(2145) الى (2147) تحضير سنن أبي داود
جمع أحمد بن علي وسلطان الحمادي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد ومحمد سيفي
_______
بَابٌ فِي ضَرْبِ النِّسَاءِ
(2145) – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حُرَّةَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَإِنْ خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ»، قَالَ حَمَّادٌ: يَعْنِي النِّكَاحَ
[حكم الألباني]: حسن
(2146) – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَلَفٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ السَّرْحِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ» فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ طَافَ بِآلِ صلى الله عليه وسلم (246) صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ»
[حكم الألباني]: صحيح
(2147) – حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُسْلِيِّ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ»
[حكم الألباني]: ضعيف
_______
*بذل المجهود في حل سنن أبي داود (8) / (83) — خليل أحمد السهارنفوري (ت (1346)) *
* ((42)) بَابٌ: في ضَرْبِ النِّسَاءِ*
* (2145) – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى حُرَّةَ الرَّقَاشِىِّ، عَنْ عَمِّهِ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَإِنْ خِفْتُمْ نُشُوزَهُنَّ فَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ».*
*قَالَ حَمَّادٌ: يَعْنِي النِّكَاحَ. [ق (7) / (303)] *
((42)) (بَابٌ: في ضَرْبِ النِّساءِ)، أي: الزوجات ((1))
(2145) – (حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن علي بن زيد) بن جدعان، (عن أبي حرة) بمهملة مفتوحة وشدة راء (الرقاشي) بمفتوحة، وخفة قاف وشين معجمة، نسبة إلى رقاش بن ضبيعة، قال ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم وغيره: اسمه حنيفة، وقال الآجري عن أبي داود: لا أرى ما اسمه، وهو ثقة.
قلت: إنما هو مشهور بكنيته، وقال ابن منده وأبو نعيم وابن قانع والباوردي وجماعة: إن حنيفة اسم عم أبي حرة، وكذا الطبراني في «المعجم الكبير». وقال أبو نعيم وغيره: اختلف في اسم أبي حرة، فقيل: حكيم ابن أبي يزيد، وقيل غير ذلك.
(عن عمه) قال الحافظ في «تهذيب التهذيب» ((2)) في فصل المبهمات من الكنى: أبو حرة الرقاشي عن عمه، وله صحبة، أفاد ابن فتحون أن اسم عمه عمر بن حمزة، وعزاه للبزار، قال: وسماه البغوي حِذْيم بن حنيفة.
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع)، ولفظ حديث أحمد في «مسنده»: «فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع». قلت: وهو حديث طويل أخرجه الإِمام في «مسنده» ((3)) بطوله.
(قال حماد) أي في تفسير قوله: فاهجروهن في المضاجع: (يعني) أي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهجر في المضاجع (النكاح) أي الوطء، ولم يذكر هذا التفسير في «مسند الإِمام أحمد».
* (2146) – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِى خَلَفٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ قَالاَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – قَالَ ابْنُ السَّرْحِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى ذُبَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ»، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ذَئِرْنَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَرَخَّصَ فِى ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ» ((1)). [جه (1985)، دي (2219)] *
(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تضربوا إماءَ الله، فجاء عمرُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ذئرن النساءُ) أي: اجترأن ونشزن (على أزواجهن) على طريقة قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} ((2))، وقولهم: أكلوني البراغيث (فرخص) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (في ضربهن) أي: تأديبهن (فأطَافَ) بالهمزة، يقال: أطاف بالشيء، ألمَّ به، وقاربه، أي اجتمع ونزل (بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءٌ كثيرٌ يشكون أزواجهن)، أي من ضربهم إياهن.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد طاف) هذا بلا همز، أي دار (بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن)، وهذا يدل على أن الآل يشمل أمهات المؤمنين أليس أولئك) أي الرجال الذين يضربون نساءَهم (بخياركم) أي بل خياركم من لا يضربهن، ويتحمل عنهن، أو يؤدبهن، ولا يضربهن ضربًا شديدًا يؤدي إلى شكايتهن.
وفي «شرح السنَّة» ((3)): فيه من الفقه أن ضرب النساء في منع حقوق النكاح مباح؛ إلَّا أنه يضرب ضربًا غير مُبَرَّح، ووجه ترتب السنَّة على الكتاب في الضرب يحتمل أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول الآية، ثم لما ذَئِرَ النساءُ، أذن في ضربهن، ونزل القرآن موافقًا له، ثم لما بالغوا في الضرب، أخبر صلى الله عليه وسلم أن الضرب وإن كان مباحًا على شكاية أخلاقهن، فالتحمل والستر على سوء أخلاقهن وترك الضرب أفضل وأجمل. ويُحكى عن الشافعي هذا المعنى.
* (2147) – حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَوْدِىِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُسْلِىِّ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ». [جه (1986)، حم (1) / (20)، ق (7) / (305)] *
(عن عمر بن الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يُسأل الرجلُ) أي في الدنيا، بصيغة المجهول (فيمَا ضرَبَ امرأته) أي إذا راعى شروط الضرب وحدوده، ولفظ «ما» عبارة عن النشوز المنصوص عليه في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} إلى قوله: {وَاضْرِبُوهُنَّ} ((1))، وقوله: «لا يسأل» عبارة عن عدم التحرج والتأثم؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} ((1))، أي أزيلوا عنهن التعرض بالأذى والتوبيخ، وتوبوا عليهن، واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن.
