7 – بَابُ ذِكْرِ كَوْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ
20 – (2286) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهِ، يَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، إِلَّا هَذِهِ اللَّبِنَةَ، فَكُنْتُ أَنَا تِلْكَ اللَّبِنَةَ ”
21 – (2286) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ: أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا فَأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا وَأَكْمَلَهَا، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وَيُعْجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ فَيَقُولُونَ: أَلَّا وَضَعْتَ هَاهُنَا لَبِنَةً فَيَتِمَّ بُنْيَانُكَ ” فَقَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ»
22 – (2286) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ ”
22 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ النَّبِيِّينَ» فَذَكَرَ نَحْوَهُ
23 – (2287) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَتَمَّهَا وَأَكْمَلَهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ: لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ ” قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَنَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ، جِئْتُ فَخَتَمْتُ الْأَنْبِيَاءَ»
23 – وحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سَلِيمٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ بَدَلَ – أَتَمَّهَا – أَحْسَنَهَا
الفوائد
——-
مشاركة علي البلوشي وسلطان الحمادي:
قال ابن حجر “إلا موضع لبنة” بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها نون وبكسر اللام وسكون الموحدة أيضًا قطعة طين تعجن وتعد للبناء من غير إحراق فإذا أحرقت فهي آجرة.
مشاركة سيف بن غدير:
منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري:
-: ” فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ” أي فهو – صلى الله عليه وسلم – بالنسبة إلى الأنبياء السابقين كاللبنة المتممة لذلك البناء، لأن به – صلى الله عليه وسلم – كمال الشرائع السابقة،
مشاركة عبدالرحمن المزروعي وأحمد بن علي:
لقد كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وشريعته صالحة لهم ولزمنهم كاملة لإصلاح قومه غير ناقصة لكن الرسالات السابقة في مجموعها وبكل ما جاءت به لا تصلح للبشرية المستقبلة في جميع الأزمنة وفي جميع الأمكنة فكان لا بد من إضافة رسالة إلى الرسالات السابقة لتصلح لتقويم البشرية في كل زمان ومكان. قال الحافظ ابن حجر: ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها وقد وقع عند مسلم إلا موضع اللبنة من زاوية من زواياها فيظهر أن المراد أنها مكملة محسنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها ناقصا وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة (قرره ابن حجر)
مشاركة عبدالرحمن المزروعي:
ويؤخذ من الحديث:
– جواز ضرب الأمثال والتشبيه لتقريب المعاني إلى الأفهام
– أن محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين يقول تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)
– وأن الرسالة المحمدية آخر الرسالات وأنها كاملة مكملة
– فضل محمد صلى الله عليه وسلم
– حاجة الإنسانية إلى الرسالة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
– عدد الرسل هو عدد أصحاب طالوت، وهو عدد من شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
عن البراء رضي الله عنه قال: ” كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت، الذين جازوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة “. رواه البخاري.
– أن باب الاجتهاد مفتوح لأهله إلى يوم القيامة، إذ يلزم من كون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، أن تبقى الأمة بدون أحكام لما يستجد من أمور، لكن لما كانت هذه الشريعة خالدة أبقى الله عزوجل أصول للعلماء يستنبطون منها الأحكام لما يستجد.
قال صاحبنا أبوصالح: والعلماء ورثة الأنبياء.
– من الأمور التي تترتب على كون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين:
أن الأمم الأخرى-غير الأمة الإسلامية-عليها أن تدخل في هذا الدين، وأن تجتهد في الاطلاع على ما جاء به هذا الدين، لتصل إلى الحقيقة.
——-
مشاركة سيف بن دورة الكعبي:
– منه قوله تعالى (ختامه مسك) فليس معنى هذا أن الأديان السابقة كانت ناقصة وإنما المراد أنه وإن كانت كل شريعة كاملة بالنسبة إلى عصرها إلاّ أن الشريعة المحمدية هي الشريعة الأكمل والأتم، فهم كشراب الجنة ليس فيه كدر لا في أوله ولا في آخره بل آخره مسك – وراجع تفسير السعدي في شرح الآية
وسبق معنى ذلك عن ابن حجر في مشاركات الأصحاب، وتعقب ابن حجر قول أبي بكر بن العربي: أن البنيان بدون هذا الحجر سينقض. حيث يستدعي هذا أن الشرائع ناقصة.
