2933 إلى 2937 تتمة شرح مسلم باب ذكر الدجال وصفته وما معه
ثانيًا: ملحقات
معالم الْمَسيحِ الدَّجَّالِ
المطلب الأول: معنى المسيح
ذكر أبو عبد الله القرطبي ثلاثة وعشرين قولًا في اشتقاق هذا اللفظ [«التذكرة» ((2) / (358))]، وأوصلها صاحب (القاموس) إلى خمسين قولًا.
وهذه اللفظة تطلق على الصدِّيق، وعلى الضلِّيل الكذاب. فالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام الصديق.
والمسيح الدجال الضليل الكذاب، فخلق الله المسيحين أحدهما ضد الآخر.
فعيسى عليه السلام مسيح الهدى، يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله.
والدجال – لعنه الله – مسيح الضلالة يفتن الناس بما يعطاه من الآيات كإنزال المطر، وإحياء الأرض بالنبات وغيرهما من الخوارق.
وسمي الدجال مسيحًا: لأن إحدى عينيه ممسوحة، أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يومًا.
والقول الأول هو الراجح لما جاء في الحديث: «إن الدجال ممسوح العين». [رواه مسلم ((2934)). من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه]. [أشراط الساعة ليوسف الوابل-ص: (213)].
المطلب الثاني: معنى الدجال
أما لفظ الدجال فهو مأخوذ من قولهم: دجل البعير إذا طلاه بالقطران وغطاه به.
وأصل الدجل: معناه الخلط، يقال: دجل إذا لبس وموه، والدجال: المموه الكذاب الممخرق وهو من أبنية المبالغة على وزن فعال، أي يكثر منه الكذب والتلبيس.
وجمعه: دجالون، وجمعه الإمام مالك على دجاجلة وهو جمع تكسير، وذكر القرطبي أن الدجال في اللغة يطلق على عشرة وجوه.
ولفظة الدجال: أصبحت علمًا على المسيح الأعور الكذاب، فإذا قيل: (الدجال) فلا يتبادر إلى الذهن غيره.
وسمي الدجال دجالًا: لأنه يغطي الحق بالباطل، أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتمويهه وتلبيسه عليهم.
وقيل: لأنه يغطي الأرض بكثرة جموعه. والله أعلم [«التذكرة» ((2) / (330))]. [أشراط الساعة ليوسف الوابل-ص: (214)].
المطلب الثالث: فتنة الدجال من أعظم الفتن
وفتنته من أعظم الفتن التي تمر على البشرية عبر تاريخها، ففي (صحيح مسلم) عن أبي الدهماء وأبي قتادة قالوا: كنا نمر على هشام بن عامر نأتي عمران بن حصين فقال ذات يوم إنكم لتجاوزوني إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أعلم بحديثه مني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال» [رواه مسلم ((2946)) ((126))]. وفي رواية: «أمر أكبر من الدجال» [رواه مسلم ((2946)) ((127))]. من أجل ذلك فإن جميع الأنبياء حذروا أقوامهم من فتنته ولكن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان أكثر تحذيرا لأمته منه.
ومن صفاته كما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف – أو يهراق – رأسه ماء قلت من هذا قالوا ابن مريم. ثم ذهبت ألتفت، فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين، كأن عينه عنبة طافية قالوا هذا الدجال. أقرب الناس به شبها ابن قطن» [رواه البخاري ((3441))، ومسلم ((171)). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما]. وعن عبادة بن الصامت أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا حجراء فإن ألبس عليكم – قال يزيد – ربكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور وإنكم لن ترون ربكم حتى تموتوا» قال يزيد «تروا ربكم حتى تموتوا» [رواه أبو داود ((4320))، وأحمد ((5) / (324)) ((22816)) واللفظ له. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال ابن عبد البر في «التمهيد» ((14) / (191)): من أصح أسانيد الشاميين. وقال في «الاستذكار» ((7) / (338)): ثابت صحيح من جهة الإسناد والنقل. وحسّنه ابن حجر في «هداية الرواة» ((5) / (137)) – كما أشار لذلك في المقدمة -. وقال الألباني في «صحيح سنن أبي داود»: صحيح].
ويكون خروجه من المشرق من بلاد فارسية يقال لها خراسان. عن أبي بكر الصديق قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الدجال يخرج من أرض بالشرق يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة» [رواه الترمذي ((2237))، وابن ماجه ((4072))، والحاكم ((4) / (573)). قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب وقد رواه عبدالله بن شوذب وغير واحد عن أبي التياح ولا نعرفه إلا من حديث أبي التياح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال الألباني في «صحيح سنن الترمذي»: صحيح].
ولكن ظهور أمره عندما يصل إلى مكان بين العراق والشام، عن النواس مرفوعا: «إنه خارج خلة بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا». وسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن المدة التي يمكثها في الأرض فقالوا: وما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذاك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قالوا: لا اقدروا له قدره» [رواه مسلم ((2937))].
وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أن اليوم يطول حقيقةً لا مجازًا.
ولن يستطيع دخول مكة والمدينة فعن أبي هريرة مرفوعًا: «على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال» [رواه البخاري ((1880))، ومسلم ((1379))].
الْمَطْلَبُ الرَّابِعُ: الْمَسيحُ الدَّجَّالُ كأنَّكَ تَراه
الفَرعُ الأوَّلُ: رَأسُه
في حَديثِ ابنِ عَبَّاس رَضِيَ الله عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في الدَّجَّالِ: ((كأنَّ رَأسَه أَصَلةٌ)) [أخرجه أحمد (2148)، وابن حبان (6796)، والطبراني (11/ 273) (11711) مُطَولًا. صحَّحه ابن حبان، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6796)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (4/ 18)، والألباني على شرط مسلم في ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (1193)].
قال الجَوهَريُّ: (الأَصَلةُ بالتَّحريكِ: جِنسٌ مِنَ الحَيَّاتِ، وهيَ أخبَثُها) [يُنظر: ((الصحاح)) (4/ 1623)].
وقال ابنُ مَنظورٍ: (شَبَّه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأسَ الدَّجَّالِ بها لعِظَمِه واستِدارَتِه، وفي الأَصَلةِ مَعَ عِظَمِها استِدارةٌ) [يُنظر: ((لسان العرب)) (1/ 89)].
وقال ابنُ كثيرٍ: (إنَّ رَأسَه من ورائِه كأنَّه أَصَلةٌ -أي حَيَّةٌ- لَعَلَّه طَويلُ الرَّأسِ) [يُنظر: ((البداية والنهاية)) (19/ 208)].
الفَرعُ الثَّاني: جَبْهَتُه
عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في وصفِ الدَّجَّالِ: ((أجلى الجَبهةِ)) [أخرجه أحمد (7905)، والطيالسي (2655) مُطَولًا. حسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7905)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (15/ 28)، وحسَّنه ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/ 159)].
قال ابنُ قُتيبةَ: (إنَّ الأجلى الجَبهةِ هو الذي انحَسَرَ الشَّعرُ عَن مُقَدَّمِ رَأسِه، والجَبْهةُ مَسجِدُ الرَّجُلِ، والجَبَينانِ يَكتَنِفانِها … فإذا ارتَفَعَ ذلك الِانحِسارُ حَتَّى يَبلُغَ اليافوخَ فهو الصَّلَعُ) [يُنظر: ((غريب الحديث)) (1/ 309)].
وقال الْمُناويُّ: (أجلى الجَبهةِ -بالجيمِ- أي مُنحَسِرُ الشَّعرِ من مُقَدَّمِ رَأسِه) [يُنظر: ((فيض القدير)) (6/ 278)].
الفَرعُ الثَّالِثُ: وصَفُ عَينِه اليُمنى
1 – الْمَسيحُ الدَّجَّالُ أعوَرُ العينِ اليُمنى.
عَن أنسٍ رَضِيَ الله عَنه قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما بُعِثَ نَبيٌّ إلَّا أنذَرَ أمَّتَه الأعورَ الكَذَّابَ، ألَا إنَّه أعورُ، وإنَّ رَبَّكم لَيسَ بأعوَرَ)) [أخرجه مُطَولًا البخاري (7131) واللَّفظُ له، ومسلم (2933)].
