211 و 212 و 213عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم
-211 عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأرْضِ طُوِّقَهُ منْ سَبْعِ أَرَضِينَ ” متفقٌ عليه.
قوله (قيد شبر) بكسر القاف، وسكون التحتانية؛ أي: قدره، يقال: هو قيد رمح، وقاد رمح؛ أي: قدره (المصباح المنير)
قال النووي:” هو بكسر القاف وإسكان الياء أي: قدر شبر من الأرض، يقال: قيد وقاد وقيس وقاس بمعنى واحد.” (شرح النووي)
قال ابن حجر:” كأنه ذكر الشبر إشارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد ” (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” ليس هذا على سبيل القيد، بل هو على سبيل المبالغة، يعني فإن ظلم ما دونه طُوقه أيضاً، لكن العرب يذكرون مثل هذا للمبالغة، يعني ولو كان شيئاً قليلاً قيد شبر فإنه سيطوقه يوم القيامة.” (شرح رياض الصالحين 2/ 497)
قوله (طوقه من سبع أرضين) قال ابن تيمية:” خلق الله سبع أرضين بعضهن فوق بعض كما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من ظلم شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة} وقد ذكر أبو بكر الأنباري الإجماع على ذلك وأراد به إجماع أهل الحديث والسنة” (مجموع الفتاوي 6/ 595)
قال ابن علان:” قال الخطابي: قوله (طوقه) له وجهان: أحدهما: أن معناه كلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة.
والثاني: أن معناه أنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين فيكون كل أرض في تلك الحالة طوقاً في عنقه اهـ
قال الحافظ ابن حجر: ويؤيد الثاني رواية ابن عمر في البخاري بلفظ: «خسف به إلى سبع أرضين»، وقيل: معناه كالأول، لكن بعد أن ينقل جميعه يجعل كله في عنقه طوقاً ويعظم قدر عنقه اهـ.
حتى يسمع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافر ونحو ذلك ويحتمل وهو الوجه الرابع أن المراد بقوله: طوقه أن يكلف أن يجعل له طوقاً ولا يستطيع ذلك فيعذب بذلك كما جاء في حق «من كذب في منامه كلف أن يعقد بين شعيرتين» ويحتمل وهو الوجه الخامس أن يكون التطويق الإثم، والمراد أن الظلم المذكور لازم له في عنقه ومنه قوله تعالى: {ألزمناه طائره في عنقه} (الإسراء: 13) وبالوجه الأول جزم أبو الفتح القشيري وصححه البغوي ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه الجناية، أو تنقسم أصحاب هذه الجناية فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا بحسب قوة المفسدة وضعفها” (دليل الفالحين 1/ 385)
قال ابن كثير:” ما ذهب إليه بعض المتكلمين على حديث (طوقه من سبع أرضين) أنها سبعة أقاليم. فهو قول يخالف ظاهر الآية والحديث الصحيح وصريح كثير من ألفاظه مما يعتمد من الحديث الذي أوردناه من طريق الحسن عن أبي هريرة. ثم إنه حمل الحديث والآية على خلاف ظاهرهما بلا مستند ولا دليل والله أعلم. وهكذا ما يذكره كثير من أهل الكتاب وتلقاه عنهم طائفة من علمائنا من أن هذه الأرض من تراب والتي تحتها من حديد والأخرى من حجارة من كبريت والأخرى من كذا فكل هذا إذا لم يخبر به ويصح سنده إلى معصوم فهو مردود على قائله … ” (البداية والنهاية 1/ 19)
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية باب ما جاء في سبع أرضين وذكر الآيات والأحاديث فليراجع.
قال ابن باز:” معناه: أن الظالم يتحمل هذا الجزء وما تحته إلى سبع أرضين، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: من ظلم شبرًا من أرض طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين يعني: يجعل طوقًا في عنقه ذلك الجزء وما تحته إلى آخر الأرض” (موقع الشيخ)
قال أيضا: “هذا فيه التحذير من ظلم الأراضي، ظلم العقارات والأراضي، وأن الظالم يطوق ما ظلمه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد” (شرح رياض الصالحين لابن باز 434)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: تأكيد تحريم غصب الأرض، وأنَّ من أخذ شيئًا منها ظلمًا عُذِّب بحمله يوم القيامة في عنقه.
