(2933 ‘ 2934 ‘ 2935 ‘ 2936 ‘ 2937) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: أحمد بن علي، ومحمد البلوشي وعبد الله المشجري، وسلطان الحمادي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((52)) – (- كتاب: الفتن وأشراط الساعة)، (20) – بابُ: ذِكْرِ الدَّجّالِ وصِفَتِهِ وما مَعَهُ
(100) – ((169)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، ومُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قالا: حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ح وحَدَّثَنا ابْنُ نُمَيْرٍ – واللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الدَّجّالَ بَيْنَ ظَهْرانَيِ النّاسِ، فَقالَ: «إنَّ اللهَ تَعالى لَيْسَ بِأعْوَرَ، ألا وإنَّ المَسِيحَ الدَّجّالَ أعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنى، كَأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طافِئَةٌ»،
(100) – حَدَّثَنِي أبُو الرَّبِيعِ، وأبُو كامِلٍ، قالا: حَدَّثَنا حَمّادٌ وهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيُّوبَ، ح وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبّادٍ، حَدَّثَنا حاتِمٌ يَعْنِي ابْنَ إسْماعِيلَ، عَنْ مُوسى بْنِ عُقْبَةَ، كِلاهُما عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ
(101) – ((2933)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، ومُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتادَةَ، قالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بْنَ مالِكٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «ما مِن نَبِيٍّ إلّا وقَدْ أنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذّابَ، ألا إنَّهُ أعْوَرُ، وإنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأعْوَرَ، ومَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر».
(102) – ((2933)) حَدَّثَنا ابْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ – واللَّفْظُ لِابْنِ المُثَنّى – قالا: حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ، حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ قَتادَةَ، حَدَّثَنا أنَسُ بْنُ مالِكٍ، أنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قالَ: «الدَّجّالُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر أيْ كافِرٌ».
(103) – ((2933)) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا عَفّانُ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الحَبْحابِ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «الدَّجّالُ مَمْسُوحُ العَيْنِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ، ثُمَّ تَهَجّاها ك ف ر يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ».
(104) – ((2934)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – قالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا، وقالَ الآخَرانِ: حَدَّثَنا – أبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «الدَّجّالُ أعْوَرُ العَيْنِ اليُسْرى، جُفالُ الشَّعَرِ، مَعَهُ جَنَّةٌ ونارٌ، فَنارُهُ جَنَّةٌ وجَنَّتُهُ نارٌ».
(105) – ((2934)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنْ أبِي مالِكٍ الأشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِراشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «لَأنا أعْلَمُ بِما مَعَ الدَّجّالِ مِنهُ، مَعَهُ نَهْرانِ يَجْرِيانِ، أحَدُهُما رَايَ العَيْنِ، ماءٌ أبْيَضُ، والآخَرُ رَايَ العَيْنِ، نارٌ تَأجَّجُ، فَإمّا أدْرَكَنَّ أحَدٌ، فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَراهُ نارًا ولْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَاسَهُ فَيَشْرَبَ مِنهُ، فَإنَّهُ ماءٌ بارِدٌ، وإنَّ الدَّجّالَ مَمْسُوحُ العَيْنِ، عَلَيْها ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كاتِبٍ وغَيْرِ كاتِبٍ».
(106) – ((2934)) حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، ح وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى – واللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِراشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنَّهُ قالَ فِي الدَّجّالِ: «إنَّ مَعَهُ ماءً ونارًا، فَنارُهُ ماءٌ بارِدٌ وماؤُهُ نارٌ، فَلا تَهْلِكُوا»،
((2935)) قالَ أبُو مَسْعُودٍ: وأنا سَمِعْتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
(107) – ((2935) حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوانَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِراشٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أبِي مَسْعُودٍ الأنْصارِيِّ، قالَ: انْطَلَقْتُ مَعَهُ إلى حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ، فَقالَ لَهُ عُقْبَةُ: حَدِّثْنِي ما سَمِعْتَ مِن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فِي الدَّجّالِ قالَ: «إنَّ الدَّجّالَ يَخْرُجُ، وإنَّ مَعَهُ ماءً ونارًا، فَأمّا الَّذِي يَراهُ النّاسُ ماءً، فَنارٌ تُحْرِقُ، وأمّا الَّذِي يَراهُ النّاسُ نارًا، فَماءٌ بارِدٌ عَذْبٌ، فَمَن أدْرَكَ ذَلِكَ مِنكُمْ، فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَراهُ نارًا، فَإنَّهُ ماءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ»، فَقالَ عُقْبَةُ: وأنا قَدْ سَمِعْتُهُ تَصْدِيقًا لِحُذَيْفَةَ
(108) – ((2935)) حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – واللَّفْظُ لِابْنِ حُجْرٍ، قالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا، وقالَ ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنا – جَرِيرٌ، عَنِ المُغِيرَةِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أبِي هِنْدٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِراشٍ، قالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وأبُو مَسْعُودٍ، فَقالَ حُذَيْفَةُ: «لَأنا بِما مَعَ الدَّجّالِ أعْلَمُ مِنهُ، إنَّ مَعَهُ نَهْرًا مِن ماءٍ ونَهْرًا مِن نارٍ، فَأمّا الَّذِي تَرَوْنَ أنَّهُ نارٌ ماءٌ، وأمّا الَّذِي تَرَوْنَ أنَّهُ ماءٌ نارٌ، فَمَن أدْرَكَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَأرادَ الماءَ فَلْيَشْرَبْ مِنَ الَّذِي يَراهُ أنَّهُ نارٌ، فَإنَّهُ سَيَجِدُهُ ماءً»، قالَ أبُو مَسْعُودٍ: هَكَذا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ
(109) – ((2936)) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا شَيْبانُ، عَنْ يَحْيى، عَنْ أبِي سَلَمَةَ، قالَ: سَمِعْتُ أبا هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «ألا أُخْبِرُكُمْ عَنِ الدَّجّالِ حَدِيثًا ما حَدَّثَهُ نَبِيٌّ قَوْمَهُ إنَّهُ أعْوَرُ، وإنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ مِثْلُ الجَنَّةِ والنّارِ، فالَّتِي يَقُولُ إنَّها الجَنَّةُ هِيَ النّارُ، وإنِّي أنْذَرْتُكُمْ بِهِ كَما أنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ».