ولَكِن جاءَ في رِوايةٍ أنَّه أعورُ العينِ اليُمنى [أخرجها البخاري (3439)، ومسلم (169) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما]. وجاءَ في رِوايةٍ أخرى أنَّه أعورُ العينِ اليُسرى [أخرجها مسلم (2934) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه].
قال عياضٌ في رِوايةِ العينِ اليُمنى: (هو الْمَشهورُ، وفي رِوايةٍ أخرى: ((أعورُ العينِ اليُسرى))، وقَد ذَكَرَهما مَعًا مُسْلِمٌ آخِرَ الكِتابِ) [يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 521)].
وقال أيضًا جامِعًا بينَ مَعنى الرِّوايَتينِ: (تَجتَمِعُ رِوايةُ أعورِ العين اليُمنى مَعَ أعورِ العينِ اليُسرى؛ إذ كُلُّ واحِدةٍ مِنهما بالحَقيقةِ عَوراءُ؛ إذِ الأعورُ من كُلِّ شَيءٍ الْمَعيبُ، ولا سيَّما بما يَختَصُّ بالعينِ، وكِلا عَينيِ الدَّجَّالِ مَعيبةً عَوراءُ؛ فالمَمسوحةُ والمَطموسةُ والطَّافِئةُ بالهَمزِ عَوراءُ حَقيقةً، والجاحِظةُ الَّتي كأنَّها كوكَبٌ وهى الطَّافيةُ -بغَيرِ هَمزٍ- مَعيبةٌ عَوراءُ لعَيبِها، فكُلُّ واحِدةٍ مِنهما عَوراءُ، إحداهما بذَهابِها، والأُخرى بعيبِها) [يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 522)].
وسبق نقله ونقلنا اعتراض القرطبي
وقَد رَجَّحَ ابنُ حَجَرٍ رِوايةَ العينِ اليُمنى باعتِبارِ أنَّه مُتَّفَقٌ على صِحَّتِها؛ فقَد خَرَّجَها البُخاريُّ ومُسْلِمٌ، ورِوايةُ العينِ اليُسرى لَم يُخرِّجْها البُخاريُّ، ثُمَّ قال ابنُ حَجَرٍ: (إلى ذلك أشارَ ابنُ عَبدِ البَرِّ) [يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 97)].
وقال علي القاري: (قيلَ: إنَّ الأعورَ إنَّما يَكونُ بالنِّسبةِ إلى أشخاصٍ مُتَفَرِّقةٍ، فقومٌ يَرَونَه أعورَ اليُسرى، وقومٌ يَرَونَه أعورَ اليُمنى؛ ليَدُلَّ على بُطلانِ أمرِه؛ لأنَّه إذا كان لا يُرى خِلقَتُه كما هيَ دَلَّ على أنَّه ساحِرٌ كَذَّابٌ … ويُحتَمَلُ أن يَكونَ أحَدُهما من سَهوِ الرَّاوي، وفي الجامِعِ: رَوى البُخاريُّ في تاريخِه عَن أبي هُرَيرةَ مَرفوعًا: ((الدَّجَّالُ عَينُه خَضراءُ)) [أخرجه مطولاً أحمد (21146)، والطيالسي (546)، وابن حبان (6795) واللفظ له صححه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3401)، وصحح إسناده البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/ 518)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21146)]، انتَهى. فهو كالحرباءِ والغُولِ، مُتَلَوِّنٌ بألوانٍ شَتَّى) [يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3456)].
قال الْمُناويُّ: (اللهُ سُبحانَه مُنزَّهٌ عَنِ العَورِ وعَن كُلِّ آفةٍ، فإذا ادَّعى الرُّبوبيَّةَ ولَبَّسَ عليهم بأشياءَ لَيسَت في البَشَرِ؛ فإنَّه لا يَقْدِرُ على إزالةِ العَورِ الذي يُسَجَّلُ عليه بالبَشريَّةِ.) [يُنظر: ((فيض القدير)) (3/ 538)].
وقال ابنُ بازٍ: (الله سُبحانَه مَوصوفٌ بأنَّ لَه عَينين، وأنَّه لَيسَ بأعورَ، خِلافًا للدَّجَّالِ؛ فإنَّه أعورُ العين اليُمنى) [يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (28/ 396)].
وقال ابنُ عُثَيمين: (وصَفَ الدَّجَّالَ وقال: ((إنَّه أعورُ، وإنَّ رَبَّكم لَيسَ بأعوَرَ))، وفي لَفظٍ: ((أعورُ العين اليُمنى)). وقَد قال بَعضُ النَّاسِ: مَعنى ((أعور)) أي: مَعِيبٌ، ولَيسَ من عَورِ العينِ! وهذا لا شَكَّ أنَّه تَحريفٌ وتَجاهُلٌ للَّفْظِ الصَّحيحِ الذي في البُخاريِّ وغَيرِه: ((أعورُ العينِ اليُمنى، كأنَّ عينَه عِنَبةٌ طافيةٌ)) وهذا واضِحٌ. ولا يُقالُ أيضًا: ((أعورُ)) باللُّغةِ العَربيَّةِ، إلَّا لعَورِ العَينِ، أمَّا إذا قيلَ: «عور» أو «عوار»، فرُبَّما يُرادُ به مُطلَقُ العَيبِ) [يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (1/ 312)].
2 – الدَّجَّالُ مَمسوحُ العَينِ اليُمنى ومَطموسةٌ تَمامًا وعليها لَحْمةٌ غَلِيظةٌ.
عَن أنسِ بن مالِكٍ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ العَيْنِ)) [أخرجه مسلم (2933) مُطَولًا].
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (مَعنى مَمسوحِ العينِ، أي: مَطموسٌ ضَوءُها وإدراكُها، فلا يُبصِرُ بها شَيئًا) [يُنظر: ((المفهم)) (7/ 274)].
وجاءَ في تَتمةِ (الْمَفاتيحِ في شَرحِ الْمَصابيحِ): (قَولُه: ((مَمسوحُ العين)) أي: لَه عَينٌ واحِدةٌ، ومَوضِعُ عَينٍ أخرى مَمسوحٌ مِثلُ جَبهَتِه، لَيسَ لَه أثَرُ العَينِ، وعلى تِلكَ العينِ ظَفرةٌ) [يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (5/ 413)].
وعَن عَبد اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأنَّها عِنَبَةٌ طافِيَةٌ)) [أخرجه مُطَولًا البخاري (5902)، ومسلم (169) واللَّفظُ له].
قال ابنُ بطالٍ: (((عِنَبةٌ طافيةٌ)) يُقالُ: طَفَا الشَّيءُ على الْماءِ يَطفو: إذا عَلا، فعينُ الدَّجَّالِ طافيةٌ على وجهِه قَد بَرَزَت كالعِنَبةِ) [يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (9/ 528)].
قال النَّوَويُّ: (أمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أعورُ العينِ اليُمنى كأنَّها عِنَبةٌ طافيَةٌ))، فرُوِيَ بالهَمزِ وبِغَيرِ هَمزٍ؛ فمَن هَمزَ مَعناه: ذَهَبُ ضَوءُها، ومَن لَم يَهمِزْ مَعناه: ناتِئةٌ بارِزةٌ) [يُنظر: ((شرح مسلم)) (2/ 235)].
وقاله الكرمانيُّ أيضا: ((الكواكب الدراري)) (21/ 115)].
وعَن حُذَيفةَ بنِ أُسيدٍ الغِفاريِّ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ العَيْنِ، عليها ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ)) [أخرجه مسلم (2934)].
قال البَيضاويُّ: (((الظَّفَرةُ)) بالتَّحريكِ: لَحمَةٌ تَنبُتُ عِندَ الْمَآقي من كثرةِ البُكاءِ أوِ الْماءِ. وقيلَ: جِلدةٌ تَخرُجُ في العينِ مِنَ الجانِبِ الذي يَلي الأنفَ. وهيَ يُحتَمَلُ أن تَكونَ في العين الْمَمسوحةِ، وأن تَكونَ في العينِ الأخرى، ولا تُواري الحَدَقةَ بأَسْرِها لتَعمِيَها) [يُنظر: ((تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة)) (3/ 359)].