وقد أخرج هذا الحديث ابن ماجه في «سُنَنه» ((2)) من طريق يحيى بن حماد بسنده عن الأشعث بن قيس، قال: ضِفْتُ عمرَ ليلةً، فلما كان في جوف الليل، قام إلى امرأته يضربها، فحَجزْتُ بينهما، فلما أوى إلى فراشه قال لي: يا أشعث! احْفَظْ عني شيئًا، سمعتُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يُسأل الرجلُ فيم يضرب امرأتَه، ولا تنمْ ((3)) إلا على وترٍ»، ونسيتُ الثالثةَ، ثم أخرج من طريق عبد الرحمن بن مهدي.
………………………. ـ …………………………. ـ
………………………. ـ …………………………. ـ
*مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5) / (2127) — الملا على القاري (ت (1014)) *
(3261) – (وَعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ): أَيِ: الدَّوْسِيِّ الْمَدَنِيِّ قَدِ اخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا نَعْرِفُ لَهُ صُحْبَةً لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي ضَرْبِ النِّسَاءِ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ): أَيْ: زَوْجَاتِكُمْ فَإِنَّهُنَّ جَوَارٍ لِلَّهِ كَمَا أَنَّ الرِّجَالَ عَبِيدٌ لَهُ تَعَالَى (فَجَاءَ): وَفِي نُسْخَةٍ فَأَتَى (عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَئِرْنَ النِّسَاءُ): مِنْ بَابِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثَ وَمِنْ وَادِي قَوْلِهِ تَعَالَى صلى الله عليه وسلم {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [طه: (62)] أَيِ اجْتَرَأْنَ وَنَشَذْنَ وَغَلَبْنَ (عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَرَخَّصَ فِي ضَرْبِهِنَّ) فَأَطَافَ هَذَا بِالْهَمْزِ يُقَالُ أَطَافَ أَيْ طَافَ بِالشَّيْءِ أَلَمَّ بِهِ وَقَارَنَهُ أَيِ اجْتَمَعَ وَنَزَلَ (بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ): أَيْ: بِأَزْوَاجِهِ الطَّاهِرَاتِ (نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ): أَيْ: مِنْ ضَرْبِهِمْ إِيَّاهُنَّ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ طَافَ): هَذَا بِلَا هَمْزٍ قَالَ الطِّيبِيُّ صلى الله عليه وسلم : قَوْلُهُ لَقَدْ طَافَ صَحَّ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَالْأَوَّلُ هَمْزٌ وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ كَلَامًا بِالْهَمْزِ، اهـ.
فَهُوَ مِنْ طَافَ حَوْلَ الشَّيْءِ أَيْ دَارَ (بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ): دَلَّ عَلَى أَنَّ الْآلَ يَشْمَلُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ (لَيْسَ أُولَئِكَ): أَيِ: الرِّجَالُ الَّذِينَ يَضْرِبُونَ نِسَائَهُمْ ضَرْبًا مُبَرِّحًا أَوْ مُطْلَقًا (بِخِيَارِكُمْ): أَيْ: بَلْ خِيَارُكُمْ مَنْ لَا يَضْرِبُهُنَّ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُنَّ أَوْ يُؤَدِّبُهُنَّ وَلَا يَضْرِبُهُنَّ ضَرْبًا شَدِيدًا يُؤَدِّي إِلَى شِكَايَتِهِنَّ، فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ ضَرْبَ النِّسَاءِ فِي مَنْعِ حُقُوقِ النِّكَاحِ مُبَاحٌ إِلَّا أَنَّهُ يَضْرِبُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَوَجْهُ تَرَتُّبِ السُّنَّةِ عَلَى الْكِتَابِ فِي الضَّرْبِ يُحْتَمَلُ أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضَرْبِهِنَّ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ ثُمَّ لَمَّا ذَئِرَ النِّسَاءُ أَذِنَ فِي ضَرْبِهِنَّ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مُؤَيِّدًا لَهُ ثُمَّ لَمَّا بَالَغُوا فِي الضَّرْبِ أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الضَّرْبَ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا عَلَى شَكَاسَةِ أَخْلَاقِهِنَّ، فَالتَّحَمُّلُ وَالصَّبْرُ عَلَى سُوءِ أَخْلَاقِهِنَّ، وَتَرْكُ الضَّرْبِ أَفْضَلُ وَأَجْمَلُ، وَيُحْكَى عَنِ الشَّافِعِيِّ هَذَا الْمَعْنَى (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ): فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: ««لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ»» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ.
………………………. ـ …………………………. ـ
………………………. ـ …………………………. ـ
*شرح سنن أبي داود لابن رسلان (9) / (481) — ابن رسلان (ت (844)) *
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإن خفتم) أي: علمتم وتيقنتم (نشوزهن) أي: عصيانهن عليكم، مأخوذ من النشز وهو ما ارتفع من الأرض، ومنه {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا} ((6)) أي: ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله، يقال: نشزت المرأة فهي ناشز بغير هاء، أي: أساءت عشرتها (فاهجروهن في المضاجع) قيل: هو من الهجر بضم الهاء وهو القبيح من الكلام، أي: أغلظوا عليهن في الكلام، وعن ابن عباس: أي شدوهن وثاقًا ((1)) في بيوتهن. من هجر البعير إذا ربطه بالهجار وهو حبل يشد به البعير، وهو اختيار الطبري ((2))، ورده ابن العربي في «أحكامه» فقال: هذِه هفوة من عالم بالقرآن والسنة يا لها من هفوة ((3)).
(فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن النساء) بفتح الذال المعجمة وكسر الهمزة، وفي لفظ النسائي وابن ماجه: ذئر النساء ((6)). وهي اللغة المشهورة الفصيحة، ورواية المصنف وذلك جارٍ في القرآن العزيز في قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} ((7)) والسنة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» ((1)). وفي شعر العرب، وقد تأول ذلك غير واحد من العلماء، قال الأصمعي: معنى ذئرن نفرن ونشزن واجترأن (على أزواجهن) يقال: ذئرت المرأة تذأر فهي ذائر وذئر أي: ناشز، وأذأرت ((2)) الرجل بالشيء ((3)) إذا أغريته ليغتاظ، وقال غيره: الذائر المغتاظ على خصمه المستعد للشر، وفيه أن ضرب النساء على منع حقوق النكاح مباح، إلا أنه غير مبرح، ولا مدمٍ، ولا يقع على الوجه والمهالك كما تقدم، وإذا أفضى التلف وجب الغرم؛ لأنه تبين أنه إتلاف لا إصلاح (فرخص في ضربهن) يفهم من قوله: رخص، أن العزيمة ترك الضرب كما ذكر أصحابنا أن الزوج وإن جاز له الضرب فالأولى أن يعفو أو يعرض عنها، وأن الصبر على سوء أخلاقهن والعفو عما يصدر منهن أفضل، وإذا أفضى ضرب الرجل (. . .) ((4)) الولي فإنه يؤدب الطفل ولا غرم عليه إذا تولد من ضرب الصبي تلف، كذا قال الغزالي، قال الرافعي: ولم يساعد عليه (فأطاف) هذِه لغة، واللغة المشهورة كما في رواية ابن ماجه: فطاف ((5)).
يقال: طاف بالشيء وأطاف به واستطاف، وامرأة طوافة تطوف على بيوت جاراتها، ومنه قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} ((1)) أي: مترددون في قضاء حوائجكم (بآل) أي: أهل وأقارب (رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ويحتمل أن يراد بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه (نساء كثير يشكون) إليهم (أزواجهن) من الضرب (فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد طاف) قال في «المحيط»: طاف بالبيت طوافًا وطوفانًا، وأطاف بهذا الأمر أي: أحاط به فهو مطيف ((2)) (بآل محمد) يعني: نفسه كما تقدم (نساء كثير) بينه ابن ماجه في «سننه» بأنهن سبعون امرأة، ولفظه: فأمر بضربهن فضربوا، فطاف بآل محمد صلى الله عليه وسلم نساء كثير، فلما أصبح قال: «لقد طاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كل امرأة تشكو زوجها» ((3)). (يشكون أزواجهن) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس أولئك) (. . .) ((4)) يشكين أزواجهن (بخياركم) خياركم يعني أزواجهن، ولعله صلى الله عليه وسلم علم أنهن مظلومات، ويحتمل أن يعود الضمير على النساء، ولفظ ابن ماجه: «فلا تجدون أولئك»، يعني: لأنهن لم يصبرن على ضرب أزواجهن الذي رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم لعظم حقهم عليهن، وقد تلطف رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن عبارته وفصيح بلاغته حين لم يسميهن ولا ذمهن، بل أخبر أنهن لسن بالخيار ففهم المقصود من غير تصريح.
(عن عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يسأل) بضم أوله ورفع آخره (الرجل فيما) هكذا الرواية بإثبات الألف وهي لغة شاذة عند أهل العربية كما شذ ثبوت الألف: فيما أهللت، و: لا يبالي المرء بما أخذ المال. ويجوز أن تكون من موصولة أي: لا يسأل عن السبب الذي ضربها لأجله، وعن المنير: إني لا أعرف فيما عوده. قال ابن مالك: لأن ما في هذِه المواضع استفهامية مجرورة فحقها أن تحذف ألفها فرقًا بينها وبين ما الموصولة، قال: وهذا هو الكثير نحو {بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ} ((1)) و {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ((43))} ((2))، قال: ونظير ثبوت الألف في الأحاديث المذكورة ثبوتها في {عما يتساءلون} ((3)) من قراءة عكرمة وعيسى ((4))، ومن ثبوتها في الشعر قول حسان:
على ما قام يشتمني لئيم … كخنزير تمرغ ((5)) في رماد ((6))
قال: وعدول حسان عن علام ((7)) يقوم يشتمني لئيم مع إمكانه؛ دليل على أنه مختار لا يضطر.
(يضرب امرأته) أو يهجرها أو يعظها، ولا تسأل المرأة في ضربها زوجها أو هجرها (ولعل الأمة الموطوءة إذا باعها سيدها)، ولعل سبب النهي عن سؤال الرجل عن ضرب زوجته لأن ذلك قد يؤدي إلى هتك ستر زوجته؛ فإنه قد يكون ضربها أو هجرها لامتناعها من جماعه أو نحو ذلك مما يستقبح ذكره بين الرجال، وفيه دليل على جواز ضرب الرجل امرأته كما قال صلى الله عليه وسلم : «اضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربًا غير مبرح» ((1)). قال عطاء: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه ((2)). وروي أن عمر ضرب امرأته، فعذل ((3)) في ضربها، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يسأل الرجل فيم ضرب أهله»، وكما لا يَسأل الزوجَ عن الضرب أجنبيُّ لا يسأله أبوها ولا أمها ولا أحد من أقاربها، فمن حق الزوج أن لا يفش سرها لا في الطلاق ولا عقد النكاح، فقد روى مسلم والمصنف عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته أو تفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه» ((4)). ويروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة فقيل له: ما الذي يريبك منها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته. فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال: ما لي ولامرأة غيري.
