571 – تحضير سنن الترمذي
جمع أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد ومحمد سيفي
_______
بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ البُزَاقِ فِي المَسْجِدِ
571 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المُحَارِبِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كُنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْزُقْ عَنْ يَمِينِكَ، وَلَكِنْ خَلْفَكَ، أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِكَ اليُسْرَى» وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. حَدِيثُ طَارِقٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، وَسَمِعْتُ الجَارُودَ يَقُولُ: سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ: «لَمْ يَكْذِبْ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ فِي الإِسْلَامِ كَذْبَةً»، وقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: «أَثْبَتُ أَهْلِ الكُوفَةِ مَنْصُورُ بْنُ المُعْتَمِرِ»
[حكم الألباني]: صحيح
572 – حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»
[حكم الألباني]: صحيح
_____
باب في كراهية البزاق في المسجد
قال السندي:
قوله: «التفل» بفتح مثناة فوقية وسكون فاء الرمي بالبزاق، وقوله: «أن يواريه» أي يغيبه ويستره في التراب، يفيد أنه ليس بخطيئة لتعظيم المسجد وإلا لما أفاد الدفن شيئا بل لتأذى الناس به وبالدفن يندفع الأذى، وقد وقعالتصريح به في حديث رواه أحمد بإسناد حسن: «من نخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصبيب جلد مؤمن أو ثوبه فيؤذيه» ((1)) وروى أحمد والطبراني بإسناد حسن: «من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة» ((2)) فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن، وفي حديث مسلم: «وجدت في مساوئ أعمال أمتي نخاعة تكون في المسجد لا تدفن» ((3)). وزعم بعض أنه لتعظيم المسجد؛ فقال إن اضطر إلى ذلك كان البصاق فوق البواري والحصر خيرا من البصاق تحتها؛ لأن البوارى ليست من المسجد حقيقة ولها حكم المسجد بخلاف ما تحتها، وهذا بعيد بالنظر إلى الأحاديث، والأقرب عكس ذلك لأن التأذي في البواري أكثر من التأذي فيما تحتها بل ما تحتها بمنزلة الدفن لها، والله تعالى أعلم.
قوله «البزاق» هو ما يخرج من أصل الفم و «النخاعة» ما تخرج من أقصى الحلق من مخرج الخاء المعجمة.
قوله: «ولكن عن يساره» ظاهر الإطلاق يعم المسجد وغيره فيدل على أن الحكم ليس معللا بتعظيم المسجد وإلا لكان اليمين واليسار سواء، بل المنع عن تلقاء الوجه للتعظيم بحالة المناجاة من الرب تعالى وعن اليمين للتأدب مع تلك اليمين كما يفهم من كثير من الأحاديث، وقوله: «ثم ليقل به» من إطلاق القول على الفعل والمراد هاهنا الدلك، والله تعالى أعلم.
فتح الودود في شرح سنن أبي داود — السندي، محمد بن عبد الهادي (ت (1138))
قال ابن قدامة:
وإذا بَدَرَهُ البُصَاقُ وهو في المَسْجِدِ بَصَقَ (105) في ثَوْبِهِ، وحَكّ (106) بَعْضَه بِبَعْضٍ، وإن كان في غيرِ المَسْجِدِ [فإن أحَبَّ فعل ذلك، وإن أحَبَّ بَصَق] (107) عن يَسَارِه، أو تَحْتَ قَدَمِه. لما [رُوِىَ] (108) عن أبي هُرَيْرَةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى نُخَامَةً في قِبْلَةِ المَسْجِدِ، فأَقْبَلَ على النّاسِ فقال: “ما بالُ أَحَدكُم يَقومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّه فَيَتَنَخَّعُ أمَامَهُ، أَيُحِبُّ أن يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ في وَجْهِهِ؟ فإذا تَنَخَّعَ أحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّع عن يَسَارِه أو تَحْتَ قَدَمِه، فَإنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هكَذَا”. وَوَصَفَ القَاسِمُ: فَتَفَلَ في ثَوْبِه، ثم مَسَحَ بَعْضَه على بَعْضٍ. وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “الْبُزَاقُ في المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وكَفَّارَتُها دَفْنُها”. [رواهُما مُسْلِمٌ] (109)
[المغني لابن قدامة 2/ 400]
قال ابن رجب:
ودل هذا الحديث – مع غيره من الأحاديث المتقدمة -: على أن المصلي يبزق عن شماله أو تحت قدمه اليسرى.
