249 و 250 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
29 – باب قضاء حوائج المسلمين
مر معنا باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم، وأفرد هذا الباب لأهميته وبيان فضله.
قال ابن عثيمين:” قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ: باب قضاء حوائج المسلمين.
الحوائج: ما يحتاجه الإنسان ليكمل به أموره، وأما الضروريات؛ فهي ما يضطر إليه الإنسان ليدفع به ضرره، ودفع الضرورات واجب؛ فإنه يجب على الإنسان إذا رأى أخاه في ضرورة أن يدفع ضرورته؛ فإذا رآه في ضرورة إلى الطعام أو إلى الشراب أو إلى التدفئة، أو إلى التبردة؛ وجب عليه أن يقضي حاجته، ووجب عليه أن يزيل ضرورته ويرفعها.
حتى إن أهل العلم يقولون: لو اضطر الإنسان إلى طعام في يد شخص أو إلى شرابه، والشخص الذي بيده الطعام أو الشراب لم يضطر إليه ومنعه بعد طلبه، ومات، فإنه يضمنه؛ لأنه فرط في إنقاذ أخيه من هلكة.
أما إذا كان الأمر حاجيّاً وليس ضرورياً، فإن الأفضل أن تعين أخاك على حاجته، وأن تيسرها له ما لم تكن الحاجة في مضرته، فإن كانت الحاجة في مضرته فلا تعنه؛ لأن الله يقول؛ (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
وعلى هذا فقول المؤلف في باب قضاء حوائج المسلمين يريد بذلك الحوائج المباحة، فإنه ينبغي لك أن تعين أخاك عليها، فإن الله في عونك ما كنت في عون أخيك.” (شرح رياض الصالحين 3/ 23)
قَالَ الله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77].
قال البغوي:” (وافعلوا الخير) قال ابن عباس: صلة الرحم ومكارم الأخلاق، قال ابن جزي:” قيل: المراد صلة الرحم، وقال ابن عطية: هي في الندب فيما عدا الواجبات، واللفظ أعم من ذلك كله” (تفسير ابن جزي)
قال ابن باز:”فكونه يفعل الخير يعم أنواع الخير ومن جملة ذلك أن تساعد أخاك في مصالحه وحاجاته المباحة، وحاجاته الشرعية هذا من فعل الخير” (شرح رياض الصالحين)
وقال أيضا:” فحاجة أخيك لها شأن عظيم وهي تختلف وتتنوع وكلما كان أشد حاجة صارت مساعدته أشد تأكيدا، وإذا كانت في الدين صارت آكد وآكد؛ كمساعدته على الزواج ومساعدته على حفظ فرجه، وغض بصره وترك الحرام والاكتفاء بالحلال إلى غير هذا من أنواع المساعدة التي بها حماية من المحرمات وإعانته على الطيبات” (شرح رياض الصالحين 1/ 494)
قال السعدي:” {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي: تفوزون بالمطلوب المرغوب، وتنجون من المكروه المرهوب، فلا طريق للفلاح سوى الإخلاص في عبادة الخالق، والسعي في نفع عبيده، فمن وفق لذلك، فله القدح المعلى، من السعادة والنجاح والفلاح.” (تفسير السعدي) قولهم: القِدْح المعلّى – بكسر القاف بحكم الاستعمال والمجاز كناية عن الحظ الأوفر؛ إذ يقال: لفلان القِدْح المعلّى في كذا أي الحظ أو النصيب الأوفر منه.
249 – وعن ابن عمرَ رضي اللَّهُ عنهما أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “المسلمُ أَخو المسلم لا يَظلِمُه ولا يُسْلِمُهُ. ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومنْ فَرَّجَ عنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يومَ القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلماً سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ “مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
مر شرحه في باب سابق، والشاهد منه ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومنْ فَرَّجَ عنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يومَ القيامةِ.