===
الجامع لعلوم الإمام أحمد – علل الحديث (15) / (65) — أحمد بن حنبل (ت (241))
كتاب النكاح
(525) – ما جاء في ضرب النساء
حديث إياس بن عبد اللَّه صلى الله عليه وسلم : «لا تضربوا إماء اللَّه» ((1)).
قال الإمام أحمد: إنه مرسل، وليست له صحبة. وقال: هو غير إياس بن عبد ((2)).
علاج نشوز المرأة:
قال الله -تعالى-: {واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهن واهجروهنّ في المضاجع واضربوهن فإِنْ أطعْنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلًا إِنّ الله كان عليًّا كبيرًا} ((2)).
قال ابن كثير صلى الله عليه وسلم في «تفسيره»: “وقوله: {واللاتي تخافون نشوزهنّ} أي: والنساء اللاتي تتخوفون أن ينشزن على أزواجهنّ -والنشوز: هو الارتفاع- فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها، التاركة لأمره، المعرضة عنه، المبغضة له؛ [وتقدَّم] فمتى ظَهَر له منها أمارات النشوز؛ فليَعظها وليُخوِّفها عقاب الله في عصيانه، فإِنّ الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحَرَّم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والإِفضال.
وقوله: {واهجروهنّ في المضاجع} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الهجران: ألاَّ يجامعها، ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره.
وكذا قال غير واحد، وزاد آخرون منهم، السدي، والضحاك، وعكرمة، وابن عباس -في رواية:-: «ولا يُكَلِّمها مع ذلك ولا يُحدِّثها».
قال علي بن أبي طلحة -أيضًا- عن ابن عباس: يَعِظها، فإِنْ هي قَبِلت وإلا هجَرها في المضجع، ولا يكلّمها من غير أن يذر نكاحها، وذلك عليها شديد.
وقال مجاهد، والشعبي، وإبراهيم، ومحمد بن كعب، ومقسم، وقتادة: الهجر: هو ألا يضاجعها.
ثمّ ساق الحديث: «فإِن خفتم نشوزهنّ فاهجروهنّ في المضاجع، قال حماد: يعني النكاح» ((1)).
ثم ذكَر حديث معاوية بن حيدة القشيري قال: «قلت: يا رسول الله! ما حقُّ زوجة أحدِنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه ولا تقبِّح ولا تهجر إِلا في البيت» ((2)).
ثم قال صلى الله عليه وسلم :» وقوله: {واضربوهنّ} أي: إِذا لم يرتدِعْن بالموعظة ولا بالهجران، فلكم أن تضربوهنّ ضربًا غير مبرِّح كما ثبت في «صحيح مسلم» ((1)) عن جابر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : «أنه قال في حَجّة الوداع: فاتقوا الله في النّساء، فإِنكم أخذتموهُنّ بأمان الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فُرُشَكُم أحدًا تكرهونه، فإِنْ فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربًا غير مبرّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف».
وكذا قال ابن عباس وغير واحد: ضربًا غير مبرِّح؛ قال الحسن البصري: يعني: غير مؤثِّر. وقال الفقهاء: هو أن لا يكسر فيها عضوًا، ولا يؤثر فيها شيئًا.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يهجرها في المضجع، فإِنْ أقبلت وإلا فقد أذِن الله لك أن تضرب ضربًا غير مبرح، ولا تكسر لها عظمًا، فإِنْ أقبلت وإِلا فقد حل لك منها الفدية.
ثمّ ذكر الحديث: «لا تضربوا إِماء الله، فجاء عمر صلى الله عليه وسلم إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْن ((2)) النساء على أزواجهنّ، فرخصّ في ضربهنّ، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهنّ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهنّ، ليس أولئك بخياركم» ((3)).
ثمّ قال صلى الله عليه وسلم : «وقوله: {فإِنْ أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلًا} أي: فإِذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريد منها، ممّا أباحه الله له منها، فلا سبيلَ له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها».
وقوله: {إِنّ الله كان عليًَّا كبيرًا} تهديد للرجال إِذا بغوا على النساء من غير سبب؛ فإِن الله العلي الكبير وليُّهنَّ، وهو ينتقم ممن ظلمهنّ وبغى عليهنّ.
الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة المطهرة (5) / (350)
===
أورد أبو داود: [باب في ضرب النساء] وضرب النساء جاء به القرآن، ولكنه على وجه لا يكون مؤثرًا ولا يكون مبرحًا، وإنما يحصل به التأديب من غير مضرة، ولو أمكن أن يصار في التأديب إلى غير الضرب وأن تحصل معالجة الأمر بدونه فلا شك في أن ذلك أولى، ولكن إذا احتيج إليه فليكن على وجه لا يؤثر ولا يلحق ضررًا بالمرأة المضروبة.
وأورد أبو داود حديث أبي حرة عن عمه رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع)].
وقوله: [قال حماد: يعني النكاح].