لكن نقل صاحبنا أحمد بن علي كلاماً لزين الدين العراقي في طرح التثريب لعله يوضح المقصود فقال:
(فإن قلت) يقتضي هذا التشبيه أن الأمر كان بدونه ناقصا (قلت) هو كذلك بالنسبة إلى مجموع الشرائع وكم حكمة ولطيفة وذكر وغيب لم يعلم إلا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم فكل شريعة على حدتها كاملة بالنسبة إلى المكلفين بها فإذا نظرت إلى مجموع ما كلف الله تعالى به عباده من أمر الدين وما أظهره من عجائب ملكوته على أيدي المرسلين وما أطلعهم عليه من الغيوب وما ألهمهم إياه من الذكر الذي تطهر به القلوب وجدت ذلك لم يكمل إلا بما ظهر في هذه الشريعة على لسان هذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم … إلى آخر كلامه
لكن كلام ابن حجر أمتن.
-وكون ختامه مسك يدل أن شريعته أكمل الشرائع وكتابه أحسن الكتب قال تعالى (الله نزَّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني) الزمر 23 وفي قوله تعالى (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) وقد كتبت بحوث في حسن القرآن وأهل التفسير يذكرون في كثير من الآيات التي اشتملت على التوحيد والأحكام والقصص والأمثال والبلاغة أوجه حسن القرآن خاصة تفسير السعدي.
– ومما يدل على نسخه للكتب قبله منه قوله تعالى (ومهيمناً عليه) فكما أن محمداً خاتم النبيين، فكتابه خاتم الكتب وناسخ لها.
– نبينا أفضل الرسل، وخاتمهم بل لو بعث نبي في عهده لوجب عليه نصرة نبينا واتباعه ومنه حديث (والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)
وقول الله عزوجل (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81))
– هذا المثل في الحديث ذكرني بقصة بناء قريش للكعبة حيث رضوا بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يضع الحجر الأسود، وبوضعه اكتمل بناء الكعبة.
– الحديث يشير للتكامل والعمل الجماعي وأن اللاحق يكمل السابق، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا لما دعت إليه الرسل قبله من التوحيد والأخلاق الفاضلة، والنهي عن الأخلاق الرذيلة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل، قال الشيخ السعدي في تفسيره:
وهم يعلمون أنه لا يعرف الشعر والشعراء، ولا وصفه وصفهم، وأنه أعقل خلق الله، وأعظمهم رأيا.
ولهذا قال تعالى، ناقضا لقولهم: {بَلْ جَاءَ} محمد {بِالْحَقِّ} أي: مجيئه حق، وما جاء به من الشرع والكتاب حق. {وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [أي: ومجيئه صدق المرسلين] فلولا مجيئه وإرساله لم يكن الرسل صادقين، فهو آية ومعجزة لكل رسول قبله، لأنهم أخبروا به وبشروا، وأخذ الله عليهم العهد والميثاق، لئن جاءهم، ليؤمنن به ولينصرنه، وأخذوا ذلك على أممهم، فلما جاء ظهر صدق الرسل الذين قبله، وتبين كذب من خالفهم،. فلو قدر عدم مجيئه، وهم قد أخبروا به، لكان ذلك قادحا في صدقهم.
وصدق أيضا المرسلين، بأن جاء بما جاءوا به، ودعا إلى ما دعوا إليه، وآمن بهم، وأخبر بصحة رسالتهم ونبوتهم وشرعهم.
– الحديث فيه عدم جواز تنقص الأنبياء وشرائعهم، والتحريف الواقع في الكتب السماوية التي أنزلت عليهم إنما هو ممن يدعي أنه من أتباعهم، والتحريف لا ينسب إلى أحد من الأنبياء فهم أصدق الناس.
– النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالأنبياء من اليهود والنصارى والمشركين ومنه قوله تعالى (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68))، وحديث (نحن أولى بموسى منهم) وحديث (نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد)
– الاعتراف للآخرين بفضلهم. وعدم هدم جهودهم. ومنه قول الله تعالى (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) وقوله تعالى (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) وقوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)) وقوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100))
-تواضع النبي صلى الله عليه وسلم حيث اعترف بفضل الأنبياء قبله.
-حب النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه هو لبنة التمام وبه حسن البناء.
