43 – كتاب الْفَضَائِلِ
1 – بَابُ فَضْلِ نَسَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَسْلِيمِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ
1 – (2276) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ، جَمِيعًا عَنِ الْوَلِيدِ، قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ شَدَّادٍ، أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»
الفوائد
——————-
قال حمد الكعبي: قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي:
قوله (إن الله اصطفى) أي اختار يقال استطفاه واصطفاه إذا اختاره وأخذ صفوته والصفوة من كل شيء خالصة وخياره …. (واصطفى من بني كنانة قريشا) وهم أولاد نضر بن كنانة كانوا تفرقوا في البلاد فجمعهم قصي بن كلاب في مكة فسموا قريشا؛ لأنه قرشهم أي جمعهم ولكنانة ولد سوى النضر وهم لا يسمون قريشا لأنهم لم يقرشوا ويأتي بقية الكلام بما يتعلق بقريش في فضل الأنصار وقريش (واصطفاني من بني هاشم) في شرح السنة هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ولا يصح حفظ النسب فوق عدنان انتهى
قلت: وأورد البخاري – نسبه صلى الله عليه وسلم- في ترجمته باب: مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- من كتاب مناقب الأنصار في صحيحه.
وورد في حديث أبي سفيان لهرقل وسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هو فينا ذو نسب، قال هرقل: كذلك الرسل تبعث في نسب قومها) وهذا لحكمة أرادها الله عزوجل.
وورد في الحديث وسأل نبي الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس وفيه ( … يوسف بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني: فخيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) فالعربي ذا الصفات الحميدة إذا أسلم وتعلم العلم الشرعي قويت هذه الخصال
وهذا القدر من نسبه صلى الله عليه وسلم متفق عليه عند أهل السير والأنساب، حيث يذكر المؤرخون أن نسب النبي – صلى الله عليه وسلم- ينقسم إلى ثلاثة أجزاء:
الأول: جزء اتفق عليه كافة أهل السير والأنساب، وهو الجزء الذي يبدأ منه – صلى الله عليه وسلم- وينتهي إلى عدنان.
الثاني: جزء كثر فيه الاختلاف حتى جاوز حد الائتلاف، وهو الجزء الذي يبدأ بعد عدنان وينتهي إلى إبراهيم – عليه السلام-.
الثالث: ويبدأ بعد إبراهيم – عليه السلام- وينتهي إلى آدم – عليه السلام- وجُلّ الاعتماد فيه على أهل الكتاب.
والنبي – صلى الله عليه وسلم- على هذا من العرب المستعربة، وهم العرب المنحدرة من صلب إسماعيل – عليه السلام- وتسمى بالعرب العدنانية، وذلك أن المؤرخين يقسمون العرب إلى ثلاثة أقسام بحسب السلالات التي يتحدرون منها، وهم:
(1) العرب البائدة، وهم القدامى من الذين انقرضوا تماماً كعاد وثمود، وطسم وجديس وحضرموت، وغيرهم.
(2) العرب العاربة، وهم المنحدرون من صلب يشجب بن يعرب بن قحطان، ويسمون بالعرب القحطانية.
(3) العرب المستعربة كما تقدم، ومنهم النبي -صلى الله عليه وسلم-. والله الموفق.
قال الإمام ابن كثير في (البداية والنهاية): وأما العرب المستعربة فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذين نزلوا عند أمه هاجر بالحرم.
وقال أيضاً: والصحيح المشهور أن العرب العاربة قبل إسماعيل، وقد قدمنا أن العرب العاربة منهم: عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وجرهم والعماليق، وأمم آخرون لا يعلمهم إلا الله، كانوا قبل الخليل عليه الصلاة والسلام، وفي زمانه أيضاً.
فأما العرب المستعربة وهم عرب الحجاز، فمن ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
-حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان، وبغضه كفر ونفاق، ولا يكتمل إيمان عبد حتى يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من ماله وولده ونفسه التي بين جنبيه.
قال تعالى: “قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره” [التوبة: 24].
وفي البخاري (15)، ومسلم (44) من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”.
لذا فحري بالمؤمن أن يقرأ في سيرته -صلى الله عليه وسلم- وشمائله؛ حتى يقوى حبه له.
ويحب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أزواجه، وذريته، وبنو هاشم، وبنو عبد المطلب، ومواليهم.
وقد جعل الله تعالى لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فضائل متعددة، واتفق أهل السنَّة والجماعة على وجوب محبتهم، ورعاية حقهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
وكذلك ” آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لهم من الحقوق ما يجب رعايتها؛ فإن الله جعل لهم حقّاً في الخُمس، والفيء، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
روى البخاري (3508) ومسلم (1759) أنَّ أبا بكر رضي الله عنه قال لعليٍّ رضي الله عنه: ” والذي نفسي بيدِه لَقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ من قرابَتِي “.
وروى البخاريُّ في صحيحه أيضاً (3509) عن أبي بكر رضي الله عنه أيضاً قوله: ” ارقُبُوا محمَّداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته “.
