تحضير سنن أبي داود (2160)، (2161)، (2162)، (2163)، (2164)
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد ومحمد سيفي وسلطان الحمادي
_______
بَابٌ فِي جَامِعِ النِّكَاحِ
2160 – حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ حَيَّانَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا، فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: زَادَ أَبُو سَعِيدٍ، ثُمَّ لِيَأْخُذْ بِنَاصِيَتِهَا وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ
[حكم الألباني]: حسن
2161 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ” لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَاتِيَ أَهْلَهُ، قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، ثُمَّ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا ”
[حكم الألباني]: صحيح
2162 – حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا»
[حكم الألباني]: حسن
2163 – حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا، يَقُولُ: ” إِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ: إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَاءِهَا كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سبحانه وتعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] ”
[حكم الألباني]: صحيح
2164 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الْأَصْبَغِ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” إِنَّ ابْنَ عُمَرَ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ أَوْهَمَ إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَاتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي، حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] أَيْ: مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ
[حكم الألباني]: حسن
______
قال العباد:
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [باب في جامع النكاح].
ويقصد بهذه الترجمة أموراً متفرقة في النكاح، لأن ما سيورده ليس في موضوع واحد أو في مسألة واحدة، وإنما هو في مسائل متفرقة وفي أمور متفرقة يجمعها أنها في النكاح
[شرح سنن أبي داود للعباد 248/ 3 بترقيم الشاملة آليا]
قال ابن رسلان:
(عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تزوج أحدكم امرأة) ظاهره أن هذا الدعاء يقال عند دخوله على أهله، وبوب عليه ابن ماجه: باب ما يقول إذا دخل عليه أهله، ولفظه: “إذا أفاد أحدكم امرأة” (1) (أو اشترى خادمًا) يعني الجارية أو الغلام كما في رواية النسائي (2) والحاكم في المستدرك (3) (فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه) قال في النهاية: أي خلقتها وطبعتها عليه (وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها) لفظ ابن ماجه والحاكم: “جبلت” (4) (عليه، وإذا اشترى بعيرًا) لفظ ابن ماجه وغيره: “دابة”، وهو أعم؛ فإنه يشمل البقر والغنم والخيل والبغال ونحو ذلك (فليأخذ بذروة) بكسر الذال المعجمة وسكون الراء المهملة، ويقال: بضم الذال وهو أعلى جزء من السنام، وذروة الجبل وكل شيء أعلاه، والسنام للبعير كالألية للغنم، وجمعه أسنمة (وليقل مثل ذلك) ويستحب أن يقول مع ذلك: اللهم بارك لي فيه وارزقني منه.
(قال المصنف: زاد أبو سعيد) عبد الله بن سعيد الأشج شيخ المصنف في روايته (ثم ليأخذ بناصيتها) شعر مقدم الرأس، جمعها النواصي، والناصاة والناصية لغير طيء (وليدعو) كذا الرواية بإثبات الواو بعد لام الأمر، وكان حقها أن تحذف كما في بعض النسخ …
(بالبركة) وهي زيادة الخير، وقيل: دوامه من البركة التي فيها الماء الدائم. (في العبد والخادم) والدابة.
قال ابن أبي جمرة: فمن نسي التسمية حتى أولج فيقول: جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ويترك التسمية تنزيهًا لاسم الله ويحصل المقصود، ومن تركه الاتباع (1).
وبوب البخاري على هذا الحديث في الوضوء: باب التسمية على كل حال وعند الوقاع. قال ابن بطال: فيه حث وندب على ذكر الله في كل وقت على طهارة وغيرها، ورد على قول من قال: لا يذكر الله إلا وهو طاهر، وفيه أن تسمية الله عند ابتداء كل عمل مستحبة تبركًا بها واستشعارًا بأن الله هو الميسر لذلك العمل والمعين عليه (2).