(110) – ((2937)) حَدَّثَنا أبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيى بْنُ جابِرٍ الطّائِيُّ، قاضِي حِمْصَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ الحَضْرَمِيِّ، أنَّهُ سَمِعَ النَّوّاسَ بْنَ سَمْعانَ الكِلابِيَّ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرانَ الرّازِيُّ – واللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ، عَنْ يَحْيى بْنِ جابِرٍ الطّائِيِّ -[(2251)]-، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنِ النَّوّاسِ بْنِ سَمْعانَ، قالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجّالَ ذاتَ غَداةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ ورَفَّعَ، حَتّى ظَنَنّاهُ فِي طائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمّا رُحْنا إلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينا، فَقالَ: «ما شَانُكُمْ؟» قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجّالَ غَداةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ ورَفَّعْتَ، حَتّى ظَنَنّاهُ فِي طائِفَةِ النَّخْلِ، فَقالَ: «غَيْرُ الدَّجّالِ أخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إنْ يَخْرُجْ وأنا فِيكُمْ، فَأنا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وإنْ يَخْرُجْ ولَسْتُ فِيكُمْ، فامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ واللهُ خَلِيفَتِي عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ -[(2252)]-، إنَّهُ شابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طافِئَةٌ، كَأنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ العُزّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَن أدْرَكَهُ مِنكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَواتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ، إنَّهُ خارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ والعِراقِ، فَعاثَ يَمِينًا وعاثَ شِمالًا، يا عِبادَ اللهِ فاثْبُتُوا» قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ وما لَبْثُهُ فِي الأرْضِ؟ قالَ: «أرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، ويَوْمٌ كَشَهْرٍ، ويَوْمٌ
كَجُمُعَةٍ، وسائِرُ أيّامِهِ كَأيّامِكُمْ» قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أتَكْفِينا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ؟ قالَ: «لا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ» قُلْنا: يا رَسُولَ اللهِ وما إسْراعُهُ فِي الأرْضِ؟ قالَ: «كالغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَاتِي عَلى القَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ ويَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَامُرُ السَّماءَ فَتُمْطِرُ، والأرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سارِحَتُهُمْ، أطْوَلَ ما كانَتْ ذُرًا، وأسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وأمَدَّهُ خَواصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي القَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ -[(2253)]- لَيْسَ بِأيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِن أمْوالِهِمْ، ويَمُرُّ بِالخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَها: أخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُها كَيَعاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ ويَتَهَلَّلُ وجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ إذْ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنارَةِ البَيْضاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، واضِعًا كَفَّيْهِ عَلى أجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إذا طَاطَأ رَاسَهُ قَطَرَ، وإذا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنهُ جُمانٌ كاللُّؤْلُؤِ، فَلا يَحِلُّ لِكافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إلّا ماتَ، ونَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتّى يُدْرِكَهُ بِبابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ ويُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ، فَبَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ إذْ أوْحى اللهُ إلى عِيسى: إنِّي قَدْ
أخْرَجْتُ عِبادًا لِي، لا يَدانِ لِأحَدٍ بِقِتالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبادِي إلى الطُّورِ -[(2254)]- ويَبْعَثُ اللهُ يَاجُوجَ ومَأْجُوجَ، وهُمْ مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أوائِلُهُمْ عَلى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ ما فِيها، ويَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كانَ بِهَذِهِ مَرَّةً ماءٌ، ويُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسى وأصْحابُهُ، حَتّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأحَدِهِمْ خَيْرًا مِن مِائَةِ دِينارٍ لِأحَدِكُمُ اليَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسى وأصْحابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسى كَمَوْتِ نَفْسٍ واحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسى وأصْحابُهُ إلى الأرْضِ، فَلا يَجِدُونَ فِي الأرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إلّا مَلَأهُ زَهَمُهُمْ ونَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسى وأصْحابُهُ إلى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأعْناقِ البُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا لا يَكُنُّ مِنهُ بَيْتُ مَدَرٍ ولا وبَرٍ، فَيَغْسِلُ الأرْضَ حَتّى يَتْرُكَها كالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقالُ لِلْأرْضِ: أنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، ورُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَاكُلُ العِصابَةُ مِنَ الرُّمّانَةِ، ويَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِها، ويُبارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتّى أنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإبِلِ لَتَكْفِي الفِئامَ مِنَ النّاسِ، واللِّقْحَةَ مِنَ البَقَرِ لَتَكْفِي القَبِيلَةَ مِنَ النّاسِ واللِّقْحَةَ مِنَ الغَنَمِ لَتَكْفِي الفَخِذَ مِنَ النّاسِ، فَبَيْنَما هُمْ كَذَلِكَ إذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آباطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وكُلِّ مُسْلِمٍ، ويَبْقى شِرارُ النّاسِ، يَتَهارَجُونَ فِيها تَهارُجَ الحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السّاعَةُ»،
(111) – ((2937)) حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ، والوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قالَ: ابْنُ حُجْرٍ: دَخَلَ حَدِيثُ أحَدِهِما فِي حَدِيثِ الآخَرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جابِرٍ، بِهَذا الإسْنادِ، نَحْوَ ما ذَكَرْنا، وزادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: «لَقَدْ كانَ بِهَذِهِ مَرَّةً ماءٌ – ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتّى يَنْتَهُوا إلى جَبَلِ الخَمَرِ، وهُوَ جَبَلُ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنا مَن فِي الأرْضِ هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَن فِي السَّماءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشّابِهِمْ إلى السَّماءِ، فَيَرُدُّ اللهُ عَلَيْهِمْ نُشّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا» وفِي رِوايَةِ ابْنِ حُجْرٍ: «فَإنِّي قَدْ أنْزَلْتُ عِبادًا لِي، لا يَدَيْ لِأحَدٍ بِقِتالِهِمْ».
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [((20))]- (بَابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ، وَصِفَتِهِ، وَمَا مَعَهُ) “).
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7332)] ((169)) -الحديث
شرح الحديث:
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ) رضي الله عنهما؛ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الدَّجَّالَ بَيْنَ ظَهْرَانَي النَّاسِ) أي بين الناس، فـ «ظهراني» بفتح الظاء المعجمة، وسكون الهاء، بلفظ التثنية؛ أي: جالسًا في وسط الناس، والمراد أنه جلس بينهم، مستظهرًا، لا مستخفيًا، وزيدت فيه الألف والنون تأكيدًا، أو معناه: أن ظهرًا منهم قُدّامه، وظهرًا خلفه، وكأنهم حَفُّوا به من جانبيه، فهذا أصله، ثم كَثُر، حتى استُعمل في الإقامة بين قوم مطلقًا قاله في «الفتح» [“الفتح” (6) / (485)].
(وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى) وفي رواية:» اليسرى «، وكلاهما صحيح، والعَوَر في اللغة العيب، وعيناه معيبتان عورًا، وأن إحداهما طافئة بالهمز، لا ضوء فيها، والأخرى طافية بلا همزة ظاهرة ناتئة، قاله النوويّ [«شرط النوويّ» (18) / (60)].
(كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ») قال وليّ الدين رحمه الله: في هذه الرواية أنه أعور العين اليمنى، وهو المشهور، وفي رواية أخرى: أنه أعور العين اليسرى، وقد ذكرهما جميعًا مسلم في هذا الباب، وكلاهما صحيح، قال القاضي عياض: روينا هذا الحرف، وهو «طافية» عن أكثر شيوخنا بغير همز، وهو الذي صححه أكثرهم، وإليه ذهب الأخفش، ومعناه: ناتئة، كنتوء حبَّة العنب من بين صواحبها، وضَبَطه بعض شيوخنا بالهمزة، وأنكره بعضهم، ولا وجه لإنكاره، وقد وصف في الحديث بأنه ممسوح العين، وأنها ليست حَجْراء، ولا ناتئة، وأنها مطموسة، وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها، وهذا يصحح رواية الهمز، وأما ما جاء في الأحاديث الأُخرى: «جاحظ العين، وكأنها كوكب»، وفي رواية: «لها حدقة جاحظة، كأنها نخاعة في حائط» فيصحح رواية ترك الهمز، لكن يجمع بين الأحاديث، وتصحح الروايات جميعًا بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست حجراء، ولا ناتئة، هي العوراء الطائفة بالهمز، وهي العين اليمنى، كما جاء هنا، وتكون الجاحظة، والتي كأنها كوكب، وكأنها نخاعة هي الطافية، بغير همز، وهي العين اليسرى، كما جاء في الرواية الأخرى، وهذا جمع بين الأحاديث والروايات في الطافئة بالهمز، وبتركه، وأعور اليمنى واليسرى؛ لأن كل واحدة منهما عوراء، فإن الأعور من كل شيء المعيب، لا سيما ما يختص بالعين، وكذا عيني الدجال معيبة، عوراء، فإحداهما بذهابها، والأخرى بعيبها. انتهى كلام القاضي.