قال ابن القيم: «فجمع بين الأزواج والذرية والأهل، وإنما نص عليهم بتعيينهم ليبين أنهم حقيقون بالدخول في الآل، وأنهم ليسوا بخارجين منه، بل هم أحق من دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاص على العام وعكسه؛ تنبيهًا على شرفه، وتخصيصًا له بالذكر من بين النوع؛ لأنه أحق أفراد النوع بالدخول فيه. (جلاء الأفهام).
قرره في كلامه على بعض صيغ الصلاة الإبراهيمية
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قوله ارقبوا محمدا في أهل بيته يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به والمراقبة للشيء المحافظة عليه يقول احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم.
وسيأتي إن شاء الله نقل ابن تيمية أن عمر بن الخطاب كان يقدم آل البيت في العطاء.
تنبيه: ورد عند أحمد 21839عن الأشعث بن قيس أنه أتى في وفد كندة فقال: يا رسول الله إنا نزعم أنكم منا، قال: (نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا، ولا ننتفي من أبينا) يعني: لا نرمي أمنا بالفجور. وصححه الألباني.
وفيه: مسلم بن هيضم، قال ابن حجر: مقبول، وإنما أخرج له مسلم في المتابعات، فإن صح فهو يشهد لحديث (ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح) وهو حديث حسنه الألباني كما في الإرواء.
-وكوننا نعرف حق آل البيت، لا يجعلنا ذلك نغلو فيهم: فليس ثمة شفاعة خاصة بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي عامة لكل من رضي الله تعالى شفاعته من الصالحين، والشهداء، والعلماء، سواء كانوا من آل البيت، أم من غيرهم من عموم الناس.
و للنبي صلى الله عليه وسلم من أمر الشفاعة النصيب الأوفر.
وبه يُعلم الرد على أهل الغلو من الرافضة الذين زعموا شفاعة خاصة بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بل ثبت في كتبهم أن آل البيت هم الذين يُدخلون الناس الجنَّة، والنَّار!
وهناك رسالة بعنوان ” فضلُ أهل البيت وعلوُّ مكانتِهم عند أهل السُّنَّة والجماعة ” من تأليف الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر،
– تفضيل العرب:
يقول ابن تيمية:
” الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم، وسريانيهم، رومهم، وفرسهم، وغيرهم.
وأن قريشا أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفسا، وأفضلهم نسبا.
وليس فضل العرب، ثم قريش، ثم بني هاشم، بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم – وإن كان هذا من الفضل – بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك ثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسا ونسبا، وإلا لزم الدور.
ولهذا ذكر أبو محمد حرب بن إسماعيل بن خلف الكرماني، صاحب الإمام أحمد، في وصفه للسنة التي قال فيها: هذا مذهب أئمة العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المعروفين بها المقتدى بهم فيها، وأدركت مَن أدركت مِن علماء أهل العراق والحجاز والشام وغيرهم عليها فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مبتدع خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق، وهو مذهب أحمد وإسحاق بن إبراهيم بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا وأخذنا عنهم العلم
فكان من قولهم:
أن الإيمان قول وعمل ونية، وساق كلاما طويلا إلى أن قال:
ونعرف للعرب حقها، وفضلها، وسابقتها، ونحبهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق) – رواه الحاكم في “المستدرك” (4/ 97) وقال الذهبي: الهيثم بن حماد متروك، وانظر “السلسلة الضعيفة” (1190) – ولا نقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب، ولا يقرون بفضلهم، فإن قولهم بدعة وخلاف.
ويروون هذا الكلام عن أحمد نفسه في رسالة أحمد بن سعيد الإصطخري عنه إن صحت، وهو قوله وقول عامة أهل العلم.
وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم، وهؤلاء يسمون الشعوبية، لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل، كما قيل القبائل للعرب، والشعوب للعجم.
ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب.
والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق: إما في الاعتقاد، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس، مع شبهات اقتضت ذلك.
ولهذا جاء في الحديث: (حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق).
مع أن الكلام في هذه المسائل لا يكاد يخلو عن هوى للنفس، ونصيب للشيطان من الطرفين، وهذا محرم في جميع المسائل.
فإن الله قد أمر المؤمنين بالاعتصام بحبل الله جميعا، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، وأمر بإصلاح ذات البين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله)
وهذان حديثان صحيحان، وفي الباب من نصوص الكتاب والسنة ما لا يحصى.
والدليل على فضل جنس العرب، ثم جنس قريش، ثم جنس بني هاشم: …
وذكر أحاديث بعضها ضعيف.
ثم قال: وعن واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).
وهذا يقتضي أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم، فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحق، ومعلوم أن ولد إسحق الذين هم بنو إسرائيل أفضل العجم، لما فيهم من النبوة والكتاب، فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بطريق الأولى، وهذا جيد …
واعلم أن الأحاديث في فضل قريش ثم في فضل بني هاشم فيها كثرة، وليس هذا موضعها، وهي تدل أيضا على ذلك، إذ نسبة قريش إلى العرب كنسبة العرب إلى الناس، وهكذا جاءت الشريعة.