وفي الحديث الآخر: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» وفيه: دليل على أنَّ الأرضين السبع طباق، كالسموات.” (تطريز رياض الصالحين 165)
قال ابن عثيمين:” هذا الحديث يتناول نوعاً من أنواع الظلم وهو الظلم في الأرضي. وظلم الأراضى من أكبر الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ” لعن من غير منار الأرض”.
قال العلماء: منار الأرض حدودها؛ لأنه مأخوذ من ” المنور” وهو العلامة، فإذا غير إنسان من هذه الأرض، بأن أدخل شيئاً من هذه الأرض إلى أرض غيره، فإنه ملعون على لسان النبي صلى الله عليه وسلم.
وثمة عقوبة أخرى، وهو ما ذكره في هذا الحديث؛ أنه إذا ظلم قيد شبر طُوقه يوم القيامة من سبع أرضين؛ لأن الأرضين سبع، كما جاءت به السنة صريحاً، وكما ذكره الله تعالى في القرآن إشارة في قوله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) (الطلاق: 12)، ومعلوم أن المماثلة هنا ليست في الكيفية؛ لأن بين السماء والأرض من الفرق كما بينهما من المسافة، السماء أكبر بكثير من الأرض، وأوسع، وأعظم. قال الله تعالى (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍَ) (الذريات: 47) أي بقوة، وقال تعالى (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً) (النبأ: 12) أي قوية.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 2/ 497)
قال أيضا:” في هذا الحديث دليلٌ على أن من ملك الأرض ملك قعرها إلى الأرض السابعة، فليس لأحد أن يضع نفقاً تحت أرضك إلا بإذنك … كما أن الهواء لك إلى السماء، فلا أحد يستطيع أن يبني على أرضك سقفاً إلا بإذنك. ولهذا قال العلماء: الهواء تابع للقرار، والقرار ثابت إلى الأرض السابعة، فالإنسان له من فوق ومن تحت، لا أحد عليه يتجرأ.
قال أهل العلم: ولو كان عند جارك شجرة، فامتدت أغصانها إلى أرضك، وصار الغصن على أرضك، فإن الجار يلويه عن أرضك، فإن لم يمكن ليه فإنه يقطع، إلا بإذن منك وإقرار؛ لأن الهواء لك وهو تابع للقرار.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 2/ 497)
212 – وعن أَبي موسى رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
(إن الله عز وجل يملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته) قال النووي:” معنى ” يملي “: يمهل ويؤخر، ويطيل له في المدة، وهو مشتق من الملوة، وهي المدة والزمان – بضم الميم وكسرها وفتحها –
ومعنى ” لم يفلته “: لم يطلقه، ولم ينفلت منه، قال أهل اللغة: يقال: أفلته: أطلقه، وانفلت: تخلص منه. (شرح النووي)
قال ابن حجر:” قوله: (حتى إذا أخذه لم يفلته). بضم أوله من الرباعي أي لم يخلصه، أي إذا أهلكه لم يرفع عنه الهلاك، وهذا على تفسير الظلم بالشرك على إطلاقه، وإن فسر بما هو أعم، فيحمل كل على ما يليق به، وقيل معنى لم يفلته: لم يؤخره، وفيه نظر؛ لأنه يتبادر منه أن الظالم إذا صرف عن منصبه وأهين لا يعود إلى عزه، والمشاهد في بعضهم بخلاف ذلك، فالأولى حمله على ما قدمته. والله أعلم.” (فتح الباري)
أما تفسير الآية قوله {وكذلك} أي مثل ذلك الأخذ {أخذ ربك إذا أخذ القرى} أريد أهلها. والمعنى وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة، كذلك نفعل بأشباههم {وهي ظالمة} بالذنوب. أي فلا يغني عنهم من أخذه شيء. (تحفة الأحوذي)
قال إمام المفسرين أبو جعفر الطبري – رحمه الله – في “تفسيره”: يقول تعالى ذكره: وكما أخذت أيها الناس أهل هذه القرى التي اقتصصت عليكم نبأ أهلها بما أخذتهم به من العذاب على خلافهم أمري، وتكذيبهم رسلي، وجحودهم آياتي، فكذلك أخذي القرى وأهلها إذا أخذتهم بعقابي، وهم ظلمة لأنفسهم بكفرهم بالله، واشراكهم به غيره، وتكذيبهم رسله”
قال فيصل آل مبارك:” فيه: الوعيد الشديد للظالم، وإنْ أُمْهِل على ظلمه، ولم يُعاجل بالعقوبة، فإن الله تعالى (يمهل ولا يهمل). قال الله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183].” (تطريز رياض الصالحين ص165)