وقد خرج مسلم في ((صحيحه)) من حديث يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فتنخع فدلكها بنعله اليسرى
وخرجه أبو داود، وعنده: عن يزيد، عن أخيه مطرف، عن أبيه، قال: أتيت رسول الله وهو يصلي، فبزق تحت قدمه اليسرى.
ورواه ابن المبارك عن الجريري، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتنخم في المسجد، ثم دلكه بنعله اليسرى.
وخرجه الطبراني بإسناد ضعيف، وفيه: أنه كان يصلي على البلاط.
والبلاط خارج المسجد.
وروي إبراهيم بن طهمان، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان، عن محمد بن أبي عاصم، عمن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي رجليه نعلان، فبزق فمسح بساقه بنعله في التراب، والمسجد يومئذ فيه التراب.
وخرج أبو داود من حديث الفرج بن فضالة، عن أبي سعيد، قال: رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق بصق على البوري، ثم مسحه برجله، فقيل له: لم فعلت هذا؟ قال: لأني رأيت رسول الله يفعله.
وهذا يدل على جوازه في المسجد إذا غيبه، وهو قول بعض أصحابنا، ونص عليهِ أحمد في رواية أبي طالب، قالَ: لا يبصق في المسجد تحت البارية، فإنه يبقى تحت البارية، وإذا كان حصى فلا باس به؛ لأنه يواري البصاق.
وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن العطاء، قال: لا بأس بالتنخم في الحجر إذا غيبه.
يعني: حجر البيت.
وفي ((تهذيب المدونة)): ولا يبصق في المسجد فوق الحصير ويدلكه ولكن تحته، ولا يبصق في حائط القبلة، ولا في مسجد غير محصب إذا لم يقدر على دفن البصاق فيه، وأن كان المسجد محصبا فلا بأس أن يبصق بين يديه وعن يمينه وعن يساره وتحت قدمه ويدفنه. انتهى.
ولعل هذا في غير الصَّلاة.
وروى أبو عبيد بإسناد عن عمر، أنه حصب المسجد، وقال: هو أغفر
للنخامة.
وقال: معناه: أستر لها وأشد تغطية.
قال أبو عبيد: فيه من الفقه الرخصة في البزاق في المسجد إذا دفن.
وقالت طائفة: لا يفعل ذلك في المسجد، بل خارج المسجد، ولا يبزق في المسجد إلا في ثوبه، أو يبزق في المسجد ويحذف بصاقه إلى خارج المسجد حتى يقع خارجاً منه.
وهذا هو أكثر النصوص عن أحمد.
وكان أحمد يبزق في المسجد في الصلاة، ويعطف بوجهه حتى يلقيه خارج المسجد عن يساره -: نقله عنه أبو داود.
وقال بكر بن محمد: قلت لأبي عبد الله – يعني: أحمد بن حنبل -: ما ترى في الرجل يبزق في المسجد ثم يدلكه برجله؟ قال: هذا ليس هو في كل الحديث. قال: والمساجد قد طرح فيها بواري ليس كما كانت. قال: فأعجب إلي إذا أراد أن يبزق وهو يصلي أن يبزق عن يساره إذا كان البزاق يقع في غير المسجد، يقع خارجا، وإذا كان في مسجد ولا يمكنه أن يقع بزاقه خارجا أن يجعله في ثوبه.
وقد ذكرنا فيما تقدم عن حذيفة، أن المصلي له أن يبصق خلفه، وهذا إنما يكون بالتفات شديد بوجهه عن القبلة.
وقد روي هذا الحديث مرفوعا من حديث يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن طارق بن عبد الله المحاربي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا كنت في الصلاة، فلا تبزق عن يمنيك ولا بين يديك، ولكن خلفك أو تلقاء شمالك أو تحت قدمك اليسرى)).
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.
وصححه، وقال: العمل عليه عند أهل العلم.
وبوب عليه النسائي: ((الرخصة للمصلي أن يبزق خلفه أو تلقاء شماله)).
وقد أنكر الإمام أحمد هذه اللفظة في هذا الحديث، وهي قوله: ((خلفك))، وقال: لم يقل ذَلِكَ وكيع ولا عبد الرزاق.
قالَ الدارقطني: هي وهم من يحيى بن سعيد، ولم يذكرها جماعة من الحفاظ من أصحاب سفيان، وكذلك رواه أصحاب منصور عنه، لم يقل أحد منهم: ((ابزق خلفك)).