فإن الله تعالى خص العرب ولسانهم بأحكام تميزوا بها، ثم خص قريشا على سائر العرب بما جعل فيهم من خلافة النبوة وغير ذلك من الخصائص، ثم خص بني هاشم بتحريم الصدقة واستحقاق قسط من الفيء إلى غير ذلك من الخصائص، فأعطى الله سبحانه كل درجة من الفضل بحسبها، والله عليم حكيم.
(الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) و (الله أعلم حيث يجعل رسالته) وقد قال الناس في قوله تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك) وفي قوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) أشياء ليس هذا موضعها.
وفي المسألة آثار غير ما ذكرته، في بعضها نظر، وبعضها موضوع.
وأيضا فان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع ديوان العطاء كتب الناس على قدر أنسابهم، فبدأ بأقربهم نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انقضت العرب ذكر العجم، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين وسائر الخلفاء من بني أمية وولد العباس إلى أن تغير الأمر بعد ذلك.
وسبب هذا الفضل – والله أعلم – ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم وأخلاقهم وأعمالهم، وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع، وإما بالعمل الصالح، والعلم له مبدأ، وهو قوة العقل الذي هو الحفظ والفهم، وتمام وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة، والعرب هم أفهم من غيرهم، وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة، ولسانهم أتم الألسنة بيانا، وتمييزا للمعاني جمعا وفرقا، يجمع المعاني الكثيرة في اللفظ القليل.
وأما العمل فإن مبناه على الأخلاق، وهي الغرائز المخلوقة في النفس، وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم، فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء وغير ذلك من الأخلاق المحمودة ” انتهى.
“اقتضاء الصراط المستقيم” (148 – 162)
وانظر: “منهاج السنة النبوية” (4/ 364)
والله أعلم.
وتفضيل العروبة هو تفضيل جنس وليس تفضيل أفراد.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” تفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم أن يكون كل فرد أفضل من كل فرد، فإن في غير العرب خلقا كثيرا خيرا من أكثر العرب، وفي غير قريش من المهاجرين والأنصار من هو خير من أكثر قريش، وفي غير بني هاشم من قريش وغير قريش من هو خير من أكثر بني هاشم ” انتهى.
“مجموع الفتاوى” (19/ 29 – 30)
وتكلم أيضا ً الشيخ الألباني على تفضيل العرب، ونبه على عدم جواز التفاخر، وأن النسب بدون عمل وتقوى لا ينفع (راجع الضعيفة 103)
وقد كتب كثير من العلماء كتبا خاصة في هذا الموضوع، كالإمام ابن قتيبة في كتابه ” فضل العرب “، والإمام العراقي في “محجة القرب في فضل العرب”، ونحوه للإمام الهيثمي، ومن المتأخرين العلامة مرعي الكرمي في رسالته: ” مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب “،
-قال المناوي في شرحه للحديث:
قال ابن حجر: وهذا ذكره لإفادة الكفاءة والقيام بشكر النعم ونهيه عن التفاخر بالآباء موضعه مفاخرة تفضي لتكبر أو احتقار مسلم.
(واصطفى من قريش بني هاشم) ومعنى الاصطفاء والخيرة في هذه القبائل ليس باعتبار الديانة بل باعتبار الخصال الحميدة (فيض القدير)
وبوب ابن حبان على حديث واثلة بن الأسقع، ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُصَرَّحِ بِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ إِنَّمَا زُجِرَ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ التَّفَاخُرِ.
-وطهر الله هذا النسب الشريف من سفاح الجاهلية. واعلم أن بني إسماعيل بالأخلاق الكرام فضلوا لا باللسان العربي فحسب إذ هم أزكى الناس أخلاقا وأطيبهم نفسا يدل عليه دعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال {واجعلنا مسلمين لك} ثم قال {ومن ذريتنا} فإنما سأل في ذرية إسماعيل خاصة. ألا ترى لتعقيبه بقوله {وابعث فيهم رسولا منهم}.
تنبيه: قال ابن تيمية: قضية الخبر أن إسماعيل وذريته صفوة ولد إبراهيم فيقتضي أنهم أفضل من ولد إسحاق ومعلوم أن ولد إسحاق وهم بنو إسرائيل أفضل العجم لما فيهم من النبوة والكتاب فمتى ثبت الفضل على هؤلاء فعلى غيرهم بالأولى وهذا جيد إلا أن يقال الحديث يقتضي أن إسماعيل عليه السلام هو المصطفى من ولد إبراهيم وأن بني كنانة هم المصطفون من بني إسماعيل وليس فيه ما يقتضي أن ولد إسماعيل أيضا مصطفون على غيرهم إذا كان أبوهم مصطفى وبعضهم مصطفى على بعض فيقال: لو لم يكن ذا مقصود لم يكن لذكر اصطفاء إسماعيل فائدة إذ كان اصطفاؤه لم يدل على اصطفاء ذريته إذ على هذا التقدير لا فرق بين ذكر إسماعيل وذكر إسحاق .. الخ.