قال ابن باز:” الظالم قد يملى له ثم يؤخذ على غرة فيندم غاية الندامة … وقد يؤجل ويؤخذ بها يوم القيامة وهو أشد كما قال تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (42، يعني يوم القيامة، وقال (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) قد يُملى للظالم ويؤجل” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 437)
قال ابن عثيمين:” فمن الاستدراج أن يملى للإنسان في ظلمه، فلا يعاقب له سريعاً حتى تتكدس عليه المظالم، فإذا أخذه الله لم يفلته، أخذه أخذ عزيز مقتدر. ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود: 102)، فعلى الإنسان الظالم أن لا يغتر بنفسه ولا بإملاء الله له، فإن ذلك مصيبة فوق مصيبته؛ لأن الإنسان إذا عوقب بالظلم عاجلاً، فربما يتذكر ويتعظ ويدع الظلم، لكن إذا أملي له واكتسب آثاماً أو ازداد ظلماً، ازدادت عقوبته والعياذ بالله فيؤخذ على غرة، حتى إذا أخذه الله لم يفلته” (شرح رياض الصالحين 2/ 498)
213 – وعن مُعاذٍ رضي اللَّه عنه قَالَ: بعَثَنِي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: “إنَّكَ تَاتِي قوْماً مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب، فادْعُهُمْ إِلَى شَهَادة أَنْ لا إِلَهَ إلاَّ اللَّه، وأَنِّي رَسُول اللَّه فإِنْ هُمْ أَطاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْترضَ علَيْهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يومٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ، فَأَعلِمْهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْتَرَضَ عَلَيهمْ صدَقَةً تُؤْخذُ مِنْ أَغنيائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرائهم، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذلكَ، فَإِيَّاكَ وكَرائِمَ أَمْوالِهم. واتَّقِ دعْوةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْس بَيْنَها وبيْنَ اللَّه حِجَابٌ “متفقٌ عليه.
قوله: بعَثَنِي رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: (قال النووي” وفي هذا الحديث قبول خبر الواحد ووجوب العمل به” (ِشرح النووي)
قال ابن عثيمين:” وجوب بعث الدعاة إلى الله، وهذا من خصائص ولي الأمر، يجب على ولي أمر المسلمين أن يبعث الدعاة إلى الله في كل مكان، كل مكان يحتاج إلى الدعوة” شرح الرياض 502)
قوله (ستأتي قوما أهل كتاب) هي كالتوطئة للوصية، لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان، وليس فيه أن جميع من يقدم عليهم من أهل الكتاب، بل يجوز أن يكون فيهم من غيرهم، وإنما خصهم بالذكر تفضيلا لهم على غيرهم. (فتح الباري) قال ابن عثيمين:” أخبره بحالهم لكي يكون مستعداً لهم؛ لأن الذي يجادل أهل الكتاب لابد أن يكون عنده من الحجة أكثر وأقوى مما عنده للمشرك؛ لأن المشرك جاهل، والذي أوتي الكتاب عنده علم.” (شرح الرياض 2/ 499)
وقال أيضا:” ينبغي أن يُذكر للمبعوث حال المبعوث إليه، حتى يتأهب لهم، وينزلهم منازلهم، لئلا يأتيهم على غرة، فيوردون عليه من الشبهات ما ينقطع به، ويكون في هذا مضرة عظيمة على الدعوة” (شرح رياض)
قوله: (فإذا جئتهم) قيل: عبر بلفظ: ” إذا ” تفاؤلا بحصول الوصول إليهم. (فتح الباري)
قوله: (فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله)
قال النووي:” فيه أنه لا يحكم بإسلامه إلا بالنطق بالشهادتين، وهذا مذهب أهل السنة.” (شرح النووي)
في رواية: ” فأول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله “. وفي رواية الفضل بن العلاء عنه: ” إلى أن يوحدوا الله، فإذا عرفوا ذلك “. ويجمع بينها بأن المراد بعبادة الله توحيده وبتوحيده الشهادة له بذلك ولنبيه بالرسالة، ووقعت البداءة بهما؛ لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين، ومن كان موحدا فالمطالبة له بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة، وإن كانوا يعتقدون ما يقتضي الإشراك أو يستلزمه كمن يقول ببنوة عزير أو يعتقد التشبيه فتكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم. ” (فتح الباري)