– في الحديث معنى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
– وفيه ذم التفرق والتكتلات والتحزبات.
-قال الزرقاني: (وخاتم النَّبِيِّينَ)، أي: آخرهم الذي ختمهم أو ختموا به على قراءة عاصم بالفتح … وقيل: من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وهو كالوالد لولده ليس له غيره، ولا يقدح نزول عيسى بعده؛ لأنه يكون على دينه. (نقله صاحبنا علي البلوشي)
قال باحث جمع في علوم القرآن ومنه أهمية معرفة المكي والمدني:
خاتمه: ينبغي العناية بها والتفطن لها لمن أراد أن يعرف فقه الشريعة، وتدرجها بالمكلفين في الرقي بهم إلى مراتب الكمال وهو:
أن السور والآيات المدنية ينبغي أن تنزل في الفهم على الآيات والسور المكية، وهكذا المكي بعضه مع بعض، وأيضاً المدني بعضه مع بعض على حسب ترتيبه في النزول؛ وذلك أن جميع الرسالات وشرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هي بمثابة اللبنات التي يكتمل بها البناء، ويرتبط بعضه ببعض فتمثل صرحا لهداية البشرية، يوضح ذلك الحديث المشهور الذي أخرجه الشيخان (خ / 3535، م / 2286) من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى، وهكذا ينبغي أن يكون النظر أيضا في داخل هذه الشريعة؛ فحينما ننظر إلى الآيات والسور المكية، ينبغي أن ننظر إلى الآيات والسور التي سبقتها فننزل المتأخر في الفهم على المتقدم، ونراعي ذلك فيه، وهكذا ما نزل في المدينة نلاحظ فيه هذا الترابط ونلاحظ فيه هذا التعاقب، كما أننا نلاحظ فيه أيضا البناء في الفهم على ما نزل قبله بمكة.
يقول الشاطبي رحمه الله في كتابه الموافقات: فالمتأخر مبني على المتقدم و مبين له ومتتم له وشارح.
ومما يدل على ذلك أن الخطاب المدني في الغالب مبني على المكي، كما أن المتأخر من كل واحد منهما مبني على ما قبله، وهذا معلوم من جهة الاستقراء إذ إن المتأخر غالباً هو بيان لمجملٍ قبله، أو تخصيص للعام قبله، أو تقييد للمطلق أو تفصيل لما لم يفصل، أو تكميل لما لم يظهر تكميله مما قبله.
مثال ذلك: سورة الأنعام سورة طويلة نزلت كاملة في مكة، وهي من أوائل السور النازلة في مكة، وتُعنى بتقرير الأصول الكبار في العقائد، وهي مشتملة على كليات الشريعة، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ كان أول ما نزل عليه في المدينة سورة البقرة، ومن تأمل سورة البقرة وجد أنها تفصيل لتلك القواعد المجملة في سورة الأنعام، وهي مبينة لأقسام أفعال المكلفين، ومقررة لقواعد التقوى المبنية على قواعد سورة الأنعام كما يقول الشاطبي رحمه الله. فإنها بينت من أقسام أفعال المكلفين جملتها، وإن تبين في غيرها تفاصيل لها، كالعبادات التي هي قواعد الإسلام، والعادات من أصل المأكول والمشروب وغيرهما، والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دار بها، والجنايات من أحكام الدماء وما يليها، وأيضا فإن حفظ الدين فيها وحفظ والنفس والعقل والنسل والمال مضمن فيها، وما خرج عن المقرر فيها فبحكم التكميل، فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مبني عليها، كما كان غير الأنعام من المكي المتأخر عنها مبني عليها، وإذا تَنَزَّلْتَ إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب وجدتها كذلك حذو القذة بالقذة، فلا يغيبن عن الناظر في الكتاب هذا المعنى؛ فإنه من أسرار علوم التفسير وعلى حسب المعرفة به تحصل له المعرفة بكلام ربه سبحانه انتهى كلام الشاطبي
تنبيه: هذا الحديث ورد بمعناه في الكتاب المقدس:
ورد في إنجيل متى الإصحاح 21 الفقرة 42،43 حيث فيه أن عيسى عليه الصلاة والسلام: (قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره ومن سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه) وهذا النقل من باب إقامة الحجة عليهم من كتبهم، وإلا نحن يكفينا كتاب ربنا.