250 – وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنهُ، عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبة منْ كُرب الدُّنْيا، نفَّس اللَّه عنْه كُرْبة منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ، ومنْ يسَّرَ عَلَى مُعْسرٍ يسَّرَ اللَّه عليْه في الدُّنْيَا والآخِرةِ، ومنْ سَتَر مُسْلِماً سَترهُ اللَّه فِي الدنْيا وَالآخِرَةِ، واللهُ فِي عوْنِ العبْد مَا كانَ العبْدُ في عوْن أَخيهِ، ومنْ سَلَكَ طَريقاً يلْتَمسُ فيهِ عِلْماً سهَّل اللَّه لهُ به طَريقاً إِلَى الجنَّة. وَمَا اجْتَمَعَ قوْمٌ فِي بيْتٍ منْ بُيُوتِ اللَّه تعالَى، يتْلُون كِتَابَ اللَّه، ويَتَدارسُونهُ بيْنَهُمْ إلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينةُ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمةُ، وحفَّتْهُمُ الملائكَةُ، وذكَرهُمُ اللَّه فيمَنْ عِندَهُ. ومنْ بَطَّأَ بِهِ عَملُهُ لمْ يُسرعْ به نَسَبُهُ” رواه مسلم.
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنف رحمه الله – يعني مسلم -. (البحر المحيط الثجاج)
بعض جمل هذا الحديث مر معنا
قال النووي:” حديث عظيم جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب ” (شرح مسلم)
قوله (مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبة منْ كُرب الدُّنْيا) قال الطيبي رحمه الله: يقال: نفست عنه كربه: إذا رفعته، وفرجته عنه، مأخوذ من قولهم: أنت في نفس: أي: سعة، كأن من كان في كربة وضيق سد عنه مداخل الأنفاس، فإذا فرج عنه فتحت المداخل، والمعنى هنا: من أزال، وأذهب.
قال النووي:” عنى ” نفس الكربة “: أزالها. وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم أو مال، أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك” (شرح مسلم)، قال ابن رجب:” تنفيسُها أن يُخفَّفَ عنه منها، مأخوذٌ مِنْ تنفيس الخناق، كأنه يُرخى له الخناق حتَّى يأخذ نفساً، والتفريجُ أعظمُ منْ ذلك، وهو أنْ يُزيلَ عنه الكُربةَ، فتنفرج عنه كربتُه، ويزول همُّه وغمُّه، فجزاءُ التَّنفيسِ التَّنفيسُ، وجزاءُ التَّفريجِ التَّفريجُ ” (جامع العلوم والحكم)
قال ابن القيم:” التنفيس هو الترويح يقال نفس الله عنك الكرب أي أراحك منه” (مدارج السالكين)
قال ابن علان:” أي أزال وفرج من تنفيس الخناق أي إرخاؤه حتى يأخذ له نفساً” (دليل الفالحين)
(عن مؤمن) والمراد: أي مؤمن، ولو كان فاسقا؛ مراعاة لإيمانه ” (مرقاة المفاتيح” 1/ 414.) قال ابن علان:” أوثر لمزيد شرفه وحرمته فالثواب فيما يفعل معه من الإحسان آكد. وإلا فالذميّ كذلك هنا وفيما يأتي في أصل الثواب لخبر «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» وخبر «في كل كبد رطبة أجر» وسيأتي ويلي الذميّ المستأمن الحربي. فالثواب في كلٍّ أضعف مما قبله لأنه تابع لمزيد الشرف والاحترام ” (دليل الفالحين)
قال ابن حجر الهيتمي:” عبَّر هنا بـ (مؤمن) على ما في أكثر النسخ، وفيما يأتي بـ (مسلم) إما للتفنُّن، أو لأن الكربة تتعلق بالباطن كما علم مما مر في تفسيرها، فناسب الإيمان المتعلق به أيضًا، والستر يتعلق بالظاهر غالبًا، فناسب الإسلام المتعلق به.” (الفتح المبين بشرح الأربعين)
قوله (كربة) قال ابن علان:” هي ما أهمّ النفس وغم القلب لأن الكربة تقارب أن تزهق النفس كأنها لشدة غمها عطلت مجال التنفس منه وبه يعلم حكمة إيثار نفس على رديف أزال وفرج” (دليل الفالحين)
قوله (نفَّس اللَّه عنْه كُرْبة منْ كُرَب يومِ الْقِيامَةِ)
