ فقالت: لا تعنِّفيني، لو ذكرتيني
فلله در الصحابة الكرام الذين كانوا يرون في أوقات الأزمات أن لا حق لأحدهم بما زاد عن حاجته، كما في حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة: ( …. حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل)
تنبيه: الجود عكسه البخل:
قال حبيش بن مبشر: «قعدت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والناس متوافرون، فأجمعوا على أنهم لا يعرفون رجلاً صالحاً بخيلاً»
ولعلنا إن شاء نعرض صفة البخل والنصوص الواردة في ذمها في مبحث آخر.
تنبيه: قال صاحبنا أبوصالح:
– قال ابن عمر رضي الله عنهما:” ما رأيت أحدا أنجد، ولا أجود، ولا أشجع، ولا أضوأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
أخرجه ابن سعد في الطبقات، و الدارمي في سننه، وابن أبي الدنيا في مكارم الاخلاق، والدينوري في المجالسة، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو نعيم في الحلية، والضياء كما في المنتقى من مسموعات مرو من طرق عن يزيد بن هارون قال أخبرنا مسعر عن عبد الملك بن عمير عن ابن عمر به.
قال أبو نعيم الاصبهاني لم نكتبه إلا من حديث يزيد بن هارون عن مسعر.
قال العراقي كما في تخريج الاحياء سند صحيح.
والحديث علقه ابن عبد البر في الاستذكار وقال “أمجد” بد? من “أنجد”
ملاحظة: كلمة “أضوأ” وردت في بعض الطرق “أوضأ” وفي بعضها غير ذلك.
يبقى النظر هل سمع عبد الملك بن عمير من عبد الله بن عمر؟
أقول لا شك أنه أدركه إدراكا بينا، لكن في النفس شيء من سماعه منه بعد أن وصفه ابن حبان بالتدليس، ولم يذكر الحافظ المزي في تهذيبه رواية له عن ابن عمر في الكتب الستة.
أخشى أن يكون منقطعا لهذا السبب.
أما الكلام في الشواهد فواسع، ثم هو في السيرة، وليس في الحلال والحرام، فربما يتساهل في مثل ذلك. انتهى
وكذلك حديث: (إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير)
ذكره البيهقي في فضائل الأوقات وفيه أبوبكر الهذلي متروك، وخالف أصحاب الزهري راجع كلام البيهقي، وراجع اتحاف المهرة 7/ 382
من فوائد الجود:
– دليل كمال الإيمان، وحسن الظن بالله.
– حب الناس له
– رفعة مكانته في الآخرة
– يقل اعداؤه وحساده