قال علي القاري: (((ظَفَرةٌ)): بفَتحَتين، أي: لَحمةٌ غَليظةٌ، أو جِلدةٌ على العينِ الْمَمسوحةِ) [يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3455)].
وعَن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ الله عَنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه ذَكَرَ الدَّجَّالَ عِندَه، فقال: ((عَينُه خَضراءُ كالزُّجاجةِ، فتَعوَّذوا باللهِ مِن عَذابِ القَبرِ)) [أخرجه أحمد (21146) واللفظ له، والطيالسي (546)، وابن حبان (6795). صححه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3401)، وصحح إسناده البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/ 518)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21146)].
3 – ومَكتوبٌ بينَ عينَيه: (ك ف ر) أي: (كافِر) وهيَ كِتابةٌ لا يُمكِنُ أن يَراها أحَدٌ سِوى الْمُسْلِمِ أوِ الْمُؤمِنِ.
وقَد رَدَّ أهلُ العِلمِ على مَن أنكَرَ أنَّ هَذِه الكِتابةَ حَقيقيَّةٌ وظاهِرةٌ حِسِّيَّةٌ.
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (قَد تَأوَّلَ بَعضُ النَّاسِ قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَكتوبٌ بينَ عينَيه كافِرٌ. وقال: مَعنى ذلك ما ثَبت من سِماتِ حَدثِه، وشَواهِدِ عَجْزِه، وظُهورِ نَقصِه. قال: ولَو كان على ظاهِرِه وحَقيقَتِه لاستَوى في إدراكِ ذلك الْمُؤمِنُ والكافِرُ. وهذا عُدولٌ وتَحريفٌ عَن حَقيقةِ الحَديثِ من غَيرِ موجِبٍ لذلك، وما ذَكرَه من لُزومِ الْمُساواةِ بينَ الْمُؤمِنِ والكافِرِ في قِراءةِ ذلك لا يَلزَمُ؛ لوَجهين:
أحَدُهما: أنَّ الله تعالى يَمنَعُ الكافِرَ من إدراكِه، لا سيَّما وذلك الزَّمانُ قَدِ انحَرَفَت فيه عَوائِدُ، فليَكُنْ هذا مِنها. وقَد نُصَّ على هذا في بَعضِ طُرُقِه، فقال: يَقرَؤُه كُلُّ مُؤمِنٍ كاتِبٍ وغَيرِ كاتِبٍ، وقِراءةُ غَيرِ الكاتِبِ خارِقةٌ للعادةِ.
وثانيهما: أنَّ الْمُؤمِنَ إنَّما يُدرِكُه لتَثَبُّتِه ويَقَظَتِه، ولِسُوءِ ظَنِّه بالدَّجَّالِ، وتَخَوُّفِه من فتنَتِه، فهو في كُلِّ حالٍ يَستَعيدُ النَّظَرَ في أمرِه، ويَستَزيدُ بصيرةً في كَذِبِه، فيَنظُرُ في تَفاصيلِ أحوالِه، فيَقرَأُ سُطورَ كُفرِه وضَلالِه، ويَتَبَيَّنُ عَينَ مُحالِه، وأمَّا الكافِرُ فمَصروفٌ عَن ذلك كُلِّه بغَفلَتِه وجَهلِه، وكَما انصَرَفَ عَن إدراكِ نَقصِ عَورِه، وشَواهِدِ عَجزِه، كذلك يُصْرَفُ عَن فَهمِ قِراءةِ سُطورِ كُفرِه ورَمزِه) [يُنظر: ((المفهم)) (7/ 268)].
وقال ابنُ كثيرٍ عَنِ الدَّجَّالِ: (إنَّه ناقِصٌ، ظاهِرُ النَّقْصِ والفُجورِ والظُّلمِ، وإن كان مَعَه ما مَعَه مِنَ الخَوارِقِ، فبينَ عينَيه مَكتوبٌ: كافِرٌ كِتابةً ظاهِرةً، وقَد حَقَّقَ ذلك الشَّارِعُ في خَبرِه بقَولِه: “ك ف ر”؛ فدَلَّ ذلك على أنَّه كِتابةٌ حِسِّيَّةٌ لا مَعنَويَّةٌ، كما يَقولُه بَعضُ النَّاسِ) [يُنظر: ((البداية والنهاية)) (19/ 194)].
وقال ابنُ عُثَيمين عَنِ الدَّجَّالِ: (ومَعَ هذا فلَه عَلاماتٌ بَيِّنةٌ تَدُلُّ على أنَّه كَذَّابٌ.
مِنها: أنَّه مَكتوبٌ بينَ عينَيه كافِر «ك ف ر» … [يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (2/ 493)].
الفَرعُ الرَّابعُ: شَعْرُه
الدَّجَّالُ شَديدُ جُعودةِ الشَّعرِ.
عَن عَبد اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في وصفِ الدَّجَّالِ: ((جَعْدٌ قَطَطٌ)) [أخرجه البخاري (5902)، ومسلم (169)].
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (وشَعرُ الدَّجَّالِ مَعَ كثرَتِه جَعْدٌ قَطَطٌ، وهو الشَّديدُ الجُعودةِ … [يُنظر: ((المفهم)) (7/ 275)].
وشَعْرُه كَثيرٌ.
عَن حُذَيفةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في وصفِ الدَّجَّالِ: ((جُفَالُ الشَّعرِ)) [أخرجه مسلم (2934)].
قال ابنُ حَجَرٍ: (جُفالُ الشَّعرِ، وهو بضَمِّ الجيمِ وتَخفيفُ الفاءِ، أي كَثيرُه) [يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 101)].
وهو مَعَ كثرَتِه مُتَفَرِّقٌ ومُتَشَعِّبٌ وقائِمٌ.
عَن عَبدِ اللهِ بن عَباسٍ رَضِيَ الله عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كأنَّ شَعرَ رَأسِه أغصانُ شَجَرةٍ)) [أخرجه أحمد (3546)، والحارث (24)، وأبو يعلى (2720) مُطَولًا. صحَّح إسنادَه الطبري في ((التفسير)) (1/ 408)، وابن كثير في ((التفسير)) (5/ 26)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/ 182)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3546)].
قال ابنُ حَجَرٍ: (((كأنَّ رَأسَه أغصانُ شَجَرةٍ)) يُريدُ أنَّ شَعرَ رَأسِه كثيرٌ مُتَفَرِّقٌ قائِمٌ) [يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 101)].
وعَن رَجُلٍ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في وصفِ الدَّجَّالِ: ((إنَّ رأسَه من ورائِه -وفي رواية: من بَعْدِه- حُبُكٌ حُبُكٌ حُبُكٌ)) [أخرجه أحمد (23159، 23487) واللَّفظُ له، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (7152)، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (11/ 161). صحَّحه الوادعي في ((الصَّحيح المسند)) (1509)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (23159)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 346): رجاله رجال الصَّحيح، ووثَّق رجالَه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (8/ 121)، وقال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/ 159): له شاهد].
وقال ابنُ قَتيبةٍ: (رَأسُه حُبُكٌ. والحُبُكُ: الْمُتَكَسِّرُ مِنَ الجُعودةِ مِثلَ الْماءِ القائِمِ تَضرِبُه الرِّيحُ فيَكونُ لَه حُبُكٌ. والرَّملةُ تُصيبُها الرِّيحُ، وعلى هَذِه الرِّوايةِ يَجوزُ أن يَكونَ مُحَبَّكَ الشَّعرِ) [يُنظر: ((غريب الحديث)) (2/ 603)].
الفَرعُ الخامِسُ: رَقَبَتُه
الدَّجَّالُ عَريضُ النَّحرِ.
عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في وصفِ الدَّجَّالِ: ((إنَّه عَريضُ النَّحرِ)) [لفظ الحديث: (( … وأما مسيح الضلالة، فإنه أعور العين، أجلى الجبهة، عريض النحر … )) أخرجه أحمد (7905)، والطيالسي (2655). حسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7905)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (15/ 28)، وحسَّنه ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/ 159)].