أي أن الهجر في المضجع هو أن لا يجامعها، فينام معها في الفراش لكن لا يجامعها، والحديث يتعلق بالهجر ولا يتعلق بالضرب، ولكن سيأتي ما يتعلق بالضرب
شرح سنن أبي داود للعباد (246) / (14) — عبد المحسن العباد
[(9) / (7) , (6): (42) م] احمد بن علي: سنن أبي داود
بَابٌ فِي ضَرْبِ النِّسَاءِ
قال ابن قدامة:
1230 – مسألة؛ قال: (وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا مَا يَخَافُ مَعَهُ نُشُوزَهَا وَعَظَهَا، فَإِنْ أَظْهَرَتْ نُشُوزًا هَجَرَهَا، فَإِنْ أَرْدَعَها، وَإِلَّا فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا لَا يَكُونُ مُبَرِّحًا)
معنى النُّشُوزِ مَعْصيةُ الزَّوجِ فيما فرَضَ اللَّهُ عليها مِن طاعتِه، مأخوذٌ من النَّشْزِ، وهو الارْتفاعُ، فكأنَّها ارْتفَعتْ وتعالتْ عمَّا فَرَضَ (1) اللَّهُ عليها مِن طاعتِه، فمتى ظَهرتْ منها أمَاراتُ النُّشُوزِ، مثل أن تتثاقلَ وتُدَافِعَ إذا دعاها، ولا تصيرَ إليه إلَّا بِتَكَرُّهٍ ودَمْدَمَةٍ، فإنَّه يَعِظُها، فيُخَوِّفُها اللَّهَ سبحانَه، ويَذْكُرُ ما أوْجَبَ اللَّهُ له عليها مِن الحقِّ والطاعةِ، وما يلْحَقُها مِن الإثْمِ بالمُخالفةِ والمعصيةِ، وما يَسْقُطُ بذلك مِن حُقوقِها (2)، مِن النَّفقةِ والكُسْوةِ، وما يُباحُ له من ضَرْبِها وهَجْرِها، لقول اللَّهِ تعالى: {وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} (3). فإن أظْهرَتِ النُّشُوزَ، وهو (4) أن تعْصِيَه، وتَمْتنعَ من فِراشِه، أو تخْرُجَ من منزلِه بغير إذْنِه، فله أن يهْجُرَها فى المَضْجَعِ، لقولِ اللَّهِ تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ} (3). قال ابنُ عباسٍ: لا تُضاجِعْها فى فِرَاشِك (5). فأمَّا الهِجْرانُ فى الكلامِ، فلا يجوزُ أكثرَ مِن ثلاثةِ أيَّامٍ؛ لما رَوَى أبو هُريرةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال: “لَا يَحِلُّ لِمسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أيَّامٍ” (6). وظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّه ليس له ضَرْبُها فى النُّشُوزِ فى أوَّلِ مرَّةٍ. وقد رُوى عن أحمدَ: إذَا عَصَتِ المرأةُ زَوْجَها، فله ضَرْبُها ضربًا غيرَ مُبَرِّحٍ. فظاهرُ هذا إباحةُ ضَرْبِها بأوَّلِ مَرَّةٍ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}.
ولأنَّها صَرَّحت بالمنْعِ (7) فكان له ضربُها، كما لو أصَرَّتْ، ولأنَّ عُقوباتِ الْمَعاصِى لا تخْتلِفُ بالتَّكْرَارِ وعَدَمِه، كالحدودِ ووَجْهُ قولِ الْخِرَقىِّ أَنَّ (8) المقصودَ زَجْرُها عن المَعْصِيَةِ فى المُسْتقبلِ، وما هذا سَبِيلُه يُبدأُ فيه بالأسْهلِ فالأسْهلِ، كمَنْ هُجِمَ منزلُه فأرادَ إخراجَه. وأمَّا قولُه: {وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}. الآية، ففيها إضْمارٌ تقديرُه والَّلاتى تخافون نُشوزَهُنَّ فعِظُوهنَّ، فإن نَشَزْنَ فاهْجُروهُنَّ فى المَضاجعِ، فإن أصْرَرْنَ فاضْرِبُوهُنَّ، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} (9). والذى يَدُلُّ على هذا أنَّه رَتَّبَ هذه العُقوباتِ على خَوْفِ النُّشُوزِ؛ ولا خِلافَ فى أنَّه لا يَضْرِبُها لخوْفِ النُّشُوزِ قبلَ إظْهارِه. وللشَّافعى قولانِ كهذيْنِ فإن لم ترتدعْ بالوعظِ والهجرِ، فله ضَرْبُها؛ لقوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ}. وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ”. رَواه مسلمٌ (10). ومعنى “غيرُ مُبَرِّحٍ” أى ليس بالشَّديدِ. قال الخلَّالُ: سألتُ أحمدَ بنَ يحيى، عن قوله: “ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ” قال: غيرُ شديدٍ. وعليه أن يجْتَنِبَ الوَجْهَ والمواضِعَ المَخُوفَةَ؛ لأنَّ المقصودَ التَّأديبُ لا الإِتلافُ.
وقد رَوى أبو داودَ (11)، عن حَكِيمِ بنِ معاويةَ القُشَيْرِىِّ، عن أبيه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، ما حقُّ زَوْجةِ أحدِنا عليه؟ قال: “أَنْ تطْعِمَها إذَا طعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِى الْبَيْتِ”. وروىَ عبدُ اللَّهِ بنُ زَمْعةَ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، قال: “لَا يجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُضَاجعُهَا فِى آخِرِ الْيَوْمِ” (12). وَلا يَزِيدُ فى ضَرْبِهَا على عَشرَةِ أَسْواطٍ؛ لقولِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لا يَجْلِدْ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ، إِلَّا فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّه”. [مُتَّفَقٌ عليه] (13).
فصل: وله تأْديبُها على تَرْكِ فَرائضِ اللَّهِ. وسأل إسماعيلُ بنُ سعيدٍ أحمدَ عمَّا يجوزُ ضَرْبُ المرأةِ عليه، قال: على تَرْكِ (14) فَرائضِ اللَّه. وقال فى الرَّجُلِ (15) له امرأةٌ لا تُصَلّى: يضْرِبُها ضربًا رَفيقًا غيرَ مُبَرِّحٍ. وقال علىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فى تفسير قولِه تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (16). قال: عَلِّمُوهُمْ أَدِّبُوهُم (17). ورَوى أبو محمدٍ الخلَّالُ، بإسْنادِه عن جابرٍ، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا (18) عَلَّقَ فى بَيْتِهِ سَوْطًا يُؤَدِّبُ أَهْلَهُ” (19). فإن لم تُصَلِّ، فقد قال أحمدُ: أخْشَى أَنْ لا يَحِلَّ [للرجلِ أَنْ] (20) يُقيمَ مع امرأةٍ لا تُصَلِّى، ولا تَغتسلُ من جَنايةٍ، ولا تَتعلَّمُ القرآنَ. قال أحمدُ، فى الرَّجُلِ يضْرِبُ امرأتَه: لا ينْبَغِى لأحدٍ أن يسألَه ولا أبوها، لم ضرَبها؟ (21). والأصلُ فى هذا ما رَوى الأَشْعَثُ، عن عمرَ، أنَّه قال: يا أشْعَثُ، احْفَظْ عنى شيئًا سمعتُه مِن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لَا تَسْأَلَنَّ رَجُلًا فِيمَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ”. رَواه أبو داودَ (22). ولأنَّه قد يضْربُها لأجْلِ الفِراشِ، فإنْ أخْبرَ بذلك اسْتَحْيَى، وإن أخبرَ بغيرِه كَذَبَ
[المغني لابن قدامة 10/ 259]
قال ابن رسلان:
[2145] (ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد) بن سلمة (عن علي بن زيد) بن جدعان المكي، نزل البصرة التميمي الضرير، أخرج له مسلم في الجهاد عن أنس بن مالك (1).
(عن أبي حرة) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء، واسمه حنيف (2)، وثقه المصنف. (عن عمه الرقاشي) بفتح الراء وتشديد القاف نسبةً إلى امرأة، قال محمد بن طاهر: عمه: حنيفة (3). ويقال: حكيم بن أبي (4) زيد، وقيل: عامر بن عبدة، وقال عبد الله بن محمد البغوي: عم أبي حرة بلغني أنه حذيم بن حنيفة الرقاشي (5) (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإن خفتم) أي: علمتم وتيقنتم (نشوزهن) أي: عصيانهن عليكم، مأخوذ من النشز وهو ما ارتفع من الأرض، ومنه {وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا} (6) أي: ارتفعوا وانهضوا إلى حرب أو أمر من أمور الله، يقال: نشزت المرأة فهي ناشز بغير هاء، أي: أساءت عشرتها (فاهجروهن في المضاجع) قيل: هو من الهجر بضم الهاء وهو القبيح من الكلام، أي: أغلظوا عليهن في الكلام، وعن ابن عباس: أي شدوهن وثاقًا (1) في بيوتهن. من هجر البعير إذا ربطه بالهجار وهو حبل يشد به البعير، وهو اختيار الطبري (2)، ورده ابن العربي في “أحكامه” فقال: هذِه هفوة من عالم بالقرآن والسنة يا لها من هفوة (3).
(قال حماد) بن سلمة (يعني) اهجروهن في (النكاح) وكذا قال ابن عباس: هو أن يوليها ظهره ولا يجامعها.
[2146] (حدثنا محمد بن) أحمد (بن أبي خلف) القطيعي شيخ مسلم. (وأحمد بن عمرو بن السرح، قالا: ثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله) كذا لابن ماجه: عبد الله بن عبد الله بن عمر (4) (قال) أحمد بن عمرو (بن السرح) في روايته (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله) بن عمر، وكان ابن عمر روى عنه من أولاده عبد الله وعبيد الله وسالم وحمزة وزيد وبلال (عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب) بضم الذال المعجمة وتخفيف الباء الأولى الدوسي، سكن مكة، قال أبو القاسم: لا أعلم روى إياس بن عبد الله غير هذا الحديث (5).
وذكر البخاري هذا الحديث في “تاريخه”، وقال: لا يعرف لإياس صحبة (1). وقال ابن أبي حاتم: إياس بن عبد الله بن أبي ذباب مدني له صحبة، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك (2) (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تضربوا إماء) جمع أمة (الله) قال الرافعي: أشار الشافعي إلى أن فيه احتمالين، أحدهما أنه منسوخ بالآية يعني قوله: {وَاضْرِبُوهُنَّ} (3)، أو بما ورد من الأدب في ضربهن يعني في حديث جبريل الطويل في الحج؛ فإن فيه: “فاضربوهن ضربًا غير مبرح” (4). وروى البيهقي عن مكحول عن أم أيمن: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بعض أهل بيته، فذكر حديثًا، وفيه: “ولا ترفع عصاك عنهن” (5). وهو مرسل أو معضل، والاحتمال الثاني حمل النهي على الكراهة، أو على أن الأولى التحرز عنه ما أمكن، وقد يحمل النهي على الحال التي لم يوجد فيها السبب المجوز للضرب.
(فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن النساء) بفتح الذال المعجمة وكسر الهمزة، وفي لفظ النسائي وابن ماجه: ذئر النساء (6). وهي اللغة المشهورة الفصيحة، ورواية المصنف وذلك جارٍ في القرآن العزيز في قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} (7) والسنة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم “يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار” (1). وفي شعر العرب، وقد تأول ذلك غير واحد من العلماء، قال الأصمعي: معنى ذئرن نفرن ونشزن واجترأن (على أزواجهن) يقال: ذئرت المرأة تذأر فهي ذائر وذئر أي: ناشز، وأذأرت (2) الرجل بالشيء (3) إذا أغريته ليغتاظ، وقال غيره: الذائر المغتاظ على خصمه المستعد للشر، وفيه أن ضرب النساء على منع حقوق النكاح مباح، إلا أنه غير مبرح، ولا مدمٍ، ولا يقع على الوجه والمهالك كما تقدم، وإذا أفضى التلف وجب الغرم؛ لأنه تبين أنه إتلاف لا إصلاح (فرخص في ضربهن) يفهم من قوله: رخص، أن العزيمة ترك الضرب كما ذكر أصحابنا أن الزوج وإن جاز له الضرب فالأولى أن يعفو أو يعرض عنها، وأن الصبر على سوء أخلاقهن والعفو عما يصدر منهن أفضل، وإذا أفضى ضرب الرجل (. . .) (4) الولي فإنه يؤدب الطفل ولا غرم عليه إذا تولد من ضرب الصبي تلف، كذا قال الغزالي، قال الرافعي: ولم يساعد عليه (فأطاف) هذِه لغة، واللغة المشهورة كما في رواية ابن ماجه: فطاف (5).
يقال: طاف بالشيء وأطاف به واستطاف، وامرأة طوافة تطوف على بيوت جاراتها، ومنه قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} (1) أي: مترددون في قضاء حوائجكم (بآل) أي: أهل وأقارب (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويحتمل أن يراد بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه (نساء كثير يشكون) إليهم (أزواجهن) من الضرب (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد طاف) قال في “المحيط”: طاف بالبيت طوافًا وطوفانًا، وأطاف بهذا الأمر أي: أحاط به فهو مطيف (2) (بآل محمد) يعني: نفسه كما تقدم (نساء كثير) بينه ابن ماجه في “سننه” بأنهن سبعون امرأة، ولفظه: فأمر بضربهن فضربوا، فطاف بآل محمد صلى الله عليه وسلم نساء كثير، فلما أصبح قال: “لقد طاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كل امرأة تشكو زوجها” (3). (يشكون أزواجهن) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس أولئك) (. . .) (4) يشكين أزواجهن (بخياركم) خياركم يعني أزواجهن، ولعله صلى الله عليه وسلم علم أنهن مظلومات، ويحتمل أن يعود الضمير على النساء، ولفظ ابن ماجه: “فلا تجدون أولئك”، يعني: لأنهن لم يصبرن على ضرب أزواجهن الذي رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم لعظم حقهم عليهن، وقد تلطف رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن عبارته وفصيح بلاغته حين لم يسميهن ولا ذمهن، بل أخبر أنهن لسن بالخيار ففهم المقصود من غير تصريح …
(يضرب امرأته) أو يهجرها أو يعظها، ولا تسأل المرأة في ضربها زوجها أو هجرها (ولعل الأمة الموطوءة إذا باعها سيدها)، ولعل سبب النهي عن سؤال الرجل عن ضرب زوجته لأن ذلك قد يؤدي إلى هتك ستر زوجته؛ فإنه قد يكون ضربها أو هجرها لامتناعها من جماعه أو نحو ذلك مما يستقبح ذكره بين الرجال، وفيه دليل على جواز ضرب الرجل امرأته كما قال عليه السلام: “اضربوا النساء إذا عصينكم في معروف ضربًا غير مبرح” (1). قال عطاء: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه (2). وروي أن عمر ضرب امرأته، فعذل (3) في ضربها، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يسأل الرجل فيم ضرب أهله”، وكما لا يَسأل الزوجَ عن الضرب أجنبيُّ لا يسأله أبوها ولا أمها ولا أحد من أقاربها، فمن حق الزوج أن لا يفش سرها لا في الطلاق ولا عقد النكاح، فقد روى مسلم والمصنف عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته أو تفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه” (4). ويروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة فقيل له: ما الذي يريبك منها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته. فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال: ما لي ولامرأة غيري
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 9/ 477]
قال العباد:
شرح حديث (لا تضربوا إماء الله)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن أبي خلف وأحمد بن عمرو بن السرح قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله -قال ابن السرح: عبيد الله بن عبد الله – عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تضربوا إماء الله.
فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ذئرن النساء على أزواجهن.
فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم)].
أورد أبو داود حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(لا تضربوا إماء الله)] فهذا نهي عن الضرب، فجاء عمر رضي الله عنه وقال: [(ذئرن النساء على أزواجهن)] ومعناه أنهن تجرأن عليهم وحصل منهن تطاول يحتجن معه إلى التأديب.
(فرخص النبي صلى الله عليه وسلم في ضربهن) وهذا يدل على أن الترخيص جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في القرآن {وَاضْرِبُوهُنَّ}.
وفي قوله: [ذأرن النساء] جمع بين الضمير والاسم الظاهر، وهي اللغة التي يسمونها (لغة أكلوني البراغيث) وقد جاء بها القرآن والحديث، وذلك في قول الله عز وجل: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواَ} [الأنبياء:3] وفي الحديث (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) فهي لغة من اللغات.
قوله: [فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن].
معناه أنه بعد ما حصل الترخيص حصل الضرب، فجاء النساء إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون أزواجهن لحصول الضرب منهم، فقال صلى الله عليه وسلم في حق ضاربي زوجاتهم: [(ليس أولئك بخياركم)] يعني الذين يضربون النساء.
فالضرب وإن كان مرخصاً فيه إلا أنه لا ينبغي أن يصار إليه إلا للضرورة، وليس المعنى أنه حين وجدت الرخصة يتهاون بالضرب ويحصل إيذاؤهن بالضرب، وإنما يصار إلى الضرب عند الضرورة إليه، كالكي بالنسبة للعلاج لا يصار إليه إلا عند الضرورة وعند الحاجة
[شرح سنن أبي داود للعباد 246/ 17 بترقيم الشاملة آليا]
[(9) / (7) , (7): (48) م] احمد بن علي: قال الاتبوبي في شرح مسلم حديث:
(2855)) – (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَذَكَرَ النَّاقَةَ، وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَهَا، فَقَالَ: «إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا، انْبَعَثَ بِهَا رَجُلٌ ((3)) عَزِيزٌ، عَارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ»، ثُمَّ ذَكَرَ النِّسَاءَ، فَوَعَظَ فِيهِنَّ، ثُمَّ قَالَ: «إِلَامَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأتَهُ»، وفي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: «جَلْدَ الأَمَةِ»، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ: «جَلْدَ الْعَبْدِ، وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ»، ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ، فَقَالَ: «إِلَامَ يَضْحَكُ أَحَدُكمْ مِمَّا يَفْعَلُ»).
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(1) – (منها): بيان حسن الأدب، والمعاشرة للناس.
(2) – (ومنها): بيان النهي عن ضرب النساء لغير ضرورة التأديب.
(3) – (ومنها): جواز تأديب الرقيق بالضرب الشديد، والإيماء إلى جواز ضرب النساء دون ذلك.
(4) – (ومنها): أن في سياقه استبعادًا وقوع الأمرين من العاقل، أن يبالغ في ضرب امرأته، ثم يجامعها من بقية يومه، أو ليلته، والمجامعة، أو المضاجعة إنما تُستحسن مع ميل النفس، والرغبة في العشرة، والمجلود غالبًا ينفر ممن جَلَده، فوقعت الإشارة إلى ذمّ ذلك، وأنه إن كان ولا بدّ، فليكن التأديب بالضرب اليسير، بحيث لا يحصل منه النفور التام، فلا يُفرِط في الضرب، ولا يُفَرِّط في التأديب ((1)).
(5) – (ومنها): ما قاله المهلّب صلى الله عليه وسلم : بَيَّن صلى الله عليه وسلم بقوله: «جلد العبد» أن ضرب الرقيق فوق ضرب الحرّ؛ لتباين حالتيهما، ولأن ضرب المرأة إنما أبيح من أجل عصيانها زوجها فيما يجب من حقّه عليها. انتهى.
وقد جاء النهي عن ضرب النساء مطلقًا، فعند أحمد، وأبي داود، والنسائيّ، وصححه ابن حبان، والحاكم، من حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذُباب -بضم المعجمة، وبموحدتين، الأُولى خفيفة-: «لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر، فقال: قد ذئر النساء على أزواجهنّ، فأَذِن لهم، فضربوهنّ، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير، فقال: لقد أطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة، كلهنّ يشكين أزواجهنّ، ولا تجدون أولئك خياركم»، وله شاهد من حديث ابن عباس في «صحيح ابن حبان»، وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر، عند البيهقيّ.
وقوله: «ذَئِر» بفتح المعجمة، وكسر الهمزة، بعدها راء؛ أي: نَشَز، بنون، ومعجمة، وزاي، وقيل: معناه: غضب، واستبّ.
قال الشافعيّ: يَحْتَمِل أن يكون النهي على الاختيار، والإذن فيه على الإباحة، ويَحْتَمِل أن يكون قبل نزول الآية بضربهنّ، ثم أُذن بعد نزولها فيه.
وفي قوله: «لن يضرب خياركم» دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة، ومحل ذلك أن يضربها تأديبًا إذا رأى منها ما يكره، فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل، ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يُعدل إلى الفعل؛ لِمَا في وقوع ذلك من النفرة المضادّة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله تعالى.
وقد أخرج النسائيّ حديث عائشة صلى الله عليه وسلم : «ما ضَرَب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له، ولا خادمًا قط، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا في سبيل الله، أو تُنتهك حرمات الله، فينتقم لله»، ذكره في «الفتح» ((1)).
(6) – (ومنها): بيان النهي عن الضحك من الضرطة، يسمعها من غيره، بل ينبغي أن يتغافل عنها، ويستمرّ على حديثه، واشتغاله بما كان فيه من غير التفات، ولا غيره، ويُظهر أنه لم يسمع.
(7) – (ومنها): معنى قوله صلى الله عليه وسلم : {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ((12))}، فبيّن صلى الله عليه وسلم أنه
رجل عزيز عارم منيع في رهطه، مثل أبي زمعة، والله تعالى أعلم.
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (43) / (770) — محمد بن علي بن آدم الأثيوبي (ت (1442))