(اللهم جنبنا) أي: باعدنا عنه، والجنابة البعد (الشيطان) يعني: وذريته (وجنب الشيطان) فإن قيل: لم خاف على المجامع مسندًا إليه وفاعل المرزوق هو الله تعالى؟ قلت: يشبه أن يكون لما كان المجامع بالغًا ينسب إليه الاكتساب الذي يذم عليه ويمدح جاء بلفظ جنبنا وأضيف التجنب إليه، وطلب من الله أن يعينه على التجنب عن الشيطان، ويوفقه لذلك، ولما كان المولود طفلًا ليس له اكتساب ولا حركة أضيف الفعل إلى الله تعالى فقيل: جنب الشيطان (ما رزقتنا) (ما) هو المفعول الثاني لجنب، والمراد منه الولد، وإن كان اللفظ أعم ذلك، وفيه دليل على أن الرزق ليس مخصوصًا بالغداء والعشاء، بل يعم كل ما ينتفع به ولو كان حرامًا، والعائد إلى الموصول محذوف وهو ضمير المفعول الثاني للرزق الذي هو كالإعطاء في أحد المفعولين (ثم قدر أن يكون بينهما ولد) لفظ البخاري: “ثم قدر بينهما في ذلك، أو قضي ولد”. والولد يشمل الذكر والأنثى والقضاء والنذر لا فرق بينهما لغةً، وفي الاصطلاح: القضاء هذا الأمر الكلي الإجمالي الذي في الأزل، والقدر وهو جريان ذلك الكلي وتفاصيل ذلك المجمل الواقعة، قاله الكرماني في النكاح (1).
(في ذلك) الجماع (لم يضره) بفتح الراء؛ لأنه أخف الحركات وضمها لاتباع الضاد والضم أفصح، رواية ابن ماجه: “ثم كان بينهما ولد لم يسلط عليه” (2) (الشيطان (3) أبدًا) نسخة: شيطان.
إن قيل: معنى (لم يضره) لم يصرعه شيطان، وقيل: لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته ويطعن في خاصرة من لا يقال في جماعه ذلك.
قال عياض: ولم يحمله أحد على العموم على جميع الضرر والوسوسة والإغواء (4).
قال القرطبي: أما قصره على الصرع وحده فليس بشيء؛ لأنه تحكم بغير دليل مع صلاحية اللفظ له ولغيره، وأما القول الثاني ففاسد؛ بدليل قوله عليه السلام: “كل مولود يطعن الشيطان في خاصرته إلا ابن مريم فإنه جاء يطعن في خاصرته فطعن في الحجاب” (5)؛ وهذا يدل على أن الناجي من هذا هو عيسى عليه السلام وحده؛ لخصوص دعوة أمه {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (6)، ثم إن طعنه ليس بلازم منه الضرر؛ لأنه طعن كثيرًا من الأنبياء والأولياء ولم يضرهم ذلك. ومقصود الحديث أن الولد يقال له ذلك يحفظ من إضلال الشيطان وإغوائه؛ لأنه يكون من جملة العباد المخصوصين بقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (1)، وذلك ببركة دعاء الأبوين وبركة اسم الله (2)
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 9/ 510]
قال الشوكاني:
[بَابُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْبِنَاءُ عَلَى النِّسَاءِ وَمَا يَقُولُ إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ]
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد، وَرِجَالُ إسْنَادِهِ إلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ ثِقَاتٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَلَفْظُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «إذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ» وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذُرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ لِيَاخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا» يَعْنِي الْمَرْأَةَ وَالْخَادِمَ وَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ.
اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبِنَاءِ بِالْمَرْأَةِ فِي شَوَّالٍ وَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَصَدَ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِخُصُوصِيَّةٍ لَهُ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، لَا إذَا كَانَ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى طَرِيقِ الِاتِّفَاقِ، وَكَوْنُهُ بَعْضَ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ، فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَقَدْ تَزَوَّجَ صلى الله عليه وسلم بِنِسَائِهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى حَسَبِ الِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَتَحَرَّ وَقْتًا مَخْصُوصًا، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْوُقُوعِ يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ لَكَانَ كُلُّ وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تَزَوَّجَ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسْتَحَبُّ الْبِنَاءُ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ. وَالْحَدِيثُ الثَّانِي فِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِمَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ وَمِلْكِ الْخَادِمِ وَالدَّابَّةِ، وَهُوَ دُعَاءٌ جَامِعٌ لِأَنَّهُ إذَا لَقِيَ الْإِنْسَانُ الْخَيْرَ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ دَابَّتِهِ وَجُنِّبَ الشَّرَّ عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ كَانَ فِي ذَلِكَ جَلْبُ النَّفْعِ وَانْدِفَاعُ الضَّرَرِ. قَوْلُهُ: (إذَا أَفَادَ أَحَدُكُمْ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: أَفَدْتُ الْمَالَ: اسْتَفَدْتَهُ وَأَعْطَيْتَهُ، انْتَهَى. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ
[نيل الأوطار 6/ 225]
قال ابن عثيمين:
ثم يقال للزوج: بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير، وبعض الناس يقول ما يقوله أهل الجاهلية: «بالرفاء والبنين»، نسأل الله ألا يعمي قلوبنا، يأتي لفظ عن الرسول عليه الصلاة والسلام خير وبركة ونعدل عنه، ربما لا يكون هذا رفاء، فربما يحصل من الخروق أكثر من الرفاء بين الزوج والزوجة، وقد تكون البنت خيراً من الابن بكثير.
ثم إذا زفت إليه يأخذ بناصيتها، ويقول: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه، لكن هل يقول ذلك جهراً أم سراً؟ نرى التفصيل في هذا، إن كانت امرأة متعلمة تدري أن هذا من المشروع فليقل ذلك جهراً، وربما تؤمِّن على دعائه، وإن كانت جاهلة فأخشى إن قال ذلك أن تنفر منه، وعلى كل حال لكل مقام مقال.
[الشرح الممتع على زاد المستقنع 12/ 35]
قال ابن قدامة:
فصل: ولا يَحلُّ وطءُ الزَّوجةِ فى الدُّبُرِ، فى قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم علىٌّ، وعبدُ اللَّهِ، وأبو الدَّرْداءِ، وابنُ عبَّاسٍ، وعبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو، وأبو هُرَيْرةَ. وبه قال سعيدُ بنُ المسيَّبِ، وأبو بكرِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ، ومُجاهِدٌ، وعِكرمَةُ، والشَّافعىُّ، وأصحابُ الرَّأى، وابنُ المنذرِ. ورُوِيَتْ إباحتُه عن ابنِ عمرَ، وزيد بنِ أسْلمَ، ونافعٍ، ومالكٍ. ورُوىَ عن مالكٍ أنَّه قال: ما أدركتُ أحدًا أقْتَدِى به فى دِينى يشُكُّ فى أنَّه حلالٌ. وأهلُ العراقِ مِن أصحابِ مالكٍ يُنْكِرونَ ذلك. واحتجَّ مَن أحَلَّه بقولِ اللَّه تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (37). وقولِه سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (38). ولَنا، ما رُوىَ أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِى مِنَ الحَقِّ، لَا تَاتُوا النِّسَاءَ مِنْ أَعْجَازِهِنَّ” (39). وعن أبى هُرَيْرةَ، وابنِ عبَّاسٍ، عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، قال: “لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امرأَةً فِى دُبُرِهَا”. رواهما ابنُ مَاجه (39). وعن ابنِ مسعودٍ، عَن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قال: “مَحَاشُّ (40) النِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ” (41). وعن أبى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ أَتَى (42) حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِى دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ” (43). روَاهُنَّ كلَّهُنَّ الأثرمُ. فأمَّا الآيةُ، فرَوى جابرٌ قال: كان اليهودُ يقولون: إِذا جامعَ الرَّجُلُ امرأتَه فى فَرْجِها مِن وَرَاءِها، جاءَ الولدُ أحولَ.