الفَرعُ السَّادِسُ: ساقاه
ساقاه مُتَباعِدَتانِ.
عَن عُبادةَ بن الصَّامِتِ رَضِيَ الله عَنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصفَ الدَّجَّالَ بأنَّه ((أفحَجُ)) [لفظ الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا إن مسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليس بناتئة ولا جحراء .. )) أخرجه أبو داود (4320)، وأحمد (22764) صحَّحه ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (7/ 338)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4320)، وحسن إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((العواصم والقواصم)) (5/ 186)].
قيل في معنى الفَحَج: (تَباعُدُ ما بينَ السَّاقينِ في الإنسانِ والدَّابَّةِ) [يُنظر: ((العين)) (3/ 85)].
وقال ابنُ فارسٍ: (هو تباعُدُ ما بيْنَ أوْساطِ السَّاقَيْنِ في الِإنسانِ والدَّابَّةِ) [يُنظر: ((مقاييس اللغة)) (4/ 480)].
وقال ابنُ حَجَرٍ: (أفْحَجُ: بَفاءٍ ساكِنةٍ ثُمَّ مُهمَلةٍ مَفتوحةٍ ثُمَّ جيمٍ، مِنَ الفَحَجِ، وهو: تَباعُدُ ما بينَ السَّاقينِ أوِ الفَخِذَينِ، وقيلَ: تَداني صُدورِ القَدَمين مَعَ تَباعُدِ العَقِبَينِ، وقيلَ: هو الذي في رِجْلِه اعوِجاجٌ) [يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 97)].
ويَنتُجُ عَن ذلك تَباعُدُ رِجْلَيه إذا مَشى.
قال الخَطَّابيُّ: (الأفحَجُ: الذي إذا مَشى باعَدَ بينَ رِجلَيه) [يُنظر: ((معالم السنن)) (4/ 346)].
الفَرعُ السَّابعُ: قامَتُه
عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صَلى الله عليه وسَلَّمَ قال في وصفِ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ: ((فيه دَفَأٌ)) [لفظ الحديث: (( … وأما مسيح الضلالة، فإنه أعور العين، أجلى الجبهة، عريض النحر، فيه دفأ … )) أخرجه أحمد (7905) واللَّفظُ له، والطيالسي (2655). حسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7905)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (15/ 28)، وحسَّنه ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (1/ 159)].
قال أبو عُبَيدٍ الهَرَويُّ: (في حَديثِ الدَّجَّالِ ((فيه دَفَأٌ)) أيِ: انحِناءٌ، ورَجُلٌ أدفَأ، وامرَأةٌ دَفَّاءُ) [يُنظر: ((الغريبين في القرآن والحديث)) (2/ 641)].
وقال ابنُ الجَوزيِّ: (في صِفةِ الدَّجَّالِ: فيه دِفاءٌ، أي: انحِناءٌ) [يُنظر: ((غريب الحديث)) (1/ 341)].
وقال العَينيُّ: (فيه دفاءُ، أيِ: انحِناءٌ) [يُنظر: ((عمدة القاري)) (8/ 172)].
الفَرعُ الثَّامِنُ: بِنْيَتُه
الدَّجَّالُ ضَخمُ الجُثَّةِ.
عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في وصفِ الدَّجَّالِ: ((رَجُلٌ جَسِيمٌ)) [أخرجه مُطَولًا البخاري (7128) واللَّفظُ له، ومسلم (171)].
قال ابنُ التين: (الذي وقَعَ نَعْتُه بأنَّه جَسِيمٌ إنَّما هو الدَّجَّالُ) [يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 484)].
وفي حَديثِ تَميمِ بن أوسٍ الدَّاريِّ رَضِيَ الله عَنه أنَّه قال في وصفِ الدَّجَّالِ لَمَّا رآه: ((أَعْظَمُ إنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا)) [أخرجه مسلم (2942) مُطَولًا].
قال ابنُ الْملكِ الكرمانيُّ: (((فإذا فيه أعظَمُ إنسانٍ)) أي: في الجُثَّةِ. ((ما رَأيناها)) أيِ: الأعظَمَ. ((قَطُّ خَلقًا)) [يُنظر: ((شرح المصابيح)) (5/ 582)].
وقال الطِّيبيُّ: (قَولُه: ((إنَّ الْمَسيحَ الدَّجَّالَ)) استِئنافٌ وقَعَ تَأكيدًا لِما عَسى أن يَلتَبِسَ عليهم.
قَولُه: ((قَصيرٌ)) وَجهُ الجَمعِ بينَه وبينَ قَولِه في الحَديثِ السَّابِقِ: ((أعظَمُ إنسانٍ رَأيناه)) أنَّه لا يَبعُدُ أن يَكونَ قَصيرًا بَطِينًا عَظيمَ الخِلْقةِ، ويُحتَمَلُ أنَّ الله تعالى يُغَيِّرُه عِندَ الخُروجِ) [يُنظر: ((شرح المشكاة)) (11/ 3467)].
وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في وصفِه: ((رَأيتَه فَيْلَمانيًّا)) [أخرجه أحمد (3546)، وأبو يعلى (2720) مُطَولًا. صحَّح إسنادَه الطبري في ((التفسير)) (1/ 408)، وابن كثير في ((التفسير)) (5/ 26)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/ 182)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3546)].
قال الخَطابيُّ: (الفَيْلَمُ والفَيْلَمانيُّ: العَظيمُ الجُثَّةِ) [يُنظر: ((غريب الحديث)) (1/ 581)].
وقال ابنُ الأثيرِ: (في صِفةِ الدَّجَّالِ ((أقمَرُ فَيْلَمٌ))، وفي رِوايةِ: ((فَيْلمانِيًّا)) الفَيْلمُ: العَظيمُ الجُثِّةِ. والفَيْلمُ: الأمرُ العَظيمُ، والياءُ زائِدةٌ. والفَيْلمانيُّ: مَنسوبٌ إليه بزيادةِ الألفِ والنُّونِ للمُبالَغةِ) [يُنظر: ((النهاية)) (3/ 474)].
وقال ابنُ حَجَرٍ: (ضَخمٌ فَيْلَماني -بفَتحِ الفاءِ وسُكونِ التَّحتانيَّةِ وفَتحِ اللَّامِ وبَعدَ الألفِ نونٌ- أي: عَظيمُ الجُثَّةِ) [يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 100)].
الفَرعُ التَّاسِعُ: لَونُ بَشَرَتِه
شَديدُ البَياضِ، ومُشْرَبٌ بحُمرةٍ.
عَن عَبد اللهِ بن عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في وصفِ الدَّجَّالِ: ((أحمَرُ)) [أخرجه البخاري (3441)، ومسلم (171) مُطَولًا].
قال ابنُ حَجَرٍ: (الأحمَرُ عِندَ العَرَبِ الشَّديدُ البَياضِ مَعَ الحُمرةِ) [يُنظر: ((فتح الباري)) (6/ 486)].
وعَن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في وَصْفِه: ((أقمَرُ هِجَانًا)) [أخرجه أحمد (3546)، والحارث (24)، وأبو يعلى (2720) مُطَولًا. صحَّح إسنادَه الطبري في ((التفسير)) (1/ 408)، وابن كثير في ((التفسير)) (5/ 26)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/ 182)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3546)].
قال ابنُ الأثيرِ: (في صِفةِ الدَّجَّالِ ((هِجَانٌ أقمَرُ)) هو الشَّديدُ البَياضِ، والأُنثى قَمراءُ) [يُنظر: ((النهاية)) (4/ 107)].
وفي روايةٍ: ((هِجَانٌ أَزْهَرُ)) [أخرجها أحمد (2148)، وابن حبان (6796)، والطبراني (11/ 273) (11711) مُطَولًا. صحَّحه ابن حبان، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6796)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (4/ 18)، والألباني على شرط مسلم في ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (1193)].
قال الخطَّابيُّ: (الهِجَانُ: الأبيضُ) [يُنظر: ((غريب الحديث)) (1/ 581)].