فإن قلتَ: لِمَ قال: «نَفَسَ الله عنهُ كُربَةً مِن كُرَبِ يوم القِيامَةِ»، ولم يذكر كرب الدنيا، وقال: «سَتَرهُ اللهُ في الدُّنيا والاخرةِ»؟
قال ابن حجر الهيتمي:” خصَّ الجزاء هنا بكُرَبِ القيامة وعمَّمَ في الستر الآتي؛ لأن الدنيا لما كانت محل العورات والمعاصي والعارُ فيهما أكثر منه في الكرب الدنيوية. احتيج إلى الستر فيها فذُكِرا ثَمَّ وأيضًا: فالدنيا وإن كانت محلًّا للكرب أيضًا، لكن لا نسبة لكربها إلى كرب الآخرة حتى تذكر معها، فاقتصر هنا عليها نعم؛ من أعظم كرب الدنيا الإعسارُ، بل هو أعظمها؛ فلذلك أُلحق بالستر، فلم يخص جزاؤه بالآخرة، بل عمَّم في الدنيا أيضًا، وأيضًا: فالكرب الشدائد العظيمة، وليس كل أحدٍ يحصل له ذلك في الدنيا، بخلاف الإعسار والعورات المحتاجة للستر؛ فإن أحدًا لا يكاد أن يخلو في الدنيا منها ولو بتعسر بعض الحاجات المهمة، قيل: ولأن كرب الدنيا بالنسبة إلى كرب الآخرة كلا شيء، فادَّخر اللَّه تعالى جزاء تنفيس الكرب عنده ” (الفتح المبين بشرح الأربعين)
قوله (ومن يسر على معسر)؛ أي: سهل على فقير، وهو يشمل المؤمن والكافر المعاهد؛ أي: من كان له دين على فقير، فسهل عليه بإمهال، أو بترك بعضه، أو كله، وقال الطيبي: المعسر: من ركبه الدين، وتعسر عليه قضاؤه. (البحر المحيط الثجاج)
قال ابن علان:” فيه عظيم فضل التيسير على المعسر والأحاديث فيه كثيرة منها خبر مسلم «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه» وخبره أيضاً «من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله» ” دليل الفالحين
قال ابن عثيمين:” من ذلك أيضاً إذا كنت تطلب شخصاً معسراً؛ فإنه يجب عليك أن تيسر عليه وجوباً؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) [البقرة: 280]، وقد قال العلماء ـ رحمهم الله ـ: من كان له غريم معسر؛ فإنه يحرم عليه أن يطلب منه الدين، أو أن يطالبه به، أو أن يرفع أمره إلى الحاكم؛ بل يجب عليه إنظاره. (شرح رياض الصالحين)
قوله (يسَّرَ اللَّه عليْه في الدُّنْيَا والآخِرةِ) قال ابن رجب:” الإعسار قد يحصُل في الآخرة، وقد وصف الله يومَ القيامة بأنّه يومٌ عسير وأنّه على الكافرين غيرُ يسير، فدلَّ على أنَّه يسير على غيرهم، وقال: {وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً} ” (جامع العلوم والحكم)
قوله (واللهُ فِي عوْنِ العبْد مَا كانَ العبْدُ في عوْن أَخيهِ) رُوِيَ عنْ عبدِ الله بنِ عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً جاءَ إلى رسولِ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فقال: يا رسولَ الله! أيُّ الناسِ أحبُّ إلى الله؟ [وأيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟]، فقال: “أحبُّ الناسِ إلى الله أنْفَعُهم لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعْمالِ إلى الله عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدْخِلُه على مسلمٍ، تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عنه دَيْناً، أوْ تَطْرُدُ عنه جُوعاً، ولأَنْ أَمْشي مَعَ أخٍ في حاجَة؛ أحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجِدِ -يعني مسجدَ المدينَةِ- شَهْراً. (صحيح الترغيب)
كان أبو بكر الصدِّيق – رضي الله عنه – يحلبُ للحيِّ أغنامهم، فلمَّا استخلف، قالت جاريةٌ منهم: الآن لا يحلُبُها، فقال أبو بكر: بلى وإني لأرجو أن لا يغيِّرني ما دخلتُ فيه عن شيءٍ كنتُ أفعلُه، أو كما قال.