وحكاه عنه النوويّ، ثم قال: وهو في نهاية من الحُسن، وذكر ابن عبد البرّ أن حديث «أعور العين اليمنى» أثبت من جهة الإسناد، فأشار إلى الترجيح، والجمعُ إن أمكَن مقدّم. انتهى كلام وليّ الدين رحمه الله [«طرح التثريب» (5) / (394)] وهو تحقيق حسنٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: «كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ»، يعني: لا يبصر بها، وسيأتي أن العين اليسرى ناتئة، والعين اليمنى عوراء، بمعنى: أنها طافئة لا يبصر بها. [توفيق الرب المنعم (8/ 323)].
قال الإتيوبي عفا اللَّه عنه: هذا الحديث متّفقٌ عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7334)] ((2933)) – الحديث
شرح الحديث:
(أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ) تقدّم أنه إنما اقتصر على هذا، مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة؛ لكون العَوَر أثرًا محسوسًا يدركه العالم والعاميّ، ومن لا يهتدي إلى الأدلة العقلية، فإذا ادعى الربوبية، وهو ناقص الخلقة، والإله يتعالى عن النقص، عُلم أنه كاذب، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: (وَمَكْتُوب بَيْنَ عَيْنَيْهِ: ك ف ر») هكذا في هذه الرواية مفكّك الأحرف، وفي رواية البخاريّ: «وإن بين عينيه مكتوب: كافر»، قال في «الفتح»: وفي رواية عمر بن ثابت، عن بعض الصحابة: «يقرؤه كل من كره عمله».
وكذا أخرجه الترمذيّ
وفي حديث أبي بكرة رضي الله عنه عند أحمد: «يقرؤه الأميّ والكاتب»، ونحوه في حديث معاذ، عند البزار، وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه: «يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب»، ولأحمد عن جابر: «مكتوب بين عينيه: كافر، مهجّاة»، ومثله عند الطبرانيّ من حديث أسماء بنت عُميس رضي الله عنها.
قال ابن العربيّ: في قوله: «ك ف ر» إشارة إلى أن فَعَلَ وفَاعِل من الكفر إنما يكتب بغير ألف، وكذا هو في رسم المصحف، وإن كان أهل الخط أثبتوا في فاعل ألفًا، فذاك لزيادة البيان، واللَّه تعالى أعلم.
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه هذا متّفقٌ عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7335)] (. . .) – الحديث
وقوله: (أَيْ كَافِرٌ «) هذا تفسير للأحرف المفككة من أحد الرواة، أنس، أو غيره، قال الأبيّ رحمه الله: ذِكر الأحرف هكذا يدلّ على أن الكتابة حقيقة، لا مجاز، ولا كناية. انتهى.
وقال القاري رحمه الله: فيه إشارة إلى أنه داع إلى الكفر، لا إلى الرشد، فيجب اجتنابه، وهذه نعمة عظيمة من اللَّه تعالى على هذه الأمة، حيث أظهر رقم الكفر بين عينيه، كي يهتدي المؤمن، ولا يغترّ بما يظهر على يديه من خوارق العادات.
والحديث متّفقٌ عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7336)] (. . .) – الحديث
شرح الحديث:
وقال النوويّ: الصحيح الذي عليه المحققون أن الكتابة المذكورة حقيقة، جعلها اللَّه علامة قاطعة بكذب الدجال، فيُظهر اللَّه المؤمنَ عليها، ويُخفيها على من أراد شقاوته. وحَكَى عياض خلافًا، وأن بعضهم قال: هي مجاز عن سمة الحدوث عليه، وهو مذهب ضعيف …
والحديث متّفقٌ عليه، وسبق البحث فيه مستوفى، وللَّه الحمد.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7337)] ((2934)) – الحديث
شرح الحديث:
وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: وقد تكلّف القاضي أبو الفضل الجمع بينهما،
قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: وحاصل كلامه أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء، إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها، والثانية عوراء بأصل خلقتها معيبة، لكن يُبعد هذا التأويل أن كل واحدة من عينيه قد جاء وصفها في الروايات، بمثل ما وصفت به الأخرى من العور، فتأمله، فإنَّ تتبع تلك الألفاظ يطول. انتهى [«المفهم» (7) / (274) – (275)].
قال الإتيوبي عفا اللَّه عنه: لا شكّ أن جَمْع القاضي عياض المتقدّم هو الظاهر في وجه الجمع، وما استبعده القرطبيّ ليس ببعيد؛ لأن الروايات التي تنافي هذا ليست صحيحة، وما يصحّ منها يقبل التأويل، فطريق الجمع هو الذي ذكره القاضي فتأمله بالإمعان، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله: (جُفَالُ الشَّعَرِ) بضم الجيم، وتخفيف الفاء؛ أي: كثيره، قال أبو عبيد: الْجُفال: الكثير الشعر.
وشعر الدجال مع كثرته جَعْد قطط، وهو الشديد الجعودة الذي لا يمتدّ إلا باليد، كشعور السودان، وفي القطط لغتان: الفتح والكسر في الطاء الأولى، قاله القرطبيّ [«المفهم» (7) / (275)].
(مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ») وفي رواية: «نهران»، وفي رواية: «ماء، ونار»،
قال العلماء: هذا من جملة ما امتَحَن اللَّه تعالى به عباده؛ ليحق الحقّ، ويبطل الباطل، ثم يفضحه، ويظهر للناس عَجْزه [«شرح النوويّ» (18) / (61)].
وقال القاري: المعنى: كما جعل نار نمرود بردًا وسلامًا على إبراهيم عليه السلام، ويجعل ماءه الذي أعطاه من صدّقه نارًا محرقة دائمة.
ومُجمله أن ما ظهر من فتنته ليس له حقيقة، بل تخيّل منه، وشعبذة، كما يفعله السحرة والمشعبذون، مع احتمال أن اللَّه تعالى يقلب ناره، وماءه الحقيقيان، فإنه على كل شيء قدير انتهى [«مرقاة المفاتيح» (15) / (483)].
قال الإتيوبي عفا اللَّه عنه: لا داعي لقوله: بل تخيل، وشعبذة، بل الحقّ أنهما ماء حقيقةً، ونار حقيقة، واللَّه تعالى أعلم.
قال الإمام مسلم رحمه الله:
الحديث
شرح الحديث:
وقال القرطبيّ رحمه الله: وفتنة الدجال من نحو فتنة أهل المحشر بالصورة الهائلة التي تأتيهم، فتقول لهم: أنا ربكم، فيقول المؤمنون: نعوذ باللَّه منك، كما تقدّم في «الإيمان». انتهى [«المفهم» (7) / (273) – (274)].
(فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ) قال النوويّ صلى الله عليه وسلم : هكذا هو في أكثر النُّسخ: «أدركنّ»، وفي بعضها: «أدركه»، وهذا الثاني ظاهر، وأما الأول فغريب من حيث العربية؛ لأن هذه النون لا تدخل على الفعل -يعني الماضي- قال القاضي: ولعله يدركن، يعني فعبره بعض الرواة. انتهى [«شرح النوويّ» (18) / (61)].
وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجه: «وإن من فتنته أن معه جنة ونارًا، فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتُلي بناره، فليستغث باللَّه، وليقرأ فواتح» الكهف «، فتكون عليه بردًا وسلامًا».
قال الحافظ رحمه الله: وهذا كله يرجع إلى اختلاف المرئيّ بالنسبة إلى الرائي، فإما أن يكون الدجال ساحرًا، فيُخَيِّل الشيء بصورة عكسه، وإما أن يجعل اللَّه باطن الجنة التي يسخرها الدجال نارًا، وباطن النار جنة، وهذا هو الراجح، وإما أن يكون ذلك كناية عن النعمة والرحمة بالجنة، وعن المحنة والنقمة بالنار، فمن أطاعه فأنعم عليه بجنته يَؤُوْل أمره إلى دخول نار الآخرة، وبالعكس، ويَحْتَمِل أن يكون ذلك من جملة المحنة، والفتنة، فيرى الناظر إلى ذلك من دهشته النار، فيظنها جنة، وبالعكس. انتهى [«الفتح» (16) / (588)].
قال الإتيوبي عفا اللَّه عنه: الأرجح كما سبق عن الحافظ أن اللَّه تعالى يقلب جنته نارًا، وناره جنة، كما هو ظواهر هذه النصوص، فلا داعي إلى التكلّف بالتأويل، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
(وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ)؛ أي: مطموس ضوؤها، وإدراكها، فلا يبصر بها شيئًا. (عَلَيْهَا) أي على عينه (ظَفَرَةٌ) بفتحتين؛ أي: لحمة (غَلِيظَةٌ) قال النوويّ: الظفرة بفتح الظاء المعجمة، والفاء: هي جلدة تُغَشِّي البصر، وقال الأصمعيّ: لحمة تنبت عند المآقي،
وقال صاحب» العين «: هي جلدة تُغشي البصر، يقال: عين ظفرة، وقال ثابت: هي إن لم تُقطع غشيت بصر العين فيكون هذا من معنى مطموس العين، وقال غيره: هي علقة تخرج من العين، وهي بالظاء المعجمة المشالة. انتهى [«شرح الأبّيّ» (7) / (267) – (268)].
(مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ) أي هو؛ أي: الدجّال كافر لا يؤمن باللَّه العظيم، حيث تولّى اللَّه تعالى أمته، وحفظهم من كيده، كما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك، حيث قال صلى الله عليه وسلم : «فإن يخرج، وأنا بين ظهرانيكم، فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج من بعدي، فكلٌّ حجيجُ نفسه، واللَّه خليفتي على كل مسلم»، فقد أظهر اللَّه تعالى كرامته في حفظ كل مسلم، فهداه لقراءة أنه كافر، وإن لم يكتب قبل ذلك، أو يقرأ شيئًا من المكتوبات، واللَّه تعالى أعلم.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام البحث فيه في الذي قبله، وللَّه الحمد والمنّة.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7339)] (. . .) – الحديث
وقوله: (فَلَا تَهْلِكُوا) أيتها الأمة المرحومة لا تهلكوا باتباع هذا الضالّ المضلّ، فإن أمره بيّن، لا يهلك به إلا من هلك.
وقوله: (قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ) من قول ربعيّ بن حراش، كما يبيّنه ما بعده حيث قال: «انطلقت معه -أي: مع أبي مسعود- إلى حذيفة بن اليمان» إلى آخره.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام البحث فيه، وللَّه الحمد والمنّة.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7340)] ((2935)) – الحديث
[(7340)] الحديث
وقوله: (فَقَالَ حُذَيْفَةُ) ظاهر هذه الرواية أن الحديث موقوف على حذيفة رضي الله عنه، لكن الروايات المتقدّمة بيّنت أنه إنما أخذه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فليُتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7342)] ((2936)) – الحديث
شرح الحديث:
(كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ») إنما خصّ نوحًا بالذِّكر؛ لأنه أول من ذَكَره، وهو أول الرسل المذكورين في قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية [الشورى: (13)]، واللَّه تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا متّفقٌ عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7343)] ((2937)) – الحديث
شرح الحديث:
(فَخَفَّضَ فِيهِ، وَرَفَّعَ) قال النوويّ: هو بتشديد الفاء فيهما، وفي معناه قولان:
أحدهما: أن «خفّض» بمعنى حقّر، وقوله: «رفّع»؛ أي: عظّمه، وفخّمه، فمِن تحقيره وهوانه على اللَّه تعالى عَوَرُهُ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «هو أهون على اللَّه من ذلك»، وأنه لا يقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل، ثم يعجز عنه، وأنه يضمحل أمره، ويُقتل بعد ذلك هو وأتباعه، ومن تفخيمه، وتعظيم فتنته، والمحنة به هذه الأمور الخارقة للعادة، وأنه ما من نبيّ إلا وقد أنذره قومه.
والوجه الثاني: أنه خفّض من صوته في حال الكثرة فيما تكلم فيه، فخفض بعد طول الكلام والتعب؛ ليستريح، ثم رفّع ليبلغ صوته كل أحد. انتهى [» شرح النوويّ «(18) / (63)].وقاله القرطبي أيضًا [» المفهم” (23) / (113)].
(حَتَّى ظَنَنَّاهُ)؛ أي: الدجّال، (فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ)؛ أي: في قطعة من النخل قريبة إلينا، يعني أنه صلى الله عليه وسلم وصفه بصفات كثيرة حتى ظننا أنه مختف في مكان قريب منا، (فَلَمَّا رُحْنَا) بضمّ الراء بوزن قُلنا؛ أي: رجعنا (إِلَيْهِ) صلى الله عليه وسلم في الرواح؛ أي: في آخر النهار، (عَرَفَ) صلى الله عليه وسلم (ذَلِكَ) الظنّ الهائل (فِينَا، فَقَالَ) صلى الله عليه وسلم عند ذلك: («مَا شَانكُمْ؟»)؛ أي: ما حالكم؟ (قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً)؛ أي: غداة من الغدوات، (فَخَفَّضْتَ فِيهِ، وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ)؛ أي: فهذا هو الذي أثّر في قلوبنا، وأزعجنا، كما ترى، (فَقَالَ) صلى الله عليه وسلم : («غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ) قال القرطبيّ صلى الله عليه وسلم :» أخوفني «بنون الوقاية عند الجماعة، وهو وجه الكلام، وقد رُوي عن أبي بحر: «أخوفي»، بغير نون، وهي قليلة، حكاها ثابت، وقد وقع في الترمذيّ: «أخوف لي»، قال: وهو وجنه الكلام، وفيه اختصار؛ أي: غير الدجّال أخوف لي عليكم من الدجال، فحُذف للعلم به. انتهى [«المفهم» (7) / (276)].
قال النوويّ صلى الله عليه وسلم : هكذا هو في جميع نُسخ بلادنا: «أخوفني» بنون بعد الفاء، وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين، قال: ورواه بعضهم بحذف النون، وهما لغتان صحيحتان، ومعناهما واحد، قال شيخنا الإمام أبو عبد اللَّه بن مالك: الحاجة داعية إلى الكلام في لفظ هذا الحديث، ومعناه.