وقال ابنُ حَجَرٍ: (هِجَانٌ -بكَسرِ أوَّلِه وتَخفيفِ الجيمِ- أي: أبيَضُ أزهَرُ) [يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 100)].
الفَرعُ العاشِرُ: عُمُرُه
الدَّجَّالُ رَجُلٌ شابٌّ.
عَنِ النَّواسِ بنِ سَمعانَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال عَنِ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ: ((إنَّه شابٌّ)) [أخرجه مسلم (2937) مُطَولًا].
قال علي القاري: (((شابٌّ)) فيه … إيماءٌ إلى أنَّه مَحرومٌ من بَياضِ الوَقارِ، وثابِتٌ على اشتِدادِ السَّوادِ في الظَّاهِرِ، الذي هو عُنوانُ الباطِنِ من سَوادِ الفُؤادِ) [يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3457)].
الفَرعُ الحادي عَشَرَ: جِنْسُه
هو رَجُلٌ مِنَ البَشَرِ، من بني آدَم، ولَيسَ مِنَ الجانِّ، واللهُ تعالى أعلَمُ.
قال الحَلِيميُّ: (أمَّا الدَّجَّالُ فإنَّه رَجُلٌ من بني آدَمَ كأعظَمِهم وأجسَرِهم) [يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 422)].
وقال ابنُ كثيرٍ في الدَّجَّالِ: (هو رَجُلٌ من بني آدَم، خَلقَه الله تعالى؛ ليَكونَ مِحنةً واختِبارًا للنَّاسِ في آخِرِ الزَّمانِ، فيُضِلُّ به كثيرًا، ويَهدي به كثيرًا، وما يُضِلُّ به إلَّا الفاسِقينَ) [يُنظر: ((البداية والنهاية)) (19/ 203)].
وقال الألبانيُّ: (الدَّجَّالُ الأكبَرُ مِنَ البَشَرِ لَه صِفاتُ البَشَرِ، لا سَيَّما وقَد شُبِّهَ به عَبدُ العُزَّى بنُ قَطَنٍ) [يُنظر: ((سلسلة الأحاديث الصَّحيحة)) (3/ 191)].
وكونه بشر قاله ابن باز [يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (4/ 279)].
وسُئِلُ ابنُ عُثَيمين: هَلِ الدَّجَّالُ من بني آدَم؟
فأجابَ: (نَعَم، هو من بني آدَم. ولِهذا يَقتُلُه عيسى قَتْلًا عاديًّا كما يُقتَلُ البَشَرُ) [يُنظر: ((الشرح الممتع)) (3/ 199)].
جاءَ في بَعضِ الأحايِثِ أنَّ لَه شياطينَ تُعِينُه، فعَن جابِر بن عَبدِ اللهِ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ويَبعَثُ اللهُ معه شياطينَ تُكَلِّمُ النَّاسَ، ومعه فِتْنةٌ عَظيمةٌ، يَأمُرُ السَّماءَ فتُمطِرُ فيما يَرى النَّاسُ، ويَقتُلُ نَفسًا ثُمَّ يُحييها فيما يَرى النَّاسُ، لا يُسَلَّطُ على غَيرِها من النَّاسِ، ويقولُ: أيُّها النَّاسُ: هل يَفعَلُ مِثلَ هذا إلَّا الرَّبُّ؟)) [أخرجه أحمد (14954) مُطَولًا. صحَّح إسنادَه على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (14954)، وذكر الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 346) أنه رُوِيَ بإسنادين رجال أحدهما رجال الصَّحيح. والحديث أخرج بعضه مسلم (2937) بنحوه من حديث النوَّاسِ رَضِيَ الله عنه بلفظ: (( … فيأمر السَّماءَ فتُمطِرُ، والأرضَ فتُنبِتُ … ثم يدعو رجلًا ممتَلِئًا شبابًا، فيضرِبُه بالسَّيفِ فيُقَطِّعُه جزلتين رمية الغَرَضِ، ثم يدعوه فيُقبِلُ ويتهَلَّلُ وَجْهُه، يضحَكُ!))].
الْمَطْلَبُ الخامِسُ: خُروجُ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ
عَن نافِعِ بن عُتْبةَ بنِ أبي وقَّاصٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((تَغْزونَ جَزيرةَ العَربِ فيفتَحُها اللهُ، ثُمَّ فارسَ فيفتَحُها اللهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فيفتَحُها اللهُ، ثُمَّ تَغْزونَ الدَّجَّالَ فيَفتَحُه اللهُ)). قال: فقال نافِعٌ: ((يا جابِرُ، لا نَرى الدَّجَّالَ يَخرُجُ، حَتَّى تُفتَحَ الرُّومُ)) [أخرجه مسلم (2900)].
وسبق ذكر روايات خروجه بعد الملحمة الكبرى ضد الروم
الْمَطْلَبُ السَّادِسُ: العَواصِمُ مِنَ الدَّجَّالِ
الفَرعُ الأوَّلُ: الأماكِنُ الْمَعصومةُ
مكَّةُ والمدينةُ.
عَن أنسِ بن مالِكٍ رَضِيَ الله عَنه قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَيسَ من بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُه الدَّجَّالُ إلَّا مَكةَ والمَدينةَ، ولَيسَ نَقْبٌ من أنقابِها إلَّا عليه الْمَلائِكةُ صافِّينَ تَحرُسُها، فيَنزِلُ بالسَّبخةِ فتَرجُفُ الْمَدينةُ ثَلاثَ رَجَفاتٍ يَخرُجُ إليه مِنها كُلُّ كافِرٍ ومُنافِقٍ)) أخرجه البخاري (1881)، ومسلم (2943) واللَّفظُ له. وفي رِوايةٍ أخرى: ((فيَأتي سَبخةَ الجرفِ فيَضرِبُ رُواقَه، وقال: فيَخرُجُ إليه كُلُّ مُنافِقٍ ومُنافِقةٍ)) أخرجها مسلم (2943).
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَاتي المَسِيحُ من قِبَلِ المَشْرِقِ، هِمَّتُهُ المَدينَةُ حتَّى يَنْزِلَ دبرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ المَلَائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ)) أخرجه مسلم (1380).
قال أبو العَبَّاس القُرطُبيُّ: (وهو وإن لَم يَدخُلِ الْمَدينةَ إلَّا أنَّه يَأتي سَبخَتَها من دبرِ أحُدٍ، فيَضرِبُ هناكَ رُواقَه، فترجُفُ الْمَدينةُ بأهلِها ثَلاثَ رَجَفاتٍ، فيَخرُجُ إليه مِنها كُلُّ كافِرٍ ومُنافِقٍ … ثُمَّ يَهِمُّ بدُخولِ الْمَدينةِ، فتَصرِفُ الْمَلائِكةُ وَجْهَه إلى الشَّامِ، وهُناكَ يَهلِكُ بقَتْلِ عيسى بنِ مَريَم إيَّاه ببابِ لُدٍّ على ما يَأتي، وسَيَأتي أيضًا أنَّ مَكَّةَ لا يَدخُلُها الدَّجَّالُ) يُنظر: ((المفهم)) (3/ 495).
وعَن أبي هُرَيرةَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((على أنقابِ الْمَدينةِ مَلائِكةٌ لا يَدخُلُها الطَّاعونُ ولا الدَّجَّالُ)) أخرجه البخاري (1880)، ومسلم (1379).
قال ابنُ حَجَرٍ: (قَولُه: على أنقابِ الْمَدينةِ جَمعُ نَقَبٍ، بفَتحِ النُّونِ والقافِ، بَعدَها مُوَحَّدةٌ، ووَقَعَ في حَديثِ أنسٍ وأبي سَعيدٍ اللَّذين بَعدَه: على نِقابِها [حديث أنس: أخرجه البخاري (1881)، ومسلم (2943) ولفظ البخاري: ((ليس له من نقابها نَقبٌ)). وحديث أبي سعيد الخدري: أخرجه البخاري (1882)، ومسلم (2938) قال ابنُ وهبٍ: الْمُرادُ بها الْمَداخِلُ، وقيلَ: الأبوابُ، وأصلُ النَّقبِ الطَّريقُ بينَ الجَبَلين، وقيلِ: الأنقابُ الطُّرُقُ الَّتي يَسلُكُها النَّاسُ، ومِنه قَولُه تعالى: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ) [يُنظر: ((فتح الباري)) (4/ 96)].
