6 – بَابُ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَمُبَالَغَتِهِ فِي تَحْذِيرِهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ
16 – (2283) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ – وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ – قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمَهُ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مُهْلَتِهِمْ، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ ”
17 – (2284) وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ»
17 – (2284) وَحَدَّثَنَاهُ عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ
18 – (2284) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا»
19 – (2285) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سَلِيمٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي»
الفوائد
——————-
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه البخاري في موضعين وسيأتي ذكرهما في الفوائد.
معاني الكلمات:
قال صاحبنا سيف بن غدير النعيمي:
يقول الشيخ ابن عثيمين في شرح صحيح البخاري:
العريان هو المتجرد من ثيابه وكانوا إذا داهمهم العدو وكانوا يتخوفون منه كثيرا يأتي النذير عريانا في القوم فيصيح بهم النجاء النجاء وهذا يحتمل أن يكون إشارة إلى ان العدو قد سلبه حتى ثيابه ويحتمل أن العدو قد سلبه فعلا سلبا حقيقة
ويحتمل أن ذلك من أجل التهييج , تهييج القوم
كل ذلك محتمل لأن كشف العورات عندهم أمر عظيم حتى أن بعضهم إذا أدرك يعني يقتل كشف عورته فإذا كشف عورته امتنع مريد القتل عن قتله.
قلت (سيف الكعبي):ومنه الاستنصار كما في غزوة بدر حيث رام حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة أن يرجعا بقريش فلا يكون قتال، فأبى ذلك أبو جهل وتقاول هو وعتبة، وأمر أبو جهل أخا عمرو بن الحضرمي أن يطلب دم أخيه عمرو، فكشف عن إسته، وصرخ: واعمراه! واعمراه!، فحمى القوم ونشبت الحرب. ذكره ابن كثير في السيرة.
تنبيه: وقع في تاريخ دمشق (وكشف عن رأسه) وفي زاد المعاد (عن استه) وفي البداية والنهاية (عن عورته) وفي تهذيب الكمال ودلائل البيهقي (اكتشف)
قال ابن كثير رحمه الله: وفي الحديث: (أنا النذير العريان) أي: الذي أعجله شدة ما عاين من الشر عن أن يلبس عليه شيئاً، بل بادر إلى إنذار قومه قبل ذلك، فجاءهم عرياناً مسرعاً. مناسب لقوله: (أزفت الآزفة) أي: اقتربت القريبة. انتهت مشاركة سيف
قال بعض الشراح:
(أنا النذير العريان) وهو مثل معروف عند العرب، يقال لمن أنذر بقرب العدو وبالغ في الإنذار: هو النذير العريان الذي يجرد ثوبه، ويشير به، إذا خاف أن يسبق العدو صوته، وأنشدوا:
(لَيْسَ النذير الَّذِي يَاتِيك مؤتزرا … مثل النذير الَّذِي يَاتِيك عُريَانا
وقد قيل إن أصل المثل لرجل من خثعم، سلبه العدو ثوبه، وقطعوا يده، فانطلق إلى قومه نذيرا على تلك الحال،
وكان مما قاله لهم:
أنا المنذر العريان ينبذ ثوبه … إذا الصدق لا ينبذ لك الثوب كاذب
فقوله عليه [الصلاة و] السلام: (أنا النذير العريان) أي مثلي مثل ذلك.
ورد في المشتبه: زنير بن عمرو الخثعمي، أحد الشعراء. قلت: هو الذي يقال له: النذير العريان، وله في ذلك قصة.
وفي مشكل الحديث لابن الجوزي:
قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: وَقد رُوِيَ لنا: ” وَأَنا النذير العربان ” بِالْبَاء، فَإِن كَانَ ذَلِك مَحْفُوظًا فَمَعْنَاه المفصح بالإنذار …
وَقَوله: فأدلجوا، إِذا خففت الدَّال كَانَ معنى الْكَلِمَة قطع اللَّيْل كُله بالسير، وَإِذا شددت الدَّال فَهُوَ السّير من آخر اللَّيْل.
وَمعنى اجتاحهم استأصلتهم، وَمِنْه الْجَائِحَة الَّتِي تفْسد الثِّمَار وتهلكها. انتهي
قلت: ممن وصف نفسه بالنذير العريان حذيفة حين حذر عثمان رضي الله عنهما من اختلاف الناس في القرآن. تاريخ دمشق (39/ 249) وغيره
وفي فتح الباري:
النَّجَاءَ بِأَنْ تُسْرِعُوا الْهَرَبَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ مُقَاوَمَةَ ذَلِكَ الْجَيْشِ قَالَ الطِّيبِيُّ فِي كَلَامِهِ أَنْوَاعٌ مِنَ التَّاكِيدَاتِ أَحَدُهَا بِعَيْنِي ثَانِيهَا قَوْلُهُ وَإِنِّي أَنَا ثَالِثُهَا قَوْلُهُ الْعُرْيَانُ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي قُرْبِ الْعَدُوِّ وَلِأَنَّهُ الَّذِي يَخْتَصُّ فِي إِنْذَارِهِ بِالصِّدْقِ.
فوائد:
فيه حجية السنة: ودعوى من يقول بعدم حجية السنة إنما هي من البدع والاختلافات والضلالات التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإن من أصرح الأحاديث الدالة على حجية السنة، وضرورة التمسك بها حديث (من رغب عن سنتي فليس مني)
وقد بوب اللالكائي على الحديث في عقيدته: سِيَاقُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ , وَعَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ , وَالْخَالِفِينَ لَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
والبغوي بوب عليه: بَابُ الاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
قال صاحبنا أبوصالح: والبخاري بوب مرة على الحديث: بَاب الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-وفيه الابتعاد عن المعاصي، وبوب عليه بعض من ألف في الأدب النبوي125 – باب: المبادرة إلى الإيمان والإقلاع عن المعاصي،
وقال صاحبنا أبوصالح: والبخاري بوب (6482). باب الانتهاء عن المعاصي من كتاب الرقاق.
-فيه ضرب الأمثال: والحديث ذكره الرامهرمزي في الأمثال.
ورد في كتاب أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
بقلم الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد، من أخلاقه صلى الله عليه وسلم:
الخامس: نصحه صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى دين الله: فلم يدع صلى الله عليه وسلم وسيلة فيها إيضاح وإفهام للناس … فكان يضرب الأمثلة التي تجعل الشيء المبين في صورة المحسوس المشاهد
-الوصف بنذير تمثيل بحال نذير القوم كما قال: (إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ((سبأ: 46) للإِيماء إلى تحقيق ما أنذرهم به حتى كأنه قد حلّ بهم وكأنَّ المخبر عنه مخبر عن أمر قد وقع، ولذلك كثر في القرآن الوصف بالنذير. وفي الصحيح: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما أُنزل عليه: (وأنذر عشيرتك الأقربين ((الشعراء: 214) خرج حتى صعد الصفا، فنادى: يا صباحاه فاجتمعوا إليه فقال: أرأيتُم إن أخبرتكم أن خَيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مُصَدِّقيَّ؟ قالوا: نعم. قال: فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد)
-أول ما أنزل من القرآن (قم فأنذر) يعني أنذر الناس جميعاً من عذاب الله وافرد الإنذار بالذكر مع إنه أرسل بشيراً أيضاً لأن التخلية بالمعجمة قبل التحلية بالمهملة وكان الناس عاصين مستحقين للتخويف فكان أول الأمر هو الإنذار.
-شؤم التكذيب وشبه نفسه بالنذير العريان فمن كذبه هلك، والله عزوجل برأ نبيه من الكذب، والنبي صلى الله عليه وسلم برأ نفسه من أن يكذب على الله عزوجل، وبين العلماء أدلة صدقه صلى الله عليه وسلم ومنها: أن الله عزوجل حفظ دعوته وجعلها مستمرة.
-فضيلة التبكير والإدلاج: ومنه المسافر عليه بالتبكير وشيئا من الدلجة حتى يبلغ قبل أن يرهق نفسه ودابته، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا سافرتم فأدلجوا فإن الأرض تطوى بليل}، وقال صلى الله عليه وسلم: {بارك الله لأمتي في بكورها}، حثهم على التبكير والإدلاج في أسفارهم، وجاء عن صخر بن وداعة أنه إذا كان سافر لتجارته بكر، فأثرى إذا ذهب لتجارته، فالتبكير لأمر الآخرة أولى
ومنه الشاب الذي نشأ في طاعة الله، أي: بكر في الطاعة فاستمر عليها
-فيه أنه بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تكون الجنة فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلاَّ مَنْ أَبَى». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَابَى قَالَ «مَنْ أَطَاعَنِى دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ أَبَى». أخرجه البخاري برقم (7280).