وروى سليمان بن حرب عن شعبة، عن القاسم بن مهران، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم،: ((إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبزق عن يمينه ولا عن
يساره، ولا عن بين يديه، ولكن تحت قدمه اليسرى، فإن لم يستطع ففي ثوبه)).
وأخطأ سليمان في قوله: ((ولا عن يساره))؛ فقد رواه أصحاب شعبة، عنه، وقالوا: ((ولكن عن يساره تحت قدمه)) -: ذكره ابن أبي حاتم.
وقد خرجه مسلم في ((صحيحه)) كذلك
واستدل ابن عبد البر بحديث تنخم النبي صلى الله عليه وسلم في صلا ته على أن النحنحة ونحوها لا تبطل الصلاة إذا كانت لعذر. قال: لأن للتنخم صوتا كالتنحنح، وربما كان معه ضرب من النفخ عند القذف بالبصاق.
وقد أشار البخاري إلى ذلك في أواخر ((كتاب: الصلاة)) – أيضا -، ويأتي في موضعه – أن شاء الله تعالى
[فتح الباري لابن رجب 3/ 126]
قال ابن حجر:
قوله: (باب كفارة البزاق في المسجد) أورد فيه حديث البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها من حديث أنس بإسناده الماضي في الباب قبله سواء، ولمسلم التفل بدل البزاق، والتفل بالمثناة من فوق أخف من البزاق، والنفث بمثلثة آخره أخف منه، قال القاضي عياض: إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه، وأما من أراد دفنه فلا. ورده النووي فقال: هو خلاف صريح الحديث. قلت: وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا، وهما قوله: البزاق في المسجد خطيئة وقوله: وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد، والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها، وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي في التنقيب والقرطبي في المفهم وغيرهما. ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا قال: من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه. وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال: من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة، وإن دفنه فحسنة فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن.
ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال: ووجدت في مساوي أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن قال القرطبي: فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة. انتهى.
وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها.
وعلة النهي ترشد إليه، وهي تأذي المؤمن بها. ومما يدل على أن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف، وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله إسناده صحيح، وأصله في مسلم. والظاهر أن ذلك كان في المسجد، فيؤيد ما تقدم. وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر، وهو تفصيل حسن. والله أعلم.
وينبغي أن يفصل أيضا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولا ثم بصق وأورى، وبين من بصق أولا بنية أن يدفن مثلا، فيجرى فيه الخلاف بخلاف الذي قبله؛ لأنه إذا كان المكفر إثم إبرازها هو دفنها فكيف يأثم من دفنها ابتداء؟ وقال النووي: قوله: كفارتها دفنها قال الجمهور: يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه. وحكى الروياني أن المراد بدفنها إخراجها من المسجد أصلا.
قلت: الذي قاله الروياني يجري على ما يقول النووي من المنع مطلقا، وقد عرف ما فيه.
(تنبيه): قوله: في المسجد ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه، حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهي. والله أعلم
[فتح الباري لابن حجر 1/ 511 ط السلفية]
قال الإتيوبي:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان قبح النخاعة في المسجد.
2 – (ومنها): أن قوله: “لا تُدْفَن” يؤيّد ما سبق من ترجيح قول القاضي: أن كون النخاعة في المسجد خطيئة لمن لا يُريد دفنها، وإلا فلا، قال القرطبيّ رحمه الله: هذا يدلّ على صحّة التأويل المذكور؛ لأنه لم يُبت لها حكم السيّئة لمجرّد إيقاعها في المسجد، بل بذلك، وببقائها غير مدفونة. انتهى
3 – (ومنها): بيان فضل إماطة الأذى عن الطريق، وقد سبق حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبةً، فأفضلها قول: لا إله إلا اللَّه، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”، وأخرج الشيخان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: “بينما رجل يمشي بطريق، وَجَدَ غُصْن شوك على الطريق، فأخّره، فشكر اللَّه له، فغفر له”.