وقال ابنُ بطَّالٍ: (في هَذِه الأحاديثِ بُرهانٌ ظَهَرَ إلينا صِحَّتُه، وعَلِمْنا أنَّ ذلك من بركةِ دُعائِه عليه السَّلامُ للمَدينةِ، وقَد أرادَ عُمَرُ والصَّحابةُ أن يَرجِعوا إلى الْمَدينةِ حينَ وقَعَ الوَباءُ بالشَّامِ؛ ثِقةً مِنهم بقَولِ رَسولِ الله عليه السَّلامُ الذي أمَّنَهم من دُخولِ الطَّاعونِ بَلَدَهم، ولِذلك نوقِنُ أنَّ الدَّجَّالَ لا يَستَطيعُ دُخولَها البَتَّةَ، وهذا فضلٌ عَظيمٌ للمَدينةِ. وفي حَديثِ أنسٍ أنَّ الدَّجَّالَ لا يَدخُلُ مَكَّةَ أيضًا، وهذا فضلٌ كبيرٌ لمَكَّةَ والمَدينةِ على سائِرِ الأرضِ.
فإنْ قيلَ: إنَّ قَولَه عليه السَّلامُ: ((لا يَدخُلُ الْمَسيحُ)) يُعارِضُه قَولُه في حَديثِ أنسٍ: ((تَرجُفُ الْمَدينةُ بأهلِها ثَلاثَ رَجَفاتٍ)) والرَّجْفُ رُعبٌ، قال الْمَهلَّبُ: لَيسَ يُعارِضُ، وإنَّما الرَّجْفةُ تَكونُ من أهلِ الْمَدينةِ على مَن بها مِنَ الْمُنافِقينَ والكافِرينَ، فيُخرِجونَهم مِنَ الْمَدينةِ بإخافَتِهم إيَّاهم تَعاطيًا عليهم وعلى الدَّجَّالِ، فيَخرُجُ الْمُنافِقونَ إلى الدَّجَّالِ فرارًا من أهلِ الْمَدينةِ ومِن قُوَّتِهم عليهم، واللهُ أعلَمُ) [يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (4/ 550)].
وعَن أبي بَكَرةَ نُفَيعِ بنِ الحارِثِ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَدْخُلُ المَدِينَةَ رُعْبُ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، ولَها يَومَئذٍ سَبْعَةُ أبْوابٍ، علَى كُلِّ بابٍ مَلَكانِ)) [أخرجه البخاري (1879)].
ووَرَدَ في حَديثٍ آخَرَ إضافةُ الْمَسجِدِ الأقصى والطُّورِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يبلغُ سلطانُهُ كلَّ مَنهَلٍ لا يأتي أربعةَ مساجِدَ: الكعبةَ، ومسجدَ الرَّسولِ، والمسجِدَ الأقصى، والطُّورَ)) [أخرجه مُطَولًا أحمد (23090) واللَّفظُ له، والحارث في ((المسند)) (784)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (14/ 376) من حديث رجلٍ من الأنصار. صحَّحه الطحاوي، والوادعي في ((الصَّحيح المسند)) (1481)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (23090)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 346): رجاله رجال الصَّحيح، ووثَّق رجالَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (13/ 112)].
قال ابنُ الْمُلقِّنِ في الدَّجَّالِ: (هو لا يَدخُلُ أربَعةَ أماكِنَ: مَكةَ، والمَدينةَ، وبَيتَ الْمَقدِسِ، وجَبَلَ الطُّورِ، ومِثلُه في مُسْلِمٍ، وفي «مُسْنَدِ أحمَدَ» أنَّه لا يَأتي الأربَعةَ مَساجِدَ: الكَعبةَ، ومَسجِدَ الرَّسولِ، والمُسجِدَ الأقصى، والطُّورَ) [يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصَّحيح)) (32/ 414)].
الفَرعُ الثَّاني: آياتٌ عاصِمةٌ بإذنِ اللهِ تعالى
عَنِ النَّواسِ بن سَمعانَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال عَنِ الدَّجَّالِ: ((فمَن أَدْرَكَهُ مِنكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عليه فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ)) [أخرجه مسلم (2937) مُطَولًا].
قال الطِّيبيُّ: (قَولُه: ((فليَقرَا عليه فواتِحَ سورةِ الكَهفِ))؛ فإنَّ الله تعالى يُؤمِّنُه من فتنةِ الدَّجَّالِ، كما أمَّنَ أولَئِكَ الفِتيةَ من فِتنةِ الدقيانوسِ الجَبَّارِ) [يُنظر: ((شرح المشكاة)) (11/ 3453)].
وعَن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ من أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ)) [أخرجه مسلم (809) مُطَولًا].
الفَرعُ الثَّالِثُ: التَّعَوُّذُ من فتنةِ الدَّجَّالِ
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَعَوَّذُ من فتنةِ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ.
فعَن عائِشةَ رَضِيَ الله عَنها أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يدعو في الصَّلاةِ: ((اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ من عَذابِ القَبرِ، وأعوذُ بكَ مِن فِتْنةِ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ، وأعوذُ بكَ من ِفِتْنةِ الْمَحيا، وفِتْنةِ الْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إني أعوذُ بكَ من الْمَأثَمِ والمَغرَمِ))، فقال لَه قائِلٌ: ما أكثَرَ ما تَستَعيذُ من الْمَغرَمِ! فقال: ((إنَّ الرجُلَ إذا غَرِمَ حَدَّثَ فكَذَبَ، ووَعَدَ فأخلَفَ)) أخرجه البخاري (832) واللَّفظُ له، ومسلم (589).
قال عِياضٌ: (لِتَقتَدِيَ به أمَّتُه، ولِيُسِنَّ لَهم سُنَّتَه في الدُّعاءِ والضَّراعةِ، وهيَ حَقيقَةُ العُبوديَّةِ) يُنظر: ((إكمال المعلم)) (2/ 543).
وعَن أنسِ بن مالِكٍ رَضِيَ الله عَنه أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يدعو: ((أعوذُ بكَ من البُخلِ والكَسَلِ، وأرذَلِ العُمُرِ، وعَذابِ القَبرِ، وفِتْنةِ الدَّجَّالِ، وفِتْنةِ الْمَحْيا والمَماتِ)) أخرجه البخاري (4707) واللَّفظُ له، ومسلم (2706).
الفَرعُ الرَّابِعُ: التَّسَلُّحُ بالعِلمِ والصَّبرِ واليَقينِ
عَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَتَلْقاهُ المَسالِحُ، مَسالِحُ الدَّجَّالِ، فيَقولونَ له: أيْنَ تَعْمدُ؟ فيَقولُ: أعْمِدُ إلى هذا الذي خَرَجَ، قالَ: فيَقولونَ له: أوَما تُؤْمِنُ برَبِّنا؟ فيَقولُ: ما برَبِّنا خَفاءٌ، فيَقولونَ: اقْتُلُوهُ، فيَقولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أليسَ قدْ نَهاكُمْ رَبُّكُمْ أنْ تَقْتُلُوا أحَدًا دُونَهُ؟ قالَ: فَيَنْطَلِقُونَ به إلى الدَّجَّالِ، فإذا رَأَىهُ المُؤْمِنُ قالَ: يا أيُّها النَّاسُ هذا الدَّجَّالُ الذي ذَكَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَيَأْمُرُ الدَّجَّالُ به فيُشبَحُ، فيَقولُ: خُذُوهُ وشُجُّوه، فيُوسَعُ ظَهْرُه وبَطْنُهُ ضَرْبًا، قالَ: فيَقولُ: أوَما تُؤْمِنُ بي؟ قالَ: فيَقولُ: أنْت المَسِيحُ الكَذَّابُ، قالَ: فيُؤْمَرُ به فيُؤْشَرُ بالمِئْشارِ من مَفْرِقِهِ حتَّى يُفَرَّقَ بيْنَ رِجْلَيْهِ، قالَ: ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بيْنَ القِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يقولُ له: قُمْ، فَيَسْتَوِي قائِمًا! قالَ: ثُمَّ يقولُ له: أتُؤْمِنُ بي؟ فيَقولُ: ما ازْدَدْتُ فِيكَ إلَّا بَصِيرَةً، قالَ: ثُمَّ يقولُ: يا أيُّها النَّاسُ إنَّه لا يَفْعَلُ بَعْدِي بأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، قالَ: فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فيُجْعَلُ ما بيْنَ رَقَبَتِهِ إلى تَرْقُوَتِهِ نُحاسًا، فلا يَسْتَطِيعُ إلَيْهِ سَبِيلًا، قالَ: فَيَأْخُذُ بيَدَيْهِ ورِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ به، فَيَحْسِبُ النَّاسُ أنَّما قَذَفَهُ إلى النَّارِ، وإنَّما أُلْقِيَ في الجَنَّةِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هذا أعْظَمُ النَّاسِ شَهادَةً عِنْدَ رَبِّ العالَمِينَ)) أخرجه البخاري (1882)، ومسلم (2938) واللَّفظُ له.