فأَنْزَلَ اللَّهُ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. مِن بينِ يدَيْها، ومِن خلفِها، غيرَ أَنْ لا يأْتِيَها إلَّا فى المَاتَى. مُتَّفَقٌ عليه (44). وفى روايةٍ: ائْتِهَا مُقْبِلَةً ومُدْبِرَةً، إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِى الْفَرْجِ. والآيةُ الأُخْرَى المرادُ بها ذلك
فصل: فإِنْ وطِئَ زوجتَه فى دُبُرِها، فلا حَدَّ عليه؛ لأنَّ له فى ذلك شُبْهةً، ويُعَزَّرُ؛ لفعلِه المُحرَّمَ، وعليها الغُسْلُ؛ لأنَّه إيلاجُ فَرْجٍ فى فَرْجٍ، وحكمُه حكمُ الوَطءِ فى القُبُلِ فى إفسادِ العباداتِ، وتَقْريرِ المَهْرِ، ووُجوبِ العِدَّةِ. وإِنْ كانَ الوطءُ لأجْنبيَّةٍ، وجَب حَدُّ اللُّوطىِّ، ولا مَهْرَ عليه؛ لأنَّه لم يُفَوِّت مَنْفَعةً لها عِوَضٌ فى الشَّرعِ. ولا يحصُلُ بوَطْءِ زَوْجتهِ (45) فى الدُّبرِ إحْصانٌ، إنَّما يحصُلُ بالوَطْءِ الكاملِ، وليس هذا بوطءٍ كاملٍ، ولا الإِحْلالُ (46) للزَّوجِ الأوَّلِ؛ لأنَّ المرأةَ لا تذُوقُ به عُسَيْلةَ الرَّجُلِ. ولا تحصُلُ به الفَيْئَةُ، ولا الخُروجُ مِنَ العُنَّةِ؛ لأنَّ الوَطْءَ فيهما لِحَق المرأةِ، وَحقُّها الوَطْءُ فى القُبُل. ولا يزُولُ به الاكْتِفاءُ بصُمَاتِها فى الإذنِ بالنِّكاح (47)؛ لأنَّ بَكارةَ الأَصلِ باقيةٌ
[المغني لابن قدامة 10/ 226]
قال ابن القيم:
قال ابن القيم رحمه الله: هذا الذي أخرجه أبو داود في هذا الباب، وقد بقي في الباب أحاديث أخرجها النسائي، ونحن نذكرها.
الأول: عن خُزيمة بن ثابت: أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النساءَ في أدبارهنّ».
الثاني: عن عَمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلًا سأله عن الرجل يأتي امرأةً في دبرها؟ قال: «تلك اللوطية الصغرى». رفَعَه همام، عن قتادة، عن عَمرو. ووقفه سفيانُ، عن حُمَيد الأعرج، عن عَمرو، وتابعه مَطَرٌ الورَّاق، عن عمرو بن شعيب موقوفًا.
الثالث: عن كُرَيب، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله إلى رجلٍ أتى رجلًا أو امرأةً في دُبُر». هذا حديث اختلف فيه، فرواه الضحَّاك بن عثمان، عن مَخْرمة بن سليمان، عن كُرَيب، عن ابن عباس. فرواه وكيع، عن الضحَّاك موقوفًا. ورواه أبو خالد عنه مرفوعًا، وصحَّح البُسْتِيُّ رَفْعَه، وأبو خالد هو الأحمر.
الرابع: عن ابن الهاد، عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تأتوا النساء في أدبارهنّ».
الخامس: حديث أبي هريرة، وقد تقدم. وله عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله إلى رجلٍ أتى امرأةً في دُبُرها».
السادس: عن علي بن طَلْق قال: جاء أعرابيٌّ، فقال: يا رسول الله، إنّا نكون في البادية فيكون من أحدنا الرُّوَيحة، فقال: «إن الله لا يستحيي من الحقِّ، ولا تأتوا النساء في أعجازهِنّ»
السابع: عن ابن عباس قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلَكتُ! قال: «وما الذي أهْلَكك؟»، قال: حوَّلتُ رحلي الليلة، فلم يردّ عليه شيئًا. فأُوحِيَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]: يقول: «أقْبِل وأدْبِر، واتقِ الدُّبرَ والحيضةَ».