تنبيه: قال العقيلي:
الهيثم بن جماز الحنفي حديثه غير محفوظ، ثم ذكر حديثه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب قريش إيمان وبغضهم كفر وحب العرب إيمان وبغضهم كفر ومن أحب العرب فقد أحبني ومن أبغض العرب فقد أبغضني
قال العقيلي مرة:
يزيد بن عوانة الكلبي: وذكر حديثه عن ابن عمر وفيه ( … فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم) والرواية في هذا من غير هذا الوجه لينة أيضا.
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/ 512): منكر.
و الحديث أورده ابن أبي حاتم في ” العلل ” (2/ 367 – 368) من بعض طرقه:
و قال عن أبيه: إنه حديث منكر، و أقره الذهبي في ترجمة ابن ذكوان من ” الميزان “.
وورد عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: (نفضلكم يا معشر العرب لتفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم، لا ننكح نساءكم، ولا نؤمكم في الصلاة) وورد مرفوعاً، ورجح البيهقي الموقوف، واختلف على أبي إسحاق في تسمية شيخه ورجح أبوحاتم رواية الثوري على شعبه، وضعفه الألباني بتدليس أبي إسحاق، لكن ذكر للفظ الصلاة أصل عن سلمان. (راجع الإرواء 1874).
قلت: من كان يمشي تدليس أبي إسحاق صحح الأثر، ومسألة النكاح سيأتي إن شاء الله الترجيح فيها
حتى نقل عن بعض الأئمة أنهم كانوا يحبون أن يأخذوا الحديث من العرب، ويحدثوا به العرب:
فعن محمد بن يوسف الفريابي قال كان سفيان الثوري لا يحدث النبط ولا سفل الناس وكان إذا رآه ساءه فقيل له في ذلك فقال: إنما العلم إنما أخذ عن العرب فاذا صار إلى النبط وسفل الناس قلبوا العلم
وقيل للزهري زعموا انك لا تحدث عن الموالي قال اني لأحدث عنهم ولكن اذا وجدت ابناء المهاجرين والانصار اتكاء عليهم فما اصنع بغيرهم.
وعن شعبة قال حدثوا عن اهل الشرف فإنهم لا يكذبون.
و قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وجعفر بن خالد بن سارة من أكابر مشايخ قريش وهو كما قال شعبة اكتبوا عن الأشراف فإنهم لا يكذبون.
وعن يونس قال سمعت نافعا يقول يا عجبا لزهريكم هذا يجيء فيسألني فأحدثه عن عبدالله ثم يأتي سالما فيقول سمعت من ابيك كذا وكذا فيقول نعم فيحدث عنه ويتركني
– مسألة: الخلافة في قريش:
وهو ثابت بالإجماع وثابت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد لا يتطرق إليها شك.
أما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: ” الأئمة من قريش.” رواه أحمد وصححه الأرناؤوط وأصله في الصحيحين بغير هذا اللفظ، وهو ما استدل به أبو بكر رضي الله عنه كما نقله ابن العربي في العواصم من القواصم، كما روى مسلم في صحيحه عن واثلة بن الأسقع
وأما الإجماع: فمستنده حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم.” متفق عليه.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عند هذا الحديث: هذا الحديث وأشباهه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة، فكذلك من بعدهم. انتهى.
ولا يتنافى تخصيص قريش بالخلافة مع قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات:13] لأن الآية تتصل ببيان تساوي الناس في أصل الخلقة مع تفاوتهم في القرب من الله تعالى بحسب أعمالهم. أما تخصيص قريش بالخلافة فهو اختيار من الله تعالى لهم، كما ورد في الأحاديث السابقة الذكر، وكما في قوله تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار) [القصص:68]
وأخرج أحمد من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش) فقيل للزهري ما عنى بذلك؟ قال: نبل الرأي.
وهو في الصحيح المسند 259
وأخرج البخاري 3434، ومسلم 2527 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: نساء قريش خير نساء ركبن الإبل أحناه على طفل وأرعاه على زوج في ذات يده. يقول أبو هريرة على إثر ذلك: ولم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط. وبوب عليه البخاري ثلاث تبويبات أحدها: باب إلى من ينكح وأي النساء خير وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاد، وباب آخر: باب (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه … ) وراجع شرح ابن حجر. وبوب عليه النووي: باب من فضائل نساء قريش
قال ابن تيمية: ولا يعارض هذا ما دلت عليه نصوص الوحي من تفضيل أهل التقوى، فإن أتقياء العرب وقريش وبني هاشم أفضل من أتقياء غيرهم إذا تساوى الجمع في درجة التقوى، وأما الكفار والفجار منهم، فإنهم لا يساوون شيئاً بالنسبة لأتقياء المسلمين، فإن الكفار هم شر الدواب عند الله كما تدل عليه الآية: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ {الأنفال:55}، فليس للعرب والآل فضل بمجرد النسب، وإنما الفضل بالتقوى، ولهذا فإن أبا بكر وعمر وعثمان أفضل من بني هاشم وسلمان الفارسي وبلال الحبشي أفضل من القرشيين الذين أسلموا عام فتح مكة باتفاق أهل السنة.