فهذا الحَديثُ يُشيرُ إلى جانِبٍ مُهمٍّ في التَّعامُلِ مَعَ فتنةِ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ، وهو أوَّلًا العِلمُ فيُؤْمَرُ به فيُؤْشَرُ بالمِئْشارِ من مَفْرِقِهِ حتَّى يُفَرَّقَ بيْنَ رِجْلَيْهِ، قالَ: ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بيْنَ القِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يقولُ له: قُمْ، فَيَسْتَوِي قائِمًا، قالَ: ثُمَّ يقولُ له: أتُؤْمِنُ بي؟ فيَقولُ: ما ازْدَدْتُ فِيكَ إلَّا بَصِيرَةً، قالَ: ثُمَّ يقولُ: يا أيُّها النَّاسُ إنَّه لا يَفْعَلُ بَعْدِي بأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ [يُنظر: ((الموسوعة في الفتن والملاحم وأشراط الساعة)) لمحمد المبيِّض (ص: 753)].
الْمَطْلَبُ السَّابِعُ: إمكاناتُ الدَّجَّالِ الَّتي تُسَبِّبُ الفِتْنةَ
الفرع الأول: سرعة انتقاله في الأرض
ففي حديث النواس بن سمعان في (صحيح مسلم): أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن إسراع الدجال في الأرض فقال: «كالغيث استدبرته الريح» [وهو جزء من حديث رواه مسلم ((2937))]، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيجول في أقطار الأرض ولا يترك بلدا إلا دخله إلا مكة والمدينة ففي حديث أنس في (الصحيحين): «ليس من بلدٍ إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة» [رواه البخاري ((1881))، ومسلم ((2943))].
الفرع الثاني: جنته وناره
سبق في (صحيح مسلم) عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «معه (أي: الدجال) جنة ونار فناره جنة وجنته نار» [رواه مسلم ((2934))].
الفرع الثالث: استجابة الجماد والحيوان لأمره
سبق حديث النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « … ويمر بالخربة فيقول لها أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل» [رواه مسلم ((2937))].
الفرع الرابع: قتله ذلك الشاب ثم إحياؤه إياه
عن أبي سعيد الخدري قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: «يأتي وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس – أو من خير الناس – فيقول له أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الأمر فيقولون لا. قال فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن – قال – فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه» [رواه البخاري ((7132))، ومسلم ((2938))].
الفرع الخامس: عقيدة أهل السنة والجماعة في المسيح الدجال
قال النووي في (شرحه لمسلم): قال القاضي: هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى: خلافًا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة وخلافا للجبائي المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود ولكن الذي يدعي مخارف وخيالات لا حقائق لها وزعموا أنه لو كان حقا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وهذا غلط من جميعهم لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له وإنما يدعي الإلهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته
الْمَطْلَبُ الثَّامِنُ: قَتْلُ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ ونِهايةُ فتنَتِه
يَكونُ قَتلُه ونِهايَتُه على يَدِ الْمَسيحِ عيسى بن مَريَمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، كما سَيَأتي في مَبحَثِ نُزولِه.
قال ابنُ حَجَرٍ: (أمَّا مَتى يَهلِكَ ومَن يَقتُلُه، فإنَّه يَهلِكُ بَعدَ ظُهورِه على الأرضِ كُلِّها إلَّا مَكةَ والمَدينةَ، ثُمَّ يَقصِدُ بَيتَ الْمَقدِسِ فيَنزِلُ عيسى فيَقتُلُه [أخرجه مسلم (2897) مُطَولًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. [يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 92)].
الْمَطْلَبُ التَّاسِعُ: أقوالُ أهلِ العِلمِ فيما يَجِبُ اعتِقادُه في شَأنِ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ
1 – قال أحمَدُ بن حَنبَلٍ في سياقِ ذِكرِه لأصولِ السُّنةِ الَّتي يَجِبُ التَّمَسُّكُ بها: (والإيمانُ أنَّ الْمَسيحَ الدَّجَّالَ خارِجٌ، مَكتوبٌ بينَ عينَيه كافِرٌ، والأحاديثِ الَّتي جاءَت فيه، والإيمانُ بأنَّ ذلك كائِنٌ، وأنَّ عيسى بنَ مَريَم عليه السَّلامُ يَنزِلُ فيَقتُلُه ببابِ لُدٍّ) يُنظر: ((أصول السنة)) (ص: 33).
2 – قال حَربُ بن إسماعيلَ الكرمانيُّ: (الأعورُ الدَّجَّالُ خارِجٌ لا شَكَّ في ذلك ولا ارتيابَ، وهو أكذَبُ الكاذِبينَ) يُنظر: ((إجماع السلف في الاعتقاد)) (ص: 49).
3 – قال ابنُ بَطَّةَ العُكْبَريُّ: (ثُمَّ الإيمانُ بأنَّ عيسى بنَ مَريَمَ عليه السَّلامُ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ إلى الأرضِ، فيَكسِرُ الصَّليبَ، ويَقتُلُ الخِنزيرَ، وتَكونُ الدَّعوةُ واحِدةً. والدَّجَّالُ خارِجٌ في آخِرِ هَذِه الأمَّة لا مَحالةَ، إحدى عينَيه كأنَّها عِنَبةٌ طافيَةٌ، يَطَأُ الأرضَ كُلَّها إلَّا مَكةَ والمَدينةَ، ويَقتُلُه عيسى بنُ مَريَم عليه السَّلامُ ببابِ لُدٍّ الشَّرقيِّ بأرضِ فِلسطين، على قَدْرِ مَسيرةِ ميلٍ مِنَ الرَّملةِ) يُنظر: ((الشرح والإبانة)) (ص: 241 – 245).
4 – قال الآجُريُّ: (قَدِ استَعاذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الدَّجَّالِ، وعَلَّمَ أمَّتَه أن يَستَعيذوا باللهِ مِن فِتنةِ الدَّجَّالِ؛ فيَنبَغي للمُسلِمينَ أن يَستَعيذوا بالله العَظيمِ مِنه، وقَد حَذَّرَ أمَّتَه في غَيرِ حَديثٍ الدَّجَّالَ، ووَصفَه لَهم؛ فيَنبَغي للمُسلِمينَ أن يَحذَروه ويَستَعيذوا بالله من زَمانٍ يَخرُجُ فيه الدَّجَّالُ، فإنَّه زَمانٌ صَعبٌ، أعاذَنا اللهُ وإيَّاكم مِنه، وقَد رُويَ أنَّه قَد خُلِقَ، وهو في الدُّنيا مُوثَقٌ بالحَديدِ إلى الوَقتِ الذي يَأذَنُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بخُروجِه) [يُنظر: ((الشريعة)) (3/ 1307)].
6 – قال أبو عَمْرٍو الدَّاني: (إنَّ الإيمانَ واجِبٌ بما جاءَ عَن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وثَبَت بالنَّقلِ الصَّحيحِ، وتَداوَلَ حَمْلَه الْمُسلِمونَ من ذِكرِ وعيدِ الآخِرةِ، وذِكرِ الطَّوامِّ، وأشراطِ السَّاعةِ، وعَلاماتِها، واقتِرابِها؛ فمِن ذلك: خُروجُ الكَذَّابِ الأعوَرِ الدَّجَّالِ، وفِتْنَتُه، وأنَّ لَه جَنةً ونارًا، فجَنَّتُه نارٌ، ونارُه جَنَّةٌ، وأنَّ عيسى عليه السَّلامُ يَقتُلُه فيَهلِكُ ومَن مَعَه من أهلِ الكُفرِ والضَّلالِ) [يُنظر: ((الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات)) (ص: 243)].
7 – قال القُرطُبيُّ: (الإيمانُ بالدَّجَّالِ وخُروجِه حَقٌّ، وهذا مَذهَبُ أهلِ السُّنةِ وعامَّةِ أهلِ الفِقْهِ والحَديثِ) [يُنظر: ((التذكرة)) (2/ 377)].
8 – قال ابنُ تَيميَّةَ: (أعظُمُ الدَّجَاجِلةِ فِتنةً الدَّجَّالُ الكَبيرُ الذي يَقتُلُه عيسى بنُ مَريَمَ؛ فإنَّه ما خَلَقَ اللهُ من لَدُنْ آدَم إلى قيامِ السَّاعةِ أعظَمَ من فتنَتِه، وأمرَ الْمُسْلِمينَ أن يَستَعيذوا من فتنَتِه في صَلاتِهم. وقَد ثَبَت ((أنَّه يَقولُ للسَّماءِ: أمطِري فتُمطِرُ، ولِلأرضِ أنبِتي فتُنْبِتُ))، ((وأنَّه يَقتُلُ رَجُلًا مُؤمِنًا ثُمَّ يَقولُ لَه: قَم، فيَقومُ، فيَقولُ: أنَّا رَبُّكَ، فيَقولُ لَه: كذَبْتَ، بَل أنت الأعورُ الكَذابُ الذي أخبَرَنا عَنه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واللهِ ما ازدَدْتُ فيكَ إلَّا بصيرةً، فيَقتُلُه مَرَّتين، فيُريدُ أن يَقتُلَه في الثَّالِثةِ فلا يُسَلِّطُه اللهُ عليه)). وهو يَدَّعي الإلهيَّةَ، وقَد بيَّنَ لَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثَلاثَ عَلاماتٍ تُنافي ما يَدَّعيه: أحَدُها ((أنَّه أعورُ، وإنَّ رَبَّكم لَيسَ بأعوَرَ)). والثَّانيةُ ((أنَّه مَكتوبٌ بينَ عينَيه كافِرٌ يَقرَؤُه كُلُّ مُؤمِنٍ من قارِئٍ وغَيرِ قارِئٍ)) [أخرجه أحمد (13621) من والثَّالِثةُ قَولُه: ((واعلَموا أنَّ أحَدَكم لا يَرى رَبَّه حَتَّى يَموتَ)). فهذا هو الدَّجَّالُ الكَبيرُ) [يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (35/ 118)].
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. صحَّحه ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (20/ 45)، وصحَّح إسنادَه على شرط مسلم شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (13621). والحديث أخرجه مسلم (2934) بلفظ: ((مكتوبٌ بين عينيه كافِرٌ، يقرؤه كلُّ مؤمنٍ كاتبٍ وغيرِ كاتبٍ)) من حديث حذيفةَ بنِ أُسَيدٍ رضي الله عنه].
9 – قال ابنُ بازٍ: (الدَّجَّالُ جاءَت به أحاديثُ مُتَواتِرةٌ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في آخِرِ الزَّمانِ، وأنَّه يَكونُ من جِهةِ الْمَشرِقِ، من ناحيةٍ بينَ العِراقِ والشَّامِ، …. فيَقتُلُه عيسى عليه الصلاة والسلام ببابِ اللدِّ، بابٍ هناكَ في فِلسطين، قُربَ القُدْسِ، يَقتُلُه بحَربَتِه، كما جاءَ في الحَديثِ الصَّحيحِ، والمُسلِمونُ مَعَه يَقتُلونَ اليَهودَ قَتلةً عَظيمةً، جاءَ في الحَديثِ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الْمُسلِمين يُقاتِلونَ اليَهودَ، فيَقتُلونَهم، ويُسلَّطونَ عليهم، يُنادي الشَّجَرُ والحَجَرُ: يا مُسْلِمُ، يا عَبدَ اللهِ، هذا يَهوديٌّ تَعالَ فاقتُلْه، فيَقتُلُ عَيسى الدَّجَّالَ ويَنتَهي أمرُه، ويَبقى الْمُسلِمونُ مَعَ عيسى في أرغَدِ عيشٍ وأطيبِ نعمةً، ويُهلِكُ اللهُ الأديانَ كُلَّها في زَمانِ عيسى، ولا يَبقى إلَّا الإسلامُ، والحَمدُ للَّه، ثُمَّ يُميتُ اللهُ عيسى، كما تُوُفِّيَ مَن قَبلَه مِنَ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ) [((فتاوى نور على الدرب)) (4/ 289)].
10 – قال ابنُ عُثَيمين: (خُروجُ الدَّجَّالِ، وهو لُغةً: صيغةُ مُبالَغةٍ مِنَ الدَّجَلِ، وهو الكَذِبُ والتَّمويهُ، وشَرْعًا: رَجُلٌ مُموِّهٌ يَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ يَدَّعي جالرُّبوبيَّةَ. وخُروجُه ثابِتٌ بالسُّنةِ والإجماعِ) [يُنظر: ((شرح لمعة الاعتقاد)) (ص: 105)].
ثالثًا: فقه وفوائد الحديث:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(1) – (منها): بيان معجزة للنبيّ صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بما سيقع، وسيقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم .
(2) – (ومنها): بيان شدّة اهتمام النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذكر الدجّال، وبيان ما يظهر علي يديه مما يفتن به الناس.
(3) – (ومنها): بيان عناية اللَّه تعالى وعظيم فضله على هذه الأمة حيث يدفع عن سوء هذا اللعين، فيستطيع كل مسلم أن يدفع عنه فتنة الدجال بإبطال حججه، ودحض تمويهاته.
(4) – (ومنها): بيان بعض ما يظهر على يدي الدجّال من الشبهات، كأمره السماء أن تمطر، والأرض أن تنبت في يوم واحد، ويستغني أتباعه بذلك، حتى إن من كان منهم فقيرًا في أول النهار يصير من الأثرياء آخر النهار.
(5) – (ومنها): أن في قوله صلى الله عليه وسلم : «فاقدروا قدره» لعل فيه إشارة إلى تيسر التقدير على المسلمين في ذلك الوقت، بوجود آلات التقدير كالساعة الموجودة الآن، أو نحو ذلك، واللَّه على كل شيء قدير. ء
(6) – (ومنها): التنويه بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام رحمة من اللَّه لهذه الأمة حيث يقتل الدجال بباب لُدّ، فيريح المؤمنين، ويكتب الكافرين.
(7) – (ومنها): بيان خروج يأجوج ومأجوج، {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: (96)].
(8) – (ومنها): بيان لُطف اللَّه تعالى بالمؤمنين حيث يأمر عيسى صلى الله عليه وسلم بأن يحرزهم بالطور.
(9) – (ومنها): بيان آية اللَّه تعالى في إهلاك يأجوج ومأجوج بإرسال النغف في رقابهم فيموتون موتة واحدة.
(10) – (ومنها): بيان الريح الطيبة التي تأتي آخر الزمان، فتقبض روح كل مؤمن، ومؤمنة، وهذا من فضل اللَّه تعالى على المؤمنين حتى لا يدركهم هول قيام الساعة، وهم أحياء.
(11) – (ومنها): بيان أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس، وهم الكفّار؛ إهانة لهم، وانتقامًا منهم، واللَّه تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج].