419 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون: مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
شرح الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (419)
(419) – قال الإمام أبو داود (ج (4) ص (213)): حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أخبرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنبأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ -أَوْ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ-».
هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين.
وأخرجه عبد بن حُمَيْدٍ في «المنتخب» (ج (2) ص (66)) فقال: أنا عبد الرزاق، أنا معمر به.
……..
*أولًا: دراسة الحديث رواية:*
• قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين. عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني، ومعمر: هو ابن راشد الأزدي، وإسماعيل بن أمية: هو ابن عمرو بن سعيد الأموي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن: هو ابن عوف الزهري.
هو في» مصنف «عبد الرزاق ((4216))، ومن طريقه أخرجه عبد بن حميد في» المنتخب «((883))، وأبو داود ((1332))، والنسائي في» الكبرى «((8092))، وابن خزيمة ((1162))، والحاكم (1) / (310) – (311)، والبيهقي في» السنن «(3) / (11). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الخطيب في» تاريخه «(13) / (175) من طريق رباح: وهو ابن زيد الصنعاني، عن معمر، به، ولفظه:» كلكم مناج ربه، فلا يؤذ بعضكم بعضًا”.
وفي الباب عن البياضي، سيرد (4) / (344).
• قال محققو سنن أبي داود) (494) / (2)) بعد أن ذكروا تخريجه كما سبق:
وله شاهد من حديث البياضي أن رسول الله ? خرج على الناس وهم يصلون وقد عَلَت أصواتُهم بالقراءة، فقال: «إن المصلي يناجي ربه عز رجل، فلينظر ما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن». أخرجه مالك في «الموطأ» (1) / (80)، ومن طريقه النسائي في «الكبرى» ((3364)) و ((8091)) وغيره، وإسناده صحيح.
وله شاهد آخر من حديث ابن عمر بإسناد صحيح عند أحمد ((4928)).
*ثانيًا: دراسة الحديث دراية:*
بوب عليه مقبل في الجامع:
175 – لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن
238 – قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}
• بوب داود باب فِي رفع الصوت بالقراءة فِي صلاة الليل: وأورد تحته عدة أحاديث غير حديث الباب:
(1327) – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْوَرْكَانِيُّ، نَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ ? عَلَى قَدْرِ مَا يَسْمَعُهُ مَنْ فِي الْحُجْرَةِ، وَهُوَ فِي الْبَيْتِ». [حكم الألباني: حسن صحيح] قال المنذري في مختصر أبي داود: في إسناده ابن أبي الزناد، وهو عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن ذَكْوان، وفيه مقال، وقد استشهد به البخاري في مواضع.
(1328) – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ، نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ ? بِاللَّيْلِ يَرْفَعُ طَوْرًا، وَيَخْفِضُ طَوْرًا». [حكم الألباني: حسن]
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَبُو خَالِدٍ الْوَالِبِيُّ اسْمُهُ هُرْمُزُ
(1329) – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ?، (ح) وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ ? خَرَجَ لَيْلَةً، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ، قَالَ: وَمَرَّ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ، قَالَ: فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ ? قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَرَرْتُ بِكَ
وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ صَوْتَكَ، قَالَ: قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: وَقَالَ لِعُمَرَ: مَرَرْتُ بِكَ، وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ، قَالَ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُوقِظُ الْوَسْنَانَ، وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، زَادَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ?: يَا أَبَا بَكْرٍ، ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا، وَقَالَ لِعُمَرَ: اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا». [حكم الألباني: صحيح]
قال المنذري: أخرجه مسندًا ومرسلًا، وأخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب، وإنما أسنده يحيى بن إسحاق عن حماد بن سلمة، وأكثر الناس إنما رووا هذا الحديث عن ثابت عن عبد اللَّه بن رباح، مرسل. هذا آخر كلامه، ويحيى بن إسحاق -هذا- هو البَجَلي السَّيْلَحِيني، وقد احتج به مسلم في صحيحه.
(1330) – حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنِ بْنُ يَحْيَى الرَّازِيُّ، نَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ? بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، لَمْ يَذْكُرْ: فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ ارْفَعْ شَيْئًا وَلا لِعُمَرَ: اخْفِضْ شَيْئًا، زَادَ: «وَقَدْ سَمِعْتُكَ يَا بِلَالُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، قَالَ: كَلَامٌ طَيِّبٌ يَجْمَعُهُ اللهُ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ?: كُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ». [حكم الألباني: حسن]
(1331) – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَ فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: يَرْحَمُ اللهُ فُلَانًا كَأَيٍّ مِنْ آيَةٍ أَذْكَرَنِيهَا اللَّيْلَةَ كُنْتُ قَدْ أَسْقَطْتُهَا». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ هَارُونُ النَّحْوِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي الْحُرُوفِ {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ}. [حكم الألباني: صحيح: ق] قال المنذري: وأخرجه البخاري ((2655)) ومسلم ((788)) والنسائي ((8006)) بنحوه.
(1333) – حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: «الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ، وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ». [حكم الألباني: صحيح] قال المنذري: وأخرجه الترمذي ((2919)) والنسائي ((1663))، ((2561)). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. هذا آخر كلامه. وفي إسناده: إسماعيل بن عيَّاش، وفيه مقال: ومنهم من يصحح حديثه عن الشاميين، وهذا الحديث شاميُّ الإسناد
• وفِي صحيح ابن خزيمة بَابُ الزَّجْرِ عَنِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا تَأَذَّى بِالْجَهْرِ بَعْضُ الْمُصَلِّينَ غَيْرَ الْجَاهِرِ بِهَا
• لفظ الحديث في مسند أحمد (11896) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ ? فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُون بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَكَشَفَ السُّتُورَ، وَقَالَ: «إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقِرَاءَةِ»، أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ».
- قال ابن عبدالبر في التمهيد ت بشار (15) / (269): وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْنَاهُ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ إِذَا كَانَ كُلُّ أَحَدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ فَقَدْ أَحْكَمَتِ السُّنَّةُ سِرَّهَا وَجَهْرَهَا وَأَنَّهَا خَلْفَ إِمَامِ الْجَمَاعَةِ أَبَدًا هَذِهِ سُنَّتُهَا وَكَانَ أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي صَلَاةِ رَمَضَانَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? لَمْ يَجْمَعْهُمْ لَهَا إِلَّا عَلَى مَا قَدْ مَضَى فِي بَابِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ لَيْلَةً وَثَانِيَةً وَثَالِثَةً ثُمَّ امْتَنَعَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْهِمْ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ فِيهِ إِنَّ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.
• قال ابن قدامة في الكافي في فقه الإمام أحمد (1) / (269) — ابن قدامة (ت (620)): وهو مخير إن شاء خافت، وإن شاء جهر، قالت عائشة: «كل ذلك كان يفعل النبي ?، ربما أسر وربما جهر» حديث صحيح، إلا أنه إن كان يسمع ما ينفعه، أو يكون أنشط له وأطيب لقلبه، فالجهر أفضل، وإن كان يؤذي أحدًا، أو يخلط عليه القراءة، فالسر أولى، فإن أبا سعيد قال: «اعتكف رسول الله ? في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر، وقال: ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة» رواه أبو داود.
• شرح سنن أبي داود لابن رسلان (6) / (514) — ابن رسلان (ت (844)): ” [(1332)] (حدثنا الحسن بن علي) الخلال (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد الأموي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن.
(عن أبي سعيد) الخدري (قال: اعتكف رسول الله ? في المسجد)، فيه فضيلة الاعتكاف في المسجد، واختصاصه به؛ لقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (فسمعهم يجهرون) أصواتهم. زاد الطبراني في «الأوسط» ولفظه: أنه اطلع في بيت والناس يصلون يجهرون (بالقراءة) ظاهره أنهم جهروا عليه ? وهو في معتكفه فلم يصرح لهم بأنهم شوشوا عليه، بل عرض لهم بلفظ يحصل به المقصود، وهذا من مكارم أخلاقه ?.
(فكشف الستر) وفيه دليل على إسبال الستور على الحجرة التي يعتكف فيها.
(وقال: ألا) بتخفيف اللام لاستفتاح الكلام (إن كلكم) أي كل قارئ ومصل (مناجٍ ربه) فليجتهد في رفع الخواطر الشيطانية والوساوس الشهوانية والأفكار الدنياوية عن نفسه مهما أمكنه، لتصفو له لذة المناجاة في الصلاة والتلاوة خارجها، واعلم أن من انطوى باطنه على حب الدنيا الذي هو منبع كل فساد، حتى مال إلى شيء منها فلا يطمعن أن تصفو له مناجاة مع الله تعالى، ومن فرح بالدنيا لا يفرح بمناجاة الله.
فلا يؤذين) بتشديد نون التوكيد (بعضكم بعضًا)، ورواية الطبراني: «إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه». فليشتغل بمناجاة الله تعالى عن غيرها، ولا يؤذي من هو في لذة المناجاة بالمبالغة في رفع صوته (ولا يرفع بعضكم) صوته (على بعض في) حال (القراءة – أو قال) شك من الراوي لا يرفع بعضكم على بعض (في الصلاة) ولفظ الطبراني: «لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن». فنهى أولًا بقوله: لا يؤذي على العموم، ثم نهى على الخصوص بقوله: لا يجهر، وفيه إنكار رفع الصوت في المسجد ولو بالقراءة إذا كان فيه تشويش على مصل آخر أو قارئ آخر فإنه مكروه.”
قال العباد:
أورد أبو داود حديث أبي سعيد، يعني: الإنسان إذا كان يقرأ ويرفع صوته وهناك أناس يقرءون فإنه يشوش عليهم فلا يتمكنوا من القراءة، ولكن إذا كانوا كلهم خافضين للأصوات، وكل يتمكن من القراءة ولا يشوش أحد على أحد.
قوله: [أو قال: في الصلاة].
يعني: في القراءة أو الصلاة، سواء كان الإنسان يقرأ في الصلاة، أو خارج الصلاة كل ذلك لا يرفع الصوت إذا كان يتأذى أحد، سواء كان يصلي فلا يرفع صوته بالقراءة، أو كان يقرأ بدون صلاة، لا يرفع صوته بالقراءة حيث يتأذى بجهره أحد
[شرح سنن أبي داود للعباد 162/ 18 بترقيم الشاملة آليا]
• قال الشوكاني في نيل الأوطار (3) / (73): ” وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَفِيهَا أَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِسْرَارَ جَائِزَانِ فِي قِرَاءَةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ. وَحَدِيثُ عُقْبَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّ السِّرَّ أَفْضَلُ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ إخْفَاءَ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ إظْهَارِهَا “.
قال ابن بطال:
31 – بَاب الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ
/ 72 – فيه: جُنْدَب، قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِى يُرَائِى اللَّهُ بِهِ). قال المؤلف: قوله: (مَنْ سَمَّعَ) معناه من سمع بعمله الناس وقصد به اتخاذ الجاه والمنزلة عندهم، ولم يرد به وجه الله، فإن الله تعالى يسمع به خلقه، أى يجعله حديثًا عند الناس الذى أراد نيل المنزلة عندهم بعمله، ولا ثواب له فى الآخرة عليه، وكذلك من راءى بعمله الناس راءى الله به، أى أطلعهم على أنه فعل ذلك لهم ولم يفعله لوجهه، فاستحق على ذلك سخط الله وأليم عقابه، وقد جاء فى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقال للعبد يوم القيامة: فعلت كذا وكذا ليقال فقد قيل، اذهبوا به إلى النار). قال الطبرى: فإن قال قائل: كيف يسلم من الرياء فى العمل الظاهر، وقد روى عن عمر وعثمان وابن مسعود وجماعة من السلف أنهم كانوا يتهجدون من الليل فى مساجدهم بحيث يعلم ذلك من فعلهم معارفهم، وكانوا يتذاكرون إظهار المحاسن من أعمالهم مع ما تواترت به الآثار أن أفضل العمل ما استّسر به صاحبه، وذلك على نوعين: فأما من كان إمامًا يقتدى به ويُستن بعمله، عالمًا بما لله عليه فى فرائضه ونوافله، قاهرًا لكيد عدوه، فسواء عليه ما ظهر من عمله وما خفى منه؛ لإخلاصه نيته لله وانقطاعه إليه بعمله، بل إظهاره ما يدعو عباد الله إلى الرغبة فى مثل حاله من أعماله السالمة أحسن إن شاء الله تعالى. وإن كان ممن لا يقتدى به، ولا يأمن من عدوه قهره، ومن هواه غلبته حتى يفسد عليه عمله؛ فإخفاؤه النوافل أسلم له، وعلى هذا كان السلف الصالح، روى حماد، عن ثابت، عن أنس، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه: (سمع رجلاً يقرأ ويرفع صوته بالقرآن فقال: أواب. وسمع آخر يقرأ فقال: مرائى. فنظروا فإذا الأوّاب المقداد بن عمرو)
رواه ابن عبد البر في «الاستيعاب» (4) / (44).
وروى الزهرى، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة: (أن عبد الله بن حذافة صَلّى فجهر بالقراءة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن حذافة، لا تسمعنى وأسمع الله).قال الألباني، أصل صفة الصلاة ((1) / (367)) • إسناده حسن
قال وهيب بن الورد: لقى عالم عالمًا هو فوقه فى العلم، فقال: يرحمك الله ما الذى أخفى من عملى؟ قال: (تخفي) حتى يظن بك أنك لم تعمل حسنةً قط إلا الفرائض. قال: يرحمك الله فما الذى أعلن؟ قال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
رواه الطبري في «تفسيره» (8) / (169).
وقال الحسن: لقد أدركت أقوامًا ما كان أحدهم يقدر على أن يُسر عمله فيعلنه، قد علموا أن أحرز العملين من الشيطان عمل السرّ، قال: وإن كان أحدهم ليكون عنده الزور وإنه ليصلى وما يشعر به زوره. وكان عمل الربيع بن خثيم سرًا كان يقرأ فى المصحف، ويدخل عليه الداخل فيغطيه. … وروى عن ابن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته، وكان عمر يرفع صوته، فقيل لأبى بكر: لم تصنع هذا؟ قال: أناجى ربى وقد علم حاجتى. قيل: أحسنت. وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان. قال: أحسنت. فلما نزلت: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) [الإسراء: 110]، قيل لأبى بكر: ارفع شيئًا، وقيل لعمر: اخفض شيئًا. فهؤلاء الأئمة المقتدى بهم
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 10/ 208]
تنبيه: حديث (فإذا الأوّاب المقداد بن عمرو) يشهد لمعناه حديث ذكره الألباني في الصحيحة 1709 – ” إنكم لن تنالوا هـذا ا?مر بالمغالبة “.
أخرجه أحمد (4/ 337) عن هـشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن ابن ا?درع قال:
” كنت أحرس النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فخرج لبعض حاجته، قال: فرآني
فأخذ بيدي، فانطلقنا، فمررنا على رجل يصلي يجهر بالقرآن، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: ” عسى أن يكون مرائيا “، قال: قلت: يا رسول الله يجهر
بالقرآن، قال، فرفض يدي، ثم قال: (فذكره). قال: ثم خرج ذات ليلة وأنا
أحرسه لبعض حاجته، فأخذ بيدي، فمررنا برجل يصلي بالقرآن، قال: فقلت: عسى
أن يكون مرائيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ك? إنه أواب “. قال:
فنظرت فإذا هـو عبد الله ذو النجادين “.
قلت: وهـذا إسناد حسن رجاله رجال الشيخين غير هـشام بن سعد وهـو صدوق له أوهـام
الصحيحة
قال النووي:
* (فرع)
في حكم النوافل في الجهر.
أما صلاة العيد والاستسقاء والتراويح وخسوف القمر فيسن فيها الجهر بلا خلاف وأما نوافل النهار فيسن فيها الإسرار بلا خلاف وأما نوافل الليل غير التراويح فقال صاحب التتمة يجهر فيها وقال القاضي حسين وصاحب التهذيب يتوسط بين الجهر والإسرار وأما السنن الراتبة مع الفرائض فيسر بها كلها باتفاق أصحابنا ونقل القاضي عياض في شرح مسلم عن بعض السلف بالجهر في سنة الصبح وعن الجمهور الإسرار كمذهبنا
* (فرع)
في الأحاديث الواردة في الجهر والإسرار في صلاة الليل.
عن حذيفة رضي الله عنه قال ” صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح آل عمران فقرأها ثم افتتح النساء فقرأها يقرأ مترتلا وإذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ” رواه مسلم وعن ابى قتادة رضى الله أن النبي صلى الله عليه وسلم ” خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر رضي الله عنه يصلي يخفض من صوته ومر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي رافعا صوته ….
” رواه أبو داود بإسناد صحيح ورواه أبو داود اسناد صحيح عن أبي هريرة بهذه القصة ولم يذكر قوله ” فقال لأبي بكر ارفع من صوتك شئيا ولا لعمر اخفض وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ هذه السورة ومن هذه السورة قال كلام طيب يجمع الله بعضه إلى بعض فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلكم قد أصاب ” وعن أبي هريرة قال ” كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يخفض طورا ويرفع طورا ” رواه أبو داود بإسناد حسن وعن عصيف بن حارث وهو تابعي جليل وقيل صحابي قال ” قلت لعائشة رضي الله عنها أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل أو آخره قالت ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره قلت آخر الله أكبر الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة قلت أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن ويخفت به قالت ربما جهر به وربما خفت قلت الله اكبر الحمد الله الذي جعل في الأمر سعة ” رواه أبو داود بإسناد صحيح ورواه غيره وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة ” رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن والنسائي وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال ” اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة ” رواه أبو داود بإسناد صحيح
[المجموع شرح المهذب 3/ 391 ط المنيرية]
قال العيني:
ويستفاد منه أن رفع الصوت بالقراءة بحيث أنه يؤذي رفيقه مكروه، وأن التهدي والسكون أفضل، وأن
إقامة النفل في المسجد غير مكروهة
[شرح سنن أبي داود للعيني 5/ 238]
قال الإتيوبي:
(المسألة الرابعة): لا يجوز رفع الصوت في المسجد بقراءة القرآن، أو الذكر؛ فقد أخرج أحمد، وأبو داود، واللفظ له، بإسناد صحيح، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: اعتكف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يَجهَرون ….
وأخرج أحمد بإسناد صحيح، عن البياضيّ رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرج على الناس، وهم يصلّون، وقد عَلَت أصواتهم بالقراءة، فقال: “إن المصلّي يناجي ربه عز وجل، فلينظر ما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن” ….
وقد نصّ العلماء من أصحاب المذاهب المتبوعة على ذلك، فقال في “الدرّ المختار” من كتب الحنفيّة: يحرم في المسجد رفع الصوت بالذكر، إلا للمتفقّهة. انتهى. وقال في “البحر الرائق” من كتبهم أيضًا: إذا جهر الإمام فوق حاجة الناس فقد أساء.
وقال في “مختصر الخليل” من كتب المالكيّة، وشروحه، وحواشيه: يكره رفع الصوت بقراءة القرآن في المسجد؛ خشية التشويش على المصلّين والذاكرين، فإن شوّش حرُم اتّفاقًا. انتهى.
وقال ابن العماد: تحرم القراءة جهرًا على وجه يُشَوِّش على نحو مصلٍّ. انتهى. وذكر مثله في كتب الشافعيّة والحنبليّة، نقل هذه الأقوال في “المنهل”.
والحاصل أنه لا يجوز التشويش على المصلّين، والمعتكفين في المسجد برفع الصوت بالذكر والتلاوة ونحو ذلك، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 12/ 514]
وقال الإتيوبي:
(بَابُ التَّوَسُّطِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالإِسْرَارِ إِذَا خَافَ مِنَ الْجَهْرِ مَفْسَدَةً)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلهِ عز وجل: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}، قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ قِرَاءَتَكَ، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ، أَسْمِعْهُمُ الْقُرْآنَ، وَلَا تَجْهَرْ ذَلِكَ الْجَهْرَ، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}، يَقُولُ: بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ)
(فِي قَوْلِهِ عز وجل) أي في بيان سبب نزول قوله عز وجل، وتوضيح معناه {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قَالَ) ابن عبّاس رضي الله عنهما (نَزَلَتْ) أي هذه الآية (وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَارٍ) بالضمّ: اسم فاعل، من توارى يتوارى: إذا اختفى، أي مختف ومتستّر عن المشركين؛ لئلا يعتدوا عليه، يعني أنها نزلت في أول الإسلام في وقت اشتداد أذى المشركين له صلى الله عليه وسلم وقوله: (بِمَكَّةَ) متعلّق بـ”متوار” (فَكَانَ) صلى الله عليه وسلم (إِذَا صَلَى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ) أي بقراءة القرآن؛ ليسمعوه، ويعوه، ويبلّغوه من بعدهم.
وفي رواية الطبريّ من وجه آخر عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: “فكان إذا صلّى بأصحابه، أسمع المشركين، فآذوه”، وفَسَّرت رواية الباب الأذى، حيث قال: “سَبُّوا القرآن”، وأخرج الطبريّ أيضًا بسنده عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالصلاة بالمسلمين بالقرآن شقّ ذلك على المشركين إذا سمعوه، فيؤذون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشتم والعيب به، وذلك بمكة، فأنزل اللَّه: يا محمد {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} ويقول: لا تُعْلِن بالقراءة بالقرآن إعلانًا شديدًا، يسمعه المشركون، فيؤذونك، ولا تخافت بالقراءة بالقرآن، يقول: لا خفض صوتك حتى لا تُسْمِع أذنيك، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} يقول: اطلب بين الإعلان والجهر، وبين التخافت والخفض طريقًا لا جهرًا شديدًا ولا خفضًا لا تسمع أذنيك، فلما هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سقط هذا كله، فيفعل أيّ ذلك شاء.
(فَإِذَا سَمِعَ دلِكَ الْمُشْرِكُونَ) أي قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن (سَبُّوا الْقُرْآنَ) قال الراغب: السبّ: الشتم الوجيع (وَمَنْ أَنْزَلَهُ) أي وسبّوا من أنزله، وهو اللَّه، كما قال عز وجل: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)} [الفرقان: 6].
قال الراغب: وسبّهم للَّه تعالى ليس على أنهم يسبّونه صريحًا، ولكن يخوضون في ذكره، فيذكرونه بما لا يليق به، ويتمادون في ذلك بالمجادلة، فيزدادون في ذكره بما تنزّه تعالى عنه. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا مانع من أن يكون سبّهم صريحًا، فإنهم جُرَأَىء على اللَّه تعالى، فلا يُستبعد أن يصرّحوا بسبّه.
والحاصل أنهم يسبّونه بما استطاعوا من صريح، أو كناية، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
(وَمَنْ جَاءَ بِهِ) أي وسبّوا أيضًا من جاء بالقرآن، وهو النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم-، أو الملك الذي جاء به إليه من عند ربّه تبارك وتعالى، وهو جبريل عليه السلام (فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}) أي بقراءتك، هكذا وقع التفسير عند البخاريّ، والنسائيّ، وهو تفسير من ابن عبّاس رضي الله عنهما، وفي رواية الطبريّ: {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} أي لا تُعلن بقراءة القرآن إعلانًا شديدًا، فيسمعك المشركون، فيؤذونك، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} وأي لا تخفض صوتك حتى لا تُسمع أذنيك، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} أي طريقًا وسطًا. انتهى.
وقال أبو عبد اللَّه القرطبيّ رحمه الله في “تفسيره”: عبّر بالصلاة هنا عن القراءة كما عبّر بالقراءة عن الصلاة ….
وحاصل المعنى: أن اللَّه عز وجل أمر نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يطلب بين ما ذُكر من الجهر والمخافتة ما يحصل به الأمران جميعًا، وهو عدم الإخلال بسماع الحاضرين، والاحتراز عن سبّ أعداء الدين.
وأخرج ابن جرير رحمه الله في “تفسيره” عن محمد بن إسحاق قال: حدّثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن، وهو يصلي تفرقوا عنه، وأَبَوا أن يسمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو، وهو يصلي استرق السمع دونهم فَرَقًا منهم، فإذا رأى أنهم قد عَرَفُوا أنه يستمع ذهب خشيةَ أذاهم، فلم يسمع، فإن خفض صوته صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئًا، فأنزل اللَّه: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فيتفرقوا عنك {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} فلا يَسمَع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم، فلعله يَرْعَوي إلى بعض ما يسمع، فينتفع به، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}، وهكذا قال عكرمة، والحسن البصريّ، وقتادة: نزلت هذه الآية في القراءة في الصلاة، وقال شعبة، عن أشعث بن سليم، عن الأسود بن هلال، عن ابن مسعود: لم يُخافت من أسمع أذنيه. انتهى.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في سبب نزول هذه الآية الكريمة:
(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك على أقوال:
(الأول): هذا الذي ذُكر في حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما هذا، وهو متّفق عليه.
(الثاني): ما يأتي في حديث عائشة رضي الله عنها أنها نزلت في الدعاء، متّفقٌ عليه، وروي عن ابن عبّاس أيضًا.
وقال ابن كثير في تفسيره: قال أشعث بن سوّار، عن عكرمة، عن ابن عباس: نزلت في الدعاء، وهكذا روى الثوريّ، ومالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها نزلت في الدعاء، وكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو عياض، ومكحول، وعروة بن الزبير.
وقال الثوريّ، عن ابن عياش العامريّ، عن عبد اللَّه بن شدّاد، قال: كان أعرابيّ من بني تميم، إذا سَلَّم النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- قال: اللهم ارزقني إبلًا وولدًا، قال: فنزلت هذه الآية: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}. انتهى.
ورَوَى سعيد بن منصور من طريق صحابيّ لم يُسَمّ رَفَعَه في هذه الآية: “لا ترفع صوتك في دعائك، فتذكُرَ ذنوبك، فتُعَيَّر بها”.
(الثالث): قول ابن سيرين رحمه الله: كان الأعراب يجهرون بتشهّدهم، فنزلت الآية في ذلك.
قال ابن جرير رحمه الله: حدثنا أبو السائب، حدثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: نزلت هذه الآية في التشهد، {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}، وبه قال حفص، عن أشعث بن سوّار، عن محمد بن سيرين مثله.
(الرابع): ما رُوي عن ابن سيرين أيضًا أن أبا بكر رضي الله عنه كان يُسرّ قراءته، وكان عمر رضي الله عنه يجهر بها، فقيل لهما في ذلك؟ فقال أبو بكر: إنما أناجي ربي، وهو يعلم حاجتي إليه، وقال عمر: أنا أطرُد الشيطان، وأوقظ الوسنان، فلما نزلت هذه الآية، قيل لأبي بكر: ارفع قليلًا، وقيل لعمر: اخفض قليلًا.
وقال ابن جرير الطبريّ: حدّثنا يعقوب، حدّثنا ابن عُلَيّة، عن سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: نُبِّئت أن أبا بكر كان إذا صلى، فقرأ خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا؟ قال: أناجي ربي عز وجل، وقد عَلِم حاجتي، فقيل: أحسنت، وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان، وأوقظ الْوَسْنان، قيل: أحسنت، فلما نزلت: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}، قيل لأبي بكر: ارفع شيئًا، وقيل لعمر: اخفض شيئًا. انتهى.
(الخامس): ما رُوي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أيضًا أن معناها: ولا بصلاة النهار، ولا تخافت بصلاة الليل، ذكره يحيى بن سلّام وغيره.
وقال في “الفتح”: قال الطبريّ رحمه الله: لولا أننا لا نستجيز مخالفة أهل التفسير فيما جاء عنهم، لاحْتَمَل أن يكون المراد لا تجهر بصلاتك، أي بقراءتك نهارًا ولا تخافت بها أي ليلًا، وكان ذلك وجهًا لا يبعد من الصحة. انتهى. وقد أثبته بعض المتأخرين قولًا. انتهى.
(السادس): قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} وقال: لا تُصَلّ مراءاةً للناس، ولا تَدَعها مخافةَ الناس، وقال الثوريّ عن منصور، عن الحسن البصريّ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}، قال: لا تُحْسن علانيتها، وتسيء سريرتها، وكذا رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن به، وهشام، عن عوف عنه به، وسعيد عن قتادة عنه كذلك.
(السابع): قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} وقال: أهل الكتاب يخافتون، ثم يجهر أحدهم بالحرف، فيصيح به، ويصيحون هم به وراءه، فنهاه أن يصيح كما يصيح هؤلاء، وأن يخافت كما يخافت القوم، ثم كان السبيل الذي بين ذلك الذي سَنّ له جبريل من الصلاة. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي أرجح هذه الأقوال هو الأول والثاني؛ لقوتهما صحّةً، ولا تنافي بينهما؛ إذ يُحمل الدعاء على الدعاء الذي يكون في الصلاة، ويؤيّده ما رَوَاه ابن مردويه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء، فنَزَلت. انتهى، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في فوائده:
– (منها): بيان استحباب التوسّط في القراءة في الصلاة الجهريّة، فينبغي للقارئ أن يكون رفعه لصوته وسطًا، بحيث لا يحصل منه ضرر لأيّ أحد، لا له، ولا لمن يستمع منه
– (ومنها): بيان أنه يجب على الداعي في حال الدعوة أن يبتعد عن كلّ ما يؤدّي إلى الطعن في اللَّه، أو في كتابه، أو نبيّه صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن تكون دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، كما أوضح اللَّه تعالى ذلك في محكم كتابه، حيث قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
فينبغي له أن لا يجهر، ولا يُعلن في مجمع الجهلاء بما يدعوهم إلى أن يتجرّءوا على اللَّه تعالى، أو على رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كتابه، أو دينه بالسبّ والطعن، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 10/ 335]
وذكر فوائد أخرى اقتصرنا على ما يتعلق بحديثنا
• فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (8) / (226) — ابن باز (ت (1420)):
س: هل يستوي أجر القراءة في السر والجهر؟ ((1))
ج: السنة في القراءة التوسط؛ عدم الجهر الذي يشق على الناس، وعدم السر الذي يخفى على الناس، مثل ما جاء في الحديث: أن النبي ? أمر عمر، وأمر الصديق بالتوسط في القراءة، بل في السنة أن يقرأ قراءة تنفعه وتنفع الحاضرين، ولا تشق عليه، وإذا رأى أن السر أخشع لقلبه، وأنفع له أسر بذلك، فإن رأى أن الجهر أنفع له وأخشع لقلبه جهر بذلك، بشرط ألا يؤذي أحدا من الناس، أما إن كان بين المصلين وبين القراء فلا يجهر عليهم، ولا يشق عليهم ويشوش عليهم، فقد ثبت عن الرسول ? أنه خرج ذات يوم إلى المسجد، وفيه أناس يصلون بعضهم يصلي ركعتين، والآخر يصلي ثلاثا، فقال ?: «ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة ((1))» المقصود: فلا يؤذي بعضكم بعضا. فالقارئ عليه أن يتحرى عدم إيذاء إخوانه من مصلين أو قراء.
- (365) سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: بعض الناس عندما يدخل المسجد والإمام راكع يقول: إن الله مع الصابرين، فما حكم هذا القول؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا أصل له ولم يكن في عهد الصحابة ولا من هديهم، وفيه أيضًا تشويش على المصلين الذين مع الإمام، والتشويش على المصلين منهي عنه؛ لأنه يؤذيهم كما خرج النبي ? ذات ليلة على أصحابه وهم يصلون ويرفعون أصواتهم بالقراءة فنهاهم عن ذلك، وقال: «لا يجهرن بعضكم على بعض في القرآن» ((1)). وفي حديث آخر: «لا يؤذين بعضكم بعضًا في القرآن» ((2))، وهذا يدل على أن كل ما يشوش على المأمومين في صلاتهم فإنه منهي عنه لما في ذلك من الإيذاء والحيلولة بين المصلي وبين صلاته.
أما بالنسبة للإمام فإن الفقهاء ? يقولون: إذا أحس الإمام بداخل في الصلاة فإنه ينبغي انتظاره ما لم يشق على المأمومين، فإن شق عليهم فلا ينتظر؛ ولا سيما إذا كانت الركعة الأخيرة؛ لأن الركعة الأخيرة بها تدرك الجماعة، لقول النبي ?: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» ((3)).
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (13) / (14) — ابن عثيمين (ت (1421))جاء في فتاوى ابن عثيمين:
447 سئل فضيلة الشيخ: كثر في الآونة الأخيرة استعمال أئمة المساجد لمكبرات الصوت الخارجية والتي غالباً ما تكون في المئذنة وبصوت مرتفع جداً وفي هذا العمل تشويش بعض المساجد على بعض في الصلاة الجهرية لاستعمالهم المكبرات في القراءة. فما حكم استعمال مكبرات الصوت في الصلاة الجهرية إذا كان مكبر الصوت في المئذنة ويشوش على المساجد الأخرى؟ نرجو من فضيلتكم الإجابة على هذا السؤال حيث إن كثير من أئمة المساجد في حرج من ذلك. والله يحفظكم ويرعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته: ما ذكرتم من استعمال مكبر الصوت في الصلاة الجهرية على المنارة فإنه منهي عنه؛ لأنه يحصل به كثير من التشويش على أهل البيوت والمساجد القريبة، وقد روى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ 1/ 167 من شرح الزرقاني في (باب العمل في القراءة) عن البياضي فروة بن عمرو – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: “إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن”. وروى أبو داود 2/ 38 (2) تحت عنوان: (رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: “ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة”. قال ابن عبد البر: حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان
ففي هذين الحديثين النهي عن الجهر بالقراءة في الصلاة حيث يكون فيه التشويش على الآخرين وأن في هذا أذية ينهى عنها. قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله 23/ 61 من مجموع الفتاوى: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين.
وفي جواب له 1/ 350 من الفتاوى الكبرى ط قديمة: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد، أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه. أهـ.
وأما ما يدعيه من يرفع الصوت من المبررات فجوابه من وجهين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجهر بعض الناس على بعض في القرآن وبين أن ذلك أذية، ومن المعلوم أنه لا اختيار للمؤمن ولا خيار له في العدول عما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً).
ومن المعلوم أيضاً أن المؤمن لا يرضى لنفسه أن تقع منه أذية لإخوانه.
الوجه الثاني: أن ما يدعيه من المبررات – إن صح وجودها – فهي معارضة بما يحصل برفع الصوت من المحذورات فمن ذلك:
1 – الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن جهر المصلين بعضهم على بعض.
2 – أذية من يسمعه من المصلين وغيرهم ممن يدرس علماً أو يتحفظه بالتشويش عليهم.
3 – شغل المأمومين في المساجد المجاورة عن الاستماع لقراءة إمامهم التي أمروا بالاستماع إليها.
4 – أن بعض المأمومين في المساجد المجاورة قد يتابعون في الركوع والسجود الإمام الرافع صوته، لاسيما إذا كانوا في مسجد كبير كثير الجماعة حيث يلتبس عليهم الصوت الوافد بصوت إمامهم، وقد بلغنا أن ذلك يقع كثيراً.
5 – أنه يفضي إلى تهاون بعض الناس في المبادرة إلى الحضور إلى المسجد؛ لأنه يسمع صلاة الإمام ركعة ركعة، وجزءاً جزءاً فيتباطأ اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة فيمضي به الوقت حتى يفوته أكثر الصلاة أو كلها.
6 – أنه يفضي إلى إسراع المقبلين إلى المسجد إذا سمعوا الإمام في آخر قراءته كما هو مشاهد، فيقعون فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراع بسبب سماعهم هذا الصوت المرفوع.
7 – أنه قد يكون في البيوت من يسمع هذه القراءة وهم في سهو ولغو كأنما يتحدون القارئ وهذا على عكس ما ذكره رافع الصوت من أن كثيراً من النساء في البيوت يسمعن القراءة ويستفدن منها وهذه الفائدة تحصل بسماع الأشرطة التي سجل عليها قراءة القراءة المجيدين للقراءة.