وقد روى ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال: يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها فالناس رجلان بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. رواه الترمذي وصححه الألباني.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق خطبة الوادع فقال: يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم. رواه البيهقي، وقال الألباني في صحيح الترغيب: صحيح لغيره
فإن الفخر بمجرد النسب لا يجوز، وقد ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا … أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ” [1]. فالفخر بالأحساب من أمور الجاهلية
“أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ”
“مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ”
فمع أن هذا الشرف لم ينفع بقية قبيلته كأعمامه الذين حرموا من متابعته ومنهم: عمه أبو لهب –
تنبيه: ورد من طريق مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ عَنْ أَبِى عَمَّارٍ عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِى كِنَانَةَ
والحَدِيثُ صَحِيحٌ دُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ في أَوَّلِهِ: (إِنَّ اللهَ اِصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ … )
فَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَا مُحَمَّدٌ بْنُ مُصْعَبٍ بْنِ صَدَقَةٍ القَرْقَسَانِيِّ؛ وَ هُوَ ضَعِيفٌ.
وتابعه يحيى بن ابي كثير لكنها من طريق سليمان بن ابي سليمان منكر الحديث انظر تحقيق المسند 28/ 193.
وكأن الشيخ الألباني حكم عليها بالشذوذ أيضاً
لكن قال ابن كثير:
قوله: {وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق؛ لأنه إنما صف بالنبوة فقط، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة.
ثم ذكر الحديث بالزيادة وعزاها لمسلم.
-مقالة اليهود: إنهم شعب الله المختار:
هذه المقالة ثبتت في النصوص لكثرة الأنبياء فيهم
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ) [المائدة:20]، وقال تعالى: (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [الدخان:32].
ولكنهم كفروا هذه النعمة وتنكروا لما جاءت به الأنبياء فاستحقوا غضب الله عز وجل ولعنته، وضربت عليهم الذلة والمسكنة إلا بحبل من الله وحبل من الناس، ومنهم من مسخهم الله قردة وخنازير …. إلى غير ذلك.
والحاصل أنهم كانوا مفضلين على غيرهم في زمن أنبيائهم لاتباعهم للأنبياء في بعض الأحيان، وإن كان الغالب فيهم تكذيب الأنبياء بل وقتلهم، قال تعالى: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) [البقرة:87]، ولما ختمت النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعل الله عز وجل خير الناس أتباع هذا النبي فقال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس) [البقرة:143] أقول: لما كان الأمر كذلك لم يكن حال اليهود في زمنه بأحسن من حالهم مع من تقدمه من الرسل، بل كذبوه وهموا بقتله وألبوا عليه وآذوه.
-ذكر المعلمي في التنكيل في معرض دفاعه عن الشافعي وأنه مطلبي:
((باب قصة خزاعة)) وفي (الإصابة) ترجمة أكثم بن الجون ما يعلم منه أن عمر بن لحي أول من بدل دين إبراهيم أي والله أعلم في مكة ونواحيها، وعمرو هذا من اليمن على الراجح وليس من ذرية إسماعيل على الراجح، وكان في عصر كنانة، وفي (صحيح مسلم) وغيره من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا” من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ((فهذا يدل أن عمرو بن لحي استغوى بعض بني إسماعيل وثبت كنانة، ثم سرى التبديل إلى بعض ذرية كنانة، وثبت قريش فانفرد بالاحتراز عن التبديل أو عن الإغراق فيه، ثم سرى الفساد في ذرية قريش وانفرد هاشم بنحو ما انفرد به قريش، فكان بنو هاشم أقرب الناس إلى الحق حتى اصطفى الله تعالى رسوله منهم، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: ((بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد))، افترق بنو عبد مناف فانضم بنو نوفل إلى عبد شمس وانضم بنو المطلب إلى بني هاشم فكانوا معه ودخلوا معهم شعب أبي طالب لما فاطعن قريش بني هاشم بسبب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بقوا مع بني هاشم في الإسلام، وبقوا معهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولما افترق بنو هاشم، انضم بنو إلى ألصق الفريقين بالنبي صلى الله عليه وسلم وهم بنوا ابنته. انتهى
تنبيه: قوله (وثبت قريش فانفرد بالاحتراز عن التبديل أو عن الإغراق فيه): كأنه يقصد أنه مات على التوحيد أو أنه مشرك لكن لم يغرق في الشرك.
وهذا التقرير لعله أخذه من كتب أهل الكتاب؛ لأنه قبل هذه الفقرة نقل عنهم مثل ذلك ولم أر هذا التقرير لغيره، وإنما كما سبق النقل أن المقصود بالاصطفاء قوة الصفات الحميدة.
إشكال:
فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَأَجِدُ مُوسَى بَاطِشًا بِسَاقِ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي هَلْ أَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ؟» خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَكَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ».
فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ قَالَ يَهُودِيٌّ: لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، فَلَطَمَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ: أَتَقُولُ هَذَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا؟ فَجَاءَ الْيَهُودِيُّ فَاشْتَكَى مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَطَمَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا، لِأَنَّ التَّفْضِيلَ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَمِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَهَوَى النَّفْسِ كَانَ مَذْمُومًا، فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْفَخْرَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}. وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} فَعُلِمَ أَنَّ الْمَذْمُومَ إِنَّمَا هُوَ التَّفْضِيلُ عَلَى وَجْهِ الْفَخْرِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الِانْتِقَاصِ بِالْمَفْضُولِ
– مسألة الكفاءة في النكاح:
قد اتفق العلماء على اعتبار الدين في ذلك قال الإمام ابن رشد في بداية المجتهد: (فأما الكفاءة فإنهم اتفقوا على أن الدين معتبر في ذلك إلا ما رُوي عن محمد بن الحسن من إسقاط اعتبار الدين).
وقد فسر العلماء الكفاءة في الدين بقولهم: لا يكون الفاجر والفاسق كفؤاً لعفيفة،
فلا بد أن يكون الزوج مرضي الدين والخلق، وأما النسب فقد اختلف العلماء هل هو معتبر في الكفاءة أم لا؟.
فمن العلماء من لم يعتبر الكفاءة في النسب، وجعل المسلمين متكافئين لا فرق بين عربيهم وعجميهم لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات:13]، ولقوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) [الحجرات:10] ولقوله صلى الله عليه وسلم ” لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب” رواه أحمد، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية من زيد بن حارثة مولاه، وزوج فاطمة بنت قيس القرشية من أسامة وهو وأبوه عتيقان، وتزوج بلال الحبشي من أخت عبد الرحمن بن عوف الزهرية القرشية مع أنه حبشي أسود، وغير ذلك كثير ..
وهذا هو الذي تعضده الأدلة أن الكفاءة المعتبرة في الزواج هي الدين، فالرجل المسلم المرضي دينه وخلقه يتزوج بأي امرأة مسلمة بغض النظر عن نسبها
وهو مذهب مالك.
(وراجع كتاب الهاشميات)
2 – (2277) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، حَدَّثَنِي سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ»
الفوائد
——————-
-أخرجه الترمذي (3630) عن علي رضي الله عنه بلفظ “ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة , فخرجنا في بعض نواحيها , فما استقبله جبل و لا شجر إلا و هو يقول: السلام عليك يا رسول الله “. ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة 2670: وذكر الدارقطني الخلاف على السدي ولم يرجح، وإحدى الطرق حسنه وهي ما أخرجه الطبراني في “ الأوسط “ من طريق زياد بن خيثمة عن السدي عن أبي عمارة الخيواني عن علي به. والخيواني هو عبد خير بن زيد الهمداني , ثقة معروف بالرواية عن علي رضي الله عنه.
-في رواية “ ليالي بعثت “. و هو في “ الضعيفة “ برقم (6574).
-قال جل ذكره: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]. وقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ الله السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم: 8].
وقال سبحانه {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الألباب * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191].
وقال تعالى: {الله الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 3].
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 11].
وهذا بحث اختصرته من بحث لأحد الأخوة بعنوان عجائب المخلوقات:
أقسام عجائب المخلوقات
اعلم أن عجائب المخلوقات تنقسم إلى قسمين:
الأول: عجائب دنيوية.
والثاني: عجائب أخروية.
والعجائب الدنيوية تنقسم إلى قسمين:
1 عجائب علوية: وهي التي تتعلق بالعالم العلوي من سموات وكواكب ونجوم وسحب وملائكة ونحو ذلك
2 عجائب سفلية: وهي قسمان:
الأول: عجائب تتعلق بالمخلوقات الحية من إنسان وحيوان وأشجار وبحار وما يدور فيها.
الثاني: عجائب تتعلق بالجمادات كالأحجار والأرض وما يدور نحو ذلك.
من فوائد معرفة عجائب المخلوقات
1 – زيادة الإيمان بالله.
2 – معرفة عظمة الله تعالى.
العجائب العلوية:
-بعض العجائب في عالم الملائكة:
(حديث الأطيط) وما ورد في وصف جبريل عليه السلام وأن له ستمئة جناح قد غطى الأفق، والبيت المعمور يدخله كل يوم سبعمئة ملك.
تنبيه: ما ورد أن هناك ملك كهيئة الديك لا يصح.
-من عجيب خلق الله سدرة المنتهى والبراق.
-من عجيب أمر السحب، وأن هناك ملك يزجره
والشمس ومسيرها حيث تذهب تسجد تحت العرش وتستأذن بالشروق ويوشك أن لا يؤذن لها يقال: اطلعي من حيث أتيت فتصبح طالعة للناس من المغرب.
-وقوف الشمس وثبت أن نبياً قال لها إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا شيئاً، أخرجه مسلم 1774
تنبيه: ما ورد أن هذا النبي الذي حبست له الشمس هو يوشع بن نون لا يصح أعله أحمد كما في علل الخلال، وكذلك لم يصح أنها حبست لعلي بن أبي طالب.