فأما لفظه: لكونه تضمّن ما لا يُعتاد، من إضافة «أخوف» إلى ياء المتكلم، مقرونة بنون الوقاية، وهذا الاستعمال إنما يكون مع الأفعال المتعدية.
والجواب أنه كان الأصل إثباتها، ولكنه أصل متروك، فَنُبِّه عليه في قليل من كلامهم، وأنشد فيه …..
وأما معنى الحديث: ففيه أوجه:
أظهرها: أنه من أفعل التفضيل، وتقديره: غير الدجال أخوف مخوفاتي عليكم، ثم حذف المضاف إلى الياء، ومنه: «أخوفُ ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون»: معناه: أن الأشياء التي أخافها على أمتي أحقها بأن تخاف الأئمة المضلون.
والثاني: بأن يكون «أخوف» من أخاف بمعنى خَوّف، ومعناه: غير الدجال أشدّ موجبات خوفي عليكم.
والثالث: أن يكون من باب وصف المعاني بما يوصف به الأعيان، على سبيل المبالغة، كقولهم في الشعر الفصيح: شِعْرٌ شاعرٌ، وخوف فلان أخوف من خوفك، وتقديره: خوف غير الدجال أخوف خوفي عليكم، ثم حذف المضاف الأول، ثم الثاني. انتهى كلام الشيخ ابن مالك رحمه الله [«شرح النوويّ» (18) / (64) – (65)].
قال الإتيوبي عفا اللَّه عنه: هذا الذي ذكره ابن مالك بحثٌ نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيسٌ.
وخلاصة المسألة أن النون المذكورة في قوله: «أخوفني» هي النون المسمّاة بنون الوقاية، وهي تلحق الأفعال دون الأسماء، وذلك لأن الأفعال إذا اتّصلت بها ياء المتكلّم يلزمها الكسر؛ لأجل الياء، والأفعال لا يدخلها الكسر، فجيء بالنون قبل الياء لأجل أن تكون الكسرة عليها، وهذا معنى ما أشار إليه ابن مالك في «الخلاصة» بقوله:
وَقَبْلَ يَا النَّفْسِ مَعَ الْفِعْلِ الْتُزِمْ … نُونُ وِقَايَةٍ وَلَيْسِي قَدْ نُظِمْ
وأما الأسماء فلا تحتاج إليها؛ لأنها تقبل الكسر، ولذا قلّ ما يصحبها من الأسماء، كالبيتين السابقين، وكهذا الحديث، واللَّه تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ: و «حجيجه»: محاجّه، ومخاصمه، وقاطعه بالحجَّة، بإظهار كذبه وإفساد قوله. انتهى [«المفهم» (7) / (276)].
قال القرطبيّ: قوله: «فامرؤ حجيج نفسه»، أي: ليحتجّ كل امرئ عن نفسه بما أعلمته من صفته، وبما يدلّ العقل عليه من كذبه في دعوى الإلهية، وهو خبر بمعنى الأمر، وفيه التنبيه على النظر عند المشكلات، والتمسك بالأدلة الواضحات.
قال: قوله: «واللَّه خليفتي على كل مسلم»: هذا منه صلى الله عليه وسلم تفويض إلى اللَّه تعالى في كفاية كل مسلم من تلك الفتن العظيمة، ومع هذا فقد أرشد النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ما يقرؤه على الدجال، فَيُؤَمَّن من فتنته، وذلك عشر آيات من أول «سورة الكهف»، أو من آخرها، على اختلاف الرواية في ذلك، والاحتياط والحزم يقتضي أن يقرأ عشرًا من أولها، وعشرا من آخرها، على أنه قد رَوَى أبو داود من حديث النوّاس: «فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإنَّها جِوَارٌ لكم من فتنته» [رواه أبو داود برقم ((4321))]. انتهى [«المفهم» (7) / (276) – (277)].
قوله فأنا حجيجه يعارض أنه يخرج بعد المهدي
قال الطيبيّ: والوجه الثاني من الوجهين هو الصواب يعني قبل العلم بوقت خروجه؛ لأنه يمكن أن يكون قوله هذا قبل عِلْمه بذلك. يعني خلافا لمن قال تورية لابقاء الحذر
قال القاري: كان حقه أن يقول: هو الظاهر؛ ليطابق تعليله بقوله: لأنه يمكن؛ إذ مع الإمكان لا يقال في حق أحدهما: هو الصواب؛ لاحتمال الخطأ في كل واحد منهما، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
يعني: أن اللَّه وليّ كل مسلم، ففيه ردّ على الإمامية من الشيعة. انتهى [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (15) / (484)].
وقد رَوَى أبو داود من حديث عبادة بن الصامت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني قد حدّثتكم عن الدّجّال حتى خشيتُ ألا تعقلوا، إن المسيح الدجّال رجل قصيرٌ، أفحج، جعدٌ، أعور، مطموس العين، ليست بناتئة، ولا جحراء»، وهذا الحديث يقتضي أن عينه ليست بالفاحشة النتوء، والجحوظ، ولا غائرة حتى كأنها في جُحر، بل متوسطة، بحيث يصدق عليها أنها قائمة، وجاحظة، واللَّه تعالى أعلم. وقد زاد عبادة في هذا الحديث من أوصافه أنه قصير، أفحج، والفحج: تباعد ما بين الساقين. انتهى [«المفهم» (7) / (277) – (278)].
(كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ) بتشديد الموحّدة؛ أي: أمثّله (بِعَبْدِ الْعُزَّى) بضم العين، وتشديد الزاي، (ابْنِ قَطَنٍ) بفتحتين، وفي رواية للبخاريّ: أو أقرب الناس به شبهًا ابن قطن. قال الزهريّ: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية، قال الحافظ: اسمه عبد العزى بن قَطَن بن عمرو بن جندب بن سعيد بن عائد بن مالك بن المصطلق، وأمه هالة بنت خويلد، أفاده الدمياطيّ، قال: وقال ذلك أيضًا عن أكثم بن أبي الْجَوْن، وأنه قال: يا رسول اللَّه هل يضرني شبهه؟ قال: «لا، أنت مسلم، وهو كافر» حكاه عن ابن سعد، والمعروف في الذي شبّه به صلى الله عليه وسلم أكثمَ: عمرُو بن لُحَيّ جدّ خُزاعة، لا الدجال، كذلك أخرجه أحمد وغيره. انتهى [«الفتح» (8) / (83)].
[تنبيه]: وردت روايات متعددة في هذا المعنى، فمنها: والأَولى أن قراءة الثلاث تكفي، ولكن الزيادة أَولى، واللَّه تعالى أعلم.
(إِنَّهُ)؛ أي: الدجال (خَارجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ) قال النوويّ
:
هكذا في نُسخ بلادنا: «خلة» بفتح الخاء المعجمة، واللام، وتنوين الهاء، وقال القاضي: المشهور فيه: «حلةَ» بالحاء المهملة، ونصب التاء، يعني غير منوّنة، قيل: معناه: سَمْتَ ذلك، وقُبَالتَهُ، وفي «كتاب العين»: الحلة موضع حَزْن، وصخور، قال: ورواه بعضهم: «حُلّه» بضم اللام، وبهاء الضمير؛ أي: نزوله، وحلوله، قال: وكذا ذكره الحميديّ في الجمع بين «الصحيحين»، قال: وذكره الهرويّ: «خلة» بالخاء المعجمة، وتشديد اللام المفتوحتين، وفسّره بأنه ما بين البلدين، هذا آخر ما ذكره القاضي.
قال النوويّ: وهذا الذي ذكره عن الهرويّ هو الموجود في نُسخ بلادنا، وفي الجمع بين «الصحيحين» أيضًا ببلادنا، وهو الذي رجحه صاحب «نهاية الغريب»، وفسّره بالطريق بينهما. انتهى [«شرح النوويّ» (18) / (65)].
قال: وقد روى الترمذيّ من حديث أبي بكر الصديق قال: حدّثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «الدجّال يخرج من أرض بالمشرق، يقال لها: خُراسان يتبعه أفواجٌ، كأن وجوههم المجانّ المطرقة»، قال: وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشة، وهذا حديث حسن غريبٌ. ووجه الجمع بين هذا وبين الذي قبل،: أن مبتدأ خروج الدجّال من خُراسان، ثم يخرج إلى الحجاز فيما بين العراق والشام، واللَّه تعالى أعلم. انتهى [«المفهم» (7) / (278) – (279)].
(فَعَاثَ يَمِينًا، وَعَاثَ شِمَالًا) بعين مهملة، وثاء مثلثة مفتوحة، وهو فعل ماض، والعيث: الفساد، أو أشد الفساد، والإسراع فيه، يقال منه: عاث يعيث، وحكى القاضي أنه رواه بعضهم: «فعاثٍ» بكسر الثاء منونة، اسم فاعل، وهو بمعنى الأول، قاله النوويّ [«شرح النوويّ» (18) / (65)].
وقال القرطبيّ: عثا في الأرض يعثو: أفسد، وكذلك عَثِي -بالكسر- يَعْثَى، قال اللَّه تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الشعراء: (183)]. انتهى من المفهم
وانظر الصحاح في اللغة والعلوم (1) / (3269) — الجوهري، أبو نصر (ت (393))
حرف العين صلى الله عليه وسلم [عثا]
والمعنى: أن الدجال أفسد، أو مفسد يمينًا، وشمالًا، فـ «يمينًا، وشمالًا» ظرفًا لـ «عاث».
والمراد: يبعث سراياه يمينًا، وشمالًا، ولا يكتفي بالإفساد فيما يطؤه من البلاد، ويتوجه له من الأغوار والأنجاد، فلا يأمن من شرّه مؤمن، ولا يخلو من فتنته موطن [«الكاشف عن حقائق السنن» (11) / (3453)]، للطيبي اللَّهُمَّ اكفنا شرّه، وجميع المسلمين.
(يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا»)؛ أي: على دينكم، وإن عاقبكم، قال الطيبيّ رحمه الله: هذا من الخطاب العام، أراد به من يُدرك الدجال من أمته، لتثبيتهم. انتهى باختصار
وقال القرطبيّ: قوله: «يا عباد اللَّه فاثبتوا»: هذا من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم يأمر من لقي الدجّال أن يثبت، ويصبر، فإنَّ لُبثه في الأرض قليل، على ما يأتي، وأما من سمع به، ولم يلقه، فليبعد عنه، وليفرّ بنفسه، كما أخرجه أبو داود [رواه برقم ((4319))] من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «من سَمِع بالدجّال فلينأ عنه، فواللَّه إن الرجل ليأتيه، وهو يحسب أنه مؤمن، فيتّبعه، مما يبعث به من الشبهات -أو- لِمَا يبعث به من الشبهات» [«المفهم» (7) / (279)].
(«أَرْبَعُونَ يَوْمًا) أما ما ورد في رواية:» يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة «، فقال البغويّ في» شرح السُّنَّة «: إنه لا يصلح أن يكون معارضًا لرواية مسلم هذه، وعلى تقدير صحته لعل المراد بأحد المكثين، مكث خاصّ، على وصف معيَّن [راجع: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (15) / (490)]، واللَّه تعالى أعلم.
(يَوْمٌ) أي: من تلك الأربعين (كَسَنَةٍ)؛ أي: مقدار عام في طول الزمان، أو في كثرة الغموم والأحزان، والصواب الأول. (وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ») قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: ظاهر هذا أن اللَّه تعالى يَخرق العادة في تلك الأيّام، فيُبطئ بالشمس
وقد تأوّله أبو الحسين ابن المنادي على ما حكاه أبو الفرج ابن الجوزيّ، فقال: المعنى: يَهْجُم عليكم غمّ عظيم؛ لشدة البلاء، وأيام البلاء طوال
قال أبو الفرج: وهذا التأويل يردّه قولهم: «أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا، اقدروا له قدره».
والمعنى: قدّروا الأوقات للصلاة، غير أن أبا الحسين ابن المنادي قد طَعَن في صحة هذه اللفظات، أعني قولهم: «أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره»، فقال: هذا عندنا من الدسائس التي كادنا بها ذوو الخلاف علينا قديمًا، ولو كان ذلك صحيحًا لاشتهر على ألسنة الرواة، فإن حديث الدجال قد رواه ابن عباس، وابن عمر، وجابر بن عبد اللَّه، وحذيفة، وعبادة بن الصامت، وأُبَيّ بن كعب، وسمرة بن جندب، وأبو هريرة، وأبو الدرداء، وأبو مسعود البدريّ، وأنس بن مالك، وعمران بن حصين، ومعاذ بن جبل، ومُجَمِّع بن جارية في آخرين، ولو كان ذلك لقوي اشتهاره، ولكان أعظم، وأقطع من طلوع الشمس من مغربها.
وتعقّبه القرطبيّ، فأجاد، حيث قال: هذه الألفاظ التي أنكرها هذا الرجل صحيحة في حديث النوّاس، أخرجها الترمذيّ من حديث النوّاس، وذكر الحديث بطوله، نحوًا مِمَّا خرّجه مسلم، وقال في الحديث: حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وقد أخرجه أبو داود أيضًا من حديث عبد الرحمن بن يزيد المذكور، وذكر طرفًا من الحديث، ولم يذكره بطوله، فصحّ الحديث عند هؤلاء الأئمة، …. وثبت من خوارق العادات التي تظهر على يدي الدجال، مما تضمنه هذا الحديث وغيره، فلا معنى لتخصيص هذه الألفاظ بالإنكار [«المفهم» (7) / (279) – (281)]، وهو تحقيقٌ مفيد، واللَّه تعالى أعلم.
وقال في «المرقاة»: قال ابن الملك: قيل: المراد منه: أن اليوم الأول لكثرة غموم المؤمنين، …. بل هو حقيقة واللَّه تعالى قادر على أن يزيد كل جزء من أجزاء اليوم الأول حتى يصير مقدار سنة خارقًا للعادة، كما يزيد في أجزاء ساعة من ساعات اليوم. انتهى.
وفيه أن هذا القول الذي قرره على المنوال الذي حرّوه لا يفيد إلا بسط الزمان، كما وقع له في قصة الإسراء، مع زيادة على المكان، لكن لا يخفى أن سبب وجوب كل صلاة إنما هو وقته المقدر من طلوع صبح، وزوال شمس، وغروبها، وغيبوبة شفقها، وهذا لا يُتصور إلا بتحقق تعدد الأيام والليالي على وجه الحقيقة، وهو مفقود، فالتحقيق ما قاله الشيخ التوربشتيّ وهو أنه يشكل من هذا الفصل قوله: «يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة -مع قوله-: وسائر أيامه كأيامكم»، ولا سبيل إلى تأويل امتداد تلك الأيام علي أنها وصفت بالطول والامتداد؛ لِمَا فيها من شدّة البلاء، … إلا أن نقول إنه يأخذ بأسماع الناس، وأبصارهم حتى يُخَيَّل إليهم أن الزمان قد استمرّ على حالة واحدة، إسفار بلا ظلام، وصباح بلا مساء
وفي «شرح مسلم» للنوويّ: قالوا: هذا على ظاهره، وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القَدْر المذكور في الحديث، يدل عليه قوله: «وسائر أيامه كأيامكم»، وأما قوله: «اقدروا له قدره» [«مرقاة المفاتيح» (15) / (490)].
(قَالَ) صلى الله عليه وسلم : (كَالْغَيْثِ) المراد به هنا الغيم؛ إطلاقًا للسبب على المسبَّب؛ أي: يُسرع في الأرض إسراع الغيم، «أطول» على الحالية، (ذُرًا) بضم الذال المعجمة، وحُكي كسرها، وفتح الراء، منوّنًا: جَمْع ذروة مثلثة، وهي أعلى السنام،
(وَيَمُرُّ) الدجّال (بِالْخَرِبَةِ) بفتح الخاء، وكسر الراء، أو بكسر الخاء، وسكون الراء أو بكسر الراء؛ أي: بالأرض الخراب (فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كنُوزَكِ)؛ أي: مدفونك، أو معادنك
قال القاضي رحمه الله: المراد: جماعة النحل، لا ذكورها خاصّة، لكنه كنى عن الجماعة باليعسوب، وهو أميرها؛ لأنه متى طار تبعته جماعته، ومنه قيل للسيد: يعسوب، انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» (11) / (3453)]. ومثله قاله القرطبي [«المفهم» (7) / (282)].
(فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ) بفتح الجيم، وتكسر؛ أي: قطعتين، متباعدتين، (رَمْيَةَ الْغَرَضِ)؛ أي: قَدْر حذف الْهَدَف، فهي منصوبة بمقدَّر، وفائدة التقييد به أن يظهر عند الناس أنه هلك بلا شبهة، كما يفعله السحرة، والمشعبذة، قال النوويّ: هو بفتح الجيم على المشهور، وحَكَى ابن دُريد كسرها، ومعنى رمية الغرض: أنه يجعل بين الجزلتين مقدار رمية الغرض، هذا هو الظاهر المشهور، قال الطيبيّ: ويؤيده تأويل النوويّ قوله في الحديث الآخر: «ثم يمشي الدجال بين القطعتين» [«الكاشف عن حقائق السنن» (11) / (3453)].
وقال القرطبيّ صلى الله عليه وسلم : و «رميةَ الغرض» منصوب نصب المصدر؛ أي: كرمية الغرض في السرعة والإصابة، وقيل: جُعل بين القطعتين مثل رمية الغرض، وفيه بُعد، والأول أشبه. انتهى [«المفهم» (7) / (282)].
وذكر السيوطي في تعليقه على ابن ماجه أنه قال الحافظ ابن كثير: في رواية أن عيسى ينزل ببيت المقدس، وفي رواية بالأردنّ، وفي رواية بمسكر المسلمين.
قال: حديث نزوله ببيت المقدس عند ابن ماجه، وهو عندي أرجح، ولا ينافي سائر الروايات؛ لأن بيت المقدس شرقيّ دمشق، وهو معسكر المسلمين إذ ذاك، والأردنّ اسم الكورة، كما في «الصحاح»، وبيت المقدس داخل فيه، وإن لم يكن في بيت المقدس الآن منارة، فلا بدّ أن تَحْدث قبل نزوله، واللَّه تعالى أعلم.
وقال النوويّ: قوله: «فينزل عند المنارة البيضاء شرقيّ دمشق بين مهرودتين» أما المنارة فبفتح الميم، وهذه المنارة موجودة اليوم شرقيّ دمشق،
وأما المهروذتان فروي بالدال المهملة، والذال المعجمة، والمهملة أكثر ومعناه: لابس مهروذتين؛ أي: ثوبين مصبوغين بوَرْس، ثم بزعفران، وقيل: هما شقتان، والشقة نصف الملاءة. انتهى [«شرح النوويّ» (18) / (67)].
وقد اجترأ القتبيّ، وخطّأ النقلة في هذا اللفظ، وقال: هو عندي خطأ من النقلة، وأراه مَهْرُوَّتَين، يقال: هَرَيت العمامةَ: إذا لبستها صفراء
قال القرطبيّ: والأصحّ قول الأكثر، ويشهد له ما قد وقع في بعض الروايات بدل «مهرودتين»: «ممصّرتين»، والممصّرة من الثياب هي المصبوغة بالصفرة -واللَّه تعالى أعلم- انتهى [«المفهم» (7) / (282) – (283)].
وقال النوويّ: الجمان بضم الجيم، وتخفيف الميم: هي حبات من الفضة، تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار، والمراد: يتحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ في صفائه، فسمّي الماء جمانًا؛ لِشَبَهه به في الصفاء. انتهى.
(كَاللُّؤْلُؤِ)؛ أي: في الصفاء والبياض
وقال القرطبيّ: قوله: «إذا طأطأ رأسه قطر»؛ أي: إذا خفض رأسه سال منه ماء، يعني به العرق، وهذا نحو مما قال في الحديث الذي تقدّم: «يقطر رأسه ماء، كأنما خرج من ديماس»؛ يعني: الحمّام.
[«المفهم» (7) / (284)].
قوّى الله عزوجل نفس عيسى حتى يصل إلى المحل الذي يصل إليه إدراك بصره، فمعناه: أن الكفار لا يقربونه، وإنَّما يهلكون عند رؤيته، ووصول نفسه إليهم، تأييدًا من اللَّه له، وعصمةً، وإظهار كرامةٍ ونعمةٍ.
(1)
(فَيَطْلُبُهُ)؛ أي: يطلب عيسى الدجّال (حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ) بضم اللام، وتشديد الدال مصروف: اسم جبل بالشام، وقيل: قرية من قرى بيت المقدس، وعليه اقتصر النوويّ، وزاد غيره: سُمّي به لكثرة شجره، وفي «النهاية»: موضع بالشام، وقيل: بفلسطين، (فَيَقْتُلُهُ)؛ أي: الدجّال.
وقال القرطبيّ: قوله: «لا يدان»: أي لا قدرة لأحد على قتال يأجوج ومأجوج
وقوله: «فحرِّز عبادي إلى الطور»: هذه الرواية الصحيحة بالزاي؛ أي: ارتحل بهم إلى جبل يحرزون فيه أنفسهم، والطور: الجبل بالسريانية. ويَحْتَمِل أن يكون ذلك هو طور سيناء انتهى [«المفهم» (7) / (285)].
وقال النوويّ: في بعض النسخ: «حَزِّب» بالحاء والزاي، والباء؛ أي: اجمعهم، قال القاضي: ورُوي: حَوِّز بالواو، والزاي، ومعناه: نَحِّهم، وأزلهم عن طريقهم إلى الطور. انتهى.