قال اباز –رحمه الله-:”يعني: ادعهم إلى توحيد الله و الإخلاص له، والإيمان برسوله محمد، عليه الصلاة والسلام ولهذا في اللفظ الآخر:” فادعهم إلى أن يوحدوا الله ويشهدوا أني رسول الله” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 438)
قال ابن عثيمين:” أول ما يدعى إليه الناس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وذلك قبل كل شيء. لا تقل للكفار مثلاً إذا أتيت لتدعوهم: اتركوا الخمر …. فأول ما تدعو: أن تدعوا إلى التوحيد والرسالة؛ أن يشهدوا أن لا إليه إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم بعد ذلك عليك ببقية أركان الدين الأهم فالأهم.” (شرح الرياض 1/ 503)
قوله: (فإن هم أطاعوا لك بذلك) قال ابن دقيق العيد: يحتمل وجهين، أحدهما أن يكون المراد إقرارهم بوجوبها عليهم والتزامهم لها، والثاني أن يكون المراد الطاعة بالفعل، وقد يرجح الأول بأن المذكور هو الإخبار بالفريضة، فتعود الإشارة بذلك إليها، ويترجح الثاني بأنهم لو أخبروا بالفريضة فبادروا إلى الامتثال بالفعل لكفى ولم يشترط التلفظ بخلاف الشهادتين، فالشرط عدم الإنكار والإذعان للوجوب. انتهى. والذي يظهر أن المراد القدر المشترك بين الأمرين، فمن امتثل بالإقرار أو بالفعل كفاه أو بهما فأولى. (فتح الباري)
(فَأَعْلِمهُمْ أَنَّ اللَّه قَدِ افْترضَ علَيْهم خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يومٍ وَلَيْلَةٍ) قال النووي:” وفيه أن الوتر ليس بواجب لأن بعث معاذ إلى اليمن كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل بعد الأمر بالوتر والعمل به” (ِشرح النووي)
قال ابن عثيمين:” من فوائده: أن الوتر ليس بواجب؛ لأن النبي صلى الله عليه لم يذكره، ولم يذكر إلا خمس صلوات فقط، وهذا القول هو القول الراجح من أقوال أهل العلم” (شرح الرياض 2/ 504)
قوله: (تؤخذ من أغنيائهم) استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه، فمن امتنع منها أخذت منه قهرا. (فتح الباري)
قوله: (على فقرائهم) قال النووي:” وفيه أن الزكاة لا تدفع إلى كافر، ولا تدفع أيضا إلى غني من نصيب الفقراء ” (شرح النووي)
استدل به لقول مالك وغيره: إنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد، وفيه بحث كما قال ابن دقيق العيد لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم الغالب في ذلك، وللمطابقة بينهم وبين الأغنياء، وقال الخطابي: وقد يستدل به من لا يرى على المديون زكاة ما في يده إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر نصاب؛ لأنه ليس بغني إذا كان إخراج ماله مستحقا لغرمائه. (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” قوله: ” تردٌ في فقرائهم” أي تصرف في فقراء البلد؛ لأن فقراء البلد أحق من تصرف إليهم صدقات أهل البلد، ولهذا يخطئ قوم يرسلون صدقاتهم إلى بلاد بعيدة، وفي بلادهم من هو محتاج، فإن ذلك حرامٌ عليهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” تؤخذ من أغنيائهم فتردٌ إلى فقرائهم” ولأن الأقربين أولى بالمعروف، ولأن الأقربين يعرفون المال الذي عندك، ويعرفون أنك غني، فإذا لم ينتفعوا بمالك فإنه سيقع في قلوبهم من العداوة والبغضاء، ما تكون أنت السبب فيه، ربما إذا رأوا أنك تخرج صدقة إلى بلاد بعيدة وهم محتاجون، ربما يعتدون عليك، ويفسدون أموالك، ولهذا كان من الحكمة أنه ما دام في أهل بلدك من هو في حاجة أن لا تصرف صدقتك إلى غيره.” (شرح الرياض 2/ 501)
قوله (فإياك وكرائم أموالهم) قال النووي:” أما الكرائم فجمع كريمة. قال صاحب المطالع: هي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة أو كثرة لحم أو صوف. وهكذا الرواية ” فإياك وكرائم ” بالواو في قوله: وكرائم. قال ابن قتيبة. ولا يجوز إياك كرائم أموالهم بحذفها. ” (شرح مسلم)
وقال أيضا:” فيه أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم المال في أداء الزكاة، بل يأخذ الوسط، ويحرم على رب المال إخراج شر المال. (شرح النووي)
قال ابن حجر:” ففيه ترك أخذ خيار المال، والنكتة فيه أن الزكاة لمواساة الفقراء، فلا يناسب ذلك الإجحاف بمال الأغنياء إلا إن رضوا بذلك” (فتح الباري)