من العجائب السفلية:
-خلق طول آدم عليه السلام
تنبيه: قصة النفر من اليهود الذين دعوا الله أن يريهم ميت يقوم ليخبرهم عن الموت فدعوا الله فأحيا الله عزوجل لهم رجل؛ لا تصح. مدرجة (راجع أهوال القبور لابن رجب 67)
-عجائب من خلق الحيوان:
-بقرة تتكلم وذئب يتكلم أخرجه البخاري 3471،
-مسخ من خلق إلى خلق:
فمنه قصة القرية التي مسخت قردة، والصواب وقفه وله حكم الرفع. وكان تقدم للنبي صلى الله عليه وسلم الضباب فيقول: إن أمه من بني إسرائيل مسخت دواب، وكان يظن أنها هي. وكذلك الفأرة مسخ (البخاري 3305، ومسلم 2997)
تنبيه: سيأتي إن شاء الله مناقشة مسألة: هل المسخ يتناسل؟ وهل يعيش أكثر من ثلاثة أيام؟
-جمل يبكي ويشتكي وسيأتي إن شاء الله في الباب التالي.
-بُدْن يُقدِّمْنَ أنفسَهن للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأيها يبدأ كهدي.
تنبيه: حديث الجمل الذي سجد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. لا يصح.
-شاة يدر ضرعها في وقت لا در فيه، ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: حديث (الجراد من جند الله الأعظم) لا يصح
– عجيب أمر القردة وإقامتها حد الرجم.
-قصة ذاك القرد الذي غش سيده اللبن فأخذ النقود فكان يلقي منها دينار في البحر ودينار في السفينة.
-من عجيب أمر الأنهار وأن أربعة منها من أنهار الجنة أخرجه البخاري 3207، ومسلم 2839
عجيب خلق الجمادات:
-منه قوله تعالى (فما بكت عليهم السماء والأرض … )
-شجرة آذنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالجن.
-وشجرة استأذنت أن تسلم على النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري 3859،ومسلم 450
-شجرة انساقت للنبي صلى الله عليه وسلم (وصححه مقبل في الدلائل)
تنبيه: حديث الرحى الذي يطحن بغير طاحن، لا تصح.
-روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال ” لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل ”
– حنين الجذع الذى كان يخطب إليه النبي صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري.
حتى قال الحسن البصري: عجبا لكم جذع يحن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم لا تحنون.
– اهتز العرش لموت سعد بن معاذ (البخاري 3592،ومسلم 2466)
-الذراع المسمومة أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بأن اليهود وضعوا فيها سم.
-قول الحجر والشجر للمسلم: هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله (مسلم 2922)
-روى ابن ماجه في سننه ومالك في موطئه قول النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر ولا شاء إلا شهد له يوم القيامة “.
-منه حديث (أحد جبل يحبنا ونحبه) البخاري 2732، ومسلم 1365، واختار النووي أنه حب حقيقي، وكذلك ابن حجر ذكر أن الحب من الجانبين على حقيقته. انتهى باختصار
ثم النبي صلى الله عليه وسلم خاطبه خطاب من يعقل فقال: أثبت أحد فإنما عليك نبي أو صدِّيق أو شهيد.
-ذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى: {وإن من شاء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} الصحيح أن الكل يسبح، للأخبار الدالة على ذلك، ولو كان التسبيح تسبيح دلالة فأي تخصيص لداود؟ وإنما ذلك تسبيح المقال، بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح، وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شاء، فالقول به أولى.
قال الشنقيطي في أضوائه:
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ تَسْبِيحَ الْجِبَالِ وَالطَّيْرِ مَعَ دَاوُدَ الْمَذْكُورَ تَسْبِيحٌ حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يَجْعَلُ لَهَا إِدْرَاكَاتٍ تُسَبِّحُ بِهَا، يَعْلَمُهَا هُوَ جَلَّ وَعَلَا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهَا. كَمَا قَالَ: {وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا}.
ثم ذكر حنين الجذع وغيره وقال:
وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَالتَّسْبِيحُ فِي اللُّغَةِ: الْإِبْعَادُ عَنِ السُّوءِ، وَفِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ: تَنْزِيهُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ.
مسألة إثبات الكلام لله عزوجل:
-فيه إثبات الكلام لله عزوجل ويتكلم لا كتكلمنا، بل كلامه سبحانه وتعالى يليق به، فلا تلازم بين الإثبات والتشبيه.
وقولهم: إننا لا نتصور كلاماً إلا أن يكون بهذه الطريقة المعروفة في المخلوقين من أنه يكون بحنجرة ولهاة ومخارج حروف وشفتين ولسان غير سديد؛ إذ ليس بلازم أن يكون الكلام بهذه الطريقة التي نعرفها ونعقلها، فقد وجد الكلام في الدنيا -وسيوجد في الآخرة- بدون هذه الطريقة التي نعقلها، فقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل البعثة)، فكان إذا مر به قال: السلام عليك يا محمد.