وكان عمر يتعاهد الأرامل فيستقي لهنَّ الماءَ باللَّيل، ورآه طلحةُ بالليل يدخلُ بيتَ امرأةٍ، فدخلَ إليها طلحةُ نهاراً، فإذا هي عجوزٌ عمياءُ مقعدةٌ، فسألها: ما يصنعُ هذا الرَّجلُ عندك؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يُصلِحُني، ويخرج عنِّي الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمُّكَ طلحةُ، عثراتِ عمر تتبع؟
وكان أبو وائل يطوفُ على نساء الحيِّ وعجائزهم كلَّ يوم، فيشتري لهنَّ حوائجهنّ وما يُصلِحُهُنَّ. (جامع العلوم والحكم)
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني نوح بن حبيب ثنا وكيع، عن سفيان، عن زبيد، قالوا له: من ذكرت يا أبا سفيان؟ قال: ذكرت زبيدا، أتدرون من كان زبيد؟ كان رجلا من أيام، وكانت له شاة داجن في البيت لها بعر كثير فقال: ما أحب أن لي بكل بعرة منها درهما، وكان زبيد إذا كانت ليلة مطيرة أضاء شعلة من نار فطاف على عجائز الحي فقال: أوكف عليكم البيت، أتريدون نارا؟، فإذا أصبح طاف على عجائز الحي ويقول: ألكم في السوق حاجة، أتريدون شيئا؟ ” (حلية الأولياء)
وفي قضاء الحوائج حفظ للنعم، يدخل في (كان الله في حاجته) روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إنَّ لله أقْواماً اختَصَّهُم بالنِّعَمِ لمنَافعِ العِبادِ، يُقرُّهُم فيها ما بَذلُوها، فإذا مَنَعُوها نَزَعها منهم، فَحوَّلها إلى غَيْرِهِمْ”. رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني في الكبير والأوسط. (حسنه لغيره الألباني)
وروي عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إن لله عند أقوامٍ نعماً أقرها عندهم؛ ما كانوا في حوائج المسلمين ما لم يملّوهم، فإذا ملّوهم نقلها إلى غيرهم”. رواه الطبراني. (حسنه لغيره الألباني)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “ما مِنْ عبدٍ أنْعم الله عليه نِعْمةً فأسْبَغَها عليه، ثُمَّ جعلَ مِنْ حوائجِ الناسِ إليه فتَبَرَّمَ؛ فقدْ عرَّض تلكَ النِّعْمَة لِلزَّوالِ”. رواه الطبراني. (حسنه الألباني)
قال ابو حاتم البستي:” الواجب على المسلمين كافة نصيحة المسلمين والقيام بالكشف عَن همومهم وكربهم لأن من نفس كربة من كرب الدنيا عَن مسلم نفس اللَّه عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن تحرى قضاء حاجته ولم يقض قضاؤها على يديه فكأنه لم يقصر في قضائها وأيسر مَا يكون في قضاء الحوائج استحقاق الثناء والإخوان يعرفون عند الحوائج كما أن الأهل تختبر عند الفقر لأن كل الناس في الرخاء أصدقاء وشر الإخوان الخاذل لإخوانه عند الشدة والحاجة كما أن شر البلاد بلدة ليس فيها خصب ولا أمن” (روضة العقلاء)
قوله (من سلك ,,, الخ) سلك أي طلب، قال القرطبي رحمه الله: أي: من مشى إلى تحصيل علم شرعي، قاصدا به وجه الله تعالى، جازاه الله عليه بأن يوصله إلى الجنة مسلما مكرما. (المفهم)
فيه أن طلب العلم طريق إلى الجنة.