8 – وأما قول رافع الصوت إنه قد يؤثر على بعض الناس فيحضر ويصلي لاسيما إذا كان صوت القارئ جميلاً، فهذا قد يكون حقاً ولكنه فائدة فردية منغمرة في المحاذير السابقة.
9 – والقاعدة العامة المتفق عليها: أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد، وجب مراعاة الأكثر منها والأعظم، فحكم بما تقتضيه فإن تساوت فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
10 – فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يسلكوا طريق السلامة، وأن يرحموا إخوانهم المسلمين الذين تتشوش عليهم عباداتهم بما يسمعون من هذه الأصوات العالية حتى لا يدري المصلي ماذا قال ولا ماذا يقول في الصلاة من دعاء وذكر وقرآن.
11 – ولقد علمت أن رجلاً كان إماماً وكان في التشهد وحوله مسجد يسمع قراءة إمامه فجعل السامع يكرر التشهد لأنه عجز أن يضبط ما يقول فأطال على نفسه وعلى من خلفه.
12 – ثم إنهم إذا سلكوا هذه الطريق وتركوا رفع الصوت من على المنارات حصل لهم مع الرحمة بإخوانهم امتثال قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن” وقوله: “فلا يؤذين بعضهم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة”. ولا يخفى ما يحصل للقلب من اللذة الإيمانية في امتثال أمر الله ورسوله وانشراح الصدر لذلك وسرور النفس به.
13 – وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان. كتبه الفقير إلى ربه محمد الصالح العثيمين
[مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 13/ 74]
: السؤال الأول من الفتوى رقم ((18572))
س (1): ما حكم أن يشغل المصلي وهو يؤدي صلاته بكلام مضحك وغيره عمدا، ووصل الأمر ببعضهم إلى وضع مذياع يحمل شريط مقرئ للقرآن أمامه، وبما تنصحونه جزاكم الله خيرا؟
ج (1): لا يجوز تعمد إشغال المصلي عن صلاته بكلام ولا غيره، حتى إن القارئ للقرآن لا يرفع صوته بالقراءة حتى لا يشغل من يصلي بجانبه، ففي الحديث عن أبي سعيد ? قال: قال رسول الله ?: «ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذي بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ((1))»
فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية (7) / (194) – (195)
[(27) / (5) (10): (05) م] احمد بن خالد اليمني الصغير: قال القاضي: أقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإبانة، ومعناه أنه إذا بين ما يقرأ به فقد أتى بالترسل وإن كان مستعجلا في قراءته وأكمله أن يرتل القراءة ويتوقف فيها ما لم يخرجه ذلك إلى التمديد والتمطيط فإذا انتهى إلى التمطيط كان ممنوعا، قال: وقد أومأ أحمد إلى معنى هذا فقال في رواية أبي الحارث: يعجبني من قراءة القرآن السهلة ولا تعجبني هذه الألحان، قال الشيخ تقي الدين أظنه حكاية عن أبي موسى، والتفهم فيه والاعتبار فيه مع قلة القراءة أفضل من إدراجه بغير تفهم، انتهى كلامه ((2)).
وقال الشيخ تقي الدين قراءة القرآن بصفة التلحين الذي يشبه تلحين الغناء مكروه مبتدع، كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من الأئمة ((3)).
وإن غلط القراء المصلين فذكر صاحب الترغيب وغيره يكره، وقال شيخنا: ليس لهم القراءة إذن، وعن البياضي واسمه عبد الله بن جابر أن رسول الله ? خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: «إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر
بعضكم على بعض بالقرآن»، وعن أبي سعيد قال: «اعتكف رسول الله ? في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة وهو في قبة له فكشف الستور وقال: «كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة» أو قال: «في الصلاة» وعن علي: «أن رسول الله ? نهى أن يرفع الرجل صوته بالقراءة قبل العشاء وبعدها يغلط أصحابه وهم يصلون» رواهن أحمد، ولمالك الأول، ولأبي داود الأخير ((1))
المستدرك على مجموع الفتاوى (3) / (106) – (107) — ابن تيمية (ت (728))
وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لِلتَّالِي الْمُصَلِّي رَفْعُ صَوْتِهِ لِئَلَّا يُغَلِّطَ وَيُخَلِّطَ عَلَى مُصَلٍّ إِلَى جَنْبِهِ فَالْحَدِيثُ فِي الْمَسْجِدِ مِمَّا يُخَلِّطُ عَلَى الْمُصَلِّي أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَلْزَمُ وَأَمْنَعُ وَأَحْرَمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا نُهِيَ الْمُسْلِمُ عَنْ أَذَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي عَمَلِ الْبِرِّ وَتِلَاوَةِ الْكِتَابِ فَأَذَاهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَشَدُّ تَحْرِيمًا وَقَدْ نَظَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ وَاللَّهِ إن لك لحرمة ولكن المؤمن عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ حَرُمَ مِنْهُ عِرْضُهُ وَدَمُهُ وَمَالُهُ وَأَنْ لَا يُظَنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرٌ
وَحَسْبُكَ بِالنَّهْيِ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ فِي الْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ
التمهيد – ابن عبد البر – ط المغربية (23) / (318)