فقد تكلم الحجر وليس له لسان ولا شفتان ولا حنجرة ولا مخارج حروف. (قرره عبدالمحسن العباد)
وقال عبدالرزاق العباد:
وقول القائل “: أي من المعتزلة ومن تأثر بهم من الكلابية والأشاعرة والماتريدية.
” بأنَّ الحرف والصوت لا يكون إلا من مخارج ” شبهتهم في إنكار الحرف والصوت في كلام الله لما قام في أنفسهم من التشبيه، حيث قاسوا الخالق على المخلوق، ثم نزهوا الخالق عن هذا التشبيه فعطلوا صفته سبحانه.
وقد أَوْدتْ هذه القاعدة بالمعتزلة إلى جحد كلام الله بالكلية، وأفضت بالكلابية إلى نفي الحرف والصوت. وامتن الله على أهل السنة فأثبتوا الكلام لله عز وجل بحرف وصوت كما دلت عليه النصوص، بدون تشبيه لكلام الباري بكلام خلقه سبحانه.
ثم شرع عبدالغني المقدسي ـ رحمه الله ـ بذكر هذه الأدلة فقال:
” قال الله عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلاتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}. وكذلك قال عز وجل ـ إخباراً عن السماء والأرض أنهما ـ: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}. فحصل القول من غير مخارج ولا أدوات. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كلمه الذراع المسمومة. وصح أنَّه سلم عليه الحجر. وسلمت عليه الشجرة ” (ذكرة المؤتسي في عقيدة عبدالغني المقدسي) نقله صاحبنا أبوصالح وحسين.
وقال آخر:
أحدها: أنه يلزمهم في سائر الصفات التي سلموها، كالسمع والعلم والحياة، ولا يكون في حقنا إلا في جسم، ولا يكون البصر إلا من حدقة, ولا السمع إلا من انخراق، والله تعالى بخلاف ذلك.
قال السجزي في رسالته لأهل زبيد:
وأما الصوت: فقد زعموا أنه لا يخرج إلا من هواء بين جرمين وذلك لا يجوز وجوده من ذات الله تعالى.
والذي قالوه باطل من وجوه: ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر سلام الحجر عليه، وعلم تسليم الحصا في يده.
قال عبدالرزاق في كتاب ابن سعدي وجهوده:
فهذ الحديث ظاهر في أن التكليم حصل حقيقة من الذئب للراعي، وأنه كذلك يحصل حقيقة من السوط والنعل والعصا قبل قيام الساعة، إلا أن الشيخ ابن سعدي تأول هذا الحديث بما قد حصل في هذه الأزمان من الاتصالات التليفونية والهوائية والإذاعات وغيرها.
ولا ريب أن تأويل ابن سعدي هذا ظاهر البطلان، ويتنافى مع ما سبق أن قرره من وجوب فهم النصوص على ظاهرها من غير تكليف لتأويلها.
ويكفي في بيان بطلان هذا التأويل صدر الحديث حيث أن الراعي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذئب كلمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده”.
ثم ذكر بعض الأمثلة التي سبقت وقال:
ومثله أيضاً ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن المسلمين يقاتلون اليهود في آخر الزمان فيقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله. أخرجه البخاري ومسلم.
وهذا أيضاً حق على حقيقته وسيتكلم الحجر والشجر وسيقع طبقاً لما أخبر به الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.
– حماية النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد:
في مقابلة المسجد الحرام. والبيت والمقام جهة الشرق زقاق يقال له زقاق الحجر فيه حجر موضوع عرض الحائط يتمسحون به ويدعونه زاعمين أنه الذي سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذب وبهتان ليس هو، فإنه صلى الله عليه وسلم قال وهو في المدينة أني لأعلم حجراً بمكة يسلم عليّ ولم يعينه خشية الافتتان به، ولا يشرع التمسح إلاَّ بالحجر الأسود يقبل، ومع ذلك قال عمر رضي الله عنه إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك.
فالحديث فيه تمييز الجمادات.
وأن هذا من دلائل النبوة
ومحبة الجمادات للنبي صلى الله عليه وسلم
وفضيلة السلام على النبي صلى الله عليه وسلم
وذكر صاحبنا أبو معاذ يوسف البلوشي أن فيه:
– أهمية التوحيد وأثره، فهذا الحجر باستسلامه لله وتسليمه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتفع ذكره وعلا على صناديد الكفر.
– إثبات معجزة تكليم الجماد للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يسلم علي).
– شرف البلدة التي فيها هذا الحجر وهي مكة المكرمة زادها الله شرفاً وتكريماً.
– السلام ثابت في الأديان السابقة (قبل أن أبعث).
– إثبات العلم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إني لأعرفه الآن).
– عدم تعظيم الآثار، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يزر هذا الحجر مع معرفته له.
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
وقال أبوعبدالله البريكي:
-اثبات ان الجماد يؤمن و يسبح كما ثبت في القران و هذا الحديث يثبت ذلك ايضا.
– وأن النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بأشياء قبل البعثة (بمعناه)