قال النووي في ذكر فوائد الحديث:” فضل المشي في طلب العلم، ويلزم من ذلك الاشتغال بالعلم الشرعي، بشرط أن يقصد به وجه الله تعالى، إن كان هذا شرطا في كل عبادة، لكن عادة العلماء يقيدون هذه المسألة به؛ لكونه قد يتساهل فيه بعض الناس، ويغفل عنه بعض المبتدئين ونحوهم. (شرح مسلم)
قال ابن رجب:” سلوكُ الطَّريقِ لالتماس العلم يدخُلُ فيه سلوكُ الطَّريق الحقيقيِّ، وهو المشيُ بالأقدام إلى مجالسِ العلماء، ويدخلُ فيه سلوكُ الطُّرُق المعنويَّة المؤدِّية إلى حُصولِ العلمِ، مثل حفظه، ودارسته، ومذاكرته، ومطالعته، وكتابته، والتفهُّم له، ونحو ذلك مِنَ الطُّرق المعنوية التي يُتوصَّل بها إلى العلم. (جامع العلوم والحكم)
(علما) نكره؛ ليشمل كل نوع من أنواع علوم الدين، قليله، أو كثيره، إذا كان بنية القربة، والنفع، والانتفاع، وفيه استحباب الرحلة في طلب العلم، وقد ذهب موسى إلى الخضر -عليهما الصلاة والسلام- وقال له: {هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} [الكهف: 66]،، ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهرإلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد. (البحر المحيط الثجاج)
قال ابن رجب:” إنَّ العلم يدلُّ على الله مِنْ أقرب الطرق إليه، فمن سلك طريقَه، ولم يُعرِّجْ عنه، وصل إلى الله تعالى وإلى الجنَّةِ مِنْ أقرب الطُّرق وأسهلها فسَهُلَت عليه الطُّرُق الموصلةُ إلى الجنَّة كلها في الدنيا والآخرة، فلا طريقَ إلى معرفة الله، وإلى الوصول إلى رضوانه، والفوزِ بقربه، ومجاورته في الآخرة إلاَّ بالعلم النَّافع الذي بعثَ الله به رُسُلَه، وأنزل به كتبه، فهو الدَّليل عليه، وبه يُهتَدَى في ظُلماتِ الجهل والشُّبَهِ والشُّكوك، ولهذا سمّى الله كتابه نوراً؛ لأنّه يُهتَدَى به في الظُّلمات ” (جامع العلوم والحكم)
والكلام في العلم كثير، وذو شجون، قال ابن المبارك – رحمه الله: «لا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم (تهذيب الكمال (16) / (20))
وقال الإمام أحمد: “كنت ربما أردت البكور في الحديث فتأخذ أمي بثيابي، وتقول: اصبر حتى يؤذن الناس، أو حتى يصبحوا” (مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي)
قال الإمام أحمد أيضا -: أقام شعبة على الحكَم بنِ عُتَيْبةَ ثمانية عشَر شَهْراً -يعني يطلب الحديث- حتى باع جُذُوعَ بيته! (العلل ومعرفة الرجال2/ 342)
قال ابن عُيينة -رحمه الله-: سمعت شعبة يقول: من طلب الحديث أفلس!، بعتُ طَسْتَ أمي بسبعة دنانير! (سير أعلام النبلاء7/ 220)
قال الذهبي:” العلم ليس هو بكثرة الرواية، ولكنه نور يقذفه الله في القلب، وشرطه الاتباع، والفرار من الهوى والابتداع” (سير أعلام النبلاء)
قال بن خراش – رحمه الله تعالى -: (شربت بولي في طلب هذا الشأن – يعني: طلب الحديث – خمس مرات (سير أعلام النبلاء 13/ 509)
• قال الحافظ البلخي الوخشي – رحمه الله تعالى -: (لقد كنت بعسقلان أسمع من ابن مصحح، وبقيت أيامًا بلا أكل، فقعدت بقرب خباز لأشم رائحة الخبز، وأتقوى بها (سير أعلام النبلاء18/ 367)
قال ابن القيم:” سمعت شيخنا أبا العباس ابن تيميه رحمه الله يقول ـ وقد عرض له بعض الألم ـ فقال له الطبيب: أضر ما عليك الكلام في العلم والفكر فيه والتوجه والذكر، فقال: ألستم تزعمون أن النفس إذا قويت وفرحت أوجب فرحها لها قوة تعين بها الطبيعة على دفع العارض؛ فإنه عدوها، فإذا قويت عليه قهرته؟
فقال الطبيب: بلى، فقال إذا اشتغلت نفسي بالتوجيه والذكر والكلام في العلم وظفرت بما يشكل عليها منه فرحت به وقويت فأوجب ذلك دفع العارض.!
مفتاح دار السعادة (2/ 170).
(سهَّل اللَّه لهُ به طَريقاً إِلَى الجنَّة)؛ أي: يسهل الله له العلم الذي طلبه، وسلك طريقه، وييسره عليه، فإن العلم طريق يوصل إلى الجنة، أو ييسر الله له إذا قصد بطلبه وجه الله تعالى الانتفاع به، والعمل بمقتضاه، فيكون سببا لهدايته، ولدخول الجنة بذلك، وقد ييسر الله لطالب العلم علوما أخرى ينتفع بها، وتكون موصلة إلى الجنة، أو يسهل الله له طريق الجنة الحسي يوم القيامة، وهو الصراط، وما قبله، وما بعده من الأهوال … (البحر المحيط الثجاج)
قوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا اجْتَمَعَ قوْمٌ فِي بيْتٍ منْ بُيُوتِ اللَّه تعالَى، يتْلُون كِتَابَ اللَّه، ويَتَدارسُونهُ بيْنَهُمْ إلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينةُ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمةُ، وحفَّتْهُمُ الملائكَةُ، وذكَرهُمُ اللَّه فيمَنْ عِندَهُ.)
(من بيوت الله) بضم الباء، وتكسر، وإنما عدل عن المساجد إلى بيوت الله؛ ليشمل كل ما يبنى تقربا إلى الله تعالى، من المساجد، والمدارس، والربط. وقال القرطبي رحمه الله: بيوت الله هي المساجد، كما قال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} [النور: 36]. انتهى، والأول أقرب، والله تعالى أعلم. (البحر المحيط الثجاج)
قال ابن باز:” ((ما اجتمع قوم يذكرون الله)) يعني: في أي مكان لكن إذا كان في المسجد كان ذلك أفضل؛ لما في المسجد من الأعانة على هذا الخير لأن وجودهم في المسجد من أعظم الأسباب في فراغهم وعنايتهم بالقرآن وعدم تشاغلهم بشيء بخلاف البيوت …. ” (شرح رياض الصالحين)
قوله (نزلت عليهم السكينة) قيل: المراد بالسكينة هنا: الرحمة، وهو الذي اختاره القاضي عياض، وهو ضعيف؛ لعطف الرحمة عليه، وقيل: الطمأنينة والوقار، وهو أحسن، وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك: يكره، وتأوله بعض أصحابه، ويلحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة الاجتماع في مدرسة ورباط ونحوهما إن شاء الله تعالى. (شرح مسلم)
قال ابن رجب:” هذه الخصال الأربعُ لكلِّ مجتمعين على ذكر الله تعالى، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد، كلاهما عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، قال: ((إنَّ لأهلِ ذكرِ الله تعالى أربعاً: تنزلُ عليهمُ السَّكينةُ، وتغشاهمُ الرَّحمةُ، وتحفُّ بهم الملائكةُ، ويذكرُهُم الرَّبُّ فيمن عنده)). وقد قال الله تعالى: {فَاذْكُرُوْنِي أَذْكُرْكُمْ} وذكر الله لعبده: هو ثناؤه عليه في الملأ الأعلى بين ملائكته ومباهاتهم به وتنويهه بذكره. . قال الربيع بن أنس: إن الله ذاكر من ذكره، وزائد من شكره، ومعذب من كفره، قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا (41) وسبحوه بكرة وأصيلا (42)} [الأحزاب: 41، 42]، وصلاة الله على عبده هي ثناؤه عليه بين ملائكته، وتنويهه بذكره، كذا قال أبو العالية، ذكره البخاري في “صحيحه” ” (جامع العلوم والحكم)