-فيه شفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته
-فيه أن الداعي إلى الله يبين للناس أنه يريد لهم النجاة قال الله تعالى: {لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره إنّي أخاف عليكم عذاب يومٍ عظيمٍ} (الأعراف:59)
-هذا من الأحاديث الداعية إلى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء
-فيه أن الدعوة تكون بالحكمة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)
وكان صلى الله عليه وسلم يتلطف ويمزح لكن فرق بين أنه ورد عنه أنه كان يمازح اهله واصحابه وبين أن يجعل المزاح منهجا له ووسيلة من وسائل الدعوة إلى الله، بل ورد إنه كان إذا وعظ الناس احمر وجهه وتهدج صوته وكان يقول (أنا النذير العريان … ) (أنا نذير جيش صبحكم ومساكم … ) (إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)
قال بن الجوزي في صيد الخاطر
إذا رأى العوام أحد العلماء مترخصاً في أمر مباح هان عندهم، فالواجب عليه صيانه علمه و إقامة قدر العلم عندهم.
فقد قال بعض السلف: كنا نمزح و نضحك، فإذا صرنا يقتدى بنا فما أراه يسعنا ذلك.
و قال سفيان الثوري: تعلموا هذا العلم، و لا تخلطوه بهزل فتمجه القلوب.
فمراعاة الناس لا ينبغي أن تنكر. و قد قال صلى الله عليه و سلم لعائشة: لو لا حدثان قومك في الكفر لنقضت الكعبة و جعلت لها بابين.
وهذه الطريقة المستحدثة (طريقة المهرجين)
فيها عدة محاذير كتقليد النساء والحيوانات ومحاكات المغنين وترديد كلامهم ناهيك عما يذكرونه من الأحاديث الباطلة والمنكرة.
و هؤلاء الحاضرون يضحكون ويتمايلون؛ لكن لا تلين قلوبهم وجلودهم لذكر الله وإنما تكون لهم تلك الجلسة من مجالس الأنس واللهو.
ولو قدر انتفاعهم بهذا … فليس مجرد الانتفاع سببا في تجويز مثل هذا، فقد انتفع كثير من الرافضة بصياح وموالات شيوخهم وخشعت قلوبهم!! = فتركوا بعض المحرمات من سرقة ووزنا … وكذا انتفع من يسمع غناء الصوفية وترك لأجله بعض المحرمات ….
لكن الشأن في أن تكون طريقة الدعوة وسمت صاحبها على هدي من هديه أكمل الهدي.
ملخص من كلام لباحثين
أقول: بل بعض من ينتهج الرفض والتصوف، اتخذه طريقا ليقضي شهواته. وقد تكلم بعض الكتَّاب في فضائحهم. وكذلك وقع بعض القصاصين والمهرجين في حبائل شبهة الشبهات والفتاوى المنحرفة وحبائل الشهوات.
قال شيخ الإسلام ابن تيّمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (11/ 586): ” فليس لأحد أن يسلك إلى الله إلا بما شرعه الله لأمته، فهو الداعي إلى الله بإذنه، الهادي إلى صراطه، الذي من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، فهو الذي فرّق الله به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والرشاد والغي ” ا. هـ
وقال رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (11/ 594) وهو يبين أن بعض الناس اتخذ السماع وسيله لبعض المقاصد المشروعة من التأثير بالنفس، وحثها على الزهد والعبادة وأنه يعلق القلب بالله، قال رحمه الله: ” وبالجملة فعلى المؤمن أن يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك ما يقرب إلى الجنة إلا وقد حدّث به، ولا شيئاً يبعد عن النار إلا وقد حدّث به، وأن هذا السماع لو كان مصلحة لشرعه الله و رسوله، فإن الله تعالى يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة:3] وإذا وجد فيه منفعة لقلبه، ولم يجد شاهد ذلك لا من الكتاب ولا من السنّة لم يُلْتَفَت إليه ” ا. هـ
قلت: ومن الأحاديث في جدية الدعوة حديث العرباض: وَعَظَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً بَلِيغَة
وغيره من الأحاديث.
-فيه التحذير بقدر الخطر:
لقد أرسل الله رسوله صلى الله عليه وسلم والبشرية آنذاك كأنها في حالة احتضار مما دهاها من أنواع الأمراض المزمنة التي تمكنت من جسدها، وتعفنت بسببها سائر أعضائها، وسرت سموم الفساد في أوصالها، وكادت تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أن أصبحت لا تتنفس إلا في جو (الجاهلية) الموبوء الخانق، فبلغت بها الأدواء والآلام والضيق مبلغاً لا مزيد عليه، فلما شمرت عن ساقيها وتهيأت للتردي في الهاوية التي لا نهاية لها، ودارت أعينها من هول سكرات الغي والأهواء والخرافة والسخف والشطح التي طوقتها وخنقتها بل وتغلغلت في شرايينها وعروقها – نادى منادي الفلاح والصلاح والإصلاح وصاح في وجهها صيحة النذير العريان: النجاء النجاء، فأخذ بحُجزِها ليدفعها بقوةٍ ويبعدها عن حافة المهلكة التي أوشكت أن تتهاوى فيها، فأنقذها الله بالرحمة المهداة الذي قال عن نفسه ضارباً المثل لحاله مع المتجاوزين لرحمته، الرادين لدعوته، الصادين (من الصد والصدود) عن سبيله، مع حرصه عليهم، وشفقته بهم، واجتهاده في نصحهم. انتهى من كلام باحث
-وشُبِّه الشيخ إحسان إلهي رحمه الله تعالى بأنه النذير العريان حيث أراد أن يحمى قومه من أن يقعوا في حبائل الشيطان، فأوضح لهم خبث الأفكار التي ينادي بها الرافضة حتى قتلوه بالتفجير رحمه الله رحمة واسعة.
-تبشير الرسل وإنذارهم دنيوي وأخروي، فهم في الدنيا يبشرون الطائعين بالحياة الطيبة، (من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينَّهُ حياةً طيبةً) [النحل: 97]. (فمن اتَّبع هداي فلا يضلُّ ولا يشقى) [طه: 123]، ويعدونهم بالعزّ والتمكين والأمن (وعد الله الَّذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرض كما استخلف الَّذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الَّذي ارتضى لهم وليبدلنَّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً) [النور: 55].
ويخوِّفون العصاة بالشقاء الدنيوي (ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشةً ضنكاً) [طه: 124] ويحذرونهم العذاب والهلاك الدنيوي (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود) [فصلت: 13]، وفي الآخرة يبشرون الطائعين بالجنة ونعيمها (ومن يطع الله ورسوله يدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم) [النساء: 13].
ويخوفون المجرمين والعصاة عذاب الله في الآخرة، (ومن يعص الله ورسوله ويتعدَّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مُّهينٌ) [النساء: 14].
ومن يطالع دعوات الرسل يجد أنّ دعوتهم قد اصطبغت بالتبشير والإنذار، ويبدو أنّ التبشير والإنذار على النحو الذي جاءت به الرسل هو مفتاح النفس الإنسانية، فالنفس الإنسانية مطبوعة على طلب الخير لذاتها، ودفع الشر عنها
-لا شبهة للمعتزلة في قولهم الرسول إنما هو مبلغ:
فأفادني صاحبنا حسين أن ذلك يرجع لمسألة التحسين والتقبيح العقليين. وأرسل لي أحمد بن علي أن كل فرقهم تجتمع في خمسة عقائد، وهناك ثلاثة عقائد اختلفوا فيها ويخترع المتأخر من العقائد ما لم يسبقه أحد.
قلت: فالشرع عند المعتزلة كاشف للحسن والقبح، وإلا هو معروف بالعقل فجعلوا الأصل هو العقل، والشرع تابع وهذه المسألة تسمى عندهم بمسألة التحسين والتقبيح العقليين.
وقد ضرب ابن تيمية في درء تعارض النقل والعقل 1/ 138 مثالاً لمهمة العقل مع الشرع حيث قال العقلانيون: يكفيك من العقل أن يعلمك صدق الرسول ومعاني كلامه: فقال: العقل يدل على صدق الرسول دلالة عامة مطلقة، وهذا كما أن العامي إذا علم عين المفتي ودل غيره عليه ثم اختلف العامي الدال والمفتي، وجب على المستفتي أن يقِّدم قول المفتي. انتهى باختصار.
يقصد أن العقل كالعامي، والشرع كالمفتي.
– فيه قرب الساعة: ومنه فِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ:
وَفِي حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ «بُعِثْتُ فِي نَفَسِ السَّاعَةِ سَبَقْتُهَا كَمَا سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ»
– وذكر ابن القيم في أعلام الموقعين أولا:
أدلة القائلين بالقياس ثم قول نفاة القياس: ثم ذكر هذا الحديث وغيره من الأمثال تحت فصل: قول نفاة القياس ثم قال: وفرّق النافون بين الأمثال المضروبة في الكتاب والسنة وبين القياس – يقصدون أنه لا حجة لمن أثبت القياس مستدلا بالأمثال.
فقال: [فَصْلٌ فَائِدَةُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ]
قَالُوا: فَهَذِهِ وَأَمْثَالُهَا مِنْ الْأَمْثَالِ الَّتِي ضَرَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِتَقْرِيبِ الْمُرَادِ، وَتَفْهِيمِ الْمَعْنَى، وَإِيصَالِهِ إلَى ذِهْنِ السَّامِعِ، وَإِحْضَارِهِ فِي نَفْسِهِ بِصُورَةِ الْمِثَالِ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى تَعَقُّلِهِ وَفَهْمِهِ وَضَبْطِهِ وَاسْتِحْضَارِهِ لَهُ بِاسْتِحْضَارِ نَظِيرِهِ؛ فَإِنَّ النَّفْسَ تَانَسُ بِالنَّظَائِرِ وَالْأَشْبَاهِ الْأُنْسَ التَّامَّ، وَتَنْفِرُ مِنْ الْغُرْبَةِ وَالْوَحْدَةِ وَعَدَمِ النَّظِيرِ؛ فَفِي الْأَمْثَالِ مِنْ تَانِيسِ النَّفْسِ وَسُرْعَةِ قَبُولِهَا وَانْقِيَادِهَا لِمَا ضُرِبَ لَهَا مَثَلُهُ مِنْ الْحَقِّ أَمْرٌ لَا يَجْحَدُهُ أَحَدٌ، وَلَا يُنْكِرُهُ، وَكُلَّمَا ظَهَرَتْ لَهَا الْأَمْثَالُ ازْدَادَ الْمَعْنَى ظُهُورًا وَوُضُوحًا، فَالْأَمْثَالُ شَوَاهِدُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَمُزَكِّيَةٌ لَهُ، فَهِيَ {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29]، وَهِيَ خَاصَّةُ الْعَقْلِ وَلُبُّهُ وَثَمَرَتُهُ.
[فَرْقٌ بَيْنَ الْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبَيْنَ الْقِيَاسِ]
وَلَكِنْ أَيْنَ فِي الْأَمْثَالِ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهِمْنَا أَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ عَشَرَةٍ قِيَاسًا وَتَمْثِيلًا عَلَى أَقَلِّ مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ؟ هَذَا بِالْأَلْغَازِ وَالْأَحَاجِي أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ لِلْفَهْمِ، كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ فِي جَامِعِهِ الصَّحِيحِ: بَابُ مَنْ شَبَّهَ أَصْلًا مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُمَا لِيُفْهِمَ السَّامِعَ، فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذِهِ الْأَمْثَالَ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَا نَجْهَلُ مَا أُرِيدَ بِهَا.
ثم فصل بين القولين بأن الشرع لا ينافي القياس الصحيح وذكر أمثلة يظن النافون أنها خلاف القياس،
وإنما المذموم القياس الغير صحيح المصادم للنص.
-ذكر ابن القيم أمثله في عدة الصابرين فصل في تبين حقيقة الدنيا: وذكر مثالا مما يشبه هذا الحديث: المثال الرابع عشر مثل قوم خرجوا في سفر بأموالهم وأهليهم فمروا بواد مشعب كثير المياه والفواكه فنزلوا به وضربوا خيمهم وبنوا هنالك الدور والقصور فمر بهم رجل يعرفون نصحه وصدقه وأمانته فقال انى رأيت بعيني هاتين الجيش خلف هذا الوادي وهو قاصدكم … فثقل على أصحاب الجد والأموال ورؤساء القوم النقلة ومفارقة ما هم فيه من النعيم والرفاهية والدعة وقال كل أحمق لي أسوة بالقاعدين فهم أكثر منى مالا وأهلا فما أصابهم أصابني معهم ونهض الأقلون مع الناصح ففازوا بالنجاة وصبح الجيش أهل الوادي فقتلهم واجتاح أموالهم.