قال أبو عبد الله الحاكم: وتفسير الصحابي في حكم المرفوع.
الثامن: عن أبي تميمة الهُجَيمي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أتى حائضًا أو امرأةً في دُبُرها، أو كاهنًا، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم».
[ق 88] ثم ذكر أبو داود تفسيرَ ابن عباس لقول الله تعالى: {فَاتُوا حَرْثَكُمْ}.
ثم قال ابن القيم: وهذا الذي فسَّر به ابنُ عباس فسّرَ به ابنُ عمر، وإنما وهموا عليه لم يهم هو. فروى النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع: «قد أُكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر: إنه أفتى بأن يُؤتَى النساءُ في أدبارها. قال نافع: لقد كذبوا عليَّ، ولكن سأخبرك، كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض المصحفَ يومًا، وأنا عنده، حتى بلغ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] قال: يا نافع، هل تعلم ما أمر هذه الآية؟ إنَّا كُنّا معشر قريش نُجبِّي النساءَ، فلما دخلنا المدينةَ ونكحنا نساءَ الأنصار أردنا منهنَّ مثلَ ما كنا نريدُ مِن نسائنا، فإذا هُنَّ قد كرهنَ ذلك وأَعْظَمْنَه، وكانت نساء الأنصار إنما يؤتَيْن على جنوبهن، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]».
فهذا هو الثابت عن ابن عمر، ولم يَفْهم عنه مَن نقلَ عنه غيرَ ذلك.
ويدلُّ عليه أيضًا ما روى النسائي عن عبد الرحمن بن القاسم قال: قلت لمالك: «إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدِّث عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر. إنّا نشتري الجواري فنحَمِّض لهنّ، قال: وما التحميض؟ قال نأتيهن في أدبارهن، قال: أفّ!
أو يعمل هذا مسلم؟! فقال لي مالك: فأشهد على ربيعة لحدّثني عن سعيد بن يَسار: أنه سأل ابنَ عمر عنه؟ فقال: لا بأس به».
فقد صحَّ عن ابن عمر أنه فسَّر الآيةَ بالإتيان في الفَرْج من ناحية الدُّبُر، وهو الذي رواه عنه نافع، وأخطأ مَن أخطأ على نافع، فتوهَّم أن الدبرَ محلٌّ للوطء لا طريق إلى وطء الفرج، فكذَّبهم نافعٌ.
وكذلك مسألة الجواري، إن كان قد حُفِظ عن ابن عمر أنه رخَّص في الإحماض لهنّ، فإنما مراده إتيانهنَّ من طريق الدُّبُر، فإنه قد صرَّح في الرواية الأخرى بالإنكار على مَن وطئهنّ في الدبر، وقال «أوَيفعَلُ هذا مسلم»؟! فهذا يبين تصادُقَ الروايات وتوافقَها عنه.
فإن قيل: فما تصنعون بما رواه النسائي من حديث سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر: «أن رجلًا أتى امرأتَه في دُبُرها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوَجَد من ذلك وَجْدًا شديدًا، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]»؟
قيل: هذا غلط بلا شك، غلط فيه سليمان بن بلال، أو ابن أبي أويس راويه عنه، وانقلبت عليه لفظة «من» بلفظة «في» وإنما هو «أتى امرأةً مِن دبرها»، ولعل هذه هي قصة عمر بن الخطاب بعينها لما حوَّل رَحْلَه، ووجد من ذلك وجدًا شديدًا، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلكتُ»، وقد تقدمت. أو يكون بعض الرواة ظنَّ أن ذلك هو الوطء في الدُّبُر فرواه بالمعنى الذي ظنَّه
مع أن هشام بن سعد قد خالف سليمانَ في هذا، فرواه عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار مرسلًا.
والذي يبيِّن هذا ويزيدُه وضوحًا: أن هذا الغلط قد عرضَ مثلُه لبعض الصحابة حين أفتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بجواز الوطء في قُبُلها مِن دُبرها، حتى بيّن له صلى الله عليه وسلم ذلك بيانًا شافيًا.
قال الشافعي: أخبرني عَمِّي قال: أخبرني عبد الله بن عليّ بن السائب، عن عَمرو بن أُحَيحة بن الجُلَاح، أو عن عَمرو بن فلان بن أُحَيحة ــ قال الشافعي: أنا شككتُ ــ عن خُزيمة بن ثابت: «أن رجلًا سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن، أو إتيان الرجل امرأتَه في دُبُرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حلال»، فلما ولى الرجل دعاه، أو أَمَر به فدُعِي، فقال: «كيف قلتَ؟ في أيّ الخَرْبتين، أو في أيّ الخَرْزتين، أو في أيّ الخَصْفَتين؟ أمِنْ دُبرها في قُبُلها فنعم، أم مِن دُبُرها في دبرها فلا، إن الله لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النساءَ في أدبارهنَّ».
قال الشافعي: عمِّي ثقة، وعبد الله بن عليّ ثقة، وقد أخبرني محمد ــ وهو عمّه محمد بن علي ــ عن الأنصاري المحدِّثُ به أنه أثنى عليه خيرًا، وخزيمة ممن لا يشكّ عالمٌ في ثقته. والأنصاريُّ الذي أشار إليه هو عَمرو بن أُحَيحة.
فوقع الاشتباه في كون الدُّبُر طريقًا إلى موضع الوطء، أو هو ماتَى. واشتبه على من اشتبه عليه معنى «من» بمعنى «في» فوقع الوهم.
فإن قيل: فما تقولون فيما رواه البيهقي عن الحاكم: حدثنا الأصم قال: سمعتُ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول: سمعت الشافعيَّ يقول: ليس فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحريم والتحليل حديثٌ ثابت، والقياس أنه حلال، وقد غلط سفيانُ في حديث ابن الهاد ــ يريد حديثَه عن عُمارة بن خزيمة عن أبيه يرفعه: «إن الله لا يستحيي من الحقِّ، لا تأتوا النساءَ في أدبارهنّ»، ويريد بغَلَطِه: أن ابن الهاد قال فيه مرةً: عن عبيد الله بن عبد الله بن حصين، عن هَرَميّ بن عبد الله الواقفي، عن خُزَيمة.
ثم اخْتُلف فيه عن عبيد الله. فقيل: عنه عن عبد الملك بن عَمْرو بن قيس الخَطْمي، عن هَرَمي، عن خُزيمة. وقيل: عن عبد الله بن هَرَمي، فمداره على هَرَميّ بن عبد الله، عن خزيمة، وليس لعمارة بن خزيمة فيه أصل إلا من حديث ابن عيينة. وأهلُ العلم بالحديث يروونه خطأ. هذا كلام البيهقي.
قيل: هذه الحكاية مختصرة من مناظرة حكاها الشافعي، [ق 89] جَرَت بينَه وبينَ محمد بن الحسن، وفي سياقها دلالة على أنه إنما قصد الذبَّ عن أهل المدينة على طريق الجَدَل، فأما هو فقد نصّ في كتاب عِشْرة النساء على تحريمه. هذا جواب البيهقي.