قال صاحب عون المعبود ” (يتلون كتاب الله ويتدارسونه) أي: يشتركون في قراءة بعضهم على بعض ويتعهدونه خوف النسيان (إلا نزلت عليهم السكينة) فعيلة من السكون للمبالغة، والمراد هنا الوقار والرحمة أو الطمأنينة (وحفتهم الملائكة) أي: أحاطت بهم ملائكة الرحمة (وذكرهم الله) أثنى عليهم أو أثابهم (فيمن عنده) من الأنبياء وكرام الملائكة. قاله عبد الرؤوف المناوي. ” (عون المعبود)
قال القرطبي:” وقد تمسك بهذا الحديث من يجيز قراءة القرآن على لسان واحد، كما يفعل عندنا بالمغرب، وقد كره بعض علمائنا ذلك، ورأوا أنها بدعة؛ إذ لم تكن كذلك قراءة السلف، وإنما الحديث محمول على أن كل واحد يدرس لنفسه، أو مع من يصلح عليه، وليستعين به” (المفهم)
قال ابن عثيمين:” قراءة القرآن بصوت واحد مع جماعة هذا جائز إذا لم يتضمن محظوراً، فما المحظور؟ أن يحصل به تشويش على من حولهم فيمنع عن ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة» أو قال: «في القرآن». ومنها أيضاً -أي: من المحاذير- أن يتخذ هذا على سبيل الطرب وهز الظهور، وما أشبه ذلك مما يفعله بعض الناس أصحاب الطرق، فهذا أيضاً يمنع منه. ومنها أيضاً أن يحصل به إعراض عن تلاوة الإنسان لنفسه؛ يعني الذين يألفون هذه الطريقة حتى لا يستطيع المرء منهم أن يقرأ القرآن لنفسه، فإن هذا محذور يجب تجنبه، فإذا سلم من المحاذير فليس به بأس، وإذا كان الرجل إذا قرأ وحده صار أقرب إلى استقراره وإلى تدبره كان ذلك أولى من القراءة للجمع.” (فتاوى نور على الدرب)
قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) قال القرطبي:” يعني: أن الآخرة لا ينفع فيها إلا تقوى الله تعالى، والعمل الصالح، لا الفخر الراجح، ولا النسب الواضح ” (المفهم)
قال النووي:” معناه: من كان عمله ناقصا لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال فينبغي ألا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء، ويقصر في العمل. (شرح مسلم)
قال ابن باز:” من بطأت به الأعمال وتأخرت به الأعمال، ما قدمه نسبه ولو كان من بني هاشم، من رهط النبي عليه الصلاة والسلام، أبو لهب من رهط النبي وهو في النار، وأبو طالب من رهط النبي وهو في النار وهو عمه وهو في النار … المقصود أن الأنساب لا تنجي من عذاب الله ولا تقدم إلى الجنة وإنما الذي يقدم إلى الجنة ويُسبب دخولها برحمة الله وفضله أعمالك الصالحة، تقواك لله وقيامك بأمره ومن ذلك نفع المسلمين وإعانتهم على ما ينفعهم وسد حاجاتهم ومواساتهم من مالك من جاهك هذا مما ينفك في الدنيا والآخرة” (شرح رياض الصالحين 1/ 497)