4 – (ومنها): بيان فضل اللَّه تعالى على نبيّه صلى الله عليه وسلم، حيث يُطلعه على المغتبات من أحوال أمته، وغير ذلك، {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 12/ 386]
_____
شرح حديث: (ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير وأبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: قال النبي : (ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل) فقال ابن له: والله! لا نأذن لهن فيتخذنه دغلًا، والله! لا نأذن لهن، قال: فسبه وغضب، وقال: أقول قال رسول الله : (ائذنوا لهن) وتقول: لا نأذن لهن؟!].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي قال: (ائذنوا للنساء إلى المساجد في الليل)، وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه التقييد بالليل، والأحاديث التي تقدمت مطلقة وعامة تشمل الليل والنهار، لكن هذا الذي فيه ذكر الليل يكون فيه إشارة إلى الستر، ولكن الأحاديث التي مضت مطلقة وتشمل الليل والنهار، ولا بأس بالإذن لهن، ولكن خروجهن والإذن لهن بالليل يكون أولى؛ لأنه يكون فيه ستر سواءً كان في العشاء أو الفجر، وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أنهن كن يخرجن وهن متلفعات بمروطهن في صلاة الفجر ما يعرفهن أحد من الغلس.
قوله: (فقال ابن لـ ابن عمر) قيل: إنه بلال وقيل: واقد.
قوله: (والله! لا نأذن لهن فيتخذنه دغلًا) يعني: ريبة أو وسيلة إلى الوقوع في أمر محرم، فغضب عليه عبد الله بن عمر وسبه وقال له: (أقول قال رسول الله : (ائذنوا للنساء) وتقول: والله! لا نأذن لهن؟!) وجاء في بعض الروايات أنه ما كلمه حتى مات، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وإن كان هذا محفوظًا فلعل أحدهما مات بعد وقت وجيز من الحادثة أو من الواقعة التي جرت بينهما.
وفي هذا دليل على الحث على اتباع السنن والتحذير من مخالفتها، والإنكار الشديد على من يحصل منه المخالفة للسنن ومعارضة الأحاديث، وكذلك أيضًا فيه تأديب الرجل لولده ولو كان كبيرًا، وكذلك الهجر حيث يكون فيه مصلحة لاسيما إذا كان من الوالد أو ممن له شأن ومنزلة فإنه يكون في ذلك فائدة ومصلحة.
تراجم رجال إسناد حديث: (ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير].
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو معاوية].
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
مجاهد بن جبر المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
ابن عمر قد مر ذكره.
شرح سنن أبي داود للعباد (78) / (12) — عبد المحسن العباد (معاصر)
[(078)] ما جاء في خروج النساء إلى المسجد شرح حديث: (ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل)
——–
قال العباد
أي: أنه سيئ وأنه إثم، ووقوع في أمر مكروه لا يسوغ، ولكنه إذا وُجد فإن عليه أن يدفنه وأن يواريه، وهذا يدل على طهارته؛ لأنه لو كان نجسًا فلا يكفي فيه أن يوارى، فالنجس يغسل ويصبّ عليه الماء، كما جاء في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، حيث أن النبي أمر أن يراق عليه ذنوب من ماء حتى يطهر بذلك.
ولكن النبي أرشد في البزاق إلى مواراته ودفنه؛ وذلك حتى لا تقع إليه الأنظار وحتى لا تشمئز منه النفوس؛ لكونه شيئًا مستقذرًا تنفر منه الطباع إذا رأته، فإن كون الإنسان يتخلص من مغبة ذلك بأن يواريه وأن يدفنه في تراب المسجد وهذا فيما إذا كان المسجد ترابيًا أو فيه حصباء، أما إذا كان مفروشًا أو مبلطًا فإن الوسخ يظهر عليه سواء كان رطبًا أو يابسًا، ولا يمكن مواراته.
وعلى كُلٍّ فعلى الإنسان في جميع الأحوال أن ينزه المسجد من هذه الأوساخ، ولا يأتي بشيء يسيء فيه إلى المصلين وإلى من في المسجد، بحيث تقع أبصارهم على شيء تشمئز منه نفوسهم وتنفر منه طباعهم، وإنما على الإنسان أن يبصق في ثوبه إذا كان مضطرًا إلى ذلك، أو يبصق في التراب إذا كان المسجد ترابيًا ثم يواريه، أو يبصق عن يساره ويدلكه برجله أو بنعله حتى لا يبقى له أثر.
تراجم رجال إسناد حديث: (التفل في المسجد خطيئة وكفارته أن تواريه)
شرح سنن أبي داود للعباد (67) / (3) — عبد المحسن العباد (معاصر)
[(067)] ما جاء في كراهية البزاق في المسجد شرح حديث: (التفل في المسجد خطيئة وكفارته أن تواريه)