والشافعيُّ رحمه الله قد صرَّح في كتبه المصرية بالتحريم، واحتجَّ بحديث خُزيمة، ووثَّق رواتَه، كما ذكرنا. وقال في الجديد: قال الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223]، وبيَّن أن موضع الحرث هو موضع الولد، وأن الله تعالى أباح الإتيان فيه إلا في وقت المحيض. «وأنى شئتم» بمعنى مِنْ أين شئتم قال: وإباحة الإتيان في موضع الحَرْث يُشْبه أن يكون تحريم إتيان غيره، فالإتيان في الدُّبُر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرَّم، بدلالة الكتاب ثم السنة، فذَكَر حديث عمِّه، ثم قال: «ولست أُرَخِّص فيه، بل أنهى عنه». فلعلَّ الشافعيَّ رحمه الله توقَّف فيه أولًا، ثم لما تبيَّن له التحريم وثبوت الحديث فيه رجع إليه. وهو أولى بجلالته ومنصبه وإمامته من أن يناظر على مسألة يعتقد بطلانها، يذبّ بها عن أهل المدينة جدلًا، ثم يقول: والقياس حِلُّه، ويقول: ليس فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحريم والتحليل حديثٌ ثابت، على طريق الجدل، بل إن كان ابن عبد الحكم حفظ ذلك عن الشافعي فهو مما قد رجع عنه لمَّا تبين له صريح التحريم. والله أعلم
[تهذيب سنن أبي داود – ط عطاءات العلم 1/ 461]
جاء في فتاوى ابن باز:
إتيان المرأة في دبرها من الكبائر
س 71: ما حكم إتيان الزوج امرأته في دبرها، وإذا حدث هذا عدة مرات، هل تطلق، وإذا كان الزوجان قد تابا من هذا العمل، فما حكمهما؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إتيان المرأة في دبرها من كبائر الذنوب؛ لكونه مخالفا لقوله سبحانه وتعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (2) ومحل الحرث هو القبل، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ملعون من أتى امرأته في دبرها (3)». ومن تاب تاب الله عليه، والمرأة لا تطلق بذلك. لكن عليهما جميعا التوبة النصوح من ذلك. لقول الله عز وجل: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التوبة تجب ما قبلها»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (1)»، والله ولي التوفيق
[مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز 21/ 186]
____
(- دعاء من زفت إليه امرأته)
(30) – قال المالكية والشافعية والحنابلة: يستحب لمن زفت إليه امرأته أن يسأل الله تعالى خيرها، ويستعيذ به من شرها،
قال النووي: ويستحب أن يسمي – الزوج – الله تعالى، ويأخذ بناصية الزوجة أول من يلقاها، ويقول: بارك الله لكل واحد منا في صاحبه ((3))، لما ورد عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه عن النبي لا قال: «إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل:
اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه «، وفي رواية:» ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة «((1)).
ونقل الحطاب عن النوادر قول ابن حبيب: روي عن النبي لا فيمن ابتنى بزوجته أن يأمرها أن تصلي خلفه ركعتين ثم يأخذ بناصيتها ويدعو بالبركة ((2)).
وورد عن أبي سعيد مولى بني أسيد أنه تزوج فحضره عبد الله بن مسعود وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول الله لا رضي الله عنهم فقالوا له: إذا أدخل عليك أهلك فصل ركعتين ومرها فلتصل خلفك، وخذ بناصيتها وسل الله خيرا، وتعوذ بالله من شرها ((3)).
وللتفصيل انظر (عرس ف (5)).
الموسوعة الفقهية الكويتية — مجموعة من المؤلفين
————-
(54) – بيان بعض الآداب الشرعية ليلة الزفاف
س: ما حكم الدين في قراءة القرآن الكريم ليلة الزفاف، وما هي الآداب الشرعية والسنة النبوية المتبعة في ليلة الزفاف؟ ((1))
ج: لا أعلم فيها شيئا واضحا، يروى عن بعض السلف أنهم كانوا يصلون ركعتين، إذا دخل على أهله قبل أن يتصل بها، ولكن لا أعلم فيه حديثا صحيحا يعتمد عليه، وإذا صلى فلا حرج، اقتداء ببعض السلف، يصلي ركعتين ويدعو الله أن يجمع شمله بها على خير، وأن يجعلها عونا له على طاعته، ويبارك له فيها، هذا لا بأس به، وهو حسن إن شاء الله وكذلك يستحب له كما جاء في الحديث، إذا أخذ بناصيتها أن يقول: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه» ((2))، هذا جاء في الحديث إذا استجد الإنسان بحيوان أو تزوج امرأة، وقال هذا، يرجى فيه الخير إن شاء الله فهو دعاء حسن.
فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر — ابن باز (ت (1420))