قال ابن باز:” يعني لا تظلمهم تأخذ كريمة المال من الإبل والبقر والغنم والحبوب وغير ذلك، بل تؤخذ الزكاة من الوسط إلا إذا طابت نفس المزكي.” (شرح رياض الصالحين لاباز 1/ 439)
قوله: (واتق دعوة المظلوم) قال النووي:” وفيه بيان عظم تحريم الظلم، وأن الإمام ينبغي أن يعظ ولاته، ويأمرهم بتقوى الله تعالى، ويبالغ في نهيهم عن الظلم، ويعرفهم قبح عاقبته. (شرح النووي)
أي تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم. وفيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم، والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم الإشارة إلى أن أخذها ظلم. (فتح الباري)
قوله (فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) قال النووي:” ومعنى ” ليس بينها وبين الله حجاب ” أي أنها مسموعة لا ترد. شرح النووي قوله: (حجاب) أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع، والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا ” دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه “. وإسناده حسن،
قال ابن العربي: إلا أنه وإن كان مطلقا فهو مقيد بالحديث الآخر أن الداعي على ثلاث مراتب: إما أن يعجل له ما طلب، وإما أن يدخر له أفضل منه، وإما أن يدفع عنه من السوء مثله. وهذا كما قيد مطلق قوله تعالى: {أم من يجيب المضطر إذا دعاه} بقوله تعالى: {فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} (فتح الباري)
قال ابن باز:” فَإِيَّاكَ وكَرائِمَ أَمْوالِهم. واتَّقِ دعْوةَ الْمَظْلُومِ هذا الشاهد حذر من دعوة المظلوم فإن الإنسان إذا أُخذ منه الشيء بغير حقه قد يدعو على الآخذ، قد يضرع إلى الله أن ينتقم منه، وأن يعطيه حقه منه و دعوة المظلوم مستجابة، واتَّقِ دعْوةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْس بَيْنَها وبيْنَ اللَّه حِجَابٌ بل ترفع إليه سبحانه وتعالى. (شرح رياض الصالحين لاباز 1/ 439)
قال النووي:” استدل به الخطابي وسائر أصحابنا على أن الزكاة لا يجوز نقلها عن بلد المال لقوله صلى الله عليه وسلم فترد في فقرائهم، وهذا الاستدلال ليس بظاهر لأن الضمير في فقرائهم محتمل لفقراء المسلمين، ولفقراء أهل تلك البلدة والناحية وهذا الاحتمال أظهر، واستدل به بعضهم على أن الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الشريعة من الصلاة والصوم والزكاة وتحريم الزنا ونحوها؛ لكونه صلى الله عليه وسلم قال: ” فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن عليهم “، فدل على أنهم إذا لم يطيعوا لا يجب عليهم. وهذا الاستدلال ضعيف فإن المراد أعلمهم أنهم مطالبون بالصلوات وغيرها في الدنيا، والمطالبة في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام، وليس يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها يزاد في عذابهم بسببها في الآخرة ولأنه صلى الله عليه وسلم رتب ذلك في الدعاء إلى الإسلام وبدأ بالأهم فالأهم. ألا تراه بدأ صلى الله عليه وسلم بالصلاة قبل الزكاة، ولم يقل أحد: إنه يصير مكلفا بالصلاة دون الزكاة. والله أعلم. ثم اعلم أن المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به والمنهي عنه، هذا قول المحققين والأكثرين، وقيل: ليسوا مخاطبين بها، وقيل: مخاطبون بالمنهي دون المأمور. والله أعلم. (شرح النووي)
قال ابن حجر:” في الحديث أيضا الدعاء إلى التوحيد قبل القتال، وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وغيرها، وفيه بعث السعاة لأخذ الزكاة، وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به، وإيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون لعموم قوله: ” من أغنيائهم ” قاله عياض ” (فتح الباري)
قال ابن باز:” فالواجب على كل من تهمه نفسه وكل من تعز عليه نفسه وكل من يخاف العقاب عليها، أن يحذر الظلم في جميع الأحوال، فالظلم عاقبته وخيمة وشره عظيم.” (شرح رياض الصالحين لاباز 1/ 439)