(مِنْ كُلِّ حَدَبٍ) بفتحتين؛ أي: مكان مرتفِع من الأرض، (يَنْسِلُونَ) بفتح الياء، وكسر السين؛ أي: يسرعون.
(فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ) بالإضافة، وبحيرة تصغير بحرة، وهي ماء مجتمع بالشام، وطبرية بفتحتين: اسم موضع، وقيل: هي قصبة الأردن بالشام [«مرقاة المفاتيح» (9) / (388)].
(لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ) قال التوربشتيّ رحمه الله تعالى؛ أي: تبلغ بهم الفاقة إلى هذا الحدّ، وإنما ذكر رأس الثور ليقاس البقية عليه في القيمة.
(النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ) بفتح النون والغين المعجمة: هي دود يكون في أنوف الإبل والغنم، الواحدة نغفة، وهي وإن كانت محتقرة، فإتلافها شديد، ويقال للرجل الحقير: ما أنت إلا نغفة.
(كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ) بضم الموحّدة، وسكون الخاء المعجمة: نوع من الإبل؛ أي: طيرًا أعناقها في الطول والكبر كأعناق البخت،
قال النوويّ: أي لا يمنع من نزول الماء بيت المدر، وهو الطين الصلب، وقال القاضي: أي لا يحول بينه وبين مكان ما حائل، بل يعمّ الأماكن كلها.
وقال القرطبيّ: أي لا يستر من ذلك المطر؛ لكثرته بيت مبنيّ بالطين، وبيت شعر، ولا وبر.
(فَيَغْسِلُ) ذلك المطر (الأَرْضَ)؛ أي: وجهها كلها (حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ) بفتح الزاي واللام، وتُسكن، وبالفاء، وقيل: بالقاف، وهي المرآة، بكسر الميم، وقيل: ما يُتخذ لجمع الماء من المصنع،
وراجع [«شرح النوويّ» (18) / (69)].
(فِي الرِّسْلِ) بكسر الراء، وسكون السين؛ أي: اللَّبَن، (حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ) بكسر اللام، وتُفتح؛ أي: الناقة الحلوبة، قال النوويّ: اللقحة بكسر اللام، وفتحها لغتان مشهورتان، والكسر أشهر، وهي القريبة العهد بالولادة، وجمعها لِقَحٌ، بكسر اللام، وفتح القاف، كبِرْكَةٍ وبِرَك، واللقوح ذات اللبن، وجمعها لقاح. انتهى.
وقوله: (مِنَ الإِبِلِ) بيان للّقحة، (لَتَكْفِي)؛ أي: لبنها، (الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ) بهمز على زنة رجال، والعامة تبدل الهمز ياء: الجماعة من الناس، ولا واحد له من لفظة، والمراد به هنا: أكثر من القبيلة، انتهى [«شرح النوويّ» (18) / (69)].
وقال القرطبيّ: الفخذ: دون القبيلة، وفوق البطن، قال الزبير بن بكار: العرب على ست طبقات: شعبٌ، وقبيلة، وعمارة، وبطن، وفخذ، وفصيلة، وما بينهما من الآباء، فإنَّها يعرفها أهلها، وسُمّيت بالشعوب؛ لأنَّ القبائل تتشعّب منها، وسمّيت القبائل بذلك؛ لأنَّ العمائر تقابلت عليها، فالشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطون تجمع الأفخاذ. قال ابن فارس: لا يقال في فخذ النسب إلا بسكون الخاء، بخلاف الجارحة، تلك يقال بكسر الخاء، وسكونها، وبكسر الفاء أيضًا. انتهى [«المفهم» (7) / (286)].
(رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَكُلِّ مُسْلِمٍ) قال النوويّ: هكذا هو في جميع نُسخ مسلم: «وكلّ مَسلم» بالواو، يعني كان الظاهر أن يكون بأو التي للشك، فإنه لا فرق بين المؤمن والمسلم، فالمقصود المبالغة في التعميم، والتغاير باعتبار اختلاف الوصفين، كما في التنزيل: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} [الحجر: (1)]، وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: (35)] الآية، أو بناء على الفرق اللغوي بينهما، من أن المراد بالمؤمن: المصدق، وبالمسلم: المنقاد، لكن لمّا كان أحدهما لا ينفع بدون الآخر، جُعل الموصوف بهما واحدًا، وأُطلق عليه كل واحد من الوصفين بطريق التساوي، أو لكون أحدهما غالبًا عليه في نفس الأمر.
وقال الطيبيّ: المراد بالتكرار هنا: الاستيعاب؛ أي: تقبض روح خيار الناس كلهم.
(وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ) بكسر الشين: جمع شرّ، (يَتَهَارَجُونَ)؛ أي: يختلطون (فِيهَا)؛ أي: في تلك الأزمنة، أو في تلك الأرض، (تَهَارُجَ الْحُمُرِ)؛ أي: كاختلاطها، ويتسافدون، وقيل: يتخاصمون، فإن الأصل في الهرج: القتل، وسرعة عَدْو الفرس، وهَرِج في حديثه؛ أي: خلط، وقال النوويّ رحمه الله: أي يجامع الرجل النساء علانية بحضرة الناس، كما يفعل الحمير، ولا يكترثون لذلك، والهرج بإسكان الراء: الجماع، ويقال: هرج زوجته؛ أي: جامعها، يهرجها بفتح الراء، وضمها، وكسرها، (فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ») أي: لا على غيرهم، وسيأتي عند مسلم حديث: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس»، وقد تقدّم له في «كتاب الإيمان» حديث: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: اللَّه اللَّه»، واللَّه تعالى أعلم.
وحديث النوّاس بن سمعان رضي الله عنه، هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
[(7344)] (. . .) –
(إِلَى جَبَل الْخَمَرِ) بخاء، معجمة، وميم مفتوحتين، وقد فسّره الراوي بقوله: (وَهوَ جَبَل بَيْتِ المَقْدِسِ) والخمر في الأصل: هو الشجر الملتفّ الذي يستر مَن فيه.
وقوله: (فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)؛ أي: الملائكة.
وقوله: (فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ) قال القاري: الباء زائدة، (إِلَى السَّمَاءِ)؛ أي: يرمي يأجوج ومأجوج بسهامهم نحو السماء.
والنّشَّاب بضمّ النون، وتشديد الشين المعجمة، الواحدة نُشَّابَةٌ، وهي النبل، مشتق من نَشِبَ الشيءُ في الشيء، من باب تَعِبَ نُشُوبًا: عَلِق، فهو نَاشِبٌ وقوله: (مَخْضُوبَةً دَمًا)؛ أي: مصبوغة، و «دمًا» تمييز، وهذا مكر، واستدراج منه مع احتمال إصابة سهامهم لبعض الطيور في السماء، فيكون فيه إشارة إلى إحاطة فسادهم بالسفليات والعلويات [«مرقاة المفاتيح» (16) / (2)].
في رواية: قال: فتحملهم، فتطرحهم بالْمَهْبَل [بفتح الميم، وسكون الهاء، وفتح الموحّدة: موضع، وقيل: مكان ببيت المقدس]، ويستوقد المسلمون من قسيّهم، ونشّابهم، وجعابهم سبع سنين،
قال أبو عيسى: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. انتهى [» جامع الترمذيّ” (4) / (511) – (